بحث قانوني حول تعريف المنظمات الدولية لابراهيم العناني
تعريف المنظمات الدولية وأنواعها
إن النظرية العامة للمنظمات الدولية ، يقصد بها مجموعة مبادئ عامة تحكم نشوء هيئات معينة ونشاطها ، بغض النظر عن الأحكام الخاصة لكل هيئة فيما تختلف به عن الأخرى ، وفقاً لنصوص المعاهدة المنشئة لها .
ولكل هيئة أو منظمة دولية ، قانوناً مستقلاً عن المنظمات الأخرى ، إلا أنه مرتبط بالميثاق الدولي الذي تقوم عن طريقه تلك المنظمات أو الهيئات . فقد قامت المنظمات الدولية كنواة للتجمع الدولي ، وذلك بسبب تزايد إيمان الدول بأهمية التضامن بينها لأجل أمن وتعاون دولي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية … إلخ( ) .
فالمنظمات والهيئات الدولية في عصرنا الراهن قد تعددت وفق متطلبات العلاقات الدولية ، حيث يوجد الآن أكثر من 250 منظمة وعيئة دولية ، تتنوع في مستويات عملها وما تتمتع به من سلطات( ) .
تعريف المنظمة الدولية :
هي شخص اعتباري من أشخاص القانون الدولي العام ، وينشأ عن اتحاد إرادات الدول لأجل حماية مصالحها المشتركة . ويتمتع ذلك الشخص بإرادة ذاتية في المجتمع الدولي ، وفي مواجهة الدول الأعضاء( ) .
إذن فالنظام القانوني للمنظمات الدولية لا يقوم إلا على إرادة المنظمة أو الهيئة ، وليس إرادة الدول المكونة لها ، حيث لا يترتب أي أثر قانوني إلا على ما يصدر منها ، مما يعبر عن إرادتها الذاتية المستقلة عن إرادات الدول الأعضاء( ) .
أنواع المنظمات الدولية :
هناك منظمات ذات اتجاه عالمي ، حيث تكون عضويتها مفتوحة لكل الدول وفق هدف معين حسب ما يقؤؤ ميثاقها لتحقيق ذلك الهدف ، فهذا النوع من المنظمات العالمية يعبر عن مجتمع عريض ، غير محدود ، حيث من الصعب أن يتمتع بسلطات واسعة ، كما هو الحال في منظمة الأمم المتحدة حالياً ، وعصبة الأمم سابقاً .
وهناك منظمات أخرى تقتصر عضويتها على بعض الدول لأسباب معينة ، كالظروف الجغرافية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والعسكرية … إلخ … وهي توصف أحياناً ذات أهداف إقليمية موحدة ، ومصالح مشتركة ، كما هو الحال في منظمة جامعة الدول العربية ، ومنظمة جامعة الدول الإفريقية ، ومنظمة جامعة الدول الأوروبية ، ومنظمة الدول الأمريكية ، وما ينبثق عن تلك المنظمات من وكالات واتحادات وهيئات متخصصة( ) .
القواعد العامة التي تحكم المنظمات الدولية
تلعب المنظمات الدولية دوراً كبيراً في ميدان العلاقات الدولية لما تؤديه من وظائف متعددة للدول الأعضاء ، وهي تهدف إلى تحقيق المبادئ العامة التي أنشئت من أجلها ، والمسطرة في مواثيقها التي وافقت عليها الدول الأعضاء ، فالغاية الرئيسية للمنظمة الدولية هي منع الحروب ، وتحقيق السلم والأمن الدولي ، وتوسيع التعاون ، وتوثيق الروابط الودية بين مختلفة الدول .
وتنشأ المنظمات الدولية بموجب اتفاق دولي يُبرم بين عدد من الدول أو جميعها ، ويحدد هذا الاتفاق ميثاق المنظمة ، والأهداف والمبادئ الأساسية بموجبها ، فالمنظمات الدولية قد تكون عامة إذا ما تعددت مواضيعها ، وقد تكون خاصة إذا ما كانت تُعني بموضوع معين ، أو مواضيع محددة .
وتنقسم المنظمات الدولية من حيث الشمول إلى منظمات عالمية كانت عضويتها شاملة لمعظم الدول لمنظمة عصبة الأمم سابقاً ، ومنظمة الأمم المتحدة حالياً .
وتنقسم إلى منظمات إقليمية تقتصر عضويتها على مجموعة من الدول واقعة في منظمة معينة كجامعة الدول العربية ، وجامعة الدول الأمريكية ، وجامعة الدول الإفريقية ، وجامعة الدول الأوربية .
ولا يخفى ما للحركة الاقتصادية العالمية وتطور التبادل الدولي ، وتقسيم الأعمال الدولية ، من أثر كبير في إنشاء منظمات دولية ذات اختصاص إداري ، كاتحاد البريد العالمي ، أو ذات اختصاص مالي واقتصادي كالسوق الأوربية المشتركة .
