بحث قانوني مميز عن دعاوى الحيازة
الحق سواء كان عينيا أو شخصيا ينشأ عن الواقعة القانونية التي تنقسم إلى وقائع طبيعية تقع بفعل الطبيعة ،و إذ لا دخل لإرادة الإنسان في إحداثها .
و لكنها ترتب آثارها في الروابط القانونية القائمة ،ووقائع اختيارية أو إرادية تشمل بدورها أعمالا مادية و أخرى قانونية ،فالأولى مثالها الحيازة موضوع بحثنا بينما الثانية فقد تكون صادرة من جانب واحد كالوصية، أو صادرة من جانبين كالعقد ،فكلها مصادر للحق رتب عليها المشرع آثارا قانونية جعلها أسبابا لكسب الملكية .
و إذن فالمدعي بالحق لا يطلب منه إثبات الحق ذاته ،إذ ذاك يظل فكرة مجردة ،و إنما الذي يطلب منه هو إثبات مصدر الحق الموضوعي و شروطه المتطلبة قانونا و ذلك حتى يكون محلا للحماية القانونية المقررة له ،و التي لا يمكن تجسيدها إلا من خلال استعمال حقه في الدعوى الذي يخول له بمجرد حصول الاعتداء على حقه الموضوعي أو مركزه القانوني .
و لعل أهم مصادر هذه الحقوق و التي نصت عليها مختلف التشريعات في تقنيناتها نجد الحيازة كواقعة مادية يتمتع فيها الحائز بمركز واقعي يحميه القانون لذاته، و يرتب عليها آثارا قانونية قد يصح أن نصفها بالخطيرة ،ذلك أن الحائز لا يستند فيها إلى أي حق ،و هو يجعلها جديرة بأن تكون محل اهتمامنا و موضوع بحثنا هذا، خاصة إذا علمنا أن دوافع حماية المشرع للحيازة إنما تنطلق من اعتبارات تتعلق بأمن المجتمع و استقراره، و ما يقتضيه الصالح العام من عدم الاعتداء على الأوضاع الواقعية القائمة حتى و لو كان المعتدي هو صاحب الحق إذ وجب عليه أن يسلك طريق القضاء للحصول على حقه ،و ذلك أيضا فيه تحقيق لمبدأ استقرار التعامل ،فالحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية قد تنطوي على مجافاة لحق المالك ،لكن هذا القول يتلاشى لأن الهدف من ذلك هو الحفاظ على مصلحة الاقتصاد الوطني بتشجيع الحائز على الاستغلال و الاستعمال وعقابا للمالك المهمل على إهماله.
فإذا كان موضوع الحيازة بهذه الأهمية فما هو تعريفها ؟
أمكن تعريف الحيازة بأنها وضع مادي ،فيه يسيطر الشخص سيطرة فعلية على حق من الحقوق سواء كان هذا الشخص هو صاحب الحق، أم لم يكن كذلك ،هذه السيطرة الفعلية تتأتى عن طريق قيام الشخص بأعمال مادية تتفق مع مضمون الحق الذي يسيطر عليه .
و إذن فالحيازة وضع فعلي أو واقعي قد يكون هذا الوضع متفقا مع الوضع القانوني ،بأن يكون الحائز للشيء مالكا له و قد تخالف هذا الوضع القانوني بألا يكون للحائز أي حق على الشيء محل الحيازة و مع ذلك فالحيازة و بصرف النظر عن مطابقتها للوضع القانوني ترتب آثارا قانونية (1) لها أهميتها .
غير أن الذي يهمنا بهذا الصدد ليس الأثر الموضوعي للحيازة باعتبارها سببا من أسباب الملكية إذ ذاك يخرج عن نطاق معالجتنا للموضوع المختار و إنما الذي يعنينا هو دعاوى الحيازة كأثر إجرائي يتمتع به الحائز الذي توافرت لديه شروط الحماية القانونية المقررة للحق الموضوعي .
و عند ذاك كان لزاما علينا للإلمام بموضوع كهذا أن نطرح سؤالين رئيسيين نرى أنهما بما يحتويانه من أسئلة فرعية تجد إجابات لها كما سنبينه لاحقا في طيات هذا البحث قد يلمان بالموضوع على الوجه الذي يجب أن يكون، و الذي نتمنى أن نكون قد وفقنا فيه و هما السؤالان التاليان :
*ما هي الأحكام أو القواعد العامة التي تحكم دعاوى الحيازة؟
* ما هي الأحكام الخاصة بكل دعوى من هذه الدعاوى ؟
و لعل أول ما يقف عليه قارئ هذين السؤالين ،هو كيف أننا أردنا أن ننطلق من العموم و تدريجيا لنصل إلى التفصيل بتناول قواعد كل دعوى على حدى لاختلاف كل واحدة عن الأخرى في نقاط سنراها لاحقا، و اتحاد جميعهم في أحكام مشتركة تجمع بينهم .
فقولنا الأحكام العامة لدعوى الحيازة إنما يعني فيما تشترك هذه الدعاوى ؟
و ذلك انطلاقا من طرحنا للتساؤلات التالية :
* ما هي شروط قبولها ؟
* ما مدى تعلق ذلك بشروط الحيازة و أركانها ؟
* فيما يتجلى نطاق أو مجال ممارسة هذه الدعاوى ؟
* ما هي النتيجة المتوخاة منها ؟
* ما القواعد التي تحكمها ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تكفي لوحدها كونها تعطينا الإطار العام الذي تبقى كوامنه خفية لا تنجلي إلا بالإجابة عن تساؤلات أخرى تتعلق بكل دعوى من هذه الدعاوى على حدى أشخاصا ،سببا ،و موضوعا و هو ما تناولناه في الفصل الثاني من هذا الموضوع .
و توضيح ذلك كله و بأكثر تفصيل تناوله وفقا للخطة الأتي بيانها فيما يلي:
الفصل الأول :
الأحكام العامة لدعاوى الحيازة :
تتمتع الحيازة بين الأنظمة القانونية بمكانة بالغة الأهمية، ليس من الوجهة النظرية فحسب ،و إنما لما يترتب عليها من أثار خطيرة قد تضعها في مكان الصدارة بين أسباب الملكية، فالحيازة هي عنوان الملكية الظاهر، إذ غالبا ما يكون حائز الشيء هو مالكه، و على من يدعي خلاف ذلك إقامة الدليل العكسي على صحة ادعاءه , و إذن فالحيازة و باعتبارها حالة واقعية قد لا تستند إلى أي حق للحائز، و رغم ذلك فقد كفل لها المشرع الحماية القانونية اللازمة، هذه الحماية لا يمكن تجسيدها بواسطة الوسائل المقررة لها قانونا إلا إذا ألممنا بالقواعد أو الأحكام العامة التي تحكمها و تنظمها كمرحلة أولى لتناولها بأكثر توضيح و تفصيل في المرحلة الموالية، و هو ما سنتطرق إليه في الفصل الأول من موضوع بحثنا، و ذلك بداءة ببيان شروط قبول دعاوى الحيازة بصفة عامة، و مرورا بإبراز خصائصها و التي هي سمات تطبعها و تميزها عن غيرها من الدعاوى الأخرى، لنصل إلى تبيان القواعد التي تطبق على جميع هذه الدعاوى و التي اخترنا أن تكون حلقة العبور من العموم إلى التخصيص أين يغلب الطابع الإجرائي و التطبيقي بتفصيل كل دعوى على حدى ببيان أحكامها الخاصة، و على ذاك قسمنا الفصل الأول إلى ثلاث مباحث تناولناها كالأتي بيانه :
المبحث الأول :
شروط قبول دعاوى الحيازة :
الحيازة تحمي الأوضاع الظاهرة كونها قرينة على الملكية، و من ثم فإنها تهدف إلى حماية الحائز بصرف النظر عن المالك الحقيقي ،و بالنتيجة تحقيق حماية الأمن و النظام العامين ، لأنها تقوم على مبدأ أساسي و هو عدم جواز اقتضاء الشخص حقه بنفسه، فما على من يدعي خلاف الظاهر إلا اللجوء إلى القضاء ،و مما لاشك فيه أن دعاوى الحيازة و كغيرها من الدعاوى الأخرى تخضع في رفعها للشروط المنصوص عليها في المادة 459 من ق.ا.م ، غير أن هذه الشروط تعالج بما يتناسب أو يتوافق و طبيعة دعاوى الحيازة ، و هو ما يجعلنا نطرح جملة من الأسئلة بهذا الصدد كقولنا متى تكون المصلحة قانونية ؟ و كيف تكون حالة ؟ من تنصرف له صفة رفع دعاوى الحيازة ؟ هل يمكن ممارسة هذه الدعاوى في أي وقت من حصول الاعتداء أم أن ذلك يخضع لقيد زمني ؟
جميع هذه الأسئلة حاولنا الإجابة عليها من خلال المطلبين المواليين فخصصنا الأول لبيان ضرورة توافر أركان الحيازة و شروطها ، باعتبار أن هذا العنصر يترجم في مضمونه شرط المصلحة بوصفيها و يحوي في طياته بيان من له الصفة في رفعها و نظرا لأهميته و وزنه في الموضوع فقد تناولناه بإسهاب يخدم الغاية المرجوة للوقوف على أهداف المشرع من تقرير هكذا دعاوى، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحماية الأمن و النظام العامين ، خاصة و أن شروط الحيازة و أركانها هي الأساس القاعدي لممارسة الدعاوى المقررة لحمايتها ، بينما تناولنا في المطلب الثاني شرط الميعاد كقيد زمني و ضعه المشرع حفاظا على استقرار الأوضاع و ثباتها ، و عقوبة للمتخاذل عن تهاونه في استعمال الحق المقرر له ، و بصدده عرجنا في حديثنا على الآراء المتباينة بشأن شهادة الحيازة ، انطلاقا من أن البعض يعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة ، و إليكم فيما يلي تفصيل ذلك .
المطلب الأول : توافر ركنا الحيازة و شروطها :
حتى تتمتع الحيازة بالحماية المقررة لها و من ثم ممارسة دعاوى الحيازة لابد من توافر ركناها و شروط صحتها . ففيما يتمثل ركناها ؟ و ما هي شروط صحتها ؟
أولا : أركان الحيازة :
حتى تكون الحيازة منتجة لأثارها القانونية لابد أن تتوافر على ركنيها و هما الركن المادي و المعنوي و اللذان سنتناولهما كالأتي :
1- الركن المادي :
الحيازة ما هي إلا حالة واقعية تتكون من سيطرة شخص على الشيء محل الحيازة ظاهرا عليه بمظهر المالك ، و يتحقق ذلك بأن يقوم الشخص بالأعمال المادية التي يباشرها عادة من كان مالكا للشيء ، فمباشرة هذه الأعمال المادية هي التي تكون الركن المادي في الحيازة(1) .
ولكي تتحقق الحيازة يجب أن يصبح الشيء محل الحيازة تحت سيطرة الحائز الفعلية بالاستحواذ الفعلي عليه ، و يقوم الحائز بنفسه بالسيطرة المادية على الشيء محل الحيازة أو بالوساطة أو بالاستخلاف و قد تكون السيطرة المادية على الشيوع أيضا ، و يستوي أن يكون الشيء محل الحيازة مملوكا للغير أو غير مملوك له(2) .
إن قولنا محل الحيازة قد يكون شيئا مملوكا للغير ، أو غير مملوك له يستدعي منا معالجة نطاق الحيازة أو مجالها، و ما نتفق حوله أن هذا الأمر ما كان ليطرح قبل سنة 1990 أي قبل صدور القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 ، المتضمن قانون الأملاك الوطنية إذ أنه لم يكن يتصور أن تنصب الحيازة على مال غير مملوك، لأن العقار الذي ليس له مالك
هو ملك الدولة ، لكن بصدور القانون سالف الذكر أصبحت الحيازة تنصب على الشيء سواء كان مملوكا للغير أو غير مملوك له ، انطلاقا من أن الأملاك الوطنية تم تقسيمها إلى أملاك وطنية عامة و أملاك وطنية خاصة ، هذه الأخيرة يجوز التمسك فيها بالتقادم المكسب عن طريق المطالبة القضائية ، في حين لا ينطبق ذلك على الأملاك الوطنية العامة وفقا لنص المادة 04 من القانون رقم 30/90 و التي تنص أن الأملاك الوطنية العامة غير قابلة للتصرف و لا للتقادم ولا للحجز(1).
و ما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أن المشرع قد أدمج بنص المادة 13 من الأمر 95/26 المعدل و المتمم للقانون رقم 90/25 المتضمن التوجيه العقاري أراضي العرش ضمن أملاك الدولة الخاصة و بالتالي بإمكان الأشخاص الحائزين على الأراضي من نوع العروشية بعد إكمالهم للمدة المقررة للتقادم المكسب أن يرفعوا دعاوى أمام المحاكم للمطالبة بتمليكها لهم على أساس الحيازة(2) ،في حين هناك من يرى أنه لا جدوى من التفرقة بين أملاك الدولة سواء منها العامة أو الخاصة إذ كلتيهما لا تنطبق عليهما أحكام الحيازة(3).
سبق القول أن الركن المادي يتحقق بالسيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة من خلال الأعمال المادية التي يباشرها الحائز، ففيما تتجلى هذه الأعمال؟و كيف تتم مباشرتها ؟
يقوم الحائز بمجموعة من الأعمال المادية التي يباشرها عادة صاحب الحق موضوع الحيازة ،و يتحقق ذلك من خلال الاستحواذ الفعلي و الإحراز المادي و الظهور بمظهر صاحب الحق، بحيث يجب أن تكون هذه الأعمال كافية لتحقيق هذا المظهر، فاذا كان الشيء دارا دخلها و استحوذ عليها و سكنها أو أسكن فيها غيره، و إذا كانت أرضا زراعية زرعها و بنى عليها و هكذا، بينما الأعمال القانونية كالبيع و التأجير، فلا تكفي بذاتها لتحقق الركن المادي في الحيازة ، و ذلك لأن مباشرة هذه الأعمال و التصرفات لا تدل بذاتها على السيطرة الفعلية لمن يقوم بها على الشيء ، كما يشترط في الأعمال المادية التي يأتيها الحائز أن تكون من الكثرة و الأهمية ،بحيث تكفي للقول بأن هذا الحائز يظهر بمظهر صاحب الحق(1)
أما عن كيفية مباشرة هذه الأعمال المادية فقد تكون ممارستها من الحائز بنفسه بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، كما قد تكون بواسطة شخص آخر أي عن طريق غيره ، و هو ما يطلق عليه بالوساطة ، و التي تصح الحيازة بها متى كان الوسيط يباشرها باسم الحائز و كان متصلا به اتصالا يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة* مع ملاحظة أن هذا الحكم ينصرف فقط إلى العنصر المادي دون المعنوي .
و كمثال عن ذلك : السيطرة المادية التي يباشرها الحائز بواسطة خدمه، أو أتباعه، أو عماله أو مستخدميه، هؤلاء يحصلون على أشياء باسم مخدوميهم أو متبوعهم بسبب تأدية أعمال و وظائفهم، كذلك ما يباشره الوكيل من أعمال مادية لحساب الموكل فهو يعمل باسمه مؤتمرا بأوامره فيما يتعلق بحيازة الشيء لصالح الموكل طالما كان الوكيل يعمل في حدود الوكالة، و كذا الأمر بالنسبة لناقص الأهلية فانه يباشر أعمال السيطرة المادية عن طريق من ينوب عنه قانونا* ، اذ يباشرها باسمه الولي أو الوصي أو القيم ، فهؤلاء الأخيرين لهم ممارسة دعاوى الحيازة بالنيابة وفقا لما تنص عليه المادة 817 فق 02 من القانون المدني.
كما يمكن مباشرة الأعمال المادية عن طريق الاستخلاف ، و ذلك عندما تنتقل السيطرة المادية إلى الحائز من شخص آخر كانت له السيطرة الفعلية على الشيء من قبل ثم نقلها إليه ، و توضيحا لذلك نورد المثال الأتي : قيام شخص ببيع عقار في حيازته لشخص آخر، فيسلم المبيع للمشتري، فالسيطرة الفعلية كانت للبائع سواء كان مالكا أو غير مالك له ثم نقلها للمشتري، و في هده الصورة لا يشترط الاستحواذ الفعلي على الشيء بل يكفي مجرد التمكن من الاستحواذ فان كان المبيع عقارا مثلا فان السيطرة الفعلية تنتقل إلى المشتري بتسليمه المفاتيح و مستندات الملكية ووضعه تحت تصرفه بحيث يتمكن من تسلمه دون حاجة إلى أن يتسلمه بالفعل(1)
أما الصورة الأخيرة فتمكن في السيطرة المادية على الشيوع، إذ الحائز على الشيوع يكون لديه العنصران المعنوي و المادي في الحيازة فهو في العنصر المعنوي يكون مشتركا مع غيره لا خالصا لنفسه و في العنصر المادي يباشر السيطرة المادية بالاشتراك مع غيره لا خالصا لنفسه مثال ذلك أن يحوز شخصان عقارا ، فيسكنان العقار معا دون أن يستقل أحدهما بالقيام بأي عمل من هذه الأعمال.(1)
غير أنه و إن اختلفت صور مباشرة الأعمال المادية في الحيازة فان المتفق عليه هو وجوب توافرالصفة في رافع دعاوى الحيازة التي لا تقبل إلا من ذي صفة على ذي صفة ، فترفع من الحائز بنفسه أو بواسطة غيره على كل من يعتدي على الحيازة أو يحتمل أن يعتدي عليها (2) .
2 – الركن المعنوي :
لا تكفي أفعال السيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة لوحدها، بل لابد أ ن تتوافر لدى الحائز نية تملكه ، و الظهور بمظهر صاحب الحق و مالكه، و للوقوف على مفهوم الركن المعنوي للحيازة علينا التطرق إلى نظريتين في هذا الصدد ثم تحديد موقف المشرع الجزائري منهما :
أ – النظرية الشخصية *:
لا يكفي لقيام الحيازة القانونية توافر الركن المادي بل يجب أن يقترن بالركن المعنوي المتمثل في نية التملك باستعمال الشيء و استغلاله و التصرف فيه كما يفعل المالك الحقيقي للشيء، و عليه فان هذا العنصر لا يتوافر في حيازة المستأجر و المستعير و المودع عنده * و الموقوف عليه،إذ أنه و بالنسبة لهذا الأخير فحقه ينحصر في الانتفاع بالعين فقط *ذلك أن الأملاك الوقفية لا يمكن تملكها بالتقادم المكسب بسبب زوال حق الملكية سواء كان الوقف عاما أو خاصا، و من ثم تنعدم فيها نية التملك*.
ب – النظرية المادية* : تعترف بالحيازة حيثما وجد سلطان مادي لشخص على شيء معين ، بمباشرته أعمالا إرادية و قصدية عليه، فالإرادة هنا تندمج في السيطرة المادية و لا يمكن أن تنفصل عنها ، فهما عنصران متلازمان لا يكون أحدهما إلا بالآخر.
و بهذا الصدد كان التمييز بين الحيازة الحقيقية أو القانونية و بين تلك العرضية و حسب هذه النظرية فإن مرد التمييز ليس في اختلاف نية الحائز أو قصده بل أن أساس التفرقة هو سبب الحيازة نفسها و هو ما أطلقت عليه هذه النظرية بالعنصر العرضي في الحيازة ، فإذا كان سبب الحيازة هو وضع اليد على الشيء لحساب الغير ، فإن ذلك لا يؤدي إلى نفي الحيازة مطلقا ، بل تنتفي عنها صفة الحيازة الحقيقية لتصبح حيازة عرضية(1) .
و من باب المقارنة بين مختلف التشريعات و أعمالها لكلتا النظريتين فانه و على سبيل المثال أخد من المشرع الفرنسي و المصري و اللبناني بالنظرية الشخصية بينما أخذ كل من التشريع الألماني و السويسري بالنظرية المادية .
– فما هو موقف المشرع الجزائري من كلتيهما ؟
أخد المشرع الجزائري بالنظرية الشخصية في الركن المعنوي للحيازة كقاعدة عامة بينما أخد بالنظرية المادية كاستثناء ، و ذلك عندما حمى حيازة المستأجر ، و هي حيازة عرضية بجميع دعاوى الحيازة وفقا لما تنص عليه المادة 487 من القانون المدني فحيازة
المستأجر لا تتوافر إلا على الركن المادي دون المعنوي(2) ، ففي هذه الحالة لا يكسب حق الملكية على العين المؤجرة بالتقادم مهما طالت مدة حيازته للعين ، و إنما يستطيع أن يتمسك باسم المؤجر بحيازته للعين المؤجرة ، كأن يكون المؤجر غير مالك للعين و يكون قد وضع يده عليها مدة اثنتي عشر سنة مثلا ، ثم أجرها و حازها المستأجر مدة ثلاث سنوات أخرى فيعتبر المؤجر قد حاز العين بواسطة المستأجر هذه المدة الأخيرة ، و بالتالي أكمل مدة التقادم لكسب ملكية العين ، و كذلك لا يستطيع المستأجر أن يحمي حيازته بحق ملكية العين المؤجرة بدعاوى الحيازة ، لأن هذه الحيازة حيازة مادية محضة و هي لحساب المؤجر ، فإذا لجأ مثلا إلى دعوى منع التعرض فيما يتعلق بالملكية لم يستطع اللجوء إليها إلا باسم المؤجر ، و هذا لا يمنع من أن يلجأ إلى جميع دعاوى الحيازة ، فيما يتعلق بحيازته لحقه الشخصي كمستأجر ، و يرفع هذه الدعوى أصالة عن نفسه لا باسم المؤجر(1).
غير أن السؤال الذي يطرح بهذا الصدد هو هل أن الحيازة تظل محتفظة بصفتها التي قامت عليها مند بدايتها فإن قامت عرضية تبقى كذلك مهما طالت مدتها أو أنه يمكن للحيازة العرضية أن تتحول إلى حيازة صحيحة ؟
القاعدة العامة ووفقا لنص المادة 831 * فقرة 01 من القانون المدني فإن الحيازة تظل محتفظة بصفتها التي قامت عليها ، إذ أنه ليس لأحد أن يكسب بالتقادم على خلاف سنده على أنه لا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته و لا الأصل الذي تقوم عليه .
إلا أن هذه القاعدة العامة يرد عليها استثناء تضمنته الفقرة الثانية من المادة المذكورة آنفا ،إذ أنه يمكن أن تتحول الحيازة العرضية إلى حيازة صحيحة فيستطيع بذلك الحائز أن يكسب بالتقادم إذا تغيرت صفة حيازته بأحد الأمرين :
الأمر الأول : فعل يصدر من الغير* : و الذي عادة ما يكون تصرفا ناقلا للملكية يتلقاه الحائز العرضي من الغير فتتغير به صفة حيازته العرضية و تتحول إلى حيازة أصلية ،إذ أن الحائز يحوز العين من وقت هذا التصرف لحساب نفسه ، لا كحائز عرضي لحساب غيره ، و من ذلك الوقت يستطيع الحائز أن يحتمي كمالك بجميع دعاوى الحيازة ، و لا يشترط أن يكون الحائز العرضي وقت تلقيه التصرف الناقل للملكية حسن النية .
الأمر الثاني : فعل يصدر من الحائز العرضي يعارض به حق المالك، و لا يكفي في ذلك مجرد إنكار الحائز العرضي لحق المالك و إعلانه ذلك على ملأ من الناس ، بل لا يكفي تصرفه في العين تصرف الملاك فيهدمها متأو يقيم عليها بناءا أو يبيعها ، فهذا يعد تعسفا منه في استعمال حيازته العرضية ، و ليس من شأن هذا التعسف أن يغير صفة الحيازة ويحولها إلى حيازة صحيحة ، بل يجب أن يعارض الحائز العرضي حق المالك فيقوم بينهما مباشرة نزاع على ملكية العين يدعيها الحائز لنفسه و ينكر المالك عليه ذلك (3).
فإذا كانت الحيازة العرضية قد تتحول إلى حيازة صحيحة بأحد الأمرين سالفي الذكر فهل أن هذه الحيازة سواء كانت عرضية أو قانونية تنتقل محتفظة بصفتها تلك إلى كل من الخلف العام * و الخلف الخاص * أم أنها تتحول إلى خلافها ؟
إن حيازة السلف إذا كانت عرضية تنتقل إلى الخلف العام و تبقى كذلك ما لم تتغير بأحد الأمرين على النحو السابق بيانه ،أما إذا كانت حيازة حيازة السلف صحيحة انتقلت بصفتها هذه إلى الوارث الذي يستطيع أن يستمر في هذه الحيازة و أن يضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته على عكس الحائز عرضيا، فانه تحسب المدة اللازمة لإنتاج الحيازة أثرها من وقت تغيير الوارث صفة حيازته دون أن يكون له الحق في ضم مدة حيازة مورثه .
أما بالنسبة للخلف الخاص فإنه إذا نقل له الحائز العرضي ملكية العين فلا تكون حيازته عرضية بل تكون قانونية مستوفية لشروطها ، فتحمى بجميع دعاوى الحيازة كونه ابتدأ حيازة جديدة متوافر فيها عنصراها المادي و المعنوي ، و معنى ذلك أننا بصدد حيازتين و ليست حيازة واحدة ، و قد يختلفان في بعض الصفات ، كأن تكون حيازة السلف قانونية و حيازة الخلف عرضية .كأن يؤجر المالك عقاره لمستأجر و قد يحدث العكس بأن تكون حيازة السلف عرضية و حيازة الخلف قانونية و مثال ذلك أن يبيع المستأجر العين لآخر، و رغم استقلال حيازة الخلف عن حيازة السلف فإن المشرع مع ذلك أجاز للخلف إن شاء أن يضم مدة حيازة سلفه إن كانت له مصلحة في ذلك بنص المادة 814/02 من الق.م بأنه ” ……يجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه ليبلغ التقادم “.
و تجدر الإشارة أخيرا أنه كما تقوم الحيازة على توافر الركن المادي و المعنوي فإنها تزول بزوال أحدهما أو بزوالهما معا، على أن الحائز لا يفقد حيازته بسبب مانع مؤقت يعتبر قوة قاهرة كحدوث فيضان يغمر الأرض بالمياه(*)
ثانيا / شروط صحة الحيازة : الحيازة لا توجد إلا إذا توافر ركناها على النحو الذي سبق تبيانه فإذا توافر ركناها ووجدت فإنه يجب أيضا أن تكون خالية من العيوب حتى تنتج أثارها و على الأخص حتى تحضى بالحماية المقررة لها بموجب دعاوى الحيازة .
و قد نصت المادة 413 من ق .إ .م على شروط صحة الحيازة و التي يجب أن تكون هادئة ،علنية ، مستمرة ،لا يشوبها انقطاع و غير مؤقتة و غير خفية ، و استمرت لمدة سنة على الأقل .
كما نصت المادة 808 من القانون المدني في فقرتها الثانية(*) أنه( إذا اقترنت الحيازة بإكراه، أو حصلت خفية، أو كانت فيها التباس فلا يكون لها أثر تجاه من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب) .
و بناءا عليه سنتعرض إلى شروط صحة قيام الحيازة من خلال بيان العيوب التي تشوب صحتها كالآتي :
1- عدم استمرار الحيازة أو تقطعها : حتى تسلم الحيازة من هذا العيب لابد أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشيء في فترات متقاربة ، منتظمة لمدة سنة كاملة ،فيستعمل الحائز الشيء من وقت إلى آخر كلما تقوم الحاجة إلى استعماله كما يستعمل المالك ملكه في العادة ، فإذا مضى بين العمل و الآخر فترة طويلة من الزمن لا يستعمل فيها الحائز الشيء و كانت هذه الفترة من الطول بحيث لا يدعها المالك الحريص على الانتفاع بملكه انتفاعا كاملا، فان الحيازة تكون في هذه الحالة غير مستمرة أو منقطعة ، فلا تصح أساسا لدعاوى الحيازة ،غير أن إنتظام الاستعمال يختلف باختلاف طبيعة الشيء، فمن يحوز حق السكن مثلا، حتى تكون حيازته مستمرة، يجب أن يسكن المنزل و ألا ينقطع عن سكناه إلا عند سفر أو غير ذلك ،و إن كانت أرضا زراعية وجب عليه أن يزرعها في المواسم الفلاحية ، و لا يعتبر الكف عن استعمال الشيء بسبب قوة قاهرة كحدوث فيضان يغمر الأرض انقطاعا يخل بالاستمرار في الحيازة(1)، فحيازة العين يجب أن تستمر سنة كاملة ، إذ يكفي لإثبات استمرارها إثبات قيام الحيازة في وقت سابق معين، وإثباتها في الحال كي توجد قرينة على قيامها في المدة الممتدة بين الزمنين(2) ما لم يقم دليل على خلاف ذلك وفقا لما تنص عليه المادة 830 من القانون المدني .
و تجدر الإشارة إلى أن عيب عدم الاستمرار هو عيب مطلق ،إذ أنه يحق لكل ذي مصلحة أن يتمسك به ، لأن الحيازة في ذاتها تكون غير مستمرة بالنسبة إلى الناس كافة ، بخلاف العيوب الأخرى للحيازة فهي عيوب نسبية ، بمعنى أن الحيازة لا تكون لها أثر إلا بالنسبة لمن وجه إليه العيب وحده(1) ،و هو ما يستفاد من نص المادة 808 من الق.م
2- الخفاء أو عدم العلانية : فيباشرها الحائز على مشهد من الناس أو في القليل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يستعمله الحائز ، فإذا أخفاها الحائز عن المالك أو صاحب الحق ، بحيث لا يشعر هذا بأن حقه في حيازة غيره كانت الحيازة مشوبة بعيب الخفاء أو عدم العلانية ، و من ثم لا تكون صالحة لأن تحمى بدعاوى الحيازة (2) ، و هو ما يقضي به نص المادة 413 من ق.ا.م.
