بحث و دراسة عن أسس القانون الإداري
المبحث الأول : الأسس التاريخية والفقهية
المطلب الأول : الأسس التاريخية
الأسس التاريخية : لقد انطلق القانون الإداري أساسا من خلفية تاريخية فهو فرنسي المنشأ فقد كان تعسف المحاكم الفرنسية القضائية التي كانت تتدخل في الشؤون الادارية وعرقلتها وهو ما أدى الى انعدام للثقة في القضاء العادي حينما يتدخل في الوظيفة الادارية مما جعل الثورة تقوم في فرنسا عام 1789 وانجر عنها الفصل بين القضاء العادي والقضاء الإداري حيث تم استحداث قضاة متخصصين في المجال الإداري وبعد ذلك تم تحريم التدخل من طرف القضاء العادي في الشؤون الادارية وبالتالي تم الفصل التام بينهما .ومن أمثلة الاندماج بين الإدارة العامة والقضاء العادي وبقي حتى بعد الفصل بينهما التداخل الموجود بين القانون المدني والقانون الإداري مثلا القوة القاهرة الموجودة في القانون المدني والقانون الإداري ولكن القانون الإداري هناك تحفظ كذلك بالنسبة للمسؤولية الادارية المبادئ نفسها في المسؤولية المدنية لكي يبقى هناك تحفظ بالنسبة للقانون الإداري فالخطأ لا يكون شخصي بل خطأ مرفقي .
المطلب الثاني : الأسس الفقهية
لقد حاول الكثير من الفقهاء أيجاد فصل تام بين التداخل بين القانون الإداري والقانون العادي فظهر على اثر ذلك معياران هما
معيار السلطة العامة : وهو معيار مراده التمييز بين أعمال السلطة العامة وأعمال الإدارة العامة وهو معيار عضوي مرتكز عن الإدارة في حد ذاتها لا أعمالها ويعتبر معيار قديما جدا وحضي باهتمام المؤلف إدوارد لا فيريا ر الذي حاول أن يجعل منه نظرية أساسية يفصل على أساسه ما هو إداري وما هو عادي حيث يرى بأن الدولة تتضمن أعمال تستند إلى فكرة السلطة العامة والقيام هاته الأعمال تعمد الدولة إلى إصدار أوامر وقرارات مرتكزة على سلطتها العامة وتدخل هنا فيما يسمى بالقانون الإداري فلهذه النشاطات التي تحكمها الإدارة عندما ترتكز على معيار السلطة العامة أما إذا كانت لا تعمل وفق السلطة العامة فتتصرف كما يتصرف الفرد العادي في معاملاته العادية كالإيجار البيع … فهي تخضع للقانون الخاص المدني .
غير أن هذا المعيار لم يكن حاسما وكافيا حتى انه يبدو مصطنعا إذ أن نشاطات الإدارة العامة تمزج بين أعمال السلطة العامة والإدارة مما يؤدي بالتطبيق من مجال القانون الإداري وهذا ما أدى بالفقه الى البحث عن معيار آخر فظهر معيار المرفق العام .
معيار المرفق العام : وهو معيار مادي إذ يرتكز على إعمال الإدارة ونشاطاتها ( يرتكز على المرفق العام ) حيث يقصد بالمرفق العام كل مشروع تديره الدولة بنفسها أو تحت إشرافها لإشباع الحاجات العامة بان يحقق المصلحة العامة وقد اعتبر هذا المعيار كأساس للقانون الإداري ومعيار لاختصاص القضاء الإداري بداية من منتصف القرن 19 ويرجع معظم الفقهاء امثال هوريو –موريس – فكرة المرفق العام الى قرار بلانكو الشهير 1874 الذي أصدرته محكمة التنازع الفرنسية في 08/02/1873 والتي حكم القضاء إزاءها بان العمل يكون إداريا اذا اتصل بالمرفق العام ويختص القضاء الاداري بالنظر والفصل في منازعاته مطبقا في ذلك قواعده التي تختلف عن قواعد القانون الخاص ويعتبر الفقيه ليون ديجي مؤسس مدرسة المرفق العام وقد ناصره العديد من الفقهاء مثل جاستون .جيز . بونار . رولاند وقد بنى ديجي مدرسته على اساس رفضه لفكرة الشخصية المعنوية فكرة السيادة والسلطة العامة فالدولة عنده ليست لها شخصية معنوية ولها صفة السيادة ولا تجوز فكرة السلطة العامة وعليه الدولة في نظره كتلة ضخمة ومجموع7ة كبيرة من المرافق العامة ينشئونها ويديرونها ويقودها الحكام باعتبارهم عمال المرافق العامة وذلك لتحقيق اهداف التضامن الجماعي اما عن طبيعة العلاقة بين المرفق العام والقانون الاداري عند انصار هذه المدرسة هي ان فكرة المرفق العام هو حجر الزاوية في بناء نظرية القانون ومحوره ففكرة المرفق العام هي الأهم والاساس الوحيد الذي يبرر وجود قواعد القانون الاداري غير المالوفة في نطاق القانون الخاص وهذه الفكرة وحدها التي تحدد نطاق تطبيق القانون ومجال اختصاص القضاء الاداري.
