بحث ودراسة هامة حول بدل الخلو في القانون
المحتويات
…………………………………………………………………… 2
المقدمة ……………………………………………………………………. 3
المبحث الأول : مفهوم الخلو …………………………………………………. 5
المبحث الثاني : نشأة الخلو …………………………………………………… 7
المبحث الثالث : صور الخلو قديماً وحديثاً وحكمها ………………………………. 9
الصورة الأولى: الخلو في عقار الوقف ………………………………………….. 9
الصورة الثانية: تأبيد الإجارة …………………………………………………. 14
الصورة الثالثة: الخلو في الأراضي الأميرية ……………………………………… 16
الصورة الرابعة: الخلو في الأملاك الخاصة ………………………………………. 17
أخذ المالك بدل الخلو من المستأجر ……………………………………………. 17
حكم التسعيرة الجبرية والمؤبدة ……………………………………………….. 19
أخذ المستأجر بدل الخلو من المالك ……………………………………………. 21
أخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر جديد …………………………………….. 22
حق قرار المستأجر في العين المستأجرة …………………………………………. 24
الخلاصة ………………………………………………………………….. 25
قرار المؤتمر الفقهي …………………………………………………………. 26
أهم المراجع ……………………………………………………………….. 28
المقدمة
الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً, والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين نذيراً وبشيراً, وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد…
فإن الله تعالى نظم العلاقة بين العبد وربه بشرعية العبادات, ونظم العلاقة بين الناس فيما بينهم بشرعية المعاملات, فجاءت أحكام المعاملات الشرعية نظاماً بديع السبك والاتزان, واضح الهدف والغاية, يرمي إلى ما فيه صلاح الفرد والمجتمع, ويرفع الظلم والاستغلال والاحتكار, ويرسي قواعد العدل والحرية والكسب الحلال الطيب.
وإن مصالح الناس مرتبطة بعضها ببعض, وكل فرد يستفيد من الآخر بالبيع والشراء وغيره, ويعتمد كل واحد على الآخر في سد الحاجات, فالنجار يسد حاجة الناس بصناعة النجارة, والبناء يسد حاجة الناس للبناء, والصانع والزارع والتاجر وغيره كل واحد يسد حاجة الآخر بما يمارسه من مهنة.
وإن المجتمعات على اختلاف طبقاتها منهم من يملك القدرة على شراء حاجاته ويرغب بشرائها والاستفادة منها فشرع له البيع والشراء, ومنهم من لا يجد القدرة على شراء حاجاته بل يرغب بشراء المنفعة فقط فشرع له الاستئجار.
فالإجارة باب من أبواب سد الحاجات حيث يوجد المالك للشيء سواء كان سكناً أو أرضاً أو غيرها وهو ليس بحاجة لفائدة هذا الشيء, ويوجد الفرد الذي يرغب بالفائدة من هذا الشيء دون أن يملكه, وتجتمع فائدة الاثنين بأن ينتفع المُستأجِر بالمستأجَر, وينتفع المؤجّر بالأجرة.
لقد جاءت شريعة المعاملات في الإسلام لخدمة حاجات الإنسان وتنظيمها, ومن حاجياته كما أسلفنا حاجته للإجارة والاستئجار, التي اهتم بها الإسلام ونظمها وجعل لها القوانين والشروط حتى لا يظلم أحدٌ أحداً.
ومع تطور الزمن تطورت معه المعاملات المالية وتوسعت توسعاً كبيراً جداً, والشريعة الغراء باعتبارها آخر الشرائع السماوية جاءت سمحة مرنة سهلة شاملة, تتناسب مع كل زمن وكل وقت مهما تطور أو تقدم, فما من حادثة تستحدث إلا ولها في الشريعة أساس أو قاعدة تبنى عليها وتتفرع عنها فيردها العلماء الباحثون إلى أصلها وحكمها.
وإن من مسائل الإجارة المستحدثة خلو الإجارة أو خلو الدكاكين, وهو مبلغ يأخذه المؤجر من المستأجر أو بالعكس أو يأخذه المستأجر من مستأجر آخر غير الأجرة.
هذه الحادثة التي تعتبر جديدة على الحياة الاقتصادية والمعاملات المالية, والتي لم تكن في العصر الأول من الإسلام عصر النبوة والصحابة, والتي درسها العلماء وبحثوها وقلبوا لها الأمور حتى عرفوا نسبتها وأصلها وفرعها وألحقوها بحكمها.
وفي هذه الرسالة نقدم دراسة حكم الخلو إن شاء الله تعالى, وذلك على النحو التالي:
المقدمة.
المبحث الأول : مفهوم الخلو.
المبحث الثاني : نشأة بدل الخلو.
المبحث الثالث : صور الخلو قديماً وحديثاً وحكمها.
الخلاصة.
والله تعالى الموفق والمعين…
المبحث الأول مفهوم الخلو
أولاً : الخلـو لغـة
كلمة خلا لها عدة معان ومنها الفراغ، والانفراد، والمضي قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) ( ).
والخلو مصدر خلا من باب سما, يقال خلا المكان أو الإناء مما فيه خلواً وخلاءً إذا فرغ مما به, وخلا المكان من أهله وعن أهله, وخلا بصاحبه خلواً وخلوة وخلواً وخلاء انفرد في الخلوة وأخلى له الشيء فرغ له عنه, وأخلى المكان والإناء وغيرهما جعله خالياً.
والخلو كلمة مولدة ولعلها مأخوذة من قول العرب: أخليت المكان، أي جعلته خالياً، ويجمع على خلوات, فكأن تسميته بالخلو مأخوذة من تخليه عما تحت يده إلى الغير ( ).
