دراسة وبحث قانوني عن النظام القضائي في الإسلام
من كتاب نظام الحكم في الإسلام
د/ محمد النبهان
الطبعة 1987
…………………..
معنى القضاء:
القضاء : لغة الحكم يقال : قضى عليه يقضى قضيا ،وقضيا ، وقضاء وقضية والقاضية ،والقاضية الموت ، وقضى : مات واستقضى فلان : طلباليه أن يقضيه . والقضاء في العرف الشرعي هو الفصل بين الناس في الخصوماتوالمنازعات حسما للتداعي وقطعا للنزاع وفقا للأحكام الشرعية .
تاريخ القضاء:
أولا : القضاء في الجاهلية :
لم يكن للعرب في الجاهلية نظامقضائي منظم ، وانما كانوا يحتكمون الي الأعراف والتقاليد المنبثقة من بيئتهمومعتقداتهم ، فكان المتنازعون يحتكمون الي شيخ القبيلة الذي يمثل السلطة والحكم ،وكان يحكم بينهم وفق الأعراف دون أن يكون مرتبطا بنظام أو تشريع أو قانون .وقداعتمد القضاة في العصر الجاهلي علي ثلاث طرق : منها1- الحكومة ومن اشتهر بالقضاةقبل الأسلام حاجب بن زرارة ، الأقرع بن حابس ، ربيعه بن تميم ، غيلان بن مسلمة ،هاشم بن عبد مناف ، عبدالمطلب بن هاشم ، ، العاص بن وائل ، سلمى بن نوفل ، قس بنساعده ، زهير بن أب سلمى .. ،2- الأحتكام الي الكهان والعرافين ،3- نصرة المظلموموهم حلف الفضول .
ثانيا : القضاء في عهد الرسول :
تولى النبي صليالله عليه وسلم بعد الأسلام النظر في القضاء والفصل في الخصومات وعقد حلفا بينالمهاجرين والأنصار علي أن يحتكموا في خلافاتهم ومنازعاتهم الي الله ورسوله . وكانيعتمد في قضائه علي الوحي أولا ويعتمد علي الأجتهاد فيما لاوحى فيه ، وكانت طرقالأثبات التي يعتمدها النبي صلي الله عليه وسلم في قضائه هي : البينه واليمينوالشهود والفراسه ، وقد ضع القاعدة الأساسية في القضاء ” البينة علي من ادعىواليمين علي من انكر “.
ولما اتسعت الدولة الأسلامية وكثرت مسؤوليات النبي صليالله عليه وسلم اذن لأصحابه بالقضاء في حضرته وفي البلاد البعيدة عن المدينة اقرارلمبدأ تولية القضاة وتشجيعا للصحابة علي الأجتهاد في القضاء .
وكان امراء كل بلديتولون القضاء فيها ، ويحكمون بما لديهم من النصوص فاذا لم يجدوا نصا اجتهدوا فيالمسائل المعروضة عليهم ومن ثم عرضوا هذا الأجتهاد علي النبي الذي يعتبر المرجعالأعلي لهم في جميع الشؤون ، ويتضح لنا أن السلطة القضائية لم تكن منفصلة عن السلطةالتنفيذية وان النبي صلي الله عليه وسلم كان يتولى جميع شؤون المسلمين الدينيةوالدنيوية وكان امراؤه أيضا يتولون نفس الصلاحيات الدينية والدنيوية ، فكانوا يؤمونالناس في صلاتهم وينظرون في شؤونهم ومنازعاتهم ويقودونهم في قتال أعدائهم لانالأمارة العامة نوع من الولاية أو النيابة ولم يتخصص الأمير بصلاحيات خاصة الأعندما كثرت المسؤوليات وتوسعت الأعمال وعندها استقل القضاء عن الأمارة ..
