بحث قانوني كبير عن الوصية فى القانون الكويتي
أ* أحمد ابو زنط
الوصية
الباب الأول – أحكام عامة
الفصل الأول: تعريف الوصية، وركنها، وشرائطها:
المواد (213 – 214 ):
قد عرفت الوصية في المادة (213)، بأنها تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، وهذا التعريف أشمل، وأضبط مما عرفها الفقهاء الأقدمون، فقد عرفها بعضهم بأنها تبرع مضاف إلى ما بعد الموت، وبعضهم بأنها اسم لما أوجبه الموصي في ماله بعد الموت، وهذان التعريفان لا يشملان بعض الوصايا، كالوصية بتقسيم التركة بين الورثة، لكن تعريف القانون يشمل كل الوصايا، فهو يشمل التمليكات، والإسقاطات، وتقرير مرتبات، ويشمل تقسيم التركة بين ورثة المتوفى، ويشمل الوصية بالمنافع دون الأعيان.
وركن الوصية قد ذكر في الفقرة الأولى من المادة (214)، وهو أنها تنعقد بالعبارة أو بالكتابة، فإذا كان الموصي عاجزًا عنهما، انعقدت الوصية بإشارته المفهمة.
والمقرر عند الحنفية أن التصرف ينشأ بالعبارة إن كان المتصرف قادرًا عليها، ولا تغني الكتابة عن العبارة إلا إذا كان العقد بالمراسلة، إذ المشافهة غير ممكنة في هذه الحال، فتقوم الكتابة مقامها، وهذا لأن الأصل في الدلالات أن تكون بالألفاظ، فلا تنتقل إلى غيرها إلا عند العجز، فإذا كان الموصي عاجزًا عن العبارة كالأخرس ومن اعتقل لسانه، قامت الإشارة المفهمة أو الكتابة مقام اللفظ، وإذا كان لا يستطيع النطق، ولا يعرف الكتابة اكتفي بالإشارة، وإن كان يعرف الكتابة ففي المذهب رأيان، أحدهما أنه لا يجوز العقد بالإشارة والثاني أنه تكفي الإشارة.
وقد جرى القانون على غير مذهب الحنفية، إذ سوى بين انعقاد الوصية بالعبارة والكتابة، ولم يجعل جواز الإنشاء بالكتابة عند عدم إمكان العبارة، بل جعل انعقاد الوصية بالإشارة عند العجز عن العبارة أو الكتابة، وفي رواية جواز إنشائها بالكتابة، ثم قراءتها عليه، وهذا يتفق مع مذهب الإمام مالك، وقول في مذهب الإمام أحمد.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة (214) على أنه لا تسمع عند الإنكار في الحوادث الواقعة من تاريخ العمل بهذا القانون دعوى الوصية أو الرجوع القولي عنها بعد وفاة الموصي إلا إذا وجدت أوراق رسمية، أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى، وعليها إمضاؤه، تدل على ما ذكر، أو كانت ورقة الوصية أو الرجوع عنها مصدقًا على توقيع الموصي عليها، ويجوز في حالة الضرورة إثبات الوصية اللفظية بشهادة شاهدين عدلين حضراها.
والمطبق في دولة الكويت في الأحوال الشخصية، ومنها الوصية هو أحكام مذهب الإمام مالك، التي تقضي بجواز إثبات الوصية بأي دليل شرعي، كالبينة الشرعية وغيرها.
ولكن الفقرة السابقة اشترطت لسماع دعوى الوصية، أو الرجوع القولي عنها بعد وفاة الموصي في غير حالة الضرورة توافر إحدى الحالات الآتية:
( أ ) أن تكون الوصية أو الرجوع عنها ثابتة بأوراق رسمية.
(ب) أو أن تكون الوصية أو الرجوع عنها مكتوبة كلها أو كله بخط المتوفى، وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكر.
(ج) وأن تكون ورقة الوصية أو الرجوع عنها مصدقًا على توقيع الموصى عليها، وفي حالة الضرورة يجوز إثبات الوصية اللفظية بشهادة شاهدين حضراها.
والذي دعا إلى عدم سماع الدعوى بالوصية أو الرجوع عنها في غير الأحوال المذكورة هو أن اتباعه أدعى إلى الاطمئنان، فقد ضعف الوازع الديني، ونشأ عن ذلك أن كثرت دعاوى الوصايا الباطلة بعد وفاة الموصي، وقد حال الموت بينه وبين أن يقر الوصية أو ينكرها، والورثة قد لا يعلمون الحقيقة، ومن السهل إثبات الوصية بشهادات مزورة، ملفقة.