ثانياً : الخلـو اصطلاحـاً
يختلف مسمى الخلو على حسب البلد والمكان مع الاتحاد في المعنى والمفهوم, فأهل العراق يسمون الخلو (السرقفلية) وهي فارسية, بينما أهل الشام يطلقون عليه اسم (الفروغ أو الفروغية), وفي المغرب يسمونه (الجلسة), وعند أهل مصر يسمى الخلو بـ (المفتاح أو الزينة) ( ).
وأما معناه الاصطلاحي فقد ذهب الفقهاء القدامى إلى إطلاقه على عدة معان على حسب صوره, ومن هذه المعاني ما يلي:
1ـ يطلق الخلو على المنفعة التي يملكها المستأجر لعقار الوقف مقابل مال يدفعه للواقف أو للناظر لتعمير الوقف على أن يكون له جزء من منفعة الوقف معلوم بالنسبة كنصف أو ثلث( ).
2ـ كما يطلق الخلو على تأبيد الإجارة أو السكنى المؤبدة: وهو ما يدفع للواقف عند استئجار الحانوت في مقابل تأبيد الإجارة ( ).
3ـ كما يطلق الخلو على حق مستأجر الأرض الأميرية في التمسك بها إذا كان له فيها أثر( ).
أما المتأخرون من الفقهاء فقد عرفوه بصيغة وعبارة أخرى مناسبة لاستخدامه الحالي:
فقد عرفه د.وهبة الزحيلي: بأن الخلو “مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار أرض أو دار أو محل أو حانوت عن حقه في الانتفاع به” ( )
وعرفه مشهور حسن سليمان: “تنازل مالك المنفعة عن ملكيته لها مقابل مال زائد عن الأجرة” ( )
وعرفه د. محمد رواس قلعجي: بأنه “المال الذي يأخذه من له حق الإخلاء من العقار مقابل تنازله عن حقه في إخلائه المستأجِر منه عند انتهاء مدة الإجارة” ( ).
المبحث الثاني نشأة بدل الخلو
إن قضية الخلو من القضايا الحديثة, التي لها جذورها في الماضي, فهي مصطلح قديم في المعاملات التاريخية, ولها مصطلح جديد في المعاملات المعاصرة.
ويمكن أن نعيد أول بزوغ للخلو كمصطلح قديم وحادثة أولى عند الفقهاء إلى القرن التاسع الهجري, ففي عهد السلطان الغوري بنى حوانيت الجملون وأسكنها التجار بالخلو, واشترط على من يكتريها أن يدفع له قيمة جملية تعطيه حق البقاء فيها, والتي أفتى الشيخ ناصر الدين اللقاني( ) المالكي بجوازها, وكان هذا أول مبدأ العمل بالخلو وكان خاصاً في الأوقاف, ثم توسع الناس فيه حتى شمل الأملاك الخاصة ( ).
ثم في مطالع القرن الحالي أوجدت القوانين التجارية بعض المشكلات التي تعترض المستأجر والمالك اقتصادياً, حيث يعمل المستأجر مثلاً على شهرة المحل ويبذل جهوداً في ذلك, ثم يُأمر فجأة بنقل عمله, وتسليم العين المؤجرة لصاحبها مما يسبب ضرراً اقتصادياً له, وهذا ما دعا إلى نشأة وظهور وتطور معنى مصطلح جديد للخلو شامل للأملاك الخاصة, غير ما كان في عهد اللقاني الخاص بالأملاك الوقفية كما سوف نرى لاحقاً.
ففي أوائل هذا القرن عرف الخلو في القوانين الغربية بـاسم (الميزة), ثم عرف بـاسم (القيمة المكانية), ثم أطلق عليه (بدل الخلو), وكان أول من أطلق عليه ذلك هو (تالير ـ thaller) في كتابه (شرح القانون التجاري), ثم استعمل هذا القانون في مصر وكان يطلق عليه (الريع الاقتصادي) ( ).
كما كان أول ظهور لبدل الخلو في مصر في ظل أحكام الأمر العسكري رقم (151) لسنة (1941م) الذي منع الملاك من تأجير ما يخلو من أملاكهم إلا بواسطة طلبات تقدم من المستأجرين للجهة المسؤولة, الأمر الذي يُمكن المستأجر الذي يرغب بالإخلاء أن يعلم مستأجراً آخر بذلك قبل غيره ويأخذ مبلغاً من المال نظير ذلك.
ثم أخذت بعض الدول العربية بالقوانين الغربية التي تقضي بتأبيد الإجارة وتجميد الأجرة, فألزمت هذه القوانين الوضعية بعدم إخراج المستأجرين مهما طالت المدة فتضرر الملاك بذلك إذ أصبحت الأجرة زهيدةً بمرور الزمن, فصار الملاك يطالبون ببدل الخلو دفعاً للضرر المتوقع, ثم تبعهم المستأجرون في ذلك, وارتفعت الأسعار تبعاً للموقع، ثم راجت الفكرة وانتشرت بسبب الازدهار الاقتصادي, وارتفاع الأجور, وتعويضاً لما قد يحدثه المستأجر في دكانه فيطالب المستأجر الجديد ببدل الخلو( ).
* ومما سبق يتبين لنا أن أهم أسباب وجود مصطلح الخلو الجديد ترجع إلى شهرة المحل التجاري, وقيمة الموقع الذي يوجد فيه العقار, ووجود قوانين تعطي المستأجر حق البقاء في العين المؤجرة مع تجميد الأجرة, وتعارف الناس عليه بسبب حاجة المالك للمال لبناء العقار.
المبحث الثالث صور الخلو قديماً وحديثاً وحكمها
تختلف صور الخلو المتداولة سواء كان قديماً أو حديثاً, ولهذا الاختلاف يختلف الحكم عليها, وهي كما يلي:
الصورة الأولى (وهي عند الفقهاء قديماً) الخلو في عقار الوقف
وهو المنفعة التي يملكها المستأجر لعقار الوقف مقابل مال يدفعه للواقف أو للناظر لتعمير الوقف إذا لم يُوجد ما يُعمر به الوقف على أن يكون له جزء من منفعة الوقف معلوم بالنسبة كنصف أو ثلث, ويؤدي الأجرة لحظ المستحقين عن الجزء الباقي من المنفعة.
