بحث قانوني ودراسة شاملة عن الحبس الإحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي
المحامية / عزة كامل المقهور
طالما علت الأصوات في أروقة القضاء وخارجها تطالب بتعديل القواعد المتعلقة بالحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي ومواءمتها بالقواعد الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان خاصة تلك المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي تعتبر الجماهيرية طرفاً فيها.
ورغم أن نصوص الحبس الاحتياطي صدرت في عام 1953 بصدور قانون الإجراءات الجنائية الليبي، إلا أن تعديلاً طرأ على بعضها مؤخراً في عام 2003 (1) . وهذا التعديل الذي كان مطلوباً ومؤملاً لقواعد مضى عليها قرابة النصف قرن لم يأت في نظرنا بجديد يذكر، ولم يكن في المستوى المأمول منه.
والحبس الاحتياطي هو توقيف مؤقت للشخص موضوع تحقيق جنائي مفتوح. وهو، أي الشخص إما أن يكون مشتبهاً فيه أو متهماً. ويصدر أمر الحبس وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الليبي من سلطات التحقيق وهي النيابة العامة بعد استجواب المتهم.
ويعد الحبس الاحتياطي أخطر إجراء من إجراءات التحقيق على الإطلاق، ذلك أنه يمس حرية الشخص ويقيدها قبل أن يصدر في حقه حكم بالإدانة. وهو خطير لأن شبهة التوسع في استعماله قائمة طالما لم توضع له معايير موضوعية، كما أنه قد يساء استخدامه ليصبح غير مبرر، ناهيك عن أن المحبوس إحتياطياً قد ينتهي به الأمر إلى البراءة فيكون ما قضاه قيد الحبس مهما كانت مدته في مرتبة الظلم أو العسف.
والحبس الإحتياطي مناقض لمبدأ سامي وراسخ هو أن الأصل في الإنسان البراءة وأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، إلا أن مقتضيات التحقيق والحفاظ على مصالح المجتمع قد تقتضي توقيف الشخص موضوع التحقيق، الأمر الذي يترتب عليه افتراض حرص المشرع عند سن قواعد الحبس الاحتياطي، وكذلك حرصه على ألا تتعارض هذه القواعد وقواعد حقوق الإنسان. وتنقسم هذه الورقة إلى قسمين، الأول يتعلق بنصوص الحبس الإحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي، والثاني يتعلق بإجراء مقارنة بين هذه القواعد من جهة وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ذات العلاقة من جهة أخرى.
أولاً: الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي:
1. من المناسب أولاً الإشارة إلى أن قانون الإجراءات الجنائية يمكن أن يتجسد في شكل ميزان. فالكفة الأولى منه تمثل القواعد التي تهدف إلى حماية مصالح المجتمع بتنظيم ممارسة الدعوى الجنائية وإجراءاتها من لحظة وقوع الفعل المخالف للقانون “الجريمة” وحتى الحكم فيها، أما الكفة الثانية فتشمل القواعد التي تهدف إلى حماية مصالح الفرد سواء أكان متهماً أو مجنياً عليه أو مدعياً بالحق المدني أو مسئولاً عنه، والفرد الذي يحتاج إلى حماية خاصة إن جاز القول هو ذلك الذي يواجه سلطة الدولة ممثلة في النيابة العامة التي تتولى التحقيق والاتهام في آن واحد في القانون الليبي، وهذا عيب آخر يحتاج إلى دراسة أخرى. فإن رجحت كفة على أخرى تكون إما الفوضى وإما الظلم.
وذاك الفرد الذي اصطلح على تعريفه بالمتهم (2) وضع له قانون الإجراءات الجنائية الليبي ضمانات تتعلق بحريتة وحقوقه أثناء التحقيق والمحاكمة، بل حتى بعد صدور الحكم وأثناء تنفيذه.
2. ولانبالغ إن قلنا بأن أخطر إجراء على الإطلاق من إجراءات التحقيق هو أمر الحبس الاحتياطي. فهو إجراء يتعارض مع حق جوهري من حقوق الإنسان ألا وهو الحرية. كما أنه يتعارض مع قاعدة مهمة وذات أولوية من قواعد حقوق الإنسان ألا وهي إفتراض البراءة في الإنسان إالى أن يثبت عكس ذلك. والفرد الصادر ضده أمر بالحبس الاحتياطي قد يكون محل شبهه فقط، أو محل اتهام في أسوأ الفروض، والقاعدة هي أن “المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته”.
والحبس الإحتياطي متعارف عليه في أنه إجراء تحفظي، وهو بطبيعته يفترض أن يكون مؤقتاً، فإما أن ينتهي بالإفراج عن المحبوس إحتياطياً، وإما أن ينقلب إلى عقوبة ، وهو إجراء يسبق صدور الحكم علي “المشتبه فيه أو المتهم”. إذن هو في حقيقته حجز للحرية قبل أن يقول القضاء قوله، لذا فإن أغلب التشريعات الجنائية المقارنة تخضع إجراءات الحبس الاحتياطي لقواعد تهدف إلى خلق التوازن بين حق المجتمع وحق الفرد، وهي تتطور وتتعدل بشكل دوري لتتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، وبما يتماشى مع القواعد التي أرستها المعاهدات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان بالخصوص.
