بحث قانوني ودراسة متميزة حول بدائل السجون والعقوبات السالبة للحرية
بدائل السجون:
(هي مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي في إحلال عقوبة السجن بخدمة يقدمها السجين لفئة من فئات المجتمع أو لموقع خيري أو الالتحاق بمرفق تعليمي يستفيد منه السجين بهدف إصلاحه وحمايته من الأذى وتقديم خدمة لمجتمعه).
كثير ما يخطئ من يظن أن الهدف من المطالبة بالتوسع باستخدام تدابير مجتمعية كبدائل لعقوبة السجن هو إلغاء عقوبة السجن تعاطفاً وتساهلاً مع المجرمين.
ولكن قد يكون السبب الرئيسي في بعض الأحوال لأصحاب السوابق هو دخولهم السجن للمرة الأولى، حيث أثبتت نتائج الأبحاث العلمية المتخصصة ان في بريطانيا مثلا يعود ما نسبته 50% إلى سجونهم بعد انتهاء محكومياتهم كما تشير إحدى الدراسات إلى ان غالب ما يسمى بجرائم الصدفة يتحول إلى جرائم الاحتراف، فقد لوحظ أن 29% من أصحاب الجنح الأخلاقية تحولوا إلى جرائم السرقة ومن هؤلاء 29% تحولوا إلى جرائم المخدرات أيضا، و 40% تحولوا من جرائم القتل إلى السرقة. وكل ذلك يعود إلى مجتمع السجن، وما قد ينطوي عليه أحيانا من ثقافة سفلية تعلم أساليب الإجرام وتفرخ المزيد من المجرمين.
وانطلاقا مما سبق فإن الحاجة أصبحت ملحة لتغيير سياسة وطريقة إصدار الأحكام القضائية، بما من شأنه الحد قدر المستطاع من استخدام عقوبة السجن واستبدالها ببدائل هذه العقوبة وهي كثيرة وأصبحت واسعة الانتشار في الدول المتقدمة!
إذ أثبتت الدراسات جدواها كوسيلة فاعلة للوقاية من السلبيات المترتبة على عقوبة السجن، لذلك أوصت المؤتمرات الدولية المتخصصة على الأخذ بها، ومنها على سبيل المثال المؤتمر السادس للأمم المتحدة للوقاية من الجريمة المنعقد في كاراكاس “فنزويلا” عام 1980م إذ اعتمد في توصيته رقم 8 ما نصه” العمل على نشر التدابير البديلة لعقوبة السجن في العالم على نطاق واسع، وذلك بإدخالها ضمن التشريعات الجزائية وإعطاء أجهزة العدالة الجنائية التأهيل اللازم لفهمها وتطبيقها واعتمادها”. كما ان المؤتمر السابع للأمم المتحدة المنعقد في ميلانو عام 1985م اعتمد في توصيته رقم 16 ما نصه” وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لعلاج ظاهرة تكدس السجناء، والاستعاضة ما أمكن عن عقوبة السجن بالتدابير البديلة والمؤهلة لإعادة دمج المحكوم عليهم في الحياة الاجتماعية أعضاء فاعلين.
الأسباب الداعية لتطبيق هذه البدائل للسجون فـي العالم هي كالتالي:
1- تعطيل الفائدة من مهارات وخبرات السجين الذي يتمتع بفن من فنون العمل في الطب أو الهندسة والحرف وخلافه.
2- نظرة المجتمع لمن يسجن بأنه يوصف بخريج سجون ينفر منه بعض أفراد المجتمع وزملائه وزوجته وبعض أفراد عائلته وبذلك يدخل في حيز من القيود على نفسه لخوفه من وصمة السجن لاسيما في مجتمع محافظ لا يتوانى البعض في الشماته به بطريقة غير مباشرة مما يؤثر عليه معنويا .
3- انتفاء هيبة السجن لدى الإنسان وتزايد الشعور بالبطالة وعدم وجود العمل مما يولد لديه اللجوء للجريمة لتأمين بعض إحتياجاته .
4- يتعرض السجين أثناء فترة سجنه للاحتكاك بمجرمين عتاة لهم ضلع كبير في الإجرام وتجارب غزيرة في الأساليب الإجرامية ولا شك أن القصص التي تسرد من قبل بعض السجناء للآخرين ستؤثر في معلوماته بالأساليب السيئة في الإجرام لا قدر الله وقد تساعد بانحرافه في يوم ما .
5- سيكون هناك تأثير السجين ابتدأ من الزوجة التي قد تلجأ إلى الخلع وقد تسوء الحالية التعليمية للأبناء والبنات فضلاً عن استغلال رفقاء السوء لأفراد الأسرة في ظل غياب معيلها أو افتقادها للمصدر المادي الذي يساعد أفرادها على تجاوز ظروف الحياة .
6- قد يتعرض السجين إلى أضرار صحية نتيجة كثرة السجناء أو تعرض أحدهم لمرض مما قد تنقل العدوى للآخرين ويصاب بهذه العدوى السجين المحكوم بمدة السجن البسيطة .
7- التكاليف المالية التي تصرف على السجناء ذو الاحكام البسيطة مع غياب الفائدة من مدة السجن البسيطة وبالتالي يصبح حكم السجن قد أرهق الخزينة ولم تتحقق الفائدة الموجودة .
8- تشكل العودة إلى السجون تقريبا (20% إلى 30%) من عدد السجناء المفرج عنهم مما قد يفقد القصد من عقوبة الحكم البسيط ويساعد في الإجرام المستقبلي لهذا الإنسان .
9- تشهد بعض السجون حاليا حالة من الاكتظاظ نظراً للظروف الإقتصادية وكثرة السيولة المادية في بعض الدول مما يولد الرغبة لدى الغير للثراء بعدة وسائل غير نظامية أدت بالبعض منهم إلى السجن .
وعموما العقوبة الرادعة للبشر تختلف من إنسان إلى آخر كالحالات التالية :-
1- بعضهم يرتدع بالتنبيه والتوبيخ .
2- والبعض بالتأديب المباشر العلني بدون السجن كالجلد مثلاً .
3- وبعضهم بحرمانه من حق حقوقه أو ميزة من مميزات حياته لفترة معينة .