وصورة ذلك بأن يكون الوقف آيلاً للسقوط, فيؤجره الناظر لمن يعمره بحيث يصير الحانوت مثلاً يكرى بثلاثين ديناراً في السنة, ويجعل لجهة الوقف خمسة عشر, فتصير المنفعة مشتركة بين المكتري وبين جهة الوقف, وما قابل الدراهم المصروفة في التعمير هو الخلو.
ومثله أن يحتاج المسجد قدراً من المال لإكمال عمارته, وللمسجد حانوت موقوف عليه, فيأخذ الناظر من المكتري قدراً من المال ليعمر به المسجد, وينقص من أجرة الحانوت مقابل ذلك, فبدل أن تكون ثلاثين تصبح خمسة عشر مثلاً ( ).
حكم هذه الصورة: ذهب الأحناف إلى أن صورة الخلو هذه هي من بيع المنفعة المجردة, والأصل عندهم أن المنفعة لا تباع منفردة على ما هو المذهب.
فبيع الحقوق وشراؤها متوقف على أنها من قبيل المال أم لا, والمذهب عند الأحناف أنه لا بد لكون الشيء مالاً أن يكون من الأعيان القائمة, قال القاضي الدبوسي: “الأصل عند الإمام القرشي الشافعي أن المنافع بمنزلة الأعيان القائمة, وعندنا بمنزلة الأعيان في حق جواز العقد عليها لا غير” ( ).
فحق الشفعة والوظائف في الأوقاف من إمامة وغيرها في جواز التنازل عنها بمال قولان عند الأحناف مبنيان على اعتبار العرف الخاص أو عدم اعتباره, فمن قال بعدم اعتباره وعليه المذهب عند الأحناف قال: لا يجوز بيع الحقوق المجردة, ومنها الخلو.
قال الصدر الشهيد: “لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ بل نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين لأن التعامل في بلد لا يدل على الجواز” ().
ومن قال باعتبار العرف الخاص قال بجواز الخلو بناء على العرف في بعض البلدان, قال الحصكفي: “لكن أفتى كثيرون باعتبار العرف الخاص, وبناء عليه يُفتى بجواز النزول عن الوظائف بمال, وبلزوم خلو الحوانيت” ( ).
وهذا ما ذهب له علماء المالكية ونقله عنهم بعض متأخري الحنفية من جواز هذا الخلو, واعتبروه حقاً مشروعاً يجوز بيعه وهبته والتصرف به, وأول فتيا منقولة عندهم هي ما أفتى به الشيخ ناصر الدين اللقاني في إنشاء الخلو وتملكه وجريان الإرث فيه , وأورد الشيخ عليش الفتيا كما يلي:
(سئل العلامة الناصر اللقاني بما نصه: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في خلوات الحوانيت التي صارت عرفاً بين الناس في هذه البلدة وغيرها، وبذلت الناس في ذلك مالاً كثيراً حتى وصل الحانوت في بعض الأسواق أربعمائة دينار ذهباً, فهل إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوته عملاً بما عليه الناس أم لا، وهل إذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال أم لا، وهل إذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه يوفى ذلك من خلو حانوته ؟. أفتونا مأجورين ؟
فأجاب بما نصه: الحمد لله رب العالمين. نعم إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوته عملاً بما عليه الناس ، وإذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال، وإذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه فإنه يوفى من خلو حانوته. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب كتبه الناصر اللقاني المالكي حامداً مصلياً مسلماً) ( ).
وهي التي عليها التعويل في هذه المسألة, وقد اشتهرت في المشارق والمغارب, ومشى العمل عليها, ووافقه عليها أخوه الشيخ شمس الدين محمد اللقاني, والشيخ أحمد السنهوري, وغيرهم( ).
قال الحموي من الحنفية: “ليس فيها نص عن مالك وأصحابه، والتعويل فيها على فتوى اللقاني, والقبول الذي حظيت به وجرى عليه العمل” ( ).
وفي الفتاوى الخيرية للرملي الحنفي ما يفيد أن الخلاف في هذه المسألة معتبر، قال: “فيقع اليقين بارتفاع الخلاف بالحكم… خصوصاً فيما للناس إليه ضرورة, ولاسيما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك – يعني إستانبول – فإنهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كلي يضر بهم نقصه وإعدامه” ( )
واشْتُرطَ لذلك شروط ( ):
1ـ أن تكون النقود المدفوعة من قبل المستأجر لمصلحة الوقف.
2ـ أن لا يكون للوقف ريع يُعمر منه.
3ـ أن تحدد نسبة كل من الطرفين من المنفعة.
4ـ أن تكون المدة التي يستحق فيها المستأجر منفعة الخلو محدودة.
5ـ أن تكون الأجرة التي يدفعها المستأجر للناظر عن الجزء الذي يخص جهة الوقف من منفعة العقار مساوية لأجرة المثل
6ـ أن يثبت ذلك الصرف على مصالح الوقف بوجه شرعي من بينة وغيرها.
واستدل لذلك : بالعرف الذي لا يتعارض مع الشرع, فقد تعارف الناس على جواز التصرف في الخلو, وأنه حق ثابت لصاحبه, واعتادوا عليه والعادة محكمة, وأنه لمصلحة الوقف ومن باب الضرورة, وأنه لا مخالفة فيه لنص شرعي فيبقى على أصل الإباحة ().
واعترض على ذلك بما يلي ( ):
1ـ أن هذا الخلو من العرف الخاص وليس من العرف العام, والعبرة بالعرف العام.
