بحث قانوني و دراسة عن منظمة حلف الشمال الاطلسي
من أهم سمات القرن العشرين، التكتلات والتحالفات الاستراتيجية الكبرى، والتي شملت مجالات عدة، فمنها السياسية، ومنها العسكرية، وكذلك هناك التكتلات الأكثر أهمية منذ الربع الأخير للقرن العشرين، وهي التكتلات الاقتصادية.
كل من تلك التكتلات أو التحالفات ذات صور تعاون متعددة، وقد لا تكون جديدة في مجالات التعاون المختلفة. فقد قامت تحالفات وتكتلات من قديم الأزل، لتحقيق نفس الأهداف الحالية، للتكتلات والتحالفات الجديدة، والتي لم تتعدى “تحقيق المصالح المشتركة لهذه الدول، وزيادة القدرات الدفاعية للدول المتحالفة لدرء أي عدوان عليها”.
في مجال التعاون العسكري، إبان زمن الحرب الباردة، في النصف الثاني من القرن العشرين، يمكن إدراك نماذج رئيسية، ذات صور مختلفة، للتكتلات والتحالفات العسكرية الرئيسية، التي واجهت بعضها البعض، دارت في معظمها حول حصار الكتلة الشيوعية، وحصار مضاد من الكتلة الشيوعية للعالم الغربي. وبعض التحالفات، بدأ ثنائياً، ثم اتسع وتعددت عضويته، بتشعب المصالح واتساع مدى الأطماع والطموحات.
كان لظهور كتلتين عقب الحرب العالمية الثانية، الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي، أثره في اتباع قطبي العالم سياسات استقطاب واستقطاب مضاد، الأمر الذي أدى إلى ميل العديد من دول العالم لأحد المعسكرين، وهو ما نتج عنه انقسام العالم (رغم عدم انضمام معظم الدول لأي من المعسكرين بشكل رسمي) ولتدور تلك الدول في فلك المعسكرين والقطبين الأعظم، في مرحلة الحرب الباردة، وهو ما جعل العالم يعيش على حافة الهاوية، أو الحرب أكثر من مرة.
كان لتلك السياسات الاستقطابية مستويات عدة، من انحياز كامل، لانحياز متردد بين المعسكرين من فترة لأخرى، ومن ثم انعكس ذلك على الخريطة السياسية في ذلك الوقت، ولتكتشف الدول الصغرى، اختراق أمنها من القوى العظمى، من أجل مصالحها الخاصة، وانجذاب تلك الدول النامية والهامشية، إلى صور من التبعية للدول الكبرى والعظمى، تحت مسميات عدة، تتناسب مع كل إقليم أو مجموعة.
اتخذ الصراع السياسي، في المجتمع الدولي، في تلك الآونة (عصر الحرب الباردة) أحد أشكال ثلاثة، وهي:
1. الأولى: الصراع العنيف (Violent Conflict)، ويقصد به الحرب أو الصراع المسلح الذي تلجأ فيه الدول، إلى العنف والقتال، دفاعاً عن مصالحها الحيوية.
2. الثانية: الصراع غير العنيف (Non-Violent Conflict)، ويشمل كافة أشكال الصراع الأخرى، بخلاف الحرب، أو ما يعرف عادة بوسائل التنافس السلمي، كالدبلوماسية والاقتصادية بصورهما المختلفة، وإجراءات القسر الدولية.
3. الثالثة: الصراع منخفض الشدة (Low – Violent Conflict)، ويشمل العديد من الإجراءات العسكرية المحدودة، المتدرجة في الشدة، بدءاً بالحصار السياسي، والاقتصادي، وكذلك البحري أو الجوى، وانتهاءً بالضربات الجوية والصاروخية، دون اللجوء للحرب الشاملة، بما فيها القوات البرية.
أدى ظهور التكتلات والتحالفات المتضادة، بين المعسكريين، إلى حالة من التوازن الاستراتيجي والعسكري، خاصة حلفي وارسو وشمال الأطلسي فأديا إلى حالة من الاستقرار المشوب بالتوتر في أوروبا، امتدت إلى أربعة عقود، شهدت خلالها القارة العديد من التوترات والأزمات، خاصة في برلين المقسمة حينذاك، وفي كل من المجر وتشيكوسلوفاكيا، عقب الثورات التصحيحية فيهما. كان للتوازن الاستراتيجي والعسكري، الذي كان قائماً بين حلفي وارسو والناتو، الفضل في كبح جماح أي فكر للتصعيد العسكري، غير أن المحافظة على هذا التوازن، أدت على الجانب الآخر إلى سباق للتسلح، شمل كل نظم التسلح التقليدية، وغير التقليدية، وهو ما كان على حساب اقتصاديات دول الحلفين، أضف إلى ذلك ما أدت إليه خطط انتشار واستعداد كل حلف، من ضرورة تواجد قوات تابعة للقوتين العظميين في أراضي دول الحلفين، وهو ما أدى أحياناً لبعض الحساسيات، باعتبارها قوات أجنبية، خاصة في دول شرق أوروبا.
أثير، بعد انتهاء عصر الحرب الباردة، تساؤل عن بقاء حلف الناتو (شمال الأطلسي)؟ إذا كان الهدف من قيام حلف الناتو هو الدفاع عن المصالح الغربية في الأطلسي، وفي أوروبا الغربية، والتطور المستمر له، لمواجهة حلف وارسو. فإن انهيار حلف وارسو الذي يهدف إلى الدفاع عن دول أوروبا الشرقية، ومصالحها، في مواجهة حلف الناتو، وتفكك الاتحاد السوفيتي، الخصم الأول لدول حلف الناتو، ينهي الهدف من قيامه.
وإذا كان ذلك يتم في بيئة دولية جديدة، تعرف بالنظام العالمي الجديد، والتي كان من تداعياته، تحولات جذرية في نظم الحكم في دول أوروبا الشرقية، وانضمام بعضها إلى حلف الناتو، بينما معظم دول أوروبا الشرقية تنتظر اللحاق بها في الحلف، فإن التساؤل الآخر من هو العدو (أو التهديدات) التي من أجلها استمر الحلف؟ وما هي أهدافه الجديدة؟.
المبحث الأول
نشأة ومبادئ وأهداف الحلف
كان من الطبيعي بعد الحرب العالمية الأولى (1912 ـ 1918)، والتي صاحبتها خسائر بشرية ومادية وعسكرية كبيرة، بددت قدرات معظم الدول المشاركة فيها، ظهور رغبة شديدة، بين دول الغرب، لنبذ الحرب. وصل الميل نحو السلام إلى مداه، في الثلاثينيات، بينما كانت طبيعة وغايات السلام، للطرف الآخر، على النقيض، إذ بدأت تطلعات هتلر الأوروبية، في الإفصاح عن طبيعتها التوسعية.
لم يتمكن النظام الدولي، الذي قام بعد الحرب العالمية الأولى، والذي تمثل في عصبة الأمم، من تفادى نشوب حرب عالمية أخرى، فنشبت الحرب العالمية الثانية (أول سبتمبر 1939).
انتهت الحرب بانتصار الحلفاء، وهزيمة ألمانيا وباقي قوات المِحْوَرْ، وأعيد صياغة النظام الدولي، من جديد، فأنشئت الأمم المتحدة، بدلاً من عصبة الأمم، على أساس التعاون بين المنتصرين في الحرب، والمساندين لهم، من أجل الحفاظ على الأمن الجماعي، والاستقرار العالمي، في إطار التوازنات الجديدة التي ظهرت بعد الحرب.
غير أنه بالانتهاء الفعلي للحرب العالمية الثانية، اندفعت القوى المنتصرة في استثمار نصرها، فظهرت تكتلات، وتكتلات مضادة، خاصة في أوروبا، هدفت إلى استقطاب دول أوروبا الشرقية إلى جانب الاتحاد السوفيتي، قابله على الجانب الآخر استمرار ترابط التحالف الغربي، واستقطاب باقي دول أوروبا الغربية إلى جانبه، بما فيها قوات المحور السابق (المنهزمة).
وبذلك ظهرت حرب من نوع آخر، غير معلنة، أطلق عليها الحرب الباردة، وكانت الأحلاف العسكرية أبرز أدواتها ومنها حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أولاً: المسرح السياسي قبل نشأة الحلف:
غيرت نتائج الحرب العالمية الثانية، من توازن القوى في العالم، فقد انهارت دول عظمى (ألمانيا واليابان)، وهبطت دول أخرى لمرتبة أدنى (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا)، وصعدت دول إلى مصاف الدول العظمى (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية)، وتغيرت الخريطة السياسية في وسط وشرق أوروبا، نتيجة لأحداث تلك الحرب.
كان المسرح السياسي العالمي، مازال يستوعب المتغيرات، بينما سارعت الدول العظمى الجديدة، لتأكيد نفوذها، واستثمار مكاسبها في الحرب، وقد وضح أن هناك خللاً، في النظام العالمي يتمثل في:
1. خلفت هزيمة كل من ألمانيا واليابان، فراغاً على جانبي الاتحاد السوفيتي الذي انتهز هذه الظروف غير العادية، ليستغل قدراته العسكرية، ويمارس سياسة توسعية، شكلت من وجهة نظر الدول الغربية تهديداً للسلام وللأمن الجماعي.
كان القلق من قوة الاتحاد السوفيتي الضخمة، ينتاب ساسة أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وتبادلا فيما بينهما الرأي، فقد كان الموقف المنتظر، بعد الحرب، أن تخفف كل الدول الأوروبية، من أعباء التعبئة، وتنقص من حجم قواتها تدريجياً، والتي لن تتعدى، بعد عام واحد من انتهاء الحرب، إلى أقل من مليون جندي، بينما يحتفظ الاتحاد السوفيتي، بما يزيد عن 6 مليون جندي في الخدمة العاملة (200 ـ 300 فرقة)، إضافة إلى أنه “أسدل ستاراً حديدياً (Iron Curtain) على حدوده، ولم تعد الدول الغربية، تعلم ما يدور بداخله”
2. كان من الطبيعي، على ضوء استسلام ألمانيا، أن بدأت الدول الغربية في إنهاء حالة التعبئة، وبدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في سحب قواتهما من أوروبا، باستثناء القوات الموجودة في ألمانيا الغربية، أو تلك المنتشرة في أماكن أخرى من العالم. كما بدأت الدول الأوروبية في إعداد نفسها لمهام إعادة البناء والتعمير المتعددة، وأنهت حالة التعبئة لقواتها، وهو ما أنقص كثيراً من حجم القوات لدى تلك الدول.
من وجهة أخرى، حاولت الدول الغربية، التوصل إلى صيغة سياسية، مع الاتحاد السوفيتي، لتخفيف التوتر الذي بدأ يتصاعد في العلاقات معه. كما حاولت تأكيد فاعلية الأمم المتحدة، كأداة للسلام، إلا أن الوضع الجديد للنظام الدولي، والسياسة التوسعية السوفيتية، التي بدأت تنتشر إلى خارج القارة الأوروبية كذلك، أحبطت كل المساعي.
كانت الفترة التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية، قد أفرزت عقد عدة اتفاقيات سلام، كما وُقِعْ ميثاق لإنشاء هيئة الأمم المتحدة، في 26 يونيه 1945، من خمسون دولة، كآلية لحفظ السلام العالمي، بدلاً من عصبة الأمم، التي انهارت. ووضح أن هناك مشكلات قد ترتبت على تلك الاتفاقيات، والميثاق:
3. مشاكل اتفاقيات السلام بعد انتهاء الحرب:
أ. لم تمثل بولندا في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، إذ أن الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية لم يتمكنوا من الاتفاق على تشكيل الحكومة البولندية.
ب. وفي مؤتمر لندن لوزراء الخارجية في سبتمبر 1945، رفض وزير خارجية الاتحاد السوفيتي مستر مولوتوف المقترحات البريطانية لمناقشة الموقف في كل من رومانيا وبلغاريا.
ج. وفي نوفمبر 1945، تمكنت الدول الغربية، من الحصول على موافقة السوفيت، للبدء في مناقشة الخطوط الرئيسية لاتفاقيات سلام مع إيطاليا وفنلندا، وكذلك عن الوجود الألماني السابق في البلقان.
د. وفي مارس 1947، فشل مؤتمر وزراء الخارجية في موسكو في التوصل إلى مسودة اتفاقيات للسلام في كل من ألمانيا والنمسا، ولم يتمكنوا من الاتفاق على مستقبل ألمانيا.
هـ. عقدت عدة مؤتمرات، لوزراء خارجية الدول الأوروبية، والقوى العظمى، في لندن وباريس وموسكو، ولم يصلوا إلى اتفاق، حول نقاط الخلاف مع الاتحاد السوفيتي، لترتيبات السلام في القارة الأوروبية، خاصة ما يتعلق بالوضع في دول أوروبا الشرقية والتي كان الاتحاد السوفيتي يحتلها عسكرياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وينشر فيها أيدولوجيته الشيوعية، بالقوة
و. أدى توقيع ميثاق الأمم المتحدة، في 26 فبراير 1945، إلى انتعاش الأمل لدى شعوب العالم كافة، لإحلال سلام دائم، إلا أن إساءة استخدام حق الاعتراض في مجلس الأمن (Veto)، والذي نص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، كميزة إضافية للدول العظمى والكبرى الخمس، مكافأة على جهودها في الحرب، أضر بفاعلية قرارات مجلس الأمن، وأسقط هيبة المنظمة الدولية، ووأد آمال السلام مبكراً. استخدم الاتحاد السوفيتي، حقه في الاعتراض مراراً، لمنع صدور قرارات إدانة، أو إجراءات عقابية، ضد الدول التي يشملها برعايته، والتي كانت قد دارت في فلك الشيوعية التي صدرها إليها.
4. التوسع السوفيتي في أوروبا الشرقية:
أ. بدأ التوسع الإقليمي السوفيتي، خلال فترة حكم “ستالين”، أثناء الحرب العالمية الثانية من وجهة النظر الفعلية، بضم: “استونيا، ولاتفيا، ولتوانيا”، مع أجزاء من فنلندا، ورومانيا، وبولندا، وشمال شرق ألمانيا، وشرق تشيكوسلوفاكيا، بإجمالي مساحة 180.000 ميل مربع يقطنها حوالي “23 مليون نسمة”. كان ذلك التوسع هو الذي حرك رئيس وزراء بلجيكا ووزير خارجيتها “بول هنري سباك” ليعلن في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، أن دولة كبرى ظهرت بعد الحرب، قامت بالاستيلاء على أراضي الآخرين، وحدد هذه الدولة بأنها الاتحاد السوفيتي، وأشار إلى استمرار التوسع الإقليمي السوفيتي حتى بعد استسلام ألمانيا، من خلال إجراءات سياسية، لتعزيز السيطرة على دول أوروبا الشرقية.
ب. استمر الجيش السوفيتي في وجوده في دول شرق ووسط أوروبا ونشر الفكر الشيوعي بها. وأدى ذلك إلى تشكيل حكومات بتلك الدول، تمثل جبهات شعبية تكونت حديثاً بفعل التغلغل الأيدولوجي الشيوعي، ألبانيا، بلغاريا، رومانيا، ألمانيا الشرقية، بولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا نتج عنها الوقوع في قبضة الهيمنة السوفيتية، وتقدر مساحة هذه الدول بحوالي 390.000 ميل مربع يقطنها حوالي “90 مليون نسمة”.
وقد تمكن الاتحاد السوفيتي، في غضون أقل من عام، من فرض سيطرته على الحكومات الشيوعية، في تلك الدول، والتي كانت بدورها، قد قمعت معارضة الأحزاب الديمقراطية، وحولت البلاد إلى تابع للاتحاد السوفيتي، وحذت حذوه في نظام الحكم الشمولي، ذو الحزب الواحد (الحزب الشيوعي).
مارس الاتحاد السوفيتي، ضغوطاً سياسية، في مناطق كثيرة من العالم، لتحقيق أهدافه السياسية، والايدولوجية، ونشر الفوضى والصراعات المسلحة في تلك المناطق، ففي إيران كانت القوات السوفيتية مازالت رابضة في شمالها، ضاربة عرض الحائط بمعاهدة طهران، والمعارضة التي أبدتها الأمم المتحدة، وفي تركيا تصدى الشعب والحكومة لمحاولات التسلل الشيوعي، بينما ساد اليونان حرب أهلية بين العناصر الشيوعية، والمقاومة الشعبية دامت عدة سنوات. ومد الاتحاد السوفيتي نشاطه نحو آسيا، فاحتل معظم منشوريا، وشمال كوريا، وبدأ في نشر ايدولوجيته الشيوعية في الدول الفقيرة هناك كذلك، في فيتنام ولاوس وكمبوديا، وتايلاند والصين وإندونيسيا.
تصدت فرنسا وهولندا لتصفية العناصر الشيوعية في إندونيسيا والجزر المجاورة، كما حاربت القوات البريطانية المد الشيوعي في الملايو وبورما، وعاونت الولايات المتحدة حكومة الفلبين لمقاومة حرب العصابات التي تشنها العناصر الشيوعية بها.
ثانياً: الصراع الأمريكي، السوفيتي على النفوذ في القارة الأوروبية:
اتجهت دول أوروبا الغربية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، طلباً للمساعدة، للوقوف ضد الضغط السوفيتي، والانتشار الأيدولوجي للشيوعية في كثير من تلك الدول
كانت الولايات المتحدة الأمريكية، تملك القوة العسكرية، والاقتصادية، كما كان لديها نفوذ سياسي، بدأ في الانتشار خلال الحرب العالمية الثانية، في كثير من الدول الأوروبية، ودول العالم الأخرى، وهو ما هيأها لتتبوأ القمة في النظام العالمي الجديد، وتنافس الاتحاد السوفيتي في النفوذ، لذلك، بدأت في مساعدة أوروبا الغربية، وطرحت عدة مبادرات لذلك منها:
1. مذهب (عقيدة) ترومان: Truman Doctrine
في 12 مارس 1947 أخطر الرئيس الأمريكي “هاري ترومان ـHarry Truman”، الكونجرس الأمريكي: “بأن يجب على الولايات المتحدة إتباع سياسة مساعدة الشعوب الحرة، التي تقاوم محاولات إخضاعها، من خلال العمل العسكري، أو من خلال الضغط الخارجي”. وعلى ضوء بيان ترومان الذي أصبح يعرف باسم “مذهب (عقيدة) ترومان”، اعتمد الكونجرس 400 مليون دولار لمساعدة اليونان وتركيا في يونيه 1948 لمواجهة الضغط السوفيتي على هذين البلدين
لم يكن الموقف في غرب أوروبا بشكل عام أقل خطراً، فبالرغم من المساعدات التي تلقتها الدول الأوروبية، الحرة، من الولايات المتحدة، للتغلب على الآثار التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، إلا أن أداء الاقتصاد الأوروبي، استمر رديئاً، وظهر أن كثير من الدول الأوروبية على حافة الانهيار اقتصادياً، مما يوقعها في براثن الشيوعية، والنفوذ السوفيتي.
2. مشروع مارشال: (برنامج إنعاش أوروبا)
في 5 يونيه 1947 أعلن وزير الخارجية الأمريكي، الجنرال جورج مارشال -George C. Marshall، عن مبادرة لبرنامج إصلاح اقتصادي لأوروبا. بأن تساعد الولايات المتحدة الدول الأوروبية التي عليها أن تعد مطالبها، وأن تعد برامج عامة يتم الموافقة عليها من الدول الأوروبية. كما أوضح أن هذه السياسة ليست موجهة ضد أي دولة أو مذهب، لكنها لمواجهة الجوع، واليأس، والفوضى.
كانت المعونة الاقتصادية الأمريكية التي تم تقديمها من خلال مشروع مارشال، والتي دعمت في السنوات التالية، هي عملية إصلاح اقتصادي للدول الغربية، وكانت متاحة كذلك للاتحاد السوفيتي، وللدول الدائرة في فلكه. رفض الرئيس السوفيتي “جوزيف ستالين ـJoseph Stalin” كل المساعدات الأمريكية للاتحاد السوفيتي، وضغط على الحكومات التي تدور في فلكه لإتباع نفس السياسة.
رأى الاتحاد السوفيتي في مشروع مارشال، هدفاً أمريكياً لتقوية الدول الأوروبية وحثها على مقاومة النفوذ السوفيتي في القارة، مما يشكل تحدياً له، أكثر مما يشكل دعوة للمشاركة الاقتصادية في أوروبا. ووصف تأييد بريطانيا وفرنسا للمشروع بأنه يستهدف تقسيم الدول الأوروبية إلى مجموعتين، متواجهتان فهو يعطى الفرصة لبعض الدول، لفرض سيطرتها على الأطراف الأخرى.
خسرت الولايات المتحدة الأمريكية، صراعها ضد النفوذ السوفيتي في الصين، والتي كانت تمثل أملاً للاقتصاد الغربي، لاتساع سوقها، وأدى انتصار الشيوعيون فيها، بزعامة “ماوتسي تونج ـMao Tse,- Toung (MAO ZED)ONG، إلى خلل جديد في موازين القوى الدولية، لثقلها الديموجرافي، وإمكاناتها الاقتصادية المتوقعة، خاصة مع الضعف الذي كانت تعاني منه اليابان، عقب هزيمتها في نهاية الحرب العالمية الثانية. كذلك خسرت الولايات المتحدة الأمريكية،الصراع على النفوذ في وسط وشرق أوروبا، بتراجع تشيكوسلوفاكيا، عن موافقتها الاستفادة من مشروع مارشال، تحت ضغط الاتحاد السوفيتي، الذي وضح أنه لن يسمح للدول في تلك المنطقة، بالخروج من دائرته، وكان تراجع تشيكوسلوفاكيا، إنذاراً لباقي دول المنطقة، التزم به الجميع.
اتهمت الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي بخرق اتفاقيتي يالتا”Yalta” ، وبوتسدام”Potsdam” ، وتوعدته بالوقوف ضد أي محاولة للتوسع من جانبه، في غرب القارة الأوروبية. وأدى تشدد الجانبان، إلى توقف المباحثات بين الدول الأربع العظمى والكبرى، لتحديد مصير ألمانيا.
3. نشأة الكومنفورم Cominform:
اتجهت موسكو إلى تكوين تكتل، يضم جميع الأحزاب الشيوعية باسم الكومنفورم، رداً على مشروع مارشال، وبذلك بدأت مرحلة تقسيم أوروبا إلى كتلتين مختلفتين، من الناحية الأيديولوجية، نشب الصراع بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والذي عرف فيما بعد بالحرب الباردة.
أنشأ ستالين “الكومنفورم” في 5 أكتوبر 1947، بهدف التصدي لمشروع مارشال الإمبريالي، من وجهة نظره. كما كان هدفه التعاون الاقتصادي بين دوله، والعمل على تنسيق النشاطات السياسية للحركات الشيوعية في الدول المختلفة.
في 2 يناير 1948، اقترح “أرنست بيفينErnest Bevin” وزير الخارجية البريطاني، فكرة أولية للتعاون الأوروبي، في شكل اتفاقيات ثنائية، على نمط “اتفاقية دنكرك”، التي كانت قد وقعت في 4 مارس 1947 بين فرنسا وبريطانيا، وهي معاهدة تحالف ودعم مشترك، لمدة “50 عاماً”، توحد الدولتان بموجبها جهودهما، في حالة أي محاولات اعتداء جديدة من ألمانيا، كما اتفقتا على استمرار المشاورات بينهما في المسائل الاقتصادية التي تهم البلدين، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لزيادة فاعلية واستقرار اقتصادهما، حتى يمكنهما القيام بأدوار فعالة، في إطار أهداف الأمم المتحدة، السياسية والاقتصادية.
كانت معاهدة “دنكرك” المشار إليها، قاصرة على حالة “عودة التهديد الألماني مرة ثانية”، لذلك وجد أنه من الأفضل الأخذ بنموذج “معاهدة ريو”، التي كانت قد وقعت في 2 نوفمبر 1947 بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية (باستثناء نيكاراجوا والإكوادور)، كنموذج لتحالف دفاعي ضد العدوان، كتجمع إقليمي في إطار ميثاق الأمم المتحدة.
بينما دول أوروبا الغربية مازالت تبحث عن الأنسب لأمنها، وقع انقلاب “براغ” في فبراير 1948، وعلى الفور قضى السوفيت عليه بالقوة وأعيدت تشيكوسلوفاكيا إلى المدار السوفيتي، وأعطى الحدث تنبيهاً قوياً للغرب، بأن الدفاع الجماعي أصبح ضرورة.
4. اتفاقية بروكسل Brussels Treaty:
في 4 مارس 1948 اجتمع في بروكسل مندوبو بلجيكا، هولندا، لوكسمبرج، فرنسا، المملكة المتحدة، للاتفاق على معاهدة للمساعدة المتبادلة. وفي 17 مارس 1948، وقعت الدول الخمس المعاهدة آخذة على عاتقها بناء نظام للدفاع الجماعي، ولتقوية الروابط الاقتصادية والثقافية
اجتمع في لندن في 30 أبريل 1948 وزراء الدفاع، ورؤساء أركان، دول اتفاقية بروكسل، لبحث كيفية تدبير المعدات العسكرية اللازمة، من مواردهم، وما هي المساعدات الإضافية التي يمكن طلبها من الولايات المتحدة. انضم خبراء من الولايات المتحدة، ومن كندا لهذه الاجتماعات كمراقبين اعتباراً من يوليه 1948.
بعد توقيع معاهدة بروكسل، حاصر الاتحاد السوفيتي برلين الغربية بدأً من 24 يونيه 1948 واستمر الحصار 323 يوماً، نظم الغرب خلالها جسر جوي لإمداد المدينة باحتياجاتها. أيقنت الدول الغربية بضرورة الإسراع في تنظيم الدفاع المشترك الغربي، والتعاون فيما بينهم لمواجهة التهديدات الأمنية، التي بدأت في الظهور.
ثالثاً: التغيرات التي طرأت في المجالات المختلفة على دول أوروبا الغربية وانعكاساتها على قضية الأمن الأوروبي:
تعرضت دول أوروبا الغربية، لعدة تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية، أثرت في تصورات هذه الدول لمفهوم الأمن الأوروبي، وكيفية تحقيقه، وكانت أهم التغيرات:
1. نمو الأحزاب اليسارية بصفة عامة، وتزايد نشاطها، مع التطور الذي لحق بمواقفها ومدى تبعيتها للاتحاد السوفيتي، والذي ظل يؤثر سلباً على مواقفها، من خلال الانتخابات العامة، أو من خلال تقييم الرأي العام لهذه الأحزاب، ونوعية نشاطاتها، الأمر الذي أدى إلى وصول العديد من الأحزاب الاشتراكية إلى الحكم في دول غرب أوروبا (ألمانيا الغربية، النمسا، الدانمارك، إيطاليا، بلجيكا)، هذا بجانب تزايد ثقل الأحزاب الشيوعية، في كثير من الدول الأوروبية الغربية، خاصة في كل من فرنسا وإيطاليا.
2. التغير الذي طرأ على مواقف الأحزاب اليسارية، إذ اتجهت إلى التعاون مع الأحزاب الشيوعية، بدلاً من التنافس، وهو ما أضر بموقف الأحزاب الديمقراطية.
3. الضغوط التي زاولتها نقابات العمال، في دول غرب أوروبا، على الحكومات القائمة، والتدخل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، إلى الحد الذي كاد أن يعصف بالحكومات التي لم تستجيب لتلك الضغوط.
4. الإخفاق في التوصل إلى تسوية، فيما يتعلق بمشكلة برلين، الأمر الذي انعكس على الاستقرار والأمن الأوروبي بشكل عام.
وإزاء هذا الوضع اتجهت الولايات المتحدة، إلى تقوية نفوذها وسيطرتها على دول القارة الأوروبية، فاتجهت لتكوين اتحاد، يجمع شعوب دول غرب أوروبا، في اتحاد فيدرالي، وتقويته، بحيث يكون رادعاً للاتحاد السوفيتي، إذا حاول فرض نفوذه على الدول الأوروبية بالقوة. وفي نفس الوقت يساند الدول الأوروبية في مقاومتها ضد التغلغل الشيوعي، غير أن هذا الاتجاه لم يحقق النجاح المرجو منه، إذ لم تكن ظروف هذه الدول مهيأة لذلك.
5. مساعدات الدفاع المشترك (1949):
أقر الكونجرس الأمريكي، اتفاق للمساعدات العسكرية، بغرض زيادة فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية، والدفاع عن البلاد، بإمداد الدول بالمساعدات العسكرية، تمت ادعاء المحافظة على السلام والأمن الدوليين.
6. اتفاق الأمن المشترك (1952):
بعد عامين من اتفاق مساعدات الدفاع المشترك (برنامج العون المتبادل)، كانت الظروف السياسية والاقتصادية، قد اختلفت في أوروبا. كان نجاح برنامج “مارشال” محدوداً، وكانت الحاجة للأسلحة والمعدات العسكرية، الأمريكية، تزداد في أوروبا الغربية، ولم يعد اتفاق المساعدات المشترك كافياً. كانت القوة العسكرية السوفيتية تزداد تضخماً، ويزداد التهديد السوفيتي لأوروبا الغربية، تبعاً لذلك.
بعد مناقشات عديدة في الكونجرس الأمريكي، وافق الكونجرس عام 1952 على “اتفاق الأمن المشترك” والذي بمقتضاه، تمنح حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، الدول الصديقة، مساعدات عسكرية واقتصادية، وفنية، شملت أوروبا الغربية، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، بهدف “المحافظة على السلامة الدولية، وزيادة فاعلية السياسة الأمريكية، والنفوذ الأمريكي، في تلك المناطق”. وقد أعلن أن ذلك الاتفاق من أجل “تقوية الأمن المشترك، والدفاع الفردي والجماعي، للعالم الحر. وتنمية موارد الدول، بما يمكنها من الاستقلال، واستقرار أمنها، وتحقيق الأهداف الوطنية الأمريكية، وتسهيل انضمام الدول لعضوية الأمم المتحدة، لتقوية الأمن الجماعي”.
رابعاً: نشأة حلف شمال الأطلسي:
أحد أكبر الأحلاف العسكرية في التاريخ. ضم عند نشأته أثنى عشر دولة، أغلبها من دول أوروبا الغربية، ارتفعت إلى تسع وعشرين دولة في نهاية القرن العشرين. نشأت فكرة هذا الحلف عام 1929، بهدف تكتل الدول الديمقراطية، في مواجهة النظم الديكتاتورية، (الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والشيوعية السوفيتية) إذ فشلت عصبة الأمم، في معالجة المشاكل الدولية، وقد أوقف تنفيذ فكرة قيام الحلف، نشوب الحرب العالمية الثانية.
بدء التفكير في إنشاء الحلف اثر نشر كتابين في الولايات المتحدة، أحدثا ضجة كبيرة، وكان لهما أثر قوي في الرأي العام الأمريكي. الكتاب الأول بعنوان “الاتحاد في الحال”، ألفه “كلارنس ستريت”، سنة 1939.
وكان من رأيه، الذي ضمنه الكتاب، أن نظام عصبة الأمم مصيره إلى الفشل، وأنه لا بد أن يحل محلها في الحال اتحاد بين الدول الديموقراطية، الخمس عشرة، التي تربط بينها العوامل الجغرافية والتاريخية والمدنية القائمة على مبادئ الديموقراطية وحرية الفرد، وتربطهم كذلك حالة السلام السائدة بينهم منذ أكثر من قرن. تلك الدول، التي نادى بها كلارنس باتحادها في الحال، هي: الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أيرلندا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، السويد، النرويج، الدانمارك، فنلندا، سويسرا، استراليا، نيوزيلندا، اتحاد جنوب أفريقيا.
وأوضح كلارنس، أن هذا الاتحاد ستمثل فيه أكبر قوى العالم، إذ يضم 300 مليون نسمة، وأن هدفه ليس مهاجمة الديكتاتورية، بل الدفاع ضد أي اعتداء يأتي من خارج هذه الدول. قامت على أثر ذلك، عدة جمعيات، في مختلف المدن الأمريكية، سميت “جمعيات الاتحاديين”، وأنشئت لها مجلات شهرية، تحت عنوان “الاتحاد في الحال”، وكلها تروج لتنفيذ فكرة كلارنس، وتنادي باتحاد ديموقراطيات.
لم تتاح الفرصة لتنفيذ هذه الفكرة، إذ أعلن هتلر الحرب، في أول سبتمبر سنة 1939، فاحتجبت الفكرة، إلى أن بعثت مرة أخرى، على يد الكاتب الثاني والتر ليبمان “Walter Lippmann” خلال الحرب العالمية الثانية.
نشر ليبمان كتابه، تحت عنوان “السياسة الخارجية للولايات المتحدة” عام 1943، وقد أوضح فيه العلاقة الوثيقة التي تربط الشعوب الواقعة حول المحيط الأطلسي، لا سيما إنجلترا والولايات المتحدة، وهما محور تلك الكتلة. وكان من رأيه، أن المحيط لا يمثل عائق أمام تلك الدول، ولكنه مسطح مائي متسع، على ضفافه عائلة دولية، مرتبطة منذ كشف أمريكا، بروابط تاريخية وجغرافية، وهي راغبة في تنمية هذه الروابط.
كان للكتابين أثر كبير في توجيه الرأي العام الأمريكي، نحو فكرة التكتل مع الدول الديموقراطية في أوروبا، والتخلي عن سياسة العزلة، التي أسسها الرئيس الأمريكي “جيمس مونرو ـ “James Monroe ، وتبعه فيها من تلاه من الرؤساء.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد قيام هيئة الأمم المتحدة، وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة كبرى، تسعى إلى فرض نفوذها خارج حدودها، عادت الفكرة تتجسد مرة أخرى من أجل تضافر جهود دول أوروبا الغربية، لإنشاء دفاع جماعي عن نفسها، ضد أي عدوان شيوعي محتمل، خاصة بعد أن استولى الشيوعيون، على مقاليد الحكم في تشيكوسلوفاكيا، وإنشاء الكومنفورم، وبعد أن زاد التوتر بين الكتلتين الغربية والشرقية، ووضح عجز هيئة الأمم المتحدة، عن وقف الصراع بين الكتلتين.
شعرت الدول بمدى الخطر الذي يتهددها، وضعف قدراتها العسكرية إزاء القوة السوفيتية الهائلة، على حدودها الشرقية وكان ذلك من أسباب توقيع الدول الخمس لاتفاقية بروكسل في 17 مارس 1948. وفي نفس اليوم صرح الرئيس الأمريكي هاري ترومان بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم الأمم الحرة، وتقدم لها المساعدة التي تطلبها.
