بحث قانوني و دراسة حول رد الاعتبار في قانون الإجراءات الجنائية
لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر
1 – تمهيد:
بمناسبة استقلال مصر القضائي بسبب إلغاء المحاكم المختلطة قام المشرع المصري بنهضة تشريعية فصدرت عدة تقنينات جديدة من بينها قانون الإجراءات الجنائية والذي لم يُنشر بعد في الجريدة الرسمية – ولا شك أن هذا القانون جاء معدلاً لأحكام قانون تحقيق الجنايات المعمول به الآن مستحدثًا لبعض النظم القضائية في المواد الجنائية أهمها الفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام، ولا عجب إذا قلنا إنه بمناسبة هذه النهضة التشريعية الجديدة يتعين على كل مشتغل بالعلوم القانونية أن يساهم بنصيب في تلك النهضة فيتناول تلك الأحكام الجديدة بحثًا وتعليقًا – ولقد لاحظنا إبان دراستنا لهذا القانون أنه أورد أحكامًا في رد الاعتبار Réhabilitation تخالف أحكام القانون المعمول به وهو المرسوم بقانون رقم (41) لسنة 1931, فعن لنا بحثها من الوجهتين الفقهية والتاريخية.
2 – موضع رد الاعتبار في القانون الجنائي:
من المسلم به أن فقه القانون الجنائي يحتوي على نوعين من القواعد القانونية, الأولى موضوعية، والثانية شكلية، فالموضوعية هي القواعد المتعلقة بالجرائم وشروطها وأركانها وعقوباتها وهي مجموعة في تقنين واحد يسمى بقانون العقوبات, أما الشكلية فهي القواعد المتعلقة بالإجراءات التي تتبع عند وقوع الجرائم وهي مجموعة في تقنين ثانٍ أسماه المشرع المصري خطأ قانون تحقيق الجنايات ولم يرد في هذين التقنينين أحكام في رد الاعتبار وإنما صدر به قانون خاص هو المرسوم بقانون (41) لسنة 1931, ولما تناوله الشراح المصريون بالشرح أورده بعضهم عند بحث العقاب في قانون العقوبات القسم العام وأورده البعض الآخر عند شرح قانون تحقيق الجنايات في الباب الخاص بتنفيذ الأحكام ولقد صدر قانون الإجراءات الجنائية الجديد وأورد أحكام رد الاعتبار في الباب التاسع من الكتاب الرابع الخاص بتنفيذ الأحكام فأيد الاتجاه الأخير ولقد أحسن المشرع المصري صنعًا إذ أورد أحكام رد الاعتبار في قانون الإجراءات فما أحكام رد الاعتبار إلا أحكام تتعلق بالشكل لا بالموضوع.
3 – تطور تاريخي:
ليس نظام رد الاعتبار نظامًا حديثًا وإنما هو معروف إبان عهد الرومان فالقانون الروماني ميز بين العفو Grâce, indulgntia وبين ما أسماه برد الحالة Restitution de l’état Restitutia in intergrum رغم أن كليهما يصدران من ولي الأمر Prince فالعفو يمنع تنفيذ العقوبة أما رد الحالة إذا صدر عامًا مطلقًا فإنه يعيد إلى المحكوم عليه اعتباره بما فيها كافة حقوقه المدنية كأنه لم يحكم عليه بشيء – ولما جاء القانون الفرنسي القديم أيد هذا المبدأ – وكانت حالة المحكوم عليه ترجع إلى ما كانت عليه قبل الحكم بمقتضى خطابات تصدر من السلطان فكان رد الاعتبار في هذا العهد إداريًا لا دخل لأية سلطة أخرى فيه.
ولما جاءت الثورة الفرنسية ألغت الجمعية التأسيسية سنة 1791 كافة الحقوق التي يتمتع بها الملك Le souverain من بينها حق العفو واعتبرت رد الاعتبار عملاً صادرًا من الأمة نفسها لإصلاح الحالة الاجتماعية واعتبرته حقًا مقررًا لكل محكوم عليه فلم يعد يحمل صفة العفو mésure graciense ووضعت إجراءات وقواعد معينة في رد الاعتبار, ولما صدر القانون الفرنسي الحديث على هدى هذا الاتجاه الحديث أكد تلك القواعد والإجراءات وصدر بعد ذلك أمران في 18 إبريل سنة 1848 و 4 يوليو سنة 1852 معدلين لبعض أحكام رد الاعتبار ولقد أصبح رد الاعتبار في هذا العهد إداريًا ذا صفة قضائية فكانت محكمة الاستئناف التي يقيم في دائرتها طالب رد الاعتبار تبدي رأيها في طلب رد الاعتبار فإذا كان في مصلحة الطالب يحول إلى النائب العام ثم وزير العدل وهذا الأخير يستصدر أمرًا برد اعتبار الطالب من رئيس الدولة.