و عيب الخفاء يتصور وقوعه بالنسبة للمنقولات لسهولة إخفاءها أما العقارات فإنه لا يتصور إخفاء حيازتها إلا نادرا ،كالجار الذي يحوز شريطا صغيرا من أرض جاره ويدخله في حدود ملكية دون علم صاحبه ، ومهما يكن فالحيازة إذا كانت خفية فلا يؤثر فيها حسن أو سوء نية الحائز، و لكن ليس من الضروري لاعتبار الحيازة علنية أن يعلم بها المالك علم اليقين ، بل يكفي إمكانية و استطاعة العلم (3) .
و على خلاف عيب التقطع فإن عيب الخفاء هو عيب نسبي و ليس مطلقا وفقا لما تقضي به المادة 808 فق 02 من الق .م التي نصت على أن الحيازة إن حصلت خفية فلا يكون لها أثرا تجاه من أخفيت عنه إلا من الوقت الذي زال فيه هذا العيب ، و بالتالي فإن الحيازة قد تكون علنية بالنسبة للناس كافة ماعدا صاحب الحق فإنها خافية بالنسبة له ، ولذلك يكون له وحده أن يحتج بعيب الخفاء دون غيره ، و بالعكس لا يستطيع صاحب الحق أن يحتج بعيب الخفاء إذا كانت الحيازة علنية بالنسبة له و حده دون سائر الناس(1)
3- الإكراه أو عدم الهدوء : تكون الحيازة معيبة بهذا العيب إن حصل عليها صاحبها بالقوة أو بالتهديد، و بقي محتفظا بها دون أن تنقطع القوة أو التهديد الذي حصل عليها به ، و يستوي في ذلك أن تكون القوة أو التهديد قد أستعمل ضد المالك الحقيقي لانتزاع ملكه منه أو استعمل ضد حائز سابق غير مالك لانتزاع حيازته ، كما يستوي أن يكون من استعمل القوة أو التهديد هو الحائز نفسه أو أعوان له يعملون باسمه .
و عيب الإكراه هو عيب نسبي ، فإذا انتزع شخص من آخر حيازة عين بالإكراه كانت حيازة منتزع الحيازة مشوبة بعيب الإكراه بالنسبة إلى الشخص الآخر الذي انتزعت منه الحيازة وحده ، و بالنسبة إلى هذا الشخص الآخر وحده لا يستطيع منتزع الحيازة أن يلجأ إلى دعاوى الحيازة إلا إذا انقطع الإكراه ، فعيب الإكراه لا يحتج به إلا من وقع عليه الإكراه(2)
و بالرجوع إلى نص المادة 808 فقرة 02 من القانون المدني، فإن عيب الإكراه يزول بانقطاع الإكراه ، إذ جاء فيها أن الحيازة إذا اقترنت بإكراه، فلا يكون لها أثر تجاه من وقع عليه الإكراه، إلا من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب .
غير أن السؤال الذي يجب طرحه هو هل الحيازة التي تبدأ هادئة ثم يضطر صاحبها لاستعمال القوة و التهديد للاحتفاظ بها تعد معيبة ؟ للإجابة عن هذا السؤال انقسمت الآراء إلى وجهتين :
أ / الرأي الأول : يرى القائلون به أنه لا يكفي أن ينقطع الإكراه الذي حصل به الحائز على الحيازة ابتداءا ، حتى تكون الحيازة خالية من عيب الإكراه بل يجب أن تستمر– فوق ذلك – هذه الحيازة الهادئة طوال المدة التي تبقى فيها ، فإذا كانت مهددة يعكر صفوها اضطرار صاحبها في أي وقت للدفاع عنها بالقوة ، فإنها تكون حيازة غير هادئة مشوبة بعيب الإكراه(1).
إذ أن المقصود بالهدوء هو تمكن الحائز من استعمال الشيء و الانتفاع به دون اللجوء إلى العنف و القوة حتى لا تتحول إلى حيازة مغتصبة(*)
ب/ الرأي الثاني : يرى أصحابه أن الحيازة إذا بدأت هادئة ، فلا يعيبها بعد ذلك أن يضطر الحائز إلى استعمال القوة للاحتفاظ بحيازته ضد من يريد انتزاعها منه إذ أن هذا يكون من قبيل الدفاع الذي يثبت لكل شخص يتمتع بمركز واقعي .
و حسب رأينا فإننا نرجح الرأي الثاني،ذلك أن العبرة ببداية الحيازة و مدى اقترانها بالإكراه أو عدمه و هو ما يستفاد من نص المادة 808 فقرة 02 من الق.م التي تنص ( إذا اقترنت الحيازة بإكراه …….) و بالتالي فإن بدأت الحيازة هادئة ثم شابها عيب الإكراه و قام الحائز بدفعه مستبقيا سيطرته الفعلية على العيب محل الحيازة كانت حيازته صحيحة .
4/ عيب الغموض أو اللبـــس : يتعلق هذا العيب بالركن المعنوي في الحيازة إذ تكون الحيازة مشوبة بعيب الغموض أو اللبس إذا اشتبه أمرها فيما يتعلق بالركن المعنوي، فيطرح التساؤول، هل أن الحائز يحوز لحساب نفسه أو أنه يحوز لحساب غيره؟أو لحساب نفسه وحساب غيره معا ؟.
و نضرب في هذا مثالا بحيازة أحد الشركاء في الشيوع ، الذي يتمسك بحيازة العين لنفسه خاصة ، فأعمال الحيازة المادية التي يقوم بها كشريك في الشيوع هي نفسها الأعمال التي يقوم بها في ملكية مفرزة ، و قد يأتيها بنية أنه يوجد غيره معه يشاركه في الملك ، فهنا يقوم اللبس في حيازة الشريك في الشيوع للعين الشائعة إذا تمسك بأنه يحوز العين لحسابه ، إذ هي تحتمل هذا المعنى كما تحتمل معنى أن الشريك يحوز لحساب نفسه ولحساب غيره من الشركاء ،فتكون الحيازة في هذه الحالة مشوبة بعيب الغموض أو اللبس و من ثم لا تنتج أثارها(1)
و عيب الغموض أو اللبس هو عيب نسبي(*) فلا يكون له أثر إلا قبل من التبس عليه أمر الحيازة من حيث الركن المعنوي و هو ما تنص عليه المادة 808 فق 02 من الق.م التي جاء فيها أنه (إذا كان في الحيازة التباس فلا يكون لها اثر تجاه من التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب) .
و تأسيسا على ذلك فانه و بالنسبة للمثال السابق فإن الحيازة الغامضة عند الشريك على الشيوع لا يكون لها أثر إلا قبل الشركاء الآخرين في الشيوع ، إذ لا يحتج عليهم بهذه الحيازة الغامضة و لكن يحتج بها على غيرهم، و تظل هذه الحيازة غامضة إلى أن ينتفي اللبس فيها ، و الذي لا يكون إلا بالمعارضة الساطعة و المنكرة لحقوق الآخرين فإن لم ينكر ذلك تبقى على الشيوع(1) .
و عليه نصل إلى أن الحيازة إن استوفت أركانها و شروطها أصبحت محلا للحماية القانونية ، فتكون بذلك للحائز مصلحة قانونية حيث تحمى الحيازة لذاتها بصرف النظر عن ما إذا كان الحائز مالكا للعقار من عدمه . ومن ثم فان حصل اعتداء على المركز الواقعي أو احتمل الاعتداء عليه كانت المصلحة قائمة و حالة ، و عندها للحائز المطالبة بالحماية القضائية من خلال ممارسته لوسائل الحماية القانونية المقررة قانونا كما سيأتي بيانه بأكثر تفصيل في الفصل الثاني من هذا الموضوع .
المطلب الثاني / شـــرط المــيعاد :
طبقا لنص المادة 413 فقرة 02 من ق .ا.م فإنه لا تقبل دعاوى الحيازة، و من بينها دعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض كما نصت المادة 817 فق 01 من القانون المدني أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك .
و بناءا عليه فانه يجب أن ترفع دعاوى الحيازة خلال مدة سنة من وقت الاعتداء على الحيازة أو بدء الأعمال التي تثير احتمال الاعتداء عليها(*) لأن التراخي في رفع هذه الدعوى طوال هذه المدة يفترض أن التعرض ليس خطيرا بحيث يخل بالأمن و السلام ، فضلا عن رضا الحائز بذلك الوضع ، و في حالة رفع هذه الدعوى بعد فوات ميعاد السنة يحكم بعدم قبولها(*) ، و لو لم تنشأ حيازة جديدة لمصلحة الغير ، و في حالة نشوء حيازة قانونية لهذا الأخير ، فإنه يتمتع بالحماية القانونية حتى في مواجهة الحائز السابق .
و يلاحظ أنه لا ارتباط بين هذا الشرط و شرط استمرار الحيازة لمدة سنة و الذي ينبغي توفره كي تصبح الحيازة قانونية ، و يؤدي تخلفه إلى رفض دعوى الحيازة من حيث الموضوع(1) .
غير أن السؤال الذي استوقفنا و نحن نتحدث عن شروط قبول دعاوى الحيازة وجعلنا نبحث عن إجابة له هو هل أن الحق في رفع دعاوى الحيازة هو حق مطلق متى توافرت الحيازة على شروطها و أركانها و استوفت وسيلة حمايتها شرط الميعاد ، أم أنه حق مقيد بوجود سند قانوني يبرر هذه الحيازة ؟
إن طرحنا هكذا سؤال إنما مرده الإشكالات و الاختلافات العملية و المثارة بشأن شهادة الحيازة و علاقتها بممارسة دعاوى الحيازة الثلاث ، و هو ما تم طرحه بحدة على صعيد التطبيقات القضائية ، و لعل سبب ذلك هو نص المادة 39 من القانون رقم 90/25 المتضمن ق.ت.ع التي جاء فيها ( يجب على كل حائز لملك عقاري أو شاغل إياه أن يكون لديه سند قانوني يبرر هذه الحيازة أو هذا الشغل ) بموجب هذه المادة أضاف المشرع شرطا جديدا لم يكن منصوصا عليه في القانون المدني .
و التساؤول المطروح بهذا الصدد هل يعتبر هذا الشرط قبليا يجب أن يتوفر في كل من يرفع دعوى حيازة طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية ، و القانون المدني ؟
لقد انقسم الرأي بصدد هذه المسألة القانونية إلى اتجاهين(2) :
أ / الاتجاه الأول : لابد من أن يستظهر رافع دعوى الحيازة بشهادة الحيازة،و ذلك استنادا إلى نص المادة المذكورة سابقا ، و الذي ورد بصيغة الوجوب ، و من ثم فإن السند الحيازي يعتبر قيدا على رفع الدعوى إذ لا يمكن اللجوء إلى القضاء إلا باستيفائه(1).
بينما هناك من يعتبرها تتعلق بشروط قبول الدعوى و تحديدا شرط الصفة(*) ،و لذلك فالبعض يرى أن ما جاء به ق.ت.ع بهذا الصدد هي أحكام كادت أن تؤدي إلى القضاء على أحكام الحيازة التقليدية(2) .
ب / الاتجاه الثاني : يرى القائلون به أنه لا حاجة لرافع دعاوى الحيازة لأن يثبت وضع اليد بشهادة الحيازة كونها مجرد وثيقة إدارية شرعت فقط من أجل تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلاحية و تمتيع صاحبها ببعض الحقوق و الامتيازات التي لا تخول إلا للمالك ، زد على ذلك أن المشرع نفسه مازال يعترف بالحائز الظاهر الذي لا يملك شهادة الحيازة، و هو ما يتجلى من خلال نص المادة 51 من القانون رقم 90/25 المتعلق بالتوجيه العقاري التي نصت على الإجراءات التي تسلط على المستثمر الذي يثبت قانونا عدم استغلاله للأراضي الفلاحية و من ثم لا يمكن اعتبار شهادة الحيازة قيدا على رفع الدعوى التي تبقى خاضعة في رفعها لقانون الإجراءات المدنية (1) .
و بالتالي فشهادة الحيازة كوثيقة إدارية لم تفض على أحكام الحيازة التقليدية المنصوص عليها في كل من القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية كما حاول البعض الذهاب إليه و الذي اعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة بأنواعها الثلاث(2) .
و هو الرأي(*) الذي تبنته الغرفة العقارية للمحكمة العليا في القرار رقم 914-181 المؤرخ في 28/10/1998 – غير منشور- و الذي جاء فيه ( حيث و من جهة أخرى فان قضاة الاستئناف و لتأسيس قرارهم استخلصوا من أفعال القضية و خاصة من شهادة الاستغلال الفلاحي …. و محضر سماع الشهود المؤرخ في 15/11/1994 بأن هذا الأخير يثبت بسند قانوني الحيازة طبقا للمادة 30 من القانون رقم 90/25 المؤرخ 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري حيث و بالفصل هكذا فإن قضاة الاستئناف قد طبقوا القانون تطبيقا سليما .
أما عن رأينا فإننا نرجح الاتجاه الثاني، أي ما ذهبت إليه الغرفة العقارية،و تأسيسنا في ذلك هو الأتي بيانه :
1- إن الهدف المتوخى من دعاوى الحيازة هو حماية المركز الواقعي للحائز بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، و عليه فان الشروط التي أضافها المرسوم التنفيذي رقم 91/254 بموجب نص المادة 02 منه، و التي فصلت تلك المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 90/25 تتنافى و الهدف المتوخى من الحماية القانونية المقررة للحيازة لا سيما ما يتعلق منها بالشروط الواجب توافرها في العقار المحوز ، و التي سنعالجها كالأتي :
الشرط الأول / أن تكون الأرض ملك خاص : إن هذا الشرط لا يستقيم و مجال الحيازة بمفهومها العام على النحو المشار إليه آنفا و الذي نتناوله بأكثر تفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل، إذ ينطوي على تضييق في مجالها و هو ما ينعكس على نطاق الحماية المقررة لها .
الشرط الثاني / أن يقع العقار في منطقة مسوحة: كون أن عملية المسح تؤدي إلى تشخيص الممتلكات العقارية، و من ثم فلا يتصور تسليم شهادة الحيازة بعد إتمام هذه العملية، بينما تظل الحيازة بمفهومها العام و بما كرس لها ما وسائل لحمايتها قائمة .
الشرط الثالث / أراضي لم تحرر عقود ملكيتها: فحتى و إن لم يتم المسح و كان للأرض عقد ، فلا تكون محلا لتسلم شهادة الحيازة ، بينما و على العكس من ذلك ،و بالنسبة لدعاوى الحيازة فإنه يتمسك بها حتى في مواجهة المالك نفسه ،لقيام ذلك على افتراض مفاده أن من يحوز الأرض هو مالكها،وأن الحيازة تنصب على العقار سواء كان مملوك للغير أو غير مملوك له .
و إذن فإن الشروط المضافة على النحو السابق بيانه تؤكد أن الهدف المتوخى من الحيازة بمفهوم قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 و كذا المرسوم التنفيذي 91/254 غير ذلك المقصود من المفهوم العام للحيازة ، و هو ما يثبت أن شهادة الحيازة قررت لتشجيع الاستثمار ، و خدمة التنمية الاقتصادية و جعلها كضمانة قانونية للحائز.
2- شهادة الحيازة جاءت بموجب المادة 39 من القانون السالف ذكره من أجل معالجة مرحلة انتقالية ووضع راهن تبنى فيه المشرع نظام الشهر العيني بصورة متذبذبة خاصة و أن عمليات المسح لم تشمل سوى جزء يسير من الأراضي ، بينما تلك التي لم يتم مسحها فتحرر بشأنها شهادة الحيازة ، في انتظار تصفية الوضعية العقارية نهائيا ، وتكريس الحاصلين عليها كملاك بعد المسح ، و من ثم الحكم بموتها بانعدام الوضع المقررة من أجله ، فالمشرع بتبنيه نظام الشهر العيني وقع في تناقض مع أحكام القانون المدني و التي نقلت عن القانون المدني المصري الذي تبنى نظام الشهر الشخصي .
3- المادة 02 من المرسوم السابق الإشارة إليه اشترطت دوام الحيازة سنة كاملة للاستفادة من شهادة الحيازة ، و هي المدة نفسها المشترطة في استمرار الحيازة المحمية قانونا كمبدأ عام مع ورود استثناء عليه فيما يخص مدة الحيازة المحمية بدعوى الاسترداد،و هو ما يؤكد مرة أخرى اختلاف الهدف الذي قررت شهادة الحيازة من أجله عن ذلك المتوخى من الحيازة كمفهوم عام و الذي ينصب أساسا على حماية الأوضاع الظاهرة و الحفاظ على السكينة والأمن العامين.
المبحث الثاني :
خصائص دعاوى الحيازة :
المطلب الأول : حماية الحيازة لذاتها :
لما كان وضع اليد هو سلطة فعلية لشخص على شيء من الأشياء المادية فهو المظهر المادي للملكية و لهذا كان وضع اليد شبيها في الظاهر بالملكية، بل كثيرا ما يختلط بها مع أن وضع اليد على العقار يختلف عن ملكيته من الوجهة القانونية إذ تعرف الحيازة بأنها وضع اليد على العقار و السيطرة عليه سيطرة فعلية و استقلاله و السيطرة المادية تكون بمباشرة أعمال مادية مما يقوم عادة بها المالك على النحو الذي تقتضيه طبيعة هذا الحق و تكسب الحيازة ملكية العقار أو الحق العيني عليه بمضي مدة معينة مقترنة بينية التملك فهي واقعة مادية تحدث آثار قانونية و تؤدي إلى اكتساب الحق .
أما الملكية فهي حق تخول للمالك أن يسيطر سيطرة قانونية على الشيء محل الحق فيستأثر به فيتمكن من التصرف فيه و استعماله و استغلاله و الملكية باعتبارها حق فهي لا تثبث إلا بناء على سبب من أسباب كسب الملكية التي حددها القانون كالعقد و الوصية و الميراث و الحيازة ..الخ .
و يحمي القانون الحيازة في ذاتها و لو كان الحائز غير مالك و ذلك لغايات معينة ،ووسيلة لحماية الحيازة هي الدعاوى التي ننظر فيها إن كان حائز مالكا للحق الذي يحوز أو لا يملكه فالحائز لأرض تحميه دعاوى الحيازة و لا يطلب منه في مباشرته لهذه الدعاوى إلا أن يثبت حيازته لأرض بالشروط الواجب توفرها في الحيازة ،فلا يطلب منه أن يثبت أنه مالك للأرض فالملكية تكون محل لدعوى الاستحقاق ،و من هنا يبرز الفرق بين الحيازة و الملكية من حيث وسيلة الحماية و من حيث الإثبات فإذا تم التعرض للحيازة فاللمعتدى عليه استعمال دعوى منع التعرض ،و إذا لم تتعرض حيازته لاعتداء أو التهديد و لكنها توشك أن تتعرض لذلك من جراء أعمال بدئ بها و لم تتم فإنه يستطيع رفع دعوى لوقف الأعمال الجديدة، و إذا انتزعت منه الحيازة عنوة أو خلسة فله أن يستردها بدعوى استرداد الحيازة بشرط أن يثبت حيازته للعقار بوسائل إثبات تمتاز باليسر على خلاف دعوى الملكية التي تمتز بإجراءات طويلة و معقدة و طرق إثبات تزيد كثيرا في الصعوبة و العسر على طرق إثبات الحيازة .
و نفس الشيء يقال في الحقوق الأخرى التي تكون محلا للحيازة، فدعاوى الحيازة تحمي حائز حق الانتفاع أو الإرفاق و الاستعمال .
و عليه فإن القانون يحمي الحائز ما دام أثبت وقت الاعتداء أن حيازته كانت حيازة مادية بمعنى أن يد الحائز كانت متصلة بالعقار و اتصالا فعليا حيث كان العقار تحت تصرفه المباشر و يجب أن يكون اتصال الحائز بالعقار قائما وقت وقوع الاعتداء(1) .
– و العلة في حماية الحيازة ترد إلى اعتباريين :
1/ حماية المصلحة الخاصة للحائز و التي تظهر في عنصريين :
أ- أن الحيازة قرينة على الحق :
نظرا لكون الحائز الغالب هو نفسه صاحب الحق، فإن الحائز لحق يقترض أنه صاحب لهذا الحق حتى يثبت العكس ، فقل أن يوجد مالك لا يحوز ملكه بنفسه أو بواسطة غيره إذ يفترض قانونا أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق الحيازة، و من ذلك كانت الحيازة قرينة على الملكية و لكنها قرينة قابلة لإثبات العكس(2) . فحماية الحيازة في ذاتها إنما هي حماية للملكية و لكنها حماية مؤقتة إلى أن يقوم الدليل على أن الحائز لا يملك المال الذي في حيازته .
ب – إن حيازة ممارسة فعلية للحق : إن الحيازة بمعنى السيطرة الفعلية على شيء هي وسيلة ممارسة صاحب الحق لسلطاته عليه، و حرمانه من الحيازة يعني حرمانه من مزايا حقه فحيازة المستأجر ضرورية لممارسة حقه في الانتفاع بها .
ج – الحيازة وسيلة اكتساب الحق : حتى في الحالات التي لا يستند فيها الحائز إلى الحق فإن الحاجة إلى الاستقرار أدت بالمشرع إلى جعل الحيازة متى استوفت شروطها معنية سببا لاكتساب الحق العيني على العقار .
2/ حماية المصلحة العامة :
تعتبر حماية الحيازة حماية للأمن و النظام العام في المجتمع فيعد اغتصاب الحقوق غير شرعي و لو تم ذلك من صاحبها ،لأن ذلك يعتبر من قبيل قضاء الإنسان لنفسه و الذي يترتب عنه الفوضى، و لذلك يتعين حماية حيازة الحائز ضد تعرض الغير حتى و لو كان هدا الأخير صاحب الحق، إذ لهذا الأخير اللجوء إلى القضاء لحماية حقه عن طريق دعوى الحق (3)
المطلب الثاني : حماية العقار دون المنقول :
تنصب دعاوى الحيازة على حماية العقار دون المنقول ،إذ يمكن لحائز رفع دعاوى الحيازة كمنع التعرض و استرداد الحيازة و وقف الأعمال الجديدة ،إذا كان محلها عقار خلافا للمنقول الذي تحميه قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية و كذا في حيازة الثمار .
فالمنقول لا يحمى بدعاوى الحيازة ،و كذا المجموع من المال كالتركة فالحائز لمجموع من المال كالوارث إنما يحمي في حيازته لعقار معين من هذا المجموع و لا يحمي في حيازته لمجموع المال ذاته إذ المجموع من المال لا يقبل الحيازة (1) . و إلى جانب العقارات تحمي دعاوى الحيازة أيضا الحقوق العينية و على ذلك نتعرض لحيازة العقارات بأنواعها ولحيازة الحقوق على العقارات التي لا تجوز فيها الحيازة.
1/ الحيازة في العقارات :
بدأت الحيازة في القانون الروماني سيطرة فعلية يباشرها الحائز على شيء مادي على اعتبار أنه مالك لهذا الشيء، فيحرزه إحرازا ماديا و يباشر عليه سلطة المالك فكانت الحازة على ضد النحو استعمالا لحق الملكية على الشيء مادي ،و لما كان حق الملكية عند الرومان يختلط بالشيء المادي فقد كان الرومان يصورون الحيازة على أنها تقع على الشيء المادي ذاته يتصرف فيه الحائز تصرف المالك فيستعمله و يستغله و يتصرف فيه
و يستهلكه، فكانت الحيازة سلطة مادية محضة لا ننطبق إلا على الأشياء المادية.
و من ضمن هذه الأشياء و المحمية بدعاوى الحيازة العقارات على أن يكون هذا العقار معنيا بالذات .
و العقار هو كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول. فكل مالا يدخل ضمن العقار بالمفهوم الوارد في 683 من القانون المدني فهو منقو و الغاية من ذلك أن المنقولات متعددة و لا يمكن حصرها لذا عرف العقار دون المنقول .
و تنقسم العقارات إلى نوعين العقارات بالطبيعة و العقارات بالتخصيص ،و تشمل العقارات بالطبيعة الأراضي بما فيها الزراعية و المعدة للزراعة الصحراوية و الجبلية المعدة للبناءو ما تحت الأرض كالآبار وما في باطنها كالمناجم و ما فوقها من أبنية و أشجار و نباتات ،أما العقارات بالتخصيص فهو في الأصل منقول وضعه وصفه صاحب العقار و خصصه لخدمة هذا العقار أما استغلاله يشرط أن يكون مالك العقار و المنقول شخص واحد و أن يرصد هذا المنقول لخدمة العقار و عندما يغير المنقول بطبيعته عقارا بالتخصيص فيأخذ حكم العقار على اقتراض أنه هو نفسه عقار و تسري عليه أحكام العقار ،بمجرد انتهاء التخصيص عود للعقار بالتخصيص صفته الأصلية كمنقول بطبيعته.
و في حالة وضع اليد على عقار من غير المالك باعتبار أنه المالك فيجوز لواضع اليد هذا أن يرصد منقولا يملكه على خدمة هذا العقار و يصبح المنقول عقارا بالتخصيص و لكن إذا يسترد المالك الحقيقي العقار فإنه يسترده وحده لمنقول الذي رصد(1) لخدمته و يأخذ صاحب المنقول منقوله(2) و عليه فإن حيازة الشيء تفترض حيازة توابعه مالم يثبت العكس .و من ثم فإن الحيازة المكسبة للملكية ترد على العقار بطبيعته و كذلك على العقار بالتخصيص بشرط أن تكون العقارات المراد إكتساب ملكيتها بالحيازة من العقارات التي تخضع للحيازة و أن تكون قابلة للتعامل فيها .
– الحيازة في الأملاك الوطنية :
لقد مرت الأملاك الوطنية في الجزائر بعدة مراحل بداية من المرحلة التي امتازت فيها الأملاك الوطنية بفكرة وحدة الأملاك العامة التي تبناها المشروع خلال الفترة الاشتراكية ثم جاء دستور 23 فبراير 1989 و كرس من جديد النظرية التقليدية المبنية على التفرقة بين الأملاك العمومية التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة و الأملاك الخاصة التي تمتلكها الدولة و الجماعات المحلية لتحقيق أغراض امتلاكية بحثة ،و ذلك بموجب المادتين 17 و18 منه
و هي نفس هذا التوجيه صدر قانون التوجيه العقاري رقم 25190 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 و كرس ضده المبادئ في المواد 24،25،26 منه ثم صدر قانون الأملاك الوطنية 90/30 المؤرخ في 1/ديسمبر/1990 ليحدد الأملاك الوطنية و نظامها.
و لعل أكثر ما يهمنا في البحث هو مسألة مدى جواز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بصنفيها و ما هي أهم الأحكام و القرارات الصادرة في هذا الشأن بعد أن نتناول كل الأملاك الوطنية العمومية و الأملاك الوطنية الخاصة.
أ- حيازة الأملاك الوطنية العمومية :
هناك بعض العقارات ترد عليها الحيازة المكسبة للملكية، ذلك إن كانت خارجة عن دائرة التعامل و لا يمكن أن تكون بحكم طبيعتها أو بحكم تخصيصها محلا للتصرفات القانونية كالعقارات التي يشترك النوع الإنساني في الانتفاع بها انتفاعا مطلقا و يستحيل على أي فرد أن يختص بها بطبيعته.
و العقارات العامة هي عقارات الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة و المخصصة لمنفعة عامة، و لقد حرم القانون تملك العقارات العامة بوضع اليد حيث تنص المادة 689 قانون مدني :” لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم”
و في ها الإطار صدر القرار رقم73271 المؤرخ في 21/أكتوبر/1990 مجلة قضائية رقم 92 ص 24 جاء فيه 🙁 حيث أن الطاعنين يزعمون أنهم تحصلوا على القطع المتنازع فيها عن طريق الحيازة لأنهم يشغلون تلك الأراضي بصفة هادئة و مستمرة منذ أوائل 1960 .
حيث يتبين من القرير المعد من طرف مصالح أملاك الدولة أن أملاك الدولة غير قابلة للتصرف فيها أو الحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم و بالتالي لا يمكن الحصول على ملكيتها من طرف الطاعنين عن طريق الحيازة كما تنص عليه المادة 827 من القانون المدني .
حيث أن الأمر يتعلق بشاغلين بصفة غير قانونية لأراضي مملوكة للدولة فيمكن للطاعنين الاستفادة من المرسوم 85-212 المؤرخ في 18 أوت 1985 كي يتحصلوا على تسوية وضعيتهم).
لكن هذا لا يمنع من أن الدولة و المجموعات المحلية تستطيع استعمال دعاوى الحيازة لحماية أملاك الدومين العام ،و عليه إذا كان العقار داخلا في الدومين العام فإنه لا يكون في الأصل قابلا للحيازة و كان ينعى أن لا يكون هناك مجال في شأنه لدعاوى الحيازة ،و لكن القضاء في فرنسا جرى على حماية الشخص العام في حيازته للعقار الداخل في الدومين العام ضد أعمال التعرض و الاغتصاب الصادر من الغير ،بل أنه يحمي كل من حصل من الأفراد على ترخيص قي الانتفاع بالعقار الداخل في الدومين العام في حيازته لهذا العقار بجميع دعاوى الحيازة ضد الغير فيما عدا الجهة الإدارية التي منحته الترخيص(1) .
و من ذلك ما نصت عليه المادة 171 من المرسوم 91 -454 بأنه يحق للمؤسسات العمومية المكلفة من طرف الدولة بتسير مرافق عامة أو أداء مهمة منفعة عمومية أن ترفع دعاوى الملكية و الحيازة لحماية الأملاك الوطنية العمومية التي تشغلها في حالة تعرضها لاعتداء من طرف الغير .