خامساً: التوقيع على معاهدة إنشاء حلف شمال الأطلسي:
شهدت المرحلة النهائية للحرب العالمية الثانية ـ بعد استسلام ألمانيا النازية وقبل القصف الذري لمدينة “هيروشيما ـHiroshima” في اليابان في 6 أغسطس 1946 ـ اجتماع مندوبي خمسين دولة ليوقعوا ميثاق الأمم المتحدة في “سان فرانسيسكو ـSan Francisco” في 26 يونيه 1945، والذي شكل أملاً للعالم، بإمكان المحافظة على السلام.
لم تكد تمر أربع سنوات على ذلك، حتى وجدت دول أوروبا الغربية نفسها، معرضة للتهديد، الذي كانت طبيعته تحتاج إلى إجراءات حماية، غير واردة في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعطي الحق لأي دولة، بمفردها أو في إطار مشترك، بالدفاع عن نفسها ضد أي هجوم مسلح
اتجه الأوروبيون الغربيون إلى الولايات المتحدة وكندا، للبحث عن إمكانية تحقيق الأمن المتبادل، وفي 4 أبريل 1949 وقعت اثنتي عشرة دولة، على معاهدة حلف شمال الأطلسي.
تأسس حلف الأطلسي في إطار المادة “51” من ميثاق الأمم المتحدة، التي تبيح للدولة الحق في الدفاع عن نفسها، منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى. وذلك نتيجة لعجز الأمم المتحدة عن إرساء قواعد بناء لنظام أمن جماعي دولي، وذلك على ضوء الانقسام الإيديولوجي بين القوى الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز المعسكرين الغربي والشرقي. (أُنظر ملحق نص المادة الرقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة والتي أنشئ حلف شمال الأطلسي في إطارها)
بدأت الاتصالات في 6 يوليه سنة 1948، بين دول غرب أوروبا ثم توالى دخولها في الحلف الجديد تباعاً، وفي يوم 18 مارس 1949 أعلنت نصوص الميثاق الجديد، وحدد ميعاد التوقيع في أبريل سنة 1949 في واشنطن.
مارس الاتحاد السوفيتي الضغط على الدول الإثنى عشر التي أعلنت عن مشاركتها في الحلف، مقدماً مذكرة لكل منهم، توصف إقدامها على المشاركة في الحلف بالعدوانية. وعلى الرغم من ذلك، فقد وقعت تلك الدول اتفاقية حلف شمال الأطلسي في 4 أبريل 1949، في واشنطن، وصدقت عليها المجالس النيابية للدول الموقعة، خلال الخمسة أشهر التالية للتوقيع(‘صدقت المجالس النيابية، لتلك الدول على الميثاق، والذي أصبح نافذ المفعول اعتباراً من 24 أغسطس 1949. وهذه الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، النرويج، الدانمارك، إيسلندا، البرتغال، بلجيكا، هولندا، لوكسمبرج. وكانت أولى نتائج ذلك التحالف، إنهاء الاتحاد السوفيتي حصاره لبرلين، في 9 مايو 1949 (أي أقل من شهر).
تدريجياً، بعد ذلك، انضمت أربع دول أخرى إلى الدول المؤسسة، ليرتفع عدد الأعضاء إلى “16” عضواً، ففي سبتمبر 1951 تم دعوة اليونان وتركيا للانضمام للحلف، وقد انضمتا رسمياً في 18 أبريل 1952. كما دعيت جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية)، للانضمام للحلف، عقب التوقيع على اتفاقية باريس في أكتوبر 1954، غير أنها لم تصبح عضواً بصفة رسمية إلا في 9 مايو 1955. (أُنظر خريطة دول الناتو أبريل 1949)
في 10 ديسمبر 1981 وقع بروتوكول انضمام أسبانيا للحلف، وعقب تصديق المجالس النيابية لجميع دول الحلف، أصبحت أسبانيا عضوا بصفة رسمية اعتباراً من 30 مايو 1982.
سادساً: ميثاق حلف شمال الأطلسي: (أُنظر ملحق ميثاق حلف شمال الأطلسي The North Atlantic Treaty) و(ملحق الترجمة العربية لاتفاقية حلف شمال الأطلسي)
بدأت مقدمة الميثاق، بتأكيد الدول الموقعة عليه، إيمانهم بميثاق الأمم المتحدة، ومبادئه، ورغبتهم في الحياة في سلام، مع الشعوب والحكومات الأخرى، وأكدوا كذلك إصرارهم على حفظ حرية شعوبهم وحضارتهم، القائمة على مبادئ الديموقراطية وحرية الفرد وسيادة القانون، ولذلك فإنهم قد قرروا توحيد جهودهم، للدفاع المشترك، وللمحافظة على الأمن والسلام.
كان من المهم أن يطمئن الآخرين (الدول خارج الحلف)، على أمنهم الخاص، لذلك، ذكرت المقدمة، تأكيد دول الحلف، بأنه “حلف دفاعي بحت، ليس الغرض منه العدوان على أحد، وأنه غير موجه ضد أحد بصفة خاصة”.
من وجهة أخرى، اشترط لعضوية الحلف، توفر نظام ديموقراطي في الدول الأعضاء، قوامه سلطة الدستور، وتعدد الأحزاب، وحرية الفرد، وفيما يلي أهم مواد الميثاق:
1. المادة الأولى:
نصت على تعهد الدول الأعضاء، بفض المنازعات بالطرق السلمية، وتجنب التهديد أو استعمال القوة، في علاقاتهم الدولية، وهو ما يطابق ميثاق الأمم المتحدة.
2. المادة الثانية:
نصت على تعهد الدول الأعضاء، بالعمل على توثيق علاقاتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لدعم التعاون بين الدول، لتستطيع التصدي للتيار الشيوعي. كما يتعهدوا بالعمل، على استقرار الأحوال الداخلية، في بلادهم، ونشر الرفاهية بها.
3. المادة الثالثة:
نصت على إقرار مبدأ التعاون المتبادل، لتقوية إمكانيات الدول الأعضاء الفردية، والجماعية، في صد أي اعتداء مسلح، يقع عليها.
4. المادة الرابعة:
نصت على إقرار مبدأ التشاور فيما بين الأطراف الموقعة على الميثاق، في حالة حدوث تهديد لسلامة أراضي إحداها، أو تهديد استقلالها السياسي، أو أمنها.
5. المادتان الخامسة والسادسة:
تشير إلى إقرار مبدأ الضمان المتبادل، ونصتا على أن أي اعتداء مسلح على إحدى الدول الأعضاء، يعتبر اعتداء مسلح على باقي الدول كذلك، ويجب المبادرة بمباشرة حق الدفاع الشرعي، الفردي والجماعي، وفقاً للمادة 51 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة.
سابعاً: مبادئ وأهداف الحلف:
من مواد الميثاق، استنبطت مبادئ الحلف وأهدافه، والتي روعيّ أن تتمشى مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة كذلك:
1. مبادئ الحلف:
أ. تسوية جميع المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
ب. الامتناع عن التهديد أو استعمال القوة بطريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.
ج. التعاون المتبادل بين دول الحلف في كل المجالات.
د. ألا تؤثر المعاهدة على حقوق الأطراف والتزاماتها، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
هـ. عدم الدخول في اتفاقيات تتعارض مع هذه المعاهدة.
و ـ التشاور مع الأعضاء فيما يتعلق بمسائل الأمن.
2. أهداف الحلف:
يتضمن ميثاق الحلف مجموعة من الأهداف التي تعكس الأسباب الحقيقية التي أنشئ من أجلها، وأبرزها الآتي:
أ. العمل على توثيق العلاقات الدولية السلمية والودية.
ب. العمل على استقرار ورفاهية دول الحلف.
ج. العمل على تحقيق التعاون فيما بين الأعضاء.
د. توحيد الجهود للدفاع المشترك، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
هـ. العمل على مقاومة أي هجوم مسلح بشكل فردى أو جماعي، وبكل وسيلة ممكنة، من وسائل الاستعداد الخاص والتعاون المشترك.
3. نقاط هامة في ميثاق الحلف (النقاط التنظيمية):
أ. النطاق الجغرافي للحلف:
تعتبر أوروبا بشكل عام، وأوروبا الغربية بشكل خاص، نطاق عمل الحلف. إضافة إلى شمال المحيط الأطلسي، أمريكا الشمالية (كندا، الولايات المتحدة) كذلك، من المنظور التالي:
(1) الأراضي التابعة للدول أعضاء الحلف في أوروبا.
(2) الأراضي التابعة للدول أعضاء الحلف في أمريكا الشمالية.
(3) القوات التابعة لدول الحلف، في أي منطقة شمال المحيط الأطلسي، شمال مدار السرطان، أي السفن والطائرات التابعة لدول الحلف في هذه المنطقة.
ب. يتفق الأعضاء، على أن أي هجوم مسلح، ضد دولة أو أكثر منهم، في أوروبا أو أمريكا الشمالية، سوف يعتبر هجوماً مسلحاً، عليهم جميعاً.
ج. من الممكن لأي دولة الانسحاب من المعاهدة. (غير أنه لم تنسحب دولة واحدة منه منذ إنشائه حتى الآن وقد علقت فرنسا مشاركتها، لكنها لم تنسحب).
د. لا يؤثر الانضمام للحلف، على سيادة واستقلال أي من الدول المشاركة فيه، كما أنه ليس للحلف آلية إجبارية ملزمة لحكومات أعضائه.
4. عضوية الحلف:
تضع المادة العاشرة من الميثاق، شروط ومواصفات، لا بد من تحقيقها، عند تقدم دولة جديدة لعضوية الحلف. وهي مبدئياً تفرق بين الدول المؤسسة الأثنى عشر، والتي وقعت الميثاق في 4 أبريل 1949، وتلك الجديدة التي ترغب في الانضمام إليه، وتشير المادة العاشرة من الميثاق، إلى شروط خمسة وهي:
أ. موافقة الأعضاء الأصليين بإجماع الآراء.
ب. أن تكون الدولة الجديدة أوروبية.
ج. أن تكون الدولة الجديدة في مركز يساعد على تعزيز مبادئ معاهدة الحلف، أي مبادئ الديموقراطية، وحرية الفرد، وسلطة القانون، كما جاء في مقدمة الميثاق.
د. أن تكون الدولة المراد ضمها (بدعوتها للانضمام) في مركز يمكنها من المساعدة، على تعزيز المحافظة على السلام، في منطقة شمال الأطلسي.
هـ. الشرط الخامس يتعلق بالإجراءات القانونية التي أضيفت بعد إبرام المعاهدة.
فيما بعد، أصبحت المادة العاشرة، الخاصة بالعضوية الجديدة للحلف، عائقاً، أمام كثير من الدول، رغبت في الانضمام للحلف. فالشرط الثاني منها، ينص على أن تكون تلك الدولة الجديدة الراغبة في العضوية، دولة أوروبية، وهو ما أغلق الباب أمام الدول الأمريكية الأخرى، لتبقى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، الدولتان الأمريكيتان الوحيدتان بالحلف. ولاشك أن السياسة الأمريكية، كانت وراء هذا الشرط، إذ كان يربطها بدول أمريكا الجنوبية معاهدة دفاع مشترك (معاهدة ريو)، ولم تكن راغبة في وجود نفوذ لدول أخرى، في فناءها الخلفي، حتى لو كانت دولة حليفة.
كذلك، فإن دولتي تركيا واليونان، حاولتا الانضمام إلى الحلف منذ عام 1950، إلا أن النرويج والدانمارك عارضتا انضمامهما، بمقتضى الشرط الأول للمادة العاشرة، وذلك استناداً إلى:
أ. الدولتان، من دول البحر المتوسط، وليس لهما صلة بالمحيط الأطلسي.
ب. الموقف الاستراتيجي للدولتان، لا يساعد على تعزيز المحافظة على السلم والأمن (الشرط الرابع)، فكلتا الدولتان لديها حدود مشتركة مع الاتحاد السوفيتي مباشرة (تركيا) أو دول شيوعية، وهو ما يجعل الحلف في مواجهة مباشرة مع الدول الشيوعية.
ج. يمكن المحافظة على سلامة الدولتين، بإنشاء حلف لدول البحر المتوسط، أو بتكتل لهما مع يوغسلافيا، أو بمعاهدات ثنائية مع الولايات المتحدة.
وقد أمكن في فبراير 1952، اشتراك الدولتان في عضوية الحلف، ووضعت قواتهما البرية والجوية، تحت قيادة الحلف العسكري. (أُنظر ملحق بروتوكول ملحق باتفاقية شمال الأطلسي بخصوص انضمام كل من اليونان وتركيا الموقع في لندن في 22 أكتوبر 1951).
تصدت فرنسا لمحاولة أخرى لانضمام دولة جديدة، إذ رغبت الولايات المتحدة، في انضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف، وكانت فرنسا ترى خطورة ذلك استناداً إلى:
أ. ألمانيا الغربية دولة غير محيطية، أي لا تطل على المحيط الأطلسي مباشرة، وإنما من خلال سواحلها على بحر الشمال.
ب. تتخوف فرنسا من بعث ألمانيا الموحدة مرة أخرى في المستقبل، وسياستها دائماً هجومية توسعية، تعتمد على نظرية المجال الحيوي، وهو ما جعلها تُقْدِمْ على بدء حربين عالميتين، في أقل من أربعة عقود، وكانت فرنسا أكثر الدول تأثراً بويلاتهما.
ج. عضوية ألمانيا الغربية في الحلف، سيعطيها حرية كافية لزيادة قدراتها العسكرية، مما قد يهدد سلام دول غرب أوروبا.
د. رفض الاتحاد السوفيتي لتوحيد الألمانيتين، سينعكس على الحلف، الذي يرغب في توحيدهما، في إطار النظم الديموقراطية.
هـ. قبول ألمانيا الغربية، عضوه بالحلف، في ذلك الوقت (بداية الخمسينيات)، قد يعجل بالحرب، والحلف لم يستعد بعد.
رغم الاعتراضات الفرنسية، فقد تمكنت الولايات المتحدة، من ضم ألمانيا الغربية إلى الحلف في 5 مايو 1955، حيث رأت، وكذلك معظم أعضاء الحلف، أهمية موقع ألمانيا الغربية، عند قيام حرب مع الكتلة الشرقية، وكذلك أهمية إمكانياتها التصنيعية والبشرية. (أُنظر ملحق بروتوكول ملحق باتفاقية شمال الأطلسي بخصوص انضمام جمهورية ألمانيا الاتحادية الموقع في باريس في 23 أكتوبر 1954).
بالمثل، فقد قبلت عضوية أسبانيا، في 10 ديسمبر 1981، في الحلف، وأصبحت عضويتها سارية، بصفة رسمية، اعتباراً من 30 مايو 1982، بعد إيداع الوثائق الرسمية اللازمة لذلك، بالإدارة المختصة، وإعلان الأعضاء بها. (أُنظر ملحق بروتوكول ملحق باتفاقية شمال الأطلسي بخصوص انضمام أسبانيا الموقع في بروكسل في 10 ديسمبر 1981).
أرسل ونستون تشرشل ` Winston Charchill` ، رئيس وزراء بريطانيا، في نهاية الحرب العالمية الثانية (12 مايو 1945)، برقية إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان، بهذا المضمون، مبدياً تخوفه من عدم قدرة بريطانيا والولايات المتحدة وكندا من التصدي للاتحاد السوفيتي. وقد أطلق تعبير `الستار الحديدي` في خطابه في فلتون Fulton في ميسوري بالولايات المتحدة، في 16 مارس 1946.
كان النظام العالمي ذو قطبية ثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وكلاهما له صلاحية الاعتراض في مجلس الأمن ( Veto)، وهو ما يمكن أي منهما الاعتراض على مشروعات القرارات التي تدينه أو تدين الدول المتحالفة معه، مما أفقد الأمم المتحدة فاعليتها مبكراً، وأصبح الصراع في قمة النظام العالمي هو الذي يحرك الأحداث، ويحكم العلاقات الدولية.
واقعياً، يعتبر مؤتمر وزراء الخارجية في موسكو (مارس 1947) نهاية التعاون بين الاتحاد السوفيتي والغرب، والذي كان قد بدأ أثناء الحرب العالمية الثانية، ونما خلالها لأقصى حد سياسياً، وعسكرياً.
دول، تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 390 ألف ميل مربع، يقطنها 90 مليون نسمة، وهي: ألبانيا وبلغاريا ورومانيا، وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية.
كانت الأحزاب الشيوعية، المدعومة من الاتحاد السوفيتي في كل من إيطاليا وفرنسا، من القوة بحيث كادت أن تصل إلى الحكم، وتسيطر على البلاد، لولا التدخل الأمريكي السياسي، والدعم المادي للأحزاب الأخرى.
اقترح ترومان إعادة تنظيم اقتصاد اليونان، ومعاونة الحكومة في السيطرة على أقاليمها الداخلية، أما تركيا، فقد كان يرى إعدادها كقاعدة عسكرية، يمكن منها مهاجمة الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى قدرتها على الدفاع عن نفسها.
الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي.
عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة `العدوان`، في قرارها الرقم 3314، الصادر في 14 ديسمبر 1974، المادة الأولى بأنه `استعمال القوة المسلحة، من قبل دولة، ضد سيادة دولة أخرى، وضد سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي، أو كل وسيلة أخرى تتعارض وميثاق الأمم المتحدة.
نص البند السابع من معاهدة بروكسل على أن: أياً من الدول المتعاهدة في حالة تعرضها للعدوان المسلح في أوروبا، فإن على باقي الدول الموقعة على المعاهدة أن تقاوم القوى المهاجمة بكل إمكانياتها العسكرية، بالإضافة للمساعدات الأخرى، وقد حددت مدة المعاهدة `50 عاما`. وتعتبر تلك المعاهدة النواة التي نتج عنها اتفاق حلف شمال الأطلسي فيما بعد.
في 6 يوليه 1948، بدأت محادثات بين دول معاهدة بروكسل، والولايات المتحدة، وكندا، لبحث إنشاء نظام دفاعي في شمال الأطلسي، أسفرت عن اتفاق وزراء الدفاع على إقامة منظمة دفاعية للدول الغربية، في اجتماعهم يوميّ 27، 28 سبتمبر 1948.
مصطلح سياسي، يطلق على دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، والذي تعتبرهما الولايات المتحدة، في نطاق أمنها الداخلي، ولا يحق لأحد التدخل في تلك المنطقة سواها.
كان القائد العام لقوات الحلف في ذلك الوقت، الجنرال داويت أيزنهاور، الرئيس الأمريكي فيما بعد.
المبحث الثالث
التطوير لمواجهة نمو القوة السوفيتية، وكذا تغير السياسة الخاصة للاتحاد السوفيتي (1952 ـ 1967)
استطاع الاتحاد السوفيتي، أن يوطد علاقاته الخارجية مع العديد من الدول الصغرى ودول العالم الثالث، وجاهرت عدة دول بتحولها إلى النظام الشيوعي، بينما حرصت دول أخرى على اتباعه دون إعلان، أو تحت مسميات أخرى. كذلك فإن الاتحاد السوفيتي فاجأ الغرب بانتزاعه المقدمة، في عدة مجالات علمية وعسكرية، وسياسية أحياناً، وهو ما كان ينذر الغرب بالخطر، لفقده مصداقيته، وضعفه عن مواجهة السوفيت، الذين كانوا يحتفظون بحجم كبير من القوات، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أولاً: تطوير الهيكل التنظيمي للحلف، لمواجهة المتغيرات الجديدة:
1. السكرتارية الدائمة للحلف: (أُنظر شكل السكرتارية العامة للحلف):
وُسّعَتْ السكرتارية الدائمة للحلف، لتشمل إدارات عديدة، حتى يمكنها مواجهة أي متغير جديد (هيئة الأركان الدوليةNATO International Staff “NIS” ). وأصبحت مهمتها، التحضير والتنظيم لأعمال مجلس الحلف، وقد أصبح لكل دولة عضو بالحلف، عضو بالسكرتارية الدائمة، وهؤلاء الأعضاء، موظفون مدنيون، ذو صفة دولية. وهم مسؤولون أمام السكرتير العام. بعضهم يلحق للعمل بالحلف فترات محدودة، إعارة من حكوماتهم، والبعض الآخر يعين مباشرة بواسطة الحلف، حسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم، التي يحتاجها العمل:
أ. السكرتير العام: “Secretary General”
(1) المسؤول عن إصدار القرارات، وتقديم المشورة، ويرأس مجلس شمال الأطلسي على مستوى المندوبين (السفراء)، ولجنة تخطيط الدفاع، ومجموعة التخطيط، وإدارة هيئة الأركان الدولية، وهو المتحدث باسم الحلف.
(2) يعين نائب للسكرتير العام “Deputy Secretary General”، ينوب عنه في حالة غيابه، ويرأس لجنة الحد من الأسلحة التقليدية، ولجنة الدفاع للناتو.
(3) يتبع السكرتير العام، مكتب سكرتارية يضم سكرتارية تنفيذية، وهيئة للصحافة، ومكتب الأمن، ومستشاراً للشؤون القانونية.
ب. الأقسام الخمسة المعاونة للسكرتير العام: (أُنظر شكل الأقسام المعاونة للسكرتير العام)
خمسة أقسام، يرأس كل منها نائب أو مساعد للسكرتير العام، يختص بمعالجة وتناول القضايا في مجال تخصصه وهي:
(1) قسم الشؤون السياسي:
ويتكون من ثلاث إدارات (سياسية، اقتصادية، إعلامية).
(2) قسم التخطيط، والسياسة الدفاعية:
ويتكون من إدارتين (إدارة تخطيط وسياسة القوات، إدارة التخطيط النووي).
(3) قسم الدعم الدفاعي:
وهو المسؤول عن بحوث التسليح والتطوير والإنتاج ويتكون من أربع إدارات (التسليح وبحوث الدفاع ـ قيادة ومراقبة واتصال ـ دفاع جوي ـ تخطيط التعاون وتوحيد المعايير).
(4) قسم البنية الأساسية والإدارية، والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية:
ويتكون من ثلاث إدارات (بنية أساسية ـ إمداد إداري ـ التخطيط لحالات الطوارئ المدنية).
(5) قسم الشؤون العلمية والبيئة:
وهذا القسم مسؤول عن تقديم المشورة في القضايا العلمية والتقنية وشؤون البيئة.
2. اللجان والمؤسسات المختلفة للحلف:
استمرت اللجان المنشأة في أعمالها، وكان معظمها قد أنشئ في المرحلة الأولى، بتوسع، لتشمل معظم الأنشطة المحتمل أن يعمل فيها الحلف، وكان أهمها:
أ. اللجان العليا للحلف:
وهي لجان متخصصة، مهمتها وضع إطار السياسات التي يقرها مجلس الحلف، ولجنة التخطيط الدفاعي، وعددها 19 لجنة رئيسية، ينبثق منها عدد كبير من اللجان الفرعية في كافة المجالات والأنشطة. وأهم تلك اللجان:
لجنة تخطيط الدفاع ـ مجموعة التخطيط الفوري ـ اللجنة السياسية ـ لجنة العمليات والتدريب.
ب. المؤسسات المدنية التابعة للحلف:
أنشأ الحلف، بناء على توصية لجانه العليا، عدة مؤسسات، ذات أنشطة مختلفة، تبعاً لحاجة الحلف، وهي مدنية الصبغة.
3. مؤتمر لشبونة (25 فبراير 1952):
كان على رأس الموضوعات التي بحثها مجلس الحلف في مؤتمر لشبونة، التقرير المقدم من لجنة الطوارئ، عن التحليل التفصيلي للقدرات الدفاعية لدول الحلف، وقد وافق المجلس على الهدف النهائي لحجم القوة المقترح بواسطة لجنة الطوارئ (TCC)، الذي يهدف إلى توفير”50 فرقة، 4000 طائرة قتال، قوات بحرية قوية” وذلك بنهاية عام 1952. وكانت لجنة الطوارئ قد قدرت، أن الفترة الانتقالية لذلك، تمتد حتى عام 1953-1954.
عقد اجتماع آخر لمجلس الحلف، على المستوى الوزاري في باريس في مايو 1952، حيث رحب المجلس فيه رسمياً بانضمام كل من اليونان وتركيا، اللتين قامتا بالتوقيع على اتفاقية الحلف ثم التصديق عليها.
4. إنشاء قيادات عسكرية للحلف جديدة:
شهد عام 1952 تطوير الهيكل العسكري للحلف، بإضافة قيادتين جديدتين، هما: قيادة التحالف في الأطلسي Allied Command Atlantic (ACLANT)، في نورفولك بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة في يناير 1952، وقيادة التحالف في القنال (الإنجليزي) Allied Command Channel (ACCHAN) “ببورت سموث” في المملكة المتحدة في 21 فبراير 1952.
في الاجتماع الوزاري الذي عقد في باريس من 15ـ 18 ديسمبر 1952، قدم السكرتير العام، أول تقرير له عن مدى التقدم في أعمال الناتو. وطالبه المجلس بمزيد من الدراسة الاقتصادية. كما قدمت اللجنة العسكرية كذلك، تقريراً عن مدى التقدم الذي تحقق، وخاصة في مجال التدريب، ومدى فاعلية القوات التي تحددت للقيادة العامة، وكذلك ما تم في مجال توحيد النظم والعقائد العسكرية لقوات الحلف. كان هذا الاجتماع، فرصة انتهزها المجلس ليتخذ أول قرار في موقف دولي، خارج حدود مسؤولية الحلف، حيث أعلن أن الحرب الدائرة في الهند الصينية، التي تواجهها فرنسا، يجب أن تقدم لها المعونة من دول الحلف.
أما الاجتماعين الوزاريين، اللذين عقدا في عام 1953، فقد اعتمد المجلس فيهما خططاً دفاعية بعيدة المدى، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات لتحسين نوعية قوات الناتو، وهو ما دفع إلى عمل خطة للمشاركة في النفقات مدتها ” 3 ” سنوات، لمتطلبات البنية الأساسية للحلف.
ثانياً: المتغيرات المؤثرة على الحلف:
بعد أن توصل الحلف لأهمية انضمام ألمانيا الغربية إليه، وتسليحها، عمل على تنفيذ ما سبق إقراره بانضمامها، حتى يمكنه الاستفادة من المميزات التي تضيفها الدولة الألمانية على الحلف، من عمق دفاعي، وقوة مضافة، إضافة إلى حرمان الاتحاد السوفيتي من محاولة ضمها إليه تحت إغراء اتحاد شطري ألمانيا، وهي أحد المخاوف البعيدة، التي عان منها الحلف كثيراً، في تحسبه لكل الاحتمالات. كذلك كانت الأوضاع والمتغيرات في الجانب الآخر (الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية) موضع رقابة ونقاش في الحلف (وقد تضمنت الفترة من 1952 إلى 1956 عدة متغيرات في الجانب الشرقي).
1. انضمام ألمانيا الغربية للحلف:
كان الجهد الرئيسي للحلف خلال عام 1954، هو الانتهاء من انضمام ألمانيا الغربية للحلف، وقد تمت الموافقة على ذلك بالمؤتمر الذي عقد في لشبونة في 29 أغسطس 1954، غير أن فرنسا رفضت توسيع الحلف، واقترحت إقامة نظام دفاعي أوروبي، إلا أنه أمكن بعد جهود مضنيه وضغط أمريكي التوصل لحل بديل، ومن ثم عقد مؤتمر في لندن في 28 سبتمبر 1954، على مستوى وزراء الخارجية، حيث توصلوا لصياغة سلسلة من القرارات لكل ما يتعلق بقدرات الناتو، كما سجلوا وجهات نظر حكومات دول الحلف التي أشارت إلى أن: معاهدة حلف شمال الأطلسي يجب أن تعتبر مستديمة غير محدودة المدة.
وقع في باريس يوم 23 أكتوبر اتفاقية، ترحب بانضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف، مع توقع عدم التوصل إلى اتفاقية قريبة مع الاتحاد السوفيتي، تتعلق بتسوية تهدف إلى سلام نهائي.
نظمت الاتفاقيات، العلاقات بين الدول الأعضاء في الناتو وبين ألمانيا الغربية، حيث أدمجتها في إطار التحالف الغربي، كما شملت كذلك ضمانات تتعلق بمستويات القوة والتسلح الأوروبي، وقد شملت اتفاقيات باريس عدة عناصر هامة، كان أبرزها:
أ. إنهاء الاحتلال الأمريكي/ البريطاني/ الفرنسي، لألمانيا الغربية، واعتبارها دولة ذات سيادة، ونقل مسؤولية القوات المحتلة بها لتكون في إطار اتفاقيات حلف الناتو. وإعادة تسليح ألمانيا الغربية، والسماح لها بتعبئة قوات في حدود نصف مليون جندي، وبناء 1350 طائرة، وبعض الوحدات البحرية الصغيرة، تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، مقابل تعهد كونراد أديناور، المستشار الألماني، بعدم استخدام القوات الألمانية، التي سمح بتعبئتها، لتوحيد شطري ألمانيا بالقوة.
ب. موافقة كل من ألمانيا الغربية وإيطاليا على معاهدة بروكسل، وتحول الاتحاد الغربي ليكوّن اتحاد أوروبا الغربية (WEU)، وأصبح هناك تعاون وثيق بين اتحاد أوروبا الغربية وحلف الناتو.
ج. دعوة ألمانيا الغربية للانضمام إلى الناتو، لتساهم بجيشها الوطني في إيجاد توازن عسكري مع الشرق وانضمامها إلى اتحاد أوروبا الغربية كذلك.
د. موافقة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (والأخيرة بواسطة احتياطيات معينة في الظروف الاضطرارية، أو عند وجود مصاعب في التمويل) على توفير القوات اللازمة لأوروبا عند الضرورة، على أن يتم إنشاء تشكيل موحد يتبع القائد العام للتحالف في أوروبا، ويتمركز في نطاق مسؤولية قيادته.
أصبح انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف الناتو ساري المفعول اعتباراً من 5 مايو 1955. وبعد يومين أدان الاتحاد السوفيتي الاتفاقيات، وفي 14 مايو 1955 أعلن إنشاء حلف وارسو، من دول أوروبا الشرقية التي تدور في فلكه، رداً على اتفاقيات باريس.
وفي اليوم التالي (15 مايو 1955) تم توقيع اتفاقية مع النمسا، والتي بموجبها تم إنهاء الاحتلال الرباعي لها (الولايات المتحدة/ الاتحاد السوفيتي/ بريطانيا/ فرنسا ). وقد قامت فرنسا بمحاولة لحل مشكلة انضمام ألمانيا للحلف، إذ دعت لعقد اجتماع في جنيف على مستوى رؤساء حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي في المدة من 18 ـ 21 يوليه 1955، تم الإعداد له بواسطة وزراء الخارجية. غير أن الاجتماع فشل وانتهى دون التوصل لاتفاق، وكلف رؤساء الحكومات وزراء خارجيتهم بمواصلة دراسة المشكلات المثارة.
عقد مجلس الحلف (على المستوى الوزاري) لمناقشة مقترحات وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، قبل انعقاد مؤتمر جنيف مرة ثانية في 27 أكتوبر 1955. كان المقترح وضع مسألة توحيد ألمانيا ضمن جدول أعمال المباحثات، مع استمرارها ضمن التحالف الغربى، الأمر الذي رفضه الاتحاد السوفيتي، وبذلك لم يتوصل وزراء الخارجية إلى أية نتائج.
في الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف، في ديسمبر 1955 أعلن المجلس أن النتائج السلبية لاجتماعات جنيف، لم تنجح في التوصل إلى اتفاق بشأن توحيد ألمانيا، لذلك دعيّ المجلس إلى مشاورات أخرى، داخل الناتو، لمسألتي توحيد ألمانيا، وبرلين.
2. المتغيرات في الاتحاد السوفيتي:
أ. كانت أولى المتغيرات هي وفاة الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين، يوم 5 مارس 1953. وبدا وقتها أن القيادة الجديدة، يمكن التفاهم معها في نقاط الخلاف، حول السلام والأمن في أوروبا، ومستقبل ألمانيا، حيث كان الزعيم الجديد نيكيتا خروشوف Nikita Khrushchev ينتقد، في تصريحات غير معلنة، سياسة ستالين وأسلوب حكمه للبلاد.
ب. فجر السوفيت مباغتة هائلة بتوصلهم إلى القنبلة الهيدروجينية، والتي نجحوا في تجربتهم لها وأعلنوا ذلك، في 8 أغسطس 1953. وقد قوى ذلك من موقفهم إزاء حلف الأطلسي، إذ أصبحت القوة النووية، التي يعتمد الحلف على تفوقه فيها، في طريقها للتعادل، وقد يتفوق الروس فيها.
ج. ضم السوفيت قوات دول أوروبا الشرقية المسلحة، إلى قواتهم، في حلف وارسو، رداً على ضم حلف الناتو لألمانيا الغربية. وقد أعطى حلف وارسو مميزات عدة للاتحاد السوفيتي، فاقت ما حصل عليه حلف الناتو من انضمام ألمانيا الغربية، إذ أصبح للاتحاد السوفيتي عمق دفاعي على جبهة عريضة، كذلك أضاف إلى قوته الهائلة، عدة مئات الألوف من الأفراد العسكريين المدربين جيداً، ويوضع في الاعتبار، أن دول أوروبا الشرقية هي في معظمها دول صناعية، خاصة بولندا، وهو ما يضيف إلى الصناعات العسكرية السوفيتية قوة مضافة في الإنتاج العسكري.
د. رغم أن خروشوف كان ينتهج سياسة معتدلة، مقارنة بسلفه، إلا أنه لم يتردد في سحق تمرد في المجر بالقوة المسلحة في 4 نوفمبر 1956، ليحذر أي دولة في دائرة الشيوعية من محاولة الخروج عنها، كذلك تقرب إلى يوغسلافيا، محاولاً إعادتها إلى صفوف الشيوعية السوفيتية.
3. تأثير المتغيرات السوفيتية على حلف الناتو:
أدت تلك المتغيرات إلى عدم فاعلية استراتيجيات الحلف وسياساته، خاصة العسكرية منها، لذلك بدأ الحلف في حلقة أخرى من التطوير، إذ كان خروشوف قد اتجه إلى الدول الأفريقية والآسيوية، وأمريكا الجنوبية ليستميلها إلى الكتلة الشيوعية، وهو ما أشعر الحلف بخطر تلك السياسة، خاصة الولايات المتحدة، التي وجدت الأفكار الشيوعية تملأ فنائها الخلفي.