ونوقش ذلك: بأن العرف الخاص معتبراً شرعاً, فالعرف الخاص بمنزلةٍ أو قومٍ ينزل في التأثير منزلة العام بالنسبة لأهل تلك المنزلة.
قال ابن عابدين: ( وإلا فقد اعتبروه في مواضع كثيرة منها مسائل الأيمان وكل عاقد وواقف وحالف يحمل كلامه على عرفه) ( ).
وقال ابن نجيم: (في العرف العام بأنه معتبر في بناء الأحكام, ويراد به العمل المروج المشاع في كل بقعة من بقاع الأرض, وفي كل طبقة من الطبقات, وفي مقابلته عرف تعارف به الناس في منطقة خاصة يقال له في الاصطلاح العرف الخاص, فهو لا يؤثر في بناء الأحكام… ثم قال هذه القاعدة لم تكن مسلمة بل أفتى كثير من المشايخ باعتباره)( ).
2ـ أن الخلو يعتبر سلفاً جر نفعاً, فالمستأجر أسلف الواقف الدراهم للإعمار مقابل السكنى.
ونوقش ذلك: بأن الخلو من باب المعاوضة, فحقيقته أنه بيع لا من باب السلف, فالواقف كأنه باع المستأجر حصة من الوقف بما دفعه له.
3ـ الخلو مشتمل على جهالة وغرر, لأن المال في مقابلة منفعة مجهولة, وقد يؤدي إلى أن يكون دافع المال متصرفاً في الوقف إلى الممات, فمدة المنفعة مجهولة وهذا يفسد الإجارة.
ونوقش ذلك: بأن المنفعة معلومة حيث اشترط تحديد المنفعة والمدة, وأيضاً أن حقيقة الخلو بيع وليس إجارة فكأن المستأجر اشترى حصة من منفعة الوقف وأصبح شريكاً لجهة الوقف.
4ـ إن ناظر الوقف عمله منوط بمصلحة الوقف, فهو لا يملك إتلافه ولا تعطيله.
ونوقش ذلك: بأن التصرف هنا لمصلحة الوقف لأنه لعمارته أو إصلاحه, وإذا لم يكن هناك مصلحة فلا يجوز.
الصورة الثانية : تأبيد الإجارة
وهو ما يدفعه المستأجر للناظر عند استئجار الحانوت في مقابل تأبيد الإجارة.
وقد عرف هذا بخلو الحوانيت في مصر, ثم صار عرفاً بين الناس, وإذا أراد المستأجر الخروج من ذلك الحانوت أخذ من المستأجر الآخر مالاً على أن ينتفع بذلك الحانوت ( ).
حكم هذه الصورة: اختلف العلماء في هذه الصورة بما اختلفوا فيه في الصورة السابقة
أ ـ مذهب المجيزين: ذهب جماعة من العلماء إلى جواز هذا الصورة, ومنهم ابن نجيم والعمادي من الحنفية وناصر الدين اللقاني من المالكية, وغيرهم ( ).
قال العمادي: ( فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم, فيفتى بجواز ذلك للضرورة قياساً على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون) ( ).
واستُدل لذلك:
1ـ بالعرف الخاص وقد تقدم الخلاف فيه سابقاً.
2ـ القياس على بيع الوفاء الذي أجازه المتأخرون ( ), ووجه الشبه بينهما أن كلاً من المشتري والمستأجر ينتفع بالسكنى مقابل ما دفعه من مال قبل أن يرجع إليه, فيجوز الخلو قياساً على بيع الوفاء.
واعترض على هذا الدليل: بأن بيع الوفاء مختلف فيه فلا يقاس عليه.
ونوقش ذلك: بأن مشايخ هذا الزمان اتفقوا على صحته بيعاً لاضطرار الناس إلى ذلك ( ).
3ـ الضرورة ورعاية المصلحة, والقاعدة الشرعية تقول: “إذا ضاق الأمر اتسع”, “والمشقة تجلب التيسير”, وفي القول بالجواز دفع للحرج لوجود الحاجة الماسة لذلك, وقد ذهب بعض الحنفية لجواز النزول عن الوظائف كالإمامة وغيرها استناداً للضرورة والعرف
4ـ ليس في الخلو مخالفة لنص شرعي, فيبقى على أصل الإباحة, وهي تجري فيما لا نص فيه والخلو منها.
ب ـ مذهب المانعين: وذهب آخرون إلى عدم جوازه, ومنهم الشرنبلالي الحنفي والحموي وابن عابدين والشيخ عبد الواحد بن عاشر ( ).
واستدل لذلك:
1ـ لا نص شرعي فيها ولا قول لإمام تخرج عليه ( ).
3ـ صاحب العين أو ناظر الوقف لا يمكنه إخراج المستأجر من العين المستأجرة مما يلزم عليه الحجر في ملك الوقف ( ).
4ـ المستأجر قد لا يدفع أجرة المثل في العين التي يستأجرها بالخلو ( ).
مناقشة الرأيين: ذهب بعض العلماء إلى ترجيح قول الفريق الأول بجواز الخلو الذي ذهب له المالكية وتبعهم عليه بعض الحنفية, وردوا على اعتراضات المانعين بأن اللقاني خرجها على العرف وعلى بعض مسائل أهل المذهب وهو من أهل التخريج, وأما القول بالحجر لا يصح لأن المالك قبل بذلك من الأول, وأجرة المثل تدفع لأن الناظر يقوم العقار ويرفع أو يخفض حسب الأسعار ( ).
الصورة الثالثة: الخلو في الأراضي الأميرية
وهو حق مستأجر الأرض الأميرية ( ) في التمسك بها إذا كان له أثر فيها من غراس وغيره على أن يؤدي ما عليه من حقوق وغيرها لبيت المال.
حكمها: إذا كانت تحت يده تبقى في يده ينتفع بها, وهذا الحق يسمى عند الحنفية بالكردار, وهذا الحق يباع ويشترى ويورث ( ).
