دراسة وبحث مفصل عن أسباب الإباحة
المبحث الأول : الأحكام العامة لأسباب الإباحة :
أولا – ماهية أسباب الإباحة وطبيعتها :
ان الفعل الذي لا يتناوله المشرع بالتجريم من الأصل يكون مباحا إباحة أصلية عملا بقاعدة ان “الأصل في الأشياء الإباحة”، أما الفعل الذي يخضع لنص تجريم حماية لمصلحة معينة، فان المشرع قد يبيحه استثناء اذا وقع في ظروف معينة، ومن ثم يكون الفعل مباحا إباحة استثنائية0 وان هذه الظروف التي حددها المشرع وجعل من آثارها إباحة الفعل المجرم تسمى أسباب الاباحة0
وتتميز أسباب الإباحة بطبيعة موضوعية حيث يترتب على توافر سبب منها إزالة الصفة الإجرامية عن الفعل، فأثرها ينصرف الى الفعل لا الى شخص الفاعل0 ومن ثم فان أثرها يمتد الى كل شخص ساهم في الجريمة0 فإذا أجرى الطبيب جراحة لمريض فان الإباحة تنصرف الى فعل الطبيب والى فعل كل
من ساعده في هذا العمل0
ثانيا – تقسيم أسباب الإباحة :
-1 يقسم الفقه أسباب الإباحة تبعا لموضوعها الى أسباب عامة وأسباب خاصة:
أسباب الإباحة العامة : هي التي تنتج أثرها بالنسبة الى جميع أنواع الجرائم اي أنها تبيح ارتكاب جميع الجرائم مثل استعمال الحق وأداء الواجب0 *
أسباب الإباحة الخاصة : هي الأسباب التي لا تبيح الا جرائم معينة منها حق الدفاع أمام المحاكم حيث لا يبيح الا جرائم القذف والسب. *
2 -وتقسم أسباب الإباحة تبعا لآثارها الى أسباب إباحة مطلقة وأسباب إباحة نسبية:
أسباب الإباحة المطلقة : هي التي يمكن ان يستفيد منها اي شخص بصرف النظر عن صفته، ومثالها حق الدفاع الشرعي0 *
أسباب الإباحة النسبية : هي التي يستفيد منها أشخاص معينون لتوافر صفات خاصة فيهم مثل مباشرة الطبيب للأعمال الطبية والجراحية فلا يستفيد منها الا الطبيب0 *
ثالثا – حكم الجهل بالإباحة و الغلط فيها :
-1 الجهل بالإباحة :
يقصد بالجهل بالإباحة ان يقوم شخص بارتكاب فعل وهو يعتقد ان القانون يعاقب عليه، بينما يكون هناك سبب من أسباب الإباحة يجهله0 ولما كانت أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية فهي تنتج أثرها وترفع عن الفعل الصفة الإجرامية سواء علم الجاني بتوافرها او جهل وجودها.
-2 الغلط في الإباحة : قد يعتقد الشخص على خلاف الحقيقة توافر الوقائع او الظروف التي يقوم عليها سبب من أسباب الإباحة، في حين ان هذا السبب غير قائم في الحقيقة والواقع0 مثال ذلك ان يعتقد الشخص ان هناك خطر يتهدده في نفسه او في ماله، فيقتل من ظن انه مصدر الخطر اعتقادا منه بتوافر شروط الدفاع الشرعي على خلاف ما ثبت في الحقيقة والواقع0 ولم يرد قانون العقوبات الاتحادي نص في هذا الصدد ولكن ورد في المادة 56/ أولا تطبيق لذلك، حيث لم يستلزم المشرع في الخطر المسوغ للدفاع الشرعي ان يكون خطرا حقيقيا في ذاته بل يكفي ان يبدو كذلك في اعتقاد المدافع وكان اعتقاده مبينا على أسباب معقولة0
ولما كانت أسباب الإباحة ذات طابع موضوعي وكان الغلط في الإباحة يتعلق بالموقف النفسي للجاني، فانه لا يعدل الإباحة وإنما يؤثر في الركن المعنوي للجريمة فينفي القصد الجنائي الذي يقوم على العلم بعناصر الجريمة وإرادة ارتكابها، لان الغلط في الوقائع ينفي ذلك العلم0 الا انه يجوز مساءلة الجاني عن جريمة غير عمدية اذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف وثبت إهمال الجاني في التثبت والتحري عن الظروف التي أحاطت بفعله وأدت به الى الغلط0 أما اذا ثبت انه بذل القدر اللازم من التثبت والتحري ومع ذلك وقع في الغلط، فانه لا ينسب اليه الخطأ وتنتفي مسئوليته الجنائية0 وجدير بالملاحظة ان الغلط في الإباحة هو الذي ينصب على الوقائع التي أحاطت بالفعل او على قانون اخر غير قانون العقوبات0 أما الغلط في قانون العقوبات فلا ينفي المسئولية عن الجريمة0
رابعا – المقارنة بين أسباب الاباحة وغيرها من الأنظمة القانونية:
1- أسباب الإباحة وموانع المسئولية: موانع المسئولية هي الأسباب التي تجعل مرتكب الجريمة غير مسئول جنائيا عن الجريمة المرتكبة0 وعلى ذلك فهي تتفق مع أسباب الإباحة في عدم توقيع العقاب على من يستفيد منها0 وتختلف أسباب الإباحة عن موانع المسئولية فيما يلي :
أ- ان أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية ترفع عن الفعل الصفة الإجرامية وبالتالي يمتد أثرها الى كل من ساهم في الجريمة0 أما موانع المسئولية فترجع الى أسباب شخصية تتعلق بالجاني فتفقده الإدراك والإرادة ومثالها الجنوب والسكر غير الاختياري0 فهي تحول فقط دون قيام المسئولية الجنائية لمرتكب الجريمة فلا يستحق العقاب ولكنها لا تنفي عن الفعل الصفة الإجرامية، ومن ثم يقتصر اثر مانع المسئولية على من توافر لديه دون غيره0
ب- ويترتب على أسباب الإباحة انتفاء المسئولية الجنائية والمدنية لان الفعل المرتكب اصبح مشروعا، أما موانع المسئولية فهي لا تمنع المسئولية المدنية لان الفعل ما زال غير مشروع0
ج- على الرغم من ان العقاب لا يوقع في حالة توافر سبب إباحة او مانع المسئولية، الا انه يجوز الحكم بتدبير احترازي عند امتناع المسئولية الجنائية على اعتبار ان خطورة الجاني قد تكون متوافرة رغم الحكم بامتناع المسئولية الجنائية، وهذا ما يأخذ به قانون العقوبات الاتحادي م 133 و م 62/2 0
-2 أسباب الإباحة وموانع العقاب : تفترض موانع العقاب توافر أركان الجريمة واكتمال المسئولية الجنائية عنها وبالتالي استحقاق العقاب، غير ان المشرع قد لا يرى لاعتبارات معينة إعفاء بعض الأشخاص من العقاب تشجيعا على عدم التمادي في نشاطهم الإجرامي، او منع وقوع بعض الجرائم، او مساعدة السلطات على ضبط الجناة0 مثال ذلك إعفاء الراشي او الوسيط من العقاب اذا بادر بإبلاغ السلطات القضائية او الإدارية عن الجريمة (الرشوة) او اعترف بها قبل اتصال المحكمة بالدعوى0