ثالثاً: تغيير الاتحاد السوفيتي لسياسته الخارجية (1956 ـ 1967):
1. التغيير في السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي:
أدت سياسة ستالين، بعد الحرب العالمية الثانية، إلى عزلة الاتحاد السوفيتي، والتي انعكس آثارها على تقلص النفوذ السوفيتي، في كثير من المناطق في أنحاء العالم. لذلك بدأ خلفاؤه، في تغيير تلك السياسة، عقب وفاته (5 مارس 1953)، وكانت أولى الخطوات توقيع معاهدة صداقة وتعاون متبادل، مع سبع دول أوروبية، شيوعية، وإنشاء قيادة عسكرية مشتركة، وهو ما عرف باسم حلف وارسو، حيث وقعت تلك المعاهدة، في العاصمة البولندية وارسو، في 14 مايو 1955. وتعهدت الصين الشعبية علناً بتضامنها وتأييدها الكاملين للمعاهدة وحلفها.
حاول الاتحاد السوفيتي كذلك، إقامة حاجز بينه وبين دول أوروبا الغربية، من الدول المحايدة، يمتد من الدول الإسكندنافية شمالاً وحتى اليابان جنوباً. كما انتهج استراتيجية سياسية، سميت بسياسة التعايش السلميّ، والتي رحبت بها دول حلف الأطلسي، وأدت تلك الاستراتيجية السياسية، إلى انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب نسبياً.
وضح أن الاتحاد السوفيتي، يسعى في سياسته الخارجية الجديدة، إلى منافسة الغرب في النفوذ السياسي والاقتصادي، في ثلاث مناطق، في آن واحد، لكسر طوق العزلة التي فرضها ستالين بسياسته “الستار الحديدي”، والتي ساعدت الأمريكيون على زيادة نفوذهم في الدول المحيطة بالاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية، الشيوعية. كان للاتحاد السوفيتي أهدافاً متشابهة في المناطق الثلاث، التي بدأ في توثيق العلاقات معه، ومنافسة النفوذ الغربي فيها وهي:
أ. أوروبا الغربية:
(1) التصدي للدعاية الغربية، في أوروبا الغربية، ومقاومتها، والعمل على نشر الأيدولوجية الشيوعية في دول أوروبا الغربية، استعداداً لبسط النفوذ السوفيتي عليها وتوحيد أوروبا شرقاً وغرباً، في إطار الشيوعية العالمية، وإبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عنها.
(2) إنشاء قوة بحرية كبيرة، يمكنها تهديد مواصلات الغرب. وإيجاد قواعد بحرية وجوية، خارجية، تمكن الاتحاد السوفيتي من السيطرة الكاملة على أوروبا الغربية، والبحر المتوسط.
(3) الاقتراب من القواعد الأمريكية الخارجية، والأراضي الأمريكية والكندية كذلك، بإيجاد قواعد في الجزر الأطلسية، خاصة أيسلندا، التي تتحكم من موقعها في القطب الشمالي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.
(4) إنشاء قواعد للصواريخ الباليستية، قريبة من دول حلف الأطلسي، يمكن منها السيطرة على كل أراضي الحلف في أوروبا، وما خلفها كذلك.
ب. الشرق الأوسط:
(1) استغلال مساوئ الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة، لإقصائهما منها تماماً.
(2) منافسة الولايات المتحدة في الأسواق المحلية، ونشر المذهب الشيوعي في المنطقة.
(3) عزل أوروبا، عن أفريقية وآسيا، وفرض السيطرة السوفيتية على تلك المناطق مباشرة.
(4) الوصول إلى جنوب آسيا وشرق أفريقية، وتطويقهما، ومنع النفوذ الغربي من الوصول إليهما.
(5) حرمان الغرب من الحصول على النفط من الخليج العربي، للتأثير على نموه الاقتصادي، وإضعافه صناعياً.
ج. الشرق الأقصى:
(1) منافسة النفوذ الأمريكي في كوريا الجنوبية، وطرده منها، مثلما حدث في الصين.
(2) استعادة النفوذ الشيوعي في فرموز، وعودتها للصين.
(3) إلغاء السيطرة الغربية على اليابان.
(4) تطويق الهند، بنشر النفوذ الشيوعي في الدول المحيطة (الملايو، إندونيسيا).
(5) التعامل التجاري مع جنوب آسيا، والسيطرة على أسواقه واستقلال خاماته.
(6) بسط النفوذ، والسيادة، على المحيط الهادي والمحيط الهندي.
تعتبر تلك السياسة، سعياً مباشراً، لتحقيق الشيوعية العالمية، كما وردت في أقوال لينين، بالسيطرة على العالم، من خلال الاتجاه جنوب شرق، فجنوباً، ثم الشرق الأوسط، فالبحر المتوسط، فأوروبا، وبذلك تسيطر الشيوعية على العالم
2. توسيع نشاط الحلف، وتنوع مجالاته، خارج النطاق الدفاعي والعسكري:
عقد في مايو 1956 اجتماع وزاري لمجلس الحلف، أشار في بيانه إلى ضرورة امتداد أنشطة الحلف إلى المجالات غير العسكرية، كما تشير إلى ذلك المادة الثانية من معاهدة التحالف. لذلك كونت لجنة ثلاثية، من ثلاث وزراء للخارجية (إيطاليا، النرويج، كندا) بهدف إعداد توصيات، بالأساليب التي تمكن المجلس من القيام بعمله على الوجه الأكمل في المجالات الغير عسكرية.
قدمت اللجنة الثلاثية تقريرها، في الاجتماع الوزاري الذي عقد في 13 ديسمبر 1956، وقد صدق المجلس على مقترحاتهم، واتفق على أن يقوم المندوبون الدائمون بإخطار مجلس الحلف عن أي تطورات مؤثرة على الحلف، حتى يمكن إجراء مشاورات فعالة للإجراءات الواجب إتباعها، على أن يقوم وزراء الخارجية، في ربيع كل عام، بتقييم مدى التقدم السياسي للتحالف، بناء على مراجعة يتم إعدادها، بواسطة السكرتير العام للحلف. وفي نفس الاجتماع، وافق المجلس كذلك على توجيه خاص، بالخطط العسكرية المستقبلية، التي أعدت بناء على المتابعة المستمرة لتطوير القدرات السوفيتية، في مقابل الأنواع المختلفة المتيسرة من الأسلحة الجديدة، للدفاع عن الحلف، وتأكيد اعتناق الحلف لاستراتيجية الدفاع المتقدم (Forward Defense).
على صعيد آخر، كان هناك حدثان هامان في نهاية عام 1956، فقد حشدت كل من بريطانيا وفرنسا قواتهما، وهاجمتا بالتعاون مع إسرائيل، الأراضي المصرية، في 29 أكتوبر 1956، إثر تأميم الرئيس المصري جمال عبدالناصر، لقناة السويس في 26 يوليه 1956، ولم تنجح القوات البريطانية الفرنسية في تحقيق مهامها العسكرية أو السياسية رغم احتلالها لمدينة بور سعيد المصرية، واحتلال إسرائيل لكل شبه جزيرة سيناء.
وفي المعسكر الآخر (الشيوعي)، ثار الشعب المجري على حكومته الشيوعية، واضطر الاتحاد السوفيتي للتدخل، تحت ستار حلف وارسو، لضرب الثورة وسحقها في 4 نوفمبر 1956. كانت تلك الأحداث، تؤكد أن المواجهة بين الحلفين اتخذت أبعاداً جديدة نتيجة لتغير السياسة السوفيتية الخارجية، وأن كل حلف يحاول استمرار سيطرته على مناطق نفوذه، مع خلخلة نفوذ الحلف الآخر في المناطق التي يسيطر عليها.
3. التصريح بالحصول على أسلحة نووية للدول الأوروبية الغربية:
كانت إحدى توصيات اللجنة الثلاثية، ضرورة عقد مجلس الحلف من وقت لآخر، في العواصم المختلفة لدول الحلف. لذلك عقد الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف في مايو 1957 “ببون”، حيث نوقشت سياسة الحلف الدفاعية، على ضوء الحملات السوفيتية، التي استهدفت احتواء الرأي العام في مختلف دول الحلف، وحثها على معارضة، سياسات تحديث قوات الحلف الدفاعية. واتفق المجلس، على أن الهدف الرئيسي للحملة، تأكيد أن الاتحاد السوفيتي هو القوة النووية الوحيدة، في القارة الأوروبية. ولمواجهة هذا التهديد، يجب على دول الحلف أن تكون في الوضع الذي يمكنها من مواجهة أي اعتداء عليها.
أعلنت اللجنة أنه لا توجد قوة يمكنها أن تعيق أو تمنع الحلفاء من حقهم في الحصول على الأسلحة التي يحتاجون إليها للدفاع عن أنفسهم، سواء كانت تقليدية أو نووية.
وكما أعلن المجلس، أنه مازال في حاجة مستمرة إلى درع قوى من القوات البرية والجوية والبحرية التقليدية لتوفير الحماية لدوله، وقرر الوزراء تكثيف جهودهم لتوحيد ألمانيا، من خلال انتخابات حرة، باعتبارها قضية ممتدة، بالإضافة إلى الوضع الشاذ لمدينة برلين التي تشكل تهديداً مستمراً للسلام العالمي.
4. لقاء رؤساء الحكومات:
أ. تقابل الرئيس الأمريكي أيزنهاور، في أكتوبر 1957، مع هارولد ماكميلان رئيس الوزراء البريطاني، لدراسة الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة التهديدات السوفيتية، وقد دعي السكرتير العام للحلف للانضمام إليهما، في أحد مراحل مباحثاتهما، التي دارت في واشنطن. وفي نهاية الاجتماع، أصدر الرئيسان بياناً متعدد الأهداف:
(1) التأكيد على ضرورة أن تعتمد دول العالم الحر على نفسها، وأنه يجب العمل على زيادة التعاون فيما بينها.
(2) حشد الموارد من أجل توفير الأمن والرخاء.
(3) تقرر إظهار وحدة الحلف بعقد مجلس الحلف، للمرة الأولى، على مستوى رؤساء الدول.
ب. تنفيذاً لما جاء في البيان الأمريكي ـ البريطاني، وبمشاركة السكرتير العام للحزب، عقد رؤساء الحكومات لقاء في باريس في المدة من 16 ـ 19 ديسمبر 1957، لتأكيد المبادئ والأهداف التي قام عليها الحلف، والتي تهدف إلى المحافظة على الأمن والسلام لجميع الدول الأعضاء. والتي كان أهمها:
(1) في المجال العسكري:
(أ) أكد المجلس على ضرورة امتلاك الحلف لأقصى قوة دفاعية مؤثرة، مع الوضع في الاعتبار التطورات الأخيرة في الأسلحة وأساليب استخدامها.
(ب) من الضروري بناء مخزون من الرؤوس النووية، تكون جاهزة للدفاع عن الحلفاء، عند الحاجة.
(ج) من منظور السياسات السوفيتية في ميدان الأسلحة الجديدة، قرر المجلس كذلك وضع الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، في يد القائد العام للحلف في أوروبا، على أن يتم اتخاذ قرار نشر الأسلحة النووية في أماكنها، وعمل ترتيبات استخدامها من خلال اتفاقيات مع الدول المعنية مباشرة.
(2) وفي المجال السياسي:
اعترف رؤساء الحكومات بالحاجة إلى التشاور المكثف، وإلى تنسيق سياسي كبير، كما أعادوا تأكيد اتفاق وجهة نظرهم تجاه عدد من المسائل هي:
(أ) مشكلة إعادة توحيد ألمانيا، وتأمين وحرية المرور إلى برلين.
(ب) وفي مجال نزع التسلح أكدوا على الحاجة إلى سيطرة دولية كافية، حتى لا تنتشر مبيعات الأسلحة، عشوائياً لتشمل أسلحة متقدمة تقنياً.
(ج) الموافقة على تشكيل مجموعة فنية لتقديم المشورة في مشكلات نزع التسلح التي قد تنشأ نتيجة التقدم التكنولوجي.
(د) الإعلان عن الرغبة في تنمية أية مباحثات مع الاتحاد السوفيتي يمكن أن تقود إلى السيطرة على خفض التسلح إلى الحدود التي تفرضها العوامل الأمنية. وقد أعلنوا أنهم (أي رؤساء دول الحلف) مستعدين لمناقشة أي مقترح يقدم من أية جهة، وذلك فيما يتعلق بنزع التسلح الكلى أو الجزئي.
(3) الموضوعات العلمية والاقتصادية:
كان أحد أسباب اللقاء الأمريكي ـ البريطاني إطلاق الاتحاد السوفيتي لقمر صناعي، إلى الفضاء الخارجي “سبوتنيك Sputnik” في 4 أكتوبر 1957، متفوقاً على الغرب ومنافساً لها في مجال الاستطلاع والتجسس.
لذلك وضع في اللقاء الأمريكي ـ البريطاني الأسس التي يمكن أن تقود للتعاون في المجالين العلمي والتقني بين دول الحلف، على أن يعتمد ذلك، على مدى ما تبديه كل دولة من نشاط ومن تعاون بين العلماء، سواء داخل كل دولة أو بين دول الحلف.
أكد رؤساء الحكومات، رغبتهم في زيادة فاعلية الجهود الدولية، من خلال التبادل العلمي والمعلومات، ومن خلال المشاركة في ذلك. ولذلك فقد قرروا إنشاء لجنة علمية، يمكن لكل دول الناتو أن تشارك فيها بالخبراء المفوضين، في مجال السياسة العلمية. كما أوصوا بتعيين مستشار علمي للسكرتير العام للناتو.
وقد أكد رؤساء الحكومات الحاجة كذلك إلى مشاركة وثيقة بين دول الحلف وبين دول العالم الحر ككل. وأن على مجلس الحلف من وقت لآخر، على ضوء المادة الثانية من المعاهدة وبدون حدوث ازدواجية مع أجهزة الحلف الأخرى، أن يقوم بمراجعة الاتجاهات الاقتصادية وتقييم التقدم الاقتصادي وتقديم المقترحات لتحسينه.
رابعاً: المبادرة السوفيتية وتداعيات الوفاق بين الشرق والغرب:
1. المبادرة السوفيتية:
قبل أن يعقد الرؤساء اجتماعهم في ديسمبر 1958 بباريس، شن الاتحاد السوفيتي هجوم دبلوماسي، في شكل مبادرة، استمرت حتى بعد انعقاد المؤتمر. إذ أرسل سيل من الرسائل، إلى مختلف أعضاء الحكومات، كان أغلبها موقعاً من رئيس الوزراء السوفيتي بولجانين. أثارت هذه الرسائل عدداً من الموضوعات الحيوية للطرفين أهمها:
أ. الدعوة إلى عقد مؤتمر مشترك.
ب. إيقاف التجارب النووية.
ج. التخلي عن استخدم الأسلحة النووية.
د. إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في أوروبا.
هـ. التوقيع على معاهدة عدم اعتداء بين الكتلتين.
وكان هدف السوفيت من تلك الرسائل بذر الخلاف بين دول الحلف، حتى يمكنهم استغلالها بدفع دول الحلف إلى التفاوض المنفرد مع الاتحاد السوفيتي.
2. مدى الاستجابة الغربية:
توصل الحلفاء، للرد على هذا الهجوم الدبلوماسي، من خلال المشاورات السياسية، بالموافقة على مناقشة هذا الموضوع في مجلس الحلف، بدراسة خطابات الاتحاد السوفيتي، ومسودة الخطابات المعدة بواسطة كل دولة من دول الحلف للرد عليها، وبذلك نجح التحالف في إيجاد قاعدة موحدة لآرائهم، ويمكن الاعتماد عليها في المواقف المقبلة.
أدت القدرات العسكرية الجديدة، التي حققها الاتحاد السوفيتي، في كلا المجالين النووي والتقليدي، إلى البحث عن حل سلمي للموقف المتفجر، الذي شكله استمرار تقسيم ألمانيا، فبينما كان يتم متابعة خطط الدفاع بعيدة المدى، فإن دول الحلف، في الوقت نفسه، بذلوا جهوداً ملحوظة نحو تنظيم عقد مؤتمر لمناقشة تسوية أوروبية مع الاتحاد السوفيتي.
3. الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف في كوبنهاجن (15 ـ 17 أبريل 1958):
في ذلك الاجتماع، روجع التقرير السياسي الذي أعده السكرتير العام للحلف، طبقاً لتوصيات اللجنة الثلاثية، حيث قُيَّمَتْ هذه الوثيقة، التقدم الذي قام به الحلفاء، في مجال التعاون السياسي. وقد وافق المجلس على الفكرة المقترحة لعقد مؤتمر للتسوية الأوروبية، من منظور أن مثل هذا الاجتماع يجب أن يقدم الخطوط الرئيسية التي يمكن التوصل من خلالها إلى تسوية للمسائل الهامة، ومن ثم يجب أن يعد له ويعقد في نفس الظروف الملائمة.
أقر وزراء الخارجية بضرورة مناقشة مشكلتي إعادة توحيد ألمانيا، والسيطرة على نزع التسلح. وقد استعرض المجلس الرغبة في التفاوض بشأن نزع التسلح، باقتراح إجراءات جزئية، يمكن في وقت لاحق تطبيقها على نطاق أوسع. لتمنع الهجوم المباغت، أو للوقاية من الانفجارات الذرية، وهو ما يمكن أن يقود بعد ذلك، نحو وضع الأطر للتوصل إلى اتفاقية لنزع التسلح. ورغم أن المفاوضات لعقد المؤتمر استمرت خلال صيف 1958، إلا أن الاتحاد السوفيتي، فقد الدوافع لفكرة عقد المؤتمر، ففشلت الفكرة.
استمر مجلس الحلف في التشاور، في المسائل التي تتعلق بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتي، والتي شملت إيقاف التجارب النووية، ومنع الهجوم المباغت.
4. إعلان برلين في ديسمبر 1958:
قام السكرتير العام للحلف بدور نشط، في جهود تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء، وتوصل إلى حلول مقبولة لمشكلة أيسلندا، وكذلك مستقبل قبرص. وظلت مشكلتا مستقبل كل من ألمانيا وبرلين دون حل.
وفي 10 نوفمبر 1958 أعلن خروشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، عن رغبة الاتحاد السوفيتي في إنهاء الوضع الحالي لبرلين، وفي 27 نوفمبر 1958 أعادت الحكومة السوفيتية تأكيد هذا الموضوع، إذ أعلنت، أنها تقترح أن تنقل إلى السلطات في ألمانيا الشرقية خلال ستة أشهر، كل الصلاحيات التي تقوم بها الحكومة السوفيتية، في برلين الشرقية، طبقاً لاتفاقيات عام 1945، إضافة إلى السيطرة على الاتصالات (المرور) بين ألمانيا الغربية وبرلين.
عقد المجلس الوزاري للحلف، اجتماعه الدوري، في باريس، المدة من 16 ـ 18 ديسمبر 1958، حيث أعطى اهتماماً خاصاً لمشكلة برلين،على ضوء وجهات النظر التي عرضتها حكومات كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا وكذلك ألمانيا الغربية، والتي ركزت في معظمها على:
أ. أن دول الناتو قد لا توافق على المقترح السوفيتي الخاص ببرلين، الذي يمكن أن يعرض للخطر حقوق الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا). لذلك يجب أن يظلوا في برلين حتى يمكنهم القيام بمسؤولياتهم خاصة ما يمكن أن يؤثر على انتظام الاتصالات بين برلين والعالم الحر. وقد أعلن المجلس أنها يمكن التوصل إلى تسوية بخصوص مشكلة برلين فقط في حالة الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي على المشكلة الألمانية ككل.
ب. أعيد الإعلان عن استعداد القوى الغربية الدائم لمناقشة هذه المشكلة، بالإضافة لمسألتي الأمن الأوروبي ونزع التسلح.
ج. راجع المجلس التقرير الخاص بالتعاون السياسي بين الحلفاء والذي قدمه السكرتير العام للحلف، وأكد المجلس أن المشاورات يمكن أن تتقدم من خلال الدراسة المستمرة للمسائل السياسية بعيدة المدى.
د. بعد أسبوعين من مؤتمر باريس، الذي اتخذ وقفة حازمة في مواجهة التهديد السوفيتي الجديد لألمانيا، قامت الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا)، بإرسال ردود رسمية، على الملاحظات السوفيتية، في 27 ديسمبر 1958، أعادوا من خلالها تأكيد نواياهم لاستمرار قواتهم في برلين، ورفض القرار السوفيتي المعلن، بنقل المسؤوليات السوفيتية في برلين إلى نظام ألمانيا الشرقية بما فيها محاور الطرق من وإلى برلين. وبذلك فشلت الجهود السوفيتية، لزعزعة موقف دول الحلف.
5. الإعلان السوفيتي للوفاق:
خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 1959، شرع خروشوف في الانسحاب التدريجي من موقفه المتشدد السابق، وإعادة الوفاق بين الكتلتين على أساس التعاون السلمي في إطار استمرار الصراع بين النظامين الشيوعي والديمقراطي، ولكن بالوسائل السلمية، بدلاً من الصراع النووي. لتبدأ مرحلة جديدة من الوفاق.
6. احتمالات الوفاق:
درست الدول الغربية احتمالات التوصل إلى اتفاقية مع السوفيت في ظل سياسة الوفاق. وكانت الاتصالات قد استؤنفت في فبراير 1959 بين السوفيت والغرب، واتفقوا على عقد مؤتمر يحضره وزراء الخارجية الأربعة لبحث المشكلة الألمانية.
أ. الاجتماع السنوي العاشر للحلف من 2 ـ 4 أبريل 1959:
ركز التحضير لهذا المؤتمر على نقطة أساسية، إذ وضح أن وحدة العمل لدول الحلف، هي أفضل ضمان في المباحثات مع الحكومة السوفيتية لبحث الحلول المناسبة للمشكلات المعلقة بينهم.
ب. في الاجتماعين الوزاريين لمجلس الحلف في 15 ـ 22 ديسمبر 1959 شهد إنشاء قيادة جديدة للحلف في باريس. وفي 30 أبريل 1960، في إستانبول، وجه الوزراء اهتمامهم لمراجعة الموقف العام، للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من خلال مشاورات مع حلفائهم. ورغم أن هذه المشاورات قد كشفت أن المواقف الغربية والسوفيتية بألمانيا مازالت بعدية عن التوصل لاتفاق عليها. إلا أن المناقشات التي تمت بين رؤساء الدولتين أيزنهاور، وخروشوف، في كامب ديفيد، فتحت الأبواب لمواصلة المفاوضات، على مستوى رؤساء الحكومات. وفي الإعلان الذي صدر عن اجتماعات إستانبول، أعاد المجلس تأكيد الموقف الغربي من مشكلتي ألمانيا (إعادة التوحيد، وحق تقرير المصير)، وأعلنوا كذلك، أن تحقيق نزع السلاح الشامل والكامل، يمكن أن يتم على مراحل، تحت السيطرة الدولية الفعالة.
ج. انهيار مؤتمر القمة:
في اليوم التالي لاجتماعات إستانبول (أول مايو 1960)، حدثت مفاجأة أدت إلى اختلال كل الموازين، فقد انهارت كل الترتيبات الخاصة بعقد مؤتمر للقمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إذ أعلن خروشوف أن طائرة تجسس أمريكية تعمل على الارتفاعات العالية جداً، أسقطت داخل الأراضي السوفيتية، وهى طائرة من نوع ى ـ 2 “U – 2”. وأعلن خروشوف تأجيله حضور قمة أمريكية ـ سوفيتية، لعدم رضاه عن الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي، لمواجهة الموقف الناتج عن إسقاط الطائرة الأمريكية
7. مؤتمر القمة للدول الشيوعية ـ التعايش السلمي:
بعد أقل من أسبوعين وفي 27 يونيه 1960، تركت دول الكتلة الشرقية فجأة محادثات نزع التسلح في جنيف، بشكل مفاجئ وأعتبر أن ذلك سياسة سوفيتية جديدة متشددة.
وزاد الأمر تعقيداً، ما طرحه خروشوف عند حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مايو، بربط إتمام مقابلة الرئيس الأمريكي، بضرورة أن تدين الولايات المتحدة عملية التجسس. وقد أعقب ذلك عقد مؤتمر في نوفمبر بموسكو ضم “81” حزباً شيوعياً من معظم دول العالم التي وافقت على وجهة نظر خروشوف فيما يتعلق بالتعايش السلمي.
8. تم عقد مؤتمر وزاري للحلف في مايو 1961، في أوسلو، لتداول الموقف، عبر فيه المجلس عن أسفه لعدم إحراز تقدم في مسألتي إعادة توحيد ألمانيا، ومباحثات نزع السلاح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وأعاد الاتحاد السوفيتي التهديد السابق إعلانه، بتوقيع اتفاقية سلام منفصلة مع ألمانيا الشرقية.
9. الإنذار السوفيتي النهائي بشأن برلين:
زار الرئيس الأمريكي جون كيندي “John F.Kennedy” مجلس الحلف بباريس في أول يونيه 1961، ثم تقابل مع خروشوف بفيينا يومي 2 ـ 3 يونيه 1961، في إطار إقامة علاقات ثنائية شخصية، وتبادل الآراء، ولم يكن متوقعاً من هذا اللقاء أن يخرج بنتائج فورية، في ظل الاختلافات الكبيرة بين وجهات نظر الشرق والغرب، خاصة ما يتعلق ببرلين. وقد أكد ذلك الإنذار الذي وجهه خروشوف في خطاب له بموسكو في 15 يونيه كإنذاراً نهائياً (مثل الإنذار السابق توجيهه للغرب في نوفمبر 1958)، بتوقيع اتفاقية سلام منفردة مع ألمانيا الشرقية، بنهاية عام 1961. وهو ما ينهي حقوق الغرب في الوصول إلى برلين. تصاعدت الأزمة بسرعة، وفي 8 يوليه أعلن خروشوف وقف خطة تخفيض قواته المسلحة، وقام بزيادة النفقات الدفاعية بمقدار الثلث.
رداً على الإجراءات السوفيتية، دعا الرئيس الأمريكي كنيدي في 25 يوليه إلى ضرورة بناء قوات ضخمة للحلف.
——————————————————————————–
هي الصين الوطنية، والتي اضطرت إلى ترك الأراضي الصينية، والتمركز في جنوب فرموزا الصينية، وإقامة دولة غير شيوعية بها.
من أقوال لينين: “أقرب الطرق إلى باريس، هو طريق الجنوب الشرقي ثم جنوب آسيا، فالشرق الأوسط ومنه إلى باريس”.
كانت برلين مقسمة إلى جزء غربي (كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تحتله) وآخر شرقي، وكل جزء منهما يتبع لأحد شطري ألمانيا، وقد أنشأت السلطات الشيوعية حائطاً خرسانياً لعزل الجزء الشرقي عن الغربي. كما أن الوصول للجزء الغربي كان لا بد من المرور عبر أراضي خاضعة لألمانيا الشرقية.
كان قد تم أسر قائدها كذلك، وهو الطيار فرانسيس باورز.
كان الرئيس الأمريكي أيزنهاور، قد أعلن إيقاف طلعات التجسس فقط، بينما كان خرشوف يود أن يعلن عن إدانة تلك الطلعات، ومعاقبة المسؤولين عنها، باعتبارها تمت دون علم الإدارة الأمريكية.
في أغسطس 1968، بدأت مجموعة عمل، تم إنشاؤها، تحت إشراف المجلس، تبعاً لقرار 1965، لتقديم وجهات النظر في العلاقات مع مالطة، حيث قامت حكومة مالطة، بتعيين ممثليها في بروكسل، لعرض وجهة نظرها في علاقتها بالناتو.
لم يكن لأيسلندا “الدولة الخامسة عشر” قوات بالحلف.
صدر هذا الإعلان بواسطة وزراء خارجية هذه الدول عقب لقائهم في 15 ديسمبر 1966.
تردد أن الأمريكيين تراجعوا عن هذه الاستراتيجية إلى استراتيجية أخرى لشكهم في قدرة بقاء قوات الضربة الثانية الأمريكية وأنهم أتبعوا استراتيجية `التدمير المتبادل Mutual Assured Destruction` ، إلا أن ذلك لم يتأكد، ومن المعتقد أن الاستراتيجية السائدة ظلت هي استراتيجية `الرد المرن`.
تم إلغاء هذا المنصب بعد ذلك عام 1968.
اختلف تكوين هذه المجموعة عدة مرات، ولكن في نوفمبر 1979، قررت الدول الثلاث عشرة الاشتراك بشكل دائم.
المبحث الخامس
التجديد الشامل للحلف، والتعاون مع المنظمات الأوروبية (1990 ـ 1993)
برز تعبير النظام العالمي “الجديد” (New World order)بين المتخصصين في العلوم السياسية، وفي وسائل الإعلام الدولية، بعد أن أطلقه الرئيس الأمريكي ” جورج بوش” في أعقاب حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية 1991). ومع كثرة الحديث عن هذا النظام الجديد، فإن أحدا لم يستطع تحديد مكوناته ودعائمه حتى نهاية القرن العشرين، رغم مرور عقد كامل على ذلك التغيير. ربما كان ذلك لأن هذا النظام ظل في حاله من السيولة لم تستقر لفترة طويلة، لكثرة المتغيرات والتداعيات المؤثرة، إلا أنه هناك مؤشرات عامه تدل على أبرز التوجهات لهذا النظام الجديد.
أدى انهيار الكتلة الشرقية، وتفكك الاتحاد السوفيتي نفسه، واختفاؤه من المسرح السياسي ـ وقد سبقته النظم الشمولية في دول أوروبا الشرقية ـ إلى تصاعد الجدل بصورة لافتة، حول قضية المستقبل، لحركة النظام الدولي “الجديد”، نظراً للممارسات غير المنصفة، التي تميزت بالازدواجية في هذا النظام، الذي وصف بأنه أحادي القطبية، بمعنى انفراد الولايات المتحدة بقمته كقوة عظمى وحيدة.
أدت التحولات التي شهدها النظام الدولي، إلى تراجع مهمة “الدفاع الجماعي” للناتو ضد عدو أو أعداء محددين مسبقاً، في إطار مواجهة التهديدات التي أفرزتها البيئة الجديدة لما بعد الحرب الباردة. ورغم أن مهمة الدفاع الجماعي بقيت المهمة الرئيسية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن.
قد كشفت بيئة ما بعد الحرب الباردة كذلك عن بروز تهديدات للأمن الأوروبي/ الأطلسي، كما اعتبرها الحلف، من خارج المنطقة التقليدية المحددة لنشاطه، وفق المادة السادسة من اتفاقية واشنطن، وهي”أوروبا وشمال الأطلسي”. باتفاق أعضاء الحلف على استمراره، كان لابد من تعديل مهام الحلف، بما يتواءم مع المناخ الدولي ما بعد الحرب الباردة، خاصة بعد وقوع العديد من الأزمات، والحروب الأهلية، والصراع على السلطة، في بلدان شرق ووسط أوروبا، وأقاليم أخرى من العالم، والتي اعتبرت تهديدا للاستقرار في القارة الأوروبية، وللولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
بدأت محاولات التواؤم، بعد اجتماع مجلس شمال الأطلسي في تيرنبري “Turnberry” باسكتلندا، في 7 ـ 8 يونيه عام 1990. حيث بدا واضحاً التحول في مهمة الحلف، من مواجهة تهديد مباشر من حلف وارسو، إلى تحقيق الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، وهو ما غير مضمون التحالف من كونه أداة “للدفاع الجماعي”، إلى منظمة مشتركة تبحث عن توفير الحماية في مواجهة تهديدات غير محددة، تهدد بتقويض أمن الدول الحليفة. وإلى جانب استمرار المهمة الأساسية للحلف (الدفاع الجماعي)، برزت مهمة بناء هيكل جديد للاستقرار في كل أوروبا، وهو ما يتطلب دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي، في دول شرق أوروبا (المعسكر الشرقي سابقا).
كان تقدير دول حلف الأطلسي، للتحديات الإستراتيجية الجديدة، التي ستواجههم، كما صاغوها في “رسالة تيرنبري Message From Turnberry”، هي تلك الأزمات والصراعات، التي ستنشب في مناطق الفراغ الأمني، الذي تخلف عن انهيار الاتحاد السوفيتي، في شرق ووسط أوروبا، والقوقاز ووسط آسيا، حيث يوجد حجم ضخم من القوات الروسية المسلحة، ومخزون كبير من الأسلحة النووية. كذلك منطقة شمال أفريقيا وجنوب وشرق البحر المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وهي مناطق مهددة بصراعات وحروب أهلية وإقليمية ـ طبقاً لرؤية دول الحلف ـ ويؤثر ذلك على استقرار القارة الأوروبية، مشكلاً التهديد الجديد لدول الحلف.
أولاً: إعادة صياغة دور الحلف، وتنظيم هيكله ومؤسساته:
اتجه الحلف إلى استبدال مهمة مواجهة التهديد المباشر من حلف وارسو إلى مهمة دعم وتعظيم الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية. وأدى هذا التحول إلى تغيير حتمي في مهام المنظمة بهدف توفير الحماية في مواجهة أشكال مختلفة من التهديدات غير المحددة. فإلى جانب استمرار المهمة التقليدية للحلف (الدفاع الجماعي) برزت مهمة رئيسية هي الحفاظ على السلام ومواجهة الاضطرابات في كافة أنحاء القارة الأوروبية، وحولها أيضا، ويشمل ذلك:
1. دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي في دول المعسكر الشرقي سابقا، لاحتواء التهديدات التي يمكن أن تظهر في هذه المنطقة، وهي العملية التي وصلت قمتها فيما بعد بضم عدد من دول شرق ووسط أوروبا للحلف.
2. البحث عن صيغة الاتفاق مع عدد من دول جنوب المتوسط لتوفر غطاء قانونيا دوليا وتسهيلات للعمل السريع في مواجهة ما تراه دول الحلف تهديدا لأمنها الوطني من هذا الاتجاه، وهو ما أدى إلى ظهور فكرة “الشراكة” بين الحلف وعدد من دول جنوب المتوسط.
حددت الدول الأعضاء بالحلف، الاتجاهات المحتمل تفجر الصراعات فيها، مما يؤثر على أمن دول الحلف في عدة اتجاهات، هي: (أُنظر خريطة مناطق تهديد أمن الحلف)
1. الاتجاه الشرقي:
منطقة عدم استقرار بين ألمانيا وروسيا، في شرق ووسط أوروبا.
2. الجنوب الشرقي:
منطقة القوقاز ووسط آسيا.
3. المحور الجنوبي:
مناطق شمال أفريقيا وجنوب وشرق البحر المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وتحددت التهديدات التي قد تؤثر على استقرار القارة الأوروبية، بالصراعات العرقية، والحروب الإقليمية والأهلية، إضافة إلى العديد من أنماط المخاطر غير العسكرية المتصلة بالآثار الممتدة للعنف الداخلي، والهجرة غير الشرعية، وما إلى ذلك، وهو ما يخرج بالحلف عن نطاقه التقليدي المحدد في اتفاقية إنشاؤه.