كما أن تغير القوى السياسية بعد الحرب العالمية الثانية ، وانكماش الاستعمال من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، أدى إلى ظهور دول حديثة ، بدأت تشارك في تقوية المنظمات الدولية ذات الاتجاه السياسي والاقتصادي والثقافي .
إلا أن بعض الدول أنشأت منظمات ذات اتجاه عسكري حربي ، كمنظمة حلف الناتو ، وحلف السنتو ، وهي تضم منظومة الدول العربية الرأسمالية ، ومنظمة حلف وارسو ، وهي تضم منظومة الدول الشرقية الشيوعية( ) .
الأسس الرئيسية التي تتكون منها المنظمات الدولية( ) :
إن المنظمة الدولية كهيئة دائمة ، تتمتع بالإرادة الذاتية ، والشخصية القانونية الدولية ، حيث تتفق مجموعة من الدول على إنشائها ، لتكون وسيلة من وسائل التعاون الاختياري بينها في كافة المجالات التي يحددها الاتفاق المنشئ للمنظمة .. من كل ذلك يمكن أن نستخلص أن العناصر الرئيسية التي تتكون منها أية منظمة دولية ، تتمثل في الصفة الدولية ، والاستمرار ، والإدارة المستقلة ، والميثاق .
1) الصفة الدولية :
جاءت الصفة الدولية لهذه المنظمات من حيث طبيعة تكوينها ، ومن حيث عضويتها ، فالمنظمات الدولية لا تنشأ إلا بمقتضى اتفاقيات دولية ، تبرم بين ممثلي حكومات الدول ، والدول كقاعدة عامة هي أعضاء المنظمات الدولية .
ومن هنا نجد الفرق بينهما وبين المنظمات الدولية غير الحكومية ؛ لأن إنشاء مثل هذه المنظمات لا يتم باتفاقيات دولية تبرم بين الحكومات .. وإلى هذا الفرق أشار قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة سنة 1950 ، حيث جاء فيه : إن كل منظمة لا تنشأ عن طريق اتفاقات بين الحكومات ، تعد منظمة دولية غير حكومية .
ولكن هذا لا يمنع من قيان بعض المنظمات غير الحكومية ومن الاعتراف لها بالشخصية القانونية الدولية ، بما في ذلك حق إبرام المعاهدات الدولية مع الدول أو المنظمات الدولية ، مثل الهيئة الدولية للصليب الأحمر .. وقد أشار ميثاق الأمم المتحدة في المادة ( 71 ) إلى أن التعاون بين المنظمات الدولية غير الحكومية ، وبين منظمة الأمم المتحدة ، يجري عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي( ) .
2) الاستمرار :
إن الذي يميز المنظمات الدولية عن المؤتمرات الدولية ، هو كون المنظمات لها طابع الدوام والاستمرار ، فالمؤتمرات الدولية تعقد في تواريخ وأماكن تمليها الظروف ، في حين أن أجهزة المنظمات الدولية تجتمع في تاريخ ومكان ثابتين .
والمقصود باستمرار المنظمة ، هو أن يكون لها أجهزة في حالة تسمح لها دائماً بأن تباشر الاختصاصات المعهودة لها بصورة منتظمة ؛ لأن الغرض من إنشاء المنظمة الدولية هو تحقيق مصالح مشتركة ذات طبيعة مستمرة ، ومن ثم تلزم تلك الأجهزة أن تكون ساهرة على تحقيق المصالح بصورة مستمرة ودائمة ، كما أن دوام المنظمة واستمرارها هو الذي يؤكد استقلالها عن الدول الأعضاء( ) .
3) الإرادة المستقلة :
يجب أن تتمتع المنظمة الدولية بإرادة مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء ؛ وذلك لأجل أن تتميز شخصيتها في المجتمع الدولي عن شخصية الدول الأعضاء . وهذا لا يعني إرادة المنظمة المستقلة تعتبر فوق إرادة الدول الأعضاء ، أو بعبارة أخرى ، فإن المنظمة الدولية لا تعتبر دولة فوق الدول .
إن إرادة المنظمة المستقلة تظهر عندما تنسب الأعمال التي تقوم بها إليها لا إلى الدول الأعضاء فيها .. ولكن يصعب أحياناً الفصل بين إرادة المنظمة وإرادة الدول الأعضاء عندما يُشترط لصدور بعض القرارات إجماع الدول الأعضاء ، إلا أنه يلاحظ في جميع المنظمات ، أن الإرادة المستقلة تظهر واضحة فيما يتعلق بالحياة الداخلية للمنظمة ، عندما ينص ميثاق المنظمة على قاعدة الأغلبية عن صدور جميع أو معظم قرارات المنظمة الدولية( ) .
