بحث قانوني مميز حول الوصف القانوني للجريمة
فرقد عبود العارضي
بسم الله الرحمن الرحيم
((وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم )) صدق الله العلي العظيم (التوبة – 115- )
المقدمة
لقد نص مبدأ الشرعية الجنائية على اختصاص المشرع الجنائي بإنشاء الجرائم والعقوبات وفقا لما هو مقرر فيه بأنه ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ) , وبالتالي يحظر على القاضي أن ينشأ جرائم وعقوبات من نفسه حيث تنحصر مهمته بتطبيق النص القانوني المحدد من قبل المشرع على الواقعة المطروحة أمامه . وهذا المبدأ الدستوري تقتضيه مبررات مبدأ دستوري آخر ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات حيث تختص كل سلطة بوظيفة معينة تحددها طبيعتها ومقتضيات العمل , فالسلطة التشريعية تختص بوضع القوانين أما السلطة التنفيذية فوظيفتها تنفيذ القوانين في حين إن السلطة القضائية وظيفتها تطبيق القوانين التي وضعتها السلطة التشريعية على الوقائع والحوادث المعروضة أمامها . ولكن يلاحظ في كثير من الأحيان أن بعض الفقه يخلط بين معنى الوصف القانوني الذي هو التحديد القانوني من قبل المشرع لواقعة معينة وإخضاعها لنص أو نموذج قانوني معين ينطبق عليها وبالتالي يكون هذا النص المحدد من قبل المشرع متضمنا الجريمة والعقوبة المحددة من قبل المشرع , وبين التكييف القانوني الذي هو عمل قضائي صرف حيث أن القاضي يعمل سلطته التقديرية لتقدير إخضاع الواقعة المعروضة عليه إلى النص القانوني الملائم الذي ينطبق عليها وذلك كله وفقا لتقدير القاضي طبقا لثقافته القانونية وبالتالي يعتمد ذلك على فطنته وذكائه وخبرته وعلمه القانوني دون علمه الشخصي , مع ملاحظة أن علم القاضي الشخصي لا يشمل العلم بالأمور العامة التي يفترض بالناس كافة الإلمام بها .
ومن هنا كان هذا البحث المتواضع بمثابة الدعوة إلى ذلك البعض من الفقه إلى ضرورة التمييز بين الوصف القانوني للجريمة وبين التكييف القانوني لها وإقامة التفرقة الضرورية بينهما لان من شأن ذلك الوصول إلى المعنى الحقيقي والفعلي لكل من المصطلحين , حيث إن المشرع هو الذي يصف من خلال النص أو النموذج القانوني الموضوع من قبله , والقاضي هو الذي يكيف بإنزال حكم القانون المحدد سلفا من قبل المشرع على الواقعة المعروضة أمامه . فالمشرع عندما يواجه واقعة لم تحدد بنص سابقا فانه يقوم بوصفها من خلال وضع النص الملائم لها والذي يحدد تجريمها والعقوبة المناسبة لها , فمثلا إن المشرع يصف واقعة ضرب احد الأشخاص لشخص لآخر بأنها جريمة ضرب , لكن هذه الجريمة ذاتها عندما تؤدي إلى عاهة مستديمة أو إلى الموت هنا يتعين على المشرع أن يعطيها وصف آخر يتضمن تجريم جديد وعقوبة جديدة تختلف بالضرورة عن جريمة الضرب العادي . والمشرع أيضا يصف واقعة اخذ الموظف لمال معين من مواطن له معاملة لدى هذا الموظف بأنه رشوة وأيا كانت صورة هذا الأخذ , في حين لو أن الموظف ذاته اخذ الأموال الموجودة في عهدته والمملوكة للدولة هنا يقوم المشرع بإعطاء وصف قانوني آخر لعمل الموظف هذا وفقا لنص أو نموذج قانوني آخر وذلك بتسمية عمله بجريمة اختلاس أموال الدولة فهنا التحديد القانوني اختلف عن جريمة الرشوة وكذلك العقوبة التي ينبغي أن تختلف عنها . وبالتالي يتبين ضرورة التفريق بين الوصف القانوني الذي هو من صميم اختصاص المشرع وبين التكييف القانوني الذي هو من صميم اختصاص القاضي .
وعلى ذلك يجب التطرق إلى هذا الموضوع في مبحثين , نتناول في الأول منهما ماهية الوصف القانوني للجريمة في مطلبين نتعرض في أولهما إلى تعريف الوصف القانوني للجريمة في حين نستعرض في ثانيهما الموقف القانوني والقضائي منه , أما المبحث الثاني فنتعرض فيه إلى ماهية التكييف القانوني للجريمة في مطلبين نتطرق في أولهما إلى تعريف التكييف القانوني للجريمة في حين نتناول في ثانيهما الموقف القانوني والقضائي منه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين على نعمه الظاهرة والباطنة , وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .
المبحث الأول / ماهــــــــية الوصف القانوني للجريمة :-
على الرغم من أن كتابات الفقهاء والباحثين بشان الوصف القانوني للجريمة هي من القلة والتناثر بين المواضيع الجنائية المختلفة وبالتالي فهي لا توضح هذا الموضوع بالدقة المطلوبة لإيضاحه وتبيان تفاصيله المهمة والتي تختلف عن موضوع آخر قد يختلط معه وهو التكييف القانوني للجريمة , وعلى ذلك لابد من التعرف على ماهية الوصف القانوني من التطرق إلى هذا الموضوع في مطلبين الأول نتعرض فيه إلى تعريف الوصف القانوني , أما الثاني فسنتناول فيه الموقف القانوني والقضائي منه .
المطلب الأول / تعريف الوصف القانوني للجريمة :-
يعرف الوصف القانوني للجريمة بأنه وسيلة تحديد الواقعة المستوجبة للعقاب وهو الثوب القانوني الملائم لها بلا ضيق ولا اتساع , وينبغي أن يكون الفعل قيد التهمة هو الذي يتوافق معه هذا الوصف (1) . ويمكن القول أيضا بأن الوصف القانوني للجريمة هو النموذج القانوني الذي يحدده المشرع في قانون العقوبات أو أي قانون عقابي آخر , والذي بموجبه يمكن أن تعد بعض الأفعال وفقا لشروط وأركان خاصة جريمة ما يترتب على ارتكابها عقوبة معينة .
ويرتبط الوصف القانوني بالتحديد الذي يقوم به المشرع والذي بموجبه تعد بعض الأفعال جرائم يترتب على ارتكابها عقوبات معينة محددة في النص القانوني وفقا للمبدأ السائد في الدساتير وفي القانون الجنائي وهو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات (2) . حيث إن مهمة التشريع من جل اختصاص المشرع فهو الذي ينشئ جرائم ويضع لها عقوبات معينة انسجاما مع حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية في الدولة من اعتداء الآخرين عليها دون وجه حق . وبالتالي يمتنع على القاضي وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية أم ينشئ جرائم وعقوبات لم ينص عليها المشرع , فدور القاضي ينحصر في تطبيق القانون على الوقائع التي تعرض عليه في اضبارة الدعوى المطروحة أمامه , مع إمكانية القاضي – ضمن الحدود التي رسمها المشرع له – أن يختار العقوبة بين حديها الأدنى والأعلى المحدد من قبل المشرع , أو أن القاضي يمتلك سلطة توقيع العقوبات التخييرية المسموح بها ضمن الإباحة التشريعية للقاضي .