ومن تلك النظرة كانت المشكلات الخاصة بالأسس الإستراتيجية ـ الدفاعية لتوسيع الحلف. فقد كانت الوظيفة الأساسية للحلف، هي احتواء الخطر السوفيتي على أوروبا، وهو ما كان يمثل مصدر تهديد عسكري خارجي، مباشراً وواضحاً، لأمن القارة، يتم التعامل معه من خلال “هيكل عسكري”، يستند على إستراتيجية دفاعية، مرتكزة على “الردع النووي”، في إطار القطبية الثنائية الأمريكية ـ السوفيتية. وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي، إلى الإطاحة بالمفاهيم والضوابط والمؤسسات، التي حكمت الأوضاع الأمنية، طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بصورة جعلت من الصعب ارتكاز عملية إعادة التواؤم، على أسس دفاعية. فلم يعد ردع عدوان محتمل، يمثل أساساً متصوراً لبناء الأمن والدفاع الأوروبي، وحتى إذا كانت روسيا الاتحادية، نتيجة الأزمات الداخلية التي تعانى منها، يمكن أن تشكل تهديداً كامناً، فإن هذا التهديد لا يرقى للمستوى، الذي يبرر نفقات هذا الحلف الضخم. كما أن هذا التهديد ليس مباشراً، حيث من الممكن أن يمس الدول المجاورة لروسيا، وليس هيكل النظام الدفاعي الأوروبي (الناتو).
اختفي المفهوم التقليدي للتهديد، ببروز توجهات “التعايش الأمني”، وتقلص الأهمية التقليدية الدفاعية للحلف. لكن الأهم هو أن المهام الجديدة للحلف، استندت على مفاهيم جديدة، مبهمة، مثل “المخاطر” و “التحديات” و “عدم الاستقرار”، وارتبطت بصراعات قومية وإقليمية “منخفضة الشدة” وكذلك مشكلات غير عسكرية، حلت محل مفهوم التهديد، وفقدت المفاهيم المحددة للأمن والدفاع مضامينها، وأصبح هيكل الحلف العسكري ربما غير ملائم للتعامل معها.
وضح منذ العام 1991، أن المفاهيم الأمنية الجديدة للحلف تواجه أزمة، وخاصة:
أ. عمليات حفظ السلام خارج حدود الحلف. فتجربة الحلف في “البوسنة والهرسك”، تشير إلى أن تدخل قواته لم يؤد إلى حل المشكلة، وإنما إلى تجميد الأوضاع القائمة، في الوقت الذي ظلت احتمالات التدهور قائمة، في حالة سحب قوات الحلف خارج أراضى البوسنة، وهو ما تكرر مرة أخرى عند التدخل ضد الصرب لمصلحة كوسوفا.
ب. مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهي المهام التي ترتبط بعمليات العنف المسلح والجرائم الخطرة (كتهريب المواد النووية)، وتنطوي على طبيعة مختلفة، قد تدفع إلى التحول لصيغة جديدة، قد يكون من الصعب التعامل معها بفعالية.
باختلاف أسس بقاء الحلف، اختلفت الأسس الأمنية ـ الدفاعية له كذلك، وكان من الضروري إعادة صياغة للحلف، وليس مجرد تطوير لمهامه فقط.
ثانياً: مهام الناتو في عصر الفوضى الدولية (قبل استقرار النظام الدولي الجديد):
حتى يمكن صياغة المهام، بعد التغيرات الجذرية في النظام العالمي، وتغير التهديدات كان لا بد من تحديد شكل وقوة التهديدات، والاتجاه المتوقع لها، وهو ما يعني ضرورة تحديد ودراسة الخصم. كانت رسالة تيرنبري (يوليه 1990) قد حددت ملامح عامة للتهديدات، والمواقع المحتملة لحدوثها، وشكلت مجموعة لمراجعة العقيدة العسكرية للحلف، بناء على ذلك التحديد، لذلك عكفت المجموعة على دراسة متأنية للوصول إلى طبيعة التهديدات، والإلمام بكافة المعلومات عنها.
أصدر قادة الحلف إعلان روما في 7 ـ 8 نوفمبر 1991 حول السلام والتعاون، وكانت المجموعة العسكرية قد أنهت أعمالها فيما كلفت به، وأكدت في تقريرها على اختلاف “طبيعة التحديات والمخاطر الأمنية” التي على الحلف أن يواجهها في المستقبل، عما كانت عليه في الماضي. وحددت الآتي: (أُنظر ملحق نص إعلان روما (الإستراتيجية الجديدة للحلف 1991))
1. لم يعد التهديد بهجوم شامل على كافة الجبهات قائماً، وهو ما يخفف من قوة التهديدات المستقبلية، ولم تعد تلك النقطة مثار تركيز في إستراتيجية الحلف.
2. من وجهة أخرى، لم يعد التهديد محصوراً في الهجمات من اتجاه واحد، كان مقدراً أن تكون من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، بل أصبحت الهجمات ذات اتجاهات محتملة متعددة. يصعب التنبؤ بأيهما الأكثر توقعاً.
3. كذلك لم يعد التهديد محصوراً في عمل عسكري تقليدي، أو نووي، بل أصبح ذو أوجهه مختلفة يصعب تقييمها.
4. لم يعد من الممكن حدوث خطر مباغت، فقد أتاحت مساحة الدول التي خرجت من دائرة الاتحاد السوفيتي، والتقنية المتقدمة في أجهزة الحصول على المعلومات، مدة زمنية متسعة للإنذار، بالنسبة للحلف.
5. لم تعد المخاطر قاصرة بالعدوان على أراضي دول الحلف، بل من الممكن أن تكون نتيجة أوضاع داخلية متدهورة، اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً، أو صراع عرقي أو نزاع حدود، وهو ما كثر بعد انهيار الكتلة الشرقية في وسط وشرق أوروبا، ويمكن أن تهدد استقرار أوروبا بتطورات غير متوقعة، أو بتدخل خارجي، قد يكون طرفاً فيه أحد أعضاء الحلف.
6. مازالت روسيا الاتحادية، تمثل نفس الخطر الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي. فهي الأكبر قوة في أوروبا، تقليدياً ونووياً.
7. حساسية الموقف في الشرق الأوسط عامة، وجنوب البحر المتوسط خاصة. واستقرار الأمن في تلك المناطق، أمر ضروري لأمن أوروبا ـ على ضوء تجربة حربيّ الخليج الأولى والثانية، والحروب العربية الإسرائيلية الأخيرة ـ بسبب انتشار الأسلحة ذات التقنية المتقدمة في المنطقة، خاصة أسلحة الدمار الشامل، والصواريخ الباليستية، التي يزداد مداها وقدراتها ودقتها، يوماً بعد يوم، وأصبحت قادرة على الوصول إلى بعض دول الحلف.
8. يجب أن يوضع في الاعتبار أن أمن دول الحلف سوف يتأثر، نتيجة مواجهتهم لأي اعتداء (طبقاً للمادتين الخامسة والسادسة من معاهدة واشنطن)، نتيجة استخدام أسلحة وإجراءات ذات مجال واسع، مثل أسلحة الدمار الشامل، وحظر تصدير الموارد الأولية الحيوية، وعمليات الإرهاب والتخريب.
وضح من إعلان روما، أن العقيدة العسكرية الجديدة للحلف، ترتكز على مبادئ أربعة:
1. الاستمرار في مهمة “الدفاع الجماعي”.
2. المحافظة على وحدة الأمن للأعضاء، وزيادة مسؤولية الأعضاء الأوروبيين في الدفاع عن أنفسهم
3. استمرار الهيكل العسكري الموحد للحلف، وإعادة بناءه، ليعتمد أكثر على تعدد الجنسيات، وتكون قواته أكثر مرونة وخفة حركة، حتى يمكن المشاركة في المهام الخاصة، التي أبرزتها المتغيرات الجديدة (حفظ السلام، توفير الراحة، تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالقوة).
4. استمرار الاعتماد على كلا القوتين التقليدية والنووية، على أن يخفضا لأدنى حد ممكن، دون المساس بفاعليتها، لذلك يزداد الاعتماد على القوات الاحتياطية، مع تقليل حالات التأهب.
أدى هذا التصور، للمبادئ الرئيسية المكونة للعقيدة العسكرية الجديدة، إلى التسليم بانتهاء خطر هجوم واسع من الشرق، كما شاع دفء البيئة الأمنية الجديدة في أوروبا، والتي تحقق الاستقرار والرفاهية في شمال الأطلسي، وصلاحيتها كمناخ ملائم لتطوير العلاقات الدولية، التي تقوم على السلام. ونتيجة لذلك أقرت دول حلف الأطلسي، إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي ـNorth Atlantic Cooperation Council، تحقيقاً لمبدأ التعاون مع دول حلف وارسو (السابق)، وقد انبثق عن تلك الخطوة فكرة الشراكة من أجل السلام، ومنها أمكن انضمام بعض دول حلف وارسو السابق، إلى حلف شمال الأطلسي.
ثالثاً: المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف:
رغم اتفاق دول الحلف على شكل وقوة واتجاه التهديدات، والتي وصفت بالعمومية في كل ما يتعلق بها، وصعوبة التنبؤ بها، فإن الاتفاق على المفهوم الإستراتيجي الجديد كان من الصعوبة، بحيث فشل الحلف في الاتفاق على مفهوم إستراتيجي موحد، إذ كان هناك رؤيتان مختلفتان، الأولى أوروبية تسعى إلى حلول ذات صبغة أوروبية جماعية، في إطار الدفاع الجماعي، والثانية أمريكية تسعى إلى الانفراد بالحل، فهي صاحبة القرار لتحريك آلة الحرب، واستخدام القوة العسكرية. كان المفهوم الأوروبي يركز على “أمن الأعضاء”، بينما كان المفهوم الأمريكي يركز على “المصالح الأمنية”.
كانت المناسبة تضيف قوة ضاغطة أثناء عمل مجلس الحلف، فهي قمة احتفالية لمرور خمسون عاماً على إنشاء الحلف، كما أنها قمة فاصلة بعد انهيار خصم لدود. لذلك كان لا بد التوصل إلى صيغة تتفق مع كل وجهات النظر، لذلك أكد البيان الختامي، مجدداً، على المبادئ العامة المتفق عليها، لمواصلة المهمة الرئيسية للحلف “الدفاع الجماعي” عن الدول الأعضاء، وتقوية علاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية وأوكرانيا، والاستمرار في الحوار مع دول الشرق الأوسط، ودفع الجهود لمواجهة مخلفات الحرب الباردة، من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إيصالها. أما القضايا محل الخلاف، فقد صيغت في عبارات عامة، غير محددة.
أوضحت صياغة البيان الختامي لدورة الانعقاد الخمسين، اتجاهات الحلف الجديدة، فقد كانت التعديلات في المفهوم الإستراتيجي، تتمشى مع المنظور الأمريكي، أكثر من مواءمتها للمنظور الأوروبي، والذي كانت فرنسا وألمانيا تتمسكان به، وقد أوضح التعديل المدخل على المفهوم الإستراتيجي، المهام المستقبلية للحلف كذلك، وفي فقرة واحدة، جاء المعنى كله، ووضحت ملامح التغيير للمفهوم الإستراتيجي للحلف.
أما الفقرة فقد جاء فيها: “يتعرض أمن الحلف لمخاطر عسكرية وغير عسكرية كثيرة التنوع، تأتي من اتجاهات عديدة، وغالباً ما يصعب توقعها. وتتضمن هذه المخاطر، عدم الاستقرار واحتمال نشوء أزمات إقليمية قابلة للتطور السريع في المناطق المحيطة بدول الحلف. ويمكن أن تواجه المصالح الأمنية للحلفاء مخاطر ذات طابع أكثر عمومية، تنجم عن الإرهاب والتخريب والجريمة المنظمة وانقطاع وصول الموارد الحيوية”.
أما التغيير فكان في المفهوم التالي:
1. اعتبار صيغة “المصالح الأمنية” هي أساس عمل الحلف، بدلاً من صيغة “أمن الدول الأعضاء”. ويعني ذلك، تغلب وجهة النظر الأمريكية أولاً، كما أن تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء حلف وارسو، وسعيّ روسيا الاتحادية ودول أوروبا الشرقية للاندماج مع أوروبا الغربية، ينهي فكرة تهديد الأمن، ويصبح تعبير المصالح الأمنية، بعموميته، أصلح للتعبير عن جوهر وظيفة الدفاع المطلوبة في البيئة الجديدة، فهو يستوعب المتغيرات التي تستجد، حسب رؤية صاحب القرار، ويكون التأثير على المصالح الأمنية للدول الأعضاء هو أساس الدفاع.
2. يحدد المفهوم الجديد، التهديدات الجديدة، للمصالح الأمنية، لدول الحلف في:
أ. انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ب. الإرهاب الدولي.
ج. انقطاع وصول الموارد الحيوية.
د. نشوء أزمات إقليمية قابلة للتطور السريع في المناطق المحيطة بدول الحلف.
هـ. انتهاك حقوق الإنسان.
و. التهديد باستخدام القوة المسلحة أو قيام دولة ما باستخدامها فعلاً ضد أراضي أي دولة أخرى.
3. يبدأ الحلف مرحلة جديدة في تاريخه، يكون له فيها المبادرة بشن الهجوم، ضد الطرف (أو الأطراف) الذي ترى القيادة السياسية للحلف خطورته على مصالح دول الحلف.
رابعاً: التجديد في البنيان العسكري:
الحلف في تنظيمه، تدريجياً، خلال السنوات التي تلت انهيار الكتلة الشرقية، ليكيف أجهزته بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة. وكان التغيير الأكبر في الهيكل العسكري للحلف. (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992) و(شكل هيئة أركان الحلف الدولية) و(شكل أقسام هيئة الأركان الدولية) و(شكل اللجان الرئيسية للمجلس) و(شكل الهيكل التنظيمي العسكري 1992) و(شكل هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992) و(ملحق القيادة العسكرية والقوات لحلف الناتو (التقليدية والنووية)).
أصبحت السمة الجديدة للقوات المسلحة بالحلف، هو الاعتماد على الجنسيات المتعددة، وقد أقر رؤساء الدول والحكومات الأوروبية ذلك الاتجاه، في اجتماعهم في روما (7 ـ 8 نوفمبر 1991)، وأصبحت الظاهرة الرئيسية، لتطور قوات الحلف.
منذ الخمسينيات، كانت القوات المتحالفة في وسط أوروبا (AFCENT) مكونة من ثمانية فيالق، من دول مختلفة، كل فيلق ذو جنسية واحدة. وشكلت جيوش ميدانية من تلك الفيالق، روعيّ أن تكون ثنائية الجنسية. تشكلت مجموعة جيوش الشمال من 4 فيالق من دول بلجيكا والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا الغربية (كل فيلقين في جيش)، ومجموعة الجيوش المركزية من 4 فيالق كذلك، من دول الولايات المتحدة (فيلقان) وألمانيا الغربية (فيلقان). لذلك كان كل فيلق، يختلف عن نظيره من الجنسيات الأخرى، في التشكيل والتنظيم، وعدد الأسلحة، ونوع المركبات، وحجم قواته، وأسلوب إعاشته، وأسلوب تدريبه، وأسلوب قتاله كذلك. ولم يشكل ذلك انخفاضاً للكفاءة القتالية، إذ كان كل فيلق، يتولى توفير احتياجاته الإدارية والفنية، من دولته، لذلك أمكن لقيادة قوات التحالف في وسط أوروبا الاحتفاظ بكفاءة قواتها القتالية، عالية.
بتغير طبيعة التهديد، قل الاعتماد على نشر قوات كبيرة الحجم في مسارح العمليات لوسط أوروبا، في الخطوط الأمامية. واستبدل ذلك الأسلوب استخدام قوات سريعة الحركة (قوات الرد السريع)، وانخفضت أعداد القوات في وسط أوروبا من 28 فرقة إلى 16 فرقة، مشكلة في سبعة فيالق بالاعتماد على الفيالق المتعددة الجنسيات، على أن تكون العناصر الأساسية لقيادة الفيلق من دولة واحدة، هي نفسها دولة قائد الفيلق. (أُنظر شكل تنظيم التحالف بوسط أوروبا)
أقترح وزراء دفاع دول حلف الناتو، في اجتماعهم في 28 ـ 29 مايو 1991 إنشاء قوة تدخل سريع، يمكنها التعامل مع الأخطار التي قد يواجهها الحلف، سواء من جانب دول أوروبا الشرقية، أو من الشرق الأوسط. وفي 7 ـ 8 نوفمبر 1991، وافق رؤساء الدول والحكومات على المقترح. كان المقترح يحدد تشكيل الفيلق (فيلق الرد السريعARRC ) من أربع فرق، اثنان بريطانية الجنسية، وواحدة متعددة الجنسيات من وسط أوروبا، والأخيرة متعددة الجنسيات من جنوب أوروبا، وتشكل القيادة من المملكة المتحدة (القوة الأكبر في التشكيل) وتوفر الولايات المتحدة المساندة الجوية في منطقة التدخل التي يكلف الفيلق بالعمل فيها (أُنظر شكل تنظيم التحالف بوسط أوروبا)
خامساً: العلاقات مع المنظمات الأوروبية الأخرى:
1. العلاقة مع اتحاد أوروبا الغربية: :
كانت قمة “ماستريخت (9 – 10 ديسمبر 1991) Maastricht European Council”، ميلاداً جديداً لاتحاد أوروبا الغربية، إذ تحدد فيها العلاقة القانونية بين الاتحاد الأوروبي، واتحاد أوروبا الغربية، وحلف شمال الأطلسي. وصدر في نهاية اجتماع المجلس الأوروبي إعلاناً يحدد:
أ. دور الاتحاد، وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حيث وافقت دول الاتحاد الأوروبي على إسناد مهمة الدفاع والأمن، لاتحاد أوروبا الغربية.
ب. تطوير العلاقة مع منظمة حلف شمال الأطلسي، ليعتبر اتحاد أوروبا الغربية الإطار الدفاعي لأوروبا، في حالة انتهاء حلف الأطلسي وحله.
ج. نقل مقر الاتحاد من بروكسل إلى لندن.
د. ضرورة دعم الجهاز التنفيذي للاتحاد، وإنشاء وحدة تخطيط وتجهيز وحدات عسكرية، داخل كل دولة، تخصص لتنفيذ مهام الاتحاد.
على الجانب الآخر، رحب مجلس شمال الأطلسي في الاجتماع الوزاري، الذي عقد في ديسمبر 1994، بهذا الإعلان، ودعا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، للانضمام إلى اتحاد أوروبا الغربية، الذي تقرر فيه توسيع الاتحاد، حيث التحقت كل من أيسلندا والنرويج وتركيا ” كأعضاء مشاركينAssociated Members”، وحصلت اليونان على العضوية الكاملة ـ أما الدانمارك وأيسلندا فقد انضمتا بصفة مراقبين “Observers “، وقد انضمت إليه بعد ذلك عام 1995 كل من فنلندا والسويد والنمسا بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. أما دول أوروبا الشرقية فقد سمح لها بالانضمام بصفة ” شريك منضمAssociate Partner”
عقد أول اجتماع رسمي ببروكسل بمقر الحلف، لاتحاد أوروبا الغربية مع مجلس الحلف، في مايو 1995 من أجل مناقشة العلاقة، وإنشاء الروابط المؤسسية بينهما. ترتب علي ذلك الحضور المنتظم لسكرتير عام اتحاد أوروبا الغربية، للاجتماعات الوزارية لمجلس الحلف، وبالمثل يحضر كذلك سكرتير عام الحلف، الاجتماعات الوزارية لاتحاد أوروبا الغربية.
كانت قمة رؤساء دول وحكومات الحلف، ببروكسل، في يناير 1994، نقطة تحول هامة على طريق الاتفاق الأمريكي الأوروبي، لتنشيط دور اتحاد أوروبا الغربية وزيادة فاعليته، واعتباره المكون الأوروبي للحلف، وقد جاء بإعلان الحلف في تلك القمة:
أهمية بلورة منظور دفاعي أوروبي، يتلاءم مع الحلف، ويمكن الأعضاء الأوروبيين من تحمل مزيد من المسؤوليات تجاه أمنهم. والتأكيد على استعداد الحلف لوضع بنيته الأساسية تحت تصرف اتحاد أوروبا الغربية، وبصفة خاصة “قوة العمل المشتركة المجمعة ـCombined & Joint Task Force (CJTF) ” التي يتم تشكيلها، لتكون مستعدة للاستخدام من قبل كل من اتحاد أوروبا الغربية والحلف.
جدد بيان قمة الحلف، بمدريد، في يوليه 1997، تأييده لتطوير الهوية الأمنية الدفاعية الأوروبية داخل الحلف، وتنفيذ مفهوم ” قوة العمل المشتركة المجمعة ـCJTF “. وقد شارك الاتحاد عملياً بفاعلية في أحداث البوسنة، إذ أشترك مع الحلف في الحظر البحري في الإدرياتيك (العملية Sharp Guard)، كما شارك في قوة البوليس التي تتولى إدارة مدينة موستار “Mostar” جنوب البوسنة والهرسك.
2. العلاقة مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي OSCE:
جاء إعلان هلسنكي عام 1975 ليعلن قيام المنظمة، بعضوية 35 دولة، والتي هدفت إلى:
أ. المساواة في السيادة، والاحترام المتبادل للحقوق السيادية لكل دولة.
ب. الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
ج. احترام الحدود الدولية.
د. حل المنازعات بالوسائل السلمية.
صدر في عام 1995 “ميثاق باريس لأوروبا الموحدة”. ووافقت الدول الأعضاء في المنظمة على إنشاء العديد من الأجهزة، التي تدير نشاط المنظمة، وتحولت بذلك من مؤتمر للتشاور بين الدول الأوروبية، إلى كيان مؤسسي. توسعت عضوية المنظمة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين لتصل عضوية المنظمة إلى 54 دولة أوروبية، ومراقبين هما: اليابان وكوريا الجنوبية، وخمس دول متوسطية غير أعضاء هي: مصر ـ تونس ـ الجزائر ـ المغرب ـ موريتانيا.
أتفق على أن يتشاور الحلف، ويتعاون كذلك، مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مجالات:
أ. معالجة الأزمات في أوروبا الشرقية، ودول الكومنولث المستقلة، والبلقان.
ب. إرساء أسس ومبادئ الأمن والاستقرار في أوروبا.
ج. إمكان مشاركة الناتو (كمنظمة ذات هيكل وبناء عسكري) في عمليات حفظ السلام، لتعزيز مهام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
تقدم منظمة الأمن والتعاون، المعونة الاقتصادية والمشورة الفنية، لدول شرق أوروبا، بهدف تضييق الفجوة التقنية، ودفع عجلة التقدم والتنمية، لتلك الدول، لاحتوائها وربطها بغرب أوروبا.
ظلت مشكلة تحديد وتنسيق العلاقة بين المنظمات الثلاث وهي: الحلف واتحاد غرب أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، مسألة غير محسومة، نتج عنها خلافات في الرؤية، بين حدود المهام والصلاحيات لكل منهم، وقد أدارت كل منظمة، عملية التطوير وفقاً لرؤيتها الخاصة، ولما كانت مهامها متشابهة إلى حد كبير، فيما يتصل بالحفاظ على الاستقرار الأوروبي، ويمكن من خلالها دعم عمليات التحول في شرق ووسط أوروبا، فقد وضح أن هناك تضارب وتناقض أحياناً.
3. مجلس تعاون شمال الأطلسي:
جاء إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي في 20 ديسمبر 1991، كخطوة لإيجاد علاقة رسمية بين الحلف ودول شرق ووسط أوروبا، وبدا التوجه خلال قمة لندن في 6 يوليه عام 1990 بدعوة حكومات الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا، والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا، لإقامة علاقات دبلوماسية منتظمة مع الحلف. وفي باريس، في 19 نوفمبر من نفس العام، وقع الحلفاء مع هذه الدول إعلاناً مشتركاً، أكد على أنهم لم يعودوا يعتبرون بعضهم البعض كأعداء. وبحث في اجتماع وزراء خارجية دول الحلف بكوبنهاجن (6 ـ 7 يونيه 1991)، قضايا تطوير العلاقات مع دول الشرق
. وعندما اجتمع رؤساء دول وحكومات أعضاء الحلف بروما (7 ـ 8 نوفمبر 1991) “عرضوا إقامة روابط رسمية، مع دول شرق أوروبا، التي كانت أعضاء في حلف وارسو سابقاً. واقترحوا إقامة مجلس تعاون يضم في عضويته 25 دولة هي كل الدول الأعضاء في حلف الناتو (16 دولة)، إضافة إلى الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو (6 دول)، ودول جمهوريات البلطيق الثلاث، تحت مسمىّ “مجلس تعاون شمال الأطلسي”. وأتفق على استمرار إجراء اجتماعات واتصالات دورية مع مجلس شمال الأطلسي، واللجنة ا لعسكرية للحلف، ولجان أخرى في الحلف، حيث هدفت دول الحلف من ذلك خلق شبكة من العلاقات، تمكنها من دعم جهود التحول في الشرق، وحفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، عبر العمل تحت مظلة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي.
كانت صيغة مجلس تعاون شمال الأطلسي North Atlantic Cooperation Council NACC هي الصيغة التي جرى استحداثها لتجرى تحت مظلتها هذه الاتصالات، وقد عقد المجلس اجتماعه التأسيسي في 20 ديسمبر عام 1991 بمشاركة 25 دولة. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، توسعت عضوية المجلس لتشمل: 8 دول من الاتحاد السوفيتي السابق. وكذلك انضمت جورجيا وألبانيا في اجتماع 5 يونيه 1992. بأوسلو، وشاركت فنلندا بصفة مراقب. كما اتفق على أن يعقد المجلس اجتماعاً سنوياً دورياً، واجتماعات أخرى كلما دعت الحاجة، وقد تركز نشاط المجلس، في القضايا السياسية والأمنية، التي رأت دول الحلف أنها ضرورية لحفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، ودعم عمليات التحول في دول شرق ووسط أوروبا، والتي شملت:
أ. هياكل القوة والقيادة.
ب. المفاهيم الديموقراطية للعلاقات المدنية والعسكرية.
ج. التنسيق المدني/ العسكري لإدارة النقل الجوي.
د. تحويل الإنتاج العسكري للأغراض المدنية.
هـ. المشاركة في مهام حفظ السلام.
سادساً: الدور الأمريكي في مرحلة التجديد:
عبر الرئيس الأمريكي جورج بوش، عن الدور الذي يتوقع أن تقوم به بلاده، في تلك المرحلة بقوله، أن هناك حاجة لاستمرار الولايات المتحدة في الاحتفاظ بدور رئيسي أمني في أوروبا. وأن الوجود الأمريكي القوي في أوروبا لن يعطل طموحات التكامل الأوروبي، بل أن بلاده تؤيد ذلك التكامل إلى حد إقامة اتحاد سياسي والوصول إلى هوية دفاعية أوروبية.
كذلك تمسك الرئيس بوش باستمرار حلف شمال الأطلسي، ولا بديل لذلك، ومن خلاله سيستمر إسهام الولايات المتحدة في الدفاع (وغيره من المجالات) في أوروبا، وحتى بعد التوصل إلى ترتيبات مستقبلية، وإقامة اتحاد أوروبي.
كانت النظرة الأمريكية للتعاون والتقارب في الجانب الأوروبي لشمال الأطلسي، لا تعني انتهاء الدور الأمريكي بالقارة الأمريكية، وإنما يمكن أن يتم التعاون والتقارب بالتوازي مع تطوير حلف الناتو، ليتعاونا معاً في مواجهة التحديات المستقبلية، والتي لم يفصح عنها أحد في تلك الآونة.
كان الأوروبيون يشعرون بحاجتهم لوجود القوات الأمريكية، على قارتهم. فبعد 40 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان في أوروبا أكثر من 300 ألف جندي أمريكي، وعدة آلاف من الدبابات والطائرات الأحدث في العالم. كما كانت قوة الردع للحلف تعتمد على الصواريخ المتوسطة المدى الأمريكية، المقامة في قواعد في أنحاء أوروبا الغربية. بل أن ذلك الواقع انعكس على اهتمام دول غرب أوروبا بتحديث قواتهم البرية سلباً، وهو ما يعني استمرارهم في الاعتماد على القوة النووية الأمريكية في أوروبا.
سابعاً: تأثير المشكلات المعاصرة على الحلف:
1. الحلف وحرب الخليج الثانية:
نَبّه الغزو العراقي للكويت (2 أغسطس 1990) الولايات المتحدة ودول الحلف الأخرى، للأخطار التي يمكن أن تمثل تهديدات جديدة لمصالحهم خارج النطاق الجغرافي لعمل حلف الأطلسي في أوروبا الغربية، وكان ذلك بداية التفكير في ضرورة توسيع نطاق عمل الحلف.
رغم اتفاق دول الحلف على إدانة العدوان العراقي، إلا أنهم اختلفوا في كيفية التعامل مع الأزمة. كان الحدث خارج نطاق عمل الحلف، ولكنه يمس مصلحة حيوية لدوله، ويتطلب تدخل لحماية تلك المصلحة.
طالب الجميع بسرعة سحب القوات العراقية الغازية من الكويت. عدا بريطانيا التي تطابق موقفها مع الولايات المتحدة، الذي ينادى بالعمل العسكري ضد العراق. حرصت دول الحلف الأوروبية (فرنسا – إيطاليا ـ ألمانيا) على تجنب الخيار العسكري، (وهو ما أكده قرار البرلمان الأوروبي برفض العمل العسكري وضرورة إتاحة الفرصة أمام العقوبات الاقتصادية، التي اتخذتها الأمم المتحدة). غير أن بريطانيا والولايات المتحدة طالبوا باستخدام القوة لإجبار القوات العراقية على الانسحاب وتوقيع عقاب صارم وقاسي عليها، لإرهاب دول المنطقة والعالم، والتنبيه لرد الفعل الذي سيلاقونه في ظل النظام الجديد الذي بدأت تظهر بوادره.
انضم عدد من دول حلف الأطلسي للمشاركة في العمل العسكري تحت مظلة الأمم المتحدة، بينما اكتفي البعض الآخر بمساعدات، اختلفت كذلك، ما بين مساندة كاملة بالقوات، أو دعم بمعدات أو وحدات غير مقاتلة (طبية أو إدارية أو فنية)، أو مشاركة في التكلفة، أو اكتفاء ببيان. وقد وضح من ذلك اختلاف وجهات نظر دول الحلف، واتجاه بعضها للعمل خارج الحلف، بينما ساندت دول أخرى، الدول المشاركة من الحلف في العمل العسكري، في إطار ميثاق الحلف. ففرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، من منظور مصلحتيهما الكبيرة في العراق، حاولتا تجنب اللجوء للخيار العسكري في البداية، وتمسكت ألمانيا بنصوص دستورها، الذي يحظر إرسال قوات ألمانية للقتال في الخارج، إلا في إطار معاهدة حلف الأطلسي، لذلك زادت مشاركتها في تكاليف الحشد العسكري. وأرسلت ألمانيا وبلجيكا طائرات إلى تركيا، دفاعاً عنها، واشترطت عدم مشاركة طائراتهما في العمليات الهجومية، وذلك في إطار مبدأ الدفاع الجماعي بموجب معاهدة الحلف، أما فرنسا فبالرغم من مواقفها المبدئية في معارضة العمل العسكري، إلا أنها لحقت بالركب خشية تهميشها، وأرسلت هي وبريطانيا وإيطاليا قوات برية وجوية وبحرية إلى الخليج للمشاركة في الحرب، ورغم اشتراط فرنسا عدم مشاركة قواتها في مهاجمة العراق، إلا أنها سرعان ما نحت هذا الشرط جانباً.
شارك العديد من دول الحلف بشكل أو آخر في العمل ضد العراق، إلا أن ذلك لم يكن تحت مظلة الحلف، وإنما بشكل فردي، طبقاً للظروف الذاتية لكل دولة، عدا ألمانيا وبلجيكا اللتين شاركتا في الدفاع عن تركيا في إطار الحلف. كما شاركت بعض دول الحلف بطريقة غير مباشرة من خلال استخدام الولايات المتحدة القواعد الجوية والبرية بأراضيهم، في غرب وجنوب أوروبا.
أوضحت حرب الخليج الثانية ضرورة تكييف هياكل وعقائد الحلف، لكي يتمكن من التعامل مع الأزمات المشابهة، في ظل عالم ما بعد الحرب الباردة، بالعمل خارج نطاق عمل الحلف في أوروبا الغربية، كما أبرزت هذه الحرب كذلك ضرورة أن يعقد الحلف اتفاقيات أمنية مع بعض دول منطقة الشرق الأوسط المحورية، توفر لها التسهيلات العسكرية اللازمة، وهو الأمر الذي أدى إلى طرح الحلف، بعد ذلك، لمستوى معين من العلاقات (الشراكة)، مع بعض دول المنطقة، خاصة جنوب المتوسط، والتي يمكن أن تكون ذات نفع للحلف، في أزمات مشابهة.
2. حلف الناتو، والأزمة في البوسنة والهرسك:
تختلف أزمة البوسنة والهرسك، عن أزمة الغزو العراقي للكويت (حرب الخليج الثانية)، بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، في كون الأولى في نطاق عمل الحلف في أوروبا، وهو ما يجعل لتلك الأزمة أهمية أكبر، تطبيقاً لما سنه الحلف، من تحديد لنطاق عمله في وسط وشرق أوروبا. وتحقق تلك الأزمة، ظن قادة الحلف، بتحسبهم للقلاقل الداخلية بالدول الأوروبية، أو تلك القريبة منها ـ رغم أنها قلاقل داخلية.
لم يتدخل الحلف في البوسنة والهرسك، في البدء، تاركاً القوات الأوروبية فقط، لتحاول حل الأزمة وإنهائها، وهو ما يحقق للأوروبيين وجهة نظرهم في الاستقلال عن الولايات المتحدة، فيما يخص قارتهم، وكذلك يحقق وجهة نظر الأمريكيون، التي حرصوا على أن تتضح عملياً، بفشل الأوروبيين في الاعتماد على قوتهم الذاتية، وهو ما حدث بالفعل، رغم أن القوات الأوروبية كانت تعمل في إطار منظمتي مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي (CSCE)، واتحاد أوروبا الغربية (WEU) الأوروبيتين.