وظل الحال على هذا المنوال إلى أن صدر القانون المؤرخ في 14 أغسطس سنة 1885 فنقل الاختصاص في مسائل رد الاعتبار برمته إلى محكمة الاستئناف وحدها فأصبحت تفصل فيه على هدى ما يستبين لها من ظروف.
وفي 5 أغسطس سنة 1895, أدخل في فرنسا نظام رد الاعتبار القانوني الذي سنبحثه فيما بعد.
أما في مصر فلم يرد في التقنينات الجنائية أحكام لرد الاعتبار أكثر من الطلبات المقدمة إلى وزارة العدل بالتماس العفو عن العقوبات فاضطر المشرع المصري إلى سرعة معالجة التشريع القائم بتنظيم طريقة قانونية لرد الاعتبار فصدر في 5 مارس سنة 1931 المرسوم بقانون رقم (41) لسنة 1931 بشأن إعادة الاعتبار وينطبق على المحاكم الوطنية واشتمل على اثنتي عشرة مادة تناول فيها طريقة رد اعتبار المحكوم عليهم القضائية فجعل الحق في الحكم في رد الاعتبار لمحكمة الاستئناف – ولما صدر قانون تحقيق الجنايات الجديد للمحاكم المختلطة في 31 يوليو سنة 1937 وردت به أحكام لرد الاعتبار أمام المحاكم المختلطة في المواد (343) إلى (353) وجعل رد الاعتبار قضائيًا أيضًا فحسب.
ولم يؤيد المشرع المصري فكرة رد الاعتبار القانوني إلا في حالة واحدة وردت في قانون العقوبات في أحكام إيقاف التنفيذ فنصت المادة (59) من هذا القانون على أنه إذا انقضت مدة الإيقاف ولم يكن صدر في خلالها حكم بإلغائه فلا يمكن تنفيذ العقوبة بها ويعتبر الحكم كأن لم يكن – ولقد جرى قضاء محاكم الاستئناف على أنه لا يرد اعتبار المحكوم عليهم بأحكام مع إيقاف تنفيذها إذ يكتفى فيها بمرور المدة القانونية عليها وهي خمس سنوات حتى يعتبر الحكم كأن لم يكن ولا حاجة لرد اعتبار المحكوم عليه فيها.
وظلت الحالة على هذا النحو السابق إلى أن صدر قانون الإجراءات الجنائية الجديد والذي لم يُنشر بعد متضمنًا أحكامًا خاصة لرد الاعتبار وذلك في المواد من (536) إلى (553) أجاز فيها علاوة على طريقة رد الاعتبار القضائية طريقة أخرى هي رد الاعتبار القانونية أي بحكم القانون وذلك في المادتين (550) و (551) وذلك تمشيًا منه مع ما جرى عليه التشريع الحديث والقانون المقارن.
4 – تعريف رد الاعتبار:
لا شك أن الحكم بعقوبة جناية أو جنحة يؤدي من الانتقاص من شخصية المحكوم عليه ويحول دون استعادة مكانته الاجتماعية اللائقة ودون الوصول إلى مركز شريف إذ أن الحكم بالعقاب يتبعه في غالب الأحوال الحرمان من بعض الحقوق السياسية والمدنية ويسجل في قلم السوابق فيتعذر على المحكوم عليه الاندماج ثانية في الهيئة الاجتماعية, كما أنه ليس من العدل أن يحرم شخص من أن يتبوأ في الهيئة الاجتماعية المركز اللائق بكل وطني صالح إذا بذل مجهودًا ليحسن سيره وسلوكه وأقام الدليل على هذا بمرور فترة معينة دون أن يرتكب حوادث، ما لهذا قررت أغلب الشرائع أحكامًا برد اعتبار المحكوم عليهم وجعلته نظامًا مقررًا لصالح المحكوم عليهم بموجبه يستطيعون أن يحسنوا سيرهم وسلوكهم بغية مكافأتهم برد اعتبارهم إليهم كما أنه نظام مقرر لصالح الهيئة الاجتماعية نفسها فمن مصلحتها أن يندمج فيها كل من تاب وأصلح فيؤدي أعمالاً لصالح نفسه ولصالح المجموع في آن واحد – فما رد الاعتبار في الحقيقة إلا طريقة أدخلها الشارع المصري كي يمكِّن المحكوم عليهم من أن يستعيدوا حقوقهم السياسية والمدنية وبالتالي يندمجون في المجتمع مستردين مكانتهم السابقة للحكم.