وتشترك موانع العقاب مع أسباب الإباحة في عدم توقيع العقاب الا انهما يختلفان في :
أ- موانع العقاب تبقي أركان الجريمة متوافرة ويقتصر أثرها على الإعفاء من العقاب، أما أسباب الإباحة فإنها تخرج الفعل من نطاق التجريم فتزيل عنه الصفة الإجرامية وترده الى اصله مباحا0
ب- اثر الإباحة يمتد على كل من ساهم في الجريمة فاعلا او شريكا، أما مانع العقاب فان أثره يقتصر على من توافر لديه كأن يستفيد منه الفاعل دون الشريك الذي يعاقب0
يجوز الحكم بتدبير احترازي في حالة توافر مانع للعقاب وهو ما لا يجوز بالنسبة لحالة الاباحة0
المبحث الثاني : أسباب الاباحة في قانون العقوبات الاتحادي : ج-
المطلب الأول :- استعمال الحق :
نص المشرع الاتحادي على استعمال الحق كسبب إباحة في المادة 53/1 ع0إ
أولا : الشروط العامة لاستعمال الحق :
1- وجود حق مقرر بمقتضى القانون : يقتضي استعمال الحق كسبب للإباحة ان يكون هناك حق0 والحق هو كل مصلحة يعترف بها القانون ويحميها0 فمالك الشيء الموجود لدى الغير يكون ذا مصلحة مشروعة في استرداده، ولكن هذه المصلحة لا يعترف بها القانون كسبب لإباحة استرداد ذلك الشيء بالقوة0 ويفهم الحق هنا بمعناه الواسع اي الحق الذي تقرره قاعدة قانونية سواء تضمنها نص تشريعي أيا كان موضعه بين مجموعات القوانين، او لم يتضمنها نص تشريعي ولكنها تقررت بموجب العرف الذي يتفق مع أهداف القانون، او كان مصدرها الشريعة الاسلامية0
ومن أمثلة الحقوق التي تقررها النصوص التشريعية حق الدفاع الشرعي (م 56 ع0إ) وحق الدفاع أمام المحاكم (م 376 ع0إ)0 ومن أمثلة الحق الذي يجد مصدره في الشريعة الإسلامية حق الزوج في تأديب زوجته0 أما الحقوق التي يقررها العرف فمثالها ممارسة الألعاب الرياضية الذي تقع به جريمة الضرب او الجرح، وكذلك ثقب أذن الفتاة لوضع الحلي فيها0 ولكن اذا تدخل القانون وحظر عملا جرى به العرف فان إتيان هذا الفعل يشكل جريمة مثل ذلك ان يصدر قانون يحظر على حلاقي الصحة بإجراء عمليات الختان0
-2 الالتزام بحدود الحق : لقيام هذا الشرط يجب ان يمارس الحق من يملكه وان يكون ارتكاب الجريمة ضروريا لاستعمال الحق وذلك على النحو التالي :
ممارسة الحق بواسطة من يملكه : اذا قرر القانون لشخص بالذات استعمال الحق وجب عليه ان يمارسه بنفسه، فحق ممارسة الطب والجراحة مخول للطبيب فلا يجوز لغيره استعماله كالممرض0 وحق تأديب الزوجة قاصر على الزوج فإذا مارسه غيره وقع فعله تحت طائلة قانون العقوبات0 ويلاحظ ان القانون المدني يجيز الإنابة في استعمال الحق بمقتضى القانون او اتفاق، وهذه الإنابة جائزة في غير الحقوق المالية كحق الدفاع أمام المحاكم، فمثلا الوكيل في ممارسة الحق في الدفاع أمام المحاكم له ان ينسب الى الخصم وقائع تعد سبا وقذفا ويستفيد من سبب الإباحة المقرر لموكله0 أ-
يجب ان يكون ارتكاب الجريمة ضروريا لاستعمال الحق والا فان هذا الاستعمال لا يكون مباحا0 فحق الدفاع أمام المحاكم لا يبيح للخصم غير أفعال القذف او السب والتي تكون في مقام الدفاع الشفهي او الكتابي أمام المحاكم0 وحق ممارسة الألعاب الرياضية العنيفة لا يبيح غير أفعال الضرب التي تقررها اللعبة وتكون لازمة لها0 ب-
ولا يجوز استعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة لمخالفتها النظام العام والآداب العامة فليس للطبيب ان يستعمل حقه في الجراحة لإجراء عملية غير مشروعة كإجهاض امرأة0
-3 استعمال الحق بحسن نية : يجب ان يهدف الشخص من وراء استعمال الحق تحقيق الغاية التي تقرر من اجلها الحق0 فإذا تبين ان مستعمل الحق كان سيئ النية فانه يسأل عن الجريمة التي ارتكبها0 فالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض ليس بقصد علاجه وإنما بقصد إجراء تجربة علمية يسأل عن قتل او جرح عمدي حسب النتيجة0
ثانيا : تطبيقات استعمال الحق :
نصت المادة 53/2 ع0إ على استعمال الحق وصوره، وسوف نقتصر على دراسة أهم التطبيقات وأكثرها وقوعا في العمل وهي : حق التأديب، حق ممارسة الألعاب الرياضية وحق مباشر الأعمال الطبية والجراحية0
1 – حق التأديب : حق التأديب نوعان ، حق تأديب الزوج لزوجته وحق تأديب الصغار0
أ- حق تأديب الزوج لزوجته :
حق الزوج في تأديب زوجته مستمد من الشريعة الإسلامية لقوله تعالى : ” واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضروبهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا”0 ونص على هذا الحق المشرع الاتحادي في المادة 53/1 ع0إ ، ويبيح هذا الحق أفعال التعدي والإيذاء الخفيف المجرمة بالمادة 339/2 ع0إ
وحق تأديب الزوجة قاصر على الزوج فلا يجوز لغيره القيام به مهما كانت صلة القرابة التي تربطه به او بزوجته0 ولا يجوز استعماله الا اذا بدرت من الزوجة معصية لم يرد فيها حد مقرر ولم يتم رفعها الى الإمام اي السلطات العامة0 ويقصد بالمعصية اي إخلال من الزوجة بواجباتها قبل زوجها كعدم طاعته بدون موجب والخروج من المنزل دون اذنه0 ولا يجوز للزوج ان يلجأ الى الضرب الا بعد استنفاد وسيلة الوعظ ووسيلة الهجر في المضجع0 والضرب المباح هو الضرب البسيط الذي لا يترك اثرا0 فإذا تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته خضع للعقاب الذي يقرره القانون0 فإذا ترتب على الضرب وفاة الزوجة يسأل الزوج عن ضرب أفضى الى الموت.