الصورة الرابعة : الخلو في الأملاك الخاصة
في الحقيقة إن الخلو في الأملاك الخاصة هو تتطور لما كان يجري في أملاك الوقف, وله ثلاث حالات تعود أغلبها للصور السابقة كما سوف نرى.
الحالة الأولى: أخذ المالك بدل الخلو من المستأجر
وهو مبلغ نقدي سوى الأجرة يأخذه مالك العقار من المستأجر, لتمكينه من استئجار العقار.
أسباب هذا الحالة وحكمها:
السبب الأول: إن أهم سبب يدفع مالك العقار لأخذ الخلو من المستأجر هو الحاجة لمال الخلو أو شهرة المحل.
أما الحاجة فإن مالك العقار قد يحتاج لأخذ مال الخلو من المستأجر لتعمير أرضه, أو إكمال مشروع به من بناء محلات تجارية وغيرها, وصورته أن شخصاً بنى عمارة مثلاً ولم يستطع أن يكملها, فيأخذها البنك الإسلامي مثلاً على أن يكملها ويستأجرها لمدة معينة بنصف قيمة الأجرة الحالية.
وأما الشهرة فإن المالك قد لا يكون محتاجاً لمال الخلو, ولكن المحل له شهرة وموقع متميز مما -يزيد الطلب عليه- يجعل المالك يطلب فوق الأجرة مبلغاً من المال يسميه البعض خلواً ( ).
حكم هذه الحالة وسببها: هذه الحالة هي تتطور للصورة الأولى السابقة التي كانت تجري في عقار الوقف, ويجري الخلاف فيها كما جرى الخلاف في عقار الوقف, من حيث تكييفه على أنه بيع لجزء من المنفعة مجرداً, مع الخلاف في حكم التنازل عن الحقوق المجردة بمال ( ).
وعليه فقد أفتى المتأخرون من الحنفية والمالكية بجواز إنشاء الخلو بمال في الأملاك الخاصة ابتداء, وكيفوه على أنه بيع جزء من المنفعة مجرداً, وقد تقدمت أدلتهم في الصورة الأولى ( ).
ولما كان إنشاء الخلو عند القائلين بجوازه هو من بيع المنفعة فقد ضيقوا بجوازه في إجرائه في الوقف, بحيث يقتصر فيه على أحوال الضرورة في صور محدودة, وبشروط معينة, كما مر معنا سابقاً ( ).
وهذا بخلاف الأملاك الخاصة, فإن المالك له أن يتصرف في ملكه كما يشاء, فله أن ينشئ الخلو على عقاره كما يشاء عند كل من أجاز بيع المنفعة مجردة, سواء كان ذلك لحاجته للمال أو الضرورة أو من غيرها, بخلاف ناظر الوقف الذي له صلاحيات محدودة بالنسبة لعقار الوقف ( ).
قال الشيخ عليش: (إن الخلو إذا صح في الوقف ففي الملك أولى لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء) ( ).
السبب الثاني: في ظل تتطور المعاملات الاقتصادية نشأت بعض القوانين الوضعية التي لا تعتمد الشرع أساساً لها للتشريع, ومما شرعت هذه القوانين مسألة “التسعيرة الجبرية”, و”الإجارة المؤبدة”. وهما من أهم الدوافع التي تدفع المؤجر ليحتال على القانون ويأخذ من المستأجر بدل الخلو من أول إنشاء العقد ليضمن حقه ( ).
(حكم التسعيرة الجبرية والإجارة المؤبدة)
التسعيرة الجبرية: “هي إلزام المؤجر بسعر جبري ثابت, وغالباً يكون أقل من أجرة المثل”.
وهي قانون لا يجوز شرعاً في حال السعة, فلا يجوز إجبار المالك على إيجار عقاره, وفي حال الاضطرار يجوز بأجرة المثل, فلا يجوز إجبار المالك على إيجار عقاره بأجرة زهيدة تقل عن أجرة أمثال العقار الذي عنده, وإذا زادت أجرة المثل ينبغي أن تزيد أجرة العقار, ويجب تقويم الأجرة باستمرار لتلحق بأجرة المثل ( ).
أما تأبيد الإجارة: “فهي الحد من حق المالك في إخلاء المستأجر عند نهاية المدة التي جرى عليها التعاقد, أو الحد من حريته في أن يؤجر لمن يشاء من المستأجرين”.
وإنه في جميع الأحوال لا يجوز الحد من حرية المالك في إخلاء العقار بعد انتهاء المدة التعاقدية, ويكون له كامل الصلاحية في أن يؤجره لمن شاء أو أن يبيعه أو يسكنه, ولا يحق للمستأجر بعد نهاية المدة حق البقاء في العين المؤجرة, بل عليه ردها لمالكها.
ولا شك بأن القانون الذي يعطي الحق للمستأجر بالقرار الدائم بعد انتهاء المدة التعاقدية في العين المؤجرة مخالف للنصوص الشرعية والقواعد الشرعية التي تنص على أن المالك أحق بالتصرف في ملكه, كما فيه ظلم وجور على مالك العقار, كما يؤدي إلى الأضرار الاجتماعية, ومن أهمها ما أظهره الواقع من قلة الإجارة, حيث امتنع الكثير من الملاك عن الإجارة خوفاً من قرار المستأجر فيها مع دفعه أجرة زهيدة, وقد حصل في كثير من البلدان حاجة المالك للعقار لبيعه أو السكن فيه فلم يستطع إخراج المستأجر منه حتى بعد انتهاء المدة التعاقدية مما ألحق الضرر الكبير بالمُلاك, وهذا ما دعا المُلاك إلى امتناعهم عن الإجارة, ورفع أسعار إجارة العقار.