– أنواع رد الاعتبار:
ورد الاعتبار إما أن يكون قضائيًا أو قانونيًا فرد الاعتبار القضائي هو مجموعة الإجراءات التي تتبع أمام جهة قضائية للحكم لطالبي رد الاعتبار بإعادة اعتبارهم إليهم فهو من صميم سلطان الهيئة القضائية تفصل فيه حسبما يتراءى لها من ظروف الطالب عما إذا كان جديرًا برد اعتباره إليه إذا حسن سيره وقوم نفسه منذ صدور الحكم عليه أم غير جدير, أما رد الاعتبار القانوني فهو يتقرر بحكم القانون de plein droit فمجرد مرور مدة يعينها القانون دون ارتكاب المحكوم عليه جرائم في خلالها يتعين رد اعتباره من تلقاء نفسه d’office دون حاجة إلى اللجوء إلى السلطة القضائية فهو رد اعتبار حتمي ipso facto légale إلا أن هذا النوع من رد الاعتبار قد استهدف لبعض الانتقادات فلقد قيل إنه يسمح لشخص ذي سيرة غير حميدة يعيش عيشة غير شريفة سلوكه شائن أن يستعيد اعتباره إذا مضت مدة معينة لم يرتكب فيها جريمة أو بعبارة أدق استطاع إخفاء ما يرتكبه من جرائم فأفلت من يد العدالة والقانون إلا أنه رغم هذا النقد الذي لا يوجه في الحقيقة إلا إلى نفر قليل من المحكوم عليهم فإن الاتجاه السائد في التشريع الحديث يميل إلى تأييد هذا النظام الأخير.
ولا يصح الخلط بين رد الاعتبار السابق شرحه وبين ما يسمى بالعفو الشامل أو العفو عن الجريمة أو كما يسميه بعض الشراح برد الاعتبار التشريعي, فرد الاعتبار الذي نحن بصدده ما هو إلا مكافأة شخصية على حسن سلوك المحكوم عليهم لا يكون إلا بعد تنفيذ العقوبة ولا يمحو الحكم بل يرفع آثاره بالنسبة للمستقبل أما رد الاعتبار التشريعي فهو يصدر بقانون في ظروف معينة ويكون في غالب الأحيان تدبيرًا سياسيًا يتخذ لغرض عام بقصد تسكين الخواطر وإسدال الستار عما وقع من حوادث ويترتب عليه اعتبار الجريمة كأنها لم تكن من الوجهة الجنائية.
كما يتميز رد الاعتبار عن العفو عن العقوبة grâce ولقد أفتى مجلس الدولة الفرنسي في 21 ديسمبر سنة 1822, أنهما يختلفان في المبدأ والآثار فالعفو عن العقوبة منحة من ولي الأمر يلتمسها solliciter المحكوم عليه فإذا أجيب إليه يصدر له خطاب عفو letter de grâce وبالتالي لا ينفذ الحكم عليه إنما يظل أثر الحكم قائمًا من حيث العود récidive ويحرر في صحيفة سوابقه وأحيانًا لا يشمل العقوبات التبعية – أما رد الاعتبار فهو حق للمحكوم عليه يكتسبه من حسن سيرته وسلوكه ويمحو الحكم بالإدانة وكافة نتائجه في الحال والاستقبال وعلى حد تعبير مجلس الدولة الفرنسي
La grâce et la réhabilitation différent essentiellement soit dans leur principe soit dans leur effets, que la grâce dérive de la clémence du Roi, la réhabilitation de sa justice… etc.