4) الميثـاق :
عند نشوء المنظمة الدولية ، يجب أن تتحد إرادة الدول المؤسسة للمنظمة في إبراز ميثاق لهذا الاتحاد ، لكي تحدد مدى اختصاصات المنظمة .
وأخيراً فإن هذا الأمر يتطلب ضرورة التصديق على الميثاق من قبل الحكومات والهيئات البرلمانية أو ما يحل محلها للدول المؤسسة لهذه المنظمة وميثاقها .
وتنص مواثيق المنظمات الدولية على ضرورة مراعاة مبادئ وأهداف المنظمة والسير بمقتضاها ، ولا يجوز لأي عضو في المنظمة أن يخالف نصوصها وأحكامها من الدول الأعضاء .. فمثلاً أشارت المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة : ( أن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تفصل أي عضو من الهيئة ، بناءً على توصية من مجلس الأمن ، إذا أمعن هذا العضو في انتهاك مبادئ الميثاق … ) ، وكذلك ميثاق جامعة الدول العربية في المادة ( 18 ف 2 ) على : ( أن لمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق ، منفصلة عن الجامعة …… ( ) ) .
فميثاق المنظمة الدولية هو الذي يبين نوع وطبيعة المنظمة ، فقد تمون منظمة دولية عالمية ، كمنظمة الأمم المتحدة ، أو قد تكون أطراف الميثاق جماعة معينة من الدول واقعة من منطقة جغرافية محددة من العالم كالمنظمات الإقليمية .
بل إن موضوع المنظمة الدولية ، أو الغاية من إنشائها ، قد يحدد الدول الأطراف في الميثاق ، مثل منظمة الدول المصدرة للنفط .. فمن الطبيعي ألا تشارك في مثل هذه المنظمة إلا الدول التي تصدر البترول دون غيرها من الدول الأخرى .
وميثاق المنظمة هو الذي يميز الوكالات الدولية المتخصصة المرتبطة بالأمم المتحدة ، عن الهيئات الأخرى التابعة للأمم المتحدة ، والتي تتمتع ببعض من الاستقلال ، ولكنها تتولى تسيير أحد المرافق الدولية العامة ، مثل الصندوق الدولي لرعاية الطفولة ، ومنظمة إغاثة لاجئي فلسطين .
تقسيم المنظمات الدولية :
لم يتفق فقهاء القانون على تقسيم موحد للمنظمات الدولية ، واختلفوا في تقسيماتهم لها بحسب اختلاف طبيعة العضوية فيها ، ونشاطها ، واختصاصاتها المختلفة ، وكيفما كان الأمر فإنه من الممكن ردها إلى التقسيمات التالية :-
1) من حيث الاختصاص :
تقسم المنظمات الدولية من حيث الاختصاص إلى منظمات دولية عامة ، وإلى منظمات دولية متخصصة ، وتكون المنظمة الدولية عامة إذا تعددت اختصاصاتها لتشمل كافة مظاهر العلاقات الدولية ، ومن الأمثلة على ذلك عصبة الأمم سابقاً ، ومنظمة الأمم المتحدة حالياً ، وبعض المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية من حيث أنها متعددة الاختصاص .
وتكون المنظمة الدولية متخصصة إذا كانت تهدف إلى تحقيق أغراض محددة ، كالمنظمات ذات الاختصاص الاقتصادي أو الثقافي أو الفني أو الصحي ، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة .
2) من حيث العضوية :
تقسم المنظمات الدولية من حيث عضويتها إلى منظمة دولية ذات اتجاه عالمي ، وإلى منظمات دولية إقليمية ، وإلى منظمات ذات مصالح أو موارد معينة .
والمقصود بالمنظمات العالمية ، هي تلك المنظمات التي يتم تأليفها بطريقة تسمح بانضمام أية دولة من الدول إليها ما دامت هذه الدولة تتوافر فيها الشروط التي يتطلبها ميثاق المنظمة ، بحيث يتم التعاون على أساس عالمي ، ومثالها منظمة الأمم المتحدة ، وتقبل بعض المنظمات الانضمام إليها بمجرد إبداء الدولة الراغبة في ذلك ، كالمنظمات الدولية المتخصصة .
أما المنظمات الإقليمية ، فهي التي تقتصر العضوية فيها على فريق معين من الدول ، تجمعه روابط متعددة ترجع للظروف السياسية ، والاقصادية ، والثقافية ، أو ترجع للتاريخ المشترك والنضال المشترك ووحدة اللغة والدين ، أو أن تكون هذه الدول واقعة في منطقة جغرافية معينة من العالم ، كما أن بعض مواثيق هذه المنظمات يضع شروطاً خاصة للعضوية ، كجامعة الدول العربية التي تتطلب من الدول الطالبة للانضمام أن يتوافر فيها شرطان :
الأول : أن تكون الدولة عربية .
والثاني : أن تكون مستقلة .
اترك تعليقاً