ويشترط كذلك ان يكون تأديب الزوج لزوجته بقصد تهذيبها ومواجهة نشوزها، أما اذا كان بقصد الانتقام او الإهانة فان الزوج لا يستفيد من الإباحة ويستحق العقاب0
ب- حق تأديب الصغار :
نص على هذا الحق في المادة 53/1 ع0إ ومصدر هذا الحق الشريعة الإسلامية التي تجيز للآباء او أولياء النفس عند عدم وجود الأب والوصي والأم حق تأديب الصغار لإصلاحهم وتعليمهم، ويثبت حق تأديب الصغار الى معلمه وملقن الحرفة لارتباط التعليم بالتأديب0 أما الخاضعون للتأديب فهم الأولاد القصر الذين لم يبلغوا من العمر خمسة عشر سنة0 أما من بلغ هذه السن وكان غير مأمون عليه فتنة فيظل خاضعا للتأديب الى ان يبلغ سن الرشد0
-1 ولا يجوز تأديب الصغير الا اذا انحرف عن السلوك الواجب سواء حدده القانون او العرف او الدين، كمن يترك الصلاة او الصيام0
-2 يجب على من يستعمل حق التأديب ان يلتزم بالحدود المقررة شرعا او قانونا، فيجب الا يتجاوز الضرب ثلاثة ضربات وان يكون خفيفا فان كان فاحشا فهو غير مباح0 والضرب الخفيف يكون باليد دون استعمال وسيلة اخرى كالعصا والا يترك أثرا في الجسم0 ويجوز ان يكون التأديب بالتوبيخ او تقييد الحرية الذي لا يصل الى التعذيب او منع الحركة0
3 – ويجب ان يهدف التأديب الى إصلاح الصغير وتهذيبه وتعليمه، فإذا ضرب الأب ابنه لحمله على التسول او السرقة خرج من نطاق الإباحة ودخل حدود التجريم0
2- حق ممارسة الألعاب الرياضية :
أ – ماهية الألعاب الرياضية : يقصد بالألعاب الرياضية مجموعة الألعاب والتمارين البدنية التي يمارسها بعض الأفراد بروح المنافسة من اجل تنمية أجسامهم او من اجل تسليتهم خاضعين في تلك الممارسة لقواعد معينة0 والألعاب الرياضية نوعان : نوع لا يتطلب العنف كالسباحة وحمل الأثقال، فإذا حدثت إصابة أثناء ممارسة هذه الرياضات طبقت قواعد المسئولية الجنائية0 وهناك نوع من الألعاب تتطلب ممارستها استعمال العنف كالمصارعة والملاكمة، وهذا النوع هو المقصود بالإباحة لما يحدثه من إصابات او جروح او كسور0
ب- سند الإباحة : نص المشرع الاتحادي في المادة 53/3 ع0إ على إباحة استعمال العنف في الألعاب الرياضية اي إباحة أفعال الإيذاء التي تحدث أثناء ممارستها0
ج- شروط الإباحة : يتعين لإباحة اعمال العنف التي تصاحب ممارسة الألعاب الرياضية توافر ما يلي :
ان تكون اللعبة من الألعاب التي يعترف بها العرف الرياضي اي لها قواعد تنظم ممارستها0 –
ان تكون اعمال العنف ارتكبت أثناء المباراة الرياضية، فإذا وقعت قبل بدء المباراة او بعدها فلا تكون مباحة0 ويستوي ان تكون قد وقعت في مباراة نظامية او في تمارين الاستعداد لها0 كما يستوي ان يكون اللاعب هاويا او محترفا0 –
يجب ان يراعي اللاعب جميع قواعد اللعبة المتعارف عليها وأصولها المرعية، فإذا وقعت اعمال العنف نتيجة خروج اللاعب عن هذه القواعد خضع لقواعد المسئولية الجنائية0 –
3- حق مباشرة الأعمال الطبية :
لا يجادل أحد في ان الطبيب يمارس أثناء قيامه بعمله بعض الأعمال التي لو وضعت تحت مقياس قانون العقوبات لاعتبرت جرائم، ومع ذلك لا يسأل الطبيب جنائيا0
أ- الأساس القانوني لإباحة العمل الطبي : تعددت الآراء التي قيل بها في أساس إباحة العمل الطبي والجراحي0 والاتجاه الراجح فقها وقضاء يسند إباحة الأعمال الطبية والجراحية التي يقوم بها الأطباء الى الرخصة المخولة لهم قانونا بمزاولة مهنة الطب وفقا للشروط والإجراءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لمزاولة مهنة الطب والجراحة0 فمتى اعترف المشرع بمهنة الطب وقام بتنظيم كيفية مباشرتها فهو يسمح حتما بكل الأعمال الضرورية لمباشرتها0 كما وان الأعمال الطبية لا تنطوي على اعتداء على حق الإنسان في سلامة جسمه، بل أنها تستهدف المحافظة على الجسم ومصلحته في ان يسير سيرا عاديا طبيعيا، أيا كانت النتيجة التي تسفر عنها الأعمال الطبية طالما ان الطبيب بذل العناية اللازمة وفق الاصول العلمية المتبعة في الطب0 وقد تناول المشرع الاتحادي في المادة 53/2 ع0إ اعمال الطبيب باعتبارها استعمالا للحق0
ب- شروط إباحة العمل الطبي : يشترط لإباحة العمل الطبي توافر ما يلي :