في مؤتمر أوسلو (4 يونيه 1992)، أعلن مجلس الحلف استعداده لدعم عمليات حفظ السلام في البوسنة، تحت إشراف منظمة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، كما بدأ اعتباراً من يوليه 1992، التعاون مع اتحاد أوروبا الغربية في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد الصرب، بمراقبة الملاحة في البحر الأدرياتيكي، ومنع المواد ذات الصبغة (أو الفائدة) العسكرية إليها. وجاء قرار مجلس الأمن في نهاية 1992، بالموافقة على استخدام الحلف لقواته، وبالتعاون مع قوات اتحاد غرب أوروبا في فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن بالقوة في البحر الأدرياتيكي، ليضيف شرعية، كانت لازمة لتدخل الحلف. وقد بدء الحلف في التخطيط للتدخل العسكري في البوسنة بعد موافقة وزراء الخارجية على دعم عمليات حفظ السلام في المنطقة.
اشترك الحلف بطائراته كذلك في فرض حصار جوي، في الشهور الأولى من عام 1993، كما أمدت طائرات الحلف، البوسنة، بمواد الإغاثة الضرورية، ووفرت حماية جوية لقوات الحلف، التي كانت تسيطر على المناطق الآمنة في البوسنة، طبقاً لخطة الأمم المتحدة.
أجاز مجلس الحلف اشتراك طائرات الحلف في أعمال قتال جوية، وقصف جوي ضد أهداف حربية عسكرية، بدأت في فبراير 1994وبتوقيع اتفاق “دايتون” شكل حلف الناتو قوات لتطبيق الاتفاق، من 14 دولة بالحلف، إضافة إلى 4 دول أوروبية من خارج الحلف.
أوضحت أزمة البوسنة، للمرة الثانية، بعد حرب الخليج الثانية، ضرورة تطوير هياكل الحلف وعقائده وآلياته، للتكيف مع البيئة الدولية، في مناخها الجديد، خاصة بعد الخلاف الذي كاد أن يطيح بالجهود التي بذلت للسيطرة على الموقف من قبل الحلف، إذ اعترضت القوات الدولية (التابعة للأمم المتحدة) على التدخل المنفرد للأمريكيين وفرضهم آراءهم وكادت الولايات المتحدة أن توقف تدخلها العسكري.
——————————————————————————–
وقعت دول الكوميكون، بروتوكولاً في 28 يونيه 1991، في بودابست لإنهاؤه، ثم وقع بروتوكول آخر في 1 يونيه 1991 لإنهاء حلف وارسو، وفي 31 يناير 1992، أعلن حل الاتحاد السوفيتي وإحلال روسيا الاتحادية بدلاً منه، في مسؤولياته الدولية.
يعني ذلك أن تقلل الولايات المتحدة من مسؤولياتها، والتكاليف التي تتحملها.
اتحاد غرب أوروبا: 1. وقعت اتفاقيته عام 1948 ببروكسل (بلجيكا – فرنسا – لوكسمبرج – هولندا – المملكة المتحدة)، انضمت إليه بعد ذلك كل من إيطاليا وألمانيا عام 1954، وفي عام 1988 انضمت كل من أسبانيا والبرتغال، ثم انضمت ليونان عام 1992. 2. أهدافه: أ. إرساء أسس قوية لدعم اقتصاد دول أوروبا الغربية. ب. توفير المساعدة والمساندة لمقاومة أي سياسة عدائية. ج. تشجيع الوحدة والعمل على الوصول للاندماج الأوروبي. 3. شهدت الفترة من 1973 إلى 1984 انخفاضا ملحوظا في نشاطه حتى صدر إعلان روما في أكتوبر 1984 الذي حدد هدفه في `تعريف الأمن الأوروبي والتدرج في التوفيق بين السياسة الدفاعية للدول الأعضاء.
يعتمد اتحاد أوروبا الغربية، على الهيكل العسكري للناتو، ويتم التعاون بينهما بشكل كامل خاصة فيما يتعلق بالمعلومات والتنسيق العسكري، وتعمل كلتا المنظمتين في تعاون وثيق للحفاظ على الأمن والسلم في أوروبا، فضلا عن أن عضوية اتحاد غرب أوروبا ترتبط بعضوية الدولة في الناتو.
أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش George H.W.Bush عن استعداده لتجاوز مرحلة احتواء الشيوعية وتبني سياسة تهدف إلى ضم الاتحاد السوفيتي للمجتمع الدولي، وأنه يشارك دول الحلف في الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
أسقطت طائرات حلف الناتو أربع طائرات عسكرية حربية، انتهكت مناطق الحظر الجوي.
المبحث السادس
توسيع حلف شمال الأطلسي (1994 ـ 1999)
أولاً: الشراكة من أجل السلام:
طرحت الفكرة من جانب الولايات المتحدة في الاجتماع الوزاري لدول الحلف عام 1993. ثم طرح الموضوع في اجتماع مجلس شمال الأطلسي ببروكسل في يناير 1994، كمبادرة من الحلف، في إطار السعي إلى تنمية الثقة ودعم جهود التعاون مع دول شرق أوروبا، من أجل تحقيق الأمن الأوروبي، استكمالا لقرارات قمتي لندن (مايو1990) وروما (نوفمبر 1991) اللتين بحثتا التكيف مع التحولات المترتبة على انتهاء الحرب الباردة، والتي تم في إطارها إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي، باعتباره منتدى للحوار والتعاون، بين الحلف ودول شرق ووسط أوروبا، التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفيتي (السابق).
أكد برنامج الشراكة على ضرورة تعميق التعاون الوظيفي بين الناتو والدول الأعضاء، كما حدد الدول التي يمكنها الالتحاق، به من دول مجلس تعاون شمال الأطلسي، وأعضاء مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
وقد تحددت أهداف البرنامج كما يلي:
1. الوضوح في تخطيط الدفاع الوطني والميزانيات العسكرية.
2. تأكيد السيطرة المدنية على القوات المسلحة.
3. المساهمة في الأعمال التي تجرى بموافقة الأمم المتحدة، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
4. تطوير علاقات التعاون بين الدول المشاركة، وحلف شمال الأطلسي، بهدف التخطيط المشترك، والتدريبات الرامية إلى القيام بمهام حفظ السلام، والعمليات الإنسانية الأخرى التي يجرى الاتفاق عليها.
5. تطوير وتأهيل القوات على المدى البعيد، لتكون قادرة على العمل مع قوات الحلف.
6. التشاور مع الحلف، للمشاركة الفعالة لمواجهة التهديدات المباشرة، للوحدة الإقليمية، أو الاستقلال السياسي، أو الأمن الوطني لهذه الدول.
ولتحقيق هذه الأهداف، تم الاتفاق على أن يكون للشركاء، ممثلين لهم في مركز قيادة الحلف، لتكوين جهاز المشاركة والتعاون، للتنسيق مع القيادة العليا للقوات المتحالفة (SHAPE).
للانضمام لبرنامج الشراكة، كان على الدول الراغبة التوقيع على وثيقة تؤكد على:
1. التعهد بالحفاظ على المجتمعات الديموقراطية، ومبادئ القانون الدولي.
2. الوفاء بالالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
3. الامتناع عن استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها، ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
4. احترام الحدود القائمة، وحل المنازعات بالوسائل السلمية.
5. التعهد بالالتزام بإعلان هلسنكي الأخير، وكل وثائق مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
6. العمل على تنفيذ التعهدات والالتزامات، التي سبق التعهد بها في مجال ضبط ونزع التسلح.
بدأ الانضمام إلى البرنامج بتوقيع الوثيقة على أساس فردي وتقديمها إلى الحلف. على أن تحدد الدولة الراغبة في الالتحاق بالبرنامج، في هذه الوثيقة، مدى وحدود المشاركة في الأنشطة المختلفة، مثل التخطيط المشترك، التدريبات والمناورات. وحددت الوثيقة الخطوات التي تتخذ من قبل كل شريك لتحقيق أهداف المشاركة السياسية، وكذلك القواعد العسكرية، أو أي تسهيلات أخرى يمكن أن يوفرها الشركاء لأنشطة المشاركة المختلفة، بحيث تكون أساسا للبرنامج الثنائي للشراكة الذي تجرى الموافقة عليه بين الشريك والحلف. للقيام بالمهام الجديدة أنشئ العديد من اللجان، منها “لجنة التوجيه السياسي والعسكري ـ Political & Military Steering Committee ” كمنتدى للتشاور يعقد اجتماعاته برئاسة نائب الأمين العام للحلف، في أشكال مختلفة، تشمل اجتماعات الحلفاء مع الشركاء على أساس فردى لفحص واختبار البرامج الفردية للشراكة، والاجتماع مع أعضاء مجلس تعاون شمال الأطلسي والشراكة من أجل السلام، وأيضا لتحديد القضايا المشتركة. كما أُنشئت لجنة مشتركة لمتابعة انتشار الأسلحة، وتقديم تقارير إلى مجلس شمال الأطلسي. وبموجب هذا البرنامج وجهت الدعوة للدول الأعضاء لإرسال بعثات دائمة إلى الحلف، ووحدة تنسيق شراكة منفصلة في “مونز ـ Mons” ببلجيكا (بالقرب من القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا). (أُنظر ملحق تكوين ومهام المجالس واللجان الرئيسية لحلف الناتو (1998))
تخضع وحدة تنسيق الشراكة، لسلطة مجلس شمال الأطلسي، وتعمل على تنسيق الأنشطة العسكرية، في إطار البرامج المتفق عليها، وتنفيذ التخطيط العسكري اللازم لتطبيق هذه البرامج. بنهاية عام 1995، وصل عدد دول برنامج المشاركة من أجل السلام إلى 27 دولة، ورغم أن الشراكة من أجل السلام، نشأت داخل إطار مجلس تعاون شمال الأطلسي، إلا أن العلاقة بينهما ظلت غير واضحة، وأدى بدء برنامج الشراكة، إلى تقلص الاهتمام بمجلس تعاون شمال الأطلسي، لاسيما بعد اعتبار الالتحاق بالشراكة ضرورة للحصول على عضوية الحلف. (أُنظر جدول الدول الأعضاء في برنامج الشراكة من أجل السلام)
يركز اهتمام مجلس تعاون شمال الأطلسي على القضايا السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والبيئية، والمعلوماتية. بينما يركز برنامج الشراكة على القضايا الأمنية، والعسكرية، من تخطيط وتدريبات مشتركة، وعمليات حفظ السلام. واتجه الحلف إلى ضم بعض دول الشراكة على مراحل، كما أتفق على عدم ضم دول أخرى (روسيا). كما اتجه الحلف إلى زيادة فاعلية الشراكة مع تلك البلدان المشاركة، باستحداث هيكل إداري جديد، يحل محل مجلس تعاون شمال الأطلسي، وهو ما أطلق عليه “الشراكة زائد – PFP Plus “، بحيث يبدو الحلف مفتوحا بشكل رسمي ولكنه مغلق أمام هذه الدول بشكل واقعي. (أُنظر جدول عضوية الدول في المنظمات والبرامج المختلفة)
ثانياً: توسيع حلف الناتو:
بانتهاء الحرب الباردة، لم تعد الأسس الاستراتيجية التي قام عليها حلف الناتو، ذات فاعلية، بل انهارت بانهيار حلف وارسو، وتفكك الاتحاد السوفيتي. وكان من المفترض، طبقاً للمنطق، إعلان انتهاء حلف الناتو كذلك، باختفاء العدو الذي أنشئ لمواجهته، إلا أن دول الحلف، بزعامة الولايات المتحدة، رأت البقاء في الحلف، مع تغيير توجهاته الاستراتيجية، والاستناد إلى أسس جديدة، تستوجب استمرار الحلف، بل وتوسيعه كذلك.
ثار جدل واسع نحو تلك السياسة، بعد تلاشي التهديد الرئيسي، واختلفت وجهات النظر، والتي شملت ثلاث اتجاهات، بين مؤيد لحل حلف الناتو، أو مناصر لبقائه، أو مطالب بتأجيل كل ذلك لفترة، ولكل اتجاه حججه وأسانيده، التي يرتكز عليها، وهي:
1. أسانيد مؤيدي توسيع الحلف
أ. أن يحقق الاستجابة لطلبات العضوية، التي تقدم بها عديد من دول وسط وشرق أوروبا، اتساع المنطقة التي يسيطر عليها الحلف.
ب. يدعم التوسيع، الأمن والسلام الدوليين، ويقلل من مخاطر نشوب الحرب في أوروبا، بتقويته لدعائم الاستقرار في دول وسط وشرق أوروبا. كما يتفادى نشوء فراغ أمني، أو حدوث صدام جديد بين الشرق والغرب، فضلاً عن منعه تغلب الطابع القومي، على الطابع الدولي.
ج. إمكان تقديم المساعدة، لدول شرق ووسط أوروبا، لتحقيق الإصلاحات الداخلية، في فترة التحول من الاتجاه الشمولي السابق، إلى الاتجاه الديمقراطي. وتحسين العلاقات بين تلك الدول، مما يقلل من خطر الصراع العسكري فيما بينها، كما يضمن العائد الاقتصادي لدول الناتو.
د. ازدياد فرص استمرار وفاعلية الحلف، وزيادة تأثيره على المستويين الاقتصادي والدولي كذلك.
هـ. استغلال فرصة انهيار الاتحاد السوفيتي، وانشغال روسيا الاتحادية، بأزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الطاحنة، لحرمانها من حلفائها التقليديين، مع ضمان إبعاد هذه الدول، عن الهيمنة الروسية بعد ذلك.
2. أسانيد المعارضون للتوسع في عضوية الحلف
أ. لا يوجد تهديد حقيقي، من دول وسط وشرق أوروبا، يستوجب توسيع الحلف، والذي ستزيد أعباؤه الأمنية والدفاعية نتيجة التوسع، دون داع.
ب. قبول بعض الدول دون البعض الآخر، في عضوية الحلف، سيضعف التيارات الإصلاحية في هذه الدول، ويزيد من حدة التوتر في المنطقة، وربما يؤدي إلى ظهور تكتلات أخرى ضد الناتو والمصالح الغربية.
ج. اتجاه الناتو إلى تخفيض ميزانيته الدفاعية (1994) يتطلب عدم التوسع في الالتزامات الأمنية للحلف، بل يلزم خفضها.
د. قد يؤدي التوسع، إلى عدم التجانس والتماسك، وعدم القدرة على تحقيق الإجماع المطلوب داخل الحلف.
هـ. الوضع الاقتصادي لأوروبا الشرقية، متردي، ولا يسمح لها بمزيد من الأعباء، ومن المنتظر عدم وفائها بالالتزامات التي سيحددها الحلف لها، مما يزيد من العبء على دول غرب أوروبا، الغير مستعدة لتحمله.
و. سيؤدي استيعاب عدد كبير من الأعضاء الجدد، إلى فقدان الحلف لشخصيته المميزة (لم يقبل الحلف خلال أكثر من 46 عاماً، إلا أربعة أعضاء جدد فقط). إذ يتطلب ضم عدد كبير من الدول، في فترة وجيزة، إجراء تغيرات واسعة في الهيكل العسكري للحلف، وهو ما سيكون له آثار سلبية خطيرة.
ز. يجب أن يضع الحلف، في اعتباره، رفض روسيا ومعارضتها لضم حلفائها السابقين (التقليديين) إلى الحلف، وهو ما سيؤثر على تماسك الحلف ومصداقيته، إذ يؤدي إلى تنامي الحلف بصورة أكبر وأقوى، ربما تزيد من عزلة روسيا دولياً، وهو ما لن تقبله.
3. أسانيد المطالبون بتأجيل التوسع في عضوية الحلف
أ. يحتاج حلف الناتو، لوقت أكبر، لحل أزمة يوغسلافيا، وضمان تحقيق الاستقرار في وسط أوروبا، قبل أن يوسع من عضويته، وللتأكد من صدق نوايا الدول الراغبة في الانضمام إليه.
ب. تحتاج سياسة التقارب والصداقة مع روسيا الاتحادية، إلى وقت أطول، لاختبار النوايا والتأكد منها، وللوقوف على توجهاتها المقبلة.
ج. يحتاج الحلف لمزيد من الدراسات والمناقشات، لذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت، لاختيار وانتقاء الدول المرشحة للاشتراك في عضوية الحلف، وتحديد كيفية إجراء التوسيع.
د. معظم دول وسط وشرق أوروبا، مازالت في حالة عدم استقرار (1994)، وتحتاج إلى فترة زمنية أكبر، لتحقيق الاستقرار، وإعادة بناء هيكلها السياسي على أسس ديموقراطية.
على الجانب الآخر، كانت روسيا الاتحادية مصرة على عدم الانضمام إلى حلف الناتو، وإن كانت لا ترى مانعاً في التشاور معه، أو التعاون معه أحياناً، لأسباب عدة، أهمها:
1. لا ترغب روسيا، في أن تتساوى (من خلال العضوية بالحلف)، مع دول صغرى، أو متوسطة، كانت إلى عهد قريب، تحت قيادتها، وداخل دائرة نفوذها.
2. مازالت روسيا تمتلك قوة نووية ذات فاعلية، لذلك فهي لا تريد أن تصبح مجرد شريك، بل تطمع في الندية في التعامل، وعلى قدم المساواة مع الدول الكبرى بالحلف (الولايات المتحدة الأمريكية).
3. تأكيد المجموعات والتكتلات السياسية، داخل روسيا، وفي برلمانها، على ضرورة أن يحقق الانضمام للحلف، وضع متغير منفرد لروسيا، وأن أي تنازلات تعتبر خيانة وطنية كبرى.
4. يخشى القادة الروس، معاملة الدولة الروسية، كعضو مهزوم، أو خاضع، وهو أمر غير مقبول.
5. لا تثق القيادة السياسية الروسية، في مصداقية الدعوة للانضمام إلى حلف، كان خصماً بالأمس.
إضافة إلى ذلك، كانت القيادة الروسية الجديدة، قد حذرت حلف الناتو (24 سبتمبر 1995) من توسيع نطاقه حتى حدودها، لأن ذلك يتناقض مع منظومة الأمن الأوروبي، ويهدد المصالح الأمنية الروسية. لذلك أعلن الرئيس الروسي “بوريس يلتسين ـ Boris Yeltsin” في أول مايو 1995، مبادرة لإقامة منظمة أمنية جديدة، في قارة أوروبا، على غرار منظمة حلف الناتو، ينضم إليها الدول الأوروبية الشرقية وروسيا، بدلاً من توسيع الناتو، (والذي كانت ترفضه).
في نهاية عام 1994، تغلبت وجهة النظر المؤيدة لتوسيع الحلف، واتجه الحلف إلى تعظيم الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، بدلاً من مهمته السابقة، بمواجهة التهديد المباشر لأمن دوله (وكان مقدراً أن يكون من حلف وارسو). ويعني ذلك التغيير في توجهات الحلف، استمرار مهمته التقليدية (الدفاع الجماعي)، وإضافة مهام جديدة لها، مثل الحفاظ على السلام العالمي، ومواجهة الاضطرابات في كافة أنحاء أوروبا، وحولها كذلك ويشمل ذلك:
1. دعم عمليات التحول السياسي، والاقتصادي في دول المعسكر الشرقي سابقاً، لاحتواء أي تهديد يمكن أن تكون تلك المنطقة مصدراً له.
2. البحث عن صيغة للاتفاق مع بعض دول جنوب البحر المتوسط، لتوفير صبغة قانونية دولية، وتسهيلات للعمل السريع في مواجهة ما تراه دول الحلف تهديداً لأمنها الوطني من ذلك الاتجاه، وهو ما أدى إلى ظهور فكرة الشراكة بين الحلف وتلك الدول.
أقر مجلس حلف الناتو، في فبراير 1995، دعوة كل من مصر وموريتانيا والمغرب وتونس وإسرائيل، لبحث احتمالات مساهمتهم في الشراكة، بالاشتراك في حوار أمن البحر المتوسط. وكان هدف الحلف من ذلك، التعرف على وجهات نظر تلك الدول، واتجاهاتها نحو قضايا أمن البحر المتوسط، وحول جدول أعمال حلف الناتو بعد التجدي
من وجهة أخرى، ففي نهاية عام 1995، قررت فرنسا، استئناف عضويتها الكاملة، في التنظيم العسكري للحلف، بعد أن قاطعت النشاط العسكري طوال 29 عاماً. وأعلنت كذلك موافقتها على توسيع الحلف، وضم دول جديدة له.
أتفق أعضاء الحلف، في ديسمبر 1994، على أن تجرى التوسعة فردياً، وأن يتمتع الأعضاء الجدد بالعضوية الكاملة، وكافة الحقوق للأعضاء القدامى، وعليهم كذلك نفس الالتزامات. وفي ديسمبر 1996، جاء في توصية وزارية، إلى رؤساء دول ووزارات الحلف، والذين اقترحوا عقد مؤتمر قمة في يوليه 1997 لوضع الأسس والخطوات لدعم الأمن الأوروبي/ الأطلسي، مع اقتراب القرن الحادي والعشرين.
ثالثاً: التحديات التي تستوجب توسيع حلف الناتو:
منذ انتهاء الحرب الباردة، ساد الاعتقاد بوجود فرصة حقيقية لتحسين البنية الأمنية في جميع أنحاء أوروبا والمحيط الأطلسي وأمريكا الشمالية، لرفع مستوى الاستقرار والأمن، لجميع الدول في المنطقة، دون العودة إلى تقسيمات ينتج عنها صراعات جديدة لفرض الأمن. كان هناك مجموعة جديدة من التحديات، تهدد الأمن الغربي آتية من الشرق، تشمل:
1. النزاعات الإقليمية:
مثل الحروب في يوغسلافيا (سابقاً). أو النزاع المتجدد بين القبارصة اليونانيين والأتراك. وهذه النزاعات قد تخرج عن سيطرة الدول الأوروبية، ويتم تدويلها فتشكل خطراً على الأمن الأمريكي والدولي. كما شعرت الولايات المتحدة بأن هناك دولا إسلامية مثل إيران تتدخل في هذه الصراعات (مثل البوسنة) بتقديم مساعدات مادية وعسكرية ومتطوعين، مما قد يؤدى إلى مضاعفات أمنية بعيدة المدى. كما أن قضية قبرص قد تتجه إلى الصراع العسكري، مما يهدد الحلف بمواجهة إقليمية بين دولتين من أعضاؤه، فقد تجر تركيا واليونان إلى التدخل مجدداً، وقد تتحول إلى صراع دولي، خاصة بعد أن عقدت موسكو صفقة مع نيقوسيا لبيعها الصواريخ أرض/جو وأرض/أرض والتي تهدد باختلال موازين القوى في الجزيرة. أي أن قضيتي البوسنة وقبرص، وكذلك ما يجرى في كوسوفا، قد تتحول إلى مواجهة بين العالمين المسيحي والإسلامي.
2. خطر قيام أنظمة معادية للديموقراطية وحقوق الإنسان:
يعتبر حلف الناتو تلك الأنظمة مهددة للسلام والأمن الأوروبي، ونظم الحياة في الغرب. حيث يخشى بعض صانعي القرار، في واشنطن وألمانيا، من أن ينحسر التيار الديموقراطي الروسي، بعد بوريس يلتسين. لذلك فإنهم يفضلون أن يحيطوا التجارب الديموقراطية الليبرالية الناشئة، في أوروبا الشرقية، بضمانات، بمد نطاق حلف الأطلسي إلى حدود روسيا الغربية.
3. تغير توجهات الحكم في روسيا:
قد يصل إلى السلطة نظام يعمل على إحياء الروح والمصالح الوطنية الروسية، مما سيهدد الأمن الأوروبي مرة أخرى.
4. ضعف سلطة موسكو على الأقاليم الروسية:
انتشرت الفوضى والجرائم، وساد مناخ عدم الاستقرار اجتماعياً واقتصادياً، في ظل ضعف السلطة المركزية الروسية، والضعف الذي أصاب الجيش الروسي، الذي عجز عن مواجهة ثوار الشيشان، مع تزايد نفوذ المافيا الروسية. ويثير ذلك الاحتمال المخاوف الكبيرة لدى الغرب، خاصة مع تملك روسيا 70% من القدرات النووية للاتحاد السوفيتي السابق.
أدت هذه التحديات، إلى تغيير نوع التهديد ومستوى الخطر، التي كان حلف الناتو يتحسب لها سابقاً، ويتطلب ذلك ضرورة إجراء تعديل، في وظيفة واستراتيجية ودور ومهام حلف الناتو، بعد أن كانت مصادر التهديد محصورة في اتجاه واحد، ممثلا بالقوة السوفيتية، تعددت بعد انتهاء الحرب الباردة، لتشمل النزاعات والحروب المباغتة، متوسطة الشدة، كحرب الخليج وحرب البلقان مثلا، ولتشمل احتمالات تسرب القدرات النووية، إلى “دول غير مأمونة”، مثل إيران أو العراق أو غيرها من الدول (من وجهة نظر الحلف)، أو تشتت القوى النووية السوفيتية في بعض الجمهوريات السابقة، وكذلك التهديدات التي تحملها التيارات المتطرفة والأصولية. رغم تعدد التهديدات، فإنها أقل خطراً، بكثير، من التهديد السوفيتي السابق. وبذلك نجد أن فترة ما بعد الحرب الباردة اتسمت بمخاطر أقل ومستويات من عدم الاستقرار مرتفعة للغاية.
غيرت طبيعة التحديات من مهام الحلف كذلك، فظهرت مهام جديدة للحلف، غير عسكرية، مثل التدخل الإنساني لإيصال مساعدات غذائية وإغاثة أوروبية لمناطق النزاعات خارج الإطار الجغرافي لمنطقة الحلف، والمشاركة في حفظ وفرض السلم ومواجهة الأزمات الإقليمية في بعض مناطق المصالح الحيوية.
رابعاً: انعكاسات توسيع الحلف على علاقات روسيا الاتحادية بالحلف:
1. سياسات الحلف تجاه روسيا الاتحادية:
على الرغم من أن قادة الحلف أعلنوا أن أي عضو في الشراكة من أجل السلام، مرشح لعضوية الحلف، إلا أنه كان واضحا منذ البداية أن هناك إجماعا على استبعاد روسيا الاتحادية، وجرى ذلك تحت غطاء استيفاء الشروط المطلوبة لدخول الحلف. ونصح كيسنجر وبريزنسكى الإدارة الأمريكية باستبعاد روسيا، واستبدال ضمها بتوقيع اتفاق ثنائي بينها وبين الحلف. (أُنظر ملحق الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية (27 مايو 1997))
استند قادة الحلف في قرارهم بعدم ضم روسيا الاتحادية إلى الحلف المبررات التالية:
أ. أن روسيا دولة غير مستقرة ولا تنطبق عليها شروط الانضمام في المدى المنظور.
ب. أن روسيا الاتحادية دولة كبيرة، وضمها إلى الحلف يؤدى إلى تغييرات جوهرية ويمنحها حق “فيتو” على قرارات الحلف.
ج. إن ضم روسيا يعنى مد الضمانات الأمنية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن، إلى حدود الصين ومنغوليا.
د. ضم روسيا، يؤدى إلى فقدان الحلف لسمته الدفاعية، وتحويله إلى منظمة للأمن الجماعي على غرار الأمم المتحدة. وهو غاية ما تهدف إليه موسكو منذ المراحل الأولى لظهور الحلف، إذ أنها طلبت دخول الحلف عام 1954 ودعت إلى معاهدة للأمن الأوروبي ككل.
روسيا ليست دولة أوروبية خالصة لأن 75% من أراضيها في آسيا شرق الأورال ـ والمادة العاشرة من اتفاقية واشنطن حددت من يمكن دعوتهم في: “أي دولة أوروبية أخرى في وضع يدعم مبادئ المعاهدة وتسهم في أمن منطقة شمال الأطلسي”. وإن كان هذا المعيار الجغرافي مردود عليه بسابقة ضم تركيا عام 1952، والتي تقع نحو 90% من أراضيها في آسيا. كما أن الولايات المتحدة وكندا أعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وهما أبعد ما تكونا عن القارة الأوروبية.
وقع على وثيقة باريس التأسيسية، كثيرين، شملوا دول حلف الناتو الست عشرة وروسيا، ولكنهم انقسموا كما نصت الوثيقة في سطريها الأول والثاني إلى طرفين هما “منظمة حلف شمال الأطلسي وأعضاؤها من جهة والاتحاد الروسي من جهة أخرى”، وأوضح ذلك أن روسيا، برغم التغيرات الكبرى التي مرت بها، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، لم ترق بعد لتكون شريكاً أصيلاً في منظمة واحدة تضمها مع الدول الأوروبية الغربية، وإنما هي مجرد طرف أوروبي مختلف، يتوجب على هذه الدول التعامل معه ومشاركته من الخارج. وليس بإشراكه ضمن المؤسسة الجامعة لهذه الدول. ورغم أن اللائحة التأسيسية تشير إلى أن الناتو وروسيا لا يعتبران نفسيهما عدوين، بل شريكين في هدف واحد هو القضاء على بقايا المواجهات والمنافسات القديمة، إلا أنها تقف دون الإشارة إلى أن روسيا ودول الناتو قد انصهرت في منظومة أمنية عالمية جديدة تواكب التغيرات الكبرى التي شهدها العالم منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، فما يبدو من مقدمة الوثيقة هو أن التقارب الحادث بين روسيا والغرب لن يكون مرادفا لاندماجهما في كيان موحد. فالقوى السياسية الروسية من ناحيتها غير متفقة على أن روسيا دولة غربية قلبا وقالبا والغرب من ناحيته (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) يبدو أنه لا يرى في موسكو مكوناً عضوياً لازماً لاستمرار وتقوية منظومته المؤسسية.
فنتيجة الامتداد الجغرافي لروسيا فوق قارتين، أصبحت منقسمة، كما يظهر في مواقف نخبها السياسية والثقافية إلى تيارات مختلفة. وكان وزير الخارجية السابق أندريه كوزارييف، من الشخصيات العامة الروسية القليلة التي دافعت بقوة عن توسع الناتو شرقاً، بل واعتبر أن عدم توسع الناتو سوف يشجع العناصر القومية المتطرفة في روسيا، ويضر بالإصلاحات الديموقراطية، التي شهدتها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. أما المجموعة الأخرى المعارضة فهي وإن لم تغفل أهمية العلاقات مع الغرب، فإنها تؤكد على ضرورة اهتمام روسيا بالجنوب والشرق بحكم امتدادها الجغرافي. وقد تصاعدت أصوات هذا التيار، للتشكيك في جدوى التقارب بين روسيا والناتو، وطالب بعض أنصار هذا التيار، إلى اتخاذ إجراءات عملية ضد عملية توسيع الناتو، والتأكيد على أن برامج روسيا الدفاعية لا يمكن أن تتدعم إلا بعلاقات وطيدة مع جمهوريات الكومنولث والكتلة الاشتراكية السابقة.
على الجانب الآخر، فإن الطريقة التي طرح بها مسؤولو الناتو، مسألة الاتساع شرقاً، تدل على أن روسيا أقرب إلى أن تكون أداة يستخدمها الناتو، لضمان أمن القارة الأوروبية، من أن تكون حليف أو شريك كامل العضوية في بنيان الناتو الجديد. أدى ذلك إلى فجوة بين الطرفين وصرح المسؤولون أن توسيع الناتو سوف يمضى قدما برغم كل اعتراضات روسيا، وأن الدول التي ستدعى للانضمام في صيف عام 1997 لن تكون الأخيرة، كما أنه لن يمنع أي اتفاق بين روسيا وحلف الناتو من دعوة دول البلطيق أو أية دولة أخرى للانضمام. كذلك استخدم خافيير سولانا سكرتير عام حلف الناتو تعبيرات مشابهة، عندما حث موسكو على الدخول في علاقة مع الناتو، أفضل لها من أن تقبع في عزلة. وضح أن الغرب كان على استعداد لصياغة اتفاق مع روسيا، لضمان عدم معارضتها لخطة توسيع الناتو، إلا أنه ليس على استعداد مماثل، لإشراكها في عضوية كاملة ضمن الشكل الجديد لحلف الناتو. فمن المنظور الأمريكي (كما وضح في مداولات قمة هلسنكي بين يلتسين وكلينتون في شهر مارس 1997) لا يجب أن يكون لروسيا حقوق، وأن تحدد من يقبل أو لا يقبل في الحلف.
استمر الحفاظ على صيغة (16+1) التي تعني دول حلف الناتو الستة عشر مقابل روسيا الاتحادية منذ تأسيس مجلس تعاون شمال الأطلسي في ديسمبر 1991، بحيث ظهرت روسيا كضيف على دول الناتو دائماً. وقد طبقت هذه الصيغة في اجتماع وزراء دفاع دول الناتو، مع وزير الدفاع الروسي في مايو 1994، وعند توقيع وثيقة الشراكة من أجل السلام، في يونيه 1994، وعند قبول روسيا تطبيق برنامج الشراكة من أجل السلام، بين الناتو ودول أخرى في شرق ووسط أوروبا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في مايو 1995، في لقاء مجلس تعاون شمال الأطلسي مع روسيا، وفي سبتمبر 1995 عند تداول روسيا مع دول الناتو بشأن الموقف في يوغسلافيا السابقة، وفي سبتمبر 1995 لمناقشة تنفيذ معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، وفي أكتوبر من نفس العام عند مناقشة مجلس تعاون شمال الأطلسي مع روسيا بشأن تحقيق السلام في البوسنه، وفي نوفمبر من نفس العام عند لقاء بافيل جراتشيف وزير الدفاع الروسي الأسبق مع وزراء دفاع الناتو، وكذلك عند لقاء وزراء خارجية الناتو بوزير الخارجية الروسي في ديسمبر 1995، ثم في يونيه 1996.
كل مرة لم تكن روسيا، أو دول الناتو الست عشرة، على استعداد لاتخاذ خطوة جديدة، يتحول بموجبها حلف الناتو من صيغة (16+1)، إلى مؤسسة جديدة من سبع عشرة دولة كاملة العضوية. بل هي مشارك في أعمال الناتو فقط.
2. سياسة روسيا تجاه توسيع الحلف:
خلال العامين الأولين من حكم الرئيس يلتسين، وبالتحديد عامي 1992 و 1993، لم تثار قضية توسيع الحلف، لذلك لم ينظر إلى بقاء الحلف، على أنه يمثل مشكلة كبيرة للأمن الوطني الروسي، لاسيما وأن القيادة “الإصلاحية” الروسية كانت تركز على التخلص من بقايا النظام الشيوعي، وإدخال تغييرات جذرية على السياسة الخارجية الروسية، لبدء الاندماج في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية. وكانت القيادة الروسية تتوقع حدوث تغيير داخلي في الحلف، بعد انتهاء المواجهة. وركز الروس على تدفق المساعدات الغربية لتحسين الاقتصاد الروسي، ومن ثم انضمت روسيا إلى مجلس تعاون شمال الأطلسي، واتجهت إلى تطوير ارتباطها بالحلف. وفي زيارة يلتسين إلى بولندا وتشيكيا، في 25-26 أغسطس عام 1993، حيث أعلن يلتسين عدم معارضته لدخول الدولتين حلف شمال الأطلسي. ففي بولندا أكد أنه “في العلاقات الجديدة بين روسيا وبولندا لا يوجد مكان للهيمنة ولا فلسفة الأخ الأكبر والأخ الأصغر”، ووافق يلتسين على دخول بولندا الحلف، وفي تشيكيا قال ” ليس لروسيا الحق في منع تشيكيا من الانضمام إلى أي منظمة”.