– طلب رد الاعتبار القضائي:
نصت المادة (536) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجوز رد الاعتبار إلى كل محكوم عليه في جناية أو جنحة وهذه المادة تقابل المادة الأولى من المرسوم بقانون (41) لسنة 1931.
ولا شك أن هذا النص جاء عامًا مطلقًا غير مقيد بقيد فلكل محكوم عليه في جناية أو جنحة أن يطلب رد اعتباره لسابقة الحكم فيها سواء أكانت العقوبة مقيدة للحرية أم مالية وسواء أأفقدته حقوقه السياسية والمدنية أم لم تفقده.
ولقد حكم بأنه يجوز رد الاعتبار في عقوبة صدرت في جنح الضرب والإصابة الخطأ – على أنه لا يجوز رد الاعتبار في عقوبات المخالفات.
وإذا رجعنا إلى حالة فرنسا التشريعية وجدنا تطورًا في التشريع فلقد كان القانون القديم يحدد رد الاعتبار في حالات خاصة وبالنسبة لجرائم معينة كالمحكوم عليهم بعقوبات ماسة بالشرف فلم يكن النص عامًا كما هو الحال في مصر وظل التشريع على هذا النحو إلى أن ناله التطور شيئًا فشيئًا حتى صدر نص عام يبيح رد الاعتبار في كافة الحالات.
ومن المقرر أنه لا يجوز رد اعتبار المحكوم عليه إلا مرة واحدة وهو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون رد الاعتبار رقم (41) لسنة 1931 وما أكدته المادة (547) من قانون الإجراءات الجنائية الجديد فلا يسوغ لمن حكم برد اعتباره وارتكب جريمة حكم عليه فيها أن يجدد طلبه مرة ثانية إذ هذا النوع من المجرمين غير جديرين باحترام القانون لهم ورعايتهم ما دام قد ساء سلوكهم وعادوا إلى حياتهم الإجرامية السابقة على رد الاعتبار.
7 – شروط رد الاعتبار القضائي:
وهي ما نصت عليها المواد (537) و (538)، (539) و (541) و (548) و (549) من القانون فهذه المواد توجب توافر ثلاثة شروط لإمكان الحكم برد الاعتبار:
الأول: هو وجوب تنفيذ العقوبة exécution de la peine فتنفيذ العقوبة واجب لرد الاعتبار ويقصد بالعقوبة هنا جميع العقوبات الصادرة على طالب رد الاعتبار إذا كانت متعددة ويعتبر في حكم التنفيذ صدور أمر من ولي الأمر بالعفو عن العقوبة أو سقوطها بمضي المدة طبقًا للقانون.
والثاني: هو وجوب وفاء جميع الالتزامات المالية payement des condamnations pécuniaires فيحب للحكم برد اعتبار الطالب أن يوفي بكل ما حكم به عليه من غرامة أو رد أو تعويض أو مصاريف وحكمة هذا الشرط هو أنه يتعين على المحكوم عليه أن يصلح كافة ما نجم من ارتكابه لجريمته كي يمكن إسدال الستار عليها ومحو كافة آثارها – إلا أن للمحكمة أن تتجاوز عن هذا الشرط إذا أثبت المحكوم عليه أنه ليس بحال يستطيع معها الوفاء وإذا لم يوجد المحكوم له بالتعويضات أو الرد أو التعويض أو المصاريف أو امتنع عن قبولها وجب على المحكوم أن يودعها طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية، وإذا كان المحكوم عليه قد صدر عليه الحكم بالتضامن يكفي أن يدفع مقدار ما يخصه شخصيًا في الدين وعند الاقتضاء تعين المحكمة الحصة التي يجب عليه دفعها.
والثالث: هو مرور فترة هي مدة الاختبار المقررة في القانون دون أن يشوبها أية شائبة
épreuve d’une bonne conduite pandant un délai de temps.