وأما ما يدعيه البعض ممن أيدوا هذا القانون بأن فيه مراعاة لمصالح المستأجرين المضطرين للإجارة, فالواقع يثبت أن أكثر المستأجرين في البلاد التي تأخذ بهذا القانون ليسوا مضطرين, بل المضطر قسم منهم قليل جداً, وغالبهم قادر على أن يشتري سكناً, لكنه في ظل التسعيرة الجبرية والمؤبدة يفضل أن يسكن في عقار غيره رغماً عنه بالأجرة التافهة, بل إن الكثير من المستأجرين يكون لديهم مال أكثر من مالك العقار.
وحيث اقتضت الظروف في بعض الأحوال مدّ الإجارة بقوة القانون فإنه لا ينبغي أن يكون الامتداد بأقل من أجرة المثل, ويجب تعديل الأجرة باستمرار لتلحق بأجرة المثل في وقتها ( ).
حكم الخلو في هذه الحالة: بعد العرض لما سبق من تسعير وتأبيد الإجارة وحكم الشرع فيها, فإن بعض الدول الإسلامية في ظل الأوضاع الحالية قد أخذت بالقوانين التي تحد من حرية المالك, وأعطت للمستأجر حق القرار في العقار بعد انتهاء المدة, مما جعل المالك هروباً من هذا القانون يأخذ من المستأجر بدل الخل من أول إنشاء العقد ليضمن حقه.
وحكم هذا الخلو أنه لا حرج فيه شرعاً, لأن المالك تصرف بملكه بما يشاء, ومن ذلك أن لا يأذن لأحد باستئجار محله إلا بعوض, وحقيقة هذه الحالة هي تتطور للصورة الثانية من الخلو المتقدمة معنا في عقار الوقف, وقد أفتى المتأخرون من المالكية والحنفية بذلك كما تقدم في خلو الحوانيت في مصر ( ).
واختلف في تكييف هذا العوض على أنه جعالة أم أجرة مقدمة, فذهب البعض على أنه من الأجرة, فتكون أجرة السنة الأولى مثلاً خمسة آلاف دينار, وأجرة كل سنة من السنوات اللاحقة ألف دينار, وتكون الأربعة آلاف الزائدة في أجرة السنة الأولى هي بدل الخلو.
وقد صدر عن لجنة فتوى الكويت ما يلي: “اتفقت اللجنة على أن الاستعاضة عن الخلو برفع القيمة الإيجارية أمر جائز ويجري على البدل كل أحكام الأجرة بحيث لو فسخ العقد يسترد المبلغ المقدم الذي يخص الفترة والله أعلم” ( ).
ورأى البعض أن ذلك العوض لا يحتسب من الأجرة بل يكون جعلاً لا غير ( ).
الحالة الثانية : ما يأخذه المستأجر من المالك
أ ـ أن يكون بعد انتهاء المدة التعاقدية: فلا يجوز أخذ بدل الخلو, فإذا انتهى عقد الإجارة لم يكن للمستأجر أن يأخذ شيئاً من المالك, وعليه أن يسلم العين المؤجرة لصاحبها.
حتى لو استفاد المستأجر حق القرار في العين المؤجرة بوضع قانوني صرف لم ينشأ باتفاق المتعاقدين ولم تأت به الشريعة الإسلامية كما هو الحال في القانون الذي يعطي حق التأبيد في الإجارة مع تجميد الأجرة, أو قانون أن البيت لساكنه, فلا يجوز أخذ بدل الخلو أيضاً لأن القانون الموضوع أصلاً مخالف لتعلم الشرعية كما مر معنا سابقاً.
فلو انتهت المدة التعاقدية, ولم يكون هناك اتفاق بين المالك والمستأجر من أول العقد على حق القرار للمستأجر, فيجب على المستأجر تسليم العقار لمالكه, وما يعطي القانون من حق البقاء في العقار للمستأجر فهو سحت وباطل, وبالتالي لو أخذ بدل الخلو مقابل تخلية العقار فهو سحت وباطل أيضاً ( ).
ب ـ أن يكون قبل انتهاء مدة: الإجارة كما في البلاد التي لا تأخذ بقوانين تأبيد الإجارة, فللمستأجر التمسك بعقد الإيجار ويرفض فسخه.
وأما أخذ المال مقابل فسخ العقد فقد اختلف العلماء في تكييف الصورة:
فمنهم من اعتبره بيع منفعة, فهو في الحقيقة يبيع باقي المدة المتفق عليها, وعليه لا حرج عليه في أخذ الخلو في ذلك, فله رفض الإخلاء للمكان إلا بعوض.
ومنهم من اعتبره إقالة للعقد, وعلى فرض أنها إقالة فقد اختلف العلماء أيضاً في الإقالة
فالجمهور على أن الإقالة فسخ للعقد لا بيع, وعلى عدم جواز أخذ المال مقابل فسخ عقد الإجارة, لأن إقالة عقود المعاوضات لا تجوز إلا بنفس العوض الذي تم التعاقد عليه.
بينما ذهب المالكية وأبو يوسف من الحنفية إلى جواز أخذ العوض, لأن الإقالة بيع جديد, وبناءً عليه يجوز دفع الزيادة عن الأجرة المقبوضة نظير فسخ العقد ( ).
ج ـ أن يكون المستأجر قد استحق الخلو بطريقة شرعية: كأن أنشأه بالاتفاق بينه وبين المالك ابتداء بأن اشترى جزءاً من المنفعة, أو دفع مبلغاً من المال للمالك, فله في هذه الحالة أخذ بدل الخلو ( ).
الحالة الثالثة : بدل الخلو الذي يأخذه المستأجر من المستأجر الجديد
أ ـ أن يكون ذلك بعد نهاية مدة الإجارة: فلا يجوز لأنه يكون تصرفاً في ملك الغير, ولا حق له في التصرف إلا بإذن المالك, وبعد نهاية المدة التعاقدية يعود العقار لمالكه, وهو حر يصنع في ملكه ما يشاء, ويؤجره لمن شاء ( ).
