بحث قانوني ودراسة في تصرفات المحجور عليه قبل وبعد الحجر
الحجر لجنون أو عته أو غفلة قد يرجع أثره إلى ما قبل الحجر فتصبح تصرفات المحجور عليه باطلة ولو كانت صادرة منه قبل الحجر عليه سواء لأن قبول المحجور عليه يكون في هذه الحالة معيبًا أو لاعتبار المحجور عليه مفقود الأهلية قبل الحجر.
(راجع حكم محكمة الاستئناف الأهلية في 4 فبراير سنة 1913 وارد بالمجموعة الرسمية السنة 14 عدد 79).
(راجع أيضًا حكم المحكمة المذكورة في 25 يونيه سنة 1918 وارد بالمجموعة الرسمية السنة 20 عدد 21).
هذا المبدأ لا شك فيه.
أما الحجر لسفه فلا ينتج أثره عادةً إلا من تاريخ الحكم، ولو أن هناك حالات يصح فيها رجوع أثره إلى الماضي.
(راجع حكم محكمة الاستئناف في 11 يونيه سنة 1918 وارد بالمجموعة الرسمية السنة 20 عدد 6).
(راجع ذلك الحكم رقم (75) المنشور بهذا العدد).
وقرار الحجر لسفه حجة على الغير من تاريخ صدوره وليس من تاريخ إعلانه بالجريدة الرسمية طبقًا لنص المادة (19) من القرار الوزاري الصادر في 26 يناير سنة 1897 لأن المادة المذكورة لا يمكن أن تؤثر في أحكام الشريعة التي تخضع لها في قضايا الحجر والتي قضت بأن تصرفات المحجور عليه باطلة من يوم الحجر عليه – مادة (489) من كتاب الأحوال الشخصية.
ولأنه مع التسليم جدلاً بأن للقرار الوزاري قوة القانون فإن المادة (19) المذكورة لا تفيد مطلقًا أن نتيجة قرار الحجر معلقة على حصول النشر وبعبارة أخرى لم تنص المادة المذكورة على وجوب النشر وإلا كان قرار الحجر لاغيًا بالنسبة للتصرفات السابقة عليه.
(راجع الحكم رقم (72) المنشور بهذا العدد),
(راجع كذلك حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 14 مارس سنة 1900 منشورًا بالمجموعة الرسمية للمحاكم المختلطة سنة 15 صحيفة نمرة (206) وبمجلة التشريع والقضاء المختلطة سنة 12 صحيفة (161) ووارد ملخصه بمجموعة لانتز جزء 2 صحيفة (266) وبفهرست العشر سنوات الثانية صحيفة (175) فقرة (1846)).
قال المرحوم فتحي باشا زغلول تعليقًا على قوانين المجالس الحسبية ما يأتي:
(ومتى تمت الإجراءات يصدر المجلس القرار بما هو مطلوب إن كان توليةً أو عزلاً ويجب على القيم أو الوصي أن ينشر القرار القاضي بتوقيع الحجر أو باستمرار الوصاية إلى ما بعد السنة الثامنة عشرة…
ويترتب على قرارات المجلس الحسبي القاضية بالحجر أو باستمرار الوصاية بطلان كل عمل يباشره المحجور عليه من يوم صدور القرار الخاص به).
(راجع شرح القانون المدني للمرحوم فتحي باشا زغلول صحيفة 34).
وظاهر أنه لم يكن غرض القرار الوزاري بالنشر مخالفة أحكام الشرع وإنما قضى به استحسانًا لا وجوبًا تطبيقًا لهذه الأحكام نفسها.
كذلك لم يكن الغرض من النشر حماية مصالح المتعاقدين مع المحجور عليه وإنما حماية الأخير نفسه بتحذير الناس من معاملته وللإعلان عمن يمثله قانونًا بدليل أن الشارع لو أراد حماية المتعاقدين مع المحجور عليه لنص صراحةً على صحة التصرفات الصادرة منه قبل النشر ولقرر بوجوب تسجيل قرارات الحجر في سجلات عمومية يمكن أن يطلع عليها جمهور الناس ولكلف المجالس الحسبية بإجراء النشر بنفسها وفي ميعاد معين.
لو أننا أخذنا بعكس هذا الرأي لكانت النتيجة غريبة جدًا.
نحن نعلم أن الإنسان بمجرد رفع دعوى الحجر عليه وإذا ما توقع الحكم عليه فيها يسارع إلى التصرف في أملاكه إما تصرفًا صحيحًا بمعنى أنه يقبض ثمنها وإن كان بخسًا ليدخره لإسرافه وإما تصرفًا صوريًا ليجعل منه موردًا للتوسعة على نفسه من ريعه – وفي الحالتين يصعب إبطال تصرفه – فإذا سلمنا أيضًا بصحة تصرفاته الواقعة في المدة بين قرار الحجر والنشر – خصوصًا وأن القرار الوزاري لم يحدد ميعادًا للنشر – لاتسع أمام المحجور عليه المجال للخراب العاجل.
وبديهي أنه لا يمكن أن يكون ذلك غرض الشارع لأنه لا يعقل أن قانونًا وُضع لحماية القاصر ومن في حكمه ينقلب إلى عكس الغرض الموضوع له.
سارت محكمة الاستئناف المختلطة – في حكمها السابق ذكره – على هذا المبدأ ولكنها أصدرت حكمين آخرين أحدهما في 18 مايو سنة 1899 والثاني في 16 مايو سنة 1900 أما الأول – وهو المنشور ملخصه بفهرست العشر سنوات جزء ثانٍ صحيفة (174) فقرة (184) – فلا يمس هذا المبدأ إلا عرضًا لأنه قضى بصحة الورقة المعلنة للقيم المعزول بعد عزله وقبل النشر عن خلفه بالجريدة الرسمية، وأما الحكم الثاني فقد ورد ذكره بحيثيات حكم صادر من محكمة مصر الابتدائية المختلطة ولم نعثر بصورته للتعليق عليه.
ولقد سارت المحاكم الفرنساوية على هذا المبدأ أيضًا، ولأحكام هذه المحاكم أهمية خاصة في هذا الموضوع لأن المادة (502) من القانون الفرنساوي تنطبق على أحكام المادة (489) من كتاب الأحوال الشخصية ولأن نص المادة (19) من القرار الوزاري يتفق كذلك مع نص المادة (501) من القانون الفرنساوي – كذلك قد أجمعت كلمة العلماء الفرنساويين عليه على هذا المبدأ أيضًا.
(راجع بلانيول جزء أول صحيفة (833) فقرة (2612) – ديملومب جزء (8) فقرة (550) – أوبري ورو (طبعة خامسة) جزء أول صحيفة (800) فقرة (125) نوتة (27) – لوران جزء (5) فقرة (274) راجع كذلك الأحكام الواردة بالمؤلفات المذكورة).
اترك تعليقاً