و في هذا الإطار جاء القرار رقم 181645 المؤرخ في24/06/1998 بأنه:
” من المقرر قانونا أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك و لما تبين من قضية الحال أن الحيازة ثابتة منذ عهد الاستعمار و إن ما بين فوقها كان يرخصه من المصالح البلدية دون أية منازعة ك حيازتها و في استصلاحها و غرسها و لما قرر قضاة المجلس بأن الحيازة لا تجدر في الأملاك التابعة لدولة فإن هذا التأسيس خاطىء لأنه لا يوجد أي نص قانوني يتحدث على منع الحيازة في الأملاك العقارية التابعة للدولة التي تمنح للأشخاص بموجب شهادة إدارية من أجل استغلالها و الانتفاع بها مما يستوجب نقص القرار
المطعون فيه ” .
ب / حيازة الأملاك الوطنية الخاصة:
و هي العقارات المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى ملكية خاصة و لم تخص للمنفعة العامة و يكون التصرف فيها كتصرف ال أموالهم الخاصة و تمنع هذه العقارات بوجب عام لأحكام الملكية شأنها بذلك شأن العقارات المملوكة للأفراد تحق الدولة و العقارات الخاصة ضد حق ملكية مدنية محضة ،أسباب كسب ملكية العقار الخاص حددها المشروع في القانون
90/30 على سبل الحصر وصه التعاقد سواء طبق القانون المدني أو القانون الإداري من خلال ق ص ع عن طريق الأملاك الشاغرة و اكتشاف الكنوز و الهبات …الخ
و في هذا الاطار سوف تتعرض لبعض القرار رقم 271-73ل 21/10/90 م ق 92 ص4*
الأمثلة عن الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة من ذلك أراضي العرش و المستثمرات الفلاحية في إطار القانون 87/19 و القانون 83/18 المتعلق بالاستصلاح.
1/ حيازة أراضي العرش :
أراضي العرش هي تلك الأراضي التي منحت من قبل الدايات الأتراك للقبائل و العروش الذين كانوا موالين لهم على سبيل الانتفاع الجماعي أما عن كيفية الانتفاع فكان كل فرد من أفراد القبيلة له الحق في الاقتناء بالمساحة التي يستطيع استغلالها و خدمتها مع ظفر عملية الإيجار أو الأرض أو البيع أو القسمة و في حالة عدم استغلالها و شراها بورا يحق استرجاعها و إعادة منحها من قبل القبيلة إلى من يتعهد بخدمتها و استغلالها و هذا الاستغلال يعطي للمستغل حق رضي التجار و تملكها و لقد مرت هذه الأراضي بعدة تطورات عبر مراحل زمنية مختلفة إلى غاية الاستغلال تميزت فيها المرحلة الاستعمارية بإصدار عدة قوانين بقصد تمكين الحائزين لهذه الأراضي من تملكها بقصد تمكين المعمرين كما يعد شرائها في إطار سياسة الاستيطان الاستعمارية غير أن نقل ملكية هذه الأراضي لحائزها لم تتم(1) .
أما فترة الاستقلال فأهم ما ميزها هو صدور القانون رقم 90/25/المؤرخ في 18/11/90 المتعلق بقانون التوجيه العقاري الذي صنف الملكية العقارية إلى أملاك وطنية و أملاك خاصة و أملاك وقفية و بموجب م/85 المعدلة بموجب الأمر 95/26 ل 25/09/1995 اعتبرت أراضي العرش ملك للدولة إذ نصت على أنه تبقى ملكا لدولة أراضي العرش و البلديات المدمجة ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية بمقتضى الأمر رقم 71/73 ل 8/11/71 و ذلك وقفا للمادة 18 من القانون رقم 900-30 ل 1/12/90 و المتضمن قانون الأملاك الوطنية و في مجال حيازة هذا النوع من الأراضي ضد ما جاء في القرار رقم 196049 المؤرخ في 26/04/2000 الذي كرس الحيازة على أراضي العرش حيث جاء فيه : (حيث أن القضاة المجلس اعتبروا أن الأراضي المتنازع عليها أرض عرش من أملاك الدولة و بالتالي لا يمكن الإدعاء بحيازتها لكن حيث يتبين من عناصر الملف أن المدعية المستأنف عليها لم تتمسك بالحيازة اتجاه الدولة مالكة الأرض بل تمسكت لحيازتها اتجاه التغير الذي حسب مزاعمها تعرضوا لحماية حيازتها بدون وجه حق و حيث أن الدولة ليست طرفا في الدعوى الحالية و لا تنازع المدعية في حيازتها حيث كان على قضاة المجلس أن يطبقوا مقتضيات المادة 822 من القانون المدني و أن يفصلوا من الذي له الحيازة المادية أن من الذي له وثائق تثبت حيازته الحالية و المادية على الأراضي) و هذا عكس المادة 4 من القانون 90/30 المتضمن الأملاك الوطنية التي لم تقر الحماية التقليدية للأموال عدم القابلية للتصرف ،عدم الحجز ،عدم جواز التمسك بالتقادم إلا على الأملاك الوطنية العمومية .
و ما دام أن أراضي العرش تصنف ضمن خانة الأملاك الوطنية الخاصة فبنتيجة فهي لا تخضع لقواعد الحماية المذكورة و بالتالي يجوز التمسك بحيازتها حتى في مواجهة الدولة نفسها(1)
2/الحيازة في المستثمرات الفلاحية :
و هذا النوع من المستثمرات تم إحداثه بموجب القانون 87/19 و هي في الأصل أملاك وطنية خاصة تم إحداثها بقصد استغلالها في إطار تكريس المحافظة على الأراضي المختصة في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية كالقمح و الشعير و غيره و يتم استغلالها بصورة جماعية كقاعدة عامة،على أنه يجوز أن يتم استغلالها بصفة فردية .
و المستثمرة الفلاحية هي إصلاح اقتصادي تعني وحدة ترابية مسيرة مستغلة طيلة السنة من طرف شخص أو عدة أشخاص، تنظم وسائل الإنتاج و ذلك لخدمة الإنتاج الفلاحي قانونا تكون ملكا للشخص الذي يستغلها أو للغير(2)
و يصبح للمستثمرة الفلاحية الجماعية وجود قانوني عند نشر العقد الإداري في سجل الحفظ العقاري، و يترتب على ذلك أن حق الانتفاع يكون ملك لأعضاء المستمرة في حين أن الملكية الرقبة تكون للدولة. و يمتاز حق الانتفاع هذا عن حق الانتفاع وقفا للقواعد العامة إذا يخول لأعضاء المستمرة اكتساب بعض الحقوق و ترتيب عليهم بعض الالتزامات المغايرة و التي تخرج عن القواعد العامة في المقررة في حق الانتفاع، إذ من شأنه أن يخول لهم حق انتفاع دائم ينتقل للورثة ضمن شروط معينة أقرها القانون 87/19 على خلاف حق الانتفاع العادي الذي ينتهي بوفاة المنتفع. كما يخول لأعضاء المستمرة ممارسة بعض الدعوي التي ترمي إلى حماية حيازتهم لحق الانتفاع الدائم و من ذلك ما جاء في القرار رقم195.240 المؤرخ في 26/أفريل/2000 م ق 2000 عدد 01 ص161 ( انه من كانت المستمرة الفلاحية تتمتع بالشخصية المعنوية كشركة مدنية طبقا للمادة 13 من القانون 87/19 فإنه يحق لها ممارسة الدعاوي الرامية إلى حماية حق الانتفاع الدائم على الأراضي التابعة ملكيتها للدولة و بالتالي فلا مانع من تمسك القاضي المدني باختصاصه في هذا المجال ) .
و عليه يتضح أن ملكية أعضاء المستمرة تقتصر على حق الانتفاع الدائم دون ملكية الأرض التي تبق ملك للدولة .
3- الحيازة في الأراضي المستصلحة :
يعد الاستصلاح سبب من الأسباب كسب الملكية العقارية في التشريع الجزائري، و قد جاء التنصيص عليه في المرسوم 83/18 المؤرخ في 13/أوت/1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية .
و يقصد بالاستصلاح بمفهوم القانون 83/18 كل عمل من شأنه جعل أراضي قابلة للفلاحة صالحة للاستغلال، و يمكن أن تنصب هذه الأعمال على أشغال تعبئة المياه و التهيئة و تنقية الأراضي و التجهيز و السقي و التخفيض و الغراسة و المحافظة على التربة قصد إخصابها
و زرعها .
و يتم الاستصلاح في الأراضي التابعة للدولة و الواقعة في المناطق الصحراوية أو المنطوية على مميزات مماثلة و كذا الأراضي الأخرى الغير مخصصة و الممكن استخدامها في الفلاحة بعد الاستصلاح مع استبعاد الأراضي التي أدمجت في صندوق الثورة الزراعية .
و يعد المستصلح حائزا للأرض محل الاستصلاح خلال 5 سنوات المتعلقة بتنفيذ برنامج الاستصلاح فإن تم تنفيذه يسقط الشرط الفاسخ و تنتقل ملكية الأرض للمستصلح على خلاف ما جاء في القرار رقم 228753 المؤرخ في 24/أفريل/2002 ( إن قانون 83/18 المؤرخ في 13/أوت/83 يؤدي إلى امتلاك الأراضي للمترشح لاستصلاحها و عليه فإنه قانون ناقل للملكية يشكل عائقا لدعاوى الحيازة و سند للملكية )
4- الحيازة في الأملاك الوقفية :
وقف العقار هو حبسه عن تمليكه لأحد من العباد و صرف منفعته في وجوه البر ،وكان الوقف قبل سنة 1984 خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية، أما بعد صدور قانون الأسرة في 1984 بموجب القانون 84/11 أصبح خاضعا لأحكام قانون الأسرة الذي نظم الوقف في الفصل الثالث من الكتاب الرابع الخاص بالتبرعات و قد خضع في تنظيمه إلى عدة مراسيم
و مناشير و قوانين من ذلك القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف
و الذي عدل عدة مرات آخرها سنة 2002. و ينقسم الوقف إلى وقف عام و هو ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه كوقف أرض لحساب مستشفى، و إلى وقف خاص و هو ما يحبسه الواقف على عقبه من الذكور و الإناث أو أشخاص معنيين ثم يؤول إلى الجهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم.
و في مجال حيازة الأملاك الوقفية صدر القرار رقم 99.360 المؤرخ في 13/01/1986 الذي جاء فيه: ” حيث أنه لا يجوز التمسك بالتقادم في استغلال الأرض المحبسة لانعدام نية التملك ”
و كنتيجة لما كل ما سبق بيانه فإنه تجدر الإشارة أن موضوع الحيازة في الأملاك الوطنية ما يزال محل خلان بين عدة فقهاء و على مستوى كل القوانين العربية فمنها من تجيز الحيازة و منها من تمنعها من ذلك الأستاذ السنهوري الذي يرى أنه لا يجوز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بنوعيها العامة و الخاصة و تشاطر في ذات الرأي الأستاذة فريدة زووي .
أما الأستاذ عمر زودة فيرى أنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية العمومية مستندا في ذلك إلى نص المادة 827 من القانون المدني،أما في الأملاك الوطنية الخاصة فإنه يفرق بين مرحلتين زمنيتين قبل سنة1990 أي قبل صدور قانون الأملاك الوطنية فإنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة أما بعد 90 فإنه يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة و يذهب إلى أن بعد من ذلك إذ يجيز للحائر المطالبة لملكيتها بالتقادم إذ يعتبر أنه الأثر المنطقي و القانوني للحيازة في مواجهة الدولة على خلاف ما ذهبت إليه المحكمة العليا التي تجيز فقط ممارسة الحيازة أما اكتساب الملكية بالتقادم فلا تجيزه .
الحيازة في الحقوق :
سبق القول أن الحيازة في القانون الروماني كانت قاصرة على الأشياء المحسوسة من عقار و منقول، غير أن هذه الفكرة تطورت حيث أصبحت تشمل الحقوق، فأمكن تصور حيازة حق الارتفاق و حق الانتفاع وسميت هذه بشبيه الحيازةquassi passesion و ظلت هذه التفرقة قائمة في القانون الفرنسي القديم. أما القانون المدني الفرنسي الحالي فقد قضى على هذه التفرقة إذ نص عل أن الحيازة هي إحراز شيء أو استعمال حق .
و قبل الخوض في مدى ممارسة الحيازة على الحقوق نتعرض قبل كل شيء إلى تقسيمات الحقوق مع تعريفها حتى يتسنى بشكل دقيق تحديد الحقوق التي تحوز حيازتها من تلك التي لا تجوز فيها الحيازة، و لعل أبرز التقسيمات للحقوق نجد الحق العيني و الحق الشخصي .
فما المقصود بينهما ؟
يعرف الحق العيني على أنه سلطة شخص تنصب مباشرة على شيء مادي معين بحيث يستطيع صاحبه أن يباشره دون تدخل شخص آخر من ذلك حق الملكية ،و تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية لحق الملكية و الذي بدوره تتفرع عنه حقوق آخرى مثل : حقوق الانتفاع و حقوق الارتفاق و حقوق الاستعمال أو السكن (1)
و إلى حقوق عينية تبعية و هذه الأخيرة لا توجد متسقلة بل تكون تابعة لحقوق شخصية (حقوق الدائنية ) و ذلك لضمان الوفاء بها فسميت الحقوق العينية التبعية بالتأمينات العينية
و من أمثلها الرهن الرسمي و حق الاختصاص و الرهن الحيازي و حقوق الامتياز .
أما الحق الشخصي فيمثل في رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يقوم احدهما و هو المدين قبل الآخر و هو الدائن بأداء مالي معين أو بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل حيث يصبح للدائن الحق بمطالبة المدين بموضوع هذا الالتزام .و عليه يكون الحق الشخصي علاقة بين الأشخاص بينما الحق العيني هو علاقة بين الشيء و صاحبه .
فتقع الحيازة على الحق العيني و معنى ذلك أنها تقع على شيء مادي و أن الحائز يباشر سلطاته ماديا على الشيء المعين بالذات، لذلك لا يصح أن تقع الحيازة لا على المجموعات القانونية كالتركة و لا على مجموعة واقعية من المال كالمحل التجاري و إنما يصح أن تقع الحيازة على الشيء من هذه المجموعات واقع على إنفراد ،و الذي يباشر سلطاته على عين من أعيان التركة لا يمكنه ادعاء حيازة المجموعة الأعيان كما هو الحال بالنسبة للحائز على الشيوع، و ذلك لقيام الالتباس حول ما إذا كان الشريك في الشيوع يحوز لنفسه أو لحساب غيره مع الشركاء و على الشيوع. و الأصل أن يكون محل الحيازة حقا عينيا لأن هذا الحق هو الذي يخول لصاحبه سلطة مباشرة على الشيء فيمكن حيازته بممارسة الأعمال التي تخولها هذه السلطة على الشيء مباشر(2)
فالحقوق العينية وحدها يمكن أن تكون محلا للحيازة ، مما يستبعد الحقوق الشخصية و الحقوق المعنوية ،فلا تجوز حيازة هذه الأخيرة لأنها ترد على الشيء غير مادي كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق التاجر على الاسم التجاري .
كما لا تجوز حيازة الحقوق الشخصية كالديون فلا تخضع للحيازة و كذا بالنسبة للمستأجر فلا يعد حائزا حقيقيا و العقد المبرم ذاته ينفي عنه هذه الصفة إذن حائز عرضي و القانون عندما أباح للمستأجر رفع دعاوى الحيازة لم يكن يعني أن الحق الشخصي يخضع للحيازة الحقيقية إنما هي حماية مؤقتة لدفع الاعتداء بدليل أن الحائز العرضي لا يكسب الحق الشخصي بالتقادم و أنه لو قام نزاع بين الحائز العرضي و من يعمل الحائز لحسابه فحل النزاع يكون على أساس العقد المبرم بينهما و ليس على أساس دعوى الحيازة(1)
و هو ما أقره المشرع الجزائري في نص المادة 487 من القانون المدني عندما حمى حيازة المستأجر على الرغم من أنها حيازة عرضية مما يفهم أنه أخد بالنظرية الشخصية و خرج عن ذلك باستثناء و أخد بالنظرية المادية عندما نص على حماية حيازة المستأجر بجميع دعاوى الحيازة .
و ما يجدر الإشارة إليه أن بعض الفقهاء يرون أن الحيازة تشمل حتى الحقوق العينية التبعية التي تستلزم حيازة الدائن للشيء المحمل بالحق كالرهن الحيازي فإذا كان الشيء المرهون عقارا غير مملوك للراهن استطاع الدائن المرتهن أن يكسب حق الرهن عليه بالتقادم الطويل أو القصير(2) على خلاف الأمر في التشريع الجزائري أين يعتبر الدائن المرتهن رهن حيازي حائز عرضي و بالتالي لا تحمى حيازته بدعاوى الحيازة. و في هذا الإطار يعد صاحب حق الانتفاع و حق الاستعمال أو السكن حائزين عرضين كونهم يحوزون لحساب الغير إلا أن حيازتهم صحيحة للحق العيني أو الحق الشخصي الذي يحوزنه و يتوافر لديهم عنصري الحيازة المادية و المعنوية بالنسبة لهذا الحق بل أنهم حائزون أصليون له و لكنهم يعتبرون حائزون عرضيون لحق الملكية، فالمنتفع حائز عرضي كون أن سنده يستدعي الاعتراف بحقوق صاحب الرقبة، و عليه فإن المنتفع ليس حائزا عرضيا بالنسبة لحق الانتفاع نفسه كونه يمارس هذا الحق على أساس أنه سيد عليه مما يخول له تملكه بالتقادم(3)
و من الأمثلة على ذلك حق الانتفاع الدائم الممنوع في إطار القانون 87/19 المتعلق بكيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية إذ يعد أعضاء المستمرة ما يكن لحق انتفاع يخول لهم الاستغلال ،الإنتاج ،غير أنهم حائزون أصليون لحق الانتفاع مما يخول لهم رفع دعاوى الحيازة في حالة وقوع اعتداء من الغير فهم يحوزون لحساب الغير و هي الدولة مالكة الرقبة .
المبحث الثالث : قواعد دعاوى الحيازة .
إذا كانت دعاوى الحيازة تحمي الحيازة في ذاتها و لا يطلب من الحائز في مباشرته لهذه الدعاوى أن يثبت الملكية التي تكون محلا لدعوى الملكية المتميزة على خلاف دعوى الحيازة بإجراءات طويلة و معقدة و بطرق إثبات تزيد كثيرا في الصعوبة و العسر على طرق إثبات الحيازة ،إذ نخلص من نص المادة 822 ق م (*)أنه يكفي في إثبات الحيازة مبدئيا –إثبات العنصر الأول وهو الحيازة المادية التي تثبت بكل طرق الإثبات كونها واقعة مادية ،و على مدعي الحيازة إثبات خلوها من العيوب ،فإذا ظهر أنها حيازة معيبة فإنها لا تصلح أن تكون قرينة على وجود الحيازة القانونية ،أما عن إثبات الملكية فنخلص من نص المادة 823 ق م (*) أن القانون قد أقام قرينة قانونية و جعل من حيازة الحق قرينة على الملكية ،و يشترط في الحيازة أن تكون صحيحة خالية من العيوب ،إذ تفضل في إثبات الملكية الحيازة المستوفية الشروط القانونية على الحيازة غير المستوفية الشروط ،و ذلك في الحالة التي لا يكون فيها لدى الحائز و خصمه دليل آخر للإثبات غير الحيازة(1) و مثال ذلك أن يكون المدعى عليه حائزا و المدعي يتمسك لإثبات الملكية بالحيازة فيحكم القاضي بالملكية للذي تكون حيازته مستوفية للشروط القانونية .
و الحيازة إذا كانت قرينة على الملكية فهي قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس و يكفي الحائز أن يتمسك بحيازته و على مدعي الحق أن يقدم دليلا أقوى من دليل الحيازة (*)أما إذا كان الدليل الذي استند إليه المدعي غير قاطع(*) فيرفض القاضي دعوى المدعي .
و على القاضي في جميع الحالات أن يقدر قيمة الدليل الذي يقدمه المدعي ،فإذا كان أقوى من الدليل المستمد من الحيازة حكم للمدعي بالحق الذي يدعيه و إذا قدّر أن الدليل المستمد من الحيازة هو الأقوى حكم برفض دعوى الاستحقاق .
و عليه فإن دعاوى الحيازة هي حماية يمنحها القانون للحائز الذي يكون من مصلحته و لو كان مالكا أن يرفع دعوى الحيازة بدلا من دعوى الملكية ،إذ أن إثبات الملكية أمر صعب و شاق بينما تكفي الحيازة المادية لرفع دعاوى الحيازة أحيانا و هي تتيح للحائز المحافظة على الوضع الراهن و هذا لا يمنعه إن كان مالكا للحق أن يرفع بعد ذلك دعوى الاستحقاق ،إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هناك قاعدتين لابد للقاضي و المدعي و المدعى عليه من مراعاتهما و هما يقضيان بأنه لا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية من جهة و عدم حجية حكم الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية من جهة أخرى .
و على هذا قسمنا هذا المبحث إلى المطلبين التاليين :
المطلب الأول : قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية:
– إن هذه القاعدة تطرح نطاق حماية الحيازة،إذ يجب أن تمنح هذه الحماية في هلته الحدود و تبعا لذلك يبقى سؤالا مطروحا حول ما إذا تم رفع دعوى الحيازة فما أثر ذلك على الملكية ؟
و هل يحق للحائز رفع كلا من الدعويين في آن واحد ؟
و إذا تم رفع دعوى الملكية فما أثر ذلك على دعوى الحيازة ؟
و هل يحق للحائز من أجل حماية الحيازة الاستناد للملكية ؟
و كذلك ينبغي التساؤل عن من يتقيد بهذه القاعدة فهل ينصرف نطاقها للمدعي فقط أم يمتد للمدعى عليه ؟ (1)
أولا : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية تلزم المدعي :
تنص المادة 418ق إ م على أنه :«لا تقبل دعوى الحيازة ممن سلك طريق دعوى الملكية»
و نخلص من النص أنه لا يجوز أن يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها و بين المطالبة بالحق و إلا يسقط ادعاءه بالحيازة .
و علة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية هو اختيار الطريق الصعب لحماية الحيازة و هو المطالبة بأصل الحق ،يعد من جانب الحائز نزولا ضمنيا عن سلوك الطريق السهل و هو طريق دعوى الحيازة (1)
و يمكن تصور الجمع بين الدعويين في ثلاث صور على النحو التالي :
الصورة الأولـى : يرفع المدعي دعوى الحيازة و يستند لأصل الحق :
– لكي تتحقق هذه الصورة يلجأ المدعي لرفع دعوى الحيازة و يؤسسها على أصل
الحق ،كأن يرفع دعوى الحيازة و يستند من أجل إثبات وجودها لأسباب الملكية ،كما إذا رفع دعوى استرداد الحيازة و يستند في تبرير دعواه للملكية على اعتبار أن العقار الذي يحوزه يعود إليه عن طريق شراء بموجب عقد معين – هبة أو وصية أو حيازة دام 15 سنة – فيكون المدعي هنا قد جمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية مما يترتب عليه سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب على القاضي الفصل فيها (2)
و تجدر الملاحظة هنا أنه يجب عدم الخلط بين إذا كان يهدف المدعي لحماية الحيازة في ذاتها و حينئذ يتعين على المحكمة التحقق فقط من توافر أركان الحيازة و لا يطلب من المدعي سوى إثبات الركن المادي و من ثمة تقوم قرينة توافر الركن المعنوي
و في هذه الحالة يجب على القاضي حماية الحيازة لذاتها بصرف النظر إذا كان المدعي مالك أو غير مالك ،و بين إذا كان الحائز يستندللحيازة باعتبارها سببا لكسب الملكية ، هنا يترتب سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب الفصل فيها .
– و تكييف الدعوى إذا كانت دعوى حيازة أم ملكية مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا
الصورة الثانيـة : يرفع المدعي دعوى الحيازة ثم يرفع دعوى الملكية :
ففي هذه الصورة يلجأ المدعي لرفع دعوى الحيازة و قبل الفصل فيها يبادر برفع دعوى الملكية ،و هنا يعد رفع دعوى الملكية نزولا عن دعوى الحيازة فيقضى بعدم قبول دعوى الحيازة بالرغم من أنها قد رفعت قبل رفع دعوى الملكية و الفصل في دعوى الملكية (1)
مع ملاحظة أنه سواء رفعها أمام المحكمة التي تنظر دعوى الحيازة أم رفعها أمام محكمة أخرى فالجمع قد وقع(2).
الصورة الثالثـة : يرفع المدعي دعوى الملكية ثم يرفع دعوى الحيازة :
إذارفع المدعي دعوى الملكية و قبل الفصل فيها بادر برفع دعوى الحيازة ،أو رفع هذه الأخيرة بعد الفصل في الدعوى الأولى ،كل هذه تعتبر جمع يؤدي لعدم قبول دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب الفصل فيها .
و قد قضي في هذا المجال : (3)« و حيث أن ما يعيبه الطاعن على القرار
المطعون فيه في محله ،و ذلك أن قضاة المجلس اعتبروا هذه الدعوى الأخيرة ،هي دعوى الحيازة و فصلوا فيها على هذا الأساس ،في حين المطعون عليهم قد سبق لهم أن رفعوا دعوى الملكية ،مما يعد ذلك جمعا بين دعوى الملكية و دعوى الحيازة يترتب عليه سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية و بالتالي كان يجب على قضاة الموضوع أن يفصلوا في النزاع على أساس دعوى الملكية و ليس على أساس دعوى الحيازة التي سقطت نتيجة الجمع بينهما ،و لما فصل قضاة الموضوع على هذا الأساس ،فقد عرّضوا بذلك قضاءهم للبطلان… »
و يلاحظ أن شرط حظر الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية أن يكون التعرض للحيازة قد حصل قبل رفع دعوى الملكية ،أما إذا حصل التعرض بعد رفع دعوى لملكية ينتفي الحظر و يجوز رفع دعوى الحيازة بعد رفع دعوى الملكية(4)
ثانيـــا: قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية تلزم المدعى عليه:
تنص المادة 419 ق.ا.م: “لا يجوز للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يطالب بالملكية إلا بعد الفصل نهائيا في دعوى الحيازة، فإذا خسرها فلا يجوز له أن يطالب بالملكية إلا بعد أن يكون قد ا ستكمل تنفيذ الأحكام الصادرة ضده.
ومع ذلك إذا كان تأخير التفنيد راجعا إلى فعل المحكوم فانه يجوز للقاضي أن يحدد للتفنيد ميعادا ويقبل دعوى الملكية بعد انقضاء هذا الميعاد”.
وتظهر أثار قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية بالنسبة للمدعى عليه من ناحيتين:
الناحية الأولى : عدم جواز دفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق :
و ذلك أنه إذا رفعت عليه دعوى الحيازة فإنه يجوز له أن يدفع هذه الدعوى بدفع مستمد من الحيازة ذاتها فيقول مثلا : بأن الحيازة غير ثابتة للمدعي ،أو بأنها لا تتوفر فيها الشروط القانونية ،أو بغير ذلك من الدفوع التي ترجع إلى الحيازة لا إلى الملكية ،لكن لا يجوز له دفع هذه الدعوى بأن ينكر على المدعي حيازته بدعوى أنه هو المالك لأن في هذا الدفع جمعا بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية (1)
الناحية الثانية : عدم جواز رفع دعوى الملكية قبل الفصل في دعوى الحيازة و تنفيذ حكمها :
و نخلص من نص المادة 419ق إ م السابقة الذكر –إلى أنه إذا رفعت على المدعى عليه دعوى الحيازة ،فإنه لا يستطيع قبل الفصل في هذه الدعوى و تنفيذ الحكم الصادر فيها أن يرفع دعوى الملكية على المدعي في دعوى الحيازة ،بل تجب أن ينتظر صدور الحكم في دعوى الحيازة و يقوم بتنفيذه أولا .
و قد قصد المشروع من ذلك معاقبته على اغتصابه الحيازة،فالمغتصب يجب عليه أن يرد ما استولى عليه أولا حتى ولو كان هو المالك ،أما إذا رفع دعوى الملكية قبل ذلك فإنها لا تكون مقبولة .
و يسري الحكم السالف إذا كانت الدعوى المرفوعة هي دعوى الحيازة ،أما إذا كانت الدعوى المرفوعة هي دعوى الملكية فإن المدعى عليه فيها يستطيع قبل الفصل فيها رفع دعوى الحيازة سواء كان سبب دعوى الحيازة سابقا أو لاحقا على رفع دعوى الملكية ،و هذا بخلاف المدعي في دعوى الملكية فإنه لا يستطيع رفع دعوى الحيازة إلا إذا كان سبب هذه الدعوى لاحقا لرفع دعوى الملكية .
و ترجع العلة في التفريق في دعوى الملكية ما بين المدعي و المدعى عليه في هذا الصدد أن المدعي هو الذي رفع دعوى الملكية باختياره فيعد ذلك نزولا حتميا منه عن دعوى الحيازة بخلاف المدعى عليه فهو لم يرفع دعوى الملكية بل رفعها عليه المدعي فلا يجوز أن يحرمه المدعي بفعله من حقه في رفع دعوى الحيازة(1)
ثالثـــا : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية تلزم القاضي :
تنص المادة 415 من ق ا م : « إذا أنكرت الحيازة أو أنكر التعرض لها فإن التحقيق الذي يؤمر به في هذا الخصوص لا يجوز أن يمس أصل الحق »
كما تنص المادة 416 من ق ا م : « لا تجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في الملكية »
و يخلص من هاته المواد أنه يمنع على القاضي التعرض لأصل الحق محل الحيازة ،و هذا المنع تقتضيه القواعد العامة لأن دعوى الحيازة تختلف عن دعوى الملكية من حيث السبب و الموضوع ،فدعوى الحيازة يرفعها الحائز لحماية حيازته بصرف النظر عن ثبوت حقه في الملكية،و تظهر آثار القاعدة بالنسبة للقاضي من جانبين :
الناحية الأولى :
أن القاضي لا يستطيع أن يبني الحكم في دعوى الحيازة على أسباب مستمدة من موضوع الحق ،على أساس ثبوت الحق أو نفيه بل يجب عليه أن يبني الحكم على أسباب مستمدة من الحيازة ذاتها .