والقانون بصورته المجردة لا يمكن أن يحمي حقوق وحريات الأفراد إلا إذا طبق ضد المعتدين على تلك الحقوق والحريات , والمطبق للقانون هو القاضي ضمن حدود سلطته التقديرية إياه . فالقانون ذاته تتحقق حمايته من خلال القضاء وذلك في مواجهة عدم الفاعلية , أي في حالة وجود عارض يعترض حماية النظام القانوني , وفي حدود هذا العارض تتدخل السلطة القضائية بقصد تقويضه دون البحث عن مسبباته إلا بالقدر اللازم لمواجهة الحالة العرضية مـــن خـلال تحديــــد التدبيـــــر الملائم كما” وكيفا” (3) . ولقد ذهب رأي في الفقه إلى أن الوصف القانوني أو النموذج القانوني للجريمة أو إعطاء الواقعة اسم قانوني خاص بها هو ذاته التكييف ويطلق عليه بالتكييف القانوني . إلا إننا ننتقد وبشدة هذا الرأي ونقول بضرورة التفرقة بين الوصف القانوني والتكييف القانوني للجريمة , وذلك استنادا إلى رأي بعض الفقه الذي يرى وجود فارق أساسي بين الاسم القانوني ( الوصف القانوني ) للجريمة والتكييف القانوني لها , فالأول اشمل من الثاني , حيث تندرج مجموعة التكييفات القانونيــة تحـــــت الاسم ( الوصف) القانوني الواحد للجريمة , وكذلك فأن توافر الأركان الخاصة للجريمة هو الذي يحدد اسمها (وصفها ) القانوني , في حين إن توافر عناصر قانونية معينة تدخل في كيان الجريمة دون أن تعد من أركانها هو الذي يحدد تكييفها القانــوني الذي يقـــــوم بــــه القاضـــي ويطلــــق عـــلـــى الأخيــــرة (( الظروف التي تغير من تكييف الجريمة )), ومثال على ذلك يقال بأن القتل العمد والسرقة وصفان (اسمان) قانونيان وكل منهما يدل على مجموعة من الجرائم تختلف آحادها في التكييف القانوني الذي يباشره القاضي وفقا للنص أو النموذج القانوني المحدد سلفا , وتحقيق كل وصف قانوني رهن بتوافر الأركان الخاصة بالقتل العمد أو السرقة , فإذا تتبعنا مجموعة الجرائم التي توصف بأنها قتل عمد نجد من آحادها ما يوصف بأنه قتل عمد مع سبق الإصرار أو قتل عمد باستعمال المفرقعات وكل منها يحمل وصف قانوني معين , وكذلك السرقة فهناك في آحادها ما يوصف بأنه سرقة من خادم بالأجرة أو سرقة بالليل أو سرقة باستعمال سلاح وتسور , وكل منها ذو وصف قانوني محدد في القانون , وبالتالي يجب على القاضي عندما تعرض عليه واقعة معينة أن يردها إلى وصفها القانوني من حيث توافر الشروط والأركان التي تطلبها القانون سلفا (4) .
ويلاحظ بان تكييف القاضي الجنائي لجريمة معينة وفقا لوصفها القانوني أي طبقا لنموذجها المحدد في القانون وبالتالي إنزال هذا الوصف القانوني للفعل المجرم على الواقعة المعروضة أمام القاضي يلزم القاضي المدني بهذا التكييف , فإذا كيف القاضي الجنائي الواقعة بأنها سرقة فلا يمكن للقاضي المدني أن يكيفها بأنها نصب أو خيانة أمانة , لكن القاضي المدني يستطيع أن يكيف الجريمة تكييفا آخر من الناحية المدنية من اجل تقرير المسؤولية المدنية وبالتالي الحصول على التعويض , فمثلا إذا حكمت المحكمة الجنائية ببراءة المتهم من تهمة إتلاف منقولات الغير بلا عمد لان القانون الجنائي لا يعاقب عليها التزمت المحكمة المدنية بهذا التكييف ,فـــــلا تستطيع أن تقـــــرر بان الإتــــــلاف حصـــل عمدا لأنه يخالف الحكم الجنائي (5) .
وبناء” على هذه الحجج الفقهية يتضح لنا بان الوصف القانوني للجريمة ليس إلا تحديد الجريمة في نموذج أو نص قانوني يتضمن أركان هذه الجريمة بالإضافة إلى عقوبتها وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية , والمشرع هو الذي يقوم بهذه المهمة وليس القاضي , حيث إن الأخير مهمته إنزال وتطبيق حكم النص أو النموذج القانوني على الواقعة المعروضة أمامه .
المطلب الثاني / الموقف القانوني والقضائي من الوصف القانوني للجريمة :-
يستند الموقف القانوني من هذا الموضوع إلى مجموعة من المواد القانونية التي تنص على كلمة الوصف القانوني صراحة أو إشارة سواء أكان ذلك في قانون العقوبات أم في قانون الإجراءات الجنائية (القانون الجنائي ), والتي أشارت إلى إن الوصف القانوني للجريمة ما هو إلا عملية سابقة للتكييف القانوني للجريمة وما على القاضي الذي يريد أن يطبق القانون على الواقعة المعروضة إلا أن ينزل الوصف أو النموذج القانوني المحدد من قبل المشرع سلفا على تلك الواقعة .
فالمواد ( 51 , 52 , 54) (6) من قانون العقوبات العراقي تشير إلى الأخذ بالوصف القانوني للجريمة والمحدد من قبل المشرع . فالمادة (51) من هذا القانون تنص على انه (( إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كل من ساهم في ارتكابها فاعلا كان أو شريكا علم بها أو لم يعلم . أما إذا توافرت ظروف مشددة سهلت ارتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها إلا إذا كان عالما بها . أما ما عدا ذلك من الظروف فلا يتعدى أثرها شخص من تعلقت به سواء كانت ظروفا مشددة أو مخففة )). أما المادة (52) من القانون ذاته فتنص بأنه (( إذا توافرت أعذار شخصية معفية من العقاب أو مخففة له في حق احد المساهمين – فاعلا أو شريكا – في ارتكاب الجريمة فلا يتعدى أثرها إلى غير من تعلقت به . أما الأعذار المادية المعفية من العقاب أو المخففة له فأنها تسري في حق كل من ساهم في ارتكاب الجريمة )). في حين إن المادة (54) منه تنص علـــى انه (( إذا اختلف قصد احد المساهمين في الجريمة – فاعلا أو شريكا – أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أو عن كيفية علم ذلك الغير بها عوقب كل منهم بحسب قصده أو كيفية علمه )).
وقد يقال بأن المشرع العراقي في هذا القانون لم يرد كلمة ( وصف قانوني ) في المواد أعلاه وبالتالي كيف يمكن عده قد اخذ بتعبير الوصف القانوني ؟ . يجيب بعـــــض الفقــه العراقي – والذي نؤيده – على هذا التساؤل بالقول :إن تحقق الظروف الشخصية المشددة والخاصة بأحد الجناة تقتضي في الواقع العملي تغيير وصف الواقعة وبالتالي تغير وصف الجريمة وفقا لمادة أو فقرة أخرى منصوص عليها في القانون ذاته الذي يتناول جريمة غير تلك التي خضعت لها تلك الجريمة قبل تحقق الظروف الشخصية المشددة , وكذلك الحال بالنسبة للأعذار القانونية المخففة حيث إنها تغير من وصف الجريمة لأنه عندما تتقرر عقوبة جنحة من قبل المشرع لجريمة كان معاقب عليها بعقوبة جناية فان هذا يعني إن المشرع قد نقص من جسامة الجريمة في صورتها الجديدة المقترنة بالعذر وعدها ليس بجسامة الجناية بل بجسامة الجنحة , وهذا ما يقتضي تغيير وصفها القانوني أي إخضاعها لنص قانوني آخر في قانون العقوبات يشدد أو يخفف عقوبتها نتيجة اقترانها بالظرف المشدد أو العذر المخفف (7) . وحتى يمكن تفادي أي انتقاد قد يطرح في المستقبل فانا ندعوا المشرع العراقي إلى النص صراحة في هذه المواد على عــبارة (تغير الوصـــــف القانوني للجريمــــة بتأثير إحدى الظروف أو الأعذار المنصوص عليها في هذه المواد ) حتى يمكن تبيان ما لهذه الظروف والأعذار من تأثير في تغيير الوصف القانوني للجريمة .
أما في قانون العقوبات المصري فقد أشارت المواد (39, 41, 42) المتعلقة بالمساهمة الجنائية الأصلية أو التبعية , حيث من الممكن أن يتغير الوصف القانوني لجريمة يرتكبها احد الفاعلين أو احد الشركاء دون غيره من المساهمين في حالة تغير الوصف بتغير القصد الجرمي لديه فقط .