فقطعًا للادعاءات المزورة، والوصايا الباطلة، رُئي النص على ألا تسمع إلا الدعاوى السابقة، وهذا لا يجافي الشريعة، ولا يخرج عنها.
فقد ذهب الحنابلة إلى أن الوصية سنة، أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده.
ومن حق ولي الأمر أن يخصص القضاء بالزمان، والمكان، والحادثة، وفي النص على عدم سماع الدعاوى في غير الحالات المذكورة حث للناس على توثيق وصاياهم رسميًا، وأن تكون كتابتها جميعًا بخطهم، وإمضائهم إياها، أو التصديق على توقيعهم عليها، وليس في ذلك تكليف الناس بما يشق عليهم، فقد توافرت الوسائل، وكثر وعي الناس.
وهذا كله عند إنكار الوصية.
أما عند الإقرار بها فتسمع في غير الحالات المذكورة، وكل هذا في الحالات العادية، أما في حالة الضرورة، كأن يكون الموصي في سفر، وأوصى فيجوز في مثل هذه الحالة إثبات الوصية بشهادة شاهدين عدلين، حضرا الموصي، وهو يوصي، فلا تقبل شهادة من لم يحضرها، وكل هذا بعد تاريخ العمل بهذا القانون، وسيأتي بيان معنى الرجوع القولي وغيره في المادة (228).
المادة (215):
موضوع هذه المادة هو الشرط في الباعث على الوصية: إذ الشروط في الوصية أنواع، منها ما يرجع إلى الباعث عليها، ومنها ما يرجع إلى صيغتها، ومنها ما يرجع إلى الموصي، ومنها ما يرجع إلى الموصى له، ومنها ما يرجع إلى الموصى به، وهذا كله في الوصية الاختيارية لا الواجبة.
فما يرجع إلى الباعث عليها قد أوردته المادة – والمراد بالباعث السبب الذي دعا الموصي ودفعه إلى إصدار وصيته – فإذا ما صدرت الوصية وجب البحث عن العوامل التي دفعت الموصي إلى الإيصاء بما أوصى به، وذلك بالنظر فيما اشترطه، وفيما صاحب الوصية من ظروف وملابسات، فإذا تبين من ذلك أن السبب الذي دفعه إلى الإيصاء غير مشروع ومنافٍ لمقاصد الشرع، ولم يكن يقصد بوصيته خيرًا، ولا مصلحة مشروعة، كانت الوصية باطلة.
والمراد بالباعث المنافي لمقاصد الشارع ما يجعل الوصية محرمة أو مكروهة تحريمًا.
والوصية التي وضعت للمعصية هي الوصية بأمر محرم نصًا، كالوصية لأندية القمار أو لمرقص.
والوصية التي ليست في ذاتها محرمة، بل هي تمليك مباح، ولكن الباعث عليها أمر محرم، كالوصية لخليلته، ليضمن أن تستمر معه على الحال المحرمة بينهما، وكالوصية لأهل الفسوق، ليستعينوا على فسقهم، وإلى بطلان الوصية بالمعصية ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الظاهر، والشيعة الجعفرية، والزيدية، فبطلان الوصية بالمعصية محل اتفاق بين المذاهب.
وقد جرى القانون على أن الوصية تبطل إن كانت بمحرم أو بمكروه تحريمًا، كما هو مذهب الحنفية – والمكروه تحريمًا يعد من المحرم عند غير الحنفية – ولكن الحنفية لا يجعلونه من المحرم، ولكن يعطونه حكمه، فالوصية بمال يشترى به خمر، أو بألف دينار ليشترى به كفن، أو بمال تبنى به قبة على قبره، أو ليبنى به مسجد حول قبره باطلة، لأنها بمحرم، أو مكروه تحريمًا – والمكروه تنزيهًا لا تبطل به الوصية.
والمادة بصيغتها المذكورة تشمل وصية الضرار، وتفيد أنها باطلة –وجمهور الفقهاء على أن الوصية إذا كانت بالثلث، أو بأقل منه، وكانت لغير وارث لم تكن من وصية الضرار، فلا تبطل مهما كان قصد الموصي، سواء أكانت بقليل ماله أم بكثيره، تضرر بذلك ورثته أم لا، وإن من الفقهاء من خالف ذلك، وجعل الوصية وصية ضرار إذا قصد بها الموصي الإضرار بورثته، وإن كانت بأقل، من الثلث أو لأجنبي، وإن المدار في ذلك على قصد المورث الإضرار، فإذا لم يقصد ذلك لم تكن وصية ضرار.