و يعتبر جمعا غير جائز بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية أن يقضي بقبول دعوى الحيازة تأسيسا على ملكية المدعي للعقار محل النزاع أو على استخلاص الحيازة من سند الملكية أو على أساس القضاء له بالملكية بمقتضى حكم سابق ،أو يقضي برفض دعوى الحيازة المستوفية لشروطها القانونية تأسيسا على أن المدعى عليه كان يستعمل حقا ثابتا له، أو أنه لم يلحق المدعي أي ضرر من تعرضه (2)
و لا يعتبر جمعا بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية فحص مستندات الملكية على سبيل الاستئناس و بالقدر الذي يقتضيه التحقق من توافر شروط الحيازة و التعرف على طبيعتها أو التحري إذا العقار ملك عام أو خاص ،أو الحكم بالتعويض في دعوى الحيازة بسبب الضرر الذي أصاب الحائز من جراء التعرض أو الاغتصاب و ليس الحرمان من الانتفاع بالملكية .
و قد قضي في هذا المجال : « إذا كان القانون أجاز لمن تعرض للمدعي في حيازته لعقار أن يرفع الدعوى على من صدر عنه فعل الاستيلاء ،فإنه في ذات الوقت قد أخضع هذه الدعوى لأحكام تحول و الفصل في الملكية .،فإن القضاة الذين هم بصدد الفصل في طلب يرمي الى طرد من عقار استحوذ عليه بقوة ،يرفضون الدعوى لعدم تقديم الطالب عقد الملكية ،يكونوا بقضائهم كما فعلوا أساءوا تطبيق القانون »(1)
كما قضي أيضا : « من المقرر قانونا أنه لا يجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في دعوى الملكية ، و لما كان الثابت في قضية الحال –أن القرار المطعون فيه المؤيد للحكم المستأنف بصفة ضمنية يفيد أن قضاة الموضوع فصلوا في أصل النزاع و أثبتوا الملكية للمدعي و ابنه بقولهم أن القطعة الأرضية المتنازع عليها تعود ملكيتها لوارث المدعي بينما الدعوى المقامة هي دعوى حيازية مما يجعلهم قد خرقوا القانون »(2)
كما قضي : « من المقرر قانونا أنه لا يجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في أصل الحق .
و لما كان الثابت في قضية الحال – أن موضوع دعوى الطاعن تتعلق بإعادة الجزء المغتصب من الأرض التي يحوزها – فإن قضاة الاستئناف بإبطالهم للخبرة التي أثبتت وقوع الاعتداء على أساس عقد بيع باطل الذي لم يكن قط محل جدال يكونوا قد تعرضوا للملكية خارقين بذلك القانون »(3)
كما قضي : « من المقرر قانونا بأنه لا تجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في الملكية .
و متى كان الثابت –في قضية الحال – أن قضاة الموضوع لما ألزموا الطاعنين بإثبات صفتهم كمالكين مع أن العارية يمكن إثباتها بكل الوسائل القانونية و لا تستلزم أن يكون المعير مالكا للعين المعارة ،فانهم يكونون قد تطرقوا لدعوى الملكية و بالتالي فإنهم أخطئوا في تطبيق القانون و عرضوا القرار للنقض» (1)
كما قضي : « من المقرر قانونا أن قضاة الموضوع مقيدين بموضوع الدعوى الأصلية فلا يجوز الفصل في دعوى الملكية إذا كانت الدعوى الأصلية هي دعوى الحيازة ،و من تم فإن القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد خرفا للقانون .
و لما كان من الثابت – في قضية الحال – أن قضاة الموضوع فصلوا في الملكية بإثبات حالة الشيوع في الأرض موضوع النزاع في حين أن دعوى الطاعنين كانت دعوى منع التعرض للحيازة ،فإنهم بقضائهم هذا خرقوا أحكام المادتين 415 و 416 من ق ا م اللتين لا يجوز معهما النظر في دعوى الملكية إذا كانت الدعوى الأصلية هي دعوى الحيازة »(2)
الناحية الثانية : أن القاضي لا يستطيع في منطوق دعوى الحيازة أن يمس موضوع الحق :
فيعتبر جمعا غير جائز بين دعوى الحيازة و دعوى المكية جعل الحيازة متوقفة على الملكية بأن يقضي بوقف الفصل في دعوى الحيازة لحين صدور الحكم في دعوى الملكية .
و في الأخير يجدر بنا التساؤل عن طبيعة الدفع الناشئ عن الجمع بين الدعويين؟
إذا قام القاضي بالجمع بين الدعويين يترتب على ذلك و بطبيعة الحال بطلان الحكم الصادر و هو البطلان الذي يتعلق بالنظام العام يجب على جهة الاستئناف أو الطعن الحكم به من تلقاء نفسها .
و إذا قام المدعى عليه بالجمع بين الدعويين فيجب على المحكمة أن تصرح بعدم قبول الدفوع فإذا انساقت لمناقشة دفوع المدعى عليه من حيث ثبوتها فإنها تكون بذلك قد جمعت بين الدعويين يؤذي ذلك إلى بطلان حكمها
و إذا قام المدعي بالجمع بين الدعويين في أية صورة من الصور التي سبق ذكرها يترتب على ذلك سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب على المحكمة أن تفصل فيها ،و بمأن قاعدة عدم الجمع بين الدعويين العرض منها هو تحقيق الصالح العام المتمثل في السير الحسن للعدالة ، فتبعا لذلك يجب على المحكمة أن تصّرح تلقائيا بعدم قبول دعوى الحيازة (1)
المطلب الثاني : عدم حجية الحكم الصادر في دعوى الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية
قبل أن نفصل في عنوان مطلبنا ،وجب أن نتكلم عن القاعدة التي تحكم حجية الأحكام بصفة عامة ، والتي لا تخرج عن أحكامها حجية الحكم الصادر في الدعاوى الحيازة .
ولا يكون لأي حكم حجية الأمر المقضي به إلا إذا توافر في الحق المدعى به شروط ثلاثة ، اتحاد الخصوم والمحل أو الموضوع والسبب وهذا ما ورد في نص م 338 ق م : ” الأحكام التي حازت قوة الشيء المقضي به تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول أي دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجة الا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم ، دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بحقوق لها نفس المحل والسبب “*
وفي قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 03/02/1999 في ملف رقم 174416 الذي اعتمد
في فصله على المادة سابقة الذكر كمبدأ .
” من الثابت في قضية الحال أن المطعون ضده هو أبن المدعى الأصلي في الدعوى التي انتهت بصدور القرار المضمون فيه أي يعد خلفا عاما . وبالتالي فهذا يحل محل سلفه
وبذلك فإن حجية الأحكام تمتد إليه والقول بأنه شخص أخر يختلف عن المدعي الأصلي يشكل خطأ في تطبيق أحكام المادة 338 ق م ويعرض القرار للنقض ”
* واتحاد الخصوم : يظهر في أن الحكم الصادر في دعوى حجة على الخصوم أنفسهم ، فالحكم كالعقد لا يسري إلا في حق من كان طرفا فيه .ولا يمتد هذا الأثر إلى الغير .
و إتحاد الخصوم هو الإتحاد قانونا لا طبيعة فخلف الخصوم يكون للحكم حجة عليهم ولا مجال للحديث عن هذا الشرط لأن الدعويين الحيازة والملكية تتحدان في الخصوم عموما .
* إتحاد المحل : – الموضوع – ولا يكون حجية الأمر المقضي به إلا بالنسبة إلى المحل ذاته الذي سبق طلبه في الدعوى التي صدر فيها الحكم ، فإن رفعت دعوى جديدة بهذا المحل ذاته ، أمكن دفعها بحجة الأمر المقضي به .
ووحدة المحل تبقى قائمة أيا كانت التغييرات التي تصيب هذا المحل بعد ذلك من نقص أو زيادة ، والقاعدة في معرفة ما إذا كان محل الدعوتين متحدا ،أن يتحقق القاضي من أن قضاء في الدعوى الجديدة لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للحكم السابق فلا تكون هناك فائدة منه أو أن يكون مناقضا له فيقر حقا ، أنكره الحكم الأول (1) وهذا التحليل يقترب من أخر (2) يرى أن موضوع الدعويين يكون متحدا ، إذا كان الحكم الصادر في دعوى الثانية منا قضا للحكم السابق وذلك بإقراره حق أنكره هذا الحكم ،او بإنكار حق أقره فيتناقض مع الحكم الأول(3)
* اتحاد السبب : والسبب هو المصدر القانوني للحق المدعى به أو المنفعة القانونية المدعاة ، وهو لا يعدو أن يكون الواقعة المراد إثباتها ، واقعة مادية أو تصرفا قانونيا .
وإذا كان تعدد السبب يمنع من التمسك بحجية الشيء المقتضي به ، فمن باب أولى ، أن يكون تعدد كل من السبب والمحل مانعا من التمسك بهذه الحجية .
ويترتب على ذلك أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يكون حجة في دعوى الملكية فهي الدعوى الأولى المحل هو الحيازة والسبب هو وضع اليد لمدة محدودة وفي الثانية المحل هو الملكية والسبب وضع اليد لمدة أطول أو سبب أخر من أسباب الملكية (4)
فليس للحكم الصادر في دعوى الحيازة حجية الشيء المقضي به بالنسبة لدعوى الملكية لاختلاف الدعويين ولا يعتبر الحكم الصادر في دعوى الملكية.متمتعا بحجية الشيء المقضي به بالنسبة لدعوى الحيازة .
ومنع المدعي في دعوى الملكية من اللجوء إلى دعوى الحيازة سببه حسب ما ذكر سابقا افتراض التنازل الضمني عن التمسك بدعوى الحيازة وإذا وقع التعرض أثناء سير دعوى الملكية ، جاز لمدعيها أن يلجأ إلى دعوى الحيازة حتى مع قيام دعوى الملكية
وإذا كان قد حكم لصالح المدعي في دعوى الملكية فإن ذلك لا يمنع قاضي الحيازة من أن يحكم ضده بالمصروفات والتعويضات في دعوى منع التعرض المرفوعة ضده بسبب تعدية على المدعي في دعوى الحيازة ، إذا كان هذا التعدي سابقا على رفع دعوى الملك (1)
وتجدر الإشارة ونحن يصدد الحديث عن حجة حكم الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية إلى أن هناك من ربط هدا الموضوع بما إذا كانت الحيازة قرينة أو سببا للملكية – فيرون بأن القول بأن الحكم الصادر في دعوى الحيازة المرفوعة من خصم الجائز إذا قضي برفضها ،لا يعد حجة بالملكية لصالح الحائز وعلى هذا تكون قرينة قانونية ،غير سليم . ويقولون ردا على هذا أن موضوع الدعوى هنا بحث ملكية الخصم لا ملكية الحائز ومن ثم فلا يكون لهذا الحكم حجية بالملكية لصالح الحائز لأن حجة الحكم تثبت للمنطوق والأسباب المرتبطة به والقضاء برفض الدعوى لم يرد فيه القضاء بالملكية للحائز و إنما كان القضاء برفض دعوى خصم الحائز و هذا الرفض لا يعني أنه بحث ملكية الحائز. ومن ثم فلا حجة بملكية الحائز .وهدا يدل على أن الحيازة ليست قرينة على الملكية و ذلك أن القرينة ليست إلا دليلا من الأدلة و لو كان الحكم صدر بناءا على هذه القرينة لكان له حجية فيما تدل عليه هذه القرينة و هو الملكية و لكن المشروع يفترض أن الحائز هو صاحب الحق طبقا للوضع الظاهر .
و لكن لما كانت الحيازة قد لا تستند إلى حق فمن هنا احتاج المشرع في الإثبات إلى وضع قرينة تجعل الحائز صاحب الحق حتى يقوم الدليل على عكس ذلك * (1)
و جملة القرار أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا تكون له حجية أمام المحكمة التي تنظر في دعوى الملكية أو النزاع على أصل الحق لأنه لا يقوم على أسباب تتعلق بأصل الحق و من تم فلا يحوز حجية الشيء المقضي به بالنسبة لذلك الحق بمعنى آخر فإن موقف القاضي الفاصل في الحيازة بالنسبة لأصل الحق مثل : قاضي الأمر المستعجلة بالنسبة لحقوق الخصوم الموضوعية فكلاهما ممنوع من التعرض لأصل الحق و من بناء حكمه على أسباب تتعلق به.
كما أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة يقوم على وقائع قابلة للتغيير و التعديل فهو يجوز حجية مؤقتة و يجوز لمن أصدره العدول عنه إذا تغيرت الظروف كما لا تتقيد به المحكمة التي يعرض عليها .
النزاع على أصل الحق (1) و هو ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 22/11/2000 ملف 203573 مجلة 2/2002 ص 392 حين قالت : « إن تعلق النزاع بدعوى منع التعرض في الحيازة فإن أعمال قاعدة حجيه الشيء المضي فيه غير مبرر مادام أن القانون خول حق حماية حيازته عند كل تعرض تجدد بعد انتهاء التعرض السابق »
و كاستثناء يترتب على الحكم الصادر في دعاوى الحيازة أثران بالنسبة لدعوى الملكية
الأثر الأول :
في حالة حصول الخصم على حكم من القاضي الفاصل في دعوى الحيازة بأنه الحائز فإن هذا الحكم تكون له حجية في ثبوت الحيازة له و يجعله في مركز المدعى عليه في دعوى المكية كما أنه لا يلتزم إذا كان حسن النية برد الثمار إلا ن وقت رفع دعوى الملكية .
الأثر الثاني :
أنه إذا فصل القاضي الفاصل في دعوى الحيازة ، في دعوى الملكية بالرغم من عدم اختصاصه بها في الدعوى المعروضة و لم يكن هناك طريق مفتوح في هذا الحكم فلا مناص من أن يجوز قوة الأمر المقضي به (2)
و نحن لا نرى أن الأثر الثاني استثناء عن قاعدة حجية حكم الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية لأن القاضي إن فصل في أصل الحق مباشرة أي الملكية و أصبح حكمه غير قابل للطعن فلا يكون قد تطرق للحيازة أصلا أو فصل فيها حتى يكون أو لا يكون لحكمها حجية .
الفصل الثاني : انواع دعاوي الحيازة
الحيازة كما جاء بالمذكرة، سيطرة فعلية على شيء أو حق و هي وسيلة لإثبات الملكية خلص إليها المشرع بقرينتين.جعل في الأولى الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية، وجعل في الثانية الحيازة القانونية قرينة على الملكية (1) ولأن الحائز للمال في الكثرة الغالبة هو المالك، يفترض القانون مبدئيا أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق الحيازة (2)
وهو الأساس القانوني لحماية الحيازة عند اهرنج، أما الأساس القانوني لحماية الحيازة عند سافيني فهو المحافظة على الأمن العام و السكينة العامة في المجتمع فلا يجوز اغتصاب الحيازة أو التعدي عليها ولو من قبل المالك الأصلي .
إذ لا يجوز للفرد اقتضاء حقه بنفسه.و بحماية الحيازة الفعلية دون النظر إلى الحق الذي تستند إليه،نستطيع وضع حد لأعمال العنف التي تؤدي إلى اضطراب الأمن العام و إلى جانب هذا كله فمن العدل حماية الحائز إذ يرجع إليه الفضل في جعل الشيء المجاز قابلا للانتفاع(3) .
وبغض النظر عن الأساس القانوني لهذه الحماية، فهي اثر من أثار الحيازة غير أن هذا الأثر ليس نتيجة حتمية لكل حيازة، بل تختلف حسب الحيازة ذاتها إن كانت صحيحة أو معيبة وكذلك تختلف بالنظر إلى شخص الحائز، أيحوز لحساب نفسه أو غيره بل وحتى حسب طبيعة العقار المجاز نفسه.
وقد وضع المشرع لحماية الحيازة ثلاث دعاوى:
الأولى : تحمي الحائز الذي انتزعت منه الحيازة عنوة أو خلسة .
الثانية: تحمي الحائز الذي تعرضت حيازته للاعتداء أو التهديد.
الثالثة : تحمي الحائز الذي توشك حيازته أن تتعرض للاعتداء من جراء أعمال بدأت ولم تتم
وهذه الدعاوى، تحمي الحيازة في ذاتها بصرف النظرعما إذا كانت تستند إلى حق قائم قانونا، أولا تستند إلى ذلك . ومن ثم فرافع هذه الدعاوى، لا يطلب منه إثبات انه صاحب الحق الذي
يحوزه ، وإنما يكتفي بإثبات حيازته لهذا الحق، بمباشرته للأعمال الداخلة في مضمونه على أساس اعتباره صاحبه، ولذلك فالمدعى عليه في هذه الدعاوى لا يستطيع دفعها بالاستناد إلى الحق ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة ، وتنفيذ الحكم الصادر فيها، ما لم يتخلى عن الحيازة لخصمه.كما يجوز الحكم في هذه الدعاوى استنادا إلى ثبوت الحق أو عدم ثبوته للحائز(1) .
والدعاوى المذكورة أعلاه تحمل طابع الاستعجال إما تنسم به إجراءاتها من بساطة وعدم مساس بأصل الحق خلافا لدعاوى الملكية .
ولابد قبل، أن نتطرق لدعاوى الحيازة مفصلة في ظل قانوننا الحالي- أن نعود إلى المصدر التاريخي لهذه الدعاوى التي كانت تعرف بدعاوى اليد (2) .
وقد عرف الفقهاء الرومان نوعين من دعاوى اليد. نوع يرمي إلى حماية حائز العقار وآخر يرمي إلى حماية حائز المنقول.
وكان القانون الروماني يشترط أن تكون اليد فيهما ظاهرة، مستمرة، واضحة.
وكان بإمكان الحائز آنذاك رفع دعاوى استرداد الحيازة .وهي على عدة أنواع :
دعوى استيراد الحيازة إذا سلبت بالقوة.
دعوى استيراد الحيازة إذا انتقلت إلى يد الغير دون رضى الحائز.
دعوى استرداد الحيازة من يد الحائز العرضي.
بالإضافة إلى أن هناك إجراءات غير قضائية ترمي إلى إيقاف كل عمل جديد ضار بحقوق الحائز مهما كان سبب وضع يده . ولكن هذه الإجراءات لم تكن فعالة مما يضطر الحائز لرفع دعوى الملكية.
ولم تكن دعاوى السيد فيس ظل القانون الروماني كافية لضمان حماية الحائز فكان غالبا م يلجا لدعاوى الملكية (3).
وقد لعب التشريع الكنسي الفرنسي دورا هاما في تطوير الأسس الحالية لدعوى استرداد الحيازة . وهي من ارسخ دعاوى اليد قدما وكانت بداية ترمي إلى حماية حقوق الاساقفة التي كانت تصادر عندما يساقون للمحاكمة.فكانت هذه الدعاوى ضمانة لإعادة أموالهم قبل أن يفصل القضاء في أمرهم من أية يد حتى ولو كان حسن النية.ثم اخذ قانون الدعاوى يتسع حتى صار لكل من سلبت حيازته بطريق غير مشروع حق استردادها من الغاصب وان كان المالك .
إذ ليس للمالك أن يتخذ الغصب سبيلا لاستيراد حقه بل وجب عليه اللجوء إلى رفع دعوى الملك ليسترد حقه. ثم أحكمت صياغة هذه الدعوى بتشريع كنسي صدر عام 1215.
وفي عهد لويس التاسع 1236 أدمجت هذه الدعوى في القانون المدني ووضعت القواعد التي تقوم عليها دعوى منع التعرض، التي ترمي إلى حماية صاحب اليد الذي مضى على يده سنة ويوم كامل – وهي قاعدة مستمرة من التشريعات الجرمانية – أما دعوى وقف الأعمال الجديدة فظلمت كما كانت في القانون الروماني ثم اختلطت بدعوى منع التعرض وكسبت الطابع القضائي.
وفي التشريع الفرنسي الحديث صدرت التشريعات الحديثة في دعاوى اليد في قانون الإجراءات المدنية في نصوص موجزة على غرار الحيازة وصفاتها و أثارها التي ضمها للقانون المدني من المادة 2228 إلى المادة 2205 ق م فرنسي.
وهو الأمر تجنبه المشرع المصري حين جمع بين الحيازة و دعاويها في فصل واحد من القانون المدني من المادة 949 إلى المادة 975 ق م مصري(*) .
في حين ذهب المشرع الجزائري مذهب المشرع الفرنسي حين فصل موضوع الحيازة عن دعاويها فوضع الأول في القانون المدني من المادة 808 إلى 826 ت م ووضع الدعاوى في قانون الإجراءات المدنية من المادة 413- 419 ق إ م إلا أن فصله لم يكن تاما إذ تحدث عن الدعاوى في القانون المدني أيضا.
وتلحق عموما دعاوى الحيازة بالدعاوى العينية العقارية إذ تسمح لصاحبها بتتبع العقار في أية يد تحوزه لاستعادته منها.
وسنحاول أن نفصل فيما يأتي في دعاوى الحيازة الثلاث :
دعوى استرداد الحيازة – دعوى منع التعرض – الحيازة- دعوى وقف الأعمال الجديدة في الحيازة بعرض أشخاص كل منها – من مدعي ومدعي عليه موضوعها وسببها.
المبحث الأول : دعوى استرداد الحيازة
إن حماية الحيازة هو الأسلوب الطبيعي الذي تتحقق من خلاله ضمانات تحقيق العدالة، وتأكيد الاستقرار الكافي للمراكز القانونية.ودعوى الاسترداد على غرار باقي الدعاوى يظهر فيها جليا هذا الدور، لما تتميز به غيرها من الدعاوى.ولزاما علينا قبل أن نفصل في هذه الدعوىان نحدد الإطار القانوني لها.وقد فرق المشرع الجزائري أحكامها بين :
المادة 817 إلى 819 ق مدني و المادة 413 و414 ق إجراءات مدنية ونخلص من هذه النصوص أن :
دعوى الاسترداد هي الدعوى التي يرفعها لا الحائز للعقار وان كان بالنيابة عن غيره، ضد من انتزع منه الحيازة أو من خلفه وان كان حسن النية خلال سنة من وقت فقد الحيازة أو العلم بفقدها(1) يطلب فيها استرداد حيازة العقار التي سلبها منه بالقوة أو الغصب.
ولذلك فان أساس هذه الدعوى،حماية النظام العام باعتبار انه يجب على كل مغتصب للحيازة،أن يرد ما استولى عليه حتى و لو كان المالك ، إذ لا يجوز للأفراد اقتضاء حقوقهم بأنفسهم .
والفرق بينها وبين الدعويين-منع التعرض ووقف الأعمال الجديدة – أنها تحمي الحيازة ولو كانت عرضية وحتى ولو لم تستمر سنة واحدة ، بل ولو استمرت يوما واحدا إذا اغتصبت بالقوة (2) وربما هي المميزات التي أثارت نقاشا ولبسا حول التكييف القانوني لهذه الدعوى . ودعوى الاسترداد في القانون الجزائري على غرار القانون المصري، تتراوح بين أن تكون وضعت جزاء لعمل غير مشروع –هو انتزاع الحيازة- فهي بذلك دعوى مسؤولية ، وبين أن تكون دعوى وضعت لحماية الحيازة فتكون دعوى من دعاوى الحيازة (3) .
وهي دعوى مسؤولية لأنها :
– ترد الحيازة للحائز العرض الذي لا يجوز لحساب نفسه بل لحساب غيره، وتكفي السيطرة المادية. وكذلك ترد للحائز على سبيل التسامح .
– ترفع وان لم تدم الحيازة سنة كاملة أي لم تستقر استقرارا كافيا رغم اكتمال عنصريها
وهي دعوى من دعاوى الحيازة (عينية) لأنها:
– لا ترد الحيازة إلا إذا استمرت سنة أو انتزعت بالقوة وبذلك فهي تحمي الحيازة المستقرة
– لا ترد الحيازة إذا لم تدم سنة وكان المنتزع له حيازة أحق بالتفضيل. فهي تفاضل بين حيازة وأخرى .
– ترد الحيازة من أي شخص انتقلت إليه وإن كان حسن النية.
وهذا بخلاف القانون الفرنسي الذي يرى أن دعوى الاسترداد اقرب إلى أن تكون شخصية من دعاوى المسؤولية وضعت جزاءا لعمل غير مشروع من أن تكون عينية(1) في حين هذا النقاش وكما يقول البعض (2) لم يعد له جدوى في فرنسا بعد صور قانون 9 جويلية 75 بحيث أصبحت بموجبه جميع دعاوى الحيازة ممنوحة للحائز الأصلي و العرضي على حد السواء وهو موقف جدير بالملاحظة و التحليل(*)
وتحديد طبيعة الدعوى ينعكس بالضرورة على تحديد الاختصاص ولهذا وجب أن نتطرق إليه. بداية بالاختصاص المحلي،الذي يعود في جميع دعاوى الحيازة إلى المحكمة التي يقع في دائرتها العقار موضوع النزاع طبق لنص م 8/3 ق/م ” في الدعاوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار أو دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ”
على أساس أن يد الحائز تختلط بيد المالك .وهذه الدعوى تحمي العقارات بالطبيعة
و التخصيص بما فيها التابعة للدولة(*)
أما الاختصاص النوعي، فلم يرد في القانون أي تخصيص لهذه الدعوى أو غيرها خاضعة للقاعدة العامة طبقا لنص م 1 ق/م(1) (*) ومع هذا فيجوز حماية الحيازة حماية وقتية في حالة توفر عنصرا للاستعجال . فإذا عرض النزاع على قاضي الأمور المستعجلة وجب عليه التأكد من توافر أوجه الاستعجال مع شروط دعوى الاسترداد. أخدا من ظاهر المستندات فإذا ظهر له توافر الشروط قضى برد الحيازة المغتصبة بإجراء وقتي لرد العدوان.أما إذا ظهر له تخلف وجه من أوجه الاستعجال أو أثيرت منازعة بشان شرط من الشروط ولم يستطيع القاضي ترجيع احد القوانين من ظاهرة المستندات واحتاج إلى بحث موضوعي كتعيين خبير أو التحقيق تعين التصريح بعدم الاختصاص(2)
كما يمكن أن يكون المال المتنازع عليه محل حماية مؤقتة إلى حين الفصل في موضوع دعوى الاسترداد وهو ما تؤكده المادة 417 ق إ م.” إذا إدعى كل من المدعي و المدعى عليه الحيازة وقدم كل منهما دليلا على حيازته فيجوز للقاضي إما لن يقيم حارسا قضائيا أو أن يسند حراسة المال المتنازل عليه إلى أحد أطراف الخصومة مع إلزامه عند الاقتضاء بتقديم حساب عن الثمار(3) .
وسنحاول فيما يأتي عرض أشخاص هذه الدعوى من مدعي و مدعى عليه، موضوعها وسببها.
المطلب الأول: أشخاص دعوى استرداد الحيازة :
نقصد بأشخاص الدعوى المدعي و المدعى عليه
1- المدعي : المدعي في دعوى استرداد الحيازة هو الحائز للعقار حيازة مادية حالية ومعنى كونها مادية أن يثبت المدعي في هذه الدعوى أن يده كانت متصلة بالعقار اتصالا فعليا، يجعله تحت تصرفه المباشر ومعنى حالية أي حال وقوع الغصب أي وقت الحيازة وهذا الحائز – المدعي- عليه أن يثبن أيضا أن حيازته هادئة ظاهرة ، لان الغرض من الدعوى المحافظة على النظام العام.فلا يتصور أن يحمي المشرع حائزا حصل حيازته بالقوة و العنف ويحتفظ بها كذلك . أيا كان نوع الإكراه الذي اكتسب به حيازته، ماديا أو أدبيا. وتصبح هادئة ، متى زال الإكراه . وهذه الحيازة الهادئة أما الظاهرة فتتحقق إذا أثبت الحائز أية يباشر انتفاعه بحيث يستطيع أن يراه من احتج في وجهه(1) وان حيازته استمرت سنة دون انقطاع قبل سلبها و استثناءا ، أجاز المشرع للحائز أن يرفع هذه الدعوى ولو لم تدم حيازته سنة في حالتين :
أ- إذا فقد حيازته بالقوة فهنا يجوز له أن يستردها ولو لم تدم حيازته إلا يوما واحدا و المراد بالقوة المستعملة لسلب الحيازة كل فعل يؤدي إلى منع الحيازة ولا فرق بين القوة المادية و المعنوية.
ويرى بعض الرأي (2) إن حيازة العقار لمدة سنة غير ضروري في هذه الدعوى و أن السلب يكون بالتعدي أو الإكراه . وهذا الرأي في نظرنا غير دقيق لأنه اكتفى في دراسته بنص المادة 413 من ق إ م ” الدعاوى الخاصة بالحيازة فيما عدا دعوى الاسترداد يجوز رفعها ممن كان حائز ……واستمرت حيازته سنة على الأقل ”
ونص المادة 414 ق إ م “يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة لعقار ….ممن اغتصب منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه وكان له……..”
في حين أن المادة الأولى استثنت هذه الدعوى لأن لها قواعد خاصة و المادة الثانية لا تفرق بين القوة والغصب بدقة في نصها العربي إذ استعملت مصطلح التعدي أو الإكراه .
وفي النص الفرنسي voie de fait ou violence)) وفي النص الفرنسي يظهر الفرق أوضح قليلا.
لأنه كان عليه أن يستقرأ المواد الواردة في القانون المدني أيضا و التي نراها أكثر دقة فالمادة 818 ق م :”إذا لم يكن من فقد الحيازة قد مضت على حيا زته سنة على فقدها فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا ممن لا يسترد إلى حيازة أحق بالتفضيل و الحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة القائمة على سند قانوني.فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سند اتهما كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ .
وللحائز في جميع الأحوال إذا فقد حيازته بالقوة أن يستردها خلال السنة التالية لفقدها ”
و المشرع هنا يبين أن الأصل في مدة الحيازة سنة،و يفرق بين الحيازة التي تسلب بالقوة و بدون قوة .
ب- إذا كان الحائز يستردها من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل كما ورد في المادة 818 ق م سابقة الذكر (*) (*)
وعلى المدعي، إما أن يثبت أنه تتوفر في حيازته أحكام القاعدة العامة أو احد الاستثنائين . وبإثباته لكل ما سبق يكون قد اثبت صفته في الدعوى. ولأن الحيازة واقعة مادية، فإن للحائز إثباتها بكل وسائل الإثبات من شهادة شهود وتحقيق و……….”
وليس ضروريا أن يكون المدعي في دعوى الاسترداد حائز أصيلا( وهو ما يميز هذه الدعوى عن غيرها ) أي حائزا لحساب نفسه فيجوز أن يكون الحائز العرضي أي لحساب غيره، مدعيا في هذه الدعوى. ويطالب باسترداد حيازته وهي رخصة منحها المشرع بنص م 817 فقرة 2 “ويجوز أيضا أن يسترد الحيازة من كان حائزا بالنيابة عن غيره”
والأصل في الحيازة أنها دخول المال في مكنة الحائز وتصرفه فيه تلك التصرفات المادية القابل لها ذلك المال في حين أن الحيازة العرضية سلطة فعلية يباشرها الشخص على شيء بمقتضى إذن من المالك أو صاحب الحق العيني وإما بترخيص من القانون أو القضاء
لحساب الحائز العرضي(*) إذن فالحيازة العرضية لا تكون أبدا مخالفة للقانون(*) فالمستأجر– الولي (حائز عرضي لأموال القاصر)- الحارس القضائي.حائزون عرضيون و الحائزون العرضون فريقان :
حائز عرضي ينزل من الأصيل منزلة التابع من المتبوع بحيث لا يتمتعو بأية حرية تصرف كالوالي و القيم و الوكيل طالما يعمل في حدود وكالته والمدير أو المفوض من قبل الشخص المعنوي.
وحائز عرضي يحوز لحساب غيره ولا يعد تابعا للحائز الأصيل.بل له قسط من حرية التصرف في حيازته : كصاحب حق لانتفاع-السكن-الاستعمال-الدائن المرتهن، رهنا حيازيا.فجميعهم يحوزون حيازة صحيحة لحق عيني يحوزونه لأنفسهم فليسوا بالعرضيين بالنسبة لهذا الحق بل أصليون و لكنهم عرضيون بالنسبة لحق الملكية فصاحب حق الانتفاع حائز عرضي لأن سنده نفسه يعترف بحق صاحب الرقبة.لكنه ليس عرضيا بالنسبة لحق الانتفاع بل حيازته كاملة صحيحة يجوز معها رفع دعاوى الحيازة(1)
و كذلك يحوز لمن قامت حيازته على عمل من أعمال التسامح و هو مثل الحائز العرضي مجرد من عنصر القصد في الحيازة،و ليس لديه إلا السيطرة المادية أن يكون مدعيا فبهذه الدعوى.و كذلك من حصل على الترخيص من الجهة الإدارية في الانتفاع بعقار داخل في أملاك الدولة و لو أن حيازته معرضة للزوال في أي وقت،بمجرد رجوع الإدارة في الترخيص و لهذين الأخيرين أن يستردا الحيازة حتى من المالك الذي أجاز الحيازة على سبيل التسامح أو الجهة التي منحت الترخيص على أنه لا يجوز استرداد الحيازة من الجهة الإدارية إذا كانت هذه الجهة الإدارية قد انتزعت الحيازة من المرخص له لا باعتبارها تدير المال العام بل بموجب سلطتها التنظيمية كأن تستصدر قرار باعتبار الأعمال التي دعت لانتزاع الحيازة من أعمال المنفعة العامة(2)
و ليس ضروريا أن يكون المدعي في دعوى الاسترداد حائز حسن النية إذ له أن يرفعها و إن كان سيء النية(*)
و مما سبق يتضح لنا جليا أن المدعي في هذه الدعوى هو واضع اليد على العقار أي صاحب الحيازة المادية الحالية،و هذا لا يكفي لرفع هذه الدعوى إذ يجب أن يقع سلب الحيازة هذا المدعي أي اعتداء ايجابي يقع على حيازته يحرمه من الانتفاع بها،و على المدعى أن يثبت أنه وقت الغصب كان له حيازة مادية و أن يثبت العدوان الذي وقع على حيازته فسلبه إياها و الذي يبرر حقه في الدفاع الشرعي. فالمدعى عليه في إتيانه هذا العمل يكون في موقف من يأخذ حقه بيده دون اللجوء إلى القضاء و هذا هو المحور الذي تدور عليه دعوى الاسترداد(1)
إذ هي جزاء على هذا العمل العدواني بقدر ما هي حماية فعالة للحائز في حيازته
و ليس بلازم أن يكون هذا العدوان منطويا على العنف و القوة بل يكفي أن يكون قهرا و غصبا أو خلسة أو بناءا على تنفيذ حكم قضائي أو عقد رسمي ليس طرفا فيه و ذلك باعتبار الحيازة قد سلبت رغم إرادة الحائز و لا يستطيع مقاومة التنفيذ(*) فيعد ذلك تعرضا و يكون انتزاع الحيازة عدوانا يوجب قبل كل شيء أن ترد الحيازة للحائز ثم ينتظر بعد ذلك في المسائل القانونية في أصل الحق(2
و لا يجوز للمدعي رفع هذه الدعوى إذا كان مرتبطا مع المدعى عليه بعقد و كان انتزاع الحيازة يدخل في نطاق هذا العقد لأن الواجب في هذه الحالة اللجوء إلى دعوى العقد لإلزام المدعى عليه بمراعاة شروط العقد(*) (*) .
و بإثبات المدعي لحيازته و للعدوان الواقع عليها و الذي يعد بدوره واقعة مادية يجوز إثباتها بكل وسائل الإثبات يكون قد أثبت صفته و مصلحته في الدعوى و أخيرا على الحائز أن يثبت أنه قد رفع دعواه في الآجال القانونية أي خلال سنة من وقت انتزاع الحيازة من الحائز إذا كان بالقوة أو الغصب علانية و إذا كان انتزاع الحيازة وقع خلسة، دون أن يعلم به الحائز فالسنة تسري من وقت اكتشاف الحائز لانتزاع حيازته و هذا ما نصت عليه المادة 817 من ق م ” يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك ”
و إذا لم يرفع المدعي هذه الدعوى في مدة سنة بقي منتزع الحيازة مستبقيا إياها فأصبح بدوره حائزا تحمى حيازته بجميع دعاوى الحيازة لأنها استمرت سنة و هذا ما ورد في قرار المحكمة العليا رقم 57979 الصادر بتاريخ 27/12/89 مجلة قضائية عدد 3/1993 : ” من المقرر قانونا أنه لا تقبل دعوى الحيازة و دعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض ..”
و مدة السنة مدة سقوط لا تقادم ،فإذا لم ترفع دعوى استرداد الحيازة خلالها لم يجز رفعها من بعد انقضائها و لا تقبل إن رفعت و لأن المدة مدة سقوط فهي تسري على غير كاملي الأهلية من قاصر و محجور عليه و على الغائب و لا تتوقف و لا تنقطع و فوات الأجل في رفع الدعوى يؤدي إلى انقضاء الحق فيها .
و جملة القول أن المدعي في دعوى الاسترداد عليه أن يثبت في دعواه كل ما سبق ذكره بأن يعرض الوقائع عرضا يسمح للقاضي باستخراجها فإن طلب هذا المدعي في عريضته منع التعرض و استظهرت المحكمة قيام عناصر دعوى الاسترداد من وقائعه اعتبرت الدعوى استردادا و فصلت فيها المحكمة دون أن تكون قد أخطأت لأن التكيف القانوني أولا و أخيرا منوط بالقاضي و هو ملزم بإعطاء التكييف الصحيح .
و جدير بالذكر في نهاية عرضنا الوجيز للمدعي أن نطرح إشكال شهادة الحيازة الذي سبق مناقشة . فهل تثبت صفة المدعي بشهادة الحيازة ؟و ربما الجواب بالنسبة لهذه الدعوى أسهل من غيرها فإذا كانت الحيازة تمنح للحائز الذي دامت حيازته سنة في حين أن هذه المدة
لا تشترط في المدعي في هذه الدعوى أساسا فبديهي أن يطلب منه مثل هذه الشهادة (*)
2- المدعى عليه:
هو الشخص الذي انتزع الحيازة من الحائز بالقوة أو الغصب علنا أو خفية ( في الغصب لا يشترط أن يكون الحائز محل اعتداء إذ يكفي توجيهه إلى العقار كالاستيلاء خلسة )
أي هو الذي يقوم بعمل عدواني يسلب به الحيازة و لا يشترط أن يكون غير مشروع جنائيا بل يكفي أن يكون غير مشروع مدنيا ،لكن يجب أن يكون العمل العدواني وقع على العقار الحائز و انتهى إلى سلب الحيازة.
و لا يلزم أن يكون المدعى عليه الذي ارتكب العمل العدواني سيء النية فقد يكون حسن النية كأن يكون معتقدا بأنه مالك للعقار.
و إذا انتقلت حيازة العقار المغتصب من المغتصب إلى الغير، سواء كان الغير خلفا عاما كالوارث أو خاصا كالمشتري فإن هذا الذي خلف المغتصب و الذي انتقلت إليه الحيازة هو المدعى عليه في دعوى استرداد الحيازة و يستطيع المدعي أن يسترد منه حيازة العقار بهذه الدعوى و إن كان حسن النية لا يعلم بأن سلفة قد اغتصب الحيازة (*) و هو ما ورد في نص المادة 819 ق م :” للحائز أن يرفع في الميعاد القانوني دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب منه و لو كان هذا الأخير حسن النية ” .
و لا يهم أن يكون المدعى عليه شخص طبيعي فقد يكون شخصا معنويا و لكن يجب أن يكون العمل الذي صدر منه عملا عدوانيا يعكر السلم الاجتماعي و يخل بالأمن العام بصرف النظر عن طريقة العدوان بالقوة و الخداع علنا أو خلسة .
المطلب الثاني:
موضوع دعوى استرداد الحيازة :
بعد التطرق إلى أشخاص دعوى استرداد الحيازة من مدعي و مدعى عليه و الحالات التي يكونا عليها و التي أجاز القانون فيها رفع هذه الدعوى تبين في هذا المطلب موضوع دعوى استرداد الحيازة .
و يمكن دراسة موضوع دعوى استرداد الحيازة في عنصريين : يتمثل الأول في الشيء محل الحيازة (1) و الثاني في الهدف الذي يصبو إليه المدعي من رفعه لدعوى استرداد الحيازة بمعنى
الحكم (2) الذي تنتهي به دعوى استرداد الحيازة على اختلاف الحالات التي يكون عليها المدعي و المدعى عليه .
الشيء محل الحيازة :
والمبينة أحكامه بنص المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية و المادة 817 من قانون المدني الجزائريين، فتنص المادة 817 من القانون المدني الجزائري على :
* يجوز لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه ..الخ
كما تنص المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية على :
* يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن اغتصبت منه
الحيازة بالتعدي أو الإكراه ……الخ
و انطلاقا من نص المادتين فإن موضوع دعوى استردد الحيازة يتمثل في الشيء محل الحيازة الذي يباشر عليه الحائز سلطته الفعلية بقصد الظهور عليها بمظهر المالك .
و تستلزم الحيازة أن يكون الشيء محل الحيازة قابلا لأن ترد عليه ملكية خاصة و أن يكون مما يجوز التعامل فيه (3) .
و على ذلك فيكون دائما هذا الشيء عقارا سواء كان أرض فلاحية أو مسكنا أو ممرا (4)
أو حقا عينيا كحق االارتفاق أو حق الانتفاع كما سبق شرحه .
و تخرج بذلك من نطاق دعوى استرداد الحيازة . الحقوق الشخصية كقاعدة عامة إذ لا تخضع للحيازة إلا الحقوق العينية .
و على ذلك فتحمي دعوى استرداد الحيازة حيازة العقار أو حق الملكية في العقار سواء كان عقار بطبيعته أو عقار بالتخصيص و كذا الحقوق العينية كحق الانتفاع أو لاستعمال أو السكن إذا تعلقت هذه الحقوق بالعقار . و مهما يكن الشيء محل الحيازة سواء كان عقارا أو حق عيني فإن هناك أربع حالات تكون عليه دعوى استرداد حيازته(1) إذا أغتصب يختلف فيها حكم القاضي باختلاف كل حالة و هي على التوالي :
1- حيازة المدعي دامت مدة لا تقل عن سنة
2- حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة لكن انتزعت منه بالقوة
3- حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة و لم تنتزع بالقوة لكن المدعي عليه لا يستند إلى
حيازة أحق بالتفصيل .
4- حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة و لم تنتزع بالقوة ،لكن المدعي عليه يستند إلى
حيازة أحق بالتفصيل .
و سنعهد إلى دراسة كل حالة على حدى :
الحالة الأولى : حيازة المدعي دامت سنة كاملة :
و هي الحالة التي يكون فيها لرافع دعوى استرداد الحيازة حيازة مادية طبقا لنص لمادة 414 من قانون الإجراءات المدنية ،صحيحة كما سبق القول بمعنى أنها حيازة ظاهرة و بريئة من أي لبس أو إبهام ،فعليه دون أن تكون مقرونة بالضرورة بنية التملك مدة سنة (2) كاملة قبل تاريخ الاعتداء عليها كقاعدة عامة .
و بذلك فإن المدعي في هذه الحالة كان بإمكانه رفع دعوى منع التعرض لأن حيازته دامت مدة لا تقل عن السنة و إنما لجأ إلى دعوى استرداد الحيازة لأن الاعتداء على حيازته لم يقتصر على مجرد التعرض لها بل انتهى إلى انتزاعها منه عنفا أو غصبا فليس له بد من رفع دعوى استرداد الحيازة لاستعادة حيازته .
فإن رفع المدعي هذه الدعوى مستوفية لكل شروطها قضي له برد حيازته إليه باعتبار أن موضوع دعوى استرداد الحيازة ينصب على إعادة الشيء محل الحيازة المنتزع إلى حيازة المدعي لتعود إليه السيطرة الفعلية و يتضمن هذا الموضوع إلزام المدعي عليه برد العين محل الحيازة المعتدى عليها (1) سواء انتزعت منه بالقوة أو الغصب . كما يمكن للقاضي أن يحكم بالإخلاء .و سواء كان الحكم هو الرد أو الإخلاء فإن غايته واحدة هي رد الحيازة إلى من انتزعت منه. المهم أن يكون حكما إيجابيا تتمكن نيابة الجمهورية من تنفيذه دون إشكال .
كما يقضي بإعادة العقار إلى أصله إذا كان المدعى عليه قد أحدث فيه تغييرا فإذا كان قد أقام فيه بناءا جديدا قضي بهدمه أو هدم بناءا كان موجودا قضى عليه بإعادة بنائه .
و يستطيع القاضي أن يحكم على المدعى عليه بغرامة تهديدية ليحمله على تنفيذ ما قضي عليه به . كما يحكم القاضي على المدعى عليه بتعويض عما سببه من أضرار للمدعي بسبب التعدي على حيازته طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في القانون المدني الجزائري .
و الحكم الذي يصدر برد الحيازة إلى المدعي يرد الحيازة إليه و كأنها لم تنقطع مدة انتزاعها حيث أنه من المفروض أن حيازة المدعي قد دامت مدة لا تقل عن سنة قبل انتزاعها فعندما ترد إليه الحيازة تعتبر هذه الحيازة دائمة لم تتقطع فتكون قد دامت أكثر من سنة و على ذلك يستطيع دفع الاعتداء عنه بجميع دعاوى الحيازة بما فيهم دعوى منع التعرض لأنها دامت سنة بل أكثر من سنة و من تم يستطيع أن يرفع دعوى استرداد الحيازة من جديد إذا ما انتزعت منه الحيازة مرة أخرى (2) .
الحالة الثانية : حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة لكن الحيازة انتزعت منه بالقوة :
لا يشترط أن تستمر الحيازة مدة معينة حتى يكون للحائز الحق في رفع دعوى استرداد الحيازة خلافا لدعاوى الحيازة الأخرى و مرجع ذلك لاعتبارات الأمن في المجتمع التي تأبى انتزاع الحيازة من صاحبها(1) فالقانون سمح للحائز و لو ليوم واحد من أن يلجأ للقضاء بهدف الحصول على الحماية القضائية لهذه الحيازة في حال تعرضها للانتزاع بطريق القوة ،و المقصود بالقوة هي كل عمل يؤدي إلى منع الحيازة الفعلية(2) و قد قضت محكمة النقض المصرية بأن المراد بالقوة تلك المستعملة لسلب الحيازة بأنها كل فعل يؤدي إلى منع الحيازة الواقعة لا فرق في ذلك بين المادية و المعنوية فيجوز أن يبنى الاغتصاب على أساليب الغش و التدليس و الخداع و غيرها ،من المؤثرات المعنوية (3)
فإذا تعرضت حيازة المدعي للانتزاع بالقوة و لم تستمر حيازته سنة كاملة فإنه لا يكون له رفع دعوى منع التعرض و لوقع اعتداء على حيازته دون أن تنتزع منه هذه الحيازة لأن الحيازة لم تدم سنة كاملة و شرط دعوى منع التعرض أن تدوم الحيازة سنة كاملة حتى تحمى هذه الحيازة قانونيا و لما كانت حيازة المدعي قد انتزعت منه بالقوة كأن يأتي المدعى عليه و يحتل مسكن المدعي يقطن فيه محضرا كل أثاثه و مستلزماته فيحرمه حرمانا كليا من التمتع بحق السكني فإن المدعى الذي انتزعت حيازته يمكنه رفع دعوى استرداد الحيازة و لو أن حيازته لم تدم سنة كاملة فأية حيازة هي كافية حسبما(4) ما تقضى به نص الماديين 413 من القانون الإجراءات المدنية و 814 من القانون المدني الجزائريين، و تكون دعوى استرداد الحيازة هن جزاء على انتزاع الحيازة بالقوة أي دعوى مسؤولية أكثر منها دعوى حماية للحيازة .
و يقضي للمدعي برد الحيازة إليه و بإعادة العقار إلى أصله و بالغرامة التهديدية شأنه شأن المدعي في الحالة الأولى و يقضي له كذلك بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب انتزاع حيازته منه خاصة باستعمال المدعي للقوة في انتزاع الحيازة و الحكم الذي يصدر برد الحيازة في هذه الحالة يقتصر على رد الحيازة المادية إلى المدعي مؤقتا دون أن يحسم النزاع فيمن له حق الحيازة القانونية .
و يجوز للمدعي عليه بعد أن يرد الحيازة للمدعي أن يعود فيرفع هو دعوى استرداد الحيازة على المدعي إذا استطاع رفعها في الميعاد القانوني و أثبت أن المدعي قد سبق له أن انتزع منه الحيازة فإذا نجح في دعواه و استرد الحيازة كان له أيضا أن يرفع دعوى منع التعرض أو دعوى وقف الأشغال الجديدة إذا ما توفرت شروط كل منهما(1).
الحالة الثالثة : حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة و لم تنتزع منه بالقوة لكن المدعي عليه لا يستند إلى حيازة أحق بالتفصيل :
في هذه الحالة حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة و لم تنتزع منه بالقوة و بالتالي ففي الأصل لا يحق له رفع دعوى استرداد الحيازة إلا أن القانون منحه مع ذلك حق رفعها . لأن المدعي عليه الذي انتزع منه الحيازة لا يستند إلى حيازة أحق بالتفصيل فتطبق قواعد المفاضلة بين الحيازتيين المنصوص عليها بالمادة 818 (2) من القانون المدني الجزائري بنصها :
إذا لم يكن من فقد الحيازة قد مضت على حيازته سنة على فقدها فلا يجوز له أن يسترد الحيازة إلا ممن لا يستند إلى حيازته أحق بالتفضيل
و الحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة القائمة على سند قانوني فإذا لم يكن لأي من الحيازتين سند أو تعادلت سنداتهما كانت الحيازة الأحق هي الحيازة الأسبق في التاريخ .
للحائز في جميع الأحوال إذا فقد حيازته بالقوة أن يستردها خلال السنة التالية لفقدها
و من خلال الفقرة الأولى من المادة أعلاه نميز بين قواعد ثلاث للمفاضلة تشبه القواعد التي وضعها القضاء الفرنسي لإثبات حق الملكية و هي :
* صورة ما إذا وجد سند قانوني عند كل من الخصمين (3)
* صورة ما إذا لم يوجد سند قانوني عند كل من الخصمين
* صورة ما إذا وجد سند قانوني عند أحد الخصمين دون الآخر
فيمكن استخلاص أنه إذا أريدت المفاضلة بين الحيازتين وجب التمييز بين :
1- إذا قامت كل الحيازتين على سند قانوني : كأن يتمسك المدعي بسند بيع صادر من شخص في حين أن المدعى عليه يتمسك بسند بيع صادر من شخص آخر فضلت الحيازة الأسبق في التاريخ سواء كان سندها أسبق عن سند الحيازة أخرى أم لا بمعنى نفضل وضع اليد الأسبق في التاريخ (1)
2- إذا لم تقم كل من الحيازتين على سند قانوني : فإن الحيازة الأسبق في التاريخ هي الأفضل حتى في هذه الحالة أيضا. باعتبار أن الحيازتين متساويتين .
3- إذا قامت إحدى الحيازتين على سند قانوني و لم تقم الحيازة الأخرى على سند مقابل : كأن يتمسك أحد الحائزين بشهادة الحيازة فيما لا تقوم الحيازة الأخرى على أي سند فضلت الحيازة القائمة على سند قانوني أي القائمة على شهادة الحيازة بغض النظر إذا كانت الحيازة الأخرى سابقة أو لاحقة لها .
و إذا كان المدعى عليه في دعوى استرداد الحيازة لم يثبت أن حيازته للعقار حيازة أحق بالتفضيل من حيازة المدعي على النحو الذي سبق دراسته فلم يثبت أن حيازته أسبق في التاريخ في حين أن كل من الحيازتين تقوم على سند قانوني أولا تقوم كل منهما على هذا السند أو لم يثبت أن حيازته تقوم على سند قانوني في حين (2) أن حيازة المدعي لا تقوم على سند قانوني مقابل . كسب المدعي دعوى استرداد الحيازة فيقضى له برد الحيازة إليه و بإعادة الحال إلى ما كان عليه بأن يعيد العقار إلى أصله و بالغرامة التهديدية و بالتعويض كما هو الحال في الحالتين الأولى و الثانية أو قضى له برد الحيازة إليه فقط (3)
و إذا ردت الحيازة إلى المدعي بقيت مستقرة عنده لأن المدعى عليه لم يثبت أنه كان يحوز العقار حيازة أحق بالتفضيل و إذا أراد المدعى عليه أن يسترد العقار من المدعي لم يكن أمامه لاسترداده إلا أن يرفع دعوى الملكية على المدعي لأن هذا الأخير هو الحائز، فيصبح المدعى عليه في دعوى استرداد الحيازة مدعيا في دعوى الملكية ويقع عليه عبء إثبات ملكيته للعقار.
الحالة الرابعة : حيازة المدعي لم تدم سنة كاملة و لم تنتزع منه بالقوة و لكن المدعي عليه يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل :
في هذه الحالة لم تدم حيازة المدعي سنة كاملة و لم تنتزع منه بالقوة فليس له أن يسترد الحيازة لأحد هذين السببين ثم أن المدعي عليه يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل فيفضل عليه و لا يستطيع المدعي أن يسترد منه الحيازة كأن يكون المعتدي منتزع الحيازة يحمل سند قانوني كعقد بيع أو هبة أو ما شابه، في مواجهة الحائز الذي لا يستند إلى سند قانوني .
و هي الحالة الوحيدة بين الحالات الأربع التي لا يستطيع فيها المدعي استرداد الحيازة بالرغم من أن الحيازة قد انتزعت منه غصبا أو خلسة مادامت لم تنتزع منه بالقوة ،مادامت حيازة المدعى عليه أحق بالتفضيل (1)
ويقع على عاتق المدعي عليه عبء إثبات أن حيازته أحق بالتفضيل فإذا كان لكل من الحيازتين سند قانوني أو لم يكن لأحدهما سند قانوني فعليه إثبات أن حيازته أسبق في التاريخ من حيازة المدعي (2)
كما يقع عليه عبء إثبات أن حيازته تقوم على سند قانوني إذا كانت حيازة المدعي لا تقوم على هذا السند .
و في كل الأحوال إذا أثبت المدعى عليه أن حيازته أحق بالتفضيل لم يقضى برد الحيازة إلى المدعي و بقي المدعى عليه مستقرا في الحيازة التي انتزعها لأنها حيازة أحق بالتفضيل و إذا أراد المدعي أن يسترد العقار فليس أمامه إلا أن يرفع دعوى الملكية بعد أن أخفق في دعوى استرداد الحيازة و في دعوى الملكية يبقى المدعى عليه قد استقر في حيازته هو نفسه كما كان في دعوى استرداد الحيازة .
و يقع عبء إثبات الملكية على المدعي فإذا استطاع أن يثبت ملكيته استرد العقار بالرغم من أن حيازة المدعى عليه أحق بالتفضيل و إذا لم يستطع إثبات الملكية بقي العقار في يد المدعى عليه بعد أن أثبت أن حيازته أحق بالتفضيل (3)
و قد ثبت من اجتهاد قضاء المحكمة العليا أنها قد ذهبت إلى تكريس حماية الحيازة الأحق بالتفضيل طبقا لنص المادة 818 من القانون المدني الجزائري . إذ جاء في القرار المؤرخ في 21/01/1992 أنه من المقرر قانونا أن الحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة القائمة على سند فإذا لم يكن لأي من الحائزين سند أو تعادلت سنداتهما كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ (4)
و لما تبين أن موضوع النزاع الحالي يدور حول حيازة قطعة أرضية فكان يتوجب على قضاة الموضوع الفصل فيها لنص المادة المذكورة بالمرجع ما دام الطاعنان يزعمان أنهما يحوزان الأرض مند 1923 ، بموجب عقد كراء لا يعطي لهما صفة التمليك و سلمت إلى المطعون ضده على سبيل الخماسة ، انتهوا إلى التصريح بعدم اختصاصهم مما يتعين نقض قرارهم مع الإحالة .
فحسب رأينا فالنزاع يتعلق بحيازة قطعة أرضة فلاحية يزعم الطاعنان أنهما يحوزانها مند سنة 1923 بموجب عقد كراء و المطعون ضده قد حازها مند 1950 فيكون فصل قضاء الموضوع على أساس المادة 818 من القانون المدني الجزائري بتطبيق قواعد المفاضلة، فتكون الحيازة الأحق بالتفضيل هي حيازة الطاعنان على أساس أنها حيازة قائمة على سند قانوني في مواجهة حيازة غير قائمة على سند قانوني
و يرى بعض الرأي بأنه سيتحسن إسقاط شرط المفاصلة من نص المادة 818 من القانون المدني الجزائري لأن الغرض من دعوى استرداد الحيازة حماية الاستقرار و الأمن ووضع حد للعدالة الخاصة إذ ليس لأحد اقتضاء حقه بنفسه فلو حكم القاضي لصالح المغتصب بحجة أن حيازته أحق بالتفضيل من حيازة المدعي فهذا سيكون تشجيعا للأفراد على اقتضاء حقوقهم بأنفسهم و لا يخفى ما يتبع ذلك من فوضى فالأجدر الحكم للمدعي باسترداد حيازته و يجوز للمدعى عليه الغاصب إذا كانت حيازته أحق بالتفضيل أن يرفع بعد ذلك دعوى منع التعرض أو دعوى الاستحقاق(1)و نحن بهذا الصدد نشاطر هذا الرأي على أساس أن المادة 818 من القانون المدني الجزائري قد وضعت قواعد للمفاضلة تلزم بها القاضي متماشية مع قواعد العدالة إلا أنها تحمل في طياتها حماية لغاصب الحيازة الذي يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل لأسبقيتها في التاريخ أو لقيامها على سند قانوني ، ذلك على الرغم من أنه لم يختر اللجوء للقضاء لاقتضاء حقه و اختار اقتضائه بيده إلا أن القانون قد أضفى الشرعية على فعله و هو ما لا يتماشى مع المبدأ الذي كرسته دعاوى الحيازة و بما فيهم دعوى استرداد الحيازة المتمثل في حماية الحيازة الظاهرة .
و تجدر الإشارة أن القانون الفرنسي لا يعرف قواعد المفاصلة في الحيازة بل أنه يقضي برد الحيازة إلى المدعي متى أثبت أن حيازته انتزعت منه و لو بغير القوة و لو خلسة (*)دون أن يفاضل بين حيازة المدعي وحيازة المدعى عليه كما يفاضل القانونين المصري و الجزائري .
و مهما تكن حالات الحيازة و كينيات انتزاعها ، فإنه إذا كان العقار محل عقد فليس لأي من الطرفين اللجوء لدعوى استرداد الحيازة و إنما يلجأن لدعوى العقد لإلزام المدعى عليه لمراعاة شروط العقد فالمستأجر يلجأ لدعوى منع التعرض إذا تعرض له المؤجر و استرد عقاره لا دعوى استرداد الحيازة
و ما يمكن القول حول تكيف دعوى استرداد الحيازة أنها تتراوح بين أن تكون دعوى مسؤولية و بين دعوى عينية فقد اعتبرها القانون الفرنسي أقرب أن تكون دعوى شخصية من دعاوى المسؤولية وضعت جراء عمل غير مشروع من أن تكون دعوى عينية وضعت لحماية الحيازة في حين أنها تتراوح بين دعاوى المسؤولية من خلال أنه يكفي أن يكون لرافعها مجرد السيطرة المادية على العقار أي حائزا عرضيا ، أو أن تكون له حيازة قانونية بعنصريها المادي و المعنوي و إن لم تدم سنة كاملة . و بين دعاوى الحيازة من خلال أنها تحمي الحيازة التي دامت سنة كاملة إلا إذا انتزعت بالقوة ، و أنها تحمي الحيازة الأحق بالتفضيل إذا لم تنتزع بالقوة و لم تدم سنة كاملة و كدا جواز رفع دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة العقار المغتصب أي كل من اغتصب الحيازة و لو كان حسن النية .