إلا أن ضعف المساعدات التي تدفقت من الغرب لروسيا، واستمرار التعامل معها باعتبارها لا تمثل “حليفاً كاملاً”، أدى إلى أن تراجع السياسة الروسية موقفها من الحلف وتوسعه شرقاً. وسرعان ما تغير الموقف الروسي، حيث أجمعت القوى المختلفة على أن توسيع الحلف، يمثل عملاً عدائياً ضد روسيا، ويهدف إلى وضع قوات الحلف على الحدود الروسية. وخلص مستشارو الرئيس الروسي يلتسين إلى التأكيد على أن توسيع الحلف يعنى عزل روسيا، وإغلاق الباب أمام اندماجها في أوروبا، وتأكيد الهيمنة الأمريكية على العالم، بعد الحرب الباردة. استمر يلتسين في محاولات التفاهم مع الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية، للوصول إلى حلول وسط، في المواقف المختلفة، تجاه فكرة الشراكة من أجل السلام.
مع توجيه الحلف الضربات الجوية ضد صرب البوسنة، تردت العلاقة بين روسيا والحلف، واستقر الحل الوسط، عند توقيع اتفاق الشراكة في 22 يونيه عام 1994، مع بروتوكول خاص ملحق بالاتفاق، اعترف بمكانة روسيا الخاصة كقوة عظمى، وتلا ذلك، في أكتوبر عام 1994 توقيع اتفاق خاص، حول التعاون بين روسيا والحلف، أشار إلى تبادل المعلومات والمشاورات السياسية والتعاون في القضايا الأمنية.
أدت التفاعلات الداخلية في روسيا إلى تقوية نفوذ الجناح المحافظ، على نحو دفع الرئيس يلتسين، أن يعلن لأول مرة، معارضته الشديدة لتوسيع الحلف في قمة “مؤتمر التعاون في أوروبا”، في ديسمبر عام 1994 واتجه الحلف إلى توسيع عضويته، دون مبالاة باعتراضات روسيا، إذ تزامن ذلك مع اندلاع الحرب في الشيشان. وقد واصل الحلف إجراءات التوسيع، بصرف النظر عن الموقف الروسى، الأمر الذي دفع بالرئيس يلتسين إلى البحث عن اتفاق جديد مع الحلف، يقر بوضع خاص لروسيا، ويضع قيودا على التوسيع، بحيث لا يضم الحلف دول الاتحاد السوفيتي السابق، لاسيما دول البلطيق الثلاث وأوكرانيا، على هذا الأساس أعلنت الوثيقة التأسيسية Foundation Act بباريس، في 27 مايو عام 1997، بين روسيا والحلف.
خامساً: شروط الانضمام إلى الحلف:
أسفرت دراسات الحلف المستفيضة، حول أثر التغير في البيئة الأمنية، على العقيدة العسكرية وهيكل القوة في الحلف، عن تشكيل مجلس تعاون شمال الأطلسي، لتعزيز التعاون مع دول شرق ووسط أوروبا. ثم طرح برنامج الشراكة من أجل السلام، الذي أشار إلى إتاحة عضوية الحلف، لدول شرق أوروبا كذلك، وحددت وثيقة الشراكة من أجل السلام، شروط الانضمام إلى الحلف وهى:
1. عضوية مجلس تعاون شمال الأطلسي، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
2. أن تكون الدولة راغبة، وقادرة، على المشاركة في البرنامج.
3. وجود مؤسسات ديموقراطية.
4. التعاون السياسي والعسكري.
5. الاستعداد للمشاركة في هيئات ومراكز الحلف، والقيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا.
6. الاستعداد لتبادل المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية.
لا تختلف الشروط التي أقرها الحلف كثيراً عن تلك التي صاغها قرار الكونجرس، حول توسيع الحلف، والتي شملت:
1. وجود مؤسسات ديموقراطية بالدولة والاحتكام إلى القانون.
2. السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية.
3. اقتصاد سوق حر.
4. حماية حقوق المواطنين.
5. احترام الوحدة الإقليمية للدول المجاورة.
كما أن تلك الشروط سبق أن قدمها مجلس النواب الأمريكي، في 4 يناير عام 1995، بعنوان “قانون إحياء الأمن القومي National Security Revitalization Act ” وأضاف إليها شروطا جديدة هي:
1. السيطرة المدنية على القوات المسلحة، والشرطة، وأجهزة الاستخبارات.
2. التمسك بالقيم والمبادئ، والتعهدات السياسية الواردة في اتفاق هلسنكي الأخير، وفي مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
3. التعهد بدعم مبادئ الحلف، والمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي.
4. التعهد بالوفاء بالالتزامات، والمسؤوليات، والتكاليف، المترتبة على عضوية الحلف.
5. التعهد بتنفيذ تطوير البنية التحتية، التي تسهل المشاركة في دعم أنشطة الحلف.
تلاحظ أن الشروط الموضوعة بواسطة الحلف أو الكونجرس أو مجلس النواب الأمريكي، هي معايير شروط عامة يمكن استخدامها كمبرر لضم دول معينة، واستثناء أخرى، ورأي البعض أن وضع خطوط استرشادية عامة، يتطلب استيفاؤها تحولات حقيقية، أمر مختلف، مما يعنى أن المعايير التي وضعت، هي في الأساس لتبرير قرارات “سياسية”، بالضم أو الاستثناء.
سادساً: قرار توسيع الحلف:
في أعقاب اتفاق 27 مايو 1997 (الوثيقة التأسيسية)، اتخذ قادة دول وحكومات الحلف، في قمة مدريد (8 ـ 9 يوليه 1997) قرار بدعوة بولندا والمجر وتشيكيا، لبدء مفاوضات الانضمام إلى الحلف. رغم استمرار روسيا في معارضتها للتوسيع، ومطالبتها بما أسماه يلتسين في خطابه إلى الأمة، في 3 أكتوبر عام 1997، “أوروبا بلا أحلاف وبلا خطوط تقسيم” معلنا تطلع بلاده إلى قيام أوروبا كبرى بانضمام روسيا إليها، “مضيفاً” إن لتوحيد أنفسنا في أوروبا لا نحتاج إلى دعم من مكان آخر”.
وأثار أمر تحديد الدول التي تدعَي لعضوية الحلف مشكلات بين دول التحالف، حول ماهية المعايير التي يستند إليها، بعد التضارب في تحديدها. ولذلك شهدت القمة خلافات شديدة بين الموقف الأمريكي، الذي حدد هذه الدول في ثلاث: هي بولندا والمجر وتشيكيا، وبين الموقف الفرنسي، الذي دعمته كندا وسبع دول أوروبية أخرى، في مقدمتها ألمانيا وإيطاليا، بضرورة إضافة رومانيا وسلوفينيا للمرحلة الأولى، إلا أن الولايات المتحدة تمسكت بموقفها وفرضته على القمة.
جاء البيان الختامي للقمة، معبراً عن وجهة النظر الأمريكية، إذ دعا الدول الثلاث المحددة، من قبل الإدارة الأمريكية، لبدء مفاوضات الانضمام، مع الإشارة إلى أولوية رومانيا وسلوفينيا في الانضمام إلى الحلف في المراحل التالية، إرضاء للدول الأوروبية، دون أي التزام باستبعاد أي من الدول الأوروبية الأخرى (أوكرانيا ودول البلطيق تحديداً)، من احتمالات الانضمام إلى الحلف مستقبلاً، الأمر الذي يعنى ترك مساحة الصراع مع روسيا مفتوحة، بعد أقل من ثلاثة اشهر على توقيع الوثيقة التأسيسية في باريس، في 27 مايو عام 1997.
سابعاً: احتمالات ضم أوكرانيا ودول البلطيق:
كان الخلاف الرئيسي بين الأمريكيين والروس، حول توسيع الحلف، الموقف من أوكرانيا ودول البلطيق، إذ رفضت روسيا الاتحادية تماماً ضم أي من هذه الدول إلى الحلف، واعتبرت خطراً يمس أمنها الوطني. إلا أن الحلف رفض التدخل الروسي، حتى لا يبدو وكأنه خضع لضغوط روسيا، وحتى يوظف هذه القضية مستقبلاً إذا ما دعت الحاجة لمصلحته. وفضلت أوكرانيا من جانبها، علاقات متميزة مع الحلف، وهو نفس ما كان يتطلع إليه حلف الأطلسي كذلك. انعكست هذه الرغبة المشتركة، في اتفاق الشراكة الخاص، الذي وقعته أوكرانيا مع الحلف في 14 سبتمبر عام 1995، وأيضا في ميثاق التفاهم الذي جرى توقيعه في 9 يوليه عام 1997، والذي أكد على أن بقاء أوكرانيا دولة ديموقراطية مستقلة ومستقرة، يمثل عامل دعم للاستقرار في شرق ووسط أوروبا، وفي القارة الأوروبية ككل.
أثارت قضية ضم دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) جدلاً شديداً بين روسيا والحلف. إذ كان الحلف يسعى إلى تأمين وتقوية استقلال هذه الدول، ودمجها في غرب أوروبا، لاسيما في ظل مخاوف قادة هذه الدول، من عودة الروح الإمبراطورية الروسية. لذلك كانت الدول الثلاث من أوائل الدول التي لحقت بالشراكة عام 1994، وعبرت عن رغبتها القوية في دخول الحلف. وعارضت روسيا انضمام هذه الدول إلى حلف شمال الأطلسي. واستعاض الحلف عن الضم الفوري لهذه البلدان، بدمجها في مؤسسات أوروبا الغربية، حيث وقعت في منتصف عام 1994، اتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وأصبحت أعضاء مشاركة منذ منتصف عام 1995. لم يكن هناك تأييد سياسي قوي بين دول الحلف، لضم دول البلطيق، فيما عدا الدانمارك.
——————————————————————————–
يتزعم ذلك الاتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا من دول الحلف.
يتزعم ذلك الاتجاه، دولتي فرنسا وأسبانيا من دول الحلف.
يتزعم هذا الاتجاه، دولتي إيطاليا وتركيا.
كانت الأردن، هي الدولة العربية الوحيدة، التي أعلنت في 25 يونيه 1995، عن رغبتها في الانضمام إلى حلف الناتو، في شراكة أمنية متوسطية (لم يرد عليها).
عمل كلاهما مستشاراً للأمن القومي للرؤساء الأمريكيين.
المبحث السابع
انعكاسات النظام الدولي والمشاكل الإقليمية في فترة التغيير والتوسيع
أولاً: الانعكاسات على السياسة العسكرية:
مع انتهاء الحرب الباردة وما أدت إليه من تغير في البيئة الأمنية، سعى قادة الحلف إلى التكيف مع المتغيرات. وقد بدأ ذلك بقرار مجلس شمال الأطلسي في يونيه عام 1990، حيث رأي قادة الحلف أنه مع أن دور الحلف الرئيسي، وهو الدفاع الجماعي، لا يزال قائماً ومطلوباً، فإن التغيرات في البيئة الأمنية المحيطة، تقتضي تغيراً في المهام العسكرية، التي تواجه أعضاء الحلف، ويستوجب ذلك إدخال تغييرات على استراتيجية الحلف العسكرية. وتزامن مع ذلك قرار لجنة تخطيط الدفاع، بإجراء مراجعة شاملة للسياسة العسكرية للحلف من أجل وضع متغيرات البيئة الجديدة في الاعتبار.
حدد إعلان لندن “London Declaration” الصادر في 6 يوليه عام 1990 المبادئ الاسترشادية بشأن سياسة وعقيدة الحلف العسكرية، وتشكلت مجموعة لمراجعة السياسة العسكرية للحلف، وبحلول نوفمبر عام 1991 أكملت المجموعة عملها، ومن ثم أصدر قادة الحلف إعلان روماRome Declaration في 7 ـ 8 نوفمبر عام 1991 حول السلام والتعاون، أكد على أن التحديات والمخاطر الأمنية التي أصبح الحلف يواجهها تختلف في طبيعتها عما كانت في الماضي.
أقرت قمة الحلف في روما في نوفمبر عام 1991 سياسة عسكرية جديدة، تقوم على أربعة مبادئ:
1. استمرار الحلف في أداء الدور الدفاعي عبر الدفاع الجماعي.
2. أن الأعضاء الأوروبيين سوف يضطلعون بمزيد من المسؤوليات للدفاع عن أنفسهم، مع الحفاظ على وحدة أمن الأعضاء وكونه وحدة لا تتجزأ.
3. على الحلف أن يستحدث هيكل قوة يعتمد على قوات أكثر مرونة، وحرية في الحركة أكثر من الاعتماد على الدفاع المتقدم، مع الحفاظ على هيكل القوات الموحدة للاستمرار في أداء مهمة الدفاع الجماعي.
4. استمرار الاعتماد على كل من الأسلحة التقليدية والنووية، مع خفض حجم القوات والحد من الاعتماد على المكون النووي.
هذه المبادئ تسلم بانتهاء خطر هجوم واسع النطاق من الشرق، وأن البيئة الأمنية الجديدة في أوروبا تضاعف فرص تحقيق الأهداف الرئيسية للحلف من تنمية الاستقرار والرفاهية في منطقة شمال الأطلسي، والإسهام في تطوير علاقات دولية يسودها السلام، فقد أقر الحلف مبدأ التعاون مع دول حلف وارسو (السابق) وذلك بإنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي الذي خرجت منه الشراكة من أجل السلام، وفتحت الأخيرة الطريق أمام انضمام عدد من دول حلف وارسو السابق إلى حلف الأطلسي.
أكد بيان قمة الحلف في مدريد (8 ـ 9 يوليه 1997) على ضرورة مراجعة السياسة العسكرية للحلف، وإدخال التعديلات المطلوبة عليها حتى تتلاءم مع البيئة الأمنية الجديدة والتي ينتظر أن تتبلور عند الاحتفال بمرور خمسين عاماً على إنشاء الحلف عام 1999. ويشير ذلك إلى استمرار عملية التغير في البيئة الأمنية الأوروبية، وتفاعلاتها، التي أدت إلى متغيرات عديدة وجذرية على سياسة الحلف العسكرية.
ثانياً: الانعكاسات على هيكل القوة في الحلف:
أدى إدخال تعديلات على عقيدة وسياسة الحلف العسكرية، إلى فرض إعادة بناء هيكل القوة في الحلف، ليتواءم معها:
تقررت السياسة العسكرية الجديدة على أساس تقدير تراجع خطر التهديد من الشرق، وهو ما يعنى عدم الحاجة إلى وجود حجم كبير من القوات، والأسلحة المخزونة، في أوروبا. كذلك لا حاجة إلى التأهب القتالي العالي والتدريبات الكثيرة، وبذلك يكون الأثر الأول على الهيكل، هو ضرورة خفض قوات الحلف في أوروبا، وتكلفتها.
استمرار أداء المهمة الأساسية وهي الدفاع الجماعي، يعنى ضرورة أن تكون القوة المخفضة ذات قدرات كافية لأداء هذه المهمة، أي تشكيل هيكل جديد لقوات الدفاع المشترك بتسلح مختلط من تقليدي ونووي، وهو الأثر الثاني للتغيرات.
لأن مصادر التهديد الجديدة ليست محددة من اتجاه معين، كما أنها قد تكون غير مجسمة في شكل هجوم عسكري، فقد كان ضرورياً إعداد القوات ليمكنها التدخل في الوقت المناسب من أي مكان تتمركز فيه إلى أي مكان، وفي أي وقت تقتضيه المصلحة المشتركة لدول التحالف، أي أن هذه القوة الصغيرة القوية التسليح تكون قادرة على العمل السريع (خفة حركة ومرونة عالية) وهو الأثر الثالث للتغيرات.
انعكست تلك الآثار الثلاث، على الهيكل العسكري للحلف في تنظيمه ومهامه فيما يلي: (اُنظر شكل الهيكل التنظيمي للحلف 1998) و(شكل اللجان الرئيسية للحلف 1998) و(شكل هيئة الأركان الدولية للحلف) و(شكل هيئة الأركان العسكرية 1998) و(شكل أقسام هيئة الأركان الدولية 1998) و(شكل الهيكل العسكري للناتو 1998) و(شكل الهيكل العسكري الحالي بأوروبا 1998) و(شكل الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي 1998)
1. خفض قوات الحلف في أوروبا:
جاءت سياسة خفض قوات الحلف في أوروبا متمشية مع الأثر الأول للتغيرات في السياسة والعقيدة العسكرية الجديدة للحلف، وفي إطار تنفيذ اتفاق الحد من التسلح التقليدي التي وقعها الحلف مع الاتحاد السوفيتي (السابق) في باريس في 19 نوفمبر 1990، والتي حددت التخفيضات في خمسة مجالات هي: الدبابات، المركبات المدرعة المقاتلة، قطع المدفعية، الطائرات المقاتلة، الهليكوبتر الهجومية.
أقدمت دول الحلف خلال الفترة من 1990 إلى 1996 على تخفيض إنفاقها الدفاعي بنسبة 22%، وتخفيض 52% من قواتها البرية المقاتلة، ونحو 45% من قوات الحلف في المنطقة المركزية، ونحو 10% من الوحدات البحرية المقاتلة، بما فيها حاملات الطائرات والمدمرات والفرقاطات، وخُفّضَ 25% من الطائرات المقاتلة والمخزونة في أوروبا، و54% من القوات الجوية في المنطقتين المركزية والشمالية، و 25% من القوات الجوية في أمريكا الشمالية.
كذلك أزيلت جميع القواعد البرية لإطلاق الصواريخ النووية من أوروبا، وسحبت جميع الأسلحة النووية للحلف من على متن سفن السطح، وتبقى فقط القنابل التي تحملها الطائرات وتمثل 20% من القوة النووية لعام 1990. خفضت الولايات المتحدة كذلك قوتها النووية الاستراتيجية وفقاً لسلسلة معاهدات ستارت. كما خفضت أعداد القوات المخزونة في ألمانيا (القوات المتقدمة) بنحو الثلثين، والطائرات بنسبة 70%، وتراجع عدد القوات الأمريكية في أوروبا من نحو 300 ألف جندي إلى نحو 100 ألف جندي.
واستمرت قوى الدفع باتجاه مزيد من التخفيض في القوات، لاسيما في اتجاه روسيا، وتكررت المبادرات من جانب واحد، بإجراء تخفيض للقوات
2. إعادة هيكلة القوات الأساسية للحلف:
تمشياً مع السياسة العسكرية الجديدة للحلف، جرت عملية إعادة تنظيم القوات، على النحو الذي يمكنها من القيام بمهمة الدفاع الجماعي، ومواجهة المخاطر المحتملة. هدفت هذه التعديلات إلى زيادة مرونة القوات الأساسية والارتقاء بقدراتها على التعبئة السريعة واستيعاب التطور التكنولوجي في نظم التسلح.
لذلك نظمت القوات الأساسية، في ثلاث فئات:
أ. قوات الرد السريع الفوري: Immediate and Rapid Reaction Forces (IRRF)
تتكون من قوات برية وجوية وبحرية على درجة عالية من الاستعداد، ومعدّة للعمل السريع للتدخل في الأزمات والطوارئ المباغتة.
ب. قوات الدفاع الأساسية: Main Defense Forces (MDF)
وهي القوات النظامية الأساسية للحلف.
ج. القوات المعاونة، أو قوات التعزيز: Augmentation Forces (AF)
وهي قوات احتياطية، لها دور مهم في الإطار العام للهيكل الدفاعي للحلف، إلى جانب القوات النظامية.
وفي يوليه 1994 عدّل هيكل القيادة المدمج للحلف، وخفضت أعداد القيادات الرئيسية إلى اثنتين بدلا من ثلاث، وهي القيادة المتحالفة لأوروبا Allied Command Europe ACE، والقيادة المتحالفة في الأطلسي Allied Command Atlantic ACLANT، وتم إلغاء القيادة المتحالفة للقنال Allied Command Channel ACCHN، وأسندت مهامها إلى القيادة المتحالفة لأوروبا. كما استحدث ثلاث قيادات فرعية، داخل القيادة المتحالفة لأوروبا تتولى المسؤولية عن مناطق الجنوب والوسط والشمال الغربي. ومع استمرار التغيرات في البيئة الأمنية، استمرت عملية إدخال التغيرات المطلوبة على هيكل القوة للحلف.
3. قوة العمل المشتركة المجمعة:
يمثل مفهوم قوة العمل المشتركة المجمعة Combined Joint Task Force CJTF، المكون الثالث للتغير في هيكل القوة في الحلف، فلأن الحلف اتجه إلى تقليص قواته الأساسية المنوط بها القيام بأعباء الدفاع المشترك ضد تهديد محتمل من الشرق، بعد الإقرار بزوال هذا التهديد، فإن المشكلة التي واجهت الحلف هي أن البيئة الأمنية لمرحلة ما بعد زوال خطر الهجوم من الشرق أوجدت مصادر تهديد أخرى غير مجسمة في شكل مادي واضح، وتقع في الغالب خارج النطاق التقليدي لنشاط الحلف ـ مثل أزمة الاحتلال العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990 ـ وهي مصادر تهديد تقتضي مواجهتها مرونة عالية في آليات القيادة والسيطرة، من أجل الرد السريع، والقيام كذلك بالمهام داخل المنطقة التقليدية لنشاط الحلف، إذا ما تطلب الأمر ذلك. لذلك شكلت قوة العمل المشتركة المجمعة، لتعطى لقوات الحلف، المرونة اللازمة التي تمكنها من سرعة التدخل في الأزمات والطوارئ، والقيام بعمليات حفظ السلام.
لم يؤد تبنى هذا المفهوم، إلى استحداث هيكل جديد داخل الحلف، بل تم عبر تقسيمات جديدة، وتحديد للأدوار والمهام، بحيث جرت عملية تخصيص مزدوج للبعض داخل الهياكل القائمة. تتشكل هذه القوات، من الدول الأعضاء في الحلف، وأعضاء الشراكة من أجل السلام، كذلك يمكن أن تنضم إليها قوات دول أخرى، بحسب طبيعة المهمة المكلفة بها.
نقل الحلف مفهومه للقوات المشتركة إلى منظمة اتحاد أوروبا الغربية إذ يمكن للأعضاء في المنظمة قيادة قوة العمل المشتركة المجمعة، والقيام بالمهام التي يقتضيها حفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، إذا ما قرر الحلف عدم التحرك، أي إذا ما رفضت الولايات المتحدة التحرك على غرار ما حدث في البوسنة. وقد طرحت الولايات المتحدة هذا المفهوم في اجتماعات لجنة تخطيط الدفاع بالحلف، وأجازته قمة الحلف التي عقدت في بروكسل في يناير 1994.
ثالثاً: الانعكاسات على الإنفاق العسكري، ومبدأ تقاسم الأعباء:
تحملت الولايات المتحدة معظم أعباء الدفاع في الحلف منذ إنشائه، لاعتبارات تتعلق بالحرص على منع الاجتياح السوفيتي الذي كان متوقعاً لغرب أوروبا، لاسيما في ظل تنامي القدرات العسكرية للاتحاد السوفيتي، ثم لحلف وارسو بعد إنشاؤه، وتردي الأوضاع الاقتصادية لدول غرب أوروبا.
سقوط حلف وارسو، وتفكك الاتحاد السوفيتي، ونجاح دول أوروبا الغربية في تحقيق معدلات نمو عالية، إلى مطالبة الولايات المتحدة للدول الأوروبية أعضاء الحلف بزيادة نفقاتها العسكرية، وهي المطالبة التي ازدادت حدة مع زيادة العجز في الميزانية الفيدرالية، وميزان المدفوعات الأمريكي. رفضت الدول الأوروبية الاستجابة للمطلب الأمريكي، وظلت نسبة الإنفاق العسكري الأوروبي أقل من المتوسط العام للحلف، وأقل من النسبة المحددة وفق إجمالي الناتج المحلي. (أُنظر جدول أعباء الدفاع في حلف شمال الأطلسي (بليون دولار) (1992 ـ 1997)) و(جدول الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي)
وهكذا يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة ظلت منذ إنشاء الحلف، تتحمل نسبة أكبر من تلك التي كان يفترض أن تتحملها وفق نسبة ناتجها المحلي الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول أعضاء الحلف. وإذا كانت قد اضطرت إلى تحمل نسبة عالية في الخمسينيات، فشلت الولايات المتحدة في إقناع الدول الأعضاء الأخرى بزيادة إنفاقها العسكري. وشهدت قضية توزيع أعباء الدفاع خلافات شديدة، لاسيما مع تزايد عجز الميزانية الفيدرالية الأمريكية، وتزايد العجز في ميزان المدفوعات. اتجهت الولايات المتحدة إلى الضغط على الدول الأوروبية أعضاء الحلف، لزيادة إنفاقها الدفاعي، لذلك عمدت إلى الانفراد بقيادة الحلف، بما في ذلك منطقة جنوب أوروبا، ورفضت تسليم القيادة للأوروبيين، أو تقليص وجودها العسكري في القارة، كما عمدت إلى تطوير هياكل الحلف العسكرية، على النحو الذي لا يجعلها ملائمة تماما للأمن الأوروبي، مما يدفع الأعضاء الأوروبيين إلى زيادة الإنفاق من أجل تشكيل هياكل ملائمة للتعامل مع الأمن الأوروبي.
في مواجهة الضغوط الأمريكية، وبعد ثبات العجز الأوروبي عن العمل العسكري المستقل في أزمة البوسنة، عاميّ 1992،1993، اتجهت الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف إلى زيادة فاعلية المنظمات الأوروبية وتنشيط دورها في الحفاظ على الأمن في أوروبا، ممثلة في اتحاد أوروبا الغربية، وهو ما شجعته الولايات المتحدة، على أساس أنه يدفع الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف إلى مزيد من الإنفاق على أمنها، وحرصت على أن يجرى ذلك في إطار التنسيق الكامل للحلف.
رابعاً: الحوار مع دول جنوب وشرق المتوسط:
اتفقت الدول الأعضاء في الحلف، على أن بيئة ما بعد الحرب الباردة، قد أفرزت مصدرين لتهديد أمن الدول الأعضاء: الأول من الاتجاه الشرقي، والذي سعى الحلف إلى مواجهته عبر برامج التعاون المختلفة، وصولاً إلى فتح أبواب الحلف أمام كل الدول، نظرياً، وأمام عدد معين منها عمليا، إذ احتل ذلك الأولوية لدى كافة دول الحلف. أما الثاني فهو ـ حسب رؤية الحلف ـ من الجنوب أي البحر المتوسط والشرق الأوسط. ويتمثل التهديد، حسب رؤية دول الحلف، في الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتهريب السلاح، وانتشار أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية، وزيادة معدلات الهجرة من هذه المناطق إلى المجتمعات الأوروبية والأمريكية، الأمر الذي ترتب عليه مشاكل عديدة في تلك المجتمعات. إضافة إلى ذلك، فإن دول الحلف تراقب تطورات الأوضاع الداخلية، ومدى الاستقرار في عدد من البلدان العربية، وتسعى إلى التخطيط للعمل على مواجهة أية تطورات فيها، على النحو الذي يحفظ مصالحها الحيوية. هذا النوع من التهديدات، يأتي من خارج النطاق التقليدي لمسؤولية الحلف، إضافة إلى أنها تأتى من منطقة مغايرة ثقافياً وحضارياً، ومن ثم لم يكن مطروحا أن تحصل أي منها على عضوية الحلف، في الوقت الذي يحتاج فيه الحلف إلى ترتيبات، وقواعد، وتسهيلات، للعمل في مواجهة هذه التهديدات. لذلك بدت حاجة الحلف للاتفاق، مع عدد محدود من دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، بعد إقرار إنشاء “قوة العمل المشتركة المجمعة”، وهي بمثابة قوات انتشار سريع، للتدخل في مناطق الأزمات، التي تؤثر على أمن دول التحالف. كان من الضروري التوصل إلى صيغة محددة، مع عدد من الدول العربية، تتضمن الحصول على التسهيلات المطلوبة، لاسيما بعد أن كشفت حرب الخليج الثانية، عن أهمية هذا البعد، لتؤمن تسهيلات العمل لقوة المهام الخاصة، المكلفة بالتعامل مع التهديدات المحتملة، في جنوب المتوسط. إضافة إلى مراقبة ما تراه من امتلاك بعض دول المنطقة من الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى أراضيها، واحتمالات امتلاك بعض دول المنطقة، لأنواع معينة من أسلحة الدمار الشامل. وكان الاهتمام الرئيسي بتلك المنطقة، والأخطار المحتملة من اتجاهها، من جانب دول الحلف المتوسطية، أي البرتغال، أسبانيا، إيطاليا، فرنسا، اليونان وتركيا.
طبيعة العلاقة المقترحة
لم تكن منطقة جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، تمثل أولوية لدى الحلف، ولكنها كانت تمثل أولوية لدى الدول المتوسطية في الحلف، والتي سبقت الحلف في التحرك، لصياغة علاقاتها مع دول الجوار الجنوبي، لتتجنب، أو تحد من تأثير أي مصادر تهديد لأمنها. بدأ اتحاد أوروبا الغربية الحوار مع ست دول جنوب البحر المتوسط، وبذلت الدول الأوروبية المتوسطية، جهوداً مضنية لإقناع دول الجوار الجنوبي، بنقل تجربة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وإقامة نموذج منها في الشرق الأوسط.
وبعد الاتفاق المبدئي بين دول الحلف، على قضية التوسع شرقاً، عاد الحلف بضغوط من دوله المتوسطية، للاهتمام بمسألة العلاقة مع دول الجنوب، فأعلن الحلف مبادرته تجاه المتوسط، في أواخر عام 1994، وهى المبادرة التي تشير إلى الملاحظات التالية:
1. غياب الإجماع حول محتوى الحوار، والهدف الرئيسي من ورائه، فعلى حين طالبت الدول المتوسطية بتكثيف الحوار، وتخصيص موارد كافية للوصول إلى اتفاقات محددة، تلبى حجم المخاوف من التهديدات، التي ترى هذه الدول أن أمنها يتعرض له، من جنوب المتوسط والشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة، والدول غير المتوسطية، في الحلف، لم تكن مستعدة لتوجيه نفس القدر من الاهتمام، أو تخصيص الموارد الكافية، للتجاوب مع رؤية الشركاء المتوسطيين، كما أن واشنطن، رفضت كل ما من شأنه أن يؤثر، على مسيرة تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والتي كانت تحظى بالأولوية لديها، على ما عداها من قضايا متوسطية وشرق أوسطية.
2. أن الاختلافات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، تضع قيودا عديدة على قدرة الحلف، في بناء علاقات تعاونية، مع دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، لاسيما في ظل الصورة السلبية للحلف، في العالم العربي.
3. ما تراه دول الحلف المتوسطية من مصادر تهديد لأمنها، من الجنوب، لا يتطلب مواجهته، الدخول في علاقات تعاون عسكري، بل مجرد تعاون أمني، ومساعدات اقتصادية، وتعاون في قضايا اقتصادية واجتماعية، على النحو الذي يمكن تحقيقه، من خلال حوار يرعاه الاتحاد الأوروبي وليس الحلف.
نظراً لعدم تبلور الاتفاق داخل الحلف، حول ضرورة ومحتوى الحوار، مع دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، إضافة إلى الاختلاف في الرؤية، بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتوسطية، حول أولويات الحوار، بادرت أربع من الدول الأوروبية: أسبانيا، فرنسا، إيطاليا، والبرتغال، في 15 مايو 1995، بإنشاء وحدات عسكرية للتدخل، في مواجهة ما تراه يمثل تهديداً أمنياً لها، وتمثلت هذه القوات في:
أ. قوة الانتشار السريع الأوروبية European Rapid Operational Force
ب. القوة البحرية الأوروبية European Maritime Force
وحُددت مهام هذه القوات، في الإعلان الذي أصدره الاجتماع الوزاري، لاتحاد أوروبا الغربية، في بتسبرج “Petersberg” في يونيه عام 1996، على الوجه التالي:
أ. القيام بالمهام الإنسانية، وإجلاء الرعايا، في حالات الأزمات والطوارئ.
ب. حفظ السلم والأمن الدوليين.
ج. إغاثة وإجلاء المدنيين.
د. المساعدة في حالات الكوارث الطبيعية.
هـ. تقديم العون الطبي المناسب.
و. ملاحقة تهريب المخدرات، والهجرة غير الشرعية.
أثار إعلان تشكيل هذه القوات، تساؤلات عديدة، داخل دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، عن المسرح المستهدف لعمل هذه القوات. لذلك قام حلف شمال الأطلسي بالتجاوب مع مخاوف الأعضاء المتوسطيين، من خلال التحرك الجاد، من منظور خبرة حرب الخليج الثانية. وذلك بضرورة الدخول في حوارات على أساس ثنائي، مع عدد من دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، يمكن من خلالها التوصل إلى اتفاقات محددة، تضمن النجاح السريع، لعمل “قوة العمل المشتركة المجمعة”، التي أنشأها الحلف، إذا ما رأت دول الحلف، ما يستوجب عملها. لاسيما وأن هذه القوات، هي أقرب إلى قوات التدخل السريع، خارج المنطقة التقليدية لنشاط الحلف، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاقات محددة، حول التدريبات العسكرية المشتركة، التي تتعرف من خلالها هذه القوات، على البنية العسكرية لدول المنطقة، وربما يجرى تكييفها، مع متطلبات عمل هذه القوات. إضافة إلى العمل على نشر التعليم العسكري الغربي، في جيوش المنطقة.
قدم الحلف مبادرة لإجراء حوارات، على أساس ثنائي مع عدد من دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، هي: مصر، تونس، المغرب، موريتانيا، الأردن، إسرائيل. وذلك بهدف “تعزيز الثقة والتعاون”. وأوصى البيان الختامي لقمة الحلف، في مدريد، (8 ـ 9 يوليه 1997)، بضرورة تعزيز الحوار مع دول جنوب المتوسط، مشيرا إلى أن ” المنطقة المتوسطية، تستحق اهتماماً كبيراً، لأن أوروبا كلها ترتبط بشكل وثيق، بأمن واستقرار منطقة المتوسط”. وأوصت القمة بتشكيل “مجموعة التعاون المتوسطي”، تحت إشراف مجلس سفراء دول الحلف، بهدف توسيع وتعميق الحوار، مع دول الجنوب، وبحث الجوانب العملية، التي يمكن أن تشكل في المستقبل، قاعدة للتعاون مع دول الجوار الجنوبي”.