مدى تطبيق بدائل السجون في العالم وأنواعها في بعض السجون العالمية:
حيث أنها طبقت بدائل السجون منذ زمن بعيد وكان لها الأثر الطيب في إصلاح السجناء ومساعدتهم للعودة لطريق الصواب ،وهناك أدوات تستخدم لمراقبة السجين في عقوبة بدائل السجون في المؤتمر العالمي للسجون بهولندا وكذلك بعض العقوبات التي تطبق على المذنب كبديل للسجن منها :ـ
1- السوار الالكتروني وهو ما يوضع في معصم أو قدم المذنب ولا يسمح له بمغادرة محيطه حيث سيظهر لدى الشرطي إشارة في حالة خروجه من المحيط المحدد له .
2- إلزام المذنب بعدم الخروج من منزله إلا لحاجة ضرورية جداً تستوجب خروجه كالعلاج مثلاً وذلك بوضع حلقة ستعطي مركز الشرطة إشعار بخروجه من المنزل .
3- العمل في موقع خيري كخدمة لموقع سكن المعاقين أو لعجزة كتنظيف أو الاستفادة من خبرته الفنية في تقديمها لذلك المرفق لفترة معينة .
4- إلحاق السجين بمرفق تعليمي متخصص في العلوم الإنسانية أو بدورات الهدف منها تعديل السلوك وزرع الخير في المذنب بهدف اصلاحه
5- دفع مبلغ مالي يشتري بها المذنب فترة سجنه وخاصة المخالفات البسيطة .
تطور غرض العقوبة في الفكر القانوني المعاصر ( نحو الاهتمام بمرحلة تنفيذ العقوبة التقليديه )
يعد تنفيذ العقوبة نقطة التقاء أو احتكاك بين الأنماط القانونية ( القواعد المنظمة للعقاب في القانون )والحقيقة الانسانيه ويتولد عن هذا الاحتكاك وجود ظاهرة اجتماعية أثارت وتثير تفكير الباحثين وغيرهم نظرا للحساسية المتولدة عن آلام التنفيذ العقابي .
ولقد كان هدف المفكرين دائماً البحث عن تفسير وتبرير لهذه الحساسيات فمال بعضهم إلى إظهار قلقهم نحو هذه الحساسيات الأليمة وأوضحوا أنه يجب أن يوجه التنفيذ العقابي الوحشي ضد الجريمة المرتكبة.
ولقد مال إلى هذا الاتجاه رجال الفلسفة ورجال الأخلاق قبل أن يتدخل رجال القانون أمثال المؤلف برنس برأيهم وسرعان ما شارك الفكر القانوني هذه الوثبة الجريئة ومنذ نهاية القرن الثامن عشر بدأت أفكار القانون تبتعد عن المجال النظري للمعرفة بدأت تتداخل في الأنظمة العقابية ذاتها بصورة أكثر تقارباً عما قبل على أن تطور الفكر القانوني فيما يتعلق بفرض العقوبة لا يمكن إدراجه في مراحل محدودة كمراحل السلم بداء درجة في نقطة محددة حيث تنتهي الدرجة السابقة عليها بل أن تصور هذا التطور كما يرى ( سورستين سيلين ) يكون كما لو كان القانون نهراً يستقبل تيارات مائية متعددة وموجات في أماكن معينة تتفاعل مع سيره وتندمج كل التيارات إلا أن التيار الغالب فقط هو ما يميز مرحلة من مراحل سير النهر أو بمعنى آخر سير القانون الجنائي وهذا الأمر يرجع إلى اختلاف أفكار المفكرين والباحثين وطرق تفكيرهم للمسألة وكذا تبنيهم لأهداف مختلفة في أبحاثهم ولقد شبهت الآنسة أيفون ماركس سكرتيرة مجلة العلوم الجنائية والقانون الجنائي المقارن بباريس هذه الحركة العلمية المتباينة بحركة بندول الساعة الذي تتطابق حركته لكن في كل حركه يتغير الزمن ومع هذا فلو خرجنا من هذه الدقة العلمية الوضعية فان الاتجاه العام الذي يحكم الأبحاث بوجه عام يسير نحو الرغبة المثالية في مجال الوقاية الخاصة ( أي وقاية المجرم الذي ارتكب جريمة من احتمالية عودته إلى الجريمة في المستقبل ) بالبحث عن وسائل إصلاح المجرم ولقد أكد الأستاذ المستشار مارك انسيل
(( إن كل تطور حدث في القانون العقابي من حركة التعديل العقابي في نهاية القرن الثامن عشر ( أي منذ عهد بكاريا ) ساهم شيئا فشيئاً في كشف النقاب عن مفهوم الإصلاح أو إعادة تربية المجرم الذي كان غير معترف به بل وغير معروف للمفكرين في الماضي )) .
ويرى البعض بحق أن للأستاذ مارك انسل الفضل في حدوث هذا التطور المثمر.
ومن أدق التحليلات المعاصرة التي عنت بإبراز تطور مفهوم غرض العقوبة نحو الاهتمام بمرحلة تنفيذ العقوبة تحليل الأستاذ ( ايدجاردو روتمان ) ونظرا لترابطه وتماسكه واتفاقه مع التطور الحقيقي لغرض العقوبة في الوقت المعاصر نرى أن نقدمه بالصورة التي عرضها هذا الأستاذ في أبرز مقالاته على النحو الآتي بيانه ..
_ بدا الأستاذ ادجاردو روثمان ) تحليله بشرح تطور فكرة غرض العقوبة في العصر القديم بان وضوح موقف المفكرين الأوربيين وتابع تيارات الفكر على النحو التالي :
(( فكرة أفلاطون ))
يرى أن أفلاطون تحدث عن فكرة العقوبة بل أنه كان من بين أوائل من نادى بأن يكون للعقاب هدف مستقبلي وأن هذا الهدف يتحقق من خلال التنفيذ العقابي أما بتقديم علاج طبي حقيقي للمجرم القابل للإصلاح وأما باستئصال المجرم الذي لا يرجى شفائه .
(( الفكر المسيحي ))
يرى روتمان أن الفكر المسيحي تولى تقديم العقوبة كعلاج طبي على يد القديس جستين والقديس توماس وعلى هدى هذا الفكر ظهرت عقوبة التوبة الكنسية التي تتجلى في عزل المجرم بـ (دير) ليتأمل حياته إلا أن التطبيق العملي لهذه الفكرة الدينية أسفر عن تعسف واضح في استعمالها استمر حتى نهاية القرن الثامن عشر عدا بعض الاستثناءات القليلة .
