بحث قانوني عن الدليل بتبيان مفهومه و أنواعه
يقتضي هذا الفصل دراسة الدليل بتبيان مفهومه و أنواعه و من حيث مشروعيته لذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين.
المبحـث الأول: مفهـوم الــدلـيـل:
لقد وردت تعاريف عديدة للدليل وهذا ما سنحاول أن نبينه في المطلب الأول،و في المطلب الثاني سنتناول فيه أنواعه .
المطلب الأول: تعـريـف الدلـيـل:
يعرف الدليل من الناحية اللغوية بأنه هو ما يستدل به فيقال في اللغة دله الطريق، كما يقال أدل بمعنى أمل و كما يقصد به الثقة فيقال فلان يدل بفلان بمعنى يثق به.
أما الدليل شرعا فهوما يلزم من العلم به العلم بشيء أخر.
أما الدليل من الناحية القانونية فقد تعددت التعاريف، فمنها :
هو الوسيلة المبحوث عنها في التحقيقات بغرض إثبات صحة واقعة تهم الجريمة أو ظرف من ظروفها المادية و الشخصية.
كما عرف الدليل على أنه هو الوسيلة التي يستعين بها للوصول إلى الحقيقة التي ينشدها والمقصود بالحقيقة في هذا الصدد هو كل ما يتعلق بالوقائع المعروضة عليه لأعمال حكم القانون عليها .
كما عرف الدليل بأنه الواقعة التي يستمد منها القاضي البرهان على إثبات اقتناعه بالحكم الذي ينتهي إليه.
و قد عرف قضاة المحكمة العليا الدليل على أنه هو البينة أو الحجة التي يستمد منها القاضي البرهان على اقتناعه بالحكم الذي يصدره ، قد يكون الدليل مباشرا كالاعتراف وشهادة الشهود و تقرير الخبرة أو غير مباشر كالقرائن
المطلـب الثــاني: أنــواع الــدلـيــل:
لقد وردت عدة تقسيمات للدليل أوردها فقهاء القانون الجنائي على النحو التالي:
1)الدليل من حيث مصدره: ينقسم بدوره إلى ثلاثة أنواع:
·الدليل المادي: وهو الدليل الذي ينبعث من عناصر مادية ناطقة بنفسها كالبصمات مثلا والتي تستخلص من المعاينة، التفتيش، الضبط و الخبرة
·الدليل القولي: و هو الدليل الذي ينبعث من عناصر شخصية كالاعتراف.
·الدليل القانوني: و هو الدليل الذي حدده المشرع و بين قوته.
2)الدليل من حيث الجهة التي يقدم إليها:
·الدليل القضائي:هو الدليل الذي له مصدر في أوراق الدعوى المطروحة أمام المحكمة.
·الدليل الغير القضائي:وهو ما لم يكن له اصل في المحاضر المعروضة على القاضي
3)الدليل من حيث علاقته بالواقعة المراد إثباتها:
·الدليل المباشر: و هو الدليل الذي ينصب على الواقعة المراد إثباتها
·الدليل الغير المباشر : و هو الدليل الذي ينصب على واقعة أخرى التي تفيد أو تؤدي إلى استخلاص قرار معين بالنسبة للواقعة المراد إثباتها .
4) الدليل من حيث الأثر المترتب عليه:
·أدلة الاتهام:و هي تلك الأدلة التي تسمح لتقديم المتهم للمحاكمة.
·أدلة الحكم:و هي الأدلة التي يتوافر فيها اليقين التام و القطع الكامل بالإدانة.
·أدلة النفي:و هي أدلة تسمح بتبرئة ساحة المتهم( .
كما توجد تقسيمات أخرى للدليل و ذلك بحسب مضمون الدليل أو حسب الوسيلة التي بمقتضاها تم العلم بالدليل ، ومن هذه التقسيمات ما يلي :
1)الدليل العام و الدليل الخاص :
·الدليل العام: هو الدليل الذي يرتبط بالآثار المادية الناتجة عن الجريمة أي جسم الجريمة أو بالوجود الموضوعي لها ، كما هو الحال بالنسبة للوفاة والجرح .