1- الترخيص بمزاولة مهنة الطب : يجب ان يكون من أجرى الأعمال الطبية قد حصل على الترخيص الذي يتطلبه القانون واللوائح الخاصة بتنظيم الأعمال الطبية قبل مزاولة الأعمال فعلا0 والترخيص بمزاولة مهنة الطب قد يكون عاما شاملا لجميع اعمال المهنة، وقد يكون خاصا بمباشرة اعمال معينة وفي هذه الحالة لا تتوافر الإباحة الا اذا كان العمل داخلا في حدود الترخيص المقرر كما هو الحال بالنسبة لطبيب الاسنان0 وبناء على ما تقدم يسأل من لا يملك الترخيص عما يحدثه بالغير من الجروح وغيرها باعتباره معتديا على سلامة جسم الغير فضلا على معاقبته على مزاولة مهنة الطب على نحو يخالف القانون0 وكذلك الحال بالنسبة لمن يزاول مهنة الطب او الجراحة خارج النطاق الذي يسمح به الترخيص الممنوح له كطبيب أسنان اذا اقدم على جراحة فتح البطن فانه يسأل عن النتائج المترتبة على ذلك مسئولية عمدية0
-2 رضاء المريض : يتطلب المشرع لإباحة الجراحة الطبية واعمال التطبيب ان تتم برضاء المريض او النائب عنه قانونا صراحة او ضمنا0 فلا يجوز ان يرغم الشخص على تحمل المساس بتكامله الجسدي ولو كان ذلك من اجل مصلحته، ولذلك يسال الطبيب الذي يجري العمل الطبي الجراحي لمريض دون الحصول مقدما على رضائه او رضاء من يقوم مقامه مسئولية عمدية ولو قصد به العلاج واستفاد منه المريض0
ويجب الحصول على رضاء المريض قبل البدء في مباشرة عمله الطبي وبتوافره تنتج الإباحة آثارها بالنسبة لما يحدث من مساس بجسم المريض0 ولا بد من توافر هذا الرضاء في كل مرحلة من مراحل العمل الطبي اي من مرحلة التشخيص الى مرحلة التدخل العلاجي الذي يتم بتعاطي الأدوية او التدخل الجراحي0
وتجدر الإشارة الى ان رضاء المريض او من يمثله قانونا لا يعني إعفاء الطبيب من المسئولية الجنائية والمدنية التي تنشأ عن أخطائه المهنية0
ويستطيع الطبيب ان يتجاوز عن الحصول على رضاء المريض ويظل فعله مباحا اذا كان المريض مصابا بمرض معدي يخشى انتقال عدواه الى غيره فيتم تطعيمه دون رضائه، وكذلك الحال اذا كان المريض مهددا بخطر جسيم حال يقتضي التدخل العلاجي السريع وكان المريض غير قادر على التعبير عن إرادته ولم يوجد من يرضى نيابة عنه0 فإذا شرع الطبيب في إجراء عملية جراحية بناء على رضاء المريض السابق وتبين أثناء إجرائها ضرورة القيام بعمل طبي اخر ضروري لشفاء المريض، استقر الفقه والقضاء على جواز ذلك للطبيب بناء على الرضاء السابق ما دام انه يقصد تحقيق مصلحة المريض وبشرط ان يحاط الجاني علما بعد الجراحة بما تم اجراؤه0
ويشترط لصحة رضاء المريض ما يلي :
* ان يكون الرضاء حرا : فإذا شاب رضاء المريض غلط او تدليس او إكراه فانه يتجرد من قيمته القانونية0
* ان يكون الرضاء متبصرا : يجب ان يعلم المريض بطبيعة ونوعية العمل الطبي الذي ينصرف اليه رضاؤه فضلا عن مخاطره ونتائجه المحتملة حتى يتسنى له قبول او رفض العمل الطبي0
* أهلية المريض : يجب ان يكون المريض بالغا رشيدا متمتعا بكامل قواه العقلية وفي حالة صحية تسمح له بإبداء ذلك الرضاء0
* الرضاء موقف إرادي كامن في النفس يجب ان يفصح المريض عنه بالتعبير عن ذلك الرضاء صراحة بالكلام او الإشارة او الكتابة، او ضمنا كمن يذهب الى غرفة العمليات بعد علمه بماهية العملية الجراحية ونتائجها المحتملة.
–3 قصد العلاج : لإباحة العمل الطبي يجب ان تنصرف نية الطبيب متجهة الى العلاج لا الى غاية اخرى، اي ان يكون غرضه مما يقوم به من اعمال مهنته الوصول الى علاج المريض بتخليصه من الآلام التي يكابدها او التخفيف من حدتها0 فإذا قصد الطبيب من عمله تحقيق غرض اخر غير العلاج انعدم حقه فيسأل جنائيا عن نتائج فعله0 وبناء على ما تقدم يسأل الطبيب عن فعله تبعا لما يترتب عليه من نتائج اذا اقدم على عملية جراحية يعلم عدم جدواها لكنه أجراها بدافع الحقد على المريض0
المطلب الثاني – أداء الواجب :
1 – أساس الإباحة ونطاقها : نص المشرع الاتحادي على أداء الواجب كسبب عام للإباحة في المادتين 54 و 55 ع0إ ويتضح من هذين النصين ان المشرع الاتحادي يقرر أداء الواجب كسبب إباحة للشخص سواء كان موظفا عاما ام لا0 فإذا جرم المشرع فعلا من الأفعال ثم أوجب على شخص إتيانه فأتاه فان هذا الفعل يعتبر مباحا ولا يمكن اعتباره جريمة0 وتقرر هذه الإباحة حماية للأفراد حتى لا يحجموا عن أداء واجباتهم او يترددوا في مباشرتهم لها خشية المسئولية الجنائية0
2- مدلول الموظف العام في قانون العقوبات الاتحادي : عرف المشرع الاتحادي الموظف العام في المادة (5) ع0إ حيث نصت على انه يعتبر موظفا عاما في حكم هذا القانون :
أ- القائمون بأعباء السلطة العامة والعاملون في الوزارات والدوائر الحكومية.