3. وإذا كان قانون الإجراءات الجنائية الليبي منذ ولادته تضمن نصوصاً ذات علاقة بالحبس الاحتياطي، فإن هذه النصوص ظلت على حالها طوال نصف قرن، تبدلت الحياة فيه، وتغيرت الأفكار وانضمت ليبيا إلى معظم اتفاقيات حقوق الإنسان وصدرت الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان وقانون تعزيز الحرية، وعرفت البشرية عامة تطورات مذهلة لم تشهدها منذ قيامها، إلا قواعد الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي ظلت على حالها تمكن النيابة العامة من أن تصدر الأمربالحبس ستة أيام على ذمة التحقيق بعد استجواب الشخص حتى في الجنح التي تزيد فيها العقوبة على ثلاثة أشهر لمجرد أن يتبين لها توافر “الدلائل الكافية” (3) ، أو في حالة هرب المتهم، ويجوز في كل الأحوال حبس المتهم احتياطياً إذا لم يكن له محل إقامة ثابت و معروف وكانت الجريمة جنحة معاقباً عليها بالحبس. بل إن قوانين خاصة صدرت لاحقاً وبعد صدور قانون الإجراءات الجنائية الليبي بعقود عرفت تشدداً في قواعد الحبس الإحتياطى لم تعرفه القواعد العامة في قانون الإجراءات الجنائية الليبي، وهي على سبيل المثال قانون رقم 23 لسنة 1369 ور (2001) بتعديل وإضافة بعض الأحكام على القانون رقم 7 لسنة 1990 ف بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية (4) ، والقانون رقم 7 لسنة 1426م (1997) بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 5 لسنة 1988 بشأن إنشاء محكمة الشعب (5).
وجدير بالذكر أن المشرع الليبي شعر (6) باكراً وقبل حتى أن تتربع قواعد حقوق الإنسان على سدة التشريعات في العالم أجمع، وقبل أن تنضم ليبيا الى إتفاقيات حقوق الإنسان، أن مرحلة التحقيق التي يكون فيها الفرد مشتبها فيه أو في أسوأ الفروض متهماً تستوجب له ضمانات، والتي رأى في تلك الحقبة التاريخية أي قبل أكثر من خمسين عاماً، أنها كافية لضمان حقوقه. ومن هنا يفرض السؤال المنطقي نفسه، هل قواعد الحبس الإحتياطي التي وضعها المشرع منذ أكثر من خمسين سنة كافية بل حتى صالحة، وقد بدأت ليبيا في الإنضمام الى الاتفاقيات الدولية في أوائل السبعينيات (7) ، ثم وبشكل متلاحق وعلى وتيرة سريعة في أواخر الثمانينات (8) لتصبح من الدول التي لها رصيد في الإنضمام الى الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان؟ بل قد نذهب بالسؤال الى أبعد من ذلك، ما جدوى الإنضمام الى هذه الاتفاقيات طالما أن البون شاسع بين التشريع الوطني والاتفاقية الدولية ذات العلاقة؟
4. وفي ظل السياسة التشريعية العقابية الحالية (9) التي لم يعد فيها للمخالفات مكاناً إلا لماماً، بات الحبس الاحتياطي نوعاً من العرف بل والحق للنيابة العامة، وأصبحت الأيام الستة شبحاً على كل من كان في وضع شبهة أو تهمة، خاصة وأن النيابة تتولى سلطتي التحقيق والاتهام (10) ، وبات الحبس الاحتياطي أقرب إلى الحقيقة والإفراج إلى المنال .
5. وبعد طول أخذ ورد، وندوات (11) أقيمت بغرض الحث على تعديل نصوص الحبس الإحتياطي بما يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، صدر بتاريخ 13 / 6 / 2003، قانون رقم 3 لسنة 1371 و. ر، بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية. إلا أنه يمكن القول أنه وبعد طول انتظار أن نصوص هذا القانون لم تأت في المستوى المأمول أو بالمقياس المطلوب استناداً إلى الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان.
6. ويمكن تلخيص الملاحظات على القانون رقم 3 لسنة 1371 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية فيما يلي:
1. إن هذا التعديل لم يمس نص المادة 115 المتعلقة بأحوال الأمر بالحبس الاحتياطي، وهي أهم نص من النصوص ذات العلاقة بالحبس الإحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، إذ تتعلق بشروطه أو حالاته، والتي بقيت على حالها، حق للنيابة العامة تمارسه بعد استجواب المتهم ومتى تبين أن الدلائل كافية وإن الجريمة تشكل جناية أو جنحة تتجاوز العقوبة فيها الثلاثة أشهر أو في حالة هرب المتهم. ولابد من وقفة جادة عند لفظ ” تبين”، إذ أن هذا اللفظ في رأينا حجر الزاوية في نص المادة 115، وهو لفظ يعني أن المعيار الأول للحبس الإحتياطي في هذا النص معيار شخصي، وأن هذا المعيار لا يقلل من شأنه وخطورته وجود معيار موضوعي عام يتعلق في أن لا يكون الحبس الإحتياطي في المخالفات أو الجنح التي لا تتجاوز فيها العقوبة ثلاثة أشهر. أما شرط توفر الدلائل الكافية فهو في رأينا شرط مرتبط إرتباط وثيق بالمعيار الشخصي وهو من العمومية بمكان يتعذر معه إعتباره شرط موضوعي. وكان الأجدر لو كانت هناك جدية في تعديل نصوص الحبس الإحتياطي أن يطرأ التعديل على المادة 115، لتوضع بالتالي معاييرموضوعية تخول الحبس الاحتياطي متى توافرت كلها أو بعض منها، وهي على سبيل المثال: أن تتوافر حالة التلبس، أو حالة العود، أو إذا كانت التهمة خطرة (12) ، أو كانت النتائج المترتبة عليها جسيمة، أو أن الحبس الاحتياطي كان الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الأدلة ومنع التأثير على الشهود أو المجني عليه، أو لمنع التحايل فيما بين المتهمين وشركائهم، أو إذا لم تتوافر بدائل الحبس الاحتياطي، أو إذا أخل المتهم بشروط الإفراج أو بدائل الحبس الاحتياطي، أو كان الحبس الأحتياطي الوسيلة الوحيدة لحماية المتهم أو ضمان بقائه تحت تصرف العدالة، أو لوضع حد للأفعال المخالفة أو منع إعادة ارتكابها … وغيرها من المقاييس أو المعايير التي تجد صدى لها في التشريعات المقارنة (13) .