·الدليل الخاص: هو الدليل الذي يشير بصورة مباشرة إلى من ارتكب الجريمة وبأي الوسائل تم ارتكابها.
2 ) الدليل الأساسي و الدليل التكميلي :
·الدليل الأساسي: و يكون الدليل الأساسي عندما يتحقق المحل المادي الذي يقترف في شانه الجريمة مثل جثة القتيل.
·الدليل التكميلي:و يكون الدليل تكميليا عندما لا يتحقق هذا الوجود لأي سبب من الأسباب.
3 ) الدليل المباشر و الدليل الغير المباشر:
·الدليل المباشر:وهو ذلك الدليل الذي تستخلصه المحكمة مباشرة كالاعتراف المحررات، الخبرة، الشهادة.
·الدليل الغير المباشر: هو ذلك الدليل الذي تستخلصه المحكمة بطريقة غير مباشرة عن طريق القرائن أو الانتقال للمعاينة .
4 ) الدليل الكامل و الغير الكامل:
·الدليل الكامل:هو ذلك الدليل الذي ينفي احتمال أن يكون الجاني مذنبا.
·الدليل الغير الكامل :هو ذلك الدليل الذي يؤكد العكس .
5 ) الدليل البسيط و الدليل المركب :
·الدليل البسيط: هو ذلك الدليل الذي يوفر بذاته اليقين بارتكابه الجريمة .
·الدليل المركب:هو ذلك الدليل الذي لا يكـفي بمفرده، و يحتاج إلى تقدير إجمالي مع الأدلة الأخرى.
6 ) الدليل العيني و الدليل الشخصي :
·الدليل العيني:و هو ذلك الدليل الذي مصدره الأشياء كمكان ارتكاب الجريمة السلاح المستعمل في الجريمة، جثة القتيل، أثار الجرح.
·الدليل الشخصي: هو ذلك الدليل مصدره نشاط الأشخاص، كمـا هو الحال بالنسبة للمتهم أو الشاهد … الخ.
رغم تعدد تقسيمات الدليل إلا انه يجب أن تكون طريقة الحصول عليه مشروعة تخضع إلى قاعدة و هي من القواعد الإثبات الجنائي و هي قاعدة مشروعية الدليل
المبحث الثاني: مبدأ مشروعية الدليل:
يقصد بهذه القاعدة وجوب أن يستمد القاضي اقتناعه بالإدانة من أدلة صحيحة مشروعة وهذا الموضوع يتطلب البحث في مفهوم القاعدة من جهة و جزاء الإخلال بها من جهة أخرى
المطلب الأول: مفهوم مبدأ مشروعية الدليل:
من المبادئ الدستورية مبدأ احترام القانون أي التزام كل من الحاكم والمحكوم بالقواعد القانونية التي تصدرها السلطة المختصة ، و يعتبر مبدأ الشرعية صورة من هذا الأصل العام، و تعني أنه لا جريمة و لا عقوبة بدون نص شرعي، يقصد بهذا المبدأ في مجال القانون الجزائي أن لهذا القانون مصدرا واحدا هو القانون المكتوب و هو بذلك يختلف عن فروع القانون الأخرى التي تضيف إلى نص القانون مصادر أخرى كالعرف والشريعة
( المادة الأولى من قانون مدني ) …الخ.
و هذا المبدأ تم النص عليه في الدستور الجزائري حيث جاء في المادة 46 منه ” لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم ” .
و تم تطبيق هذا المبدأ في المادة الأولى من قانون العقوبات حيث جاء فيها :
“لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير امن بغير قانون ” .
مفاد هذه النصوص أنه لا يمكن أن يوجه أي إتهام ضد شخص لإرتكابه فعلا معينا ما لم يكون منصوص على تجريم هذا الفعل في القانون، كما لا يمكن تطبيق عقوبة ما لم تكن محددة سلفا.