بدا واضحاً، أن الحوار الذي بدأه الحلف، مع دول جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، (أسماه البعض بالشراكة بين الحلف وهذه الدول) يهدف بالأساس، إلى تهيئة المناخ أمام قوة العمل المشترك المجمعة، وأيضا وضع لبنة جديدة في صرح بناء شبكة من العلاقات، بين الدول العربية وإسرائيل.
أصبحت أفكار “الشراكة” الخيار المفضل، من قبل الدول الغربية، لاسيما بعد أن تبين لها، صعوبة تنفيذ الأفكار الأخرى، التي جرى طرحها في مراحل سابقة، مثل إقامة منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط، على غرار نظيرتها في أوروبا، لتأمين العمل السريع، في منطقة جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، بتوفير الأساس القانوني الرسمي للعمل، من ناحية، والتأقلم مع البيئة العسكرية التحتية، لدول المنطقة، من ناحية أخرى، وذلك من أجل ضمان النجاح، لقوات الانتشار السريع، التابعة للحلف، إذا ما رأت دول الحلف أن هناك ما يستدعى التدخل، في منطقة جنوب المتوسط.
تطرح هذه الفكرة، العديد من التساؤلات، حول المدى الذي يمكن أن تشارك فيه الدول العربية، في إطار هذا الحوار. والمدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا الحوار كذلك، وما قد يترتب عليه من اتفاقات، تسمح لقوة العمل المشتركة المجمعة، بالعمل في مواجهة ما تراه دول الحلف، أنه يهدد مصالحها، وهو العمل الذي قد يوجه، ضد أي دولة عربية، أو غير عربية، جنباً إلى جنب مع قوات دول أخرى منها.
خامساً: مشكلة كوسوفو وحلف الناتو:
إقليم كوسوفو، أحد أقاليم البلقان، يقطنه أغلبية ذات أصل ألباني، الدولة المجاورة، وهي أغلبية مسلمة كذلك، منذ الفتح العثماني للمنطقة في القرن الرابع عشر الميلادي (1371م). وقد استولت صربيا ـ أحد أقاليم البلقان ـ ذات الأغلبية الأرثوذكسية، على مناطق من كوسوفو، وكذلك مناطق من كل من البوسنة ومقدونيا، وهما إقليمان بهما أغلبية مسلمة (البوسنة) أو نسبة المسلمين بها عالية (مقدونيا)، خلال فترة انحسار النفوذ العثماني (1912 ـ 1913) وأرغمت المسلمين في تلك المناطق، وكذلك المسيحيين الكاثوليك، على اعتناق الأرثوذكسية.
قتل ولي العهد النمساوي، الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وزوجته، بواسطة طالب صربي، في مدينة سراييفو البوسنية، في 28 يونيه 1914. وعلى أثر ذلك وجهت النمسا إنذاراً إلى صربيا، في 23 يوليه 1914، للسماح ببعثة قضائية نمساوية الإشراف على التحقيق خلال 48 ساعة، ولما لم تستجب، أعلنت النمسا الحرب وهاجمت صربيا وغزتها في 28 يوليه 1914، لتبدأ أحداث الحرب العالمية الأولى.
منحت القوات النمساوية الغازية، للأقليات المسلمة في البوسنة وكوسوفو، حكماً ذاتياً ثقافياً، وبانتهاء الحرب العالمية الأولى، نشأت الدولة اليوغسلافية، وضمت كل أقاليم البلقان (عدا ألبانيا) وتبددت أحلام تلك الأقاليم في حكم ذاتي، ونشأت حركات معارضة في معظمها، ومنها كوسوفو، ضد سيطرة الصرب على الدولة الجديدة التي أعلنت في ديسمبر 1918.
أعادت الدولة اليوغسلافية، ذات السيطرة الصربية، التمييز بين مواطنيها، فأغلقت المدارس في كوسوفو، ومنعت إصدار جرائد بلغاتها الألبانية، وأتبعت سياسة استيطانية، لتغيير التركيبة الديموجرافية في المنطقة، بداية بمصادرة أراضي كبار الملاك في الإقليم وتوزيعها على الجنود الصرب المتطوعين، والذين التحقوا بالجيش في نوفمبر 1918.
استمرت تلك الأوضاع هي السائدة في كل أقاليم دولة يوغسلافيا، مما أفقد الحكم الصربي شعبيته، بينما كان الحزب الشيوعي اليوغسلافي، تتسع شعبيته وتتزايد، خاصة مع إعلانه تضامنه مع حركة التحرر القومي الألباني (وكانت ممثلة بواسطة اللجنة الكوسوفية على الساحة السياسية) وكانت تدعو إلى ضم الإقليم الكوسوفي إلى ألبانيا. وبوصول الزعيم الشيوعي اليوغسلافي جوزيف بروز تيتوJosip Broz Tito إلى سكرتارية اللجنة المركزية، للحزب الشيوعي، في يوغسلافيا، عام 1937، بدأ في طرح توجه عام لإعادة بناء يوغسلافيا موحدة، يراعى فيها المساواة بين القوميات، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية، أدى إلى تأجيل ذلك، إذ غزت القوات الألمانية يوغسلافيا التي قاومت بشدة، تحت قيادة تيتو.
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، عاود تيتو تجميع القوميات المختلفة في البلقان، تحت حكم فيدرالي تحت اسم الاتحاد اليوغسلافي، واعتبرت كوسوفو أحد أقاليمه، إلا أنه في نفس الوقت ضم كوسوفو وغيرها إلى صربيا، حتى يمكنه الحصول على تأييد الصرب لحكمه. وعارض ألبان الإقليم القرار، ولجأوا إلى المعارضة المسلحة. وخشي تيتو أن تتأثر علاقته بألبانيا، نتيجة لقراره بضم كوسوفو إلى صربيا، فمنحها حكماً ذاتياً
أدخل تيتو تعديلات عديدة على دستور الدول، لتخفيف المركزية بالأقاليم، ومنحها مسؤولية سياسية واقتصادية واجتماعية أكبر، وصلت إلى حد تسميتها بالجمهوريات، تضمهما دولة فيدرالية، وبذلك أصبحت كوسوفو جمهورية كاملة الأهلية، وكان ممثلها في المجلس الفيدرالي، يتولى الحكم لمدة عام، طبقاً لترتيبه، حسب نظام الحكم المعمول به (رئيس كل إقليم، يتولى رئاسة الدولة الاتحادية، لمدة عام). وهدأت المعارضة الألبانية في الإقليم.
بموت تيتو، برزت الخلافات العرقية في منطقة البلقان، وتفجرت الاضطرابات العرقية وتصادم الصربيون والألبان في إقليم كوسوفو، عام 1989، وتحرك الصرب، في ظل الحكم الفيدرالي الضعيف، للاستيلاء على السلطة.
ألغى الصرب الحكم الذاتي لإقليم كوسوفو (1989)، ورد الألبان بإعلانهم الاستقلال في 2 يوليه 1990. وكان الحزب الشيوعي اليوغسلافي قد تخلى عن السلطة في يناير 1990، وسمح بإنشاء أحزاب أخرى، وهو ما زاد من التناقضات في المنطقة، إذ فازت أحزاب غير شيوعية في بعض المناطق، في الاتحاد اليوغسلافي، وبدأ الصدام بين الجمهوريات التي وصل إلى الحكم فيها الجبهات المعارضة، وبين تلك التي بقت تحت سيطرة الشيوعيون، وطالبت الجمهوريات بتخفيف حدة المركزية واستبدال الفيدرالية، بالكونفدرالية، أو الانفصال عن الاتحاد، وهو ما اتجهت إليه كرواتيا وسلوفينيا فأعلنتا الاستقلال، في يوليه 1990، بينما رفضت صربيا (المهيمنة على الحكومة الفيدرالية) ذلك. وسارع البرلمان الفيدرالي بتخويل الحكومة حق استخدام الجيش لضمان وحدة يوغسلافيا، ودفعت الحكومة المركزية، الجيش الاتحادي، داخل أراضي سلوفينيا لإعادتها تحت السيطرة المركزية، مما دفع المجموعة الأوروبية، التي كانت تراقب الموقف، إلى المشاركة بالتدخل، وإبرام اتفاق لوقف القتال بين سلوفينيا والقوات الاتحادية. مرة أخرى دفع الصرب الجيش الاتحادي إلى كرواتيا حيث استطاع فرض سيطرة الصرب الكروات (12% من السكان) على الأغلبية الكرواتية. وتدخلت المجموعة الأوروبية بالوساطة مرة ثانية، ورفضتها صربيا، فاعترفت المجموعة الأوروبية باستقلال كل من سلوفينيا وكرواتيا.
تدخلت الأمم المتحدة كذلك، وتمكنت بجهودها، من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين صربيا وكرواتيا، وتقرر كذلك نشر قوات دولية لحفظ السلام. وبذلك نجحت الأمم المتحدة في تجميد الموقف دون حله.
في فبراير 1992، أجرى البوسنيون استفتاءً للاستقلال عن يوغسلافيا، وصوت غالبية السكان لصالح الاستقلال، وعلى الفور أشتبك صرب البوسنة مع سكانها من الكروات والبوسنيين المسلمين وتدخل الجيش الاتحادي، ليمكن الأقلية الصربية من السيطرة على الجزء الأكبر من جمهورية البوسنة، وأعلن صرب البوسنة جمهورية مستقلة في ذلك الجزء من البلاد، في أبريل 1992.
تدخلت المجموعة الأوروبية والأمم المتحدة، بالوساطة تارة، والتهديد بالعقوبات تارة، إلا أن الجيش الاتحادي خرق كل قرارات وقف إطلاق النار، من أجل الاستيلاء على مزيد من الأرض لتحقيق حلم صربيا الكبرى، وينقلب الصراع من صراع للاستقلال، إلى حرب عرقية ضارية ذات طابع ديني أحياناً، واستنكر العالم كله تلك المذابح البشعة، طيلة أربعة سنوات، حتى تدخلت الولايات المتحدة، وأجبرت الطرف الصربي، كارهاً، إلى التفاوض مع البوسنيين. وانتهت المفاوضات باتفاق دايتون للسلام، في 14 ديسمبر 1995 الذي قسم البوسنة بين الصرب (49%) والكروات والمسلمين (51%) يجمعهما دستور فيدرالي وعاصمة موحدة (سراييفو).
كانت جمهورية الجبل الأسود، قد وافقت على البقاء في الاتحاد فتركوها الصرب، بينما كانت كوسوفو ومقدونيا تحاولان الحصول على استقلالهما، لذلك نقل الصربيون قواتهم إلى كوسوفو، مما دفع القيادات السياسية بإقليم كوسوفو، إلى المسارعة لتنبيه العالم وتحذيره، من خطورة الوضع في كوسوفو. ولم تكن كوسوفو مثل البوسنة، فالحرب إذا نشبت بها لن تكون محدودة، إذ كان هناك وجود قوي للألبان في كوسوفو، وكذلك مقدونيا والجبل الأسود المجاورتان، كما أن مجاورة الإقليم لألبانيا، يزيد من حدة الاشتباك ويوسع من نطاقه، وقد ينتقل إلى دول أخرى، لها أصول بالإقليم، مثل تركيا وبلغاريا، أو تؤثر الحرب في الإقليم على سكانها ومصالحها، مثل اليونان.
هددت بعض الدول الأوروبية القريبة من مسرح العمليات (إيطاليا، بريطانيا، فرنسا) الصرب، من نقل الحرب إلى كوسوفو، وتمكنت من التوصل لاتفاقية صربية ألبانية باسم “أوسلو” في سبتمبر 1996، بينما كان الرئيس المنتخب في كوسوفو يقود معارضة سلمية. وأدى تباطؤ الصرب المتعمد، في تنفيذ الاتفاقية، إلى زيادة التوتر، واضطر رئيس الدولة الكوسوفية إلى التخلي عن تمسكه بالمعارضة السلمية، في الذكرى السنوية الأولى للاتفاقية، وتدخل جيش تحرير كوسوفو، الذي كان قد تكوّن في سرية تامة، ونفذ عدة عمليات محدودة شملت خطف وقتل الجنود اليوغسلاف، مما أدى بالجيش الاتحادي إلى تنفيذ عدة عمليات ضد سكان الإقليم، بدعوى تعقبهم لجيش تحرير كوسوفو. وبدأ أكبر حملة تصفية عرقية في أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين، وأجروا عمليات نزوح جماعي ضخمة لتفريغ الإقليم من السكان.
كانت المنظمات الأوروبية الثلاث (الاتحاد الأوروبي، منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، حلف الناتو)، تراقب الوضع في كوسوفو عن كثب، لذلك قررت مجموعة الاتصال الدولية، دعوة السلطات الاتحادية (الصربية)، وممثلي الأغلبية الألبانية في كوسوفو إلى التفاوض حول خطة سلام في الإقليم، في ضاحية رامبوييه “Rambouillet” قرب العاصمة الفرنسية باريس “Paris” (6 ـ 23 فبراير 1997).
اعترض الطرفان (الصرب، والكوسوفيون) على خطة السلام، إذ لم تشر إلى إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو ما أعترض عليه الكوسوفيون، كما إنها كانت تضع تنفيذ الاتفاق تحت إشراف قوة من الحلف، عدها الصربيون تدخلاً أجنبياً غير مقبولاً. ونتيجة لذلك توقفت المباحثات، ولم تسفر عن توقيع اتفاق بين الطرفين.
انهار وقف إطلاق النار في كوسوفو، بعد فشل المفاوضات، وتصاعدت الاشتباكات بين القوات الصربية والمقاتلين الألبان. وعزز الصرب وجودهم في الإقليم الكوسوفي، بحشود عسكرية كبيرة، للسيطرة على أكبر رقعة من الإقليم، وأرغموا الآلاف من الألبان الكوسوفيون، على ترك منازلهم وقراهم، والهجرة إلى الأقاليم المجاورة. وشدد جيش التحرير الكوسوفي من عملياته ضد الجيش الاتحادي، والذي صب جام غضبه على القرى الألبانية الأصل، بينما واصل حلف الأطلسي تهديده، باستخدام القوة التي لم يكن يملك تفويضاً من الأمم المتحدة باستخدامها، إذ لم يعد الطرفان للتفاوض، وأعتبر التفاوض مجدداً في رامبوييه، فرصة أخيرة لتجنب الضربات العسكرية للحلف.
رغم التحذير الجدي للحلف، فإن الرئيس اليوغسلافي استمر في حملة التصفية العرقية التي دفع الجيش الاتحادي للقيام بها. بينما اتجه سكرتير حلف الناتو خافيير سولانا إلى مقدونيا، للاتفاق على ترتيبات استخدام أراضيها كقاعدة لقوات الحلف
سادساً: الحرب في البلقان:
مساء 24 مارس 1999، بدأ حلف الأطلسي عملياته العسكرية، ضد يوغسلافيا، لإقناع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش بالتوقيع على خطة السلام ذات شقين (اتفاق رامبوييه): الأول إقرار حكم ذاتي موسع لإقليم كوسوفو، والثاني دخول القوات التابعة لحلف الأطلسي إلى إقليم كوسوفو لضمان تنفيذ الاتفاق ومراقبة التطورات.
كان التدخل العسكري، بقرار سياسي أمريكي، وتأييد من المملكة المتحدة، وكان وراء ذلك دوافع كامنة لاستخدام العمل العسكري المباشر، لتسوية المشكلة في كوسوفو، إذ كان الأمريكيون يتلهفون لتطيق المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، والذي فرضوه على باقي الأعضاء بالحلف، وهو ما يحمل أكثر من معنى، لكل الأطراف:
1. إخطار الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف، بعدم جدوى معارضة الرؤية الأمريكية للمفهوم الاستراتيجي، فمن اختصاص الولايات المتحدة إعادة ترتيب العلاقات الأوروأطلسية.
2. إخطار الدول الأوروبية، الغير أعضاء بالحلف، بأن الأمن والاستقرار في القارة، يعتمد على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة.
3. توجيه روسيا الاتحادية، إلى عدم جدوى معارضتها لتوسيع الحلف، أو مقاومة مهامه الجديدة، إذ يطبق المفهوم الجديد للحلف على أقرب حلفاءها وأشقائها السلافيين.
4. إعلام العالم، بأن الولايات المتحدة هي القطب العالمي الأوحد، بعد انتهاء الحرب الباردة، وأنه لا تجدي مقاومة ترتيباتها، أو الاعتراض على سياستها الخارجية.
على الجانب الآخر، كان الأمريكيون يعتمدون على انتهاء الأعمال العسكرية بسرعة، ودون خسائر تذكر في الجانبين (حرب سريعة نظيفة حاسمة) توضح النموذج الأمريكي لحروب المستقبل ضد أي دولة تخرج عن الطاعة أو تعارض المشيئة الأمريكية الأطلسية. كان التقدير الأمريكي، والذي اقتنع به الحلف، أن الرئيس اليوغسلافي، قياساً على نموذج البوسنة، سيرضخ في الوقت الأخير، ويسلم بشروط الحلف، تجنباً للقصف الجوي، وهو ما يحقق الهدف السياسي، بالتلويح بالحل العسكري.
اختلف الحلفاء في نظرتهم لحل الصراع في البلقان، من وجهة نظر أمنهم ومصلحتهم، امتداداً لخلافهم تجاه العقيدة العسكرية الجديدة للحلف ودوره المستقبلي. وقد انعكس الخلافان على قمة واشنطن الاحتفالية مايو 1999، (أُنظر ملحق الوثائق التي صدرت عن قمة الناتو الخمسين (الاحتفالية) بواشنطن في 24-25 أبريل 1999) حيث كان مرتباً لتعبر عن تضامن دول الحلف وانتصارهم على خصومهم (حلف وارسو والاتحاد السوفيتي) عبر خمسون عاماً، واندثار الخصوم وبقاء حلف الناتو. لذلك كانت تلك الخلافات، تنذر بإفساد الاحتفال، فبعد أن فشل وزراء الخارجية في صياغة البيان الختامي والاتفاق على ما جاء في جدول أعمالهم، وأصبح على رؤساء الدول والحكومات، التوصل إلى تفاهم محدد حول القضايا المختلفة عليها، وكانتا اثنتين، هي الأكثر أهمية، وتعقيداً: إقرار العقيدة العسكرية الجديدة للحلف، وحل قضية كوسوفو. وقد استطاع الرؤساء تخطي المناسبة دون تعكيرها، بإصدار بيان اتسمت صياغته بالعمومية ودون توضيح درجة الاتفاق من إجماع أو اتفاق أو خلاف.
رغم أن الحملة الجوية للناتو، ضد يوغسلافيا، بدأت عقب فشل مفاوضات رامبوييه، لرفض اليوغسلاف اتفاق السلام الذي قدمته لها الولايات المتحدة، إلا أن مسؤولية الفشل وجهت إلى الدول الأوروبية، لعجزهم التوصل إلى اتفاق مثل اتفاق دايتون الذي توصلت إليه البوسنة والهرسك مع اليوغسلاف والذي كان برعاية الولايات المتحدة.
كانت خطة الناتو العسكرية (الأمريكية الصبغة والتنفيذ) من ثلاث مراحل: الأولى كانت تستهدف تدمير القوات اليوغسلافية، المنتشرة في كوسوفو، وقواعد الدفاع الجوي، والاتصالات داخل صربيا والجبل الأسود. أما المرحلة الثانية، فقد تضمنت تنفيذ هجمات مركزة عنيفة ضد المواقع الصربية في كوسوفو وقواعد الدفاع الجوي الصربية في كوسوفو وصربيا. المرحلة الثالثة كانت مرتبطة برد فعل الصرب، ففي حالة موافقة الرئيس الصربي على خطة السلام، يرسل الحلف قوة للحفاظ على السلام (28 ـ 30 ألف جندي)، وتتوقف العمليات الجوية ضد يوغسلافيا. وإذا أصر الرئيس الصربي على موقفه المتشدد، وصعد الصراع مع الحلف إلى مستوى أعلى من المواجهة العسكرية المفتوحة، تبدأ المرحلة الثالثة من العمليات الجوية، والتي كان مخططاً أن تستهدف العمق الصربي نفسه. وقد تنفذت المراحل الثلاثة كما كان مخططاً، إذ قصفت أهداف المرحلتين الأوليتين لمدة 48 ساعة، ثم أعقبها أهداف المرحلة الثالثة، دون أن يبادر الرئيس الصربي للموافقة على مطالب الحلف (كما كان مقدراً).
لنجاح العمليات الجوية، ركز الأمريكيون على ثلاث أهداف عسكرية رئيسية:
1. إسكات وسائل الدفاع الجوي، لتأمين القوة الجوية المنفذة للضربة الجوية.
2. شل عناصر القيادة والسيطرة، ومراكز المواصلات والاتصالات، لإضعاف سيطرة القيادات السياسية والعسكرية للصرب، على القوات الاتحادية
3. تدمير القوة الرئيسية للصرب، المتمثلة في المدرعات وأي قوات صربية ذات فاعلية، داخل كوسوفو.
لتنفيذ مهام وأهداف العمليات الجوية، حشد الناتو ثلاث وسائل قتالية، رئيسية، وحدد لكل وسيلة مهام وأهداف معينة، كانت تلك الوسائل، هي:
1. الصواريخ الباليستية أرض/ أرض أو جو/ أرض أو سطح/ أرض من نوع كروز ـ توماهوك “Toma Hawk – Cruise”. وكانت أهدافها مراكز القيادة والسيطرة، ومواقع القيادة للدفاع الجوي.
2. قاذفات القنابل الثقيلة من طرازيّ ب52، ب2 “B – 52, B – 2″، وكذلك قوة القاذفات المقاتلة من أنواع ف 15، ف 16، ف 117 الشبح 15, F – 16, F – 117 Stealth” وكانت أهدافها المحددة قصف القوات الصربية، في كوسوفو، والأهداف الحيوية والمناطق المستهدفة داخل الصرب.
3. الطائرات من نوع أ ـ 10 “A – 10″، والطائرات قانصة الدبابات العمودية من نوع أباتشي “AH – 64 Apache”، وكانت أهدافها المحددة، تدمير الدبابات الصربية في كوسوفو
ورغم أن الحلف دعم تلك القوة، بعدة طائرات فرنسية وبريطانية (من نوعي ميراج 2000 “Mirage – 2000″، وتورنيدو “Tornado”، واستقدم عدة وحدات جوية أخرى، حتى وصل عدد الطائرات المشتركة في العمليات الجوية ألف طائرة، فقد تحمل الصرب القصف، بل ودفعوا قوات إضافية (حوالي 1000 جندي) وعدة وحدات خاصة (كوماندوز) ومدرعات وآليات مدرعة ومدفعية. وزاد الحلف من قواته، ومن عنف الحملة القمعية ضد الصرب، ورد الصربيون بتصعيد القمع ضد الإقليم، محاولين استئصال شأفة الألبان في كوسوفو. وأصبح واضحاً أن العمليات الجوية، غير قادرة على تحقيق نتائج حاسمة، وقد يرجع ذلك لأن الأمريكيون كانوا يرغبون في استسلام الصرب، دون خسائر جسيمة في قواتهم للإبقاء على التوازنات في المنطقة، وأنه لا بد من مشاركة القوات البرية، وإلا فإن قرار إنهاء الحرب، أو امتدادها، سيصبح في يد الغريم الكوسوفي.
كان الصربيون، قد أعدوا قواتهم لحرب برية ضد قوات الناتو وأحاطوها بثلاث نطاقات من العوائق:
1. الخط الأول:
يتألف من أعداد كبيرة من اللاجئين الألبان، يستغلهم الصربيون كدروع بشرية، بعد أن أجلوهم عن مناطقهم السكنية، وأقاموا في معسكرات حدودية في مقدونيا وألبانيا، أو داخل كوسوفو، مما يستحيل معه بدء هجوم بري بحجم كبير من مقدونيا وألبانيا مع وجود تلك المئات من الألوف من اللاجئين.
2. الخط الثاني:
يتألف من نطاق حقول ألغام ممتدة وبعمق كبير، ومنتشرة في كل الأراضي الكوسوفية وعلى حدودها مع الدول الأخرى. وهي بلا شك ستعوق قوات الناتو البرية، أو تؤخر تقدمها لفترة طويلة
3. الخط الثالث:
مكون من شريط المدن والقرى، التي يقطنها الألبان، في الجنوب والوسط، والتي لم يتعرض لها الصرب ليمكن للقوات الصربية، الاستتار بها عند مواجهتها لقوات حلف الناتو، وكانت تمثل ثلث السكان الكوسوفيون من أصل ألباني فقط.
وضح أن التدخل البري، سيعرض طرفين لخسائر جسيمة في الأرواح وهي قوات حلف الناتو، والألبان الكوسوفيين، إضافة لاحتياجه إلى حجم ضخم من القوات، تتعدى 200 ألف جندي، حتى يمكنهم هزيمة قوة من الصرب في كوسوفو حجمها 40 ألف جندي، و300 دبابة. كذلك كانت التعقيدات السياسية تحول دون التدخل البري، فقد كانت الأحوال الداخلية المعاصرة، في دول الحلف الرئيسية المشاركة في الحملة (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا) لا تحتمل فكرة تدخل بري، إذ كانت حكومات تلك الدول، يشارك فيها قوى سياسية، ذات ثقل سياسي، تعارض فكرة التدخل البري (حكومات ائتلافية).
كانت العمليات القمعية العسكرية للصرب، تمثل كذلك مخاطرة محفوفة بالأخطار، إذ أنها تزيد من احتمالات اتخاذ الناتو قراراً بالتدخل العسكري برياً، مباشرة، رغم المحاذير والقيود، لوقف التعنت الصربي، ورفع المعاناة عن شعب بأسره. ويعني ذلك، ليس فقط احتمالات الهزيمة المؤكدة للقوات الصربية، بل كانت ستؤدي إلى تحقيق هدف رئيسي للحلف، بالإطاحة بنظام الحكم في الصرب. وفي تلك الحالة، فإن قوات الحلف البرية يمكنها التدخل ضد الصرب من خلال عدة محاور، تؤكد إمكانية تحقيق الهدف، وهي:
1. التقدم من محوري ألبانيا ومقدونيا مباشرة بالقوات المحشودة بهما، داخل صربيا.
2. عبور قوات أمريكية الأراضي السلوفاكية، قادمة من ألمانيا، إلى بلجراد مباشرة.
3. فتح جبهة جديدة، من اتجاه المجر، العضو الجديد في الحلف للتقدم في شمال صربيا، والتعاون مع الثوار من أصل مجري في إقليم فوفودينا “Vojvodina”، للتمرد على الحكومة في بلجراد.
4. الضغط على حكومة الجبل الأسود، لتعلن انفصالها عن الاتحاد اليوغسلافي.
سابعاً: الموقف الروسي من التدخل العسكري في كوسوفو:
كان الموقف الروسي والصيني، الرافض لتلك العمليات العسكرية، يفرض قيوداً على حرية العمل العسكري، كان أهمها تحجيم الحلف، ومنعه من استخدام قوته الضخمة، أو أسلحته الأشد تأثيراً، بفاعلية، ضد الصرب، فقد كانت روسيا ترى في العمليات الجوية للحلف تهديداً لأمنها، لذلك اتخذت موقفاً رافضاً متشدداً، إلى حد التهديد بتصدير الأسلحة إلى الصرب، كما نشرت صواريخ باليستية، ذات رؤوس نووية، في روسيا البيضاء “Belarus”. ويرتبط ذلك الموقف المتشدد للروس، بعدة اعتبارات:
1. محاولة الظهور كدولة عظمى ذات فاعلية، لتجنب محاولات الأمريكيون لتهميش الدور الروسي في السياسة الدولية.
2. ارتباط المصالح الوطنية الروسية، في منطقة البلقان، وتوطد العلاقات مع الصرب منذ عدة سنوات.
3. المبادئ الجديدة للسياسة الخارجية، والتي تحاول إيجاد دور أوروبي للدولة الروسية، لتجنب عزلتها، خاصة بعد اتجاه دول حلف وارسو سابقاً إلى الغرب.
أدى الموقف الروسي إلى تقييد قدرة قوات الناتو، وهو ما لاحظته القيادة الصربية، فتحركت بحرية أكبر في كوسوفو، مطورة أعمالها القمعية، ممتلكة للمبادرة، مسببه إحباطاً للهدف السياسي للحلف، لعدم قدرته على وقف التطهير العرقي الواسع النطاق، الذي تمارسه القوات الصربية في كوسوفو.
ثامناً: التسوية، والعودة للمفاوضات:
كلفت مجموعة الدول الصناعية، الغنية، المبعوث الروسي فيكتور تشيرنو ميردين، وممثل الاتحاد الأوروبي مارتي أهيتساري (الرئيس الفنلندي)، التباحث مع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوشيفتش، وقد تمكنا من التوصل إلى اتفاق معه لوقف الهجمات الجوية للحلف على يوغسلافيا، ووضع أسس عامة للتسوية في إقليم كوسوفو.
رفض الروس الاتفاق، بحجة أنه يتضمن شروطاً أطلسية الصبغة، تحقق للحلف الادعاء بالنصر وهزيمة الصرب، بل أنه يتدنى (أي الاتفاق) إلى مرتبة الاستسلام. وأستغل الروس تركيز الإعلام الغربي على اللقاءات العسكرية بين الحلف والصرب لتأكيد ما ذهب إليه، خاصة أن تلك اللقاءات كانت تدور في مباحثات تفصيلية لخطط الانسحاب من كوسوفو، التي ستنفذها القوات الصربية
كان الحلف يخطط للاحتفال بالانتصار واستسلام يوغسلافيا، دون الإشارة إلى روسيا الاتحادية. وخطط لدخول قوات الحلف إلى الإقليم، ووزعت القوات بالجنسيات، في قطاعات ومناطق جغرافية، دون الإشارة إلى الدور الروسي، أو تقبل مجرد فكرة إشراك الروس في برنامج الإشراف على تنفيذ الاتفاق. لذلك سعت روسيا إلى الضغط على الحكومة اليوغسلافية لوقف التوقيع على الاتفاق أو تنفيذه. ورداً على ما أعتبره الروس إهانة لهم واستهانة بقدراتهم السياسية والعسكرية، دعت إلى مفاوضات جديدة، سمتها المفاوضات الحقيقية، دون إملاء شروط استسلام على اليوغسلاف.
زاد تعقيد الموقف، بالتدخل الصيني، الذي هدد باستخدام حق الاعتراض (VETO) في مجلس الأمن، ضد أي قرار يخص مشكلة كوسوفو، إن لم تؤخذ مطالبها بعين الاعتبار، والتي كانت تتمثل في سرعة تقديم نتائج التحقيق، في قصف السفارة الصينية في بلجراد، بواسطة طائرات الناتو. كما طالبت بوقف العمليات الجوية في الحال، قبل طرح أي مقترح في مجلس الأمن. كذلك كانت الصين تطالب، بألا يتضمن قرار مجلس الأمن تفويضاً غير محدداً، يعطي حلف الناتو، أو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحديداً، حق شن هجمات جوية، دون مراجعة المجلس، على غرار ما حدث في حرب الخليج الثانية.
بدأت مرحلة جديدة من التفاوض، بين اليوغسلاف (يدعمهم الموقف الروسي ـ الصيني)، وبين حلف الأطلسي. وأدى الموقف المتشدد للروس، والتدخل الصيني، إلى تغيير خرائط الانسحاب وتعديلها، وتغيير كذلك في صيغة الاتفاق، والتصريحات المتبادلة. وقد تزامن مع المفاوضات، تحرك دبلوماسي مع موسكو وبكين. أسفرت المفاوضات عن الاتفاق على تزامن بدء الانسحاب للقوات اليوغسلافية، مع وقف غارات الحلف الجوية، وصدور قرار مجلس الأمن الرقم 1244، بتاريخ 10 يونيه 1999، والذي يصرح، بقبول يوغسلافيا المبادئ التي وضعتها “مجموعة الثمانية” في 6 مايو 1999، كأساس للتسوية السلمية للأزمة، والبدء في الانسحاب طبقاً للخطة، يتزامن معه نشر قوات أمن دولية، وقوات مدنية دولية، تحت إشراف الأمم المتحدة. كما أعطى القرار للناتو، سلطات وصلاحيات كبيرة للسيطرة على قوات الأمن الدولية.
تاسعاً: دخول القوات الروسية إلى كوسوفو:
بمجرد صدور قرار مجلس الأمن، وبينما تستعد قوات الناتو لدخول الإقليم، طبقاً لخرائط الانتشار، باغت الروس الجميع، بإرسال قوة عسكرية ـ كانت ضمن القوات الروسية العاملة في البوسنة ـ لتعبر الحدود البوسنية / الصربية، وتعبر صربيا إلى بريشتينا، عاصمة كوسوفو، وتتمركز في شمال غرب العاصمة. وأصر الروس على المشاركة في أعمال حفظ السلام بالإقليم، كما أصروا كذلك على أن تبقى القوة الروسية مستقلة، وتعمل خارج قيادة حلف الناتو، وبذلك رد الروس اعتبارهم العسكري، بذلك العمل الذي تم بسرعة وإتقان شديدين، كما أكد ذلك العمل إصرار الروس على عدم إظهار الصرب كمنهزمين في المواجهة مع حلف الناتو.
نتائج عملية كوسوفو (ك 4):
لم تحقق العمليات الجوية للناتو، رغم قوتها، أهدافها كاملة، كما أن الاتفاق الموقع مع الصرب، يفتح الطريق لمرحلة جديدة من التفاعلات، يصعب التكهن باتجاهاتها، أو نتائجها، مع الاضطراب الشديد في الموقف، والشلل الذي أصاب الدول الأوروبية ومنظماتها، بفعل السياسة الأمريكية المهيمنة على المجال الأمني الأوروبي، والتدخلات الروسية، التي تشعر بالمهانة من التهميش السياسي، والاستهانة بقوتها العسكرية.
——————————————————————————–
مثل قرار يلتسين في أعقاب التوقيع على الوثيقة التأسيسية مع حلف شمال الأطلنطي في باريس في 27 مايو 1997، بإزالة الأسلحة النووية الموجهة إلى أراضى الدول أعضاء حلف الأطلنطي.
يدعى غافريلو برنسيب.
كان تيتو مخطط لإقامة اتحاد فيدرالي مع ألبانيا وبلغاريا. وإن كان تخطيطه لم يصادفه التوفيق، إذ ساءت العلاقات مع ألبانيا بعد ذلك، وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها.
مؤلفة من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، وألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا.
يتمركز في مقدونيا ألفي جندي من قوة التدخل السريع للحلف، مكلفين بحماية المراقبين الدوليين في كوسوفو إضافة إلى ألف آخرين من الجنود، أغلبهم أمريكيون، من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منذ 1994 خمس سنوات سابقة على أحداث كوسوفو.