لذا فإن بقاء نص المادة 115 الخاصة “بأحوال الأمر بالحبس الاحتياطي” على حاله إنما علامة على أن جوهر إجراء الحبس الاحتياطي لم يمس أو يعدل، وأن المعيار الشخصي في الحبس يظل أعمق وأشد كثافة من أي معايير عامة أخرى كالدلائل أو نوع الجريمة أو خشية الهرب، طالما أن صدر المادة قد بدأ بلفظ إذا ” تبين” وكان البيان لصاحب الحق في الحبس الاحتياطي لا لغيره.
وعليه كان أولاً وقبل كل شيء لكي يكون للتعديل موجب أن تعدل المادة 115 من قانون الإجراءات الجنائية لتتضمن معايير موضوعية للحبس الاحتياطي.
2. إن التعديل وإن كان قد ضيق من مدة / مدد تمديد الحبس الاحتياطي، إلا أنه أبقى على العيب الجسيم الذي كان ولازال يلحق بقانون الإجراءات الجنائية الليبي فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي، وهو عدم تحديد مدته. فنصوص الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي تجعل من الحبس الاحتياطي مفتوح المدة غير محدد. وأن التعديل الذي طرأ على المادتين (122 و176) (14) والمعنونتين على التوالي ” مدة الحبس الاحتياطي” ” زيادة الحبس الإحتياطي” وإن جعلتا مدة الحبس 30 يوماً في مجملها بعد أن كانت 45 يوماً، إلا إنه عاد في المادة (177) المعنونة “إنقضاء مدة الحبس الإحتياطي قبل انتهاء التحقيق” ونص على إنه وبعد إنقضاء مدة الثلاثين يوماً السابق بيانها وفي حالة عدم إنتهاء التحقيق، فإنه يجوز تمديد الحبس الإحتياطي مدة أو مدد متعاقبة لا تزيد في مجموعها عن 90 يوماً من قبل المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية، إلا أن الخطورة تكمن في عجز هذا النص (م177) الذي أعطى للنائب العام أو من يفوضه الحق في أن يطلب من المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية زيادة مدد الحبس الاحتياطي عن الحد المقرر (90 يوماً) “إذا كانت ظروف التحقيق أو التصرف مما يستوجب ذلك”. وهكذا فإن الخلاصة هي أن المواد المعدلة لنصوص الحبس الإحتياطي (122، 176، 177) بموجب القانون رقم 3 لسنة 2003، وإن خفضت من مدد تمديد الحبس الاحتياطي، إلا أن مدة الحبس الاحتياطي لازالت مفتوحة وغير محددة المدة في التشريع الجنائي الليبي وهنا مكمن الخطر، خاصة وأن طلب التمديد هذا لازال غير قائم على شروط أو معايير موضوعية، بل على قواعد عامة “إذا كانت ظروف التحقيق أو التصرف مما يستوجب ذلك”.
لذا فإن خطر التعسف في الحبس الاحتياطي وطول مدته، وهما المسألتان اللتان شددت نصوص المعاهدات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان على إيلائهما عناية خاصة والتقييد فيهما، لازالا قائمين.
3. إن التعديل المشار إليه لم يأت ببدائل جديدة للحبس الاحتياطي، فقد عرفت التشريعات المقارنة بدائل جمة منها ما أرتبط حتى بالتطور التكنولوجي. ومن بدائل الحبس الاحتياطي: الإقامة الجبرية، تحديد حرية التنقل أو الحركة، حجز أوراق الهوية أو جواز السفر، شرط التردد على مركز الشرطة، شرط عدم الاختلاط ببعض الأشخاص أو عدم التردد على بعض الأماكن، دفع ضمان مالي.. الخ.
ورغم أن قانون الإجراءات الجنائية نص على بدائل محدودة ( م 124 / م 126 / 129) إلا أن التشريعات المقارنة عرفت تنوعاً وإضافات في هذه البدائل، لم يتضمنها التعديل الصادر في نصوص قانون الإجراءات الجنائية. وهو أمر محل تساؤل، فطالما أن التشريعات المقارنة قد عرفت هذه الإجراءات منذ عقود فلماذا لم تستفد تشريعاتنا من ذلك، وظل الحبس الاحتياطي هو الأصل بينما الإفراج هو الاستثناء.