ثالثا : القضاء في عهد الخلفاء الراشدين :
لم يختلف القضاء في عهدأبي بكر رضي الله عنه عن القضاء في عهد النبي صلي الله عليه وسلم من حيث الشكل الأأنه لم يعد باستطاعة القضاء أن يعرضوا علي النبي قضاءهم ليقرهم عليه أو ليقول فيهرأيه ، وإنما أصبح الاجتهاد علي اختلاف إشكاله هو مرجع القضاة ويعتمدون عليه عندمالايتوفر لهم من النص من القرآن أو السنة ولذلك ازدهر الاجتهاد وعرف بعض الصحابةبالفتيا والقضاء .
وأول من تولى القضاء في عهد أبى بكر رضي الله عنه عمر بنالخطاب وكان عمر معروفا بالشدة والحزم ، ولم يتجرأ أحد علي أن يقف بين يديه خشيةمنه ، ومع ذلك لم يطلق عليه لقب ” قاضي ” ولم يعرف هذا الاسم في عهد أبي بكر.وكانعمر أول من عين القضاة بعد توليه الخلافة وذلك بسبب اتساع رقعة الدولة الإسلاميةوتوزع المسلمين في الأمصار وكثرة المسائل التي جدت علي المجتمع الإسلامي نتيجةالفتوحات العظيمة وقد ولى عمر أبا الدرداء عويمر بن عامر قضاء المدينة وولي شريحابن الحارث الكندي قضاء الكوفة ، وولى أبا موسى الأشعري قضاء البصرة وولى عثمان بنقيس بن أبي العاص قضاء مصر وجعل قضاء الشام مستقلا .ووضع لهؤلاء قانونا أساسيا فيتنظيم القضاء ، يعتبر دستورا لهم يسيرون عليه في قضائهم ..
وكانت طريقة الصحابةفي القضاء أنهم إذا وردت عليهم حادثة نظروا في كتاب الله فان وجدوا الجواب فيه قضوابه وإذا لم يجدوا في كتاب الله نظروا في سنة رسوله فان وجدوا ما يقضون به قضوا بهفإذا لم يجدوا ذلك في القران أو السنة اجتهدوا برأيهم ..
حيث كان أبو بكر إذاأعياه الأمر جمع الصحابة وسألهم هل علمتم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قضى بهبقضاء ؟ فربما قام إليه القوم فيقولون : قضى فيه بكذا وكذا ..وكان عمر يفعل ذلكوعثمان وعلي رضي الله عنهما أجمعين .
ولم يكن للقضاء في هذا العصر سجلات منظمةتكتب فيها القضايا والإحكام تنفذ علي أطراف القضية عقب الحكم مباشرة ، كما لم يكنهناك مجلس خاص للقضاء وكان القاضي يجلس في المسجد ، وينظر في الأمور المعروضة عليهإذ كان المسجد في ذلك العصر يلعب دورا بارزا في حياة المجتمع الإسلامي ، ففيه يلتقيالناس مع بعضهم ، وفيه تتم البيعة للخليفة ، وعلي منبره يقف الخليفة في كل مناسبةيعرض علي الناس ما يجد معه من شؤون الحكم والحربوالقضاء وغير ذلك .
رابعا : القضاء في العصر الأموي :
لم يختلف القضاء في العصر الأموي كثيراعما كان عليه في عهد الخلفاء الراشدين ، فقد كان القضاة يعتمدون علي المصادرالأساسية القرآن والسنة ..وإذا لم يجدوا فيهما الحكم اجتهدوا في ذلك معتمدين عليالرأي والقياس وفقا للمبادئ الأساسية والقواعد الشرعية العامة .
وكان القاضييجتهد رأيه وعلمه دون أن يكون ملزما بتقليد غيره من القضاة ، نظرا لعدم ظهورالمذاهب الاجتهادية في ذلك الحين ، ولذلك كان الخلفاء يتشددون في اختيار القضاةوكثيرا ماكان القضاة يرجعون إلي رأي الخليفة في بعض الأمور التي كانت تستعصى عليهم .