ورغم الانتصار الذي لاقته هذه النظرية الا انه في بعض الحالات عند وجود المرفق العام فالقاضي ريحكم بالقانون العادي هذا ما أدى الى ظهور ازمة المرفق العام
ازمة المرفق العام : على الرغم من الدور الذي لعبته فكرة المرفق العام في بناء وتأسيس القانون الإداري فان عوامل التطور قد ادت الى حدوث لهذه الفكرة واحدثت بها خللا بحيث اصبحت عاجزة على ان تكون الاساس الوحيد للقانون الاداري فتحولت الى فكرة مطاطية غير كافية في تأسيس القانون الإداري وتحديد نطاق تطبيقه ومجال إختصاصه الإداري ولعل هذه الأزمة لها أسبابها .
أسباب الأزمة :
تظافر عوامل التطور في الحياة العامة الإقتصادية والإجتماعية بسبب تقدم الحياة والحروب وظهور الدولة المتقدمة والدولة الإشتراكية وإهتزاز الأساس الفلسفي والإديولوجي الذي كانت عليه فكرة المرفق العام والتطور الذي أصاب المرفق العام ذاتها أدى إلى هدمها كأساس ومعيار للقانون الإداري .
مظاهر الأزمة :
وتتجلى في الصور التالية
-تطور فكرة المرفق العام كأساس ومعيار لقانون الإداري :حيث أصبحت هذه الفكرة قاصرة وعاجزة على أن تحتوي وتشمل كل موضوعات القانون الإداري ونجد لا تشمل على نشاط الضبط الإداري .
-فكرة المرفق العام الفضفاضة شديدة الإتساع إذ أن ربط القانون الإداري بفكرة المرافق العامة أصبحت تدخل ضمن موضوعات وأنشطة غير إدارية بطبعتها مثل إدخال عقود الإدارة العامة المدنية في نطاق تطبيق القانون الإداري وهذا أمر غير منطقي إذ أن القانون الإداري يطبق على العقود الإدارية لا على عقود الإدارة المدنية التي تخلو من مظاهر السلطة العامة وأساليب الإدارة العامة.
-غموض فكرة المرفق العام كأساس ومعيار للقانون الإداري : بحيث أن عدم إهتمام الفقه والقضاء يضع تعريف جامع مانع لمرفق العام مما جعله فكرة غامضة بل جعله محتوى بدون مضمون يمكن العول عليها في تأسيس القانون الإداري وتحديد مجال تطبيقه وبالتالي أصحب مدلول متحرك متقلب غير ثابت مما جعله فكرة غاضمة وعاجزة على أن تكون أساس القانون الإداري .
وكخلاصة فإن فكرة المرفق العام هدمتها الأزمة التي أصابتها وجعلتها عاجزة أن تكون المعيار السليم الوحيد الكافي لتطبيق القانون الإداري ومجال إختصاص القضاء الإداري ورغم ذلك نجدها لازالت تساهم في تبرير قواعد القانون الإداري ومن بين المدافعين عنها أندري دي أوبادر والأستاذ باندري ريفور .
المبحث الثاني : التوفيق بين المدرستين والأسس العلمية
المطلب الأول المدرسة المختلطة
وقد ظهرت على إثر الإنتقادات الموجهة للمدرستين السابقتين حيث حاول التوفيق بينهما وتسعى هذه المدرسة إلى تعريف القانون الإداري اللجوء إلى مفهوم السلطة العامة وقد حاول بعض المألفين أمثال فيدال ريفور وبينوا تجديد هذا المفهوم الحديث مع التميز القديم بين أعمال السلطة العامة وأعمال الإدارة ويرى هؤلاء أن الإدارة يمكنها العمل بطريقين إما إستعمال السلطة العامة وإما إستعمال نفس الطرق التي إستعملها الأفراد ويصف فيديل أن القانون الإداري هو قانون السلطة العامة إلا أن الأستاذ ريفور وبينوا يرفض هذه الفكرة ويعتبر أن المرفق العام هو المعيار الرئيسي الذي من خلاله يعرف القانون الإداري ويأسس به ولو إقتضت الظرورة يمكن استعانة بمعيار تكميلي هو معيار السلطة العامة أن الأساذ شابوص ينتقده بين رأيين ويرى بأن معيار المرفق العام هو الأكثر ملائمة بتعريف القانون الإداري وأن معيار السلطة العامة هو الأكثر بتحديد الإختصاص القضائي الإداري .
المطلب الثاني : الأسس العملية
ويعتبر هذا الأساس حديث حلى محل إعتبار تاريخي ومبرر المنطقي وينطلق ها الأساس من حيث أن نظرية القانون الإداري نظرية مستقلة في قواعدها عن قواعد القانون الإداري العادي وبالتالي الفصل بين القضاء الإداري والقضاء العادي وذلك أن المحاكم العادية لا يمكنها معرفة دقة وخصوصية نشاط الإدارة كما يصعب عليها معرفة العلاقات بين الأجزاء الإدارية ولتشعب نشاطاتها مثل العقود والقرارات الإدارية وبالتالي كان لا بد من إيجاد قضاء إداري متخصص مستقل عن القضاء العادي فالمحاكم العادية المدنية والتجارية لا يمكن لها من حيث الكفاءة والمقدرة أن تستوعب وتسيطر على أحكام ومبادئ وقواعد نظرية القانون الإداري لإختلاف ها الأخير عن مبادئ وقواعد القانون الخاص التي يختص بتطبيقها ويستوعبها القانون العادي .
28 سبتمبر، 2018 at 2:02 م
هل القانون الاداري هو قانون السلطة العامة ؟