4. إن هذا التعديل يبقي على قاعدة أن أمر الحبس الاحتياطي الأول أو الأصلي إنما يصدر من النيابة العامة (15) استناداً لنص المادة 115 المبين عاليه، وهو بمثابة الصورة أو الانطباع الأول الذي يجعل المشتبه فيه أقرب إلى الاتهام منه إلى البراءة ليظل في دائرة الاتهام يتوق إلى البراءة، وقد يضطر في فترة الايام الستة الأولى للحبس الاحتياطي إتخاذ إجراءات في غير صالحه للخروج من مأساة الحبس الاحتياطي، فيضطر إلى توقيع تنازل أو الاعتراف بالتهمة، أو الوصول إلى حلول في غير صالحه على المدى البعيد لتوقى الصدمة الأولى وهي الحبس، بل إن الحبس الإحتياطي من خلال الواقع العملي بات يستعمل كوسيلة ضغط لإنهاء منازعات مدنية بدلاً من اللجؤ الى القضاء المدني الذي قد تطول مدته.
ولما كانت إجراءات التحقيق لازالت في يد النيابة العامة، ودور قاضي التحقيق لازال معطلاً فإن الستة أيام الأولى من الحبس الاحتياطي وهي الصدمة الأولى لازالت في يد النيابة العامة قائمة على معايير غير موضوعية وإن التعديل لم يحسم هذه المسألة لارتباطها أشد الارتباط بقواعد العدالة والتوازن فيما بين سلطة الاتهام والدفاع. والنيابة العامة متى كانت تمارس سلطتي التحقيق والاتهام معاً فإن التوازن الذي يهدف إليه قانون الإجراءات الجنائية بين الصالح العام والخاص يكون قد أصابه الخلل (16) .
5. إن حالة عدم التوازن فيما بين موقف المتهم والنيابة العامة لازالت قائمة بعد التعديل المشار إليه فيما يتعلق بعدم إمكانية استئناف أوامر الحبس الاحتياطي أو قرارت تمديدها.
فبينما للنيابة العامة الحق في الطعن في أمر الإفراج الصادر عن قاضي التمديد أو المحكمة الإبتدائية (م 176)، فإن المتهم الصادر ضده أمر بالحبس الإحتياطي لا يملك الحق في الطعن لا في أمر النيابة بالحبس الإحتياطي وهو أمر غالباً ما يصل الى ستة أيام وكأنه القضاء، ولا في أوامر تمديده الصادرة من القاضي الجزئي أو من المحكمة الإبتدائية بهيئة استئنافية. وحيث أن مدة الحبس الإحتياطي مفتوحة فلنا أن نتصور أن المتهم لا يملك الطعن فيها وإن طالت مدة حبسه إلى مالا نهاية.
وبهذا فإن حالة الخلل وعدم التوازن التي كانت، لازالت قائمة حتى بعد التعديل، فبينما للنيابة ” الحق” في استئناف أوامر الإفراج، فإن المتهم المحبوس احتياطياً لا حق له في استئناف أوامر الحبس أو تمديدها.
6. لم ينص التعديل على ضرورة تسبيب أوامر الحبس الاحتياطي، علماً بأن التشريعات المقارنة تشترط التسبيب. ومزايا تسبيب إجراء الحبس الإحتياطي أن المحقق مضطر للإلمام بالدعوى ودراستها لتسبيب أو تبرير أمر الحبس سواء على صعيد الوقائع أو القانون، وأن التسبيب يمكن المتهم في الأنظمة الجنائية المقارنة من الطعن فيه خاصة إذا جاء مخالفاً للقانون.
7. إن هذا التعديل لم يتضمن الحق في تعويض المتهم الذي حبس إحتياطياً بالمخالفة للقانون. ويجب أن نفهم هنا أن هذا الحق لا يتحقق بمجرد أن يصدر حكماُ بالبراءة على المحبوس إحتياطياً، ولكن بشترط أن يكون أمر الحبس قد صدر بالمخالفة للقانون أي بالمخالفة للشروط والحالات التي يخولها القانون.
8. إن النص الوحيد الذي يمكن اعتباره جديداً بموجب هذا التعديل هو نص المادة 153 والمعنونة “تعجيل نظر دعوى المحبوس احتياطياً”، وهو نص رغم أهميته وإيجابيته بالقول بأن نظر الدعوى يجب أن يكون قبل انتهاء مدة الحبس الاحتياطي، إلا إنه لم يرتب أي نتيجة على مخالفته، فظل ذو أثر معنوي لا يرتب أي أثر على مخالفته.
لذا، فإن الخلاصة هي أن التعديل الصادر بموجب القانون رقم 3 لسنة 1371 ور (2003) بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بما فيها بعض قواعد الحبس الاحتياطي لم يصل الى المستوى المطلوب، بعد كل التجارب العملية التي بينت الحاجة الملحة إلى تعديل هذه النصوص، وبالمخالفة لبعض التشريعات الوطنية ذات الطبيعة الدستورية، و بالمخالفة للالتزامات الدولية الناشئة عن الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان كما سنوضح لاحقاً.