خامسا : القضاء في العصر العباسي :
تطور القضاء في العصر تطوراكبيرا عما كان عليه في عصر الخلفاء الراشدين وعصر الأمويين بسبب حركة الاجتهادوظهور المذاهب الاجتهادية المختلفة وحركة التدوين التي رافقت ذلك .
ولم يعدالقاضي يملك حق الاجتهاد في القضايا التي تعرض عليه وانما اقتصر عمله علي تقليدالأئمة المجتهدين وتطبيق آرائهم دون أن يكون مفوضا بالخروج عنها ، أصبح لكل قطر منالأقطار الأسلامية مذهب معين تأخذ الدوله به ، ويعتبر القضاة ملزمين بالتقيد بهفكان القاضي في العارق يأخذ بمذهب أبي حنيفه ، والقاضي بمصر يأخذ بمذهب الشافعي وفيالمغرب بمقضي رأي الأمام مالك .
ولقد اتسع النظام القضائي وتشبعت سلطات القاضيوأصبح ينظر في كثير من الأمور التي لم تكن ضمن سلطاته في العصرالأموى كمسائلالأوقاف وتنصيب الأوصياء والنظر في المظالم ومسائل الحسبة وظهر منصب ” قاضي القضاة “الذي يعتبر الرئيس الأعلى لجميع القضاة ويقابله اليوم ” وزير العدل ” ويعين قاضيالقضاة في كل البلاد التابعة له وممن تولى منصب قاضي القضاة ” أبو يوسف يعقوب بنإبراهيم ” وهو أول من عين في منصب قاضي القضاة في عهد هارون الرشيد ..
الشروط العامة للقضاة :
ذكر العلماء الشروط العامة التي يجبتوافرها في الشخص الذي يتولى القضاء ، ولا يجوز تقليد القضاء الأ لمن توافرت فيههذه الشروط لان القضاء نوع من الولاية ولا يجوز تولى الولاية الأ لمن توافرت فيهشروطها وهذه الشروط هى :
-الذكورة : وبناء عليه ينحصر القضاء في الرجال دونالنساء ولا يجوز للمرأة أن تسند اليها مناصب الولاية ولكن هذا لا يمنع أن يترتب عليقولها وشهادتها حكم من أحكام القضاء فشهادتها مقبولة فيما يختص بها ..
-البلوغ:وهذا شرط بديهي لان الصبي لا يملك الولاية علي نفسه ، وأحرى به الأ يملك الولايةعلي الناس .
-العقل : ويشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون واعيا فطنا بعيدا عنالسهو والغفلة حتى يتوصل بذكائه وعقله الي ايضاح ما أشكل من الأحكام .
-الحرية
-الإسلام : ولا يجوز تولى الكافر القضاء علي المسلمين أو غيرهم لان الإسلامشرط في قبول الشهادة ولان القضاء ولاية ولا يجوز أن تستند الولاية علي المسلمين إليكافر لقوله تعالى : ” ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا ” .
-العدالة :وتعتبر شرطا في كل ولاية .
-سلامة الحواس : أن يكون سميعا بصيرا حتى يستطيعتمييز الحق من الباطل ، ويفرق المحق من المبطل .
-العلم : والمراد به هو العلمبالأحكام الشرعية ولا تتم الأ بعد معرفة أصول أربعة :
1-العلم بكتاب الله عزوجل ومعرفة ما تضمنه من الأحكام .
2-العلم بسنة رسوله صلي الله عليه وسلمالثابتة من أقواله وأفعاله .
3-العلم بآراء السلف .
4-العلم بالقياس الذييوجب رد الفروع المسكوت عنها إلي أصول المنطوق به والمجمع عليها .
أنواع القضاة واختصاصاتهم :
-القاضي ذو الولاية العامة ، ويكون مطلق التصرف في كلما تضمنته هذه الولاية من أمور
-القاضي ذو الولاية العامة في مكان خاص ويطلقعليه ” عام النظر خاص العمل ”
-القاضي في مسألة معينة ، ويجوز له النظر فيغيرها من المسائل.