هذا ويلاحظ بان بعض القوانين العقابية العربية قد ذهبت إلى ابعد من ذلك حينما عرفت الوصف القانوني للجريمة بأنه تحديد للجريمة بحسب ما تفرضه بشأنها النصوص القانونية من عقوبة (8) . وقد أوضحت هذه القوانين أيضا بأنه لا يتغير الوصف القانوني إذا أبدلت العقوبة المنصوص عليها قانونا بعقوبة اخف نتيجة الأخذ بالأسباب المخففة إلا إن الأمر يجري خلاف ذلك عند الأخذ بالأعذار, أما إذا كان للفعل عدة أوصاف (أي كون عدة جرائم ) ذكرت جميعها في الحكم بدون أن يفرض على الفاعل إلا العقوبة التي يستلزمها الوصف الأشد ( أي الجريمة الأشد) , أما إذا تفاقمت النتائج الجرمية للفعل بعد الملاحقة الأولى فأصبح قابلا لوصف قانوني اشد (أي جريمة تكون عقوبتها اشد من الأولى ) فانه يلاحق بهذا الوصف (التحديد القانوني وفقا للنموذج قانوني أو الاسم القانوني ) وتنفذ العقوبة الأشد دون غيرها , فإذا كانت العقوبة المقضي بها سابقا قد نفذت تسقط مدتها من أصل العقوبة الجديدة (9) .
أما بالنسبة لقانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 فقد أشار إلى عبارة الوصف القانوني صراحة , وذلك في المادة (187) منه . حيث نصت هذه المادة على أن (( أ- تحرر التهمة في ورقة خاصة يتصدرها اسم القاضي ووظيفته وتتضمن اسم المتهم وهويته ومكان وقوع الجريمة وزمانها ووصفها القانوني واسم المجني عليه والشيء الذي وقعت عليه الجريمة والوسيلة التي ارتكبت بها والمواد القانونية المنطبقة عليها وتؤرخ ويوقعها رئيس المحكمة أو القاضي . ب- لا تتقيد المحكمة في تحديد الوصف القانوني للجريمة بالوصف الوارد في أمر القبض أو ورقة التكليف بالحضور أو قرار الإحالة )) . وكذلك الحال بالنسبة للمادة (224/أ) من القانون ذاته التي نصت على أن (( يشتمل الحكم أو القرار على اسم القاضي أو القضاة الذين أصدروه واسم المتهم وباقي الخصوم وممثل الادعاء العام ووصف الجريمة المسندة إلى المتهم ومادتها القانونية والأسباب التي استندت إليها المحكمة في إصدار حكمها أو قرارها وأسباب تخفيف العقوبة أو تشديدها ,…)) . ويلاحظ هنا بأنه وعلى الرغم من الاتجاه المحمود لمشرع العراقي في النص صراحة على الوصف القانوني للجريمة في قانون أصول المحاكمات الجزائية بعكس قانون العقوبات , إلا إننا نعتقد بان عبارة (…,والمواد القانونية المنطبقة عليها,…) في المادة (187) وعبارة ( …,ومادتها القانونية …,) في المادة (224 / أ ) هي تزيد لا حاجة له , وذلك لان الوصف القانوني للجريمة يشمل بالضرورة ذكر المواد القانونية المنطبقة عليها ,وهذا ما تؤكده المادة (66/4) من قانون الإجراءات الجزائية القطري رقم 15 لسنة 1971, والمادة (130/4) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي رقم 17 لسنة 1960 , واللتان بينتا أن الوصف القانوني للجريمة يجب أن يتضمن ذكر المواد القانونية التي تنطبق عليها أو الاسم الذي يطلقه القانون عليها – إن وجد – مع ذكر ما يرتبط بها من ظروف مشددة . لذلك كله ندعوا المشرع العراقي إلى حذف هاتين العبارتين من المادتين (187/ أ , 224/ أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي . ويلاحظ أيضا بان عبارة الوصف القانوني قد وردت صراحة في المادة (260) (10) من القانون ذاته التي نصت على انه (( لمحكمة التمييز أن تبدل الوصف القانوني للجريمة التي صدر الحكم بإدانة المتهم فيها إلى وصف آخر يتفق مع طبيعة الفعل الذي ارتكبه وتقرر إدانته وفق المادة القانونية التي ينطبق عليها هذا الفعل وان تصدق العقوبة إذا وجدتها مناسبة للفعل أو تخففها ) . في حين إن قوانين إجرائية عربية أخرى لم تشر صراحة إلى الوصف القانوني بل أشارت إلى معناه فقط كالمادة (238 / ج ) من قانون الإجراءات الجنائية الصومالي المعدل سنة 1970 , حيث أشارت إلى انه ((1- يجوز طلب إعادة النظر في الأحوال الآتية :- …,ج- إذا كانت الوقائع التي تقررت أساسا للإدانة لا تتفق مع تلك التي تقررت في حكم جنائي آخر غير قابل الرجوع ,…)) . ومن جهة أخرى يمكن ملاحظة إن الوصف القانوني للجريمة ليس إلا الاسم القانوني الذي يعطيه إياها القانون ذاته والذي يصدر عن المشرع , وهذا مــا أكدت عليه المـــادتان ( 92 ,102) من قانـــــون أصول المحاكمات الجزائية البحريني لسنة 1966 .
أما بالنسبة للموقف القضائي من الوصف القانوني للجريمة فان هناك العديد من القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض المصرية ومحكمة التمييز الاتحادية العراقية الصادرة بهذا الشأن والتي تشير أما صراحة أو ضمنا أن الوصف القانوني ليس إلا النص القانوني المحدد سلفا من قبل المشرع للفعل أو الواقعة الذي يوصف بأنه جريمة . ومن ذلك ما جاء في احد أحكام محكمــــة النقــــض المصريــــة بــــان (( محكمة الموضوع مكلفة بان تمحص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وان تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا دون أن تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم , ولا يقدح في هذا أن حق الدفاع يقتضي بان تعين للمتهم التهمة التي توجه إليه ليرتب دفاعه عنها , ذلك بان حق المحكمة في تعديل التهمة في أثناء المحاكمة يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة ( 308 ) من قانون الإجراءات الجنائية وهو أن تبين للمتهم التهمة المعدلة وتتيح له فرصة تقديم دفاعه عنها كاملا , كما إن تغيير المحكمة التهمة من الاختلاس إلى الإضرار العمدي ليس مجرد تغيير في وصـــــف الأفعال المسندة إلى الطاعنين في أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه في حكمها بغير سبق تعديل في التهمة عملا بنص المادة آنفة الذكر , وإنما هو تعديل في ذات التهمة لا تملك المحكمة إجراءه إلا في أثناء المحاكمة وقبل الحكم في الدعوى لأنه يتضمن إسناد واقعة جديدة إلى الطاعنين لم تكن واردة في أمر الإحالة وهي واقعة الإضرار العمدي ولما كانت مدونات الحكم المطعون فيه ومحاضر جلسات المحاكمة قد خلت مما يدل على أن المحكمة قد نبهت الدفاع عن الطاعنين إلى تعديل وصف التهمة ,…, فان الحكم المطعون فيه يكون قد بني على إجراء باطل ومشوبا بالإخلال بحق الدفاع )) (11) . ويشير هذا الحكم إلى أن المحكمة المختصة عندما لا تنبه الدفاع عن المتهمين إلى الوصف القانوني الجديد ( وهو هنا الإضرار العمدي بدلا عن الاختلاس ) الذي ينطبق على الواقعة فان ذلك يعد إخلالا بحق الدفاع مما يستوجب معه نقض الحكم .
كما أشارت المحكمة ذاتها إلى أن الوصف القانوني ليس إلا النص القانوني المحدد سلفا من قبل المشرع وليس ما يخلعه القاضي للواقعة من تحديد في العـــــديد مـــــن أحكامــــها ومـــــن ذلك ما قضــت بأنه (( لما كانت جريمة إقامة بناء على جسر النيل وجريمة التعدي على أملاك الدولة بالبناء عليها يجمعهما فعل مادي واحد وهو : إقامة البناء سواء تم على ارض مملوكة للدولة , أو أقيم بدون ترخيص , ومن ثم فان الواقعة المادية التي تتمثل بإقامة البناء هي عنصر مشترك بين كافة الأوصاف القانونية التي يمكن أن تعطى لها , والتي تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة للقانون , ولكنها كلها نتائج ناشئة عن فعل البناء الذي تم مخالفا له , لما كان ذلك , فقد كان يتعين على المحكمة التزاما بما يجب عليها من تمحيص الواقعة بكافة كيوفها وأوصافها , أن تضفي عليها الوصف القانوني الصحيح وهو – أيضا – التعدي على ارض مملوكة للدولة بإقامة بناء عليها , أما وإنها لم تفعل فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون )) (12) . وبالتالي يتضح من هذا الحكم إن محكمة النقض المصرية تشير وبصراحة إلى أن الواقعة الواحدة يمكن للمشرع أن يعطيها أكثر من وصف قانوني وبطبيعة الحال فان لكل وصف تحديد بنص قانوني معين وبعقوبة معينة في ذلك النص المحدد من قبل المشرع .