الحبس في الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان، والقانون رقم (20 لسنة1991ف ) بشأن تعزيز الحرية:
1. تطرقت الوثيقة إلى الحبس عموماً دون تخصيصه بكونه حبساً احتياطياً أم عقابياً إن جاز القول حيث ورد في البند (2) إنه ” أبناء المجتمع الجماهيري يقدسون حرية الإنسان ويحمونها ويحرمون تقييدها، فالحبس فقط لمن تشكل حريته خطراً أو إفساداً للآخرين……”
وبهذا فإن المفهوم من هذا النص إن الحبس استثناء، كما أن الوثيقة قيدت الحبس بالخطر وإفساد الآخرين، وهما لفظان وإن كانا عامين إلا أنهما ينبئان عن خطورة الجريمة وما قد يلحق الآخرين من جرائها. وتجدر الإشارة الى أن الوثيقة خلت من قيد الحبس بأمر من القضاء، كما أنها خلت من نص مهم ألا وهو افتراض البراءة إلى أن تثبت الإدانة (17) ، وهو نص على كل حال تضمنه قانون العقوبات الليبي.
ومن المناسب القول بأن قانون تعزيز الحرية رقم 20 لسنة 1991ف، وهو قانون صدر لاحقاً على صدور الوثيقة، لم يأت في الحقيقة بجديد بالخصوص، بل يمكن القول بأنه انتقص من المعيارين الموضوعين الذين وضعتهما الوثيقة للحبس وهما الخطر والإفساد، حيث ورد في المادة(14) إنه ” لا يجوز سلب أو تقييد حرية إي إنسان أو توقيفه أو استجوابه إلا في حالة اتهامه بارتكاب فعل معاقب عليه قانوناً، وبأمر من جهة قضائية مختصة وفي الأحوال المبينة في القانون”.
ويمكن القول بأن هذا النص في حقيقته لا يمثل سوى انعكاساً لما نص عليه في قانون الإجراءات الجنائية الليبي فالحبس مباح متى أتهم شخص بارتكاب فعل معاقب عليه قانوناً و دون أن يضع معايير موضوعية تبيح الحبس، وهو على عكس ما جاء في الوثيقة التي قصرت الحبس على حالة الخطورة والإفساد وهما لفظان رغم عموميتهما إلا أنه يقع على المشرع تفصيلهما، ووضع المعايير اللازمة في هذا الإطار.
وكان الأجدر أن تكون نصوص قانون تعزيز الحرية متسقة تماماً مع الوثيقة أو على الأقل أن تضع تفاصيل للقواعد العامة التي وردت في الوثيقة، لا أن تنتقص مما ورد في الوثيقة.
ويحسب لقانون تعزيز الحرية في هذا الإطار أنه نص على أن الحبس يكون من جهة قضائية مختصة، كما أنه نص في المادة (17) على أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي.
2. ولا تفوتنا الإشارة الى مسألة في غاية الأهمية، تتمثل في صدور القانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق مبادئ الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان، وهو قانون أشار في ديباجته الى التأكيد على ضرورة الإلتزام بما ورد في الوثيقة من مبادئ سامية يتعين مراعاتها عند إصدار القوانين والقرارات، كما أن المادة الأولى من هذا القانون نصت على أن ” تعدل التشريعات المعمول بها قبل صدور الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير بما يتفق ومبادئ هذه الوثيقة” وإنه “لايجوز إصدار تشريعات تتعارض مع تلك المبادئ”.
و في حقيقة الأمر فإنه – ومن وجهة – نظرنا فإن الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان لم تكن بحاجة الى هذا القانون، ذلك أن قيمتها مستمدة من ذاتها وطبيعتها وظروف صدورها والشكل الذي صدرت فيه، وإن الحاجة كانت ولازالت إلى إتخاذ خطوات عملية تراجع من خلالها التشريعات النافذة وتعدل بما يتفق مع نصوصها، و إلى أن يحجم المشرع عن إصدار تشريعات لاحقة تتعارض مع ماجاء فيها. وإن القانون رقم 5 لسنة 1991 وإن كان قد نص على ذلك، إلا أنه لم يضع آليه يمكن من خلالها تحقيق ذلك، الأمر الذي ترتب عليه صدور حكم المحكمة العليا الموقرة في الطعن المدني رقم 58/ 38ق، بتاريخ 23 . 11 . 1992م، الذي أعطى تبريراً ومن خلال هذا القانون للإبقاء بالعمل على التشريعات النافذة المتعارضة مع نصوص الوثيقة (18) .
والسؤال الذي يطرح هنا هو هل التعديل الصادر بموجب القانون رقم 3 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وهو بلا شك لاحق على صدور الوثيقة بأكثر من عقد من الزمن قد راعى المبادئ الواردة فيها رغم عمومية نصوصها ذات العلاقة بالحبس؟
وللإجابة على ذلك فإنه يكفي القول بأن هذا القانون و بعدم تعديله لنص المادة 115 من قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بأحوال الأمر بالحبس الإحتياطي، يكون قد أبقى الحال السابق على صدور الوثيقة على ماهو عليه متعارضاً مع نصوصها ذات العلاقة، رغم أن القانون رقم 5 لسنة1991 بشأن تطبيق مبادئ الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان قد ألزم المشرع بتعديل النصوص السارية المخالفة لنصوص الوثيقة وإن كان لم يحدد زمناً لذلك بشكل عملي (19) . وإن المشرع وقد واتته الفرصة بالتعديل وهو الذي بلاشك شعر بالحاجة إليه فوت هذه الفرصة دون أن يهتدي بمبادئ الوثيقة، وهو ما يجعلنا نتساءل عما إذا كان مقصد محكمتنا العليا الموقرة في الطعن رقم 58 / 38 ق في أن الخطاب في القانون رقم 5 لسنة 1991 ” موجه للشارع في أن يتلافى ما في التشريعات من أوجه مخالفة للوثيقة لا للقاضي ” قد وجد صداه لدى هذا الشارع؟.