أركان القضاء :-
أولا : القاضي : وهو الشخص الذيانعقدتله ولاية القضاء من قبل الخليفة أو من يقوم مقامه كقاضي القضاة أو وزيرالعدل .
ثانيا : المقضي له : وهو المدعي ويشترط فيه شروط وهى :
-أن يكون ممنتقبل شهادته للقاضي لان القضاء عبادة والعبادة اخلاص العمل بكليته لله عز وجل .
-أن يكون المقضي له حاضرا وقت القضاء .
-اقامة الدعوى وطلب القضاء .
ثالثا : المقضى عليه : وهو الذي يصدر الحكم ضده سواء كان واحدا أو متعدداويشترط أن يكون موجودا حال الحكم عليه .
رابعا : الحكم أو المحكوم به : وهوالحكم الصادر من القاضي بحق المدعي عليه سواء كان حكما بالأدانه أو بالبراءة .
-شروط القضاء :
يشترط في القاضي أن يقضي بالحق وهو الثابت عندالله عزوجل من حكم الحادثة ويتم هذا الثبوت عن طريقين :
1-عن طريق القطع : وهوما قام عليه دليل قطعى ، وهو النص المفسر من القران أو الخبر المتواتر أو الأجماع .
2-عن طريق الظاهر : وهو ما قام عليه دليل ظاهر يوجب العلم الغالب من القرانأو السنة المتواترة أو المشهورة أو خبر الواحد أو القياس .
القرآن دستور ومنهج حياه
الشريعة الإسلامية تنزيل من المولىعز وجل فهى علت وتجلت أن تقارن بغيرها من الشرائع ولكن لمن غرتهم عقولهم وأغوتهمأنفسهم بغير شرع الله نقدم إليهم كيف أن التشريع السماوى على وازدهر عن التشريعالوضعى ، جعل الله لنا القرأن دستورا ونورا نحكم به ونحتكم إليه فيكون دستورا شرعياأعلى و تأتى من تحته باقى ما شرع من قوانين فمن جاء مخالف لقواعده وأوامره فمردودومن جاء من هذه القوانين متفق مع ما به من شرائع وما إستنبط منه من أحكام جميع طرقالأصول فهو حق ومعمول به ولذلك نتناول هنا ماهيه الشريعة الإسلامية ونبين فى نبذاتالفروق بين التشريع السماوى والتشريع الوضعى وقبل هذا نبين لما حاجه الناس إلىالشرائع والقوانين فذلك أمر فطرى بكونه أنسان إجتماعى بطبعه فكان عليه أن يلجأ مننظم لينظم علاقاته مع الأخرين .
اولا: حاجه المجتمع إلى الشرائع والقوانين
من المسلم به ان الانسان لا يستطيع ان يعيش منفردا عن بنى جنسه بل هواجتماعى بطبعه وذلك لأن الشخص عاجز بمفرده عن القيام بمطالبه محتاج الى بنى جنسه فىتحصيل ضرورات الحياه فالحياة تقوم على التعاون من بنى المجتمع يؤدى كل فرد فيها مايحسنه من عمل وما يقدر عليه من جهد .
ولما كان من الضرورى أن يعيش الفرد فىمجتمع فإن ذلك يؤدى إلى دخوله علاقات ومعاملات شتى مع بنى جنسه , فالإنسان فى حياتهتتعد مطالبة وتتجدد حاجاتة ورغباتة بتأثير من ميوله وغرائزه , ولما كان من طبيعةالإنسان الأنانيه وحب الذات ويريد أن يستأثر بكل ما يجده وهو بهذا الطبع تتعارضوتتصادم ميوله ورغباته مع غيره فلو ترك الافراد وشأنهم لأدى ذلك إلى التنازعوالتقاتل وساد الظلم والشر وتغلب الاقوياء على الضعفاء فينعدم التعاطف والتراحمويعيش المجتمع فى حياة مضطربة لا استقرار فيها ولا أمان بل تسودها نزاعات لا تتقطع .