ولا شك أن مرور هذه الفترة دون أن يحدث فيها ما يشين طالب رد الاعتبار تعتبر أمرًا ظاهرًا منضبطًا مناسبًا لضمان حسن سير وسلوك الطالب ولقد تفاوتت هذه الفترة بحسب نوع الجرائم والعقوبات فإذا كانت العقوبة المحكوم عليه فيها عقوبة جناية فهذه المدة هي خمسة عشر عامًا وإذا كانت عقوبة جنحة فهي ثماني سنوات أما في حالة الحكم للعود أو سقوط العقوبة بمضي المدة فهي خمسة عشر عامًا – وهذه المدد نصت عليها مواد المرسوم بقانون رقم (41) لسنة 1931، أما قانون الإجراءات الجنائية الجديد فقد قصر هذه المدة فحددها بست سنوات في عقوبة الجناية وثلاث سنوات في عقوبة الجنحة وتضاعف هذه المدد في حالتي الحكم للعود وسقوط العقوبة بمضي المدة – ولقد ضاعف القانون المدة في حالة الحكم للعود لحكمة رآها هي أن من حكم عليه بعقوبة مشددة لسبق الحكم عليه في جريمة مماثلة له يجب أن تمر فترة كافية لاختباره والوثوق من أنه قد ارتدع وقوم نفسه – كما أن المشرع ضاعف المدة في حالة سقوط العقوبة بمضي المدة لنفس الحكمة السابقة إذ أن المحكوم عليه لم يرتدع من صدور الحكم عليه بالعقوبة لعدم تنفيذها عليه ويتعين انتظار فترة من الزمن لإمكان الحكم على سيره وسلوكه – ولا شك أن هذه المدد تبدأ من تاريخ انتهاء تنفيذ العقوبة أو تاريخ وجوب انقضاء التنفيذ إذا أفرج عن المحكوم عليه تحت شرط, أما إذا حكم على طالب رد الاعتبار علاوة على العقوبة بالمراقبة مدة من الزمن فتبدأ المدة من اليوم الذي تنتهي فيه مدة المراقبة, وفي حالة العفو تبدأ المدة من تاريخ خطاب العفو – وغني عن البيان أن هذه العقوبة يقصد بها آخر عقوبة حكم فيها على المتهم فمن تاريخ انتهاء تنفيذ آخر عقوبة حكم فيها على طالب رد الاعتبار تحتسب المدة.
فإذا ما توافرت هذه الشروط ورأت المحكمة أن سلوك طالب رد الاعتبار يدعو إلى الثقة بتقديم نفسه تحكم برد اعتباره إليه وإلا يتعين رفض الطلب وفي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز تجديد الطلب بسبب رفضه لسوء سلوك الطالب إلا بعد سنتين من هذا الرفض أما إذا كان سبب الرفض هو أن المحكوم عليه لم ينفذ سائر الشروط الأخرى فيجوز تجديد الطلب متى توافرت هذه الشروط.
ولقد نصت المادة (549) من قانون الإجراءات الجنائية الجديد على أنه يجوز إلغاء الحكم الصادر برد الاعتبار إذا ظهر أن المحكوم عليه صدرت ضده أحكام أخرى لم تكن المحكمة قد علمت بها أو حكم عليه فيها بعد رد الاعتبار في جريمة وقعت قبله وذلك بناءً على طلب من النيابة العامة.
8 – إجراءات رد الاعتبار القضائي:
وهي ما نصت عليها المواد (542)، (543)، (544)، (545)، (546) من قانون الإجراءات الجنائية فذكرت هذه المواد أن طلب رد الاعتبار يقدم بعريضة إلى النيابة العامة ويجب أن يشتمل على البيانات اللازمة لتعيين شخصية الطالب وأن يبين فيها تاريخ الحكم الصادر عليه والأماكن التي أقام فيها من ذلك الحين ثم تجري النيابة العامة تحقيقًا بشأن الطلب للاستيثاق من تاريخ إقامة الطالب بكل مكان نزله من وقت الحكم عليه ومدة تلك الإقامة وللوقوف على سلوكه ووسائل ارتزاقه وبوجه عام تتقصى كل ما تراه لازمًا من المعلومات وتضم التحقيق إلى الطلب وترفعه إلى المحكمة في الثلاثة أشهر التالية لتقديمه بتقرير يدون فيه رأيها وتقرر الأسباب التي بنى عليها ويرفق بالطلب صورة الحكم الصادر على الطالب وشهادة بسوابقه وتقرير عن سلوكه أثناء وجوده بالسجن، وتنظر المحكمة في الطلب وتفصل فيه في غرفة المشورة ويجوز لها سماع أقوال النيابة العمومية والطالب كما يجوز لها استيفاء كل ما تراه لازمًا من المعلومات ويكون إعلان الطالب بالحضور قبل الجلسة بثمانية أيام على الأقل – وقد نص القانون في المادة (536) من قانون الإجراءات الجنائية على أن المحكمة المختصة بنظر مواد رد الاعتبار هي محكمة الجنايات التابع لها محل إقامة المحكوم عليه فهي تفصل في طلبات رد الاعتبار إما برده إذا رأت أن سلوك الطالب يدعو إلى الثقة بحسن سيره وسلوكه وهنا ترسل النيابة العامة صورة من حكم رد الاعتبار إلى المحكمة التي صدر منها الحكم بالعقوبة للتأشير به على هامشه وتأمر أن يؤشر به في قلم السوابق – وإما أن تحكم برفض الطلب ولا يقبل الطعن في الحكم إلا بطريق النقض لخطأ في تطبيق القانون أو في تأويله وتتبع في الطعن الأوضاع والمواعيد المقررة للطعن بطريق النقض في الأحكام.