أما بالنسبة لمحكمة التمييز الاتحادية العراقية فإنها أشارت أيضا أما صراحة أو ضمنا إلى معنى الوصف كما اشرنا إليه , وذلك في العـــديد من القرارات القضائية التي أشارت فيها إلى ذلك . ومنها ما أكدته المحكمة في هذا المجال بأنه (( لدى التدقيق والمداولة وجد أن محكمة الجنايات قد أخطأت في التكييف القانوني للجريمة ووصفها وفق( القرار 39 لسنة 1994 ) عقوبات وذلك إن الثابت من وقائع الدعوى المستخلصة من أدلتها فان فعل المتهم (ع ف ج ) يشكل جريمة تنطبق وأحكام المادة ( 240 ) عقوبات وعليه واستنادا لأحكام المادة (260) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قرر تبديل الوصف القانوني للجريمة إلى المادة (240) عقوبات وتجريمه بموجبها وحيث إن العقوبة المفروضة بحقه أصبحت (شديدة والوصف الجديد قرر تخفيفها إلى الحبس مدة ستة أشهر وإشعار دائرة السجن بذلك ) وصدر القرار بالاتفاق في 29 / ذو القعدة / 1427هــ الموافق 20 / 12 / 2006م )) (13) . وقررت أيضا في قرار آخر لها بأنه (( لدى التدقيق والمداولة وجد أن محكمة جنايات البصرة الثانية قد أخطأت في تكييف فعل المتهم (هــ ك ع ) عندما قررت بتاريخ 8 / 11 / 2006 بالدعوى المرقمة ,…, تجريم المتهم المذكور وفق أحكام المادة 441/ أولا وثانيا عقوبات بدلالة أمر سلطة الائتلاف 31 لسنة 2003 وذلك لان الثابت من وقائع الدعوى أن المتهم المذكور وبالاشتراك مع المتهم المفرقة قضيته قام بطعن المشتكي ( ح ج ) وسرقة سيارته وتبين من التقرير الطبي الصادر بحق المشتكي بأنه أصيب بإصابات جراء طعنه بالسكين واكتسب الشفاء التام عليه فان فعل المتهم ينطبق وأحكام المادة 442 / ثالثا عقوبات بدلالة أمر سلطة الائتلاف رقم 31 لسنة 2003 لذا قرر تبديل الوصف القانوني للجريمة إلى المادة أعلاه وتجريم المتهم بموجبها وحيث إن العقوبة المفروضة على المتهم بالسجن المؤبد جاءت خفيفة حيث إن ظروف الحادث وكثرة سرقة السيارات باستعمال العنف لا تستوجب تخفيف العقوبة لذا قرر نقض قرار فرض العقوبة وإعادة أوراق الدعوى إلى محكمتها بغية تشديد العقوبة دون الاستدلال بالمادة 132 عقوبات ورد الطـــعن وصــــدر القــــــرار بالاتفــــــاق فــــــي 8 / ربيع الثاني / 1428 هــ الموافق 26 /4 / 2007 )) (14) .
وأول ما يلاحظ على القرار الأول هو التفرقة الواضحة بين التكييف القانوني والوصف القانوني وذلك من خلال حرف ( الواو ) بين عبارة ( التكييف القانوني للجريمة ووصفها ) وبالتالي التفرقة بين معنى الوصف والتكييف , وكذلك الإشارة الصريحة إلى أن الوصف القانوني ليس إلا التحديد القانوني لواقعة معينة من قبل المشرع وما العدول عن الحكم وفقا للقرار (39 لسنة 1994) إلى الحكم وفقا للمادة ( 240 ) عقوبات إلا توجيها لمحكمة الموضوع لتجعل تكييفها متناسبا مع الوصف القانوني المناسب ألا وهو النص أو المادة القانونية الجديدة وبالتالي فقد تغير الوصف القانوني من نص قانوني معين إلى نص قانوني آخر . أما القرار الثاني فقد أشار صراحة إلى ما اشرنا إليه سابقا فيما يتعلق بالوصف القانوني للجريمة وذلك بتقرير تبديل الوصف القانوني . بل إن محكمة التمييز الاتحادية العراقية قد ذهبت في العديد من قراراتها إلى وجوب انطباق نص قانوني آخر على الواقعة المعروضة على المحكمة الموضوع بدلا من النص القانوني الذي حكمت به (15) ,وذلك إن دل على شيء فانه يدل على أن الوصف القانوني ليس إلا النص أو النموذج القانوني للواقعة التي جرمها المشرع بسبب انتهاكها لحق من حقوق الإنسان أو لحرية من حرياته .
ومن كل ما تقدم يتضح بان الوصف القانوني للجريمة يتمثل بما يقوم به المشرع من تحديد للنص القانوني الواجب التطبيق من قبل القاضي على الواقعة المعروضة أو المطروحة أمامه , وهذا النص موجود في القانون الذي يشرعه المشرع لغرض مواجهة الجرائم وتحديد عقوباتها ألا وهو قانون العقوبات الموجود في كل دولة من الدول .
المبحث الثاني / ماهية التكييف القانوني للجريمة :-
إن التطرق للتكييف القانوني لجريمة يقتضي منا التطرق إليه في مطلبين , نتعرض في الأول منهما إلى تعريف التكييف القانوني , أما في الثاني فنتطرق فيه إلى الموقف القانوني والقضائي مـــن هذا التكييف , مع ملاحظة أن هناك العديد من كتابات الفقهاء حول موضوع التكييف القانوني أكثر من تلك التي تناولت الوصف القانوني . وذلك وفقا لما يلي :-
المطلب الأول :- تعريف التكييف القانوني للجريمة :-
لقد تعددت الاتجاهات الفقهية في تعريف التكييف القانوني للجريمة . فلقد ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى تعريف التكييف القانوني بأنه (عملية قانونية يقوم فيها القاضي بالبحث عن الاسم القانوني الذي يتعين إضفاءه على الفعل الذي دخل في حوزته وبهذه العملية يتخذ الفعل الاسم القانوني الخاص به فالتكييف هو الفعل من خلال النص الجنائي الذي يعاقب عليه ) , كما عرفه بعضهم بأنه ( استبدال اسم قانوني للفعل المنسوب إلى المتهم باسم دارج يتميز به عن غيره , أو هو تحديد العلاقة القانونية القائمة بين الواقعة الإجرامية وبين أحكام القانون التي تنطبق عليها , أو هو تلك العلاقة بين الواقعة الخاضعة لتقدير القاضي والنص القانوني الذي يجرمها ) , وذهب بعض الفقه المصري إلى تعريف التكييف القانوني بأنه ( بيان حكم النص القانوني الذي تخضع له الواقعة والذي يحكمها ويعاقب عليها , أو هو إرجاع الواقعة إلى نص جنائي وإعطاؤها الاسم القانوني , أو هو مجرد خلاف بين وجهات النظر في تقدير الواقعة ) (16) .
فالتكييف القانوني ليس إلا بحث القاضي عما إذا كان الفعل المرتكب من قبل المتهم قد توفرت فيه العناصر القانونية وأركان جريمة ما حسب الوصف القانوني لها , أي حسب التحديد القانوني للنموذج أو الاسم الخاص بها (17) .
أما الدكتور احمد فتحي سرور فقد أوضح بالتفصيل معنى التكييف والفرق بينه وبين الوصف القانوني للجريمة لان الأخير يعني النموذج أو التحديد القانوني لاسم الجريمة التي تكون الواقعة المرتكبة قد توافرت فيها أركان تلك الجريمة , وذلك بالقول (( إن التكييف يتطلب شرطين لازمين :- أ- أن ينص المشرع على انه إذا توافرت واقعة مجردة لها خصائص معينة فإنها تندرج تحت احد الأوصاف التي يعرفها القانون ويرتب عليها أثرا قانونيا معينا . ب- أن يعلن القاضي إن الواقعة المعروضة عليه تتوافر فيها خصائص الواقعة المجردة التي أضفى عليها القانون وضعا قانونيا معينا . والشرط الأول هو من عمل المشرع أما الشرط الثاني فهو من عمل القاضي . والمشرع حين يضفي تكييفا (وصفا ) قانونيا معينا على واقعة ما فانه ينشئ هذا التكييف . هذا بخلاف القاضي , فانه حين يضفي هذا التكييف القانوني على الواقعة المعروضة عليه , فانه يعلن هذا التكييف ويكشف . وهناك ارتباط وتلازم بين الشرطين فالقاضي لا يمكنه أن يختار تكييفا معينا إلا إذا عرفه المشرع ( من خلال الوصف القانوني المسبق للجريمة ) , بل إن دور القاضي في هذا الشأن كاشف محض لأنه يتمثل في الخصائص التي يتطلبها المشرع في الواقعة المجردة وقد توافرت في الواقعة المعروضة عليه )) (18) .