لذلك اقتضت الضرورة وجود نظم وقيود تحد من الرغبات والأنانيه المطلقه تقومبتنظيم العلاقات والمعاملات فيما بينهم على وجه من المصلحه المتعارضه وتحسمالمنازعات التى تقوم بينهم وتحدد حقوق كل إنسان وواجباته لكى يسود العدل والمساواةوالحرية ويطمئن كل فرد على نفسه وأهله وماله وعرضه بالتالى توفر الحياة المستقرةكما توفر اسباب النهوض والتقدم وتسير بالإنسانيه فى الطريق المستقيم فهذه النظمضروريه للمجتمع الإنسانى ولا يمكن لأى مجتمع أن يعيش بدون نظم تحكمه وتنظم علاقاتأفراده فيما بينهم .
وهذه النظم إما أن تكون من وضع البشر أو من وضع الله تباركوتعالى على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام ، فإن كانت من وضع البشر فإنه قد ثبتعلى مر العصور أن القوانين الوضعية التى يقوم البشر بوضعها يصيبها أحيانا بعضالقصور لذلك نرى المشرعين يصححون ما أخطأوا فى سنه من النظم والقوانين ، لأن البشرعقولهم مهما سمت فهى قاصرة وإدراكها متفاوت فقد يستحسن جماعه شيئا ويستقبحه أخرونبل الشخص الواحد قد يستحسن شيئا فى وقت ويستقبحه فى وقت أخر ، والانسان لا يخضعللنظام البشرى خضوعا تاما بل كثيرا ما نرى أفرادا يحتالون على النظم والقوانينالوضعيه لأنه ليس لها قداسة عند الافراد .
لذلك كان الناس والمجتمع فى حاجة إلىشرائع تفوق النظم الوضعية فكانت الشرائع السماوية التى مصدرها الحكيم الخبير العالمبطباع البشر فأرسل الرسل بكل ما يمسهم فنظم لهم العلاقات فيما بينهم وفيما بينخالقهم ، فنظمت الشرائع السماوية السابقة على الشريعة الإسلامية حياة المجتمع فىعصور مختلفة على وفق ما كان تقتضيه حياتهم ثم جاءت الشريعة الإسلاميه خاتمه الشرائعبشريعة جامعة شاملة كاملة التكوين محكمة البناء صالحة لكل زمان ومكان ، قال تعالى “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين “(1) ، وقال ” ولقدضربنا للناس فى هذا القرأن من كل مثل “(2) .
ثانيا : التعريف بالشريعةالإسلامية
تعريف الشريعة فى اللغة : تستعمل كلمة الشريعة فى اللغة ويراد بهاأحد المعنين :
المعنى الاول : الطريقة المستقيمة ومن ذلك قوله تعالى ” ثمجعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون ” (3) أى جعلناكعلى طريقة مستقيمة وواضحة من أمر الله .
المعنى الثانى : مورد الماء الجارى الذىيعده الناس لسقى دوابهم ومنه قول العرب شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء .
تعريفالشريعة فى الاصطلاح : الشريعة فى اصطلاح الفقهاء هى عبارة عن مجموعة الأحكام االتىنزلها الله سبحانه وتعالى لعباده على رسول من رسله عليهم السلام , وهى بهذا المعنىتشمل كل الشرائع السماوية التى نزلت للعباد على الرسل والأنبياء , ومع ذلك فإنالشريعة إذا أطلقت مجردة كان المراد بهاالشريعة الإسلامية , لأنها الشريعة الخاتمةوالتى أرسلت للناس كافة , فضلا عن أنها اشتملت على أحسن ما فى الشرائع السابقةوزادت عليها من الأحكام ما جعلها شريعة عامة وكاملة صالحة للناس فى كل زمان ومكان .