هذا هو الحكم في وصية المسلم.
أما وصية غير المسلم فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة على أنها تكون صحيحة إلا إذا كانت محرمة في الشريعة الإسلامية، والوصايا التي تصدر من غير المسلم قد تكون قربة في شريعته وفي الإسلام، كالوصية بإسراج بيت المقدس، أو لفقراء المسلمين، فإن الوصية للفقراء قربة في كل الأديان، وقد تكون الوصية بمحرم في شريعة الموصي وفي الإسلام، كالوصية للمغنيات والنائحات، والوصية بذلك باطلة، لأنها معصية في كل الشرائع، وقد تكون الوصية بما هو قربة عندهم، وليس قربة في الإسلام، وهذه القربة قد تكون محرمة في الشريعة الإسلامية، وقد لا تكون، فالوصية بمبلغ يصرف على من يدعون للدين المسيحي، وارتداد المسلمين قربة عند غير المسلمين، لكنها محرمة في الإسلام، فلا يصح العمل بها، ومثل هذه الوصية باطلة لمخالفتها للشريعة الإسلامية.
الوصية المضافة، أو المعلقة بالشرط، أو المقترنة به:
بينت المادة (216) حكم هذه الوصايا فذكرت أنها صحيحة سواء أكان الشرط صحيحًا أم غير صحيح، مع مراعاة ما نصت عليه المادة (213) من عدم صحة الوصية بالمعصية، أو التي يكون الباعث عليها منافيًا لمقاصد الشريعة.
ومن المقرر أن الصيغة المنشئة للعقود والتصرفات أما منجزة، أو معلقة، أو مضافة.
فالمنجزة هي ما تدل على إنشاء العقد ووجوده في الحال كالبيع والشراء.
والمضافة إلى المستقبل هي ما تدل على إنشاء العقد في الحال، ولكن تؤخر أحكامه إلى زمن مستقبل، كإجارة تعقد في الحال على أن تنفذ بعد شهرين.
والمعلقة ما تدل على ترتيب وجود العقد على وجود أمر غير مستحيل الوقوع في المستقبل.
ومن الواضح أن الوصية لا تنعقد بصيغة منجزة، لأن آثارها تتأخر إلى ما بعد الموت، فلا تصح إلا مضافة إلى المستقبل، أو معلقة.
وقد أجاز القانون أن تكون صيغة الوصية مقترنة، بشروط، وأوجب اعتبار بعضها، وألغى بعضًا، فأوجب اعتبار الشرط الصحيح، وهو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو غيرهما، ولم يكن منهيًا عنه، ولا منافيًا لمقاصد الشريعة، وألغى اعتبار الشرط غير الصحيح.
ومثال الشرط الذي فيه مصلحة للموصي أن يبدأ في تنفيذ الوصايا بما فاته من زكاة أو حج، ومثل الذي فيه مصلحة للموصى له، أن يبدأ من الوصية بسداد دينه، ومثل الذي فيه مصلحة لغيرهما، أن يوصي بنفقة دار لجهة من الجهات على أن يكون من حق من لا يجد سكنًا من ذريته، أن يسكن فيها.
ومثال الشروط المنهي عنها أن يشترط في تنفيذ وصايا تخصيص قدر معين من المال، ليكون أجرة للنائحات، أو المغنيات.
ومثال الشرط المنافي لمقاصد الشرع أن يوصي لشخص، ما دام عزبًا، ومقتضى المادة أن الشروط الباطلة لا تؤثر في صحة الوصية لمعصية، فيبطل كما سبق، فإن لم تتمحض للمعصية وقرنت بشرط غير صحيح بطل الشرط، وصحت الوصية.
والشرط الصحيح يراعى ما دامت المصلحة فيه قائمة، بمعنى أنه يحقق مصلحة للموصى له، فإذا أوصى شخص لفقراء بمبلغ ينفق في كسوتهم، وكانت مصلحتهم في ذلك، وصرف فيها، فإن كانت مصلحتهم في أخذ نقود أو طعام، أعطوا النقود أو الطعام، فالمناط هو المصلحة.
