بحث قانوني هام حول التدخل الدولي باسم الدوافع الإنسانية
أ/ أحمد أبو الزين
الحالة الفلسطينية نموذجاً ..
لا شك في أن المجتمع الدولي ممثلاً بمنظماته الدولية والإقليمية قد استعاد دوره الوظيفي في المحافظة على مسائل الأمن والسلم الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وقد تمثل ذلك على أكثر من صعيد، حيث انطلق مجلس الأمن
( الجهاز التنفيذي لدى هيئة الأمم المتحدة ) بممارسة اختصاصاته الأساسية بشكل توفيقي آناً ” المواد 33-38 من الفصل السادس من الميثاق ” وبشكل تأديبي آناً آخر ” المادتين 41 و 42 ” منه .
[ – ففي الوظيفة الأولى مثلاً. حرص ميثاق الأمم المتحدة على النص : أن كل خلاف دولي لا يعد مسألة خاصة بأطرافه، بل يهم الجماعة الدولية بأسرها، ولذا حضَّ على الالتزام بالوسائل السلمية في حل النـزاعات الدولية عن طريق التسوية السلمية، حيث يتدخل مجلس الأمن في هذه النـزاعات في حالتين :
1ً- وهي الحالة التي يكون من شأن استمرار النـزاع فيها تعريض السلم الدولي للخطر، هنا، جعل الميثاق مجلس الأمن مسؤولاً عنها في نفس الوقت الذي ترك فيه حرية اختيار الحل المناسب للنـزاع إلى الدول المعنية بالنـزاع ذاتها عن طريق “المفاوضات، التحقيق، الوساطة، القضاء الدولي، المنظمات الدولية الإقليمية”. وفي هذه الحالة، يستطيع مجلس الأمن إصدار توصياته إلى أطراف النزاع بناءً على طلب الجمعية العامة، أو الأمين العام للأمم المتحدة، أو الدول “أعضاء وغير أعضاء” في حالة إخفاقها في حله “النزاع” سلمياً.. والذي يتمتع في هذه الحالة بسلطة اقتراح حل موضوعي له .
2ً- وهي الحالة التي يتم فيها عرض النزاعات الدولية برضاء واتفاق الدول المعنية بالنزاع نفسها، سواءً كان هذا النزاع يعرض السلم الدولي للخطر أم لا، حيث يعود إلى مجلس الأمن إذا طلب إليه المتنازعين ذلك، أن يقدم إليهم توصياته غير الملزمة بقصد حل النزاع حلاً سلمياً فقط.
– أما في الوظيفة الثانية. فإن مجلس الأمن ينهض بمهمته هذه بوصفه قادراً على العمل السريع والفعَّال للمحافظة على السلم والأمن الدوليين بموجب اختصاصه التأديبي، شريطة اتخاذ الإجراءات التي تتفق مع أهداف الأمم المتحدة أولاً، وتُحترم فيه قيد الاختصاص الداخلي المحفوظ للدول الأعضاء ثانياً، ويمتلك في هذا سلطة تقديرية واسعة لتقدير ما إذا كان أمراً ما يهدد السلم، أو يخِّل به، أو يشكِّل عدواناً عليه، حيث يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير القمعية المناسبة. وتكون سلطاته في هذه الحالة حقيقية، بمعنى أنه يتوجب على الدول الأعضاء الانصياع له حكماً. كما يجوز لمجلس الأمن وقبل اللجوء إلى التدابير القمعية اتخاذ تدابير مؤقتة على أن لا تخل هذه التدابير بحقوق الدول المتنازعة وبمطالبها أو مراكزها، وعلى أن يأخذ بالحسبان عدم أخذ المتنازعين بعين الاعتبار لهذه التدابير، ومن أمثلتها: وقف القتال في فلسطين عام /1948/، وفي كوريا عام /1950/ وفي تونس عام /1961/. وفي النزاع الهندي الباكستاني عامي /65-71/، وفي العدوان الإسرائيلي عام /1967/، وفي حرب تشرين عام /1973/، وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان /1978/، وفي الحرب الخليجية الثانية /1990/.
– أما التدابير التي يجوز لمجلس الأمن اتخاذها في الحالة التي يقرر فيها أن هناك ما يهدِّد الأمن أو السلم الدوليين فهي على نوعين أيضاً :
1ً- تدابير قسرية : وهي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة، بل يطلب من الدول الأعضاء تطبيق هذه التدابير على الدولة ” المعتدية ” ومن ذلك : وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الجوية والحديدية والبرية .. وغيرها كما حصل مع الشقيقة ليبيا بموجب القرارين /748-381-1992/ والقرار [883-11/10/1993] قبل تعليقها مؤخراً .
2ً- فذي طبيعة عسكرية . حيث يلجأ إليها مجلس الأمن إذا تبين له أن إجراءات النوع الأول لا تفي بالغرض المطلوب، فيجوز له أن يتخذ بواسطة القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما، بتضافر سائر أعضاء الأمم المتحدة في تقديم المعونة المتبادلة من أجل نجاحه في تنفيذ التدابير التي يقررها، فتنفذها كل دولة عضو عندئذٍ بصورة منفردة، أو بواسطة العمل في الوكالات والهيئات الدولية المختصة التي تكون أعضاء فيها، ومثاله الأوضح عربياً استعادة الكويت من قبل قوات التحالف الدولي ابتداءً من ليلة ـا16-17/1/1991 حتى تاريخ صدور القرار [686-2/3/1991] الذي يثبت وقف إطلاق النار اعتباراً من ـا28/2/1991 .
– هذا مع الإشارة إلى أن اتخاذ مجلس الأمن لهذه التدابير التأديبية مرهوناً باتفاق الدول الأعضاء الدائمة في المجلس، إذ أن معارضة إحدى الدول الخمس الكبرى يؤدي إلى عجزه عن تأدية مهامه هذه، لا سيما وأنه لا يملك قوات دولية جاهزة دائماً قادرة على التصرف بفاعلية!. وإن كل ما تملكه عبارة عن قوات رمزية تستخدمها في عمليات المراقبة والفصل بين المتنازعين ] ([1]).
* نستنتج من ذلك : أن أسباب التدخل الدولي في النزاعات التي تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين إنما يعود إلى مجلس الأمن وحده، وبتوافق سائر أعضاءه سواء طلب منه أم لا، بموجب سلطاته التوفيقية أو التأديبية فقط، وليس إلى أي سبب آخر، وما إضافة سبب ثالث إلى وظائفه المومأ إليها ((الدوافع الإنسانية)) إلا من قبيل إضفاء الشرعية على ما لا شرعية له في القانون أو في الذاكرة والخيال الجمعيين كلما طغى السياسي على القانوني والمنافع على المبادئ خلافاً لما نريد .
[1] ) المنظمات الدولية المؤلفة – الدكتور : محمود مرشحة .
– الحق إن فكرة التدخل الدولي الموعى به هنا، إنما يندرج في خانة “الاجتهاد الدولي” على صعيد ممارسة الفكر السياسي المعاصر، ولا يتعلق الأمر البتّة بأية مشروعية دولية تُذكر .
كل ما في الأمر، أن القوى العظمى المؤثرة في هيكلية مجلس الأمن قد شظّت التوازن الدولي المطلوب ! والذي أدّى بدوره إلى ظهور نتائج فجائعية في المساحة الديموجغرافية الدولية لم نكن لنتصورها لولا انهيار المنظومة الاشتراكية، التي كانت تمثّل فيما مضى فعلاً سيرورياً تاريخياً ومكانياً مطلوباً لهذا السبب أو ذاك، وبالتالي بتنا نرى خرقاً فظّاً من قبل هذه القوى لكل المواثيق والأعراف الدولية التي كانت تأخذ بالحسبان مصالح الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ! حتى أصبحت هذه المصالح تقاس اليوم بمعايير جديدة، انبثقت من هيمنة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد وعلى رأسها الولايات المتحدة على سائر المؤسسات الدولية الفاعلة، وتقاس إضافةً إلى ذلك، بمدى تطابقها مع مصالح هذا النظام من عدمه!!.
– إذن، نحن الآن أمام واقع لا يخلو من الغرابة والسذاجة بآن، وأمام صيحات دولية مدوّية تطالب بإعادة الاعتبار والصلاحيات إلى المؤسسات الدولية ومن بينها وأهمها الجمعية العامّة للأمم المتحدة بعيداً عن احتكار الشرعية الدولية وتجيّيرها لمصلحة هذه الجهة أو تلك، إذ ذاك، لا يعود هناك أية إمكانية للتذرّر أو التقسيم في المعايير الدولية المتعارف عليها، أو تفسيرها بعيداً عن كل التآويل الممجوجّة البعيدة المتكلّفة الأخرى …. وإلى أن يحين ذلك، فإننا نرى أن الأخذ بالدوافع الإنسانية سبباً في التدخل الدولي هنا وهناك ((وبغض النظر عن تعريفٍ محدد لها)) إنما يخضع إلى اعتبارات القوى العظمى وحدها وسياساتها ومصالحها الكونية بعيداً عن ميزان العدالة الدولية كما نريد !! ولولا الإطالة فيما ينبغي الاختصار فيه، فإن هذه الدوافع ومفهومها عدا عن أنها تخضع إلى معايير مزدوجة أثناء التطبيق العملي ((حسب الأهواء والمنافع)) فإنها تنحصر فيما يعتقد بالسجلات التالية :
1- الكوارث الطبيعية (( فيصان، مجاعة، زلزال، أعاصير ..))
2- الإبادة البشرية والتطهير العرقي بنتيجة النزاعات المحلية ((العرقية، الحرب الأهلية .. ))
3- أو أية حادثة أخرى فردية كانت أم جماعية تحمل الطابع الكارثي أو يُراد لها ذلك .
– حيث يتبين لنا هنا أن هذه الحالات وغيرها، قد تُحمّل عليها من الأسباب والذرائع مما لا وجه له البتّة بقصد أو بدون قصد، بغرض تنفيذ المآرب المخططة عبرها لهذا السبب أو ذاك، مما يعني أنّ هذه المآرب السياسية تغطّي وتغلّف بالدوافع الإنسانية أحياناً كثيرة، وتبعاً لكل حالة علة حدة باسم ((الشرعية الدولية)) وعلى حسابها زوراً وبهتاناً كلما دعت الحاجة إلى ذلك !. ومن أمثلة ذلك :
تدخل قوات حلف الشمال الأطلسي في منطقة البلقان بزعم حماية البان كوسوفو من الإبادة البشرية التي تعرضوا لها على أيدي الصرب بعد رفضهم التوقيع على خطة السلام الدولية المنبثقة عن محادثات رامبوية ((الباريسية)) بشقيها المدني والعسكري بعد موافقة ألبان الإقليم عليها رسمياً، حيث كانت ضرباته الجوية مساء ـا24/3/1999 ضد يوغوسلافية السابقة ((المعقل الشيوعي الأوربي الوحيد)) لأجل كوسوفو ((أول حرب تخوضها “لأسباب إنسانية”، وأول حرب للأطلسي منذ إنشائه في العام 1949، وأول حرب تشارك فيها ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأول مشاركة فرنسية في حرب أطلسية كاملة، كما أنها المرة الأولى التي تعلن فيها حرب هي الثالثة في البلقان وأوربا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأول حرب أطلسية ضد دولة لم تعتدي على إحدى دولها !)) ()[1].
– وإذا عدنا إلى رفض مجلس الأمن بتاريخ ـا19/12/2000 بأغلبية (8) أصوات ضد (7) مشروع القانون الذي تقدمت به مجموعة دول عدم الانحياز بخصوص طلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، بعد الاستخدام المفرط للعنف ضدهم بنتيجة تصاعد بطولات انتفاضة الأقصى المبارك ضد الهمجية الإسرائيلية المستمرة ((بحجة عدم الإساءة إلى العملية السلمية)) ! وبعد رفضه كذلك، طلب تشكيل لجنة التحقيق الدولية للوقوف على مسؤولية الجانب الإسرائيلي في مجزرة جنين الشهيرة من قبل جيشه البغيض في الضفة الغربية في العام ما قبل الماضي بعد الإدانات الإقليمية والدولية المتتالية لتأكد لنا ما كنا نؤمن به ونعتقد لجهة ازدواجية الأخذ بالمعايير الدولية التي نتحدث عنها.
صحيح أن الشعب الفلسطيني بنتيجة اتفاقية أوسلو 1993 وما تلته من اتفاقات كثيرة لم يتوصل بعد إلى حقوقه المشروعة ومن بينها تحقيق المصير وقيام الدولة المستقلة وعودة اللاجئين … إلا أنه في ضوء استمرار تعنّت ((كتلة الشر الملتهبة على الدوام)) الذي يعيش عصره الذهبي حالياً في ظل الاختلال الاستراتيجي في موازين القوى، والرعايتين الأمريكية والأوربية ((للأسباب المعروفة))، وغياب الأمل بتسوية عادلة وشاملة تعيد إليه حقوقه المشروعة مع هذا السرطان أو ذاك ((حزبي الليكود والمعراخ)) اللذين لم يتوانا يوماً في ممارسة سياسات إرهاب الدولة الرسمي ضد شعب أعزل تسلّح بالشرعية الدولية، وبالسلام كخيار استراتيجي وبمبدأ الأرض مقابل السلام لاستعادة حقوقه المعترف بها دولياً، هذا الشعب الذي لم يُنصفه مجلس الأمن – بوجود الفيتو الأمريكي – برغم صلاحيته ومسؤولياته الواسعة في المحافظة على مسائل الأمن والسلم الدوليين ! بات أحوج اليوم إلى طلب الحماية الدولية تبعاً للأسباب التالية :
1- اقتراب ما كان يسمَّى بالصراع العربي الإسرائيلي ولا سيما على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي حدود المحرمات والمقدسات (القدس،اللاجئين) التي
[1] ) جريدة المجد الأردنية .
يمكن أن تفجّر هذا الصراع في كل لحظة من جديد في ظل التوافق الرسمي الإسرائيلي (العمل-الليكود) على عدم التخلي عن القدس الشرقية وإدخال أي لاجئ إلى حدود (الدولة الإسرائيلية)، مما يستتبع معه صراعات متتالية تدخل المنطقة عوالم المجهول اللامتناهية والتي سيكون الخاسر الأكبر فيها الشعب الفلسطيني .
2- علماً أن حدود هذا الصراع بات مفتوحاً على مصراعيه أكثر من أي وقت مضى بسبب تقاعس العالم العربي وتقصيره في تأمين الحماية الكافية للشعب الفلسطيني بصورة حربٍ نظاميةٍ أو شعبية، أو دعم كفاحه المسلح بصورة أو بأخرى مع غياب الأمل بوحدة الرأي والموقف التضامني اللازم لاستعادة هذه الحقوق المشروعة مستقبلاً .
– لهذه الأسباب وغيرها نعتقد أن استمرار الأخذ بالمعايير المزدوجة في منطقةٍ كمنطقة (الشرق الأوسط برميل البارود) سوف يؤدي إلى إشعال هذا البرميل إن آجلاً أو عاجلاً، والذي سيخل بدوره بالأمن والسلم الدوليين ويحرق أصابع الجميع إن لم يتم تدارك الأمور بحكمةِ واتزان .
– فهل يستفيق مجلس الأمن ويمارس اختصاصاته الأساسية هنا ؟ أم أن المصالح الآنيّة ستعاكس الدوافع الإنسانية على الدوام .
هـ : مكتب 2311759 . عبد المنان رشيد
خليوي: 094787091 حلب . في ـأ15/6/2005 محامٍ وكاتب
اترك تعليقاً