وبذلك يمكن تعريف الشريعة الإسلامية بأنها عبارة عن مجموعة الأحكام التى نزلهاالله سبحانه وتعالى للناس على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وسميت هذه الأحكامبالشريعة لأنها مستقيمة محكمة الوضع , ولأنها شبيهة بمورد الماء الجارى فى أن كلامنهما سبيل للحياة , فأحكام الشريعة طريق إلى إحياء العقول والنفوس , والماء سبيلإلى إحياءالاجساد والأبدان .
والشريعة والشرع والشرعة والدين والملة بمعنى واحد ,ومن الشرع والشريعة اشتق شرع بمعنى أنشأ وسن القواعد وبين النظم وأوضح الأحكام ,قال تعالى” شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا”(4) والتشريع مصدر شرع وهوسن الشرعوبيان الأحكام وإنشاء القوانين .
ووصفت الشريعة الإسلامية نسبة إلى الإسلام الذىيعنى الاستسلام لله والانقياد لأحكامه والرضى بقضائه ثم خص استعماله بالدين الذىجاء على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ثالثا : الفقه الإسلامى والقوانين الوضعية
الباحث فى كتب الفقه الإسلامى يجد أن جميع فروع القانون الوضعى لها أصولومرجعية فى هذا الفقه , حيث سبق الفقه الإ سلامى هذه القوانين فى تنظيم بعض المسائلالتى تنظمها , فضلا عن ما اشتمل عليه من أحكام العبادات التى لا تدخل ضمن نطاقالقوانين الوضعية .
الفقه الإسلامى والقانون المدنى : نظم الفقه الإسلامى أحكامالعقود والمعاملات والقواعد المتصله بالمال والملك والحق فى أبواب البيع والسلموالإجاره والهبة والوديعة وما إلى غير ذلك من العقود والمعاملات , ولقد تناولت هذهالأحكام كتب الفقه الإسلامى على اختلاف مذاهبها ومنها على سبيل المثال كتاب بدائعالصنائع ومواهب الجليل للحطاب ونهايةالمحتاج للرملى والمغنى لابن قدامه .
الفقه الإسلامى والقانون التجارى: بحث الفقهاء المسلمون القواعد والأحكام التى تحكمالعلاقات التجارية وذلك فى أبواب الشركات كشركات العنان والمفاوضة والأبدان , إضافةإلى أن الشركات التى ينظيمها القانون التجارى أصولها وجذورها موجوده فى الفقهالإسلامى فشركات التوصية تجد أحكامها فى شركة المضاربة والكمبيالة فى السفتجه وماإلى ذلك .
الفقه الإسلامى وقانون المرفعات : بحث الفقه الإسلامى فى أبحاث مطولةأحكام القضاء والدعوى والشهادات والإقرار والقرائن فبين شروط القاضى وكيفية تعينهوحقوق الخصوم أمام القضاء ومدى حجيه ما ينطق به القاضى من أحكام وهى بعض ما يتضمنهقانون المرافعات , ومن يرجع الى كتب الفقه الإسلامى يجد أن الفقهاء المسلمون أولواهذه الموضوعات عنايه فائقه وبلغوا فيها درجه لم يسبقهم اليها احد واالكتب الخاصهبذلك الموضوع كتاب معين الحكام للطرابلسى وتبصره الحكام فى أصول الاقضيه ومناهجالحكام لابن فرحون واداب القاضى للمواردى وغيرها .
الفقه الإسلامى والقانون الدولى الخاص : هذا القانون ينظم العلاقات ذات العنصر الأجنبى والقانون الذى يحكمهاومركز الأجانب ولقد كان الفقه الإسلامى سباقا فى هذا الشأن وتحدث عن هذه الموضوعاتبصورة لم يسبقه فيها أحد من القوانين .