المادة (217):
المراد بمن هو أهل للتبرع البالغ العاقل الرشيد، غير المحجور عليه لسفه أو غفلة، وبناءً على ذلك لا تصح وصية الصبي الذي لا يميز ولا وصية المجنون، أو المعتوه والمغمى عليه، وهذا محل اتفاق بين جميع الأئمة، إذ ليس لهؤلاء إرادة، ولا عبارة معتبرة، فتكون وصيتهم باطلة باتفاق.
وكذلك لا تصح وصية السكران، إذا أوصي حال سكره، لأنه وهو كذلك غير عاقل، ولا إرادة له، وهذا مذهب المالكية، والحنابلة، والشيعة الجعفرية، وذهب الحنفية إلى صحة وصية السكران، زجرًا له واعتبارًا لقصده، إذ أقدم على السكر وهو يعلم أنه قد يأتي من الالتزامات ما لا يقصده، وذلك عندهم إذا سكر بمحرم، أما إذا سكر بغير محرم، كأن شرب المسكر للتداوي فوصيته باطلة، لانعدام إرادته، وهذا ما ذهب إليه الشافعية أيضًا.
وطبقًا لما اشترطته المادة من أن يكون الموصي أهلاً للتبرع، فإن وصية المكره، والهازل، والمخطئ غير صحيحة، وهو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة، والزيدية، والشيعة الجعفرية.
أما وصية المحجور عليه لسفه أو غفلة، ووصية من بلغ ثماني عشرة سنة فإنها باطلة إلا إذا أذنت بها المحكمة المختصة قبل حصولها، أو أجازتها بعد حصولها، ذلك أن سن الرشد حسب القانون رقم (4) لسنة 1974 هو إحدى وعشرون سنة ميلادية، وإذا طرأ الجنون على الموصي بعد الوصية، فإن كان جنونًا مطبقًا، وهو الذي لا تحصل منه إفاقة قبل الموت، واستمر حتى الموت بطلت الوصية، طبقًا لمذهب الحنفية، وإن كان غير مطبق فلا تبطل، وهو مذهب المالكية والحنابلة.
أما وصية المرتد فموضع خلاف بين الأئمة، فعند صاحبي أبى حنيفة: أبى يوسف ومحمد أن وصية المرتد والمرتدة جائزة، وقال أبو حنيفة: أن وصية المرتدة جائزة، لأنها لا تقتل، ووصية المرتد باطلة إن مات، على ردته، وعند المالكية، والشافعية، واحد القولين عن أبي حنيفة أن وصية المرتد والمرتدة موقوفة، فإن ماتا على الردة بطلت، وإن عادا إلى الإسلام، صحت ولعل هذا الرأي هو أعدل الآراء.
المواد (218 – 221 ):
أورد القانون شروط الموصى له، وما يتصل بها في المواد 218 – 221، وذلك بالإضافة إلى ما سبق في المادة (215).
وقد جاء في المادة (218) أنه يشترط في الموصى له شرطان:
الأول: أن يكون معلومًا.
الثاني: أن يكون موجودًا عند الوصية إن كان معينًا، فإن لم يكن معينًا لم يشترط فيه أن يكون موجودًا عند الوصية، ولا وقت موت الموصي.
وذكرت المادة (219) أن الوصية للمساجد والمؤسسات الخيرية وغيرها من جهات البر، والمؤسسات العلمية، والمصالح العامة صحيحة، وتصرف على عمارتها، ومصالحها، وفقرائها، وغير ذلك من شؤونها، ما لم يتعين مصرف الوصية لها بعرف أو دلالة، كما تصح الوصية لله تعالى بدون ذكر جهة معينة، ولأعمال البر بدون تعيين جهة منها، وتصرف حينئذ في وجوه الخير.
وذكر في المادة (220) أن الوصية لجهة معينة من جهات البر غير موجودة، ولكنها ستوجد مستقبلاً صحيحة، فإن تعذر وجودها، صرفت الوصية إلى أقرب مجانس لتلك الجهة، طبقًا لمذهب الحنابلة.
وذكرت المادة (221) أن الوصية تصح مع اختلاف الدين، والملة، ومع اختلاف الدارين، ما لم يكن الموصى تابعًا لبلد إسلامي، والموصى له غير مسلم تابع لبلد غير إسلامي، تمنع شريعته من الوصية لمثل الموصي.
واشتراط أن يكون الموصى له معلومًا، وموجودًا عند الوصية، إن كان معينًا محل