أضفى الشرعية على فعله و هو ما لا يتماشى مع المبدأ الذي كرسته دعاوى الحيازة و بما فيهم دعوى استرداد الحيازة المتمثل في حماية الحيازة الظاهرة .
و تجدر الإشارة أن القانون الفرنسي لا يعرف قواعد المفاصلة في الحيازة بل أنه يقضي برد الحيازة إلى المدعي متى أثبت أن حيازته انتزعت منه و لو بغير القوة و لو خلسة (1) دون أن يفاضل بين حيازة المدعي وحيازة المدعىعليه كما يفاضل القانونين المصري و الجزائري .
و مهما تكن حالات الحيازة و كيفيات انتزاعها ، فإنه إذا كان العقار محل عقد فليس لأي من الطرفين اللجوء لدعوى استرداد الحيازة و إنما يلجآن لدعوى العقد لإلزام المدعى عليه لمراعاة شروط العقد فالمستأجر يلجأ لدعوى منع التعرض إذا تعرض له المؤجر و استرد عقاره لا دعوى استرداد الحيازة و ما يمكن القول حول تكيف دعوى استرداد الحيازة أنها تتراوح بين أن تكون دعوى مسؤولية و بين دعوى عينية فقد اعتبرها القانون الفرنسي أقرب أن تكون دعوى شخصية من دعاوى المسؤولية وضعت جراء عمل غير مشروع من أن تكون دعوى عينية وضعت لحماية الحيازة في حين أنها تتراوح بين دعاوى المسؤولية من خلال أنه يكفي أن يكون لرافعها مجرد السيطرة المادية على العقار أي حائزا عرضيا ، أو أن تكون له حيازة قانونية بعنصريها المادي و المعنوي و إن لم تدم سنة كاملة . و بين دعاوى الحيازة من خلال أنها تحمي الحيازة التي دامت سنة كاملة إلا إذا انتزعت بالقوة ، و أنها تحمي الحيازة الأحق بالتفضيل إذا لم تنتزع بالقوة و لم تدم سنة كاملة و كدا جواز رفع دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة العقار المغتصب أي كل من اغتصب الحيازة و لو كان حسن النية .
المطلب الثالث : سبب دعوى استرداد الحيازة
إن دعوى استرداد الحيازة هي تلك الدعوى التي يرفعا حائز العقار(1) أو الحق العيني الذي فقد حيازته طالبا فيها استرداد حيازته المنتزعة منه، فهي ككل دعاوى الحيازة يشترط فيها أن يكون رافعها حائزا للعقار أو الحق العيني .
وأن تتعرض هذه الحيازة للانتزاع والفقد انطلاقا من نص المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص :< يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن اغتصبت منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه ، وكان له وقت حصول التعدي أو الإكراه الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ العلني.
فإننا نجد أنها تقسم إلى شقين الأول تحدد فيه المدعي في دعوى استرداد الحيازة ، أي الشخص الذي اغتصبت منه الحيازة والثاني تحدد فيه شرط الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ العلني وقت التعدي على الحيازة .
فالشق الأول يتعلق بالاعتداء – التعدي – في دعوى استرداد الحيازة ما يعرف بسبب دعوى استرداد الحيازة والشق الثاني يتعلق بالحيازة في حد ذاتها التي تعرضت للفقد أو الاغتصاب أي الركن المادي في الحيازة ما يعرف بسبب الحيازة .
وعلى ذلك فيجب التفريق بين سبب الحيازة وسبب دعوى استرداد الحيازة(2)
– فما هو سبب الحيازة ؟
– ما هو سبب دعوى استرداد الحيازة ؟
سبب الحيازة :
وهو أن(1)يكون للمدعي حيازة ثابتة وقت حصول الاعتداء عليها ويكفي فيها أن (2) تكون حيازة مادية و لو لم تكن بقصد التملك .على أن تكون هادئة وظاهرة طبقا لنص المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية . فالحيازة المادية على العقار أو الحق العيني محل الحيازة تتمثل في استحواذ الحائز على العقار بالسيطرة الفعلية عليه سواء كان مملوكا لشخص أو غير مملوك لأحد(3) فيحرز الحائز الشيء ماديا ويباشر فيه الأعمال المادية التي يباشرها المالك عادة في ملكه سواء كان عقارا أو شيئا أو حقا . فيشترط في هذه السيطرة ممارسة عمل مادي إيجابي يستحوذ به الحائز على العقار أو الحق العيني إذا كانت السيطرة المادية تمارس بنفسه مثل دخول المسكن أو المرور بالممر …الخ . و يكفي مجرد التمكن من الاستحواذ إذا كانت السيطرة المادية انتقالا من الغير، كتسليم مفاتيح المسكن للمشتري .
و نلحق السيطرة بواسطة الغير مثل الوكيل و النائب ….الخ و السيطرة على الشيوع بالسيطرة المادية ( أي بواسطة نفسه) من حيث اشتراط ممارسة أعمال مادية فعلية ،و يجب أن تكون الأعمال المادية من حيث الكثرة و التكرار و الأهمية مطابقة للمألوف في استعمال الشيء ، فينشأ عنها في جميع الأحوال مركزا واقعيا يحميه القانون لذاته بغض النظر إذا كان الحائز مالكا أو غير مالك للعقار .
هذا عن سبب الحيازة – فماذا عن سبب دعوى استرداد الحيازة ؟
سبب دعوى استرداد الحيازة :
يتمثل سبب دعوى استرداد الحيازة في الاعتداء الذي تتعرض له الحيازة ، أي المركز الواقعي الذي ترتب عن توفر الركن المادي أو السيطرة المادية على الشيْ .
– و يتمثل هذا الاعتداء في حرمان الحائز من الانتفاع بالعين حرمانا كاملا بأن تنزع منه الحيازة كلية سواء تم الانتزاع بالقوة أو الغصب(*) علنا أو خفية .
– و قد يشكل هذا الاعتداء جريمة و لكن ليس من المحتم أن يكون كذلك ،بل أن يكون عملا غير مشروع من الناحية المدنية ،و كل عمل غير مشروع يعد إكراها مادام أن من شأنه الإخلال بالنظام و الأمن العام . فمن يدعي حقا على العقار أو الحق العيني يكون سبيله لاسترداده اللجوء للقضاء و إلا اعتبر متعديا ، فيتعين عليه رد العقار إلى حائزه ثم يلجأ من يدعي حقا عليه للمطالبة به قضائيا فليس لإنسان أن يأخذ حقه بيده .
و الاعتداء عمل إيجابي يقع على حيازة الحائز، ولا يلزم أن يكون منطويا على استعمال القوة و العنف و إن كان هذا الذي يحدث في غالب الأحيان ،بل يكفي إن يحصل على غير إرادة الحائز رغم اعتراضه على نحو لا سبيل له في دفعه .
– و لذلك يعتبر سلب للحيازة بالقوة أن يستولي المعتدي على العقار غصبا و قهرا أو خلسة دون علم الحائز ،كما تستوي الخلسة مع الإكراه ،فمن يستولي على عقار دون علم صاحبه يكون نتيجة لتنفيذ حكم قضائي ليس طرفا فيه يكون انتزاع للحيازة حتى و إن كان القصد من التنفيذ تسليم العقار لحارس قضائي و من ثم يكون للحائز استرداد العقار ممن انتقل إليه تنفيذا لهذا الحكم .
– و قد يقوم الغصب على الغش و الخديعة و التحايل دون إرادة الحائز .
و لقبول هذه الدعوى يجب أن يؤدي الاعتداء على الحيازة إلى فقدها كلها أو بعضها كما سبق القول بحيث لا يصبح في إمكان الحائز أن يستعيد هذه الحيازة دون أن يقف هذا العمل أمامه عقبة تحول دون ذلك كما لا يشترط أن يكون المدعى عليه هو الذي وقع منه الاعتداء بنفسه بل يكفي أن يكون وقع بأمره لعماله أو جيرانه أو أقاربه , و لا يلزم أن يكون سيئ النية بل يجوز أن يكون معتقدا أنه صاحب الحق العيني و لو كان محقا في اعتقاده .
– و قد يفقد الحائز الحيازة بعمل تحكمي من الخصم يتم ضد إرادة الحائز و لكن دون مقاومة أو معارضة منه و هو ما يعرف بالغصب (1) و هذه الأعمال لا يشترط فيها أن توجه ضد الحائز شخصيا و يكفي أن توجه ضد الشيء المحاز أي الشيء محل دعوى الاسترداد سواء كان عقارا أو حقا عينيا.
– و قد ذهب رأي إلى القول أن الغصب في دعوى استرداد الحيازة يكفي فيه توجيهه للعقار ذاته ، دون حاجة أن يكون الحائز محل اعتداء فالاستيلاء خلسة يقوم مقام الغصب و قضي بأنه يجوز أن يكون الاغتصاب مبنيا على أفعال الغش و التدليس وبغير رضا من اغتصب منه العقار – و إذا أدخل إنسان آخر في عقار تحت حيازته تسامحا و كان هذا الأخير يبطن نيه اغتصابه فلا يعتبر بدء وقوع الاغتصاب إلا من يوم وضوح هذه النية و كذلك إذا كان الاغتصاب خفية فلا تبدأ السنة المحددة لرفع الدعوى إلا من يوم ظهورها .
– أما عن انتزاع الحيازة الناتج عن قرار إداري فإنه يخرج عن اختصاص القضاء العادي و يدخل في اختصاص القضاء الإداري كقاعدة عامة طبق لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري على أساس صفة القرار الإداري الذي فقدت إثره الحيازة و كذا لوجود شخص عام في النزاع أخذا بالمعيار العضوي فقرار إخلاء مسكن كان يسكنه مستأجر يطعن فيه هدا الأخير أمام الغرفة الإدارية ،من أجل الغائه واستعادة المسكن(2) .
– و من خلال ذلك يمكن استخلاص شروط الاعتداء الذي يسمح برفع دعوى استرداد الحيازة و يجعل المصلحة قائمة و حالة :
1/ عمل عدواني : ( acte agressif ) : أي اعتداء إيجابي غير مشروع و بالتالي يخرج منها انتزاع الحيازة بناء على تنفيذ حكم صادر ضد الحائز فلا يعتبر ذلك محل قانوني له سند يعترف به القانون ،فدعوى استرداد الحيازة هي جزاء هذا العمل العدواني بقدر ما هي حماية فعالة للحائز في حيازته لاشتراط أن يكون مصحوبا بالقوة و العنف .
2/ يجب أن يكون هذا العمل العدواني قد وقع في العقار ذاته :الذي هو في حيازة الحائز، أما إذا وقع في عقار المعتدي فإن ذلك لا يكفي لرفع دعوى استرداد الحيازة و إن كان يكفي لرفع دعوى منع التعرض أو دعوى وقف الأشغال الجديدة .
3/ يجب أن يكون هذا العمل العدواني قد انتهى إلى انتزاع الحيازة من الحائز :
بحيث لا يستطيع الحائز استعادة الحيازة دون أن يقف هذا العمل أمامه عقبة تحول دون ذلك .
و بصفة عامة يتعين على المدعي إثبات حيازته للعقار حيازة مادية (1) و يكفي لإثبات الحيازة إثبات عنصرها المادي أي الحيازة المادية أو السيطرة المادية بمعنى وضع اليد فمن له الحيازة المادية يعتبر هو الحائز حسب نص المادة 822 من القانون المدني الجزائري بنصها : إذا تنازع أشخاص متعددون في حيازة حق واحد اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزه هو من كان له الحيازة المادية ،إلا إذا كان قد اكتسب هذه الحيازة عن طريق التدليس .
فهل يجب على الحائز أن يثبت ركني الحيازة المادي والمعنوي ؟
القاعدة لعامة أنه يجب عليه إثبات الركنين ، إلا أن نص المادة 822 من قانون المدني لا تفرض على الحائز إلا إثبات الركن المادي. فقرر له القانون قرينة على توافر الركن المعنوي إلا أنها قرينة بسيطة تجوز إثبات عكسها فيكون على من يدعي انعدام الركن المعنوي للحيازة إثبات عكس ذلك و القانون قد وضع أكثر من قرينة مقرونة بإثبات الركن المادي فإذا أثبت هذا الأخير كان قرينة على أن الحيازة صحيحة خالية من العيوب و قانونية ،و بالتالي هذه الحيازة قرينة على الملكية . و لذلك فإن مركز الحائز يعد ممتازا إذ حباه القانون بجملة من الامتيازات فما عليه إلا إثبات السيطرة المادية للعقار أو الحق العيني و لما كانت السيطرة المادية أو الركن المادي واقعة مادية، فإنه يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات بما فيها البينة (2) فيجوز للمحكمة إحالة القضية على التحقيق في حالة إنكار الحيازة لإثباتها ولو بشهادة الشهود سواء من تلقاء نفسها طبقا لنص المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية ،أو بناءا على طلب أحد الخصوم أو إحالتها على أهل الخبرة أو إثباتها عن طريق المعاينة ،كما يجوز إثباتها عن طريق القرائن و يحق المحكمة أن تستخلص من وقائع الدعوى و الأوراق و المعاينة(3) ثبوت الحيازة المادية أو عدم ثبوتها .
و ما يقال عن إثبات الركن المادي للحيازة يقال عن إثبات الاعتداء ما دام كلاهما يعتبران واقعة مادية في دعوى استرداد الحيازة ففي حالة إنكار الاعتداء المتمثل في انتزاع الحيازة كليا أو جزئيا فهذا الأخير أيضا يمكن إثباته بكل طرق الإثبات و على مدعي العكس إثبات ادعائه
و لا يجب أن يمس هذا التحقيق أصل طبق لنص المادة 415 ق إ م بل ينبغي أن ينصب على سبب الحيازة و سبب دعوى استرداد الحيازة أي الركن المادي للحيازة و الاعتداء دون التطرق إلى أصل الحق فلا يجب البحث إن كان الحائز هو المالك أم لا ، لأنه في ذلك تحقق للجمع بين دعوييى الحيازة و الملكية الأمر المحضور بنص المادة 416 من قانون الإجراءات المدنية ، سيما أن الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية و الحيازة القانونية قرينة على الملكية لحين إثبات العكس ،فلا يجب الاستناد إلى أصل الحق في إثبات سبب الحيازة أو سبب دعوى استرداد الحيازة كأن يستند المدعي أو المدعى عليه إلى عقد البيع أو الهبة أو الوصية أو حتى التقادم المكتسب فيجب في كل الأحوال التمييز بين حماية الحيازة لذاتها و الاستناد للحيازة باعتبارها سبب لكسب الملكية بالتقادم المكسب .
و في هذا الصدد فقد ذهبت المحكمة العليا للتأكيد على إمكانية إثبات الحيازة و الاعتداء الواقع عليه بكل طرق الإثبات القانونية من خلال القرار الذي صدر بتاريخ 05/05/1999 ملف رقم 170136 بخصوص المادة 415 من قانون الإجراءات المدنية ،إذا من المقرر في هذه المادة أنه إذا أنكرت الحيازة أو أنكر التعرض لها فإن التحقيق الذي يؤمر به في هذا الخصوص لا يجوز أن يمس بأصل الحق (1) .
حيث يتضح في القضية المطروحة أن قضاة الموضوع بتأييدهم للحكم المستأنف و القاضي برفض دعوى المدعي مستندين بذلك على التحقيق الذي أجرته المفتشية و هو تحقيق ليست له القوة القانونية الملزمة مادام أجرى من طرف الخصم و لم يأمر به القضاة كما تشترطه المادة 415 من قانون الإجراءات المدنية فإن قضاة المجلس يكونون قد خالفوا القانون مما يستوجب نقض القرار.
و حسب رأينا المتواضع فإن التحقيق في واقعة الحيازة أو الاعتداء الواقع على الحيازة لا يشترط أن يكون بموجب أمر قضائي صادر عن القضاة ،ذلك أن موضوع دعوى هي واقعة مادية يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات سواء تم الإثبات بسعي من المحكمة أو بسعي من المدعي.
المبحث الثاني: دعوى منع التعرض.
دعوى منع التعرض هي أهم دعاوى الحيازة ويصفها الشراح بأنها دعوى الحيازة العادية، بمعنى أنها ترفع في كل صور التعرض للحيازة. أما دعاوى الحيازة الأخرى فلا ترفع إلا في صور خاصة من التعرض ومن ثمة فهي دعوى الحيازة الرئيسية، لأنها تحمي الحيازة في ذاتها والحيازة فيها هي الحيازة الأصلية وليست العرضية (1) .
ووردت دعوى منع التعرض في القانون المدني الجزائري وبذلك بنص المادة 820 وجاء فيها: “ما حاز عقارا واستمر حائزا له لمدة سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال سنة دعوى بمنع التعرض”.
كما وردت في قانون الإجراءات المدنية بنص المادة 413 وجاء فيها: “الدعاوى الخاصة بالحيازة فيها عدا دعوى استرداد الحيازة يجوز رفعها ممن كان حائزا بنفسه أو بواسطة غيره لعقار أو لحق عني عقاري، وكانت حيازته هادئة علنية مستمرة لا يشوبها انقطاع وغير مؤقتة وغير خفية واستمرت لهذه الحيازة لمدة سنة على الأقل”.
وعلى غرار باقي دعاوى الحيازة، فدعوى منع التعرض تشبه الدعاوى الاستعجالية لأنها لا ينظر فيها إلى موضوع الحق وكذلك لأنها تتطلب هي نفسها الحماية القانونية. إلا أنه ومن ناحية الاختصاص فقد استقر القضاء في أغلب الدول لا سيما فرنسا ومصر،على أنها دعوى موضوعية وذلك لأن إثبات الحيازة يكون بجميع طرق الإثبات باعتبارها واقعة مادية، وبذلك تستلزم إجراءات تحقيق موضوعية لا يمكن للقاضي الاستعجالي أن يختص بالنظر فيها، لأنه لا يتسع نطاقه لذلك كون البحث في شروط الحيازة يشكل مساسا بأصل الحق.
كما يرى البعض أن موقف الغرفة العقارية بالمحكمة العليا بخصوص مدى جواز اعتبار دعوى منع التعرض دعوى استعجالية، فكان في قرار يحمل رقم 217-226 مؤرخ في: 26-01-2000 “غير منشور” أن الاستعجال هو الضرر المحدق بالحق والمطلوب رفعه بإجراء وقتي لا تعسف في إجراءات التقاضي العادية مع عدم المساس بأصل الحق عملا بالمادة 188 ق.إ.م.
فبالرجوع للقرار المنتقد يتضح منه أن قضاة الموضوع تمسكوا باختصاصهم على أساس أن ما قضي به لا يمنح الحق لطرف دون آخر، وإنما هو إجراء وقتي وحتى لا تبقى الأرض بدون حرث، مع أن الدعوى في النزاع الحال تتعلق بمنع التعرض وهي إحدى الدعاوى الثلاثة المقررة قانونا لحماية الحيازة العقارية. وبتالي فهي دعوى موضوعية بحكم طبيعتها لا تدخل أصلا في اختصاص قاضي الاستعجال، لأن الفصل فيها يستوجب البحث في صفة واضع اليد وعناصر الحيازة وشروطها ومدة وضع اليد. وهذه جميعا مسائل تحقيق موضوعية لا يتسع لها نطاق القضاء المستعجل، علاوة على أنه في تحديد من له الحيازة القانونية مساسا بأصل الحق.
وحيث من جهة أخرى فإن المجلس بقضائهم على الطاعنين بعدم التعرض للمطعون ضدهم لم يبقى بعد حكمه لهذا بين الطرفين أي طلب موضوعي يطرح على القضاء(1).
إلا أن قاضي الاستعجال بمحكمة سعيدة لهم رأي مخالف إذ يعتبرون دعوى منع التعرض تدخل في اختصاص قاضي الاستعجال في حدود سلطته التقديرية. وذلك حسب كل حالة وتجلى ذلك من خلال فصل قاضي الاستعجال بالمحكمة في قضية تتعلق بمنع التعرض (*).
ويرى الدكتور صالح باي محمد في محاضرة تحت عنوان المنازعات العقارية ألقيت بمناسبة الملتقى الوطني حول القانون العقاري، المنظم من قبل جامعة كلية الحقوق بن عكنون يومي 16 و 17 أفريل 2001 بأن القرار السابق الذكر محل النظر كون أن دعوى منع التعرض للحيازة هي دعوى وقتية يصدر فيها حكم مؤقت، ومن ثمة فلا مانع من أن نظر قاضي الاستعجال في مثل هذه الدعوى(2).
وذلك إذا كان الغرض من رفع دعوى منع التعرض أمام قاضي الاستعجال هو مجرد إجراء وقتي، ولكن بشرط توافر عنصر الاستعجال.
و هذا الإجراء لا يمس بأصل الحق،و باعتبار دعوى منع التعرض من أهم دعاوى الحيازة و مع عدم وجود نص يقضي بأن دعوى وقف الأعمال ينظر فيها قاضي الاستعجال،فلا مجال إذن لكي نفرق بين دعوى منع التعرض، دعوى وقف الأعمال و دعوى استرداد الحيازة ،إذ هي كلها ذات طابع استعجالي لأنها تحمي الحيازة في ذاتها و ليس الملكية و ذلك بإجراء وقتي لا يمس بأصل الحق .
أما بالنسبة للاختصاص المحلي في دعوى منع التعرض ،فينعقد للمحكمة التي يقع في دائرتها العقر موضوع النزاع.فقد نص المشرع الجزائري في المادة 8/3 قانون الإجراءات المدنية على مايلي ” في الدعاوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار أو دعاوى الإيجارات المتعلقة بالعقارات و أن تكون تجارية أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار ” .
و سنتناول هذه الدعوى من خلال ،عرضنا لأشخاصها و موضوعها و سببها .
المطلب الأول : أشخاص دعوى منع التعرض :
أشخاص هذه الدعوى هما الحائز و هو المدعي الذي يرفع الدعوى. و المعتدي و هو المدعى عليه الذي يتعرض للمدعي في حيازته (1) .
1/ المدعي في دعوى منع التعرض :
هو الحائز للعقار و يمكن أن يكون مالكا و هذا أمر طبيعي كما يمكن أن لا يكون مالكا، و في هذه الحالة تقوم الحيازة على وضع مادي مستقل عن السند القانوني، الذي يعتمده واضع اليد أساسا لإثبات حقه .
و لا فرق بين أن يكون الحائز صاحب حق مفرز أو صاحب حق شائع، فالحائز على الشيوع أن يرفع دعوى منع التعرض على شركائه الذين ينكرون عليه حق الانتفاع بمظاهر مادية، تخالف حقوق الشركاء في الشيوع .
كما أن المدعي في دعوى منع التعرض يجب عليه أن يثبت خلافا لما قررناه في دعوى استراد الحيازة، أن حيازته أصليه لا حيازة عرضية أي أنه يحوز لحساب نفسه لا لحساب غيره، فلا يجوز إذا وقع تعرض على حق الملكية أن يدفعه بدعوى منع التعرض ما لم يكن حائزا لحق الملكية لحساب نفسه و على ذلك فلا يجوز أن يرفع دعوى منع التعرض في هذه الحالة، صاحب حق الانتفاع أو صاحب حق الارتفاق أو المرتهن رهن حيازة أو المستأجر فهؤلاء جميعا حائزون عرضيون بالنسبة إلى حق الملكية، لأنهم إنما يحوزون هذا الحق لحساب غيرهم و هو المالك الذي يعتبر حائزا لحق الملكية لنفسه و يباشرا السيطرة المادية على العقار بواسطة هؤلاء (2) و إنما يجوز لصاحب حق الانتفاع و صاحب حق الارتفاق أو المرتهن رهن حيازي،أن يرفع دعوى منع التعرض على الحق الذي يباشر استعماله لحساب نفسه، فهو أصيل في حيازته و يحوز لحساب نفسه لا لحساب المالك باعتباره مالك الرقبة .
إلا أنه وجب أن نفرق بين التعرض على حق الملكية و التعرض على الحيازة، فصاحب حق الانتفاع و صاحب حق الارتفاع أو إمرتهن رهنا حيا زيا إذا حصل له تعرض من قبل مالك الرقبة على حيازته فإنه يجوز له رفع دعوى منع التعرض ضد المالك لأنه كما سبق شرحه الحائزون العرضيون فريقان :
حائز العرضي ينزل من الأصيل منزله التابع من المتبوع، بحيث لا يتمتعون بأية حرية تصرف كالولي، الوصي، القيم و الوكيل طالما يعمل في حدود وكالته و المدير أو المفوض من قبل الشخص المعنوي. و حائز عرضي يحوز لحساب غيره ،ولكن لا يعدون تابعين للحائز الأصيل بل لهم قسط من حرية التصرف في حيازتهم، كصاحب حق الانتفاع، الإستعمال، السكنى ،الدائن المرتهن. جميعا يحوزون حيازة مادية صحيحة لحق عيني يحوزنه لأنفسهم فليسوا عرضيون بالنسبة لهذا الحق .
بل أصليون فهم حائزون عرضيون بالنسبة لحق الملكية و حائزون أصليون للحق العيني الآخر فصاحب حق الانتفاع مثلا : حائز عرضي لأن سنده نفسه يعترف بحق صاحب الرقبة، لكنه ليس عرضيا بالنسبة لحق الانتفاع بل حيازته كاملة صحيحة يجوز معها رفع دعاوى الحيازة حتى على المالك .
و إذا كان المدعي شريك في الشيوع فهو يرفع دعوى منع التعرض ضد الغير، دون حاجة إلى تدخل شركائه في الشيوع معه في الدعوى. بل وله كذلك أن يرفع هذه الدعوى ضد شركائه أنفسهم إذا تعرضوا لحيازته في الشيوع بأعمال تتعارض مع هذه الحيازة ، و قضت محكمة النقض المصري بأن للحائز على الشيوع أن يحمي حيازته بدعاوى الحيازة ضد التعرض له فيها، سواء كان هذا المتعرض شريكا معه أو تلقى الحيازة عن هذا الشريك.
فإذا قامت الحيازة على عمل من أعمال التسامح أو على ترخيص من جهة الإدارة يجوز الرجوع فيه في أي وقت، فإن الحيازة لا تكون عرضية إلا بالنسبة للمالك المتسامح أو إلى جهة للإدارة المرخصة فلا يجوز للحائز في هاتين الحالتين أن يرفع دعوى منع التعرض على المالك نفسه أو جهة الإدارة نفسها، إذا تعرض احد منها لحيازته(1) إلا أنه في القانون الجزائري لا يستطيع رفع دعوى منع التعرض حتى على الغير كما هو وارد بنص المادة 808 من القانون المدني لأن الحيازة لا تقوم على رخصة من رخص أعمال التسامح و على خلاف القانون الجزائري فإن الحيازة في هذه الحالة تعتبر أصلية بالنسبة للغير و عرضية بالنسبة للمالك أو الإدارة المرخصة تبيح رفع دعوى منع التعرض ، فيستطيع الحائز إذا تعرض له في حيازته غير المالك أو غير جهة الإدارة أن يدفع هذا التعرض بدعوى منع التعرض(*).
وكما سبق شرحه فإن المدعي يجب عليه أن يثبت عليه يثبت أن حيازته أصلية لا عرضية، لأن الحيازة العرضية لا تحميها دعوى منع التعرض إلا أن المستأجر ورغم أنه حائز عرضي فقد استثناه المشرع الجزائري بنص المادة 487 ق.م.ج في الفقرة الأولى فتنص: “لا يضمن المؤجر للمستأجر التعرض الصادر من أجنبي والذي لا يستند على حق له على العين المؤجرة وهذا لا يمنع المستأجر من أن يطالب شخصيا بحق لمن تعرض له بالتعويض وأن يمارس ضده جميع دعاوى الحيازة.”
فالمستأجر إذن هو الحائز العرضي الوحيد الذي يجوز له رفع دعوى منع التعرض أو بالأحرى جميع دعاوى الحيازة.
فيجوز للمستأجر أن يرفع باسمه جميع دعاوى الحيازة، في حالة التعرض المادي الصادر من أجنبي.ولكن الراجح عدم قبول دعوى الحيازة التي يرفعها المستأجر ضد المالك، لأن العلاقة بينهما تسند إلى عقد الإيجار وما يرتبه من حقوق والتزامات، وهذا العقد لا الحيازة هو أساس الدعوى والحكم فيها، الأمر الذي يجعل قبولا دعوى الحيازة في هذا المثال مساسا بقاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق(1).
غير أنه يرى البعض أن دعوى منع التعرض تحمي كل حائز، و كذلك واضع اليد بمعنى الحائز العرضي الحالي على العقار أو الحق العيني من أي اعتداء يقع على حيازتهما(*) ولا نوافقه الرأي في ذلك لأن هذه الدعوى تحمي الحيازة القانونية لا العرضية.
وهكذا نقضت المحكمة العليا قرار رقم 56026 المؤرخ في 15-11-1989 مجلة قضائية لسنة 1990 عدد 02 ص 34 جاء فيه أن المستأجر له الحق في ممارسة شخصيا دعوى الحيازة ضد من تعرض له، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للأحكام القضائية المعمول بها … وأن قضاة الموضوع برفضهم لطلبه الرامي إلى طرد المطعون ضده،على أساس أنه كان عليه مرافعة المؤجر الذي له معه علاقة تعاقد،خالفوا الأحكام القانونية المعمول بها.