لم تستخدم الطائرات العمودية، رغم نشرها في ألبانيا، ورغم فاعليتها في تحجيم القوة المدرعة الصربية في كوسوفو والتي كان يعتمد عليها الصربيون اعتماداً رئيسياً لتنفيذ مخططاتهم للإبادة وتفريغ المدن من سكانها المسلمين.
تشير التقديرات، إلى أن إزالة هذه الألغام، سوف يستغرق عامين على الأقل، في ظروف السلم.
تضمنت ترتيبات الانسحاب، والطرق والدورب التي ستستخدم، وحجم القوات في كل رتل، والملابس التي سيرتديها الجنود الصرب خلال الانسحاب.
المبحث الثامن
مبررات استمرار الحلف
في أعقاب سقوط حلف وارسو في أول يوليه 1991، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي، الذي أعلن في ألما آتا “Alma Ata” في 21 ديسمبر من نفس العام، برز العديد من التساؤلات، حول مستقبل حلف شمال الأطلسي بعد اختفاء مصدر التهديد الذي نشأ الحلف وتطور لمواجهته. وقد برز تيار، ينبع من المدرسة الواقعية، رأى أن السقوط هو المآل الطبيعي للحلف، بعد تلاشي مصادر التهديد الأساسية وذلك من منظور نظرية توازن القوة. غير أن تياراً أخر يرى من منظور توازن التهديد، أن تفكك الحلف لا يعد أمراً حتمياً، ومن ثم فانه يمكنه أن يتعزز ويقوى ويستمر لفترات طويلة قادمة، إذا ما تم وضع تصور جديد لمصادر تهديد جديدة يمكن من خلالها تطوير المفهوم الإستراتيجي للحلف.
كثرت الدراسات، للبحث عن التهديدات الجديدة، التي يمكن أن تشكل مبررات لاستمرار الحلف، مع ما يعنيه ذلك ضمناً، من استمرار القيادة الأمريكية للحلف، واستمرار القيادة الأمريكية، لمنظومة الدول المنتصرة في الحرب الباردة، استمراراً لدورها في قيادة المعسكر الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عصر الحرب الباردة)، لان هذا الدور سيفقد الكثير من مقوماته إذا ما ضعف أو تفكك حلف الأطلسي من هنا كانت إرادة الحلفاء في استمرار الحلف، ومن ثم استمر الناتو وبدا في تطوير عضويته وآلياته حتى يتمشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية..
أولاً: دوافع استمرار الحلف:
كان من المنطقي أن يؤدى تفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف “وارسو” لنفسه والإعلان عن بدء نظام عالمي جديد، إلى حل حلف الناتو لنفسه هو الأخر، بانتهاء الحرب الباردة، لانحسار التهديد من الشرق، الذي قامت هياكل وآليات الحلف على أساسه، غير أن مرحلة جديدة من مسيرة الحلف بدأت تفرض نفسها على ارض الواقع، مغايرة لكل التوقعات، وكل النظريات الاستراتيجية في هذا المجال.
شكل مؤتمر قادة الحلف الذي عقد بمدريد في يوليه عام 1997، علامة فارقة للحلف، يجب التوقف عندها، لما أدت إلية من تحولات جذرية في مفاهيم استراتيجية الحلف، إذ لم يعد يقتصر ذلك على استمرار الحلف بصورته التقليدية، بل غير في بداية المرحلة الجديدة من الشكل التقليدي، إلى عملية توسيع عضوية ونطاق عمل ومسؤولية ومهام الحلف، وذلك من منظور آخر وتهديدات جديدة، قام الحلف على أساسها، بالعمل على احتواء العديد من الدول التي امتدت إلى كل دول شرق ووسط أوروبا. وكذلك امتدت خارج القارة الأوروبية لتشمل دول جنوب وشرق المتوسط، والشرق الأوسط برمته.
من اللافتة للنظر، ارتكاز التصور الجديد لمسيرة الحلف، على مجموعة من المتناقضات، كان من الصعب التكيف فيما بينها، إلا أن عمليات مستمرة من المواءمة والضغط أحيانا التي تولتها الولايات المتحدة، نجحت إلى حد كبير في التغلب على هذه المتناقضات، وهو ما أدى إلى استمرار الحلف وعدم تفككه هو الآخر.
1. الدوافع المعلنة لاستمرار الحلف:
أ. أن الاتفاق مع روسيا الاتحادية على انتهاء الحرب الباردة لا يعنى انتهاء التهديدات الأمنية والعسكرية المباشرة “Security Hard” التي يمكن أن تتعرض لها دول أوروبا الغربية أعضاء الحلف، فقد برزت مفاهيم جديدة للتهديدات التي تستوجب استمرار الحلف وهى قضايا عدم الاستقرار السياسي، وقضايا الإرهاب، والتطرف، والمخدرات، والهجرة غير المشروعة، وحقوق الإنسان، والتي تدخل في إطار التهديدات غير المباشرة “Security Soft” والتي كانت مثارا للخلاف بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين، وهو ما وضح في الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف (وزراء الخارجية ) ببروكسل في ديسمبر 1997.
ب. استمرار المحافظة على الأمن والاستقرار الأوروبي، في إطار العمل على استقرار وسط وجنوب أوروبا، بدعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتلك المناطق.
ج. عدم انفصال الأمن الأوروبي عن الأمن الأطلسي، ومن ثم فان تحسين الأمن والمناخ الأوروبي المتوسطي، يفرض استمرار تماسك المجتمعات الديمقراطية، ليس لدول الحلف فقط، بل وفي باقي دول القارة، وهو الأمر الذي يفرض، ليس بقاء الحلف فقط، وإنما بناء تعاون فعال مع الدول التي تشارك الحلف في قِيَمِه في كل أنحاء أوروبا.
د. تصاعد التهديدات غير المباشرة، لدول الحلف، من خلال منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يدعو لاستمرار ترابط الدول المتحالفة، نظرا للارتباط الوثيق للأمن الأوروبي، مع منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة البحر المتوسط على وجه الخصوص .
هـ. لا يعني استمرار حلف الناتو عرقلة نمو الهوية الأوروبية والاتحاد الأوروبي، الذي يتطلع لأن تكون له آليات عسكرية فعالة، متمثلة في اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بل أنه يعد دعماً لهما عند الضرورة.
2. الدوافع غير المعلنة لاستمرار الحلف:
يعتبر الحلف إحدى أدوات الولايات المتحدة الرئيسية، للحفاظ على هيمنتها على قمة النظام العالمي، وذلك في إطار:
أ. دعم استمرار الهيمنة السياسية والعسكرية، للولايات المتحدة، على أوروبا الغربية .
ب. احتواء دول شرق ووسط أوروبا، من خلال ربطها بشبكة علاقات مع الحلف، وإبعادها عن أي روابط مستقبلية فيما بينها، أو بينها وبين روسيا الاتحادية، إضافة إلى منع انبعاث الحركات القومية الكبرى، في البلقان (صربيا الكبرى ـ ألبانيا الكبرى).
ج. احتواء وتحجيم روسيا الاتحادية، تحسباً لأي بعث أو عودة لها لتلعب دوراً رئيسياً على الساحتين الأوروبية والدولية في المستقبل، في إطار محاولتها إعادة ترتيب أوضاع العالم في القرن القادم من منظور المصلحة الأمريكية.
د. استمرار احتواء ومراقبة ألمانيا الاتحادية، تحسباً لاحتمالات النمو العسكري المستقبلي لها، وعودتها لمحاولة القيام بالدور المحوري المهيمن على أوروبا.
هـ. المحافظة على موطئ قدم أمريكية (قواعد عسكرية: برية، جوية، بحرية) في دول التحالف في أوروبا، قلب العالم، في إطار رسمي وقانوني، يمكن من خلالها تأمين خطوط مواصلاتها البحرية والجوية، والانطلاق إلى أي منطقة إقليمية أخرى على غرار ما تم أثناء حرب الخليج الثانية .
و. توفير آلية عسكرية شبة دولية، كواجهة، يمكن للولايات المتحدة تنشيطها طبقاً لمصالحها، في إطار غطاء دولي، يحقق لها تفادى المعارضة الدولية، في حالة عملها منفردة، خاصة إذا أرادت (من منظور مصالحها) القيام بعمل عسكري، خارج نطاق الشرعية الدولية (الأمم المتحدة).
3. المتناقضات واستمرار الحلف:
أ. حلف الناتو بين توازن القوى ” Balance of Power ” وتوازن التهديد ” Balance of Threat “: نشأ الحلف عام 1949، واستمر طوال عصر الحرب الباردة، من منطلق الواقع الذي انتهت آلية الحرب العالمية الثانية، وبروز الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى، في حين خرجت كل دول أوروبا الغربية، وهى تعانى من تداعيات الحرب، الآمر الذي لم تتمكن معه من تحقيق التوازن بشكله العام، والعسكري بشكل خاص، مع الاتحاد السوفيتي خاصة وهو يمد إطار سيطرته على أوروبا الشرقية كلها، وعلى بعض دول أوروبا الغربية من خلال الأحزاب الشيوعية فيها.
أدى ذلك، إلى خلل في التوازن على مستوى القارة الأوروبية، الأمر الذي اقلق قادتها، فكان ميثاق بروكسل (ميثاق التعاون)، باقتراح كل من بريطانيا وفرنسا، الذي وقع في 17 مارس 1948، والذي ضم بالإضافة لهما، كلاً من هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج، غير أن الأزمة التي وقعت بين الاتحاد السوفيتي من جانب، وبين الدول الغربية الأخرى المحتلة لألمانيا من جانب آخر، نتيجة للتشدد الأمريكي في بعض المسائل المعلقة، والذي قابله تشدد سوفيتي، وهو ما أدى إلى التلويح باستخدام القوة، بشكل أو بآخر، نجح في ردع الجانب السوفيتي. لقد كان الخلل في توازن القوة، بين دول أوروبا الغربية، وبين الاتحاد السوفيتي سبباً في دفع الولايات المتحدة لاستخدام هذا الأسلوب لاستعادة التوازن.
لذلك كان إعلان قيام حلف الناتو، من منظور المحافظة على توازن القوة، في مواجهة الاتحاد السوفيتي وحلفائه في أوروبا الشرقية.
هدف سباق التسلح بين الجانبين، إلى عدم إتاحة الفرصة لطرف أن يتفوق على الطرف الآخر، أي الحفاظ على توازن القوة بينهما، وفي مرحلة تالية عاد الجانبان إلى أساليب جديدة للمحافظة على هذا التوازن، بعد أن أرهقهما سباق التسلح الذي لا طائل من ورائه، وذلك من خلال الصور المختلفة لضبط التسلح.
يشير ذلك إلى أن علاقات القوى بين المعسكرين الشرقي والغربي، ظلت محكومة طوال فترة الحرب الباردة من خلال نظرية توازن القوى، التي ارتكز عليها حلف الناتو، في بناء هياكله ونظمه الدفاعية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف وارسو لنفسه، وتوقيع الجانبين الأمريكي والروسي، على اتفاق انتهاء المواجهة بينهما، انهار العنصر الرئيسي الذي قام على أساسه الحلف، وهو توازن القوى، الأمر الذي كان من المفترض أن يؤدى إلى حل حلف الناتو.
بيد أنه من منظور آخر، برزت نظرية توازن التهديد، التي يمكن اعتبارها نابعة من توازن القوة، وهى نظرية وضعها “ستيفن والت” عام 1985، ليعالج بها القصور الذي شاب نظرية ميزان القوة، ومن ثم فان ميزان التهديد يعنى “أن الدول تتوازن في مواجهة مصدر التهديد، وليس القوة المجردة، وذلك عبر تحديد مصدر التهديد”، وتؤكد النظرية أن اختفاء مصدر التهديد الرئيسي، الذي أنشئ الحلف لمواجهته، لا يؤدى بالضرورة إلى سقوط الحلف وتفككه، وان سقوط مصدر التهديد الرئيسي، يتوقف على طبيعة نشأة الحلف، ومدى صلابة هياكله ومؤسساته، وطالما أدرك أعضاء الحلف وجود مصادر تهديد أخرى تقتضي مواجهتها، بصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف، حول ترتيب درجة تهديدها.
من هذا المنطلق بدأ حلف الأطلسي في التكيف، مع المتغيرات الدولية، بعد انتهاء مرحلة توازن القوة، مرتكزاً على مفهوم واسع للتهديدات الجديدة، التي عرفت بالتغيرات الغير مباشرة للأمن “Soft Security”، مع عدم استبعاد التهديدات المباشرة للأمن ” Security Hard ” والتي تأتى في المرتبة الثانية، ومن خلال هذه النظرية، يمكن تفسير أسباب بقاء حلف الناتو، وعدم سقوطه، فقد حول توجهاته، من توازن القوى، إلى توازن التهديد، دون أن يؤثر التناقض بينهما على مسيرته.
ب. الحلف بين الردع والدفاع الجماعي المحدد، وبين التعاون والأمن الجماعي الإقليمي:
ارتكز حلف الناتو، كحلف تقليدي، على مفهوم الردع، والدفاع عن مجموعة محددة من الدول، وعن نطاق مسؤولية محدد، يتعلق بحدودهم الإقليمية، تجاه عدو محدد، وذلك وفقا للمادتين الرابعة والخامسة، من ميثاق الحلف. غير أن المتغيرات الدولية، التي فرضت نفسها على الحلف، وما أدت إلية من تحولات، خاصة في مجال العضوية، بمستوياتها المختلفة، التي تراوحت بين العضوية العاملة لبعض الدول، وبين المشاركة، لمعظم الدول الأوروبية. ومشاركة مميزة لروسيا الاتحادية.
أدى ذلك، فيما يبدو، إلى فقد الحلف لخصوصيته، من خلال هذه الشبكة الواسعة من المشاركة الجزئية، والعضوية الكاملة، التي لابد أنه سيترتب عليها واجبات وأعباء جديدة، تجاه الأعضاء الأصليين في الحلف، كما أصبح الحلف أشبه بمنظمات الأمن والتعاون الإقليمي، التي تبنى على أساس العمل ضد أي عدوان، من أي اتجاه، وضد أي عضو، في النظامين الإقليمي والدولي، يهدد التعاون والآمن والاستقرار الإقليمي، وهو ما يختلف جذريا عن مفهوم وطبيعة الحلف.
رغم ذلك التناقض فإن عملية التكيف نجحت إلى حد كبير في الجمع بين المفهومين، فقد حافظت على المفهوم التقليدي للحلف دون تعديل، مع الأخذ ببعض مفاهيم الأمن الجماعي من خلال التعهد بمواجهة أي تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي من خارج نطاق مسؤولية الحلف.
ورغم ما يبدو من ازدواجية بين الحلف وبين المشاركة من أجل السلام، إلا أنه من الواضح أن المشاركة فتحت آفاقا ارحب للحلف للحشد والحركة والمناورة من خلال أراضى شركاء السلام من اجل تحقيق أهدافه بصورة افضل وهو ما وضح أخيرا خلال أزمة “كوسوفا” (استخدام الحلف لأراضى وأجواء بعض الدول المجاورة ليوغسلافيا ( ألبانيا – مقدونيا- بلغاريا… ) والتي لو لم تكن أعضاء في المشاركة من أجل السلام لما تمكن الحلف من استخدام أراضيها أو مجالها الجوي).
ج. الازدواجية والتعارض الوظيفي للحلف، مع الآليات العسكرية الأوروبية:
نمت الشخصية الأوروبية، للمستوى الذي وصلت إليه، بإعلان الاتحاد الأوروبي، وكان لابد أن تتنامى الرغبة في تشكيل هوية عسكرية أوروبية خالصة، ورغم وجود كل من اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة الآمن والتعاون الأوروبي، إلا أن فاعليتها مازالت محدودة، ووضح ذلك خلال مشكلة “البوسنة والهرسك”، التي لم ينجحا فيها، الآمر الذي دفع إلى تدخل الحلف، ومن المعتقد أن الولايات المحتدة رغم ما تظهره من تأييدها ودعمها لهاتين المنظمتين الأوروبيتين، فإنها تبطن مقاومة غير مباشرة لهما، لأن نجاحهما، يعنى تقليص مهام الحلف، إلى حد كبير، من خلال الاستقلالية الأوروبية بالاعتماد على آلياتها العسكرية وهو ما يتعارض مع المصلحة الأمريكية. يضاف لذلك الهيمنة الأمريكية على الحلف والتي تتعارض مع الرؤية الأوروبية في حالات عدة .
فالاتحاد الأوروبي يسعى لتوسيع عضويته لتشمل معظم الدول الأوروبية، وهو في ذلك قد يشكل نوعاً من الاستقلال الذاتي والتنافس، الذي يمكن أن يزيد مساحة الاختلاف، مع الولايات المتحدة، ورغم ذلك فان الولايات المتحدة نجحت حتى ألان في احتواء الآليتين الأمنيتين الأوروبيتين من خلال التنسيق بينهما وبين الحلف، وأوكلت لهما بعض المهام المحدودة إذا ما قورنت بمهام الحلف في مجال المحافظة على الاستقرار والأمن الأوروبي.
ثانياً: تطور الفكر والأدوات لاستمرار بقاء الحلف:
رغم أن حل حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي ثم انتهاء عصر الحرب الباردة، كان مباغتاً إلى حد كبير، إلا أن التحول المقابل في مسيرة الحلف، جاء تدريجياً، عبر بعض القرارات والأحداث الرئيسية، أدت إلى نجاح الحلف، في التكيف مع تلك المتغيرات، من خلال مواءمة وتطوير آلياته. وكانت معيناً له في استمراره والحفاظ على حيويته التي نشأ بها، ومن أبرز تلك القرارات والأحداث ما يلي:
1. في البداية، كانت الرسالة، التي نشرت بعد اجتماع مجلس الحلف بلندن، في 7 ـ 8 يونيه 1990، والتي سميت برسالة ” تيرنبرى Turnberry ” وكان أبرز ما بها:
أ. بدء تغيير مهمة الحلف، من مواجهة التهديد المباشر، لحلف وارسو، إلى التوجه نحو الاستقرار والأمن في أوروبا بشكل عام.
ب. بداية التغيير في مفهوم التحالف، من كونه أداة للردع والدفاع الجماعي، إلى إطار أوسع يعتمد على توفير الحماية، في مواجهة تهديدات غير محددة للدول الأعضاء، فإلى جانب استمرار المهمة الأساسية للحلف (الردع والدفاع الجماعي) برزت مهمة جديدة تهدف لبناء هيكل جديد للعلاقات الأوروبية التي يجب أن تقوم على دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي، لدول المعسكر الشرقي.
ج. كما قرر الحلف الآتي: “رأى قادة الحلف، أنه رغم أن دور الحلف الرئيسي، وهو الدفاع المشترك، لا يزال قائماً، ومطلوباً، فإن التغيرات في البيئة الأمنية، تقتضي تغييراً في المهام العسكرية، التي تواجه أعضاء الحلف، ولا بد من إدخال تغييرات، على استراتيجية الحلف العسكرية”.
2. صدر في يوليه 1990 “إعلان لندن”، الذي شمل المبادئ الإرشادية للاستراتيجية الجديدة للحلف، تشكلت مجموعة خاصة للدراسة وصياغة تلك الاستراتيجية، أكملت مهمتها في نوفمبر 1991.
3. أصدر قادة الحلف، في 7 ـ 8 نوفمبر 1991 “إعلان روما” حول الأمن والتعاون والسلام، أكد فيه الحلف، على أن طبيعة التحديات الأمنية، التي ينتظر أن يواجهها الحلف، تختلف في طبيعتها، عما كانت عليه قبل ذلك، وقام الإعلان بتحديدها، كما أقرت قمة روما الاستراتيجية الجديدة للحلف، ارتكزت على المبادئ التالية:
أ. استمرار الحلف في أداء مهامه في الدفاع الجماعي.
ب. الحلف وحدة لا تتجزأ، ومع الحفاظ على وحدة أمن دول الحلف، فإن أعضاءه الأوروبيين، سوف يتحملون، مزيداً من مستويات الدفاع الذاتي، عن أنفسهم.
ج. مع الحفاظ على هيكل القوات القائم، فإن على الحلف أن يستحدث هيكلاً جديداً، يعتمد على قوات اكثر مرونة، وحرية حركة، يمكن الاعتماد عليها في الدفاع المتقدم .
د. استمرار الحلف في الاعتماد على نظم التسلح التقليدية والنووية، مع العمل على خفض القوات التقليدية، والحد من الاعتماد على نظم التسلح النووية.
هـ. إقرار مبدأ التعاون مع دول حلف وارسو، بإنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي ” North Cooperation Council Atlantic ” الذي يتركز نشاطه الرئيسي في المسائل السياسية والأمنية.
4. في قمة ماستريخت (9 ـ 10 ديسمبر 1991) وضعت أسس العلاقة بين الحلف، وكل من اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة التعاون والأمن الأوروبي. ثم في اجتماع بروكسل (يناير 1994)، كان نقطة تحول، على طريق الاتفاق الأمريكي الأوروبي، حول تنشيط اتحاد أوروبا الغربية، واعتباره المكون الأوروبي للحلف.
5. مشاركة الحلف بالعمل خارج نطاق مسؤوليته المحددة في ميثاقه للمرة الأولى في مشكلة البوسنه والهرسك.
6. الاتفاق الثلاثي، بين فرنسا وألمانيا والحلف، في يناير 1993، والذي تعمل القوات الفرنسية بموجبه، تحت قيادة الحلف في البوسنة، وهو ما أعتبر تمهيداً لعودتها الكاملة إلى اللجنة العسكرية.
7. طرح مبادرة الشراكة من أجل السلام، كتطوير لمجلس تعاون شمال الأطلسي، في يناير 1994. والتي تعتبر نقطة تحول رئيسية، في مسيرة الحلف، لاحتواء دول الكتلة الشرقية.
8. طرح مبادرة الحلف، تجاه دول البحر المتوسط (جنوب وشرق المتوسط)، بنهاية عام 1994، والتوصية بضرورة تعزيز العلاقات، في البيان الختامي للحلف، في مدريد (يوليه 1997). (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)
9. الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية في 27 مايو 1997: (أُنظر ملحق الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية (27 مايو 1997))
تعتبر وثيقة أساسية هامة، في مسار الحلف، لأنها نجحت في التوصل إلى تبادل الثقة بين روسيا الاتحادية وحلف الأطلسي بعد فترة طويلة من المواجهة العسكرية بينهما، خلال عصر الحرب الباردة. وقد وضعت الوثيقة الإطار العام للتعاون بين الجانبين، والأسس الحاكمة للعلاقات بينهما، في المجالين السياسي والعسكري، من منظور الالتزام السياسي، بإقامة سلام دائم وشامل، في المنطقة الأوروأطلسية، تقوم على مبادئ الديموقراطية والأمن التعاونى، وقد اشتملت الوثيقة على الأقسام التالية:
تقديم، المبادئ، آلية التشاور والتعاون، مجالات التشاور والتعاون، قضايا سياسية وعسكرية.
أ. أبرز ما جاء في قسم المبادئ:
(1) تنمية شراكة قوية مستقرة ومتساوية.
(2) الاعتراف بالدور الحيوي، الذي تلعبه الديموقراطية والتعددية السياسية، وحكم القانون، والاقتصاد الحر، وحقوق الإنسان.
(3) الامتناع عن التهديد، أو استخدام القوة، ضد بعضهما البعض، أو ضد الآخرين.
(4) الصدق المتبادل، في المسائل الدفاعية والأمنية.
(5) منع الصراعات، وتسوية الأزمات، بالوسائل السلمية.
ب. أبرز ما جاء في قسم آلية التشاور والتعاون: (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)
(1) اتفاق الجانبين على تشكيل “مجلس مشترك دائم”، يهدف إلى بناء مستويات متصاعدة للثقة، وإقرار مبدأ التشاور والتعاون، بين روسيا الاتحادية والحلف، من أجل أمنهما، على أن يسعى الجانبان لتسوية أي خلافات قد تنشب، على أساس من النوايا الحسنة، والاحترام المتبادل، في إطار المشاورات السياسية، وعلى مبدأ الصدق المتبادل.
(2) أن هذا الاتفاق لا يرتب لأي من الجانبين، حقا للفيتو، على أي عمل يقوم به أحدهما، ولا حق تقييد أحدهما، في اتخاذ القرار المناسب لأمنه.
(3) اجتماع المجلس على مستويات مختلفة، حسب رغبة كل منهما، على أن تنشئ روسيا بعثة لدى الحلف، ويرأس المجلس الدائم، بشكل دوري، ممثل عن روسيا، والأمين العام للحلف.
ج. أبرز ما جاء في قسم مجالات التشاور والتعاون:
(1) قضايا الأمن والاستقرار، في المنطقة الأوروأطلسية، ومنع النزاعات وإدارة الأزمات.
(2) العمليات المشتركة، بما فيها حفظ السلام، في إطار مجلس الأمن، أو منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
(3) مشاركة روسيا في مجلس الشراكة الأوروأطلسية، والشراكة من أجل السلام.
(4) تبادل المعلومات، وقضايا الأمن النووي، والصاروخي، والتدريبات المشتركة.
د. أبرز ما جاء في قسم القضايا السياسية والعسكرية:
(1) تأكيد الحلف على عدم نشر أو تخزين أسلحة نووية على أراضى الأعضاء الجدد في الحلف، وعلى عدم تغيير السياسة والوضع النووي للحلف.
(2) أهمية تطوير معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا من مفهوم تنفيذ التخفيض المتفق عليه بما يتفق مع المتطلبات الدفاعية، على أن تتم المراجعة عام 2001 وكل خمس سنوات بعد ذلك.
(3) يقوم الجانبان بتحسين أنظمة الحد من التسلح وإجراءات بناء الثقة لخلق علاقات أمنية تقوم على التعاون السلمي.
10. إعلان مدريد حول الأمن والتعاون الأوروأطلسي في 8 يوليه 1997: (أُنظر ملحق إعلان مدريد حول الأمن والتعاون الأوروأطلسي “صادر عن رؤساء الدول والحكومات” (8 يوليه 1997))
الوثيقة الرئيسية الأولى، شبه المتكاملة للحلف، في مجال التكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية، وقد جاء في مقدمته:
“نحن رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في الحلف، اجتمعنا لتحديد الشكل الجديد للحلف، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، لقد تم تحقيق تقدم ملموس، في عملية التكيف الداخلي للحلف، وكخطوة هامة في العملية التطويرية، لتوسيع الحلف، دعونا ثلاث دول لبدء محادثات الانضمام، وقد دعمنا علاقاتنا بشكل كبير، مع الشركاء، من خلال مجلس الشراكة الأوروأطلسى، كما تم تعزيز برنامج الشراكة من أجل السلام، وأن هناك أوروبا جديدة صاعدة، أكثر اندماجاً وأمناً”.
وقد اشتملت الوثيقة على العديد من الخطوط الرئيسية، الموجهة للحلف، في شكله الجديد، أبرزها ما يلي:
أ. التحرك لتحقيق رؤية الحلف الخاصة، بنظام عادل ودائم للسلام في أوروبا، يقوم على احترام حقوق الإنسان، والحرية، والديموقراطية.
ب. الاحتفاظ بوظيفة الحلف الأساسية، وهى الدفاع الجماعي، مع استمرار تحسين القدرات الدفاعية، وأن “ناتو جديداً ” ينمو، من أجل أوروبا جديدة، غير مقسمة.
ج. إن أمن الأعضاء، يرتبط بأمن أوروبا كلها.
د. الترحيب بانضمام أعضاء جدد، كجزء من العملية التطويرية، مع دعوة كل من جمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، لبدء محادثات الانضمام للحلف، بتوقيع بروتوكول في ديسمبر 1997، والتصديق عليه بحلول العيد الخمسين للحلف.
هـ. إن إقامة مجلس الشراكة الأوروأطلسية، يشكل بعداً جديداً في العلاقات، مع باقي الشركاء، حيث اصبح برنامج الشراكة من أجل السلام، النقطة المحورية للحلف، من أجل بناء نماذج جديدة للتعاون العملي، في مجال الأمن. (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)
و. الإشارة للوثيقة التأسيسية مع روسيا الاتحادية، وللوثيقة مع أوكرانيا (وقعت في اليوم التالي) على أنهما إنجازان تاريخيان.
ز. الإشارة إلى أن منطقة المتوسط، تستحق اهتماماً كبيراً، لارتباطها الوثيق بالأمن الأوروبي.
ح. الإشارة للتقدم الذي تحقق، في مجال التطوير الداخلي للحلف، وفي تطبيق مفهوم “قوة العمل المشتركة المجمعة للحلف”.
ط. المساندة الكاملة لتنمية الهوية الأمنية والدفاعية الأوروبية، كما جاء في إعلان بروكسل 1994، والالتزام بالمفهوم الاستراتيجي للتحالف، الذي أقر في روما، عام 1991، والالتزام بالشفافية بين الحلف واتحاد غرب أوروبا، في إدارة الأزمات.
ي. ضرورة دفع وسائل منع الانتشار النووي، والحد من التسلح ونزع السلاح، والإشارة لأهمية معاهدة خفض القوات التقليدية في أوروبا (cfe) وضرورة إتمامها.
11. ميثاق العلاقات المميزة بين الحلف وأوكرانيا في 9 يوليه 1997: (أُنظر ملحق ميثاق الحلف حول العلاقة المميزة بينه وبين أوكرانيا مدريد (9 يوليه 1997))
كانت أوكرانيا تمثل مشكلة لحلف الناتو، من نوع خاص، فهي الدولة التي تلي روسيا الاتحادية، في حيازة الأسلحة النووية. كما أنها تمتلك جزءاً مناسباً من الأسطول البحري السوفيتي (السابق)، بعد تقسيمه بينهما، وعلى الجانب الآخر، وَفّرَ الميثاق نوعاً من الدعم المعنوي لأوكرانيا، باعتبارها دولة حدودية مع روسيا الاتحادية(أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)
12. إعلان واشنطن بمناسبة العيد الخمسين لإنشاء الحلف: (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)
كان من الدعائم الرئيسية التي ارتكز عليها الحلف، في مرحلته الحاسمة، للتكيف مع المتغيرات، ذلك الإعلان، الذي صدر عن الاحتفالية بالعيد الخمسين لإنشاء الحلف، رغم أن أزمة البلقان (كوسوفا) كانت تلقي بظلالها، على أعمال ومداولات المؤتمر، ورغم ما تواتر من معلومات، عن الاختلاف في وجهات نظر الحلفاء، التي لم تصل إلى حد الخلاف. بل أن أزمة التكيف أو الحل جعلتهم أكثر تكاتفاً، ليتمكنوا من الوصول إلى حلول مرضية، تتمشى مع الاحتفالية.
وصيغ ذلك التماسك، في كلمة “خافيير سولانا” السكرتير العام للحلف، التي قال فيها: “إن الاستراتيجية الجديدة التي أقرها الحلف، خلال قمة واشنطن، تؤكد على تغيير دوره من حلف دفاعي، إلى جهاز عسكري له صلاحيات التدخل العسكري، في النزاعات الإقليمية، داخل حدوده وخارجها. وأن المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، يوسع مهامه، ويكلفه للمرة الأولى، بإدارة الأزمات، على مجمل الأراضي الأوروبية، وأن هذا الدور الجديد، يعتبر خطوة مهمة لمساعدة الحلف، في مواجهة تحديات القرن المقبل”. كما تضمن البيان النهائي لقمة الحلف، ذلك الدور الجديد، خلال الخمسين سنة المقبلة. (أُنظر شكل قوات التحالف في أوروبا (2000)) و(شكل قوات التحالف في الأطلسي (2000))
احتفل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في نهاية القرن العشرين بالعيد الخمسين لإنشائه، وأصدر بياناً، يؤكد فيه على تكيفه مع المتغيرات الجوهرية، التي حدثت في العقد الأخير من هذا القرن، وإعداد نفسه لاستقبال القرن الحادي والعشرين، والمتغيرات المجهولة التي ستحدث خلاله حتماً، بمرونة وحرية حركة، غير مسبوقة، وغير محدودة كذلك، بعد أن غير مفاهيمه، واستراتيجياته، وهياكله التنظيمية، وأهدافه، ونطاق عمله، لتصبح كلها في أطر مطاطة، تتسم بالعمومية لتتواءم مع أي أحداث ومتغيرات. وتصبح كل الأحداث من مهامه، وكل العالم في نطاق عمله، يعاونه في ذلك المنظمات الأوروبية، ومتخذاً من الأمم المتحدة، لباساً شرعياً لما سيقدم عليه من أعمال.
لقد استطاع المنظرين في الحلف، أن يستوعبوا متغيرات التاريخ خلال نصف قرن، ويعيدوا صياغة حلفهم، لكي يبقى حلف الأطلسي قائماً، طالما أصبحت كل الأحداث، الغير اعتيادية (طبقاً لوجهة نظره) مؤثرة على أمن دوله الأعضاء. وليصبح بذلك الحلف الأول من نوعه الذي لا ينتهي، لعدم وجود الخصم الذي بالتغلب عليه تنتهي مهمته. ويصبح كذلك الحلف الأول في التاريخ الذي يغير كل مكوناته، تبعاً للمتغيرات، بما في ذلك أهدافه التي يعمل من أجلها لتظل قائمة الأهداف مفتوحة لاستيعاب أي متغير، إلى ما لا نهاية، من وجهة نظر الحلف كذلك.
——————————————————————————–
دعت “مادلين اولبريت” إلى توسيع مهام الحلف ليغطى قلب منطقة الشرق الأوسط وتحديدا العراق وإيران خاصة في مسائل انتشار أسلحة الدمار الشامل وهو ما تضعه الولايات المتحدة في مقدمة أولويات التهديد التي برزت بعد انحسار الخطر السوفيتي السابق كمبرر لاستمرار وبقاء الحلف.
الملاحق
ملحق 1
نص المادة الرقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة
والتي أنشئ حلف شمال الأطلسي في إطارها
المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة:
“ليس في هذا الميثاق، ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي أتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس، تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس ـ بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق ـ من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين، أو إعادته إلى نصابه”.
وقد توسع في تفسير هذه المادة، بموافقة مجلس الأمن، على التقرير الأول الذي قدمته لجنة الطاقة الذرية عام 1955، وذلك نتيجة للتطور الدولي، وظروف الحرب الأيدروجينية، حتى شمل الإجراءات الوقائية التي تقوم بها الدولة، وقد يكون منها استخدام القوة، حتى ولو لم يقع بالفعل العدوان عليها.
ملحق 2
The North Atlantic Treaty
ملحق 3
اتفاقية حلف شمال الأطلسي
اترك تعليقاً