الفقه الإسلامى والقانون الدستورى : تحدثالفقه الإسلامى عن الاحكام التى تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين , وعن حقوقالأفراد وحرياتهم , وحق الأمه فى اختيار الحاكم ووضع السياسة العامة التى ينتجها .
الفقه الإاسلامى والقانون الإدارى : تحدث الفقهاء المسلمون عن النظام الإدارىللدولة وبينو الوظيفه الإداريه لها واختصاص جهات الإداره والخدمات التى تقدمهاالدولة ومن الكتب التى تحدثت عن ذلك كتاب الأحكام السلطانية للمواردى والأحكامالسلطانية لأبى يعلى الحنبلى والسياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية لإبن تيميه ,وهذه الموضوعات هى بعض الموضوعات التى يعالجها القانون الأدارى فالقانون الأدارىعبارة عن مجموعة القواعد والأحكام التى تنظم نشاط السلطة التنفيذية فى قيامهابوظائفها الإدارية.
الفقه الإسلامى والقانون المالى الضريبى : تحدث الفقهاءالمسلمون عن الزكاه والعشر والخراج والجزيه والركاز وبيت المال ووجوه الانفاقالشرعيه ومصادر إيرادات االدوله وعن ترشيد الانفاق وهذا مايقابله فى القانون المالىوهو عباره عن مجموعه القواعد المنظمه لماليه الدوله وميزانيتها من حيث بيان موردهامن رسوم وضرائب وقروض , وكيفيه تحصيلها وبيان النفقات التى تصرفها على مرافقهاالمختلفه .
الفقه الإسلامى والقانون الجنائى : تحدث الفقه الاسلامى عن الجرائموالعقوبات فى ابواب خاصه كابواب الجنايات والقصاص والحدود والتعزيزات , فتحدث عنالقتل وانواعه وعن السرقه وعن الاعتداء على مال الغير بالباطل وعن الزنا وعنالمحافظه على النسل والعرض والعقل وعن خيانه الأمانه وعن التزوير والنصب وكما تحدثعن عقوبات وتعزيزات هذه الجرائم فتحدث عن القصاص والدياتوالكافارات والتعزيزات كماتناول الفقهاء المسلمون مبدأ لاجريمه ولا عقاب إلابنصوهو ما يعبرعنه مبدأ شرعيهالجرائم والعقوبات كما بينوا المسؤليه الجنائيه وقواعدها وتخفيف العقوبه والاعفاءمن المسؤليه وتحدثوا عن أهداف العقوبه كالردع والزجر وما إلى ذلك من الجرائموالعقوبات التى ساغ فيها الفقهاء المسلمون نظريات تفوق أحدث النظريات التى ظهرت فىالقوانين الجنائيه .
الفقه الإسلامى والقانون الدولى العام : تناول الفقهاءالمسلمون العلاقات الدوليه أو مايسمى بالسير والجهاد والمغازى وهى عباره عن مجموعهمن الاحكام التى تنظم علاقه الدوله الاسلاميه بغيرها من الدول فى حالتى الحربوالسلم , فتكلموا عن المعاهدات والمواثيق والتنظيمات الدوليه وعن الصلح والتحكيموعن حقوق الإنسان .
الفقه الإسلامى ومسائل الأحوال الشخصية : نظم الفقه الاسلامىأحكام الاسره من زواج وطلاق وحقوق أولاد وميراث ووصيه بالاضافه الى الوقف , وقداصطلح على تسميه أحكام الاسره فى هذه الاونه بالاحوال الشخصيه وهو مصطلح وافدلاوجود له فى الفقه الاسلامى وإنما ابتدعه الفقه الغربى .
وإن النظر إلى أحكامالفقه الإسلامى فى هذا المجال يجدها غاية فى الدقه وقد سبق غيره من القوانين بمراحلبعيده وقد نالت هذه الاحكام اعجاب المشرعين حتى فى البلاد غير الاسلاميه اقتبسوامنها احكام كثيره ولقد اهتم الفقه الاسلامى بأحكام الاسره اهتماما كبيرا لأنهاتتعلق بالاسره التى هى الخليه الاولى للمجتمع .