9- رد الاعتبار القانوني:
صدر التشريع الجنائي المصري خلوًا من النص عليه إلى أن استحدثه قانون الإجراءات الجنائية الجديد في المادتين (550) و (551) فلقد اعتبر هذا القانون أن مجرد مرور اثني عشر عامًا على تنفيذ الأحكام الصادرة بعقوبة جناية أو بعقوبة جنحة في جريمة سرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع في هذه الجرائم وفي الجرائم المنصوص عليها في المادتين (355) و (356) عقوبات الخاصة بقتل الحيوانات أو تسميمها أو الإضرار بها ضررًا بليغًا وفي الجرائم المنصوص عليها في المادتين (367) و (368) عقوبات الخاصة بإتلاف المزروعات – يؤدي مرور هذه الفترة في هذا النوع من العقوبات إلى رد اعتبار المحكوم عليهم بحكم القانون وذلك ما لم يصدر على المحكوم عليهم خلال هذه الفترة حكم آخر بعقوبة في جناية أو جنحة – واعتبر المشرع في حكم تنفيذ هذه العقوبات العفو عنها أو سقوطها.
أما بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبة جنحة أخرى غير ما تقدم ذكره فيشترط القانون لرد الاعتبار فيها مضي ست سنوات من تاريخ تنفيذها أو العفو عنها دون أن يصدر على المحكوم عليه حكم آخر في جناية أو جنحة اللهم إلا إذا كان الحكم بعقوبة الجنحة قد اعتبر المحكوم عليه عائدًا أو كانت العقوبة قد سقطت بمضي المدة فتكون المدة اثني عشر عامًا.
وإذا كان المحكوم عليه قد صدرت ضده عدة أحكام فلا يرد اعتباره إليه بحكم القانون إلا إذا تحققت بالنسبة لكل منها الشروط المذكورة على أن يراعى في حساب المدة إسنادها إلى أحدث الأحكام.
10 – رد الاعتبار التجاري:
اشترطت المادة الثانية فقرة أخيرة من المرسوم بقانون (41) لسنة 1931 وجوب رد اعتبار المفلس التجاري إذا أراد رد اعتباره لسبق الحكم عليه في جريمة تفالس ولقد تأكد هذا الحكم في المادة (540) من قانون الإجراءات الجنائية فنصت على أنه (في حالة الحكم في جريمة تفالس يجب على الطالب أن يثبت أنه قد حصل على حكم برد اعتباره التجاري (RéHABILITATION COMMERCIALE فكأن الحصول على حكم برد الاعتبار التجاري شرط لازم لرد اعتباره الجنائي فإذا لم يتمكن الطالب من الحصول على حكم من الدائرة التجارية المختصة برد اعتباره التجاري فيتعين رفض طلبه لرد اعتباره الجنائي لسبق الحكم عليه لتفليسه بالتقصير أو بالتدليس.
ولا شك أن الحكم على التاجر بإشهار إفلاسه سواء بالتدليس banqueroute frauduleuse أو بالتقصير simple (يترتب عليه حرمانه من بعض الحقوق السياسية والمدنية بل ويؤثر في مركزه في الهيئة الاجتماعية، فلكي يستعيد مركزه السابق على الحكم بإشهار إفلاسه وبالتالي يتمتع بتلك الحقوق يتعين عليه أن يحصل على رد اعتباره تجاريًا).