ثانياً: قواعد الحبس الاحتياطي في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان :
قبل الخوض في نصوص الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان التى انضمت إليها ليبيا (20) ، فإنه من اللازم الإشارة إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يتطرق للحبس الاحتياطي بشكل مباشر، ولكن وردت فيه نصوص ذات علاقة كالمادة (9) التي تنص على أن ” لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً” كما ورد في المادة 11 / 1 مبدأ أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته .
ثم تلى ذلك وتحديداً في عام 1966 (21) إبرام أهم اتفاقية دولية لحقوق الإنسان وهي الإتفاقية المعروفة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية(22) ، وهي الاتفاقية التي فصلت القواعد التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد خصصت المادة (9) من هذه الاتفاقية بفقراتها الخمس عن الحبس الاحتياطي، ولعل أهم فقرة في هذا النص هي الفقرة الثالثة التي تحث على أن “يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية سريعاً، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانوناً بمباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات بكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء”.
ومن خلال هذا النص بفقراته يتبين ما يلي:
1. إن إجراء الحبس الاحتياطي استثناء وليس القاعدة العامة.
2. أن يكون الحبس الاحتياطي محدد المدة، وأن تكون المدة معقولة.
3. أن يكون أمر الحبس أو تمديده مسبباً.
4. أن يكون للمتهم الحق في الطعن على أمر الحبس الاحتياطي أمام المحكمة.
5. للمتهم الحصول على تعويض من جراء أي حبس احتياطي غير قانوني.
وبمقارنة هذه المعايير بنصوص الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي وتعديله بموجب القانون رقم (3) لسنة 2003، يتبين أن إجراء الحبس الاحتياطي يكاد يكون عاماً في غيبة معايير موضوعية وبدائل أخرى له سوى الإفراج بكفالة أو بشرط التردد أو بدونهما، إن الحبس الاحتياطي غير محدد المدة حتى بموجب التعديل المشار إليه، وأنه لا يشترط في أمر الحبس الإحتياطي أو تمديده أن يكون مسبباً، مما يرتب عليه إنه لا حق للمتهم في الطعن على أمر الحبس الاحتياطي بينما للنيابة العامة الحق في الطعن على أوامر الإفراج من الحبس الاحتياطي، أما التعويض فلا يعرفه قانون الإجراءات الجنائية الليبي حتى يومنا هذا بالنسبة للمحبوس احتياطياً إذا ما صدر أمر الحبس بالمخالفة للقانون .
ومن هنا يتضح الفرق الشاسع بين قواعد الحبس الاحتياطي لقانون الإجراءات الجنائية الليبي والمعايير الدولية المنصوص عليها في اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
الحبس الإحتياطي بالنسبة للأحداث/ مقارنة مع اتفاقية حقوق الطفل:
1. قصر قانون الإجراءات الجنائية الحبس الاحتياطي لدى الأحداث في تلك الفئة العمرية فيما بين سن الرابعة عشرة ودون الثامنة عشرة، على اعتبار أنه يعد مسئول مسؤولية جنائية ناقصة. ولم يضع قانون الإجراءات الجنائية الليبي قواعد خاصة لهذه الفئة فيما يتعلق بالحبس الإحتياطي، وإنما أخضعها للقواعد العامة للحبس الاحتياطي من حيث المدة وإجراءات التمديد. ورغم أن المشرع وضع بالإضافة إلى الإيداع في دور الأحداث وهو مكان تحتجز فيه الحرية، بدائل لمكان قضاء الحبس الاحتياطي بالنسبة لهذه الفئة من الأحداث، أطلق عليه آنذاك “محل معين من الحكومة” أو “معهد خيري” أو ” شخص مؤتمن”(23) ، إلا أن الواقع العملي أثبت أن هذه البدائل رغم محدوديتها غير موجودة وأن مكان الإيداع الوحيد هو دور تربية وتوجيه الأحداث الذي هو مكان للحجز تقيد فيه الحرية (24) .
2. أما بالنسبة لفئة الأحداث الذين أتموا السابعة من العمر ولم يبلغوا الرابعة عشرة، فإنه ورغم أن نصوص القانون الجنائي ذات العلاقة أشارت إلى أنه يمكن للقاضي اتخاذ تدابير وقائية ضدهم متى توافرت شروط معينة (25) ، ولأن من ضمن هذه التدابير الوقائية التي يمكن اتخاذها الإيواء في دور الأحداث، فإنه وفي غيبة وجود بدائل أخرى للتدابير الوقائية في الواقع العملي فإن اللجوء إلى حجز الحرية والإيداع في هذه الدور يظل القاعدة وليس الاستثناء كما هي غاية التشريع. لذا فإنه بالإضافة إلى سلبيات القواعد العامة للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي السابق الإشارة إليها والتي تسري أيضاً على فئتين من الأحداث (26) ، فإنه وفي غيبة تنوع بدائل للحبس الاحتياطي، بل في غيبة توافر البدائل ذات العلاقة بالأحداث والمنصوص عليها في التشريع الجنائي ذاته، فإن حجز الحرية في الغالب يظل الإجراء الوحيد المتاح.