ب ـ قبل نهاية مدة الإجارة: يجوز للمستأجِر القديم أخذ بدل مالي من المستأجر الجديد مقابل إخلائه المحل ليحل مكانه, لأنه بيع للمدة الباقية من المنفعة المستحقة بعقد الإجارة, بشرط أن تكون المدة الأصلية المتعاقد عليها مع المالك بكامل حريته دون تسعير إجباري, ولا امتداد لقانون غير شرعي.
لأن الخلو المذكور هو من ملك المنفعة لا من ملك الانتفاع, إذ مالك الانتفاع ينتفع بنفسه ولا يؤجر ولا يهب ولا يعير، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه، ولما كان الخلو من ملك المنفعة فله تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه، وله أن يستوفي المنفعة بنفسه أو بغيره، وله أن يتنازل عنها بعوضٍ أو بغير عوض ( ).
ذكر الشيخ عليش المالكي في فتاواه: ( الذي يدور عليه الجواب في ذلك أن الساكن الذي أخذ الخلو إن كان يملك منفعة الحانوت مدة فأسكنها غيره وأخذ على ذلك مالاً, فإن كان الآخذ بيده إجارة صحيحة من الناظر أو الوكيل بشروطها بأجرة المثل فهو سائغ له الأخذ على تلك المنفعة التي يملكها, وأما إن لم يكن مالكاً للمنفعة بإجارة صحيحة فلا عبرة بخلوه, ويؤجره الناظر لمن يشاء بأجر المثل) ( ).
ج ـ أن يكون المستأجِر الأول قد ملك منفعة الخلو بطريقة شرعية: على ما تقدم في أول الحالة الأولى فله أن يبيعه لغيره, لأنه ملك منفعة الخلو بالتعاقد الحر الشرعي فله بيعه لمن شاء( ).
حق قرار المستأجر في العين المستأجرة ( )
1ـ في الإجارة الصحيحة معلومة المدة يثبت للمستأجر حق القرار طيلة المدة التعاقدية بمقتضى عقد الإجارة.
2ـ إذا اشترطا عند إن شاء العقد أن الخلو للمستأجر فيثبت له حق القرار إذا جرى العرف بذلك مع أجرة المثل.
3ـ إن وضع المستأجر متاعاً أو أثاثاً في العين المستأجرة.
نظر إن كان منفصلاً عن المبنى فإنه يأمر برفعه وتسليم المكان عند انتهاء الإجارة.
أما إن كانت الأشياء متصلة بالمبنى فهي (الكدك أو الجدك) ولم يقل أحد من الفقهاء بأن للمستأجر حق القرار في الأملاك الخاصة بعد نهاية المدة, بل يلزمه رفعها وتسوية المكان.
وإنما أجازوا ذلك في أجارة الوقف خاصة إن وضع الكدك بإذن الناظر, ودفع المستأجر أجرة المثل, لأن الوقف لا بد أن يؤجر فإجارته لذي اليد أولى.
الخلاصـــة
بعد هذه الرحلة مع أحكام الخلو نستخلص ما يلي:
1ـ الخلو ظهر في القرن التاسع الهجري وكان خاصاً بالأوقاف ثم عمم حتى شمل الأملاك الخاصة.
ومعناه مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار أرض أو دار أو محل أو حانوت عن حقه في الانتفاع به.
2ـ للمالك أخذ بدل الخلو ابتداء من المستأجر وفق شروط معينة مرت معنى في البحث عند المالكية وبعض السادة الأحناف, وجمهور الأحناف على المنع من ذلك بناء على أن الخلو من بيع الحقوق المجردة وهو لا يجوز.
3ـ إذا اشترى المستأجر الخلو من المالك ابتداء مَلَكَه, ويكون للمستأجر حق القرار في العقار ويدفع أجرة المثل, وله بيع خلوه للمالك أو لغيره.
4ـ يجوز للمستأجِر أخذ الخلو من المالك أو من مستأجِر جديد أثناء المدة التعاقدية الأصلية, أما بعد انتهاء المدة فليس له أخذ شيء, ويرجع العقار للمالك, وإن وجد قانون يأبد الإجارة للمستأجِر فالظاهر أن القانون لا يكون مشروعاً, وليس للمستأجر استغلال الوضع للحصول على بدل الخلو الباطل.
5ـ الجَدَك لا يعطي المستأجِر حق القرار في الوقف أو غيره, وبالتالي لا يحق له بدل الخلو بسبب جدكه, وله بيعها للمالك أو لمستأجِر جديد بثمن المثل, حتى لا يكون الجدك حيلة لأكل أموال الناس بالباطل, وأما في الوقف فلو وضع بإذن الناظر فله حق القرار لأن الوقف معد للإيجار ومن بيده أولى بذلك.
6ـ ويلخص حكمَ الخلو قرارُ المؤتمر الفقهي رقم {(6) دع /08/88} بشأن الخلو
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من (18ـ22) جمادى الآخرة (1408هـ) الموافق (1988م), بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه قرر ما يلي:
أولاً: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع هي:
1ـ أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهاءها.
4ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كلٍ من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها.
ثانياً: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائداً عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلواً) فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع؛ على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها, وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
ثالثاً: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغاً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة, فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحةً أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغٍ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً، مع مراعاة مقتضى عقد الإجازة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقتضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافاً لنص عقد الإجارة طبقاً لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجرٍ آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.
أهم المراجع (مرتبة أبجدياً)
1) الأشباه والنظائر: زين العابدين بن إبراهيم, الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه القاهرة (1968م ـ 1387هـ), تحقيق وتعليق عبد العزيز محمد الوكيل.
2) التعريفات: علي بن محمد بن علي الجرجاني, مكتبة لبنان بيروت (1969م).