فتكييف الدعوى يقوم به قاضيها وهو ليس إلا عمل قانوني وإلزام قانوني على القاضي وبدون طلب من احد الخصوم بان يكيف الطلبات والوقائع المعروضة عليه تكييفا صحيحا يتفق مع الوصف القانوني للجريمة من قبل المشرع , وبالتالي فان التكييف هو عمل قضائي ملزم قانونا للقاضي , وبما أن النص على هذه القاعدة الأصولية للقضاء لن ينشئها بل يكشف عنها لذلك فأن القاضي ملتزم بالتكييف حتى وان لم ينص المشرع عليها (19) . وهذا ما دعى جانب من الفقه الفرنسي إلى القول بان تكييف الواقعة يعد عملا أساسيا وضروريا للقاضي (20) . حيث إن التكييف ليس إلا من عمل القاضي لان الأخير عندما يكيف واقعة ما وفقا لوصفها القانوني فانه يوجد منطقة قانونية وفنية يجذب إليها الواقعة من الأسفل ويرتفع بها درجة إلى التكييف , ثم يسحب القانون من خلال إنزاله من عليائه المجرد درجة إلى التكييف , وبالتالي يعمل القاضي في تلك المنطقة على التقاء الواقع بالقانون وحينئذ يسهل تطبيق القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على الواقعة (21) .
ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن هناك علاقة وثيقة جدا بين السلطة التقديرية الممنوحة قانونا للقاضي وبين التكييف القانوني الذي هو من اختصاص القاضي , ذلك لان تقدير وتهيئة القاضي لعناصر النزاع المطروح عليه من اجل إنزال حكم القانون عليها لغرض حسمها هو الذي يعتمد عليه تكييف القاضي لذلك النزاع , ولما كانت أدوات الصياغة القانونية ووقائع النزاع والقاعدة القانونية هي المادة التي تباشر من خلالها السلطة التقديرية وهي كذلك عصب التكييف القانوني ولما كان من يقوم بالتقدير هو نفسه من يقوم بالتكييف , فان ذلك يدل على قوة العلاقة بين التقدير والتكييف , وعملية التكييف تأتي تالية للتقدير ذلك لأنه وان كان التقدير والتكييف يردان على عناصر واحدة ويقوم بهما ذات العضو بالصفة ذاتها عند إصدار العمل القضائي , إلا أن الفارق بينهما زمني , حيث إن التقدير سابق للتكييف من حيث التمهيد له حتى يمكن إنزال حكم القانون عــلى الواقعة , والتقــــدير أيضا لاحقــــا للتكييـــــــف من حيث إعمال اثر القاعدة القانونية على واقع النزاع , وهذا التعقيد لا يمكن أن يواجهه إلا القاضي المتمتع بالذكاء والفطنة والقدرة القانونية والعلم والخبرة والذوق الرفيع ضمن سلطته التقديرية , وعلى ذلك فالقاضي عندما يقوم بعملية التكييف يباشر سلسلة من عمليات التقدير ليصل إلى تطبيق القاعدة القانونية التي يرى ملاءمتها لواقع النزاع المعروض عليه بقصد حسمــــــه (22) .
ولابد من الإشارة إلى أن للتكييف تقسيمات متعددة تناولها الفقه , فمن حيث موضوعه قسم إلى تكييف للواقعة وتكييف للجريمة ( جناية ,جنحة , مخالفة ) , ومن حيث نطاق تطبيقه قسم إلى تكييف خاص بالموضوع وآخر خاص بالشخص , كذلك فان للتكييف أهمية بالغة سواء من حيث تحديد نوع الجريمة أو الواقعة أم في تحديد الاختصاص أم في تسبيـــب الأحكــــام الجنائيـــة أم بالنسبـــــة لإطــــراف الدعوى ( القاضي , المتهم , المجني عليه ) (23) .
ومن كل ما تقدم يظهر وبوضوح الفارق الكبير بين ما يعطيه معنى الوصف القانوني للجريمة وما يعطيه تكييفها القانوني من معنى آخر , من حيث أن الأول هو من اختصاص المشرع في كل دولة , أما الثاني فهو من صميم عمل القاضي .
المطلب الثاني / الموقف القانوني والقضائي من التكييف القانوني للجريمة :-
لابد من القول عموما بان التشريع الجنائي لم يتناول صراحة مسألة تعريف التكييف القانوني على الرغم من إيراده عبارات تتضمن معنى التكييف القانوني , كما هو الحال في المادة ( 213 / أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي التي تنص على أن (( تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الأدلة المقدمة في أي دور من ادوار التحقيق أو المحاكمة وهي الإقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوف الرسمية الأخرى وتقارير الخبراء والفنيين والقرائن والأدلة الأخرى المقررة قانونا )) . والمشرع المصري أيضا أشار إلى ذلك في قانون الإجراءات الجنائية في المادة ( 302 ) منه حيث نصت على انه (( يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته , ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة , وكل قول يثبت انه صدر من احد المتهمين به يهدر ولا يعول عليه )) .
بالإضافة إلى ذلك فقد نص قانون الإجراءات الجنائية الليبي لسنة 1954 على أن (( إذا حكمت محكمة أول درجة في الموضوع , ورأت المحكمة الاستئنافية أن هناك بطلانا في الإجراءات أو في الحكم , تصحح البطلان وتحكم في الدعوى . أما إذا حكمت بعدم الاختصاص أو بقبول دفع فرعي يترتب عليه منع السير في الدعوى , وحكمت المحكمة أو برفض الدفع الفرعي وبنظر الدعوى , فيجب عليها أن تعيد القضية لمحكمــــة أول درجة للحكم في موضوعها )) . أما قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم 13 لسنة 1994 فقد نص في المادة (367) على أن (( يحكم القاضي في الدعوى بمقتضى العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته من خلال المحاكمة,ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة )) .
ويتضح من ذلك بان اقتناع المحكمة في الواقع ليس إلا اعتقادها بان النص القانوني – المتضمن جريمة وعقوبة لفعل ما – الذي أنزلته على الواقعة هو الوصف القانوني الصحيح وذلك لتوافر أركان الجريمة في هذه الواقعة , وبالتالي تقوم المحكمة بممارسة سلطتها في التكييف القانوني وذلك بإنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة أمامها .
ويلاحظ بأننا قد تطرقنا إلى العلاقة الوثيقة بين السلطة التقديرية للقاضي وبين التكييف القانوني الذي يقوم به القاضي والذي هو من اختصاصه,وعدم الاختلاف بينهما إلا من حيث الفارق الزمني , وعدم الاختلاف هذا هو الذي يفسر عدم النص صراحة على التكييف في معظم القوانين الجنائية وذلك بالاكتفاء بالنص على ما تتمتع به المحكمة من سلطة تقديرية في الحكم الذي تصدره بحيث لا تتقـــيد بالتكييــــــف الذي تعطيـــــه سلطة التحقيـــق للواقعة بموجب وصفها القانوني .
وعلى ذلك فأن التشريع لم يذكر صراحة التكييف القانوني , بل أشار إلى عبارات من شأنها أن تفيد هذا المعنى , وبالتالي فان مصطلح ( التكييف ) في الحقيقة هو مصطلح فقهي كما سبق الإشارة إلى ذلك , وهو أيضا مصطلح قضائي , وذلك لوجود تعريفات عديدة لهذا المصطلح فيهما .