ومبدأ المشروعية يمثل أحد الدعائم الأساسية التي نصت عليها التشريعات الجنائية المعاصرة إلا أنها لا تكفي وحدها لحمـاية حريـة الإنسان في حالة القبـض عليه أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاكمته مع افتراض إدانته، فكل إجراء يتخذ ضد الإنسان دون افتراض
براءته سيؤدي حتما إلى تكليفه عبئ إثبات براءته من الجريمة المنسوبة إليه ، فإذا عجز عن إثبات هذه البراءة اعتبر مسؤولا عن جريمة لم تصدر عنه .
و يؤدي هذا الوضع إلى قصور الحماية التي يكلفها مبدأ الشرعية طالما كان من الممكن المساس بحرية المتهم من غير طريق القانون، أو كان من الممكن إسناد الجرائم لأحد الناس
ولو لم يثبت ارتكابه لها عن طريق افتراض إدانته .
من هذا كان من اللازم تدعيم هذه القاعدة الدستورية ، بقاعدة ثانية تحكم تنظيم الإجراءات تتخذ ضد المتهم ، على نحو يضمن احترام الحقوق والحريات الفردية وهذه القاعدة تسمى بالشرعية الإجرائية ، أو قاعدة مشروعية الدليل .
و تعني هذه القاعدة ضرورة اتفاق الإجراء مع القواعد القانونية، و هذا ما نصت عليه المادة 47 من الدستور ” لا يتابع احد، و لا يوقف أو يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون وطبقا للأشكال التي نص عليها.”.
و يتعين على القاضي الجزائي أن لا يثبت توافر سلطة الدولة في عقاب المتهم إلا من خلال إجراءات مشروعة تحترم فيها و تؤمن فيها الضمانات التي رسمها القانون، و لا يحول دون ذلك أن تكون الأدلة ثابتة في حق المتهم طالما كانت هذه الأدلة مشبوهة و لا يتسم مصدرها بالنزاهة و احترام القانون ، مثال ذلك أن يعتمد القاضي الجزائي في حكمه على دليل مستمد من تفتيش باطل ، أو على قبض غير صحيح.
المطلب الثاني: جزاء الإخلال بمبدأ مشروعية الدليل الجنائي:
إن الدعوى الجزائية هي مجموعة من الأعمال الإجرائية التي تهدف إلى التحقق من وقوع الجريمة و نسبتها إلى فاعلها ، و هي بذلك تشمل جميع الإجراءات التي تباشر منذ أول عمل من أعمال التحقيق حتى صدور الحكم البات .
و العمل الإجرائي لكي يكون صحيحا لا بد من توافر شروط موضوعية تتعلق بالإرادة والأهلية الإجرائية و ما يتطلبه القانون من شروط خاصة كالمحل والمنصب عليه العمل وسبب القيام به ، و شروط شكلية تتعلق بالشكل الذي يجب أن يصاغ فيه العمل الإجرائي.
فإذا توافر في العمل الإجرائي الشروط القانونية كان صحيحا و منتجا لأثاره القانونية، أما إذا تخلف عن العمل الإجـرائي شـرط من الشروط القانونية فانه يعتبر مخالفا للقانون و يخرج
من محيط الأعمال الإجرائية الصحيحة ليندرج تحت الأعمال الإجرائية المعيبة لمخالفتها للقانون.
و يختص القضاء بحماية المشروعية الإجرائية، و ذلك عن طريق الرقابة و التأكد من أن الأجهزة المختصة بالبحث عن الحقيقة تعمل وفقا لقواعد قانونية معينة فهي حقوق و حريات الأفراد و تصون من التعسف و التحكم وإساءة استعمال السلطة ووسيلة القضاء في ذلك تتمثل في منع العمل الذي اتخذ مخالفا للقانون من ترتيب أثاره أي بطلان العمل المخالف
اترك تعليقاً