3) التنبيه بالحسنى في منفعة الخلو بالسكنى: أحمد بن محمد الغرقاوي، تحقيق عز الدين التوني, الطبعة الأولى وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت (1989), الكتاب مطبوع ضمن رسالتان.
4) الدر المختار شرح تنوير الأبصار: محمد بن علي الحصكفي, طبعة دار الفكر بيروت لبنان.
5) العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومها لدى علماء الغرب: د.عمر عبد الكريم الجيدي, مطبعة فضالة المغرب (1982).
6) العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية: محمد أمين الشهير ابن عابدين, الطبعة الثانية دار المعرفة لبنان (1300هـ).
7) المدونة: مالك بن أنس الأصبحي, الطبعة الأولى دار الكتب العلمية (1415هـ ـ 1995م), والكتاب في أربعة أجزاء. \المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (ت 770هـ), الطبعة الأولى دار الكتب العلمية بيروت لبنان (1414هـ ـ 1994م), الكتاب جزءان في مجلد واحد.
8) المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي: د.محمد عثمان شبير, الطبعة السادسة دار النفائس الأردن (1427هـ ـ 2007م).
9) المعجم الوسيط: قام بإخراج هذه الطبعة د.إبراهيم أنيس و د.عبد الحليم منتصر و عطية الصوالحي و محمد خلف الله أحمد, وأشرف على الطبع حسن علي عطية و محمد شوقي أمين, طبعة المكتبة الإسلامية استانبول تركيا, والكتاب في مجلدين.
10) الموسوعة الفقهية: التابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت.
11) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني (ت587 هـ) الطبعة الثانية الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان (1402هـ ـ 1982م), الكتاب سبعة أجزاء في أبع مجلدات (1ـ2) (3ـ4) (5ـ6) (7).
12) بدل الخلو: د.محمد سليمان الأشقر, نشرته دار النفائس في كتاب باسم “بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة”. الطبعة الأولى (1998م).
13) بدل الخلو: د.وهبة الزحيلي. مجلة مجمع الفقه الإسلامي (عدد4, جزء3), منظمة المؤتمر الإسلامي.
14) بدل خلو المحل التجاري طبيعته القانونية ومدى مشروعيته: حسني المصري, دار النهضة العربية (1986م).
15) تأسيس النظر: أبو زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي, طبعة دار ابن زيدون القاهرة مكتبة الكليات الأزهرية, تحقيق مصطفى الدمشقي, ويليه رسالة الإمام الكرخي في الأصول.
16) جريمة خلو الرجل وفقاً لآخر أحكام محكمة النقض: فتحية محمود قرة, دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية(1983).
17) جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود: شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي, الطبعة الأولى دار الكتب العلمية بيروت لبنان (1417هـ ـ 1996م), حققه وخرج أحاديثه مسعد عبد الحميد محمد السعدي, والكتاب في جزئين.
18) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد بن أحمد الدسوقي, طبعة دار إحياء التراث, والكتاب في أربعة أجزاء.
19) حكم الخلو في الفقه الإسلامي: عبد الله محمد عبد الله. مجلة الاقتصاد الإسلامي (عدد 167/32).
20) خلو الرجل هل هو حلال: مشهور حسن سليمان. مجلة الوعي الإسلامي (عدد281), (جمادى الأولى 1408هـ ـ كانون الثاني 1988م) تصدرها وزارة الأوقاف بالكويت غرة كل شهر عربي.
21) رد المحتار على الدر المختار: حاشية ابن عابدين لمحمد أمين بن عمر على شرح الشيخ علاء الدين محمد بن علي الحصكفي لمتن تنوير الأبصار للشيخ شمس الدين التمرتاشي, طبعة دار الكتب العالمية (1412هـ ـ 1992م) والكتاب في ستة أجزاء.
22) شرح الزرقاني على مختصر خليل: عبد الباقي الزرقاني, طبعة دار الفكر بيروت, وبهامشه حاشية البناني, والكتاب ثمانية أجزاء في أربع مجلدات.
23) شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل: محمد عليش, طبعة دار الفكر (1409 هـ ـ 1989م), الكتاب في تسعة أجزاء.
24) غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر: أحمد بن محمد الحموي, الطبعة الأولى دار الكتب العلمية بيروت لبنان (1405هـ ـ 1985م), والكتاب في أربعة أجزاء.
25) فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: محمد بن أحمد بن محمد عليش (1217ـ1299هـ), طبعة دار المعرفة بيروت في جزئين.
26) فقه السنة: السيد السابق, الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
27) مجموعة الفتاوى الشرعية: الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية في دولة الكويت, الطبعة الثانية (1423هـ ـ 2002م).
28) مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان: محمد قدري باشا, دار الحكمة دمشق.
29) معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية: عمر رضا كحالة, الطبعة الأولى مؤسسة الرسالة بيروت (1414هـ ـ 1993م).
30) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء: أ.د.نزيه حماد, الطبعة الثالثة المعهد العالمي للفكر الإسلامي والدار العالمية للكتاب الإسلامي (1995).
31) معجم لغة الفقهاء: أ.د محمد رواس قلعه جي. د.حامد صادق قنيبي, الطبعة الأولى دار النفائس بيروت (1405هـ ـ 1985م).
32) مفيدة الحسنى في دفع ظن الخلو بالسكنى: حسن بن عمار الشرنبلالي، تحقيق مشهور حسن سلمان، مراجعه محمد سليمان الأشقر, الطبعة الأولى وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت (1989), الكتاب مطبوع ضمن رسالتان.
33) نوازل فقهية معاصرة: خالد سيف الله الرحماني, الطبعة الأولى مكتبة الصحوة الكويت (1999م), قدم له د.وهبة مصطفى الزحيلي والقاضي مجاهد الإسلام القاسمي.
اترك تعليقاً