3. وبمقارنة ماسبق بيانه من نصوص ذات علاقة بالأحداث مع نصوص إتفاقية حقوق الطفل التي أبرمت في عام 1989 وإنضمت إليها ليبيا في عام 1993، فإن المادة (40) نصت على الضمانات الواجب توافرها للطفل موضوع الاتهام وأولها افتراض البراءة حتى إثبات العكس، كما أن نص المادة (37) / فقرة ب نصت على أن الحبس أو حجز الحرية هو استثناء و”آخر حل” ولأقصر مدة ممكنة .
ورغم أن القانون الجنائي بشقيه العقوبات والإجراءات و منذ خمسة عقود قد وضع بدائل غير حجز حرية الحدث في مكان معد لذلك ( دار رعاية الأحداث)، إلا أن هذه البدائل وبدلاً من تطويرها وزيادتها قد انكمشت إلى الحد الذي لم يبق إلا دار رعاية الاحداث، والتي هي عبارة عن سجن مصغر تحجز فيه حرية الحدث ويتوقف فيه الزمن لحين الفصل في الدعوى الجنائية.
الخاتمة :
لذا، فإن الحاجة كانت ولازالت إلى تعديل نصوص القواعد العامة للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الليبي بما يكفل انسجامها مع الالتزامات الدولية الناشئة عن الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها ليبيا، وأن التعديل الذي طرأ على قواعد الحبس الاحتياطي بموجب القانون رقم 3 لسنة 1371 و. ر (2003)، بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية لايعدو أن يكون شكلياً، ولا يمس جوهر النصوص ذات العلاقة بالحبس الإحتياطي التي صدرت بصدور قانون الإجراءات الجنائية منذ نصف قرن .
وحيث أن هذا التعديل الذي جاء بعد طول انتظار لم يفي بالغرض على الإطلاق، بل لم يلامس تلك المسائل الجوهرية التي كان يجب تعديلها وإضافتها تأسيساً على أن العدالة تبدأ مع بداية إجراءات التحقيق، وأن ضمانات التحقيق تستوجب التوازن بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد، وأن الحبس الاحتياطي يجب أن يكون استثناء، وأن تكون له معايير موضوعية، وأن تتوافر له بدائل، وأن تحدد له مدة وتكون معقولة، وأن يكون لمن صدر ضده أمر بالحبس الاحتياطي الحق في الطعن في أوامر الحبس، وأن يكون لمن حبس احتياطياً بالمخالفة للقانون الحق في التعويض .
فإن لم تتوافر هذه الشروط تكون قواعد الحبس الاحتياطي قد رجحت كفة مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد (المتهم)، ويكون المتهم قد فقد أهم ضمانة في مواجهة سلطات التحقيق ألا وهي حريته التي في غيبتها يفقد كرامته وحقه في أن يلقى تحقيق عادل، ومحاكمة عادلة ونزيهة.
لذا فإن السؤال الذي نطرحه هو أما آن الأوان الى أن تعدل قواعد الحبس الاحتياطي بما يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان؟
الهوامش :
1. القانون رقم 3 لسنة 1371 و ر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية.
2. في بعض القوانين المقارنة كقانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لم يعد يطلق لفظ المتهم ، وإنما الشخص المشتبه فيه أو محل التحقيق، أو الشخص محل المحاكمة. ولم تعد هناك إشارة إلى التهم، بل إلى الأفعال المنسوبة إليه أو الأفعال المخالفة للقانون.
3. تنص المادة 115 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي على ” إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه، أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر جاز لقاضي التحقيق أن يصدر أمراً بحبس المتهم احتياطياً.
ويجوز دائما حبس المتهم احتياطياً، إذا لم يكن له محل إقامة ثابت معروف في ليبيا وكانت الجريمة جنحة معاقباً عليها بالحبس.
4. تنص المادة 51 مكرر أ على أنه للنيابة العامة أن تحبس المتهم لمدة ثلاثين يوماً.
5. استناداً لنص المادة 22 من هذا القانون فإن لعضو مكتب الادعاء الشعبي أن يأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة 45 يوماً.
6. يرجح أن هذه النصوص تعود في أساسها الي أن المصادر التاريخية التي أستقى منها المشرع الليبي قانون الإجراءات الجنائية الليبي كانت تتضمن مثل هذه النصوص.
7. أنضمت ليبيا الى العهدين الدوليين في عام 1970 ولم ينشرا بعد في مدونة التشريعات.
8. إنضمت ليبيا الى ثلاث عشرة إتفاقية لحقوق الإنسان دفعة واحدة في عام 1989 وذلك بموجب القانون رقم 7 لسنة 89 . أنظر العدد 20 من الجريدة الرسمية السنة 27، بتاريخ 9/10 /1989ف .
9. د. سالم الأوجلي، إعادة النظر في سياية التجريم والعقاب، مجلة إدارة القضايا، الكانون/ ديسمبر 2002ف.