وحتى في القضاء المصري وطبقا للمادة 1575 قانون مدني مصري فأجازت للمستأجر أن يرفع باسمه على المتعرض جميع دعاوى الحيازة، سواء كان تعرض الغير له ماديا أو قانونيا.
فدعوى منع التعرض تحمي الحيازة الأصلية بشرط أن تستمر مدة سنة كاملة(*) وشرط دوام الحيازة مدة سنة، شرط مقرر بصريح النص في المادة 820 ق.م.ج وعلى صاحب العقار الحائز أي المدعي أن يثبت أنه حاز العقار لمدة سنة.
وأنه الحائز فعلا لهذه العقار و يكفي لإثبات إستمرار الحيازة خلال مدة سنة،إثبات قيام الحيازة في وقت سابق معين و إثباتها في الحال ،كي توجد قرينة على قيامها في المدة الممتدة بين الزمنين حسب المادة 830 ق.م.ج(1) .
فدعوى منع التعرض تحمي الحيازة المستقرة، التي تكون قد دامت وقتا كافيا وذلك مدة سنة.
فالمدعي في هذه الدعوى يقع عليه عبء إثبات توافر الركن المادي للحيازة، وذلك من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع،ويجوز أن يثبت الحيازة الفعلية للعقار بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن … وكذا القاضي يستطيع أن يستدل بشهادة الشهود. كما يمكن للمدعي ضم مدة حيازة سلفة سواء كان خلف عام أو خلف خاص لهذا السلف، وبذلك يتحقق توفر شرط السيطرة المادية على العقار، وإضافة إلى هذا الركن المادي ، يجب توافر الركن المعنوي لأن من شروط الحيازة توافر ركنها المادي والمعنوي .
فالركن المادي هو السيطرة المادية على العين، والمعنوي هو نية الظهور على العين بمظهر صاحب الحق(2). كما يقع عبء إثبات أن الحيازة ظاهرة واضحة وهادئة على المدعي، أي أن يثبت أن حيازته خالية من العيوب الواردة في المادة 808 ق.م.ج والمادة 413 كما سبق شرحه.
ولا يشترط لرفع دعوى منع التعرض أن يكون الحائز حسن النية، فله رفع هذه الدعوى حتى ولو كان سيء النية. والمدعي كي يرفع دعوى منع التعرض، يجب أن يقع تعرض للحائز في حيازته وقد يكون هذا التعرض مادي أو قانوني.
فيجب على المدعي أن يرفع الدعوى خلال سنة من وقت التعرض قانونيا أو ماديا، فإذا لم ترفع الدعوى خلال هذه المدة لم تعد مقبولة لاعتبارين:
* أن وضع يد الغاصب مدة سنة وضعا هادئا مقرونا بنية التملك، ينشئ حيازة جديدة ينتج عنها زوال حيازة واضع اليد السابق.
* يقوم على أن سكوت الحائز الأول مع استمرار العدوان الواقع على حيازته يفيد حيازة الثاني صفة الهدوء،مما يجعل حيازة الأول معيبة ويمنع إقامة دعوى اليد(1).
– كما أن التراخي في رفع الدعوى طوال مدى المدة يفترض أن التعرض ليس خطيرا،بحيث يخل بالأمن والسلام.فضلا عن رضا الحائز بذالك الوضع و في حالة رفع دعوىبعد فوات ميعاد السنة يدعم بعدم قبولها(2) . وحساب مدة السنة يبدأ من يوم وقوع تعرض، سواء مادي أو القانوني فإذا كان تعرض خفي فإنه حسب من يوم علم الحائز به .
و في حالة تعرض القانوني،فلا تسري المدة إلى من تاريخ توجيه الإجراء القضائي أو غير القضائي إلى الحائز أو من يمثله قانونا.
و إذا قدمت الدعوى بعد مرور سنة من التعرض ، فهنالك من يرى أنه على القاضي أن يرد الدعوة تلقائيا . و محكمة النقض المصرية فترى أن مدة سنة هي مدة تقادم خاص يسري عليها حكم القطع لنقض 03 فبراير 1958 مجموعة أحكام نقض السنة التاسعة ص 149. أما القضاء الفرنسي فلقد أقر وقف المدة وقطعها(3).
-فإذا تتابعت أعمال التعرض وترابطت وصدرت عن شخص واحد بحيث تكون فعل تعرض من مجموعها، فإن احتساب مدة السنة يبدأ من تاريخ وقوع آخر عمل من هذه الأعمال(4).
* وهناك من يرى أن تحسب المدة من تاريخ حصول أول عمل من أعمال التعرض، والأرجح في محكمة النقض الفرنسية أن يترك الأمر للقاضي فهو الذي يقدر الظروف التي تتناسب مع كل حالة على حدة ولعل هذا الرأي يمكن اعتماده في القضاء الجزائري.
أما إذا تكون من هذه الأعمال ما يكفي بذاته لاعتباره تعرضا، احتسبت مدة السنة من تاريخ أول عمل منها،وإذ صدرت من أشخاص متعددين فكل عمل من هذه الأعمال يعتبر قائما بذاته،وتتعد دعاوى منع التعرض بتعدد هذه الأعمال، وتحتسب مدة السنة بكل دعوى من تاريخ وقوع التعرض الذي يترتب عليه الحق في إقامتها.
وإذا كان التعرض مبني على التصرف قانوني، سرت السنة من وقت وقوع التصرف الذي اعتبر تعرضا. أما إذا كان التعرض عملا قام به المدعى عليه في ملكه هو فلا تسري السنة في دعوى منع التعرض إلا من الوقت الذي يتقدم فيه هذا العمل حتى يصبح تعرضا واقعا على حيازة المدعي(1).
2/ المدعى عليه في دعوى منع التعرض :
– المدعى عليه هو الشخص الذي يتعرض للمدعي في حازته (1) و التعرض الصادر من المدعى عليه قد يكون تصرفا قانونيا و قد يكون عملا ماديا. و قد ينجم عن أشغال عامة أو أشغال خاصة كما سيأتي شرحه في حينه .
و الأصل أن دعوى منع التعرض ترفع ضد المدعى عليه نفسه الذي صدر منه التعرض و قد ترفع ضد الغير و لو كان حسن النية (2)
فكل عمل مادي أو تعرض قانوني سواء مباشر أو غير مباشر يأتيه، يعتبر تعديا يسمح برفع دعوى منع التعرض، كما لو دخل المدعى عليه أرض المدعي دون إذنه بل قد يصل التعرض إلى حد إخراج المدعي من أرضه و سلب حيازته و يبقى الأمر مع ذلك في نطاق دعوى منع التعرض لا في نطاق دعوى استرداد الحيازة التي تقتضي سلب الحيازة بالقوة و الغصب أو الخفية كما سبق شرحه .
و إقامة المدعى عليه حائطا أو بناءا في أرضه يسد به مطلا لجاره أو يمنع به النور و الهواء عنه يعتبر تعرضا و رعي المدعى عليه مواشيه في أرض جاره دون إذن منه و مرره فيها مدعيا أنه له عليها حق ارتفاق بالمرور و دخوله دارا يحوزها المدعي متمسكا بأنه استأجر هذه الدار من مالكها أو أن له حق انتفاع. كل هذه الأعمال تعتبر تعرضا للمدعي في حيازته و تبيح لهذا الأخير رفع دعوى منع التعرض (3) و أن لا يكون التعرض الصادر من المدعى عليه قد ألحق ضررا بالمدعي فلا يلزم أن يكون كل تعرض صدر من المدعى عليه قد أحدث ضررا للمدعي كما لا يلزم أن يعتبر العمل الصادر من المدعى عليه تعرضا لمجرد أنه أحدث ضررا للمدعي و في هذه الحالة الأخيرة إذا كان العمل قد أحدث ضررا للمدعي دون أن يتضمن ادعاء يعارض حيازته لا يكون هناك محل لرفع دعوى منع التعرض و إنما يكون للمدعي أن يرفع دعوى تعويض (4) .
و في هذا الصدد قضت الغرفة العقارية للمحكمة العليا في قرار رقم 215749 بتاريخ 25/07/2001إن القضاء بالتعويض على أساس المادة 124 ق م ج في دعوى إنكار الحيازة لا يعد مساسا بأصل الحق و لا يشكل خرقا للمادة 415 ق إ م فالصياد الذي يتابع فريسته فيمر في حقل الحائز هنا لا ترفع دعوى منع التعرض و إنما التعويض ،فالتعرض الذي يبيح رفع دعوى الحيازة يجب أن يشكل معارضة الحيازة لغير و لا يهم بعد ذلك أن ينتج عنه ضرر يطلب التعويض أم لا(1) .
و التعرض الصادر من المدعى عليه يجب أن يكون غير قائم على أساس حق ثابت للمدعى عليه و حتى لو كان المدعى عليه يستند في تعرضه إلى حق ثابت له فإنه يقضى عليه مع ذلك بمنع التعرض لأن قاضي الحيازة لا شأن له بموضوع الحق. و دعوى منع التعرض إنما تحمي الحيازة في ذاتها متى كانت ثابتة بصرف النظر عما إذا كان للحائز حق يستند إليه في حيازته أو ليس له هذا الحق .
و حتى لو كان المدعى عليه حسن النية في تعرضه و بالرغم من أن ليس له حق يستند إليه في تعرضه فهو يظن بحسن نية أن له حق فإنه بالرغم من ذلك يقضي عليه بمنع التعرض و هذا راجع لأن دعوى منع التعرض تحمي الحيازة لذاتها بغض النظر عن ما إذا كان المدعى عليه سيء النية أو حسن النية .
و ترفع دعوى منع التعرض على المتعرض نفسه و على الغير و غني عن البيان أن المدعى عليه في دعوى منع التعرض هو المتعرض نفسه أي الشخص الذي صدرت منه أعمال التعرض و يحل محل المتعرض خلفه العام أي ورثته فتوجه إليهم الدعوى بعد موت المتعرض(2) . فترفع دعوى منع التعرض ضد الخلف العام أو الخاص بالنسبة للمتعرض أو المغتصب حتى و لو كان هذا الخلف حسن النية .
و ترفع ضد المدعى عليه دعوى منع التعرض كما لو كان شريكا في الشيوع فإذا تعرض الشريك لحيازة باقي الشركاء في الشيوع و ذلك من أجل الاستئثار بالملك، هنا ترفع ضده هذه الدعوى.
و إذا ثبت أن المتعرض كان وكيلا عن غيره إذ قام بالتعرض لحساب الغير فيكون للمدعي الخيار بين رفع دعوى منع التعرض ضد الوكيل أو الموكل.
كما ترفع دعوى الحيازة ضد المتعرض و لو كان نائبا في الحيازة عن غيره كرفعها ضد مستأجر العقار مثلا .لكن جرى الأمر في فرنسا على أنه لا يجوز رفع دعاوى الحيازة ضد الحائز(1) .
كما أن المتعرض قد يكون هو المتعرض لكنه يعمل لصالح الغير أو بأمر منه كما إذا كان التعرض قد صدر من المستأجر أو الوكيل بأمر من المؤجر أو الموكل أو لصالحه و ليس للمستأجر أو الوكيل أن يطلب إخراجه من دعوى منع التعرض بحجة أنه إنما عمل بأمر من المؤجر أو من الموكل بل يبقى خصما في الدعوى و له أن يدخل المؤجر أو الموكل فيها ضامنا (2) .
فإذا كان الغرض من دعوى منع التعرض الخروج من العقار أو إعادة الحالة إلى ما كانت عليه فإن هذه الدعوى يمكن أن ترفع على الغير الذي انتقل إليه هذا العقار و لو كان حسن النية لا يعلم أصلا بهذا التعرض لكن في هذه الحالة لا يطالب المدعى بالتعويض الذي لحق به إلا إذا أثبت أنه سيء النية .
المطلب الثاني :موضوع دعوى منع التعرض
يكون موضوع دعوى منع التعرض بإزالة الأعمال التي تمت، و يستوي أن تكون الأعمال قد تمت في عقار المدعي أو المدعى عليه (1) فإذا قام شخص مثلا بالبناء على مسافة أقل من 02 أمتار تعرض انطلاقا من الحد الفاصل بين الملكتين، فيكون منع التعرض بغلق المطلات و ترك المسافة القانونية .
فليس من الضروري أن يقع الاعتداء على ملك الحائز، بل يتحقق التعرض فيما لو أتى المتعرض بأعمال مادية في عقاره لكنها تتعارض مع حق الحائز، كمن يسد مجرى الماء المتصل بأرض جاره فيعارض عمله مع حق الري (2) .
و يجب تعيين موضوع الدعوى تعيينا نافيا للجهالة ،بأن يبين المدعي نوع هذه الأعمال التي أصبحت تشكل تعرضا للحيازة، فإذا كان مصدره عملا ماديا وجب وصف هذا العمل و تحديد طبيعته و إذا كان تصرفا قانونيا وجب كذلك وصف هذا فيما إذا كان إنذارا أو دعوى قضائية أو تصرف ناقلا للملكية (3) .
لا يجوز كذلك أن يرفع المدعى دعوى منع التعرض بغرض تنفيذ عقد يربط بين المدعى و المدعى عليه، و هنا يجب أن ترفع دعوى العقد و ليس دعوى منع التعرض فإذا تعرض القاضي الذي رفعت أمامه دعوى منع التعرض ،إلى موضوع الحق الناشئ من العقد،لكي يلزم المدعي عليه به فهنا نكون أمام جمع بين دعوى الحيازة و دعوى موضوع الحق . وعلى ذلك إذا أتى الراهن رهن حيازة عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد، فليس للدائن المرتهن أن يلجأ إلى دعوى منع التعرض لإلزام الراهن بعدم الإخلال بعقد رهن الحيازة، بل يلجأ إلى دعوى عقد الرهن الحيازة ذاته لإلزام الراهن بتنفيذ العقد(4).
و قضي في فرنسا أنه لا يجوز الالتجاء إلى دعوى منع التعرض، إذا قطعت شركة الكهرباء و الغاز عن المشترك للكهرباء أو الغاز لوجود عقد بين الشركة و المشترك هو الذي يحكم العلاقة بين الطرفين.
فمن واجب القاضي عند الفصل في دعوى منع التعرض، أن يبحث في طبيعة وضع اليد و كذا شروطه، كما له أن يبحث في ماهية التعرض و تاريخ نشوءه .
فلا يجوز أن يمس التحقيق الذي يأمر به القاضي بأصل الحق حسب ما هو وارد في المادة 415 من قانون الإجراءات المدنية فلا يجوز للقاضي مثلا أن يسمع لشهود بشأن عناصر الملكية، كما لا يجوز له أن يندب خبيرا للتحقيق في مستندات و أسباب الملكية و إن تم فحص هذه المستندات فينبغي أن يكون على سبيل الاستئناس و بالقدر الذي يقتضيه التحقيق من توافر شروط الحيازة (1) .
و كما سبق الإشارة إليه في المطلب الأول، فإن التعرض الحاصل لحيازة المدعي و أحدث له ضررا دون أن يتضمن أدعاء يعارض حيازته أو يعكرها، فهنا فإن الدعوى لا يمكن أن يكون موضوعها منع التعرض، و إنما دعوى تعويض لأن المتعرض الذي يعكر حيازة المدعي و يبيح له رفع دعوى منع التعرض لا يشترط أن يلحق بالمدعي ضررا، فالقاضي هنا لا ينظر إلى الضرر الذي حصل للمدعي في دعوى منع التعرض على أساس أنه شرط فلا يهم إن حصل هذا الضرر أو لم يحصل طالما كان العمل الصادر من المدعى عليه يشكل معارضة لحيازة المدعي (*).
و للمدعي الحق في أن يكيف دعواه سواء من جهة الشكل أو من جهة الموضوع، بحسب ما يرى و حقه في ذلك يقابله حق المدعى عليه في كشف خطأ هذا التكيف، و القاضي يهيمن على هذا و ذاك من حيث انطباق هذا التكيف على الواقع و ألا يتقيد بتكيف المدعي للحق الذي يطالب به، بل عليه أن يبحث في طبيعة هذا الحق ليرى ما إذا كان التكييف صحيحا قانونا أم غير صحيح، و يأخذ بهذا التكييف قضية مسلمة و لو للفصل في مسألة شكلية قبل مناقشة الحق المتنازع عليه موضوعا(2) .
إن تكييف المدعى دعواه تكييفا خاطئا لا ينطبق على واقعتها التي ذكرها في عريضة الافتتاحية لا يقيد القاضي و لا يصح أن يمنعه من إعطاء الدعوى وصفها الحقيقي و تكييفها القانوني الصحيح .
فإذا رفع المدعي دعواه على اعتبار أنها دعوى استرداد حيازة، و وصفها صراحة بذلك و لكن كان الظاهر من العريضة أن الحق الذي يتمسك به و الواقعة التي ذكرها تستلزمان أن تكون دعوى منع تعرض، يقضي القاضي على أساس أنها دعوى منع التعرض. و هذا يستنتج من قرار المحكمة العليا رقم 196094 مؤرخ في 26/04/2000 م.ق 2000 عدد 01.ص 01.
“أن المدعية تزعم من جهة أنها تحوز الأرض موضوع النزاع و أن للمدعى عليهما تعرضا لها في حيازتها،و من جهة أخرى نشير أنها فقدت هذه الحيازة بفعل المدعى عليهما اللذان تعرضا لها في حيازتها و من جهة أخرى نشير أنها فقدت هذه الحيازة بفعل المدعى عليهما، اللذان احتلا الأرض و حرثاها و أرعيا حيوانهما فوقها فكان على قضاة الموضوع أن يحددوا نوع دعوى الحيازة المطروحة أمامهم، و أن يطبقوا القواعد الخاصة بها سواء تلك المنصوص عليها في المادة 413 ق إ م .
إذا تعلق الأمر بالتعرض للحيازة و تلك المنصوص عليها في المادة 414 ق إ م إذا تعلق الأمر باسترداد الحيازة” .
في فرنسا قضي بأنه يجوز رفع دعوى منع التعرض و دعوى استرداد الحيازة في وقت واحد، و بأنه يجوز لمن رفع دعوى منع التعرض أن يحولها إلى دعوى استرداد الحيازة (1) دون أن يعد ذلك دعوى جديدة(*) .
فمن يرفع دعوى يطلب منع التعرض ثم يغير طلبه في الأخير و يطلب استرداد الحيازة، فهنا العبرة بالطلب الأصلي طالما تغير عنصر واحد من عناصر الطلب القضائي و هو الموضوع فقط دون السبب. و تجدر الإشارة في هذا المجال إلى حكم صدر بمحكمة سعيدة القسم العقاري . و فيه قام المدعي قي الدعوى بعرض وقائع القضية مبينا التعرض الحاصل له، بالعنف على قطعته الأرضية من قبل المدعى عليهم هؤلاء الذين قاموا بحرثها مستعملين العنف فكيف القاضي أحل النزاع على أنه يتعلق باسترداد الحيازة إلا أن منطوق الحكم تعلق بمنع التعرض و ذلك لما ألزم المدعى عليهم بعدم التعرض في حيازة قطعة الأرض (2) .
و بما أن موضوع دعوى منع التعرض يتعلق بإزالة أعمال أو إعادة الحالة إلى ما كانت عليه ، لذا يختلف منطوق الحكم الصادر في هذه الدعوى حسبما كان التعرض ماديا أو قانونيا .
إذا كان التعرض ماديا يصدر القاضي حكم إلزام، محله إزالة أثار التعرض مثل هدم الحائط الذي يسد المطل أو إلزام المتعرض بالامتناع عن التعرض للحائز مثل منعه من المرور على أرض الجار .
و إذا كان التعرض قانونيا يأتي الحكم تقريريا يؤكد حيازة المدعي و ينفي حق المتعرض في اتخاذ الإجراء الذي قام به(1).
و الحكم في دعوى منع التعرض يقوم على أسباب مستمدة من الحيازة ذاتها ، و لما كانت ولاية القاضي في هذه الدعوى تتسع لإزالة الأفعال المادية التي يجيرها المتعرض باعتبار، أن قضاءه بذلك هو من قبيل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل حصول التعرض(2)
و يحكم القاضي بمنع التعرض حتى لو كان يعتقد أن المتعرض سيفوز في دعوى الملكية، أو دعوى موضوع الحق لأن القاضي المعروض عليه دعوى الحيازة لا شأن له بالملكية .
المطلب الثالث : سب دعوى منع التعرض
رأينا أن دعوى منع التعرض هي الدعوى التي يطالب فيها المدعي بإزالة الأعمال التي قام بها المدعى عليه و التي شكلت تعرضا لحيازته .
و التعرض الصادر من المدعى عليه في هذه الدعوى هو العنصر المجسد لشرط المصلحة في دعوى منع التعرض (1) .
و يتمثل سبب هذه الدعوى في الاعتداء الحاصل على حيازة المدعي و يكون مصدر هذا الاعتداء إما تعرضا ماديا، أو تصرفا قانونيا، أو تعرضا ناجما عن أشغال عامة أو خاصة،
و يجب على المدعي أن يثبت حيازته للعقار و أن تكون هذه الحيازة أصلية لا عرضية ،و أن يحدد سبب الدعوى و ذلك بتحديد نوع الاعتداء ما إذا كان مصدر تعرضا ماديا أو تصرفا
قانونيا (2) .
و عليه يتجسد التعرض بقيام المدعى عليه بعمل مادي أو تصرف قانوني يتضمن ادعاء يعارض به حيازة المدعي يبيح لهذه الأخير اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحماية القضائية لمركزه القانوني بدعوى منع التعرض لإزالة ذلك التعرض مثال : إقامة المدعى عليه حائطا أو بناءا في أرضه يسد به مطلا لجاره أو مروره في أرض جاره مدعيا أنه له حق ارتفاق المرور ..الخ فهذه الأعمال تجسد تعرضا للمدعي في حيازته و قاضي الموضوع هو المختص في تقديم ما إذا كان هناك تعرض للحيازة أم لا .
و قد يكون التعرض ماديا و قد يكون قائما على تصرف قانوني و قد يكون التعرض بسبب أشغال عامة، أو أشغال خاصة مرخصا بها من جهة الإدارة، و في جميع الأحوال لا يجوز رفع دعوى منع التعرض ضد المدعى عليه الذي تربطه بالمدعي الحائز علاقة تعاقدية نجم عنها التعرض الحاصل من المدعى عليه (3) .
و قبل التطرق لماهية كل شكل من أشكال التعرض جدير بنا إزالة اللبس حول بعض النقاط الخاصة بهذا التعرض كسبب لرفع دعوى منع التعرض.
حيث لا يشترط في التعرض الصادر عن المدعى عليه أن يلحق ضررا بالمدعي بل المهم أن يتضمن التعرض إدعاءا يعارض به المدعى عليه حيازة المدعي فمجرد حدوث ضرر للمدعي دون معارضة في حيازته فهذا لا يشكل تعرض يؤدي إلى رفع دعوى منع التعرض و إنما يؤدي إلى رفع دعوى تعويض .
و عليه يكفي أن يعارض المدعى عليه حق المدعي في الحيازة ليكون هناك تعرض واقع من المدعى عليه فلا يشترط أن يكون التعرض قد ألحق ضرر بالمدعي أو أن يكون ظاهرا أو حصل علنا و إنما يكفي أن يعلم به المدعي حتى يبدأ ميعاد السنة التي يجوز له رفع الدعوى خلالها(1) .
كما لا يشترط أن يكون التعرض غير قائم على أساس حق ثابت للمدعى عليه، فحتى لو كان المدعي يستند في تعرضه إلى حق ثابت له فإنه من حق المدعي اللجوء إلى دعوى منع التعرض،لأن القاضي الفاصل في الحيازة يحمي الحيازة في ذاتها و لا شأن له بموضوع الحق و لأن القانون يحمي الحيازة كونها قرينة على الملكية لغاية إثبات العكس فالحائز غالبا ما يكون هو المالك و نادرا ملا يحوز المالك ملكه بنفسه.
و كما سبق القول أن الحيازة تحمى في ذاتها فإنه لا يشترط أن يكون المدعى عليه سيء النية، فحتى و إن كان حسن النية معتقدا أنه يستند في تعرضه إلى حق له فإنه يقضى عليه بمنع التعرض بصرف النظر عما إذا كان المتعرض سيء النية أو حسن النية.
كما لا يشترط أن تكون أعمال التعرض وقعت في العقار الذي يحوزه المدعي فلا مانع من وقوعها في العقار الذي يحوزه المدعى عليه أو في عقار يحوزه الغير لأن العبرة في أعمال التعرض أن تشكل ادعاء يعارض حق المدعي في الحيازة .
و أخيرا لا يشترط أن تقع أعمال التعرض بالقوة أو العنف فقد تقع خلسة و في خفية عن المدعي و مع ذلك تشكل تعرضا لحيازة الأخير يجوز له دفعه بدعوى منع التعرض.
و التعرض الصادر من المدعى عليه كما سبق شرحه قد يكون تعرضا ماديا أو تعرضا قائما على تصرف قانوني،كما قد يكون ناجما عن أشغال عامة أو أشغال خاصة و سنفضل كل نوع على حدى فيما يلي :
1/ التعرض المادي : يتمثل في واقعة مادية أو عمل مادي يحرم الحائز من حيازة العين أو يعطل انتفاعه بالحيازة تعطيلا كليا أو جزئيا و من أمثلة ذلك المرور في أرض يحوزها الجار
أو منعه من القيام بذلك و سواء تم ذلك باستعمال العنف أو بدونه (1)
فكل هذه أعمال تعتبر تعرضا ماديا للمدعي في حيازته و قاضي الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كان هناك تعرض مادي،و لكن لا يعد العمل تعرضا للحيازة إذا اكتفى بإحداث أضرار بالحائز مادام لا يتضمن ادعاء يتعارض مع حيازة الغير و من أمثلة ذلك قطف ثمار من أرض الجار خلسة أو وضع مواد البناء فيها بناءا على رضاه، لكن و إن كانت مثل هذه الأعمال لا تسمح برفع دعوى منع التعرض فإنها يمكن أن تكون أساسا لدعوى أخرى مثل دعوى التعويض عن الأضرار الواقعة (2) .
2/ التعرض القانوني : هو تصرف إرادي يصدر من المدعى عليه يتضمن إدعاء يعارض به حيازة المدعي،و قد يصدر هذا التصرف خارج مجلس القضاء كما إذا أنذر المدعى عليه مستأجرا بدفع الأجرة له هو لا للمؤجر فيكون هذا تعرضا لحيازة المؤجر للعين المؤجرة، و من الأمثلة كذلك إنذار المدعى عليه المدعي ألا يقيم بناء في الأرض التي يحوزها هذا الأخير فيكون هذا تعرضا لحيازة المدعي للأرض (3) .
و من خلال الأمثلة السابقة يتبين أن التعرض القانوني يتخذ إحدى الصورتين :
أ- إما صورة إجراء قضائي : كرفع دعوى يعارض فيها المدعى عليه حيازة المدعي أو إذا تدخل شخص في دعوى مدعيا أن له حق على الأرض محل النزاع في مواجهة الحائز الممثل في الدعوى فإن هذا يعتبر تعرضا للأخير يجيز له رفع دعوى منع التعرض فكل ما يوجه إلى واضع اليد على أساس ادعاء حق يتعارض مع حقه يصلح أساسا لرفع دعوى منع التعرض حتى و لو لم يكن هناك غصب (4) .
ب-إما صورة إجراء غير قضائي : مثل إبرام عقد إيجار مع الغير محله العقار محل الحيازة أو توجيه إنذار للمستأجر للمطالبة منه بدفع الأجرة إليه هو بدلا من الحائز المؤجر،أو إنذار الحائز بالخروج من العقار و إلا طرده منه بالقوة (5) .
3/ التعرض الناجم عن الأشغال العامة : قد يصدر التعرض من جهة الإدارة للأفراد في حيازتهم،التعرض الذي يستند إلى أمر إداري اقتضته مصلحة عامة لا يصلح أساسا لرفع دعوى حيازة لمنع هذا التعرض و ذلك لما يترتب حتما على الحكم في الدعوى لمصلحة رافعها من تعطيل هذا الأمر ووقف تنفيذه (1) .
و لا يكون للحائز في هذه الحالة من سبيل لدفع هذا التعرض سوى الالتجاء إلى القضاء الإداري صاحب الاختصاص لوقف تنفيذ الأمر الإداري أو إلغائه، و قد ينجم عن هذه الأشغال التي تقوم بها الإدارة لحيازة الأفراد كليا أو جزئيا دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية كما هو الشأن بالنسبة لقانون الاحتياطات العقارية حيث تأتي الدولة و تنزع الملكية دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية فقد اتجه رأي في الفقه إلى أن القاضي الفاصل في الحيازة يصبح مختصا في هذه الحالة في إثبات قيام الحيازة إذا كانت محل نزاع، و يجوز له كذلك أن يأمر بوقف الأشغال أما إذا كان القانون يخول جهة الإدارة الاستيلاء نهائيا على أملاك الأفراد فالنزاع هنا يكون من اختصاص القضاء الإداري (2) .
4/ التعرض الناجم عن الأشغال الخاصة : و هنا ينشأ التعرض نتيجة أشغال خاصة رخصت فيها الإدارة، كما إذا أدار شخص محلا مقلقا للراحة ( ملهى ليلي مثلا ) بعد أن حصل على رخصة من جهة الإدارة، أو إذا حصل شخص على رخصة بناء و كان البناء الذي أقامه بموجب الرخصة الممنوحة من الإدارة يشكل تعرضا للحائز فإن التعرض في هذه الحالة و الحالات المشابهة لها تسري عليه القواعد العامة و يكون الفصل فيه من اختصاص القاضي العادي،و للحائز أن يلجا إلى دعوى الحيازة لمنع هذا التعرض و إزالة الأعمال التي تمت و نجم عنها التعرض، كون الترخيص الإداري الممنوح من الإدارة في هذا المجال و الأعمال المرخص بها يكفي أن لا تتعارض مع مصلحة عامة مع حفظ حقوق الأفراد فيما أصابهم من ضرر جراء هذه الأعمال المرخص بها من الإدارة.