(( فكرة القرن السابع عشر ))
يقرر روتمان أن القرن السابع عشر شهد حركة فكريه معارضة للفكر المسيحي قامت على أكتاف العديد من الفلاسفة ومن اتجاهات هذه الحركة الفكرية بصدد العقوبة الاهتمام بإصلاح المجرم وإعادته إلى المجتمع عضوا نافعاً ولقد تبنى هذه الحركة فيما بعد الفقيه ((جروسيوس)) .
(( فكرة هويز ))
أما عن فكر هويز فيرى روتمان أنه يعطي للعقوبة غرضاً رئيسياً ألا وهو الوقاية العامة وغرضاً ثانوياً هو الإصلاح والتأديب .
(( فكرة بيفندروف ))
أما عن هذا المفكر فيقرر روتمان أنه يرى أن العقوبة سياج للمجتمع ضد المجرم وحماية للمجتمع ضد الخوف من الجريمة ومن ثم يجب أن تكون العقوبة رادعة للمجرم عن العودة لطريق الإجرام ..
ويشير روتمان بعد ذلك إلى إن القرن الثامن عشر قد شهد بدء اللجؤ إلى فكرة نفعية العقوبة كحجة عقلانية لتأييد فكرة انسانسية العقوبة وفي ظل مجتمع تحرر من السلطة الدينية لم تعد فاعلية العقوبة تستند على قسوتها ولكن على مقدارها أو بقول آخر على تناسبيتها مع الجريمة
وعلى سرعة تنفيذها وهذا ما تمسك به بكاريا ومن ثم ظهرت الوظيفة الاجتماعية للعقوبة التي أبرزها بوضوح الفيلسوف الانجليزي بنتام فيما بعد .
(( فكر رومانيوسى ))
فيرى روتمان أنه اهتم بالهدف الوقائي للعقوبة بحيث أنه أكد على أهمية ترويع العقوبة للجاني بحيث لا يعود إلى ارتكاب الجريمة مره أخرى من حيث تنفيذها بصرامة .
(( وأما فكر الفيلسوف كانت ))
يرى روتمان أن كانت يرى حتمية تكافئية العقوبة ولو لم تتحقق نفعيتها .
(( وفكر هيجل ))
يرى روتمان أن هيجل مال إلى حتمية تكافئية العقوبة مع الجريمة المرتكبة أي أنه كان يميل نحو إقرار فكرة العدالة المطلقة ومع هذا يرى هيجل أن العقاب يمكن أن يكون محققا للإصلاح الاجتماعي على أساس أنه يعتبر العقاب نوعاً من قهر شخصية المجرم ونفيها حتى تظهر شخصية جديدة مخالفة للشخصية الاجراميه التي أثرت في الإنسان وجعلته يقع في براثن الجريمة .
(( وفكر فويرباخ ))
يرى روتمان أو فويرباخ ينظر إلى العقوبة على أساس أنها مطلوبة من زاويتين :
(1) زاوية أنها تفزع وتهدد الجناة.
(2) زاوية أنها تصلح الحال الاجتماعي للمجرم عن طريق تنفيذها.
_ ويرى روتمان أن هذه التيارات الفكرية الفلسفية تعكس اهتمام الفكر الإنساني في القرون الماضيه القريبة بالحقيقة الإنسانية وهذا ما أثر في نشؤ ما أطلق عليه فيما بعد اصطلاحاً المدرسة السجينة في فرنسا وبلجيكا .
وبدأ التركيز والاهتمام في الأبحاث ينصرف إلى حقل جديد هو حقل تنفيذ العقوبة أي إلى البحث عن أفضل الأساليب العقابية التي تحقق تهذيب العقوبة والرقي بها حتى يتحقق فعلاً إصلاح أخلاق وسلوكيات وقيم المجرم من خلال التنفيذ العقابي وخاصة بالنسبة للعقوبات المقيدة أو السالبة للحرية . وتأكداً لهذا التطور الفكري حول فلسفة العقوبة ظهر شارل لوكس في عام 1827 ليقرر مشروعية العقاب الجنائي وليؤكد أن العقوبة تجد تبريرها الحقيقي في أنها وضعت لصالح المجرمين أي لكي ينصلح حالهم وفي ذات التيار الفكري ظهر الأستاذ الاسباني رويدير ليؤكد على أهمية ما أطلق عليه اصطلاحاً العقوبة الطيبة أي فكرة العقوبة علاج طبي للمجرم تستهدف إصلاحه بتغيير إرادته وطبائعه .
_ من هذه الجهود وغيرها بدأ العمل في حركة إصلاح الجناة بمناسبة تنفيذهم للعقوبات السالبة للحرية وظهرت تجارب الإصلاح في الولايات المتحدة الامريكيه وكانت وسيلة العلماء الأساسية لتحقيق هدفهم هي محاولة قطع روابط المجرم مع ماضيه أي قطع الصلات بين المجرم ووسطه الاجتماعي الذي أدى إلى انحرافه بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة .
ومنذ عام 1820 بدأ تطبيق أنظمة وقواعد خاصة على المؤسسات العقابية في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينتي أوبيرون وفيلادلفيا ولكن لم يكتب للنظام الذي وضعه المتخصصون حينذاك النجاح المطلوب لذا بداء علماء علم العقاب البحث عن أنظمة أخرى يتحقق فيها في المقام الأول إصلاح المجرم لاتعذيبه وسط جماعة من حراس الأمن خل أسوار السجون .
غرض العقوبة المعاصر في العقوبة السالبة للحرية :
أن طبيعة العقوبة السالبة للحرية تختلف عن طبيعة عقوبة الإعدام وطبيعة عقوبة الغرامة :
فعقوبة الإعدام ذات طابع بدني واضح وعقوبة الغرامة ذات طابع مالي واضح أما العقوبة السالبة للحرية فهي ذات طابع نفسي واضح.
وهذه الطبيعة الخاصة للعقوبة السالبة للحرية تثير تساؤلات هامة مرجعها ارتباطتها بالنفس لا بالمادة كما لاحظنا من مقارناتها بعقوبتي الإعدام والغرامة فيبرز تسائل:
_هل هدف المشرع من العقوبة السالبة للحرية حبس حرية الإنسان أم إبعاده عن المجتمع أم أصلاحه ؟
كان الهدف من العقوبة السالبة للحرية مجرد حبس حرية الإنسان ليكفر عن ذنبه ولينتقم المجتمع لحقه المعتدى عليه بإرتكاب الجريمة ثم تحول الهدف إلى إبعاده عن المجتمع حتى انتهاء مدة العقوبة المقضي بها وحالياً أصبح هدف العقوبة السالبة للحرية إصلاح المحكوم عليه بعد علاجه من مرض الجريمة ولم كان العلاج بالمفهوم الطبي النفسي لا يعرف ميعاد تحققه من جهة كما أنه عادة يحتاج إلى وقت طويل لأننا نعالج نفس المذنب لا جسده من جهة أخرى ولما كان الإصلاح كذلك يحتاج إلى الوقت غير محدد كالعلاج لذا بدأ البحث في مقدار العقوبة السالبة للحرية على ضوء تحقيق هذين الهدفين المعاصرين العقوبة وترتيب على هذا البحث انتقاد العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة بل ولقد وصل الحال إلى حد المطالبة بإلغاء تقرير العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة في التشريع حتى لا ينطق بها القاضي كما نادى أنصار الاتجاه بأن لا يقدم القضاة على النطق بها وأن تحدد سياستهم القضائية في النطق بالغرامة أو حتى بالبراءة بدلاً منها حتى تساير الهدف الحقيقي المعاصر من وراء العقوبة السالبة للحرية وحتى لا يتعارض المذنب المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة ( كموظف أو كرجل أعمال يقضي عليه بعقوبة الحبس لمدة شهر مثلاً لواقعة إصابة خطأ ) لمخالطة المجرمين الخطرين داخل العنابر الجماعية أو خلف أسوار السجن بوجه عام .
وتفرع عن هذا الرأي كذلك من ينادي بأنه أذا كان من الازم إقرار العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة وفقاً لسياسة تدرج السلم العقابي فأنه يجب أن يخضع المذنب بعد قضاء هذه المدة القصيرة داخل السجن للعلاج النفسي والاجتماعي خارج السجن تحت أشراف مختصين معينين من قبل الدولة وهذه أول مشكلة قانونية تنبثق عن تطور غرض العقوبة السالبة للحرية في المجتمع المعاصر المتأثر بأفكار المدرسة العلمية وحركة الدفاع الاجتماعي .
أما المشكلة الثانية التي أثارها غرض العقوبة السالبة للحرية في المجتمع المعاصر أي التي أثارها تحول غرض العقوبة من مجرد حبس الجاني إلى الإصلاح والعلاج فهي مشكلة أطلق عليها اصطلاحاً مشكلة ( توحيد العقوبات السالبة للحرية ) ويرجع السبب في إثارة هذه المشكلة إلى فكر فلسفي مؤداه : أنه طالما أن السجن مجرد مركز يلتقي فيه مرتكبو الجرائم وهم يعتبرون حالياً مرضى بأمراض اجتماعية ونفسيه ووراثية … الخ
وفقاً للتصور العلمي ولأفكار حركة الدفاع الاجتماعي الجديد لذا فإنه لا عبرة بنوعية الجريمة المرتكبة بمعنى أن كل المجرمين صغارهم وكبارهم أو بقول آخر المبتدئين والمحترفين يجب أن يخضعوا لمعاملة سجنيه موحدة فلا يميز بين أشغال شاقة وسجن وحبس بسيط أي يجب أن تزول كل الفوارق بين التنفيذ العقابي في حالة الحكم بالأشغال الشاقة والتنفيذ العقابي في حالة الحكم بالسجن والتنفيذ العقابي في حالة الحكم بالحبس .
ومن ثم بدأ الحديث عن إزالة الفوارق بين النوعيات المختلفة للعقوبة السالبة للحرية ((الأشغال الشاقة \\ السجن \\ الحبس )) .
وانقسمت الآراء إزاء هذه المشكلة فمال البعض إلى الدفاع عن هذه النوعيات المختلفة للعقوبات السالبة للحرية لأسباب علمية محضه في المقام الأول في حين مال البعض الآخر إلى المناداة بتوحيد العقوبات السالبة للحرية لأسباب علمية محضه في المقام الثاني أي أن الرأي الأول لا زال متمسكاً بالهدف التقليدي للعقوبات السالبة للحرية ونقصد بذلك إلام والترويع في حين أن الرأي الثاني أخذ بالغرض المعاصر للعقوبة السالبة للحرية مغفلاً كل قيمة للهدف التقليدي للعقوبة .
ويرى د.عبد الرحيم صدقي أن حل المشكلة يسير وسهل أذ يمكن أن نجمع بين الرأيين محافظين على الهدفين معاً هدف الألم والتهديد من جهة وهدف الإصلاح والتهذيب من جهة أخرى لا سيما وأن ارضاء رأي على الحساب الرأي الآخر يثير مشاكل إما قانونية ( في حال تبنى رأي توحيد العقوبة السالبة للحرية ) وإما فنيه علمية ( في حال تبنى رأي رأي الحفاظ على الأنواع المختلفة للعقوبة السالبة للحرية .
فالتوحيد أو التنويع للعقوبات السالبة للحرية مسألة بعيدة عن المسألة الحقيقة أو المشكلة الأساسية لهذه العقوبات إذ أن الأحرى برجال الفكر الجنائي أن يوجهوا جهودهم تجاه مشكلة تنظيم عملية الإصلاح لضمان عدم عودة المجرم إلى الجريمة مره أخرى من جهة ولضمان إصلاح المجرم وعودته إلى صفوف المجتمع من جهه أخرى .
وأن الاهتمام بتنصيف المحكوم عليهم داخل السجون وفقاً لمعايير علمية قادرة على حل مشكلة تنوع أساليب العقوبات السالبة للحرية التقليدية وأن علاج هذه المشكلة يكمن في أساليب تنفيذ العقوبة ومن نماذج التصنيفات العلمية :
تقسيم المحكوم عليهم بحسب الجنس أو بحسب مدة العقوبة أو بحسب سن المحكوم عليهم أو بحسب وصف المحكوم عليهم مبتدئين أو عائدين أو بحسب كونهم من المعتقلين صحياً أو الأصحاء .
وتساعد هذه التصنيفات على حسن ملاحظة المحكوم عليهم وضمان علاجهم إذا ما عهد بالإشراف عليهم إلى فنيين وتربويين ذوي كفاءة عالية ويمكن للقانون الجنائي أن يساهم بدوره في تقنين هذه الأفكار بحيث يستفيد من مصطلحات العلوم الجنائية في إصلاح مشاكل السجون ولا يجب أن يقتصر الحال على إصلاح أحوال السجون وإنما يجب أن يمتد ليشمل الأخذ بفكرة تدابير الأمن لتحتل مواقع العقوبات السالبة للحرية التقليدية شيئاً فشيئاً بناء على خطة مدروسة يتعهد لرجال السياسة العقابية التنفيذية بوضعها .
ومن ثم على ضوء هذه الأساليب العلمية الحديثة التي أثرناها يمكن المساهمة في حل المشكلتين الأساسيتين للعقوبة السالبة للحرية التي يحاول الفقه المصري إن يضع لها حلاً محدداً دون جدوى ولا سيما وان حل مشكلة العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة مرتبط بـ القضاء أي بـ السياسة الجنائية القضائية وحل مشكلة توحيد العقوبة السالبة للحرية مرتبط بـ بالتشريع أي بـ السياسة الجنائية التشريعية ولا سلطان للفقه الجنائي عليها وأن كان له تأثير كبير على القضاء والتشريع.
نماذج تنفيذ العقوبة السالبة للحرية على ضوء تطور غرضها وفقاً لجهود علم العقاب :
مما لاشك فيه أن جهود علم العقاب تظهر بصورة بارزة وجلية في مجال العقوبة السالبة للحرية باعتبارها الخبز اليومي للترسانة العقوبة.
فالإعدام نادراً ما ينطق به والغرامة لا تتضح فيها الجهود العلمية العقابية باعتبارها مبلغاً من المال يدفعه المحكوم عليه أي باعتبارها عقوبة مادية تهتم بـ المادة في الفرد أما العقوبة السالبة للحرية فكما سبق أن اشرنا عقوبة تلحق بـ الروح أو النفس في الفرد لذا كانت مجالاً خصباً لجهود علماء الاجتماع والنفس إلى جوار جهود فقهاء القانون الجنائي .
وبذلك ظهر في الفقه الجنائي اتجاه توفيقي في شأن العقوبات السالبة للحرية ، وخاصة قصيرة المدة منها , والتي تتصل بحالات الإجرام متوسط الخطورة ، فلا يتجاوز إلى حد المناداة بإلغائها ، ولا يبقي أسيراً لها فيقبلها بحالها دون ما تعديل.
فهو اتجاه يعمل على التقليل بقدر الإمكان من مساوئ هذه العقوبة والتخفيف من أثارها الضارة. لذا يدعو هذا الاتجاه إلى استعمال العديد من البدائل العقابية التي تحل محل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة متى كانت ظروف الجريمة وشخصية المجرم توجب هذا.
فإن رأت المحكمة أن هذا البديل لا يجدي في مواجهه حاله إجرامية معينه كان لها أن تقضي بالعقوبة السالبة للحرية رغم قصر مدتها.
فهذه البدائل من قبيل نظم المعاملة العقابية التفريدية المقررة تشريعياً لتكون بين يدي القاضي ، إن شاء أعملها إذا استدعت ظروف الجريمة ذلك ، وإن شاء قضى بالعقوبة السالبة للحرية أياً كانت مدتها.
وبمطالعة الفقه المقارن يتبين لنا أن هناك نماذج للتنفيذ العقابي بالنسبة للعقوبة السالبة للحرية تتفق مع النماذج المختلفة لشخصيات المذنبين من أبرزها :
1- إيقاف التنفيذ (تعليق تنفيذ الأحكام علي شرط)
2- الوضع تحت الاختبار (الاختبار القضائي)
3- وقف التنفيذ المقترن بالوضع تحت الاختبار
4- السجن شبه المفتوح
5- الإعفاء من العقوبة وتأجيل النطق بها
6- مراكز الحجز أو العمل للصالح العام
7- نظام السجن المتقطع أو تقسيط العقوبة
8- السجن نهاية الأسبوع
9- الوضع تحت المراقبة الإلكترونية
1- إيقاف التنفيذ (تعليق تنفيذ الأحكام علي شرط)
يعد إيقاف التنفيذ Le sursis من أقدم البدائل التي لجأت إليها التشريعات للتخفيف من الآثار السلبية للعقوبة السالبة للحرية.
ويقصد بهذا البديل السماح للقاضي بأن يصدر حكمة بالعقوبة مع تضمين هذا الحكم أمراً بتعليق تنفيذها لمده معينة، وذلك حال توافرت ظروف معينة من حيث نوع الجريمة، وشخصية المجرم ، ومدة العقوبة المحكوم بها.
2- الوضع تحت الاختبار (الاختبار القضائي)
يقصد بالوضع تحت الاختبار La mise à L’ épreuve عدم الحكم علي المتهم بعقوبة ما , مع تقرير وضعه مدة معينة تحت إشراف ورقابة جهات معينة. فإذا مرت تلك المدة ووفى المحكوم عليه بالالتزامات المفروضة عليه فإن الحكم الصادر بالإدانة يعتبر كأن لم يكن.
أما إذا أخل المحكوم عليه بهذا الالتزام خلال المدة فإنه يتعين استئناف إجراءات المحاكمة والحكم علي المتهم بالعقوبة .
3- وقف التنفيذ المقترن بالوضع تحت الاختبار
فضلاً عن نظام وقف التنفيذ البسيط Le sursis simple ، يعرف التشريع الفرنسي نظام الجمع بين إيقاف التنفيذ والوضع تحت الاختبارLe sursis avec la mise à l’épreuve (المواد من 738 إلى 747 إجراءات جنائية فرنسي).
ووفق هذا النظام يجوز للقاضي أن يحكم بالعقوبة الجنائية مع إيقاف تنفيذها مدة معينة في خلالها يخضع الموقوف تنفيذ العقوبة قبله لعدد من القيود والالتزامات .
والواقع أن هذا الجمع أريد به تفادي ما قيل في شأن نظام إيقاف التنفيذ البسيط من كونه يقتصر على القيام بدور سلبي محض ، هو مجرد التهديد بتنفيذ العقوبة في المحكوم عليه إذا صدر عنه ما يجعله غير جدير بإيقافها ، دون أن يخضع الموقوفة ضده العقوبة لنوع من تدابير المساعدة أو الرقابة.
4- السجن شبه المفتوح
نظام السجن شبه المفتوح نموذج آخر للبدائل لنظام السجن التقليدي ووفقاً له يترك المذنب نهاراً لعمله ثم يعود ليلاً إلى السجن ويعتبر السجن شبه المفتوح أحد عناصر السياسة العقابية الحديثة التي يعتمد عليها في تحقيق غايات حركة الدفاع الاجتماعية الجديد التي تميل نحو احترام آدمية الإنسان وذلك نظرا لفشل السجن التقليدي المنغلق على الإنسان لكونه وسطاً محكم الغلق من جهة ونظراً لاستحالة ترك السجن مفتوحاً تماماً من جهة أخرى .
لهذا فنظام السجن شبه المفتوح يقف في وسط الطريق بين فكرتين :
الأولى ثبت فشلها وهي السجن المغلق والثانية يستحيل تطبيقها بل لا يتصور تطبيقها عملاً وهي السجن المفتوح..
ويعتمد نجاح نظام السجن شبه المفتوح على الاستفادة من أبحاث علم الإجرام وبالذات علم الإجرام المعملي ويعتمد البحث المعملي على أربعة أمور :
أولاً : ملاحظة المذنب المسجون
ثانياً : فحص ملفات شخصية المسجون
ثالثاً : الاتصال الشخصي بالمشرفين على إدارة السجن شبه المفتوح وتنفيذ العقوبة
رابعاً : متابعة المذنب الخاضع لنظام السجن شبه المفتوح بعد الإفراج النهائي عنه
5- الإعفاء من العقوبة وتأجيل النطق بها
جاهدت بعض التشريعات للحد من عيوب العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة بإتباع بعض وسائل المعاملة العقابية التي تتمثل في العفو عن العقوبة أو في تأجيل النطق بها La dispense de peine et de l’ajournement.
وإلى هذين النظامين ذهب المشرع الفرنسي في قانون العقوبات الفرنسي الجديد.
فقد أجازت المادة 132–59 لمحكمة الجنح أن تعفي المتهم من العقوبات إذا تبين أن تأهيل المتهم قد تحقق ، وأن الضرر الناتج عن الجريمة قد عوض ، وأن الاضطراب الذي أحدثته الجريمة قد توقف.
كما أجاز المشرع الفرنسي تأجيل النطق بالعقوبة ، ولهذا التأجيل صور ثلاث :
(*) فإما أن يكون هذا التأجيل بسيطاً Ajournement simple إذا ظهر أن المتهم في سبيله إلى التأهيل وأن الضرر الناجم عن الجريمة في سبيله للإصلاح وأن الاضطراب الذي أحدثه الجريمة على وشك التوقف.
ويشترط في جميع الأحوال حضور الشخص بنفسه أمام المحكمة أو ممثله إذا كان شخصاً معنوياً (م 132–60).
(*) كما قد يكون التأجيل مع الوضع تحت الاختبار Ajournement avec mise à l’épreuve. فيجوز للمحكمة في مواجهة المتهم الحاضر للجلسة أن تؤجل النطق بالعقوبة تجاهه مع إخضاعه لعدة من القيود والالتزامات وفقاً لما هو معمول به في نظام الوضع تحت الاختبار (المواد 132–43 إلى 132–46 من قانون العقوبات).
وتكون مدة الوضع تحت الاختبار سنة على الأكثر. ويجوز للمحكمة أثناء تلك المدة أن تعفي المتهم من العقوبة نهائياً أو أن تنطق بها أو تؤجل النطق بها لمدة أخرى. على أنه يجب الفصل في أمر العقوبة خلال سنة من أول تأجيل.
(*) وأخيراً هناك نظام التأجيل مع الأمر .Ajournement avec injonction ويتعلق هذا النظام بالأحوال التي توجد فيها قوانين ولوائح خاصة تفرض عقوبات معينة نتيجة الإخلال بالتزام معين.
في تلك الحالة يجوز للقاضي الجنائي أن يؤجل النطق بالعقوبة المفروضة في تلك القوانين واللوائح مع إلزام المحكوم عليه بتنفيذ الالتزام الوارد في القانون أو في اللائحة.
وهذا يفرض على المحكمة أن تحدد في الأمر طبيعة الالتزامات والتعليمات التي يجب الامتثال لها والقيام بتنفيذها ، وكذلك يفرض عليها أن تحدد ميعاد للتنفيذ يختلف عن ميعاد التأجيل (32–66).
ولا يصدر الحكم بالتأجيل مع الأمر إلا في الجنح والمخالفات دون الجنايات ، ولا يشترط فيه حضور المتهم أو ممثل الشخص المعنوي.
ويجوز للمحكمة أن تصدر التأجيل مع الأمر مقروناً بغرامة تهديدية إذا كان القانون أو اللائحة الذي تمت مخالفته يقرر ذلك.
ويمتنع تنفيذ هذه الغرامة إذا نفذ المحكوم عليه الالتزامات المقررة في القانون أو في اللائحة (م 132–67).
وكبقية أنواع التأجيل فإن التأجيل مع الأمر يتقرر لمدة سنة على الأكثر. غير أن هذه المدة – على خلاف الأنواع الأخرى من التأجيل – لا تمتد إذا تم تحديدها من قبل المحكمة (32–68).
فإذا تم تنفيذ التعليمات الواردة بالأمر في الميعاد المحدد فإن للمحكمة الحق في أن تعفي المتهم من العقوبة المقررة في القانون أو اللائحة أو تؤجل مرة ثانية النطق بها.
أما إذا حدث تأخير في التنفيذ فإن للمحكمة أن تعفي من الغرامة التهديدية مع تطبيق العقوبات الواردة بالقانون أو اللائحة. فإذا لم يتم التنفيذ نهائياً فإن للمحكمة أن تعفي من الغرامة التهديدية إذا كان لذلك محل وتقضي بالعقوبات المقررة ، ولها أن تأمر بمتابعة التنفيذ على نفقة المحكوم عليه (م 132–68).
6- مراكز الحجز أو العمل للصالح العام
يخصص هذا النموذج بشكل كبير لمواجهة الشباب المنحرف ولقد ظهرت الحاجة إلى هذا النموذج بعد أن أصبحت مشاكل الشباب تتجاوز أسرهم وتشغل الدولة لاسيما بعد تفاقم المشكلة الإقصادية في العالم كله وتباين المستويات والقدرات المالية وطرق المعيشة ومع تدفق الشباب على الجامعات تزايدت المشكلة حدة إذ لم يعد الشباب ساذجاً أو أمياً وإنما أصبح مثقفاً بعد حصوله على المؤهل الجامعي.
لذا أصبحت المشكلة الأساسية الآن كيف نفهم الشباب ؟ وتزداد المشكلة صعوبة لتظهر مشكلة أشد حدة هي : كيف نواجه الشباب المنحرف ؟
لذا فكر الباحثون في عدم توقيع العقوبة السالبة للحرية على البالغين حديثاً وأن يوقع عليهم عقاب آخر بالإيداع في مراكز الحجز أي أن مراكز الحجز عقوبة بديلة للعقوبة السالبة للحرية لمواجهة إجرام البالغين حديثاً.
وفي حالة قبول المتهم لهذا البديل عن الحبس تحدد المحكمة المدة التي يتعين أداء العمل خلالها ، بما لا يجاوز ثمانية عشر شهراً ، كما تحدد مدة ساعات العمل المحكوم بها ، وهي تتراوح بين 24 ساعة و 240 ساعة سواء بالنسبة للبالغين والأحداث.
وهذا العمل لا يتقرر مع الحبس إذ أنه بديل عنه. كما أنه يتقرر دون مقابل Travail non Rémunéré لما للعمل للصالح العام من معنى الجزاء الجنائي.
وعادة ما تتصل هذه الأعمال بتحسين البيئة الطبيعية ، كإعادة غرس الغابات وإصلاح وترميم الآثار التاريخية وإنارة الطرق ونظافة الشواطئ وأعمال التضامن ومساعدة المرضى والمعاقين.
طبيعة مراكز الحجز وأهدافه وطريقة عمله :
مركز الحجز هو أقرب ما يكون إلى المعسكر فهو مؤسسة مفتوحة تكون معدة لخمسين شخصاً تقريباً ويقسم المحجوزون فيها إلى جماعات صغيره متميزة أو متغايرة ويخصص لهم مباني صغيرة مستقلة وخاضعة لرقابة شرطي ويجب ملء فراغ الشباب بحيث لا يكون هناك وقت ضائع في يومهم .
وأهداف العمل في المركز متعددة وأبرزها خدمة البيئة أو المجتمع . وتسير الحياة في مراكز الحجز على شكل معسكرات شباب وتقدم تقارير عن كل شاب وتقوم هذه التقارير على أساس مراعاة نظام الشباب وجهوده المبذولة ودرجة أدائه للإعمال وروحه في التضامن وموقفه من الجماعة التي يعمل فيها وتقدير المراقبين له وفي حالة إخفاق الشباب في تحقيق تقديرات مرضية يطلق سراح الشباب أو يستمر في تنفيذ باقي مدته في سجن عادي أو يعاد النظر في استمرار حجزه بالمركز.
7- نظام السجن المتقطع أو تقسيط العقوبة
يعتبر نظام السجن المتقطع من أبرز النتائج العملية لحسم مشكلة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة بأسلوب علمي متميز . ووفقاً لنظام السجن المتقطع يقرر قاضي تنفيذ العقوبة بناء على طلب المحكوم عليه الأيام التي سينفذ فيها المحكوم عليه بالعقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة عقوبته بصورة متقطعة مع مراعاة أن تتوافق هذه الأيام مع أيام العمل بالسجن أي بقول آخر أن يتجنب المسؤلون حبس المحكوم عليه أيام العطلات أو الإجازات وذلك حتى يستفيد المسجون من الاختبارات العامية والمعملية وأوجه المعاملة الحديثة داخل السجون التي تساهم في إصلاح المسجون واكتشاف شخصيته وعلاج مافيها من انحراف واعادته إلى صفوف المجتمع .
وجدير بالذكر أن هناك آراء تميل نحو تطبيقه على المساجين يعانون من ظروف صحية أو عائلية صعبة ونحو تطبيقه حالة فشل نظام الإفراج الشرطي على المسجون وعدول الجهات المختصة عن إقرارها بالإفراج الشرطي.
8- السجن نهاية الأسبوع
ولقد عرف الفكر البلجيكي هذا النظام وفقاً لهذا النظام يقتصر على احتجاز المسجون داخل السجن على يومين في نهاية الأسبوع من السبت ظهراً حتى الاثنين صباحاً أي يتم تنفيذ العقوبة على أجزاء كل أسبوع ينفذ المحكوم عليه يومين من أيام الحبس المقضي بها حتى يتم تنفيذ كل المدة مع مراعاة احتجاز المحكوم عليه في بعض أيام العطلات والإجازات .
ولكن من الواضح أن المتمتع بمزايا هذا النظام لا يستفيد من الاختبارات العملية والعلمية التي يخضع لها المتمتع بنظام السجن المتقطع حيث يكون الأخصائيين المنفذين لهذه الاختبارات خارج السجن يقضون عطلاتهم أو إجازاتهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم.
وازاء هذا القصور مال المفكرين إلى وضع برامج ثقافية وفنية تنفذ على المسجونين المتمتعين بهذا النظام أثناء تواجدهم بالمؤسسة العقابية بحيث تتفق بمواهبهم ومهاراتهم ولكن هذه الفكرة انتقدت على أساس أنها ستحل العقوبة إلى مباراة في كرة القدم أو تنس الطاولة أو مشاهدة مسرحية أو عرض سينمائي أو جلسة تلفزيونية.
وجدير بالذكر أن طبيعة الجريمة المرتكبة لها في الأصل أثر في صدور القرار بتطبيق نظام السجن في نهاية الأسبوع ومع ذلك ففي بلجيكا يطبق نظام السجن في نهاية الأسبوع على جرائم بعينها محددة بموجب قرارات وزارية هي : جرائم التزوير أو الغش وجرائم هجر الأسرة وجرائم السكر والإدمان وجرائم القتل أو الجرح الخطأ الناجم عن حادثة من حوادث المرور وجرائم التسمم الكحولي وجرائم قيادة السيارات بدون تأمين ألا أنه يجوز للنيابة العامة في بلجيكا كذلك أن تطبق نظام الحبس في نهاية الأسبوع في حالات أخرى أذا ما رأت النيابة العامة عدم تعارض تطبيق هذا النظام مع النظام العام في بلجيكا.
9- الوضع تحت المراقبة الإلكترونية
من أحدث البدائل الحديثه للعقوبة السالبة للحرية أصدر المشرع الفرنسي قانون في 19 ديسمبر 1997 من أجل استحداث المواد 723/7 إلى 723/12 في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بغية ابتداع بديل آخر من بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، ألا وهو نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية Le placement sous surveillance électronique ، وذلك بعد نجاح تجربته في دول أخرى ، كالولايات المتحدة ، والسويد ، وبريطانيا ، وهولندا ، وكندا.
ويقوم هذا النظام على ترك المحكوم عليه بعقوبة سالبة قصيرة المدة طليقاً في الوسط الحر مع إخضاعه لعدد من الالتزامات ومراقبته في تنفيذها الكترونياً عن بعد.
وقد بدأت تجربة هذا النظام في عام 2000 في أربع مؤسسات عقابية ، ثم في تسع في أول أكتوبر 2002، واستفاد منه 393 محكوم عليه. ثم أصدر المشرع قانون توجيه وتنظيم العدالة loi d’orientation de programmation pour la justice في 9 سبتمبر 2002 بهدف تعميم هذا النظام تدريجياً على ثلاث سنوات بحيث يستفيد منه 400 محكوم عليه في البداية ويضاف مئة مستفيد كل شهر للوصول لثلاثة آلاف محكوم عيه نهاية عام 2006.
ويشترط للاستفادة من هذا النظام ألا تكون مدة العقوبة المطلوب تنفيذها أو المتبقية أكثر من عام ، ويجري تطبيقه بعد موافقة المحكوم عليه بناء على أمر من قاضي التنفيذ أو بناء على طلب النائب العام أو طلب من المحكوم عليه ذاته (م. 723-9).
والخاضع لهذا النظام يلزم بعدم التغيب عن محل إقامته أو أي مكان آخر يحدده القرار الصادر من قاضي التنفيذ خلال ساعات معينه من اليوم ، بما يتفق مع الوضع الأسري والمهني للمحكوم عليه. ويراقب تنفيذ تلك الالتزامات الكترونياً عن طريق ارتداء المحكوم عليه أسورة الكترونية Bracelet-ématteur في كاحله تقوم بإرسال إشارة مداها 50 متراً كل 30 ثانية.
وتستقبل تلك الإشارات على جهاز Récepteur مثبت في مكان يحدده قاضي تطبيق العقوبات ويتصل بمركز المتابعة الموجود في المؤسسة العقابية عن طريق خط تليفون. كما قد يجرى التحقق من احترام الالتزامات المفروضة عن طريق زيارات تجريها الإدارة العقابية للمحكوم عليه (م. 723-9).
وإذا حدث وعطل المحكوم عليه أجهزة المراقبة الإلكترونية فإنه يعد مرتكباً للجريمة المنصوص عليه في المادة 349-29 ، ويكون ذلك سبباً لإلغاء قرار الوضع تحت المراقبة الالكترونية.
تطبيق البدائل في المملكة العربية السعودية:-
هذه البدائل لم يقر تطبيقها بنص قانوني حتى الآن ولم تحدد نوعية البدائل ومتى تطبق ولكن هناك أحكام أصدرها بعض القضاة من منها:
1- سبق وأن نشر في جريدة عكاظ عن حكم قاضي محكمة الموية على أحد المذنبين بعقوبة تنظيف المسجد وحضور حلقات تحفيظ القران الكريم .
2- نشر في جريدة عكاظ ليوم الأربعاء الموافق 13/5/1428هـ أن قاضي محكمة الجزئية بالباحة أصدر حكماً على متعاطي مخدرات بدوام يومي صباحاً ومساءً في مركز الدعوة والإرشاد وحضور النشاطات الدينية أملاً في إصلاحه .
3- كما أصدر قاضي محكمة (الشقيق) حكم السجن على أربعة أحداث بارتياد حلقات تحفيظ القران الكريم وتعليم كتاب الله وربط القاضي الإفراج عن الأحداث الأربعة المواظبة فى حضور الحلقات دون غياب (نشر في جريدة عكاظ يوم 13/5/1428هـ) .
مما سبق نلاحظ أن بعض القضاة شد الله من أزرهم وأعانهم إلى ما فيه الخير والصواب قاموا بتفعيل بدائل السجون لما يرون فيها من نفع للسجين والمجتمع .
وقد سبق وأن عقدت الندوة الأولى للإصلاح والتأهيل في عام 1422هـ وكذلك الندوة الثانية للإصلاح والتأهيل في عام 1428هـ وقد خصصت الجلسة الكبرى في هذه الندوة عن (بدائل السجون) والتي كان رئيسا لجلستها معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود ومعالي الشيخ القاضي/ محمد بن خنين ومعالي الدكتور / علي النملة .
وقد أوصت جميعها بضرورة إقرار بدائل السجون في المؤسسات العقابية والإصلاحية مما يحدوا الجهات ذات العلاقة بالسجناء جهات الضبط والتحقيق والقضاء وتنفيذ العقوبة وتفعيل ذلك والبدأ بوضع دليل استرشادي لبدائل السجون متضمن الجرائم التي يوضع لها بدائل عقوبة السجن والشروط التي تطبق فيها البدائل على السجين والتي ستبني على نوعية الجرم وظروف حصوله وظروف الجاني العائلية والمادية والنفسية .
والذي على ضوئه سيكون عوناً لمن سيكون له السبق من القضاة في البدء بتفعيل هذه بدائل السجن ريثما يكتب لها أن تقر
وتسن بشكل نصي
اترك تعليقاً