10. رغم أن قانون الإجراءات الجنائية ينص على مكنة الفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام بأن تكون الأولى لقاضي التحقيق والثانية للنيابة، إلا أن ما يحدث عملياً هو أن سلطات التحقيق والاتهام في يد النيابة العامة.
11. نذكر على سبيل المثال الندوة التي إنعقدت بنقابة المحامين بطرابلس بناريخ 4. 6. 1998 ف، تحت عنوان ” الحبس الإحتياطي وحقوق الإنسان”.
12. عرفت التشريعات المقارنة تشدداً في الحبس الإحتياطي في جرائم الإرهاب، وينظر مجلس اللوردات وهو أعلى هيئة قضائية بريطانية حالياً مدى قانونية حبس عناصر أجنبية يشتبه في علاقتهم بالإرهاب لمدد غير محددة وبدون محاكمة إستناداً لقانون الطوارئ الذي صدر عقب هجمات 11 سبتمبر الذي ينص على أنه يكفي أن تكون لدى السلطات ” أسباب معقولة” للإشتباه في أن المحتجز يشكل خطراً. مقال منشور في صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان ” بريطانيا: أعلى هيئة قضائية تدرس قانونية إحتجاز مشتبه فيهم في سجن شبيه بغوانتانمو، بتاريخ 4. 10. 2004ف.
13. انظر القانون المادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي التي تجعل من الحبس الاحتياطي إجراءاً استثنائياً.
14. خفض القانون المعدل ( رقم 3 لسنة 2003) مدة مد الحبس الإحتياطي من قبل القاضي الجزئي من 45 يوماً الى 30 يوماً.
15. في القوانين المقارنة كالقانون الفرنسي مثلاً فإن النيابة العامة لاتملك أن تأمر بالحبس الاحتياطي، وإنها تطلب ذلك من القاضي الذي يأمر بالحبس من عدمه بعد سماع دفاع المتهم.
16. وتجدر الإشارة الى أن قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في التعديل الصادر بتاريخ 30. 12. 1996 ( المادة 82) نص على إنه للنيابة العامة أن تقدم لقاضي التحقيق طلباً مكتوباً ومسبباً لإستصدار أمر بالحبس الإحتياطي للخشص موضوع التحقيق.
كما نصت المادة 145 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على أن ينظر طلب الأمر بالحبس الإحتياطي قاضي التحقيق في جلسة مخاصمة Debat contradictoire بمكتبه يحضرها المتهم ودفاعه والنيابة العامة يستمع فيها الى طلبات النيابة التي تكون مسسبة ومكتوبة والى ملاحظات المتهم أو دفاعه، ويكون أمر الحبس مسبباً. كما أن المادة 148 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي وإن كانت تنص على أن قاضي التحقيق يفصل في طلبات الإفراج، إلا إنها نصت على إمكانية تقديم طلبات بالإفراج مباشرة أمام غرفة الإتهام.
17. هذا النص وارد في المادة الاولى قانون العقوبات.
18. يقضي حكم المحكمة العليا في الطعن المدني رقم 58/ 38 ق، الصادر بتاريخ 23. 11. 1992 المشار اليه إلى أن” مفاد نص المادتين الأولى والثالثة من القانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق مبادئ الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان إن المبادئ الواردة فيها غير قابلة للتطبيق حتى تصاغ في قوانين لها قوة الإلزام وتظل للتشريعات النافذة صلاحيتها إلى حين صدور قوانين ملغية أو معدلة لها وفقاً لمبادئ الوثيقة الخضراء الكبرى فالخطاب في هذا القانون موجه للشارع كي يتلافى ما في التشريعات من أوجه المخالفة للوثيقة لا للقاضي”.
19. نصت المادة 2 من القانون رقم 5 لسنة 1991 على” تعد التعديلات المشار إليها في المادة السابقة خلال سنة من تاريخ نشر هذا القانون ويجوز عند الاقتضاء تمديد هذه المدة بقرار من اللجنة الشعبية العامة لمدة أو لمدد أخرى”.
20. عزة كامل المقهور، دعوة الى نشر أهم إتفاقيتين لحقوق الإنسان في مدونة التشريعات/ العهدان الدوليان والتشريع الليبي، مجلة المؤتمر العدد 24 بتاريخ النوار (فبراير) 1372و.ر(2004ف) .
21. دخلت حيز النفاذ في 1976ف.
22. سبق نشر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في العدد24 من مجلة المؤتمر، المؤرخ في فبراير1372و.ر(2004ف).
23. المادة 318 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي، وهي مادة توسع من حالات الحبس الإحتياطي بالنص على أنه ” إذا كانت ظروف الأحوال تقتضي حبس الصغير الذي تزيد سنه على 14 سنة إحتياطياً…”
24. تعرف قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم في المادة 11/ ب، بأن “التجريد من الحرية هو أي شكل من أشكال الإحتجاز أو السجن، أو وضع الشخص في إطار إحتجازي عام أو خاص لا يسمح له بمغادرته وفق إرادته، وذلك بناء على أمر تصدره أي سلطة قضائية أو إدارية أو سلطة عامة أخرى”
25. المواد 80، 150، 151 من قانون العقوبات الليبي.
26. يمكن تفسيم الأحداث في التشريع الجنائي الليبي الى ثلاث فئات، وهي بالإضافة الى الفئتين المبينتين فئة ثالثة هي الصغير الذي لم يكمل السابعة من العمر.
اترك تعليقاً