رابعا : الفرق بين التشريعالسماوى والتشريع الوضعى
يختلف التشريع السماوى عن التشريع الوضعى من عدة وجوهأهمها ما يلى :
1-التشريع السماوى هو عبارة عن مجموعة الأحكام التى شرعها اللهتبارك وتعالى للناس على لسان الرسل ، أما التشريع الوضعى فهو عبارة عن مجموعةالقواعد التى تضعها السلطة المختصة فى أمة من الأمم .
2-التشريع السماوى منوضع الله الحكيم الخبير الذى يحيط بكل شئ علما سواء أكان ذلك فى الحال أو الاستقبال، بخلاف التشريع الوضعى فهو من صنع البشر ويظهر فيه نقص البشر وعجزهم وضعفهم وقلةحيلتهم بالأضافه إلى علمهم المحدود حيث لايستطيعون أن يحيطو بما سيكون فى المستقبلوإن استطاعوا الإلمام بما كان فى الماضى والحاضر .
3-التشريع الوضعى يقوم بهأفراد تؤثر فيهم الرغبات والأهواء والبيئات والمكان والزمان والثقاغة فيتأثر بهاالتشريع الوضعى ، أما التشريع السماوى فهو من الله الحكيم الخبير فى كل حال وزمانفيختار لعباده ما يضمن لهم دوام الخير والإصلاح .
4-يمتاز التشريع السماوى عنالتشريع الوضعى بأن أى حكم شرعى له مظهران مظهر دينى ومظهر قضائى والمظهر الدينىيراد به الحساب أمام الله تبارك وتعالى ، ويراد بالمظهر القضائى فى اقتضاء حقوقالله والعباد بخلاف الأحكام القانونية الوضعية فليس لها سوى مظهر واحد فقط وهوالمظهر القضائى ولا وجود للمظهر الدينى فى هذه الأحكام ولا شك أن مراعاه الجانبالدينى فى الأحكام الشرعية يجعل المسلم لا يقدم على فعل أو تصرف إلا إذا كان حلالافى الشرع وإن كان قضاء يجيز له ذلك بناء على ظاهر الفعل كما يجعله لا يتمسك ولايطالب بشئ لاحق له فيه و إن كان يمكنه إثبات ذلك أمام القضاء ، كما يجعله لا يتمسكولا يطالب بشئ لا يستطيع صاحبه إثباته أمام القضاء وهذا كله يدعو إلى الاطمئنان فىالعلاقات بين الأفراد لأن هناك رقابة دينية على الإنسان فى علاقته مع الغير زيادهعلى الرقابة القضائية .
ومن خلال كل ما سبق نجد تنوع المجالات التى يتناولهاالفقه الاسلامى فقد اشتمل على كل فروع القانون الوضعى فليس هناك فرع من فروعالقانون لم يتكلم عنه الفقهاء المسلمون والاحكام التى تحدثوا عنها تعد منارا أنارالطريق للفكر القانونى الاصيل وبعد أن بينا الفرق الشاسع بين مجرد تطبيق التشريعالسماوى تحت مسمى الشريعة الإسلاميه وبين تطبيق القانون الوضعى وإذا كانت هناك حاجهإلى تشريع لمسائل معاصره نصت عليها القوانين الوضعيه ولانجد لها ذكرا فى كتب الفقهالاسلامى رجعنا الى القواعد والاصول العامه للفقه الاسلامى لنجد بالنظر والاجتهادما نحتاج إليه من الاحكام فالشريعه الاسلاميه بحق شريعه مرنه ومتطوره صالحه للتطبيقفى كل زمان ومكان .
(1)-سورة النحل الآية رقم (89) .
(2)-سورة الرومالآية رقم (58) .
اترك تعليقاً