أما بالنسبة لتحديد مفهوم التكييف القانوني في أحكام القضاء فقد ذهبت محاكم النقض والتمييز في عدة دول إلى إيضاح معناه . فمحكمة النقض الفرنسية تشير إلى أن التكييف القانوني ليس إلا علاقة بين الأفعال والنصوص القانونية . حيث ورد في احد أحكامها انه (( إذا كانت محاكم الجنح لا يجوز لها البت في غير الوقائع التي طرحت عليها , فان لها تقدير هذه الوقائع في علاقتها بجميع النصوص القانونية وردها إلى تكييفها القانوني الصحيح )) , وذهبت المحكمة ذاتها إلى القول (( إن محكمة الجنح غير مقيدة بالتكييف القانوني الذي يقرره قاضي التحقيق , وان من حقها أن تحدد تكييف الواقعة المعروضة عليها وتطبق عليها قانون العقوبات , طبقا لما يتضح لها من التحقيق الذي تجريه )) (24) . وكذلك الحال بالنسبة لحكم محكمة النقض المصرية في 27 فبراير سنة 1980 والذي أشارت فيه إلى أن التكييف القانوني للواقعة يعني (( مجرد ردها إلى أصل من نصوص القانون الواجب التطبيق )) (25) . أي ردها إلى وصفها القانوني كما أورده المشرع في نص القانون الواجب التطبيق .
ومن ذلك يتضح وبوضوح تام اختلاف معنى الوصف القانوني عن التكييف القانوني , حيث إن الأخير ليس إلا من صميم عمل القاضي دون غيره , أما الوصف القانوني فهو من عمل المشرع فالفعل لا يوصف بأنه جريمة إلا من قبل المشرع وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية , وهذا ما أوضحه وأكده القضاء المصري في العديد من أحكامه . منها ما جاء في احد الأحكام لمحكمة النقض المصرية في الطعن رقم 8354 لسنة 60 ق جلسة 8 / 4 / 1999 والذي قالــت فيه انه (( لما كان البين من الأوراق أن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعن بوصف انه ضرب عمدا بان أطلق عليــــه عــــيارا ناريــا فـــــي صـــدره من ســــلاح نــــاري (( فرد خرطوش )) فاحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية , ولم يقصد من ذلك قتلا , ولكن الضرب أفضى إلى موته , وطلبت النيابة العامة معاقبته وفقا للمادة 236/ 1 من قانون العقوبات,وانتهى الحكم المطعون فيه إلى إدانة الطاعن بأنه تسبب خطا في موت المجني عليه , بان أطلق عيارا ناريا من سلاحه الناري برعونة وعدم احتراز , فاحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته , الأمر المنطبق على المادة 238/ 1 من قانون العقوبات , ودانت المحكمة الطاعن بهذا الوصف دون أن تلفت نظر الدفاع إلى المرافعة على أساسه , لما كان ذلك , وكان هذا التعديل ينطوي على نسبة الإهمال إلى الطاعن وهو عنصر جديد لم يرد في أمر الإحالة , ويتميز عن ركن العمد الذي أقيمت على أساسه الدعوى الجنائية , وكان هذا التغيير الذي أجرته المحكمة في التهمة من ضرب أفضى إلى موت إلى قتل خطأ , ليس مجرد تغيير في وصف الأفعال المسندة إلى الطاعن في أمر الإحالة , مما تملك المحكمة إجراءه بغير تعديل في التهمة عملا بنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية ,وإنما هو تعديل في التهمة نفسها يشتمل على إسناد واقعة جديدة إلى المتهم لم تكن واردة في أمر الإحالة وهي واقعة القتل الخطأ مما كان يتعين معه على المحكمة أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك التعديل , وهي إذ لم تفعل فان حكمها يكون مشوبا بالبطلان مستوجبا النقض )) (26) .
وأكدت المحكمة ذاتها الأمر نفسه في حكم لها أصدرته في 3 فبراير سنة 1988 أشارت فيه إلى أن (( حق الدفاع الشرعي كسبب مــــن أسباب الإباحة يبيح الفعل ويمحو عنه وصف الجريمة ,…))(27) .
أما بالنسبة لمحكمة التمييز الاتحادية العراقية فنلاحظ بأنها قد ميزت وبوضوح – من خلال قضاءها المستقر – بين التكييف القانوني الذي تعطيه محكمة الموضوع للواقعة وبين الوصف القانوني للجريمة الذي هو من صميم عمل المشرع , وهذا ما لاحظناه سابقا في قرارها ذي العدد 7084 / الهيئة الجزائية / 2006 الصادر في 20 / 12 / 2006 والذي اشرنا إليه سابقا (28) .
بالإضافة إلى ذلك فان هذه المحكمة قد أوضحت بان التكييف القانوني الذي تجريه محكمة الموضوع قد يؤثر عليه التثبت من حقيقة الحادث أو الواقعة وبالتالي يجب على المحكمة التثبت من ذلك حتى يأتي تكييفها متلائما مع حقيقة الواقعة الفعلية ومتوافقا مع الوصف القانوني الذي أعطاه المشرع لهذه الواقعة من خلال النص القانوني الذي حدده لها . فتقول المحكمــــة المذكـــورة فـــي احــــد قــراراتها بأنه (( لدى التدقيق والمداولة وجد أن قــرار إلغاء التهمة والإفراج عن المتهم ( ج ب ع ) صحيح وموافق للقانون للأسباب التي استند إليها لذا قرر تصديقه , أما فيما يتعلق بقراري الإدانة والحكم الصادرين بحق المتهم ( ع ح ج ) فإنها جاءت غير صحيحة ومخالفة للقانون حيث إن الشاهد نقيب الشرطة ( م ي خ ) أوضح في إفادته أمام محكمة التحقيق بتاريخ 13 / 11/ 2005 انه بعد أن تم إخباره بالحادث من قبل المتهم ( ج ب ع ) بالحادث قام بدهم دور المتهمين وإعادة المخطوف بينما ورد في أقوال المخطوف ( ن ج ) انه تم إخلاء سبيله من قبل الخاطفين وحيث إن التثبت من حقيقة الحادث يؤثر على التكييف القانوني للفعل المنسوب للمتهم ( ع ح ) لذا قرر نقض قراري الإدانة والحكم الصادرين بحق المتهم ( ع ح ) وإعادة الدعوى إلى محكمتها لإجراء محاكمة المتهم مجددا والاستماع إلى أقوال ضابط الشرطة والمفرزة التي كانت معه عند إجراء المداهمة لدور المتهمين وكـــذلك أقـــوال المخـــطوف ( ن ج ) ومن ثم إصدار القرارات اللازمة على ضوء ما يظهر أمامها وعلى أن يبقى المتهم ( ع ح ج ) موقوفا للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق استنادا للمادة 259 / أ – 7 من قانون أصول المحاكمات الجزائية في 12 / ربيع الثاني / 1428 هــ الموافق 30 / 4 / 2007 )) (29) . وكذلك الحال بالنسبة للعديد من القرارات القضائية الصادرة من هذه المحكمة والتي أكدت فيها إن التكييف القانوني للجريمة ليس إلا العمل الذي يختص به القاضي عندما ينزل حكم القانون على الواقعة أو الحادثة المعروضة عليه (30) .
وقد أوضحت محكمة التمييز اللبنانية وجوب التفرقة بين الوصف القانوني للجريمة من قبل المشرع وبين تكييفها قانونيا من قبل القاضي . حيث قررت أن (( المحكمة تكون قد أعطت الفعل المبسوط لديها وصفه القانوني عندما تكيفه وترده إلى حكم قاعدة قانونية تنطبق عليه وتسميه باسم قانوني كتسمية ما يقع من اخذ مال الغير بدون وجه حق سرقة أو إساءة أمانة أو احتيال , إن كل حكم جزائي يفصل في أمرين : أمر مادي يتعلق بوجود الواقعة المعروضة على المحكمة ومسئولية المدعى عليه المحال إليها , وأمر قانوني يقوم على تقدير العنصرين المذكورين على ضوء الإحكام القانــــونية وارتباطــــها بها وهذا الأمر الأخير هو ما يسمونه وصف الفعل القانوني )) (31) .
يبقى أن نشير إلى أمر في غاية الأهمية وهو عبارة عن سؤال يتبادر إلى الذهن يقول : إذا كان التكييف عملا قضائيا فلماذا يسمى بالتكييف القانوني ؟ .
إن الجواب باختصار يبنى على سببين رئيسين الأول هو إن القاضي ملزم قانونا بالتكييف عندما تعرض عليه واقعة أو حادثة أو قضية معينة , أما الثاني فهو إن أصل تــسمية التكييــــف بالقانوني لا ترجع إلى السلطة القائمة به بل إلى مصدر تلك السلطة وهو القانون .