ولقد تكفل قانون التجارة في نهاية مواده في الفصل الثالث عشر فنظم أحكامًا في إعادة اعتبار المفلس إليه في المواد من (408) إلى (419).
ولا داعي لشرح ما ورد بهذه المواد فهي من صميم أحكام القانون التجاري وإنما يجدر بنا في هذا الصدد أن نذكر أن القانون التجاري قد حرم المفلس بالتدليس من أن يرد اعتباره التجاري نهائيًا كما حرم بعض محكوم عليهم في جرائم أخرى فلقد نصت المادة (417) (لا يعاد الاعتبار أصلاً عن تفالس بالتدليس ولا لمن حكم عليه بسبب سرقة أو نصب أو خيانة ولا لمن باع عقارًا ليس له أو مرهونًا مع إخفاء رهنه ولا لمن لم يقدم حسابه ويوفِ المتأخر عليه وليًا كان أو وصيًا أو مأمورًا بإدارة أموال أو غيرهم ممن يكون ملزمًا بوفاء حساب مأموريته) إلا أنه يجوز أن يرد الاعتبار إلى المفلس بالتقصير الذي استوفى العقاب المحكوم عليه به وذلك إذا استوفى شروط رد الاعتبار وهي وجوب وفاء جميع المبالغ المطلوبة منه وفوائدها ومصاريفها كما نص القانون على إجراءات معينة لطلبات رد الاعتبار التجاري فأوجب تقديم الطلب إلى محكمة الاستئناف التابع لها المفلس مرفقًا به المخالصات المثبتة لوفائه لكل الديون وملحقاتها وأجاز القانون التجاري للدائنين أن يتدخلوا في طلب رد الاعتبار التجاري معارضين فيه إذا كان لهم ثمة اعتراض وإذا قضى برفض الطلب فلا يجوز تجديده إلا بعد مضي سنة ويترتب على الحكم برد الاعتبار التجاري زوال كل ما ترتب على حكم إشهار الإفلاس من آثار سواء أكانت خاصة بأموال المدين أم بحقوقه السياسية والمدنية.
ويمكن أن يستفاد مما تقدم أن رد الاعتبار التجاري قضائي لا قانوني فلا يحدث بحكم القانون كما هو الحال في فرنسا فاعتبر تشريعها مجرد مرور عشر سنوات من تاريخ إشهار الإفلاس برد الاعتبار إلى المفلس بحكم القانون إذا توافرت الشروط المطلوبة – أما في مصر فهو قضائي يجب للحكم به اللجوء إلى السلطة القضائية.
11 – آثار رد الاعتبار:
نصت عليها المادتان (552) و (553) من قانون الإجراءات الجنائية وهي تقابل المادتين (10) و (11) من المرسوم بقانون (41) لسنة 1931 ومضمونهما أنه يترتب على رد الاعتبار محو الحكم القاضي بالإدانة بالنسبة للمستقبل وزوال كل ما يترتب عليه من انعدام الأهلية والحرمان من الحقوق وسائر الآثار الجنائية كما لا يجوز الاحتجاج برد الاعتبار على الغير فيما يتعلق بالحقوق التي تترتب لهم من الحكم بالإدانة وعلى الأخص فيما يتعلق بالرد والتعويضات, فقد يقع أن الذين قضى لهم بتعويض مدني بموجب الحكم بالعقوبة الذي يمحو أثره رد الاعتبار لم توفِ إليهم حقوقهم في حالة تجاوز المحكمة عن هذا الشرط، وقد يقع أيضًا أن الذين أصابهم ضرر ولم يدعوا بالحقوق المدنية في الدعوى الجنائية يبقى لهم الحق في رفع دعوى مدنية مستقلة ضد المحكوم عليه فلا يجوز للمحكوم برد اعتباره أن يتخيل أن حكم رد اعتباره إليه يدفع عنه طلب التعويض المدني فإذا تطهر من الوجهة الجنائية فإنه لا يزال مسؤولاً عن تعويض كل ضرر ترتب على جريمته.
اترك تعليقاً