و المقصود من حفظ حقوق الأفراد فيما أصابهم نتيجة الأعمال المرخص يها من الإدارة هو حق اللجوء إلى القضاء، و القضاء العادي هو المختص هنا من أجل منع أعمال التعرض للحيازة و لا تعتبر رخصة البناء كمسألة أولية لأنها لم تكن محلا لقرار إداري، أي أن الحائز الذي وقع له تعرض من هذا النوع يلجأ مباشرة للقضاء العادي لمنع التعرض و إزالة الأعمال و إعادة الحال إلى ما كانت عليه
المبحث الثالث : دعوى وقف الأعمال الجديدة :
هي دعوى يتمسك فيها المدعي بحيازته القانونية التي تهددها أعمال جديدة يقوم بها المدعى عليه من شأنها لو تمت أن تمس حيازته طالبا الحكم بوقف الأعمال و مثالها الدعوى التي ترفع من حائز حق ارتفاق على مالك العقار المجاور لمطالبته بإيقاف البناء الذي شرع فيه لأنه لو تم لأصبح مانعا من استعمال حق الارتفاق (1) .
يلاحظ من التعريف أن دعوى وقف الأعمال الجديدة تحمي الحيازة القانونية من خطر يهددها لم يقع فعلا، أي تقوم على مصلحة محتملة فهي دعوى وقائية تهدف إلى درء خطر ممكن الوقوع مستقبلا .
و قد وردت دعوى وقف الأعمال الجديدة في القانون المدني الجزائري بنص المادة 821 فقرة أولى منه التي تنص :” يجوز لمن حاز عقارا و استمر حائزا له مدة سنة كاملة و خشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبا وقف هذه الأعمال بشرط أن لا تكون قد تمت و لم ينقض عام واحد على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر ” .
و على خلاف باقي دعاوى الحيازة تتميز دعوى وقف الأعمال بأنها تعود بالفائدة للمدعي و المدعى عليه فتسمح للمدعي بتفادي ضرر سيلحق به مستقبلا و تسمح للمدعى عليه بتفادي إزالة أو هدم الأعمال التي بدء فيها لو ترك يستمر في القيام بها (2) .
كما تتميز دعوى وقف الأعمال الجديدة عن دعوى الاسترداد بأن الحيازة لم تنتزع من الحائز، و تتميز عن دعوى منع التعرض بأن الأعمال التي يقوم بها المدعى عليه ليست أعمال تعرض وقع فعلا بل هي أعمال لو وقعت تكون تعرضا فهي دعوى مستقل عن الدعويين السابق ذكرهما .
و طالما أن دعوى وقف الأعمال الجديدة كغيرها من دعاوى الحيازة واردة على عقار فإن المحكمة المختصة في نظرها هي المحكمة التي يقع في دائرتها العقار المطلوب وفق الأعمال الجديدة التي بدأت في العقار محل الحيازة ، كما ينعقد الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها جزء من هذا العقار– صغر هذا الجزء أو كبر– إذا كان العقار الواقع عليه الاعتداء يتكون من عدة أجزاء تقع في دوائر محاكم متعددة (1) .
هذا من ناحية الاختصاص المحلي ، أما الاختصاص النوعي فإنه لما كانت دعاوى الحيازة تحمل طابع الدعاوى الاستعجالية التي لا يجوز فيها التعرض للموضوع لذلك نجد أن الأصل في دعوى وقف الأعمال الجديدة أن يختص بها القاضي الإستعجالي كونها من المسائل التي يخشى فيها فوات الوقت (2) ، هذا من جهة و من جهة أخرى نعتقد أن الكفالة المنصوص عليها بالمادة 821 من القانون المدني الفقرة الثانية لا يحكم بها سوى القاضي الاستعجالي، و يشترط لاختصاص القضاء الاستعجالي لنظر دعوى وقف الأعمال الجديدة- فضلا عن وجوب توافر حيازة قانونية استمرت لمدة سنة و شروع المدعى عليه في أعمال لو تمت لأصبحت تعرضا للحيازة و وجوب رفع الدعوى خلال سنة من تاريخ بدء الحيازة -، وجوب توافر حالة الاستعجال و عدم المساس بأصل الحق و تخلف شرط من هذين الشرطين كأن يتبين القاضي الاستعجالي أن الاستعجال الذي يخشى معه من فوات الوقت غير متوافر أو أن يتبين أن الفصل في الدعوى يقتضي بحث موضوعي يمس أصل الحق المتنازع عليه عندئذ يتعين عليه القضاء بعدم الاختصاص النوعي بنظر الدعوى (3) .
و يظهر من خلال ما سبق أن دعوى وقف الأعمال الجديدة تنفرد بخصائص و شروط تميزها عن باقي دعاوى الحيازة ، و سنتناول هذه الشروط بشيء من التفصيل عندما نتطرق لأشخاص دعوى وقف الأعمال الجديدة و ما يجب توافره في أشخاص هذه الدعوى و كذلك عند تناولنا لموضوع هذه الدعوى و سببها .
لذلك سنتطرق في هذا المبحث لأشخاص دعوى وقف الأعمال الجديدة في المطلب الأول
و موضوعها في المطلب الثاني و سببها في المطلب الثالث على النحو الآتي بيانه :
المطلب الأول : أشخاص دعوى وقف الأعمال الجديدة :
هما المدعي و هو الحائز الذي له حيازة قانونية و أصبحت حيازته مهددة بخطر داهم و المدعى عليه هو الشخص الذي أصبح يهدد الحائز ( المدعي ) في حيازته .
و عليه سنتناولهما كما يستلزم القانون من شروط واجبة التوفر في كل منهما :
1 / المدعي في دعوى وقف الأعمال الجديدة : المدعى في هذه الدعوى هو حائز العقار الذي يقع عليه إثبات أن حيازته مستمرة ، علنية ، هادئة، غير غامضة أي خالية من العيوب ، و يجب أن يستند إلى حيازة أصلية لحساب نفسه و ليست حيازة عرضية لحساب غيره و ذلك ما يستشف من نص المادة 821 فقرة أولى من القانون المدني السابقة الذكر .
و تجدر الإشارة أنه إذا قامت الحيازة على عمل من أعمال التسامح أو على ترخيص من جهة الإدارة يجوز الرجوع فيه في أي وقت ، فإن الحيازة لا تكون عرضية إلا بالنسبة إلى المالك المتسامح ، أو جهة الإدارة المرخصة ، و فيما عدا هاتين الصورتين تكون الحيازة أصلية تبيح رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة (1) .
و يستثنى من هذا الأصل بصفة خاصة المستأجر الذي أباح له القانون بموجب المادة 487 من القانون المدني ممارسة دعاوى الحيازة .
و لا يشترط في الحائز ( المدعي ) أن يكون حسن النية بل يشترط فيه باستقراء المادة 821 فقرة أولى من القانون المدني السابقة الذكر أن تكون حيازته قد دامت سنة كاملة بدون انقطاع قبل شروع المدعى عليه في الأعمال الجديدة التي لو تمت لأصبحت تعرضا للحيازة ، و للمدعي في حساب السنة أن يضم إلى مدة حيازته مدة حيازة سلفه سواء كان خلفا عاما أو خاصا .
و في إطار سرد الشروط المتعلقة بالمدعي يتعين التأكيد على أن المدعي يجب أن يستند إلى الحيازة باعتبارها إحدى دعاوى وضع اليد و ليس إلى عقد ، فإذا كان المدعي مرتبطا مع المدعى عليه بعقد و كان إيقاف الأعمال الجديدة يدخل في نطاق هذا العقد ، ففي هذه الحالة يتعين على المدعي أن يلجأ إلى دعوى العقد و ليس إلى دعوى الحيازة لإلزام المدعى عليه باحترام و مراعاة شروط العقد ، فإذا قام المؤجر بأعمال جديدة من شأنها أن تحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة كأن يحدث بالعين المؤجرة أو بملحقاتها تغييرا يخل بهذا الانتفاع ، فيستطيع المستأجر أن يلجأ إلى القضاء لإلزام المؤجر بوقف الأعمال الجديدة لا استنادا إلى دعوى الحيازة ( لأنه لا جوز للمستأجر و هو حائز عرضي رفعها ضد المؤجر ) و إنما استنادا إلى دعوى عقد الإيجار الذي يربطه بالمؤجر و الذي يلزمه بالامتناع عن التعرض المادي للمستأجر (1) .
و يشترط في المدعي فضلا عن وجوب توافر الحيازة القانونية أن يلتزم بالميعاد القانوني لرفع الدعوى ، فعليه رفع الدعوى خلال سنة من البدء من الأعمال المهددة لحيازته ، أي أن تكون الأعمال الجديدة التي بدأ فيها المدعى عليه لم تنقض سنة على البدء فيها ، و على المدعي الالتزام لمدة سنة من وقت البدء في الأعمال الجديدة فإذا كانت الأعمال متعاقبة يبدأ حساب السنة من وقت البدء في أول عمل منها، فلو انقضت السنة و رفعت الدعوى تكون غير مقبولة حتى و لو كانت الأعمال الجديدة لم تتم ، بل ينبغي على الحائز المدعي في هذه الحالة أن ينتظر حتى تتم الأعمال كي يرفع دعوى منع التعرض إذا توافرت شروطها .
و مدة السنة هي مدة سقوط تسري على ناقص الأهلية و الغائب لا يرد عليها الوقف أو الانقطاع على نحو ما سلف بيانه .
و منه ففي حالة أن الأعمال التي بدأت قد تمت فإنه بتمامها نكون أمام فرضين :
* أن يتحقق التعرض و بالتالي يمكن رفع دعوى منع التعرض .
* أن لا يتحقق التعرض و بالتالي تنتفي الحاجة لرفع أية دعوى (2) .
و علاوة على الشروط السابق ذكرها يتعين أن تكون الأعمال التي يطلب المدعي وقفها أن تجري على عقار المدعى عليه و ليس في عقار المدعي أو الغير كما سيأتي شرحه عند التطرق للمدعى عليه .
كما أن هذه الأعمال يخشى الأسباب معقولة أن تؤدي إلى الإضرار بالحائز و بهذا يكون العمل إشارة لاعتداء محتمل على الحيازة .
2- المدعى عليه في دعوى وقف الأعمال الجديدة :
هو الشخص الذي يبدأ أعمالا في عقاره الذي يملكه لم تصل إلى حد تصبح فيه تعرضا فعليا لحيازة المدعي و يجب أن تهدد هذه الأشغال حيازة المدعي ، و أن يكون هذا التهديد حقيقيا مبنيا على أسباب معقولة و موضوعية و ليس مجرد وهم يقوم في ذهن الحائز، و يكفي أن يستند المدعى عليه إلى ترخيص إداري يسمح له بالقيام بهذه الأعمال لأن الإدارة عندما تمنح هذه الرخصة فهي تتحقق فقط من كون أن الأعمال المرخص بها لا تمس بالمصلحة العامة ، و يبقى حق الأفراد محفوظا في حالة ما إذا ألحقت بهم أضرار جراء هذه الأعمال أن يلجؤوا إلى القضاء العادي لطلب وقف هذه الأعمال (1) .
و بالرجوع لنص المادة 821 فقرة أولى من القانون المدني السابقة الذكر نجدها تشترط بصريح العبارة أن تكون الأعمال التي بدأها لم تتم أي أن المدعى عليه شرع فيها و لم تنتهي بعد كأن يشرع المدعى عليه في بناء حائط في أرضه يمنع المدعي صاحب حق الارتفاق من المرور في الأرض فيقوم بحفر الأساس و جلب مواد البناء … الخ . فكل هذه الأعمال و تصرفات تنبأ بخطر وشيك الوقوع على الحيازة ، و في هذا الإطار يملك القاضي الاستعجالي – قبل الفصل في دعوى وقف الأعمال الجديدة – ندب خبير تكون مهامه الانتقال إلى العين محل النزاع لمعاينتها على الطبيعة و بيان ماهية الأعمال الجديدة المطلوب وقفها ، و ما إذا كان المدعى عليه ما يزال في مرحلة الشروع فيها أم أنها تمت بالفعل و في الحالة الأخيرة يتعين على الحائز رفع دعوى منع التعرض و ليس دعوى وقف الأعمال الجديدة إذ تكون قد فقدت أحد الشروط الخاصة بها مما يؤدي إلى القضاء بعدم الاختصاص النوعي (2).
و أبعد من هذا طالما أن القاضي الاستعجالي له سلطة تقدير حالة الاستعجال أي تقدير درجة الخطر المهدد للحيازة ، فله في سبيل ذلك الانتقال إلى المحل المطلوب وقف الأعمال الجديدة فيه لإجراء معاينة للأعمال و تقدير درجة الخطر للتحقق من وجود مصلحة محتملة تخول لصاحبها المطالبة بالحماية القضائية المؤقتة ضد الأعمال التي بدأ فيها المدعى عليه .
و الأعمال التي بدأها المدعى عليه و التي تعتبر سببا لرفع هذه الدعوى يشترط القانون ضمن المادة 821 من القانون المدني السابقة الذكر أن يكون المدعى عليه بدأها في عقاره هو و ليس في عقار المدعي أو الغير ، لأن الأعمال لو بدأت في عقار المدعي فإن مجرد بدأ المدعى عليه فيها يعتبر تعرضا حالا للحيازة و ليس مستقبلا ، و نفس الشيء إذا بدأت في عقار الغير لكانت تعرضا حالا لهذا الغير في حيازته و لوجب في الحالتين دفع التعرض بدعوى منع التعرض .
المطب الثاني : موضوع دعوى وقف الأعمال الجديدة
دعوى وقف الأعمال يرفعها الحائز ضد الغير الذي شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضا للحيازة ،و ذلك بطلب منعه من إتمام هذا العمل (1)
و استقراء سريع لما تقدم يبين لنا أن أساس هذه الدعوى مصلحة قائمة للحائز في درء التعرض قبل حصوله لأنه ليس من المتصور حرمان الحائز من الحماية القانونية إلى أن يتم الاعتداء على حيازته .
فموضوع الطلب القضائي الذي يتقدم به المدعى أمام المحكمة في هذه الدعوى هو الحكم بإلزام المدعي عليه الذي سبق بنيابته أعلاه بوقف الأشغال التي يقوم بها في عقاره .
و مثال ذلك أن يشرع في بناء صور في أرضه لو تم لمنع المرور و تكون الأرض محملة بحق ارتفاق بالمرور لمصلحة جاره الحائز لحق الارتفاق أو أن يشرع في بناء حائط في عقاره لو تم لسد النور و يكون العقار محملا بحق مطل لمصلحة جاره.
إذن فموضوع الدعوى ليس منع التعرض بل أعمالا لو تمت لكان فيها تعرض و المصلحة فيها مستقبلية غير حالة قررت لحماية الحائز من خطر مستقبلي .
و هذا لا يعني أنها محتملة لأن القاضي عند فصله في الطلب وجب أن يتأكد قبل أمره بوقف الأعمال من أنها يمكن أن تشكل تعرضا و إلا قضى بعدم قبول الدعوى و مثال ذلك أن يرفع الحائز دعوى على جار احترم المسافة القانونية المقررة بنص م 709 ق م لحق المطل يطالب فيها بوقف أشغال بناء الحائط لأنها تستمد له النور و الهواء .
و قد منح المشرع رخصة رفع هذه الدعوى بنص م 821 ق م التي تبين بوضوح موضوع هذه الدعوى فتقول : ” يجوز لمن حاز عقارا و استمر حائزا له لمدة سنة كاملة و خشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبا وقف هذه الأعمال شرط أن لا تكون قد تمت و لم ينقض عام واحد على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث بضرر ”
و موضوع هذه الدعوى يختلف عن موضوع دعوى الاسترداد في أن الحيازة في هذه الدعوى لا تسلب أو تنتزع فيكون موضوعها وقف الأعمال في حين أن موضوع دعوى الاسترداد هو رد الحيازة و تختلف عن دعوى منع التعرض في أن الأعمال التي تصدر من المدعى عليه لا تعد تعرضا إلا إذا تمت و موضوع دعوى منع التعرض إزالة الأعمال .
و تختلف عن مجرد الطلب الاستعجالي بوقف أعمال مستحدثة درءا للخطر الذي لا يمكن تداركه أو يخشى استفحاله إذا فات عليه الوقت .
فالدعوى تدخل في نطاق حماية الحيازة بنص المادة 821 ق م و الأعمال المطلوب وقفها تمثل اعتداء على وشك الوقوع على الحيازة و يختص بها القاضي الاستعجالي بوصفها إحدى دعاوى الحيازة التي تحمل طابع الدعاوى المستعجلة و عندئذ يتعين توافر الشروط الخاصة بالدعوى المتمثلة في حيازة قانونية لمدة سنة استمرت دون انقطاع من طرف الحائز – قبل الشروع في الأعمال الجديدة – ثانيا الشروع في الأعمال التي لو تمت لأصبحت تعرضا للحيازة و رفع الدعوى خلال سنة من تاريخ البدء في الأشغال (1)
و الشروط الخاصة بالقضاء المستعجل المتمثلة في توافر شرطا الاستعجال توافر حالة الاسعجال و عدم المساس بأصل الحق – فإذا وجد القاضي أن الفصل في الدعوى يقتضي بحث موضوعي يتطرق فيه إلى أصل الحق المتنازع عليه أو أثيري منازعته بشأن توافر أخد الشروط و ظهر للقاضي جديتها و صعب عليه ترجيع أحد القوالين من ظاهر المستندات و احتاج الأمر للقاضي جديتها و صعب عليه ترجيع أحد القوانين من ظاهر المستندات و احتاج الأمر إلى بحث موضوعي معمق (2) عندئذ يتعين عليه القضاء بعدم الاختصاص و الأمر نفسه إذا رأى أن الاستعجال الذي يخشى معه فوات الوقت غير متوافر كأن ترفع الدعوى بعد مرور سنة أو بعد اقتراب انتهاء الأشغال أو انتهائها .
أما في الطلب المذكور أعلاه فالأعمال لا صلة لها بالحيازة و يختص بها في القاضي الاستعجالي في نطاق اختصاصه العام في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت و عندئذ وجب توافر الشروط الخاصة بالقضاء المستعجل .
و هذا ما ورد في قرارات المحكمة العليا التي تقول في قرار لها صادر بتاريخ 16/03/85 تحت رقم 33.252 المجلة القضائية 1989 العدد 4 ص 34 .
” متى كان من المقرر قانونا أن الأوامر التي تصدر في المواد المستعجلة لا تمس أصل الحق و لما كان المجلس الذي أمر عن طريق الاستعجال بوقف الأشغال المتنازع فيها تعرض للفصل في الملكية بين الأطراف فإنه بهذا القضاء قد مس بالموضوع و خرق القانون ”
و في قرارها الصادر بتاريخ 11/06/97 تحت رقم 151591 ” إن وقف الأعمال من طرف الجهة الاستعجالية لا يمس بأصل الحق إنما هو مجرد تدبير مؤقت لحماية الحق من الخطر الناجم عن مواصلة البناء في انتظار الفصل النهائي في موضوع الدعوى ”
و المدعى في دعوى وقف الأعمال الجديدة وجب أن يكون موضوع طلبه القضائي مستند إلى الحيازة كما هو الحال في باقي الدعاوى لا إلى العقد فإذا كان المدعى مرتبط بالمدعى عليه بعقد و كان إيقاف الأعمال يدخل في نطاق هذا العقد ففي هذه الحالة يتعين عليه أن يلجأ إلى دعوى العقد و ليس إلى دعوى الحيازة لإلزام المدعى عليه باحترام أو مراعاة شروط العقد فإذا قام المؤجر بأعمال جديدة من شأنها أن تحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة كأن يحدث بالعين المؤجرة أو بملحقاتها تغييرا يخل بالانتفاع فيستطيع المؤجر اللجوء للقضاء لإلزام المؤجر بوقف الأعمال استنادا إلى دعوى عقد الايجار الذي يلزم المؤجر بالامتناع عن التعرض المادي لمستأجر و ليس استنادا إلى دعوى الحيازة .
و لكن هذا المستأجر يمكنه أن يرفع دعوى وقف أعمال جديدة على جاره الذي يشغل الطابق العلوي إذا كانت هذه الأعمال ستسبب تعرضا كأن تؤثر على قنوات صرف المياه عنده مثلا .
و عموما فكل ما ذكر من أحكام إنما يخص موضوع الطلب القضائي لهذه الدعوى
– فما هو موضوع الحكم الذي يقضي به القاضي بعد دراسته للطلب المقدم
من المدعى الحائز ؟
إن الحكم الذي يقرره القاضي في الدعوى يقتص على وقف الأعمال دون أن يتجاوزها إلى إزالة هذه الأعمال.
و الحال لا تخلو من أحد الأمرين : إما أن يرى القاضي ،أن المدعى على حق في دعواه فيقدر أن هناك أسباب يخشى معها أن يكون هناك نعرض فعلي لحيازة المدعي لو تمت هذه الأعمال الجديدة و عند ذلك يصدر الحكم لصالح المدعي بوقف الأعمال و عدم الاستمرار فيها إلى أن ترفع دعوى الحق و يفصل فيها ،و في هذه الحالة يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون ضمانا لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقف إذا تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرار الأعمال كان على غير أساس (1)
و بذلك فإذا فصل في دعوى الحق بأن المدعى عليه هو المحق و أن اعتراض المدعي على الاستمرار الأعمال كان على غير أساس من حيث موضوع الحق لا من حيث الحيازة جاز أن يحكم على المدعي بتعويض لإصلاح الضرر الذي أصاب المدعى عليه من جراء وقف الأعمال التي بدأها و عندئذ تكون الكفالة التي قدمها المدعي بناءا على الحكم الصادر في دعوى الحيازة ضمانا لهذا التعويض (1) و إما أن يرى القاضي أن المدعى ليس على حق في دعواه لأن شروط وقف الأعمال لم تتوافر فيحكم لصالح المدعى عليه و يقضي برفض الدعوى و من ثم يستمر هذا الأخير في الأعمال إلى أن ترفع دعوى حق و يفصل فيها و هنا يجوز الحكم على المدعى عليه بتقديم كفالة تكون ضمانا لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها للتعويض عن الضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته (2) .
و بذلك إذا قضى بحكم نهائي في دعوى الحق –الملكية- أن المدعي كان هو المحق و أن اعتراضه على استمرار المدعى عليه في الأعمال الجديدة كان مؤسسا من حيث موضوع الحق جاز الحكم على هذا الأخير بإزالة الأعمال كلها أو بعضها و تكون الكفالة في هذه الحالة المقدمة من طرف المدعى عليه بناءا على الحكم الفاصل في الحيازة ضمانا لهذه الإزالة .
و قد ذهب بعض الرأي إلى أن نظام الكفالة يلزم رافع دعوى الحيازة برفع دعوى الحق قصد إثبات صحة إدعائه في دعوى وقف أعمال الجديدة لأنه لو حكم لصالحه بوقف الأعمال مع دفعة كفالة لا يجوز له أن يسترد الكفالة إلا بعد استصدار حكم نهائي مثبت لحقه.
و إذا حكم على المدعى عليه بدفع الكفالة يلزمه لاستردادها رفع دعوى بنفي حق الحائز ليثبت أن الاعتراض على الاستمرار في الأعمال كان على غير أساس و هو في مجمله يلزم المحكوم له في دعوى الحيازة برفع دعوى الحق فيقف فيها موقف المدعي و يقع عليه عبء الإثبات مع أن الغرض الأصلي من حماية الحيازة بدعاوى خاصة يتمثل في إعفاء الحائز من رفع دعوى الحق لما فيها من مشقة اكتفاء بدعوى الحيازة (3)
و النقد يستدعي النظر إلى نظام الكفالة الوارد في م 821 ق م على أنه إجراء وقائي يتخذ من أجل تعويض الأضرار التي تنجم عن اتخاذ تدبير مستعجل أثناء سريان الخصومة و هو في هذه الحالة وقف الأعمال أو استمرارها بصفة مؤقتة إلى حين الفصل نهائيا في دعوى الحيازة لا في دعوى الحق (1) .
و الحكم الصادر في هذه الدعوى يكون مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون إذا صدر من القاضي الاستعجالي طبقا لنص المادة 188 ق أ م التي تنص :” تكون الأوامر الصادرة بالمواد المستعجلة معجلة النفاذ بكفالة أو بدونها” .
بعكس ما إذا رفعت هذه الدعوى بصفة موضوعية فلا تكون واجبة النفاذ إلا إذا نص الحكم على شملها بالنفاذ المعجل طبقا للقواعد العامة و استئناف الحكم يكون طبقا للجهة المصدرة له . و ما قيل بشأن استئناف و نفاذ هذه الدعوى يقال عن باقي الدعاوى .
المطلب الثالث : سبب دعوى وقف الأعمال الجديدة
ينحصر سبب دعوى وقف الأعمال الجديدة ببساطة و كما يظهر في اسم الدعوى في الأعمال الجديدة ،التي قد تلحق بحيازة المدعى أضرار إن تمت فدعوى وقف الأعمال تحمي الحيازة من تعرض في المستقبل .
فسبب هذه الدعوى شروع المدعى في أعمال لو تمت لأصبحت تعرضا للحيازة. بعبارة أخرى اعتداء على وشك الوقوع على الحيازة .
و مثال ذالك : أن يبدأ الشخص في بناء حائط في حدود أرضه لو مضى فيه إلى نهايته لسد النور و الهواء على جاره ،أو مطلا له و لنجم عن ذلك تعرضا لحيازة الحائز للعقار المجاور
و هو لا يزال آخدا في بناء الحائط فلا مجال لرفع دعوى منع التعرض و لكن هناك محل لرفع دعوى وقف الأعمال الجديدة التي يصدر فيها القاضي حكما بوقف البناء .
و يشترط في هذه الأعمال التي تشكل سبب لهذه الدعوى شرطان :
* أن تكون هذه الأعمال بدأت و لكنها لم تتم لأنها لو تمت لوقع التعرض فعلا و لوجب رفع دعوى منع التعرض لا وقف الأعمال الجديدة ،أي يكون المدعى عليه قد شرع في هذه الأعمال و لم تنته بعد .
كأن يشرع المدعى عليه في بناء سور في أرضه يمنع المدعى صاحب حق الارتفاق من المرور في الأرض فيقوم بحفر الأساس و شراء المواد اللازمة لإقامة البناء من اسمنت و رمل و اتفاق مع البنائين (1)
و لكن يجب أن يكون هناك أسباب معقولة تدعو للاعتقاد إلى أنه لو تمت هذه الأعمال لنجم عنها تعرض فعلي لحيازة المدعى و هذه مسألة واقع يقدرها القاضي .
و يتعين على المدعي في هذه الدعوى أن يذكر هذه الأعمال بالتفصيل مع تعيينها تعيين دقيقا،فيذكر نوع تلك الأعمال و يقدم الدليل على ضررها بالنسبة لحيازته و له في ذلك أن يستعين بكل وسائل الإثبات لكون المسألة متعلقة بوقائع مادية تثبت بكل وسائل الإثبات القانونية
كما أن للقاضي نفسه أن ينتقل إلى عين المكان ليعاين بنفسه مكان الأشغال و للقاضي أيضا قبل الفصل في دعوى وقف الأعمال الجديدة ندب خبير تكون مهمته الانتقال إلى العين محل النزاع لمعاينتها على الطبيعة و بيان ماهية الأعمال الجديدة المطلوب وقفها و ما إذا كان المدعى عليه لا يزال في مرحلة الشروع فيها أم أنها تمت بالفعل لأنها في هذه الحالة الأخيرة يتعين رفع دعوى منع التعرض .
و هو الذي قضى به في محكمة سعيدة بتاريخ
و القاضي يتأكد من توافر شروط الاستعجال ثم يتأكد من ظاهر المستندات من توافر شروط الحيازة القانونية في الحائز.
أما إذا أثيرت منازعة تبيان هذه الشروط و ظهرت جدية النزاع و لم يسعف القاضي الاستعجالي أن يستشف من ظاهر الملف و احتاج الأمر إلى بحث معمق قضى أيضا بعدم الاختصاص (1).
* أن تكون الأعمال التي يبدأها المدعى عليه قد وقعت في عقاره هو لا في عقار المدعي
و لا في عقار الغير لأن الأعمال لو بدأت في عقار المدعي لكان التعرض حالا لا مستقبلا
و لو بدأت في عقار الغير لكان التعرض لحيازة هذا الغير قد وقع هو أيضا حالا لا مستقبلا .
و لو وجب في الحالتين رفع دعوى منع التعرض لا دعوى وقف الأعمال الجديدة لكن إذا كان الغير راضيا بهذه الأعمال أو متواطئا مع المدعى عليه في شأنها كان الغير شريكا للمدعى عليه و يستوى إذن أن تبدأ الأعمال في عقاره أو عقار المدعى عليه (2)
و تحديد زمان الاعتداء إضافة إلى تحديد الاعتداء نفسه أمر مهم لأنه الأساس الذي تحسب على أساسه سنة رفع الدعوى التي تحسب من تاريخ البدء في أول عمل من هذه الأعمال .
أما إذا تعددت الأعمال الجديدة و تباعدت و استقل بعضها عن بعض أو صدرت من
أشخاص مختلفين فإن البدء في كل عمل من هذه الأعمال يعتبر اعتداءا قائما بذاته .
و تتعدد فيه دعاوى الأعمال الجديدة بتعدد هذه الأعمال أو الأشخاص و السنة تبدأ لكل دعوى من يوم البدء في العمل ” العمل منشأ الدعوى ”
و إذا رفعت الدعوى بعد مرور أكثر من سنة كانت غير مقبولة فيقضى فيها بعدم توافر الاستعجال و بالتالي عدم الاختصاص و في هذه الحالة على المدعي أن يتربص حتى تتم الأعمال و يقع التعرض فعلا على حيازته .
اترك تعليقاً