الخاتمة :-
ــــــــــــــــــــــــــــــ
من خلال هذا البحث توصلنا إلى مجموعة من النتائج والتوصيات هي كالأتي : –
أولا” :- النتائج : –
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبين لنا من خلال البحث الاختلاف الواضح والبين بين مفهوم الوصف القانوني للجريمة والتكييف القانوني لها , حيث إن الأدلة التشريعية القانونية وكذلك بعض الآراء الفقهية ومعظم الأحكام القضائية قد اتجهت إلى بيان إن الوصف القانوني ليس إلا تحديد النموذج القانوني لجريمة معينة وإعطائها اسم معين في إطار نص قانوني عقابي محدد من قبل المشرع يوضح فيه إن الفعل إذا توافرت فيه أركان جريمة معينة فانه يوصف بذلك الوصف القانوني , فالوصف القانوني هو أن فعلا ما إذا توافرت فيه أركان جريمة معينة فانه يوصف بكونه جريمة وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية , أما التكييف فهو ليس إلا عمل أو تصرف قضائي أو نشاط ذهني قانوني يقوم به رجل القانون الأول وهو القاضي ومن خلاله يستبين بأن الواقعة المعروضة عليه تنطبق مع النموذج القانوني أو الاسم القانوني ( الوصف القانوني ) الذي حدده المشرع مسبقا فيعلن عن حالة التطابق هذه في صورة حكم قضائي , وبناء” على ذلك ننتقد كل الاتجاهات الفقهية التي خلطت ودمجت بين معنى الوصف القانوني ومعنى التكييف القانوني ورأينا هذا لم يأتي اعتباطا” أو تزمتا” بل بالاستناد إلى حجج قانونية وأخرى فقهية وثالثة قضائية تدعم رأينا .
إذا كان المشرع العراقي في المواد (50/2 ,51 , 52 , 54 ) من قانون العقوبات لم يرد عبارة ( وصف قانوني ) صراحة” , فأننا مع الاتجاه الفقهي الذي يقول بان تحقق الظروف الشخصية المشددة والخاصة بأحد الجناة تقتضي في الواقع العملي تغيير وصف الواقعة وبالتالي تغيير وصف الجريمة وفقا لمادة أو فقرة أخرى منصوص عليها في القانون ذاته الذي يتناول جريمة غير تلك التي خضعت لها تلك الجريمة قبل تحقق الظروف الشخصية المشددة , وكذلك الحال بالنسبة للأعذار القانونية المخففة للعقوبة حيث إنها تقتضي تغيير وصف الجريمة لأنه عندما تتقرر عقوبة جنحة من قبل المشرع لجريمة كانت عقوبتها جناية فأن هذا يعني أن المشرع قد خفف من جسامة الجريمة في صورتها الجديدة المقترنة بالعذر المخفف , وهذا ما يقتضي تغيير وصفها القانوني أي إخضاعها لنص قانوني آخر في قانون العقوبات يشدد أو يخفف عقوبتها نتيجة اقترانها بظرف مشدد أو عذر مخفف .
تبين لنا النص الصريح من قبل المشرع العراقي على الاصطلاح القانوني الخاص بالوصف , وذلك في المادتين ( 187 , 193 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971. حيث نصت المادة (187 ) من هذا على إن ( أ- تحرر التهمة في ورقة خاصة يتصدرها اسم القاضي ووظيفته وتتضمن اسم المتهم وهويته ومكان وقوع الجريمة وزمانها ووصفها القانوني ,….. . ب- لا تتقيد المحكمة في تحديد الوصف القانوني للجريمة بالوصف الوارد في أمر القبض أم ورقة التكليف بالحضور أو قرار الإحالة . أما المادة ( 193 ) من القانون ذاته فتقر بوجوب التفرقة بين الوصف القانوني للجريمة وبين التكييف القانوني لها , وذلك من خلال قولها بأن ( لا يخل بالتهمة السهو أو الخطأ المادي الذي لا يخرج الواقعة عن وصفها القانوني ولا يؤثر في دفاع المتهم ) .
ثانيا :- التوصيات :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- في المواد (51 , 52 , 54) من قانون العقوبات العراقي لم يذكر المشرع صراحة” عبارة ( تغير الوصف القانوني ) , لذلك نقترح عليه أن ينص صراحة” على عبارة مفادها ( تغير الوصف القانوني للجريمة بتأثير إحدى الظروف أو الأعذار المنصوص عليها في هذه المواد ) , وذلك للإشارة إلى دور هذه الظروف والأعذار في التأثير على تغير الوصف القانون للجريمة .
2- لما كانت المادة (187 / أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي مارة الذكر قد نصت على ( تحرر التهمة ,…….,وتتضمن,…..,ووصفها القانوني ,…., والمواد القانونية المنطبقة عليها ,…) هي تزيد لا داعي له لان عبارة (…,ووصفها القانوني ,…) فيها من العموم ما يتضمن ذكر المواد القانونية المنطبقة على الجريمة وليس الوصف القانوني إلا ذلك , وبالتالي ندعوا المشرع العراقي إلى حذف هذه العبارة من النص القانوني والاكتفاء بعبارة ( …, ووصفها القانوني ,….) , وذلك منعا للتكرار الذي لا داعي له .
3- يدعو هذا البحث المتواضع الباحثين والكتاب الذين وقعوا في الخلط والدمج بين معنى الوصف القانوني والتكييف القانوني للجريمة وبكل احترام وتقدير لآرائهم ,إلى ضرورة الالتفات للتفرقة التي يجب إعمالها بين هذين المعنيين والتي توصل هذا البحث وبالأدلة القانونية والمنطقية إلى وجودها بينهما .
الهوامش :-
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر / جواد الرهيمي , التكييف القانوني للدعوى الجنائية , بدون مكان طبع , بلا ناشر , 2004, ص 188.
(2) يعد هذا المبدأ مبدأ” دستوريا” وتشريعيا” في آن واحد وذلك لأهميته في الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية , لذلك نصت عليه اغلب دساتير الدول العربية وقوانينها العقابية . على سبيل المثال ينظر/ المادة (19/ ثانيا ) من دستور العراق الحالي لعام 2005 . المادة (27) من دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971. المادة ( 20/ أ ) من دستور البحرين لسنة 2002. المادة (66) من دستور مصر لعام 1971. المادة (1) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 . المادة (3) من قانون عقوبات البحرين لسنة 1955. المادة (5) من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937. المادة (1) من قانون العقوبات الجزائري لسنة 1966.
(3) ينظر/ د. حاتم حسن موسى بكار, سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير الاحترازية , الإسكندرية , منشأة المعارف , 2002, ص 100.
(4) في تفصيل ذلك ينظر/ د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي , التكييف في المواد الجنائية , الإسكندرية , دار الفكر الجامعي , 2003 , ص 22 .
(5) ينظر/ الأستاذ. محمد صالح القويزي , التكييف القانوني للدعوى الجنائية المقترنة بدعوى مدنية , بحث مقدم للمؤتمر التاسع لاتحاد المحامين العرب والمنعقد في القاهرة في شباط (فبراير) 1967, بغداد , مطبعة الإرشاد , 1967, ص 23-24 .
(6) في الاتجاه ذاته ينظر/ المادة (44) من قانون العقوبات الجزائري . الفصل (130) من القانون الجنائي المغربي .
(7) ينظر/ د. علي حسين الخلف و د. سلطان الشاوي , المبادئ العامة في قانون العقوبات , بغداد , مديرية دار الكتب للطباعة والنشر , 1982 , ص 447, ص 457 .
(8) ينظر/ المادة (29) من قانون العقوبات العماني رقم 7 لسنة 1974 .
(9) في تفصيل ذلك ينظر/ المواد (30, 31, 32) من القانون نفسه .المواد (179- 182) من قانون العقوبات اللبناني . المواد (55 – 58) من قانون عقوبات الأردن .
(10) وقد وردت هذه العبارة صراحة في عدد من قوانين الإجراءات الجنائية العربية منها على سبيل المثال / المواد (160 , 308 , 455, 456 ) من قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 . المادتان (366 , 391) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم 13 لسنة 1994. الفصل ( 487) من قانون الــمسطرة الجنائية المغـــربي لسنة 1959 . المادة ( 92) من قانون أصول المحاكمات الجزائية البحريني لسنة 1966 . المادة (132) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي رقم 17 لسنة 1960.
(11) الطعن 5050 لسنة 68 ق ,جلسة 1/1/ 2001 جنائي , أشار إليه /د. عبد الفتاح مراد , الجديد في النقض الجنائي 1996- 2003 , بدون مكان طبع , بلا ناشر , بلا سنة طبع , ص 408 – 409 .
(12) الطعن رقم 2437 لسنة 64 ق جلسة 16/ 1/2000 , أشار إليه / المستشار .علي سليمان , الحديث من المبادئ التي قررتها الدوائر الجنائية بمحكمة النقض ,بدون مكان طبع , بلا ناشر , 2001 ,ص 764. ينظر/ الطعن رقم 23536 لسنة 66 ق جلسة 11/11/ 1998 و الطعن رقم 5498 لسنة 64 ق جلسة 11/3/ 1999 و الطعن رقم 7735 لسنة 60 ق جلسة 5/4/ 1999 و الطعن رقم 8354 لسنة 60 ق جلسة 8/ 4/ 1999 و الطعن رقم 19605 لسنة 69 ق جلسة 4/1/ 2000 و الطعن رقم 26365لسنة 67 ق جلسة 13/3/ 2000 , أشار إليها / المصدر نفسه , 760 وما بعدها .
(13) قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية ذي العدد 7084 / الهيئة الجزائية / 2006 الصادر في 20 / 12/ 2006 .
(14) قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية ذي العدد 1211 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 26 / 4 / 2007 .
(15) في تفصيل ذلك ينظر/ قرار المحكمة ذاتها ذي العدد 4720 / الهيئة الجزائية الثانية / 2006 الصادر في 26 / 4 / 2007 . قرارها ذي العدد 1017 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 24 / 4 / 2007 . قرارها ذي العدد 1263 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 30 / 4 / 2007 . قرارها ذي العدد 3656 / الهيئة الجزائية الثانية / 2008 الصادر في 19 / 10 / 2008 .
(16) أشار إلى هذه التعريفات / د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي , المصدر السابق , ص 10 وما بعدها .
(17) بهذا المعنى ينظر/ المحامي . محمد صالح القويزي , التكييف , بحث منشور في مجلة القضاء الصادرة عن نقابة المحامين العراقية , ع 1 – 2, س 56 , 2002 , ص 48 .
(18) أشار إليه / جواد الرهيمي , المصدر السابق , ص 48 .
(19) ينظر/ المصدر نفسه , ص 54 .
(20) د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي , المصدر السابق , ص 83 .
(21) ينظر/ المصدر نفسه , ص 79 .
(22) في تفصيل ذلك ينظر/ د. حاتم حسن موسى بكار , المصدر السابق , ص 127 وما بعدها .
(23) في تفصيـــل ذلك ينظــــر/ د. مــحمـود عبد ربـــه محمد القبــلاوي , المصدر السابق , ص 44 وما بعدها .
(24) أشار إليهما / المصدر السابق , ص 19 .
(25) أشار إليه / المصدر نفسه , ص 20 .
(26) أشار إليه / المستشار. علي سليمان , المصدر السابق , ص 762 – 763 . وفي الاتجاه ذاته ينظر/ الطعن رقم 23536لسنة 66 ق جلسة 11/11/1998 و الطعن رقم 5498 لسنة 64 ق جلسة 11/3/1999 و الطعن 19605 لسنة 69 ق جلسة 4/1/ 2000 , أشار إليها / المصدر نفسه , ص 760 وما بعدها .
(27) أشار إليه / د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي , المصدر السابق , ص 63 .
(28) ينظر/ ص 8 من البحث .
(29) قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية ذي العدد 7101 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 30 / 4 / 2007 .
(30) في هذا الاتجاه ينظر/ قرار المحكمة ذاتها ذي العدد 382 / الهيئة الجــزائية الثــانيــــة / 2008 الصادر في 5 / 6 / 2008 . قرارهـــــا ذي العــــدد 1045 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 24 / 4 / 2007 . قرارها ذي العدد 5643/ الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 23 / 4 / 2007 .
(31) تمييز لبناني في 31 أكتوبر سنة 1950 , قرار غير منشور , أشار إليه / د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي , المصدر السابق , ص 20 . وفي الاتجاه ذاته ينظر/ الطعن رقم 7735 لسنة 60 ق جلسة 5 /4 / 1999 نقض مصري , أشار إليه / المستشار. علي سليمان , المصدر السابق , 761 – 762 .
المصادر :-
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أولا :- القرآن الكريم .
ثانيا :- الكتب القانونية :-
(1) جواد الرهيمي , التكييف القانوني للدعوى الجنائية , بدون مكان طبع , بلا ناشر , 2004.
(2) د. حاتم حسن موسى بكار, سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير الاحترازية , الإسكندرية , منشأة المعارف , 2002 .
(3) د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي , التكييف في المواد الجنائية , الإسكندرية , دار الفكر الجامعي , 2003 .
(4) د. علي حسين الخلف و د. سلطان الشاوي , المبادئ العامة في قانون العقوبات , بغداد , مديرية دار الكتب للطباعة والنشر , 1982 .
ثالثا :- البحوث :-
(1) الأستاذ. محمد صالح القويزي , التكييف القانوني للدعوى الجنائية المقترنة بدعوى مدنية , بحث مقدم للمؤتمر التاسع لاتحاد المحامين العرب والمنعقد في القاهرة في شباط (فبراير) 1967, بغداد , مطبعة الإرشاد , 1967.
(2) المحامي . محمد صالح القويزي , التكييف , بحث منشور في مجلة القضاء الصادرة عن نقابة المحامين العراقية , ع 1 – 2, س 56 , 2002.
رابعا :- الدوريات :-
(1) د. عبد الفتاح مراد , الجديد في النقض الجنائي 1996- 2003 , بدون مكان طبع , بلا ناشر , بلا سنة طبع .
(2) المستشار .علي سليمان , الحديث من المبادئ التي قررتها الدوائر الجنائية بمحكمة النقض ,بدون مكان طبع , بلا ناشر , 2001 .
خامسا :- الدساتير :-
(1) دستور العراق الحالي لعام 2005 .
(2) دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971 .
(3) دستور البحرين لسنة 2002 .
(4) الدستور المصري لعام 1971 .
سادسا :- القوانين : –
(1) قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 .
(2) قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 .
(3) قانون العقوبات البحريني لسنة 1955 .
(4) قانون العقوبات الجزائري لسنة 1966 .
(5) القانون الجنائي المغربي .
(6) قانون العقوبات العماني رقم 7 لسنة 1974 .
(7) قانون العقوبات اللبناني .
(8) قانون عقوبات الأردن رقم 16 لسنة 1960.
(9) قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 .
(10) قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950.
(11) قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم 13 لسنة 1994.
(12) قانون الــمسطرة الجنائية المغـــربي لسنة 1959 .
(13) قانون أصول المحاكمات الجزائية البحريني لسنة 1966 .
(14) قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي رقم 17 لسنة 1960.
(15) قانون الإجراءات الجزائية القطري رقم 15 لسنة 1971.
(16) قانون الإجراءات الجنائية الصومالي المعدل سنة 1970 .
سابعا :- القرارات القضائية :-
(1) قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية ذي العدد 7084 / الهيئة الجزائية / 2006 الصادر في 20 / 12/ 2006 .
(2) قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية ذي العدد 1211 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 26 / 4 / 2007 .
(3) قرار المحكمة ذاتها ذي العدد 4720 / الهيئة الجزائية الثانية / 2006 الصادر في 26 / 4 / 2007 .
(4) قرارها ذي العدد 1017 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 24 / 4 / 2007 . (5) قرارها ذي العدد 1263 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 30 / 4 / 2007 . (6) قرارها ذي العدد 3656 / الهيئة الجزائية الثانية / 2008 الصادر في 19 / 10 / 2008 .
(7) قرارها ذي العدد 7101 / الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 30 / 4 / 2007 .
(8) قرارها ذي العدد 382 / الهيئة الجــزائية الثــانيــــة / 2008 الصادر في 5 / 6 / 2008 . (9) قرارهـــــا ذي العــــدد 1045 / الهيئـــة الجزائيـــــة الأولــــى / 2007 الصـــادر فــي 24 / 4 / 2007 .
(10) قرارها ذي العدد 5643/ الهيئة الجزائية الأولى / 2007 الصادر في 23 / 4 / 2007 .
اترك تعليقاً