ب- أفراد القوات المسلحة0
ج- رؤساء المجالس التشريعية والاستشارية والبلدية واعضاؤها0
د- كل من فوضته إحدى السلطات العامة القيام بعمل معين وذلك في حدود العمل المفوض0
و- رؤساء مجالس الإدارة وأعضاؤها والمديرون وسائر العاملين في الهيئات والمؤسسات العامة0
ي- رؤساء مجالس الإدارة وأعضاؤها والمديرون وسائر العاملين في الجمعيات والمؤسسات ذات النفع العام0
ويعد الشخص مكلفا بخدمة عامة كل من يقوم بأداء عمل يتصل بالخدمة العامة بناءا على تكليف صادر اليه من موظف عام يملك هذا التكليف بمقتضى القوانين او النظم المقررة0
ويستوي ان تكون الوظيفة او الخدمة دائمة او مؤقتة بأجر او بغير أجر0
أولا – أداء الواجب كسبب لإباحة أفعال غير الموظفين العموميين:
تنص المادة (54)ع0إ ان أداء الفرد ولو لم يكن موظفا عاما للواجبات المفروضة عليه شرعا او قانونا هو سبب لإباحة ما يصدر عنه من أفعال للقيام بهذا الواجب حتى وان كانت تشكل جريمة0 وقد يحدد القانون للفرد الشروط اللازمة لأداء الواجب، فإذا جاء العمل مطابقا لهذه الشروط كان مباحا0 فمناط الإباحة هنا ليس صفة الفاعل بل القيام بواجب تأمره به الشريعة او القانون، فإذا أوجب القانون على شخص إتيان فعل فأتاه فهذا الفعل لا يشكل جريمة0
مثال : شخص يدعى للشهادة أمام المحكمة فعليه واجب أداء الشهادة بما قد يتضمنه من وقائع تعد قذفا او سبا ويعد ذلك مباحا أداء للواجب، والا ترتب على مخالفته لهذا الواجب ارتكاب جريمة اخرى هي جريمة الامتناع عن أداء الشهادة (م 261/1 ع0إ)0
ثانيا : أداء الواجب كسبب لإباحة أفعال الموظفين العموميين :
* حالات الإباحة : نصت المادة (55) ع0إ على حالتين يكون فيهما عمل الموظف العام او المكلف بخدمة عامة مباحا ولو كان مطابقا للنموذج القانوني لجريمة من الجرائم0 والحالتين هما :
-1 العمل المشروع تنفيذا لامر رئيس تجب طاعته قانونا : يكون العمل مباحا اي مشروعا اذا قام به الموظف العام او المكلف بخدمة عامة تنفيذا لامر رئيس تجب طاعته0 مثل ضابط الشرطة الذي يقوم بتفتيش منزل معين تنفيذا لامر المحقق0
ويجب لإباحة العمل توافر شروط شكلية وأخرى موضوعية يتطلبها القانون في أمر الرئيس :
أ- الشروط الشكلية هي :
-1 ان يكون الرئيس مختصا قانونا بإصدار الأمر، فإذا صدر الأمر من شخص ليست له صفة قانونية في إصداره فان الأمر لا يكون مشروعا ولا تجب طاعته0 مثال ذلك ان يقوم عضو النيابة بإصدار أمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية لشخص دون ان تكون هناك موافقة من النائب العام صاحب الاختصاص بذلك (م 75 قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي)0
2- ان يكون المرؤوس الصادر اليه الأمر هو المختص بتنفيذه ، فان كان غير مختص اصبح الأمر غير مشروع وتنفيذه أيضا غير مشروع، مثال : الأمر الصادر بتنفيذ الإعدام لغير الجلاد0
-3 ان يفرغ في الشكل الذي يتطلبه القانون ، فإذا اشترط القانون صدور الأمر كتابة فلا يصح صدوه شفويا0 فلا يجوز القبض على شخص بناء على أمر شفوي0
ب- أما الشروط الموضوعية للأمر فهي تتعلق بالمقدمات التي اشترط القانون توافرها لإصدار الامر0 فالأمر بتفتيش منزل شخص او مراقبة محادثاته السلكية واللاسلكية لا يجوز إصداره الا اذا قامت دلائل كافية على انه يخفي في منزله أشياء قد تفيد في كشف الحقيقة في الجريمة محل التحقيق، او ان مراقبة المحادثات تستوجبها مقتضيات التحقيق0 فمتى توافرت الشروط الشكلية والموضوعية للأمر وقام المرؤوس بتنفيذه كان العمل مباحا0
2- العمل المشروع تنفيذا لما أمرت به القوانين : يكون العمل مشروعا اذا أتاه الموظف العام او المكلف بالخدمة العامة تنفيذا لما تأمر به القوانين0 ويكون العمل مطابقا لما أمرت به القوانين اذا كان تنفيذا مباشرا لأداء واجب يفرضه القانون او استعمالا لسلطة تقديرية ممنوحة للموظف0
أ- فقد يكون العمل الذي يأتيه الموظف تنفيذا لأداء واجبه المستمد من القانون مباشرة، وفي هذه الحالة تكون سلطة الموظف مقيدة بشروط معينة لا مجال لتقديره فيها، فإذا نفذ الموظف العمل بناء على الشروط كان العمل قانونيا، مثال ذلك الواجب الذي يقرره القانون على الجلاد فهو مطالب بتنفيذ حكم الإعدام في شخص معين، فلا مجال لإعمال السلطة التقديرية في هذه الحالة0
ب- وقد يمنح القانون الموظف العام سلطة تقديرية في أداء العمل، فإذا توافرت شروط استعمال هذه السلطة ، فان ما يأتيه في حدود هذه السلطة يكون مباحا0 فيجب ان يتوافر السبب المنشئ لهذه السلطة اي الواقعة التي منح بناء عليها سلطته التقديرية، وان يتوافر في عمل الموظف الشروط الشكلية والموضوعية، وان يقصد الموظف الغاية التي أرادها القانون بمنحه هذه السلطة اي ان يكون حسن النية0 فإذا قصد الموظف الانتقام او التشفي كان فعله غير مشروع0
المطلب الثالث – الدفاع الشرعي :
أولا – تعريف الدفاع الشرعي وتحديد أساسه:
الدفاع الشرعي هو حق عام يعطي صاحبه حق استعمال القوة اللازمة لدفع اعتداء يقع على النفس او المال بفعل يعد جريمة0 فهو حق عام يقرره المشرع لكل إنسان في مواجهة الكافة0 وقد عبر المشرع الاتحادي عن الدفاع الشرعي في المواد من 56 الى 58 ع0إ0 والراجح ان أساس الدفاع الشرعي يرجع الى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للأفراد وتغليب ما كان منها أولى بالرعاية0 ففعل الدفاع وان هدد مصلحة المعتدي فقد صان في ذات الوقت مصلحة المعتدى عليه، وهذه المصلحة الأخيرة هي الأرجح أهمية في نظر المجتمع، لان اعتداء المعتدي قد هبط بالقيمة الاجتماعية لمصلحته0
ثانيا – شروط الدفاع الشرعي : يقوم حق الدفاع الشرعي اذا توافرت الشروط التالية :
– اذا واجه المدافع خطرا حالا من جريمة على نفسه او ماله او نفس غيره او ماله او اعتقد قيام هذا الخطر وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة0
– ان يتعذر على المدافع الالتجاء الى السلطات العامة لاتقاء الخطر في الوقت المناسب0
– الا يكون أمام المدافع وسيلة اخرى لدفع هذا الخطر0
– ان يكون الدفاع لازما لدفع الاعتداء متناسبا معه0
أولا – شروط الاعتداء :
يجب ان يتوافر في الاعتداء لقيام حق الدفاع الشرعي شرطان هما:
وجود خطر بارتكاب جريمة0 *
ان يكون الخطر حالا وشيك الوقوع . *
-1 وجود خطر بارتكاب الجريمة :
يلزم لكي ينشأ حق الدفاع الشرعي ان يكون الاعتداء او خطر الاعتداء بفعل يعد جريمة0 ولا يعتبر الفعل كذلك الا اذا كان غير مشروع يعاقب عليه قانون العقوبات، وهذا ما نصت عليه المادة 56/أولا ع0إ ، فالمشرع يكتفي إذن لتوافر الاعتداء ان يرتكب المعتدي فعلا يحقق خطر وقوع الجريمة0 والأصل ان ينشأ الخطر المهدد بوقوع جريمة عن فعل إيجابي كالسرقة والجرح والضرب، ولكن يمكن ان ينشأ هذا الخطر أحيانا من فعل سلبي او امتناع، كامتناع الأم عن إرضاع طفلها، فيجوز حمل الأم بالقوة على الإرضاع دفاعا عن الطفل0 ولا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي ان يكون الاعتداء على درجة معينة من الجسامة، ولكنه يجب ان يقتضي قدرا من القوة لدفعه0 ويستوي في جريمة المعتدي ان تكون عمدية او غير عمدية، ان تقع تامة او في حالة شروع، ويستوي ان يكون الاعتداء متحققا فعلا او يكون هناك مجرد خطر اعتداء اي وجود تهديد باعتداء وشيك الوقوع.
* امتناع الدفاع الشرعي ضد الأفعال المباحة : اذا كان فعل الاعتداء لا يعد جريمة فلا يجوز دفعه بالقوة، وعليه فانه لا يجوز الدفاع الشرعي عن فعل مباح في ذاته اذا وقع بغير تجاوز لنطاق الإباحة، ولذلك فانه لا ينشأ حق الدفاع الشرعي لمواجهة استعمال الزوج لحقه في تأديب زوجته، او الوالد لحقه في تأديب ولده، فإذا صدر عن المعتدى عليه عنف او مقاومة للتخلص من هذا الاعتداء فان فعله يخضع للعقاب0
ولكن يشترط ان يلتزم مستعمل الحق شروط الإباحة وقيودها، فان تجاوز ذلك عد معتديا مما يبرر الدفاع الشرعي ضد عدوانه، كما لو ضرب الزوج زوجته ضربا فاحشا فان فعله يعد غير مشروع0
*لا يجوز الدفاع الشرعي ضد الدفاع الشرعي : لا تقوم حالة الدفاع الشرعي ضد من وجد هو أيضا في حالة دفاع شرعي0 فإذا قام زيد بالاعتداء على عمرو، فدافع عمرو عن نفسه دفاعا شرعيا ، الا ان زيد عاجله بضربة قضت عليه، فلا يجوز لزيد ان يحتج بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس0 أما اذا تجاوز المعتدى عليه حدود الدفاع الشرعي فان فعله في نطاق هذا التجاوز يصبح غير مشروع ويجوز رده بالدفاع الشرعي0
* موانع مسئولية المعتدي لا تنفي الدفاع الشرعي : اذا توافر للمعتدي مانع من موانع المسئولية الجنائية كصغر السن دون التمييز او الجنون او العاهة في العقل او السكر غير الاختياري فان ذلك لا يحول دون الدفاع الشرعي ضده، لان موانع المسئولية الجنائية لا تنفي عن الفعل صفته الاجرامية0 فمن يتعرض لفعل الاعتداء من مجنون او معتوه يجوز له دفع هذا الفعل بالقوة المادية دفاعا شرعيا عن نفسه0
* الأعذار القانونية لا تحول دون الدفاع الشرعي : متى كان الدفاع يعد جريمة جاز رده بالدفاع الشرعي ولو كان المعتدي يستفيد من عذر قانوني مخفف0 وذلك لان الأعذار القانونية المخففة لا تزيل الصفة الإجرامية عن الفعل وان كانت تخفف العقاب0 ومثال الأعذار القانونية المخففة تجاوز حدود الإباحة بحسن نية (م 59 ع0إ) 0 وقرر المشرع الاتحادي في المادة 334/1 للزوج او الأب او الأخ عذرا مخففا اذا فاجأ زوجته او ابنته او أخته متلبسة بالزنا فقتلها في الحال او قتل من يزني بها او قتلهما معا0 وذات العذر المخفف تقرره المادة 334/2 ع0إ للزوجة التي تفاجئ زوجها متلبسا بالزنا ، الا ان المشرع حرم بمقتضى المادة 334/3 ع0إ مرتكبي جريمة الزنا من رخصة الدفاع الشرعي0
* الدفاع ضد خطر الحيوان : الجريمة لا تقع الا من إنسان فإذا هاجم حيوان شخصا فان ذلك لا يعد عدوانا بفعل يعد جريمة وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بوجود الدفاع الشرعي عن النفس0 ولكن يجوز الالتجاء الى القوة المادية لدفع هذا الخطر ولو اقتضى الأمر قتل الحيوان دون ان يعتبر هذا الفعل جريمة ولكن ليس على أساس الدفاع الشرعي وإنما استنادا الى المادتين 426 و 431 ع0إ اللتين تحظران قتل الدواب والمواشي والحيوانات او الإضرار بها الا في حالة هجوم الحيوان على الانسان0
-2 ان يكون الخطر حالا : يكون الخطر حالا في إحدى صورتين:
أ- الخطر الوشيك الوقوع : يكون الخطر على وشك الوقوع اذا كان الاعتداء لم يبدأ بعد ولكن صدر من المعتدي أفعالا تجعل من وقوع الاعتداء هو الحدث التالي مباشرة لتلك الأفعال وفقا للسير العادي للأمور، اي ان يصل المهدد بالضرب الى حد يتعين معه الضرب والا كان هو المضروب0 فيجوز للشخص ممارسة حقه في الدفاع الشرعي بمجرد ان يتهدده خطر وشيك ولا يشترط ان يكون الاعتداء قد بدأ فعلا0
أما اذا كان الخطر ليس وشيكا بل مستقبلا فلا ينشأ به حق الدفاع الشرعي لانه يمكن دفعه بالالتجاء الى السلطة العامة في الوقت المناسب0
ب- الاعتداء الذي لم ينته بعد : الخطر في هذه الصورة يتحول فعلا الى اعتداء ولكنه لم ينته بعد، كما لو وجه شخص ضربة واحدة الى المجني عليه ويستعد لاستكمال الضربات0 في هذه الحالة يظل الدفاع الشرعي قائما0
* زوال الخطر وتمام الاعتداء : اذا زال خطر الاعتداء فلا محل للدفاع الشرعي، ومن ثم فأي فعل يصدر من المعتدى عليه يعد من قبيل الانتقام والثأر وهذا غير مشروع0 وقد ينتهي الخطر قبل حصول الضرر كما لو استطاع المعتدى عليه انتزاع سلاح المعتدي0 وقد ينتهي الخطر بعد حصول الضرر اي بتمام الاعتداء، كما لو قام الجاني بضرب المجني عليه وكف عن ضربه، او جمع المسروقات وخرج من المنزل دون متابعة، فلا يجوز للمجني عليه استعمال القوة او العنف ضد الجاني بحجة الدفاع الشرعي0
*الخطر الوهمي او التصوري : يجب ان يتضمن الاعتداء خطرا حقيقيا، فإذا تصور الشخص على خلاف الحقيقة انه مهدد بخطر حال او وشيك الوقوع ، فاستعمل القوة ضد من توهم انه مصدر هذا الخطر الوهمي فأصابه0 الراجح فقها وقضاء ان الخطر الوهمي كالخطر الحقيقي، كلاهما يكفي لتبرير الدفاع الشرعي ويبيح أفعاله متى استند الى أسباب جدية معقولة، وهذا ما قصده المشرع الاتحادي0
والواقع ان الخطر الوهمي او التصوري يأخذ حكم الغلط في الوقائع الذي ينفي القصد الجنائي كما ينفي الخطأ غير العمدي اذا كانت هناك أسباب جدية معقولة له، أما اذا تخلفت هذه الأسباب سئل المدافع عن فعله بوصف جريمة غير عمدية0
* الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي : أباح المشرع الاتحادي الدفاع ضد كل فعل يعتبر جريمة على النفس او المال، ولم يفرق بين الاعتداء الواقع على المدافع وبين ما اذا كان واقعا على غيره0 فيجوز الدفاع عن نفس المدافع او ماله او عن نفس غيره او ماله على حد سواء0 ويقصد بجرائم النفس تلك التي تقع اعتداء على حق يتعلق بشخص المجني عليه وتشمل :
جرائم الاعتداء على حياة الإنسان وسلامة بدنه : القتل والضرب والجرح والاجهاض0 –
جرائم الاعتداء على العرض : جرائم الاغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح العلني0 –
جرائم الاعتداء على الحرية : القبض والحبس بدون وجه حق، الخطف وجرائم التصنت وإفشاء الاسرار0 –
جرائم تهدد الإنسان في سمعته : كالقذف والسب، على انه يلزم ان يكون استعمال القوة لازما لوقف السب او القذف0 –
أما جرائم المال فهي التي تقع على حق يتعلق بمال المجني عليه ومثالها :
جرائم السرقة –
جرائم إتلاف المال والتعدي على الحيوان –
جريمة انتهاك حرمة ملك الغير ، وغير ذلك من جرائم الاموال0
–
ثانيا : فعل الدفاع : يشترط في فعل الدفاع شرطان هما :
ان يكون لازما لدرء الخطر0 –
ان يكون متناسبا مع جسامة الخطر0 –
-1 لزوم الدفاع : يقصد به ان يكون ارتكاب الجريمة هو الوسيلة الوحيدة أمام المدافع لتفادي خطر الاعتداء، فإذا كان بوسعه رد الاعتداء بوسيلة اخرى غير الجريمة فان الدفاع عن طريق الجريمة يكون غير لازم، وهذا المعنى مستفاد من المادة 56 ثالثا ورابعا عقوبات اتحادي0 وعليه فانه اذا أمكن للمدافع انتزاع وسيلة الاعتداء من يد المعتدي بسهولة فلا يجوز له الاحتجاج بأنه كان في حالة دفاع شرعي0 وتقدير ما اذا كان الدفاع لازما او غير لازم لدرء خطر الاعتداء يعد مسالة موضوعية يختص بها قاضي الموضوع0
وللقول بأن الدفاع كان لازما لدرء خطر الاعتداء يجب التثبت من أمرين هما :
1- استطاعة الالتجاء الى السلطات العامة : لا يجوز للشخص ان يلجأ الى الدفاع الشرعي اذا كان هناك فسحة من الوقت يتمكن فيها من اللجوء الى السلطات العامة لدرء الخطر ومنع تحقق الاعتداء، وهذا ما نصت عليه المادة 56/2 ع0إ 0 أما اذا لجأ الشخص الى السلطة العامة ولكنها تراخت او تباطأت في نجدته كان له ان يرد الاعتداء الواقع عليه بالدفاع الشرعي، وكذلك اذا عجزت السلطة العامة عن رد الاعتداء0
ويثور السؤال هل اذا كان بإمكان المعتدى عليه تفادي العدوان عن طريق الهرب فهل يحق له الصمود ومواجهة العدوان بالدفاع الشرعي ؟
ليس على المهدد بالخطر ان يهرب ليتفادى العدوان حتى وان كان ذلك ممكنا لان ذلك قد يضفي على صاحبه مظهر الضعف او الجبن او التخاذل الذي لا تقرره الكرامة الإنسانية – غير ان المتفق عليه انه اذا كان المعتدي مجنونا او سكرانا او صغيرا غير مميز فان الهروب من مواجهته لا يعد جبنا وذلك اذا كان الفعل الذي أتاه اي من هؤلاء خطرا حقيقيا لا يمكن التخلص منه الا بدفعه.
-2 توجيه فعل الدفاع الى مصدر الخطر : يشترط لإباحة فعل الدفاع ان يتجه الى مصدر الاعتداء ذاته، لان توجيه الدفاع الى غير هذا المصدر ينفي عنه صفة اللزوم وبالتالي ينفي صفة الدفاع0
– 2 تناسب الدفاع مع جسامة الاعتداء :
أ – حد التناسب بين الدفاع والاعتداء : يلزم في القوة التي يستخدمها المدافع ان تكون متناسبة مع خطر الاعتداء، ويقصد به التناسب في الوسيلة المستخدمة في الدفاع ، اي ان تكون الوسيلة المستعملة في ظروف استعمالها هي انسب الوسائل لرد الاعتداء، او كانت هي الوسيلة التي وجدت في متناول يد المدافع لدرء هذا الخطر0
ب- معيار التناسب : يعد فعل الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء اذا كان لا يجاوز القدر الذي يأتيه الشخص المعتاد الذي يتواجد في نفس ظروف المدافع0 على انه ينبغي ان يأخذ المعيار بعين الاعتبار ظروف وملابسات الحالة الواقعية، اي الظروف التي تمت فيها الوقائع0 ويدخل في تقدير تناسب الدفاع مع الاعتداء الحالة الصحية والقوة البدنية لكل من المدافع والمعتدي، ما اذا كان أحدهما شيخا او صبيا، ذكرا ام أنثى، وزمان ومكان الاعتداء0 مثلا : اذا كانت قوة المدافع البدنية اقل كثيرا من قوة المعتدي كان له ان يستعمل قدرا من العنف يزيد عما يباح له0
ثالثا : قيود الدفاع الشرعي :
أورد المشرع الاتحادي قيدين على استعمال حق الدفاع الشرعي هما: حظر الالتجاء الى القتل العمد الا في حالات محدد على سبيل الحظر ، وحظر مقاومة أفراد السلطة العامة0
-1 أحوال القتل العمد : حدد المشرع الاتحادي في المادة 57 ع0إ على سبيل الحصر حالات معينة يبيح فيها الدفاع الشرعي عن طريق القتل العمد وتتمثل هذه الحالات في الآتي :
فعل يتخوف ان يحدث عنه الموت او جراح بالغة اذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة0 –
مواقعة أنثى كرها او هتك عرض اي شخص بالقوة0 –
اختطاف إنسان –
جنايات الحريق او الإتلاف او السرقة –
الدخول ليلا في منزل مسكون او في أحد ملحقاته0 –
فإذا لجأ المدافع الى القتل العمد في غير الحالات المذكورة اعتبر متجاوزا لحدود حقه في الدفاع الشرعي0 كذلك الحال اذا كان بالإمكان دفع خطر الاعتداء بوسيلة اخرى دون القتل العمد0
-2 حظر مقاومة أفراد السلطة العامة :
نطاق القيد : يستفاد من نص المادة 58 ع0إ انه اذا قام رجل السلطة العامة بعمل في حدود الواجبات التي تفرضها عليه وظيفته وكان هذا العمل مشروعا كالقبض على المتهم او تفتيش مسكنه طبقا للقانون، فان رجل السلطة العامة يعد مؤديا لواجب فرضه عليه القانون وبالتالي يكون مباحا لا يجوز رده بالدفاع الشرعي0 فإذا تجاوز رجل السلطة العامة حدود القانون وارتكب عملا غير مشروع فانه يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضده0 أ-
شروط القيد : تطلب المشرع الاتحادي لمنع الدفاع الشرعي ضد رجل السلطة العامة توافر شرطين هما : ب-
-1 أن يكون رجل السلطة العامة حسن النية : اي ان يعتقد رجل السلطة العامة في مشروعية العمل الذي يؤديه وانه يدخل ضمن اختصاصه الوظيفي0 كأن يقبض رجل السلطة العامة على شخص بمقتضى أمر باطل معتقدا صحته0 أما اذا كان رجل السلطة العامة سيئ النية كأن يعلم بعدم مشروعية العمل الذي يؤديه فان الدفاع الشرعي ضده يكون جائز كأن يقوم رجل السلطة العامة بالقبض على شخص وهو يعلم انه ليس هو الشخص المقصود بشأنه الإذن القانوني0
-2 إذا خيف ان ينشأ عن أفعاله موت او جراح بالغة : أجاز المشرع الاتحادي الدفاع الشرعي ضد رجل السلطة العامة اذا خيف ان ينشأ عن فعله موت او جراح بالغة وبشرط ان توجد أسباب معقولة لهذا التخوف، تستفاد من الظروف التي أحاطت بارتكاب الفعل مثال ذلك ان ينفذ أحد أفراد السلطة العامة أمرا بالقبض على شخص أجريت له عملية جراحية منذ وقت قليل بحيث يخشى ان يترتب على نقله من المستشفى الى مركز الشرطة وفاته او أصابته بضرر صحي خطير، فيجوز الدفاع الشرعي لانه ليس من المصلحة إهدار أهم حقوق الأفراد لمجرد ضمان مباشرة رجل السلطة العامة لوظيفته 0
رابعا : تجاوز حدود الدفاع الشرعي :
لم يقصر المشرع الاتحادي احكام التجاوز على الدفاع الشرعي بل أورد في المادة 59 حكما عاما يسري على كل أسباب الاباحة0
-1 شروط التجاوز : وفقا لنص المادة 59 ع0إ يشترط لاعتبار الجاني متجاوزا حدود الدفاع الشرعي توافر شرطين هما :
– نشوء حق الدفاع : يجب ان ينشأ حق الدفاع الشرعي مستوفيا سائر شروطه التي نص عليها القانون ما عدا شرط التناسب بين فعل الدفاع وخطر الاعتداء بأن تكون الوسيلة التي استخدمها المدافع قد استخدمت بقدر يزيد على القدر اللازم لرد الاعتداء عليه0 فالبحث في أمر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي لا يكون الا حيث تكون حالة الدفاع الشرعي قد توافرت0
– أن يتم تجاوز حدود الدفاع الشرعي بحسن نية : يتوافر حسن النية اذا تم الخروج عن حدود الحق عن غير قصد بأن كان يعتقد انه لا يزال في حدوده وان الوسيلة التي اخذ بها استخدمت بالقدر المناسب لرد الاعتداء0 أما اذا تعمد المدافع تخطي حدود الدفاع الشرعي بأن قصد إحداث ضرر اشد مما يستلزم الدفاع فانه يكون سيئ النية ويسأل عن فعله على أساس انه ارتكب جريمة عمدية غير مقترنة بعذر التجاوز0
-2 حكم التجاوز : فإذا توافر هذين الشرطين التزم القاضي بتخفيف العقاب بل ان نص المادة 59عقوبات أجاز للقاضي الحكم بالعفو عن العقوبة اذا رأى محلا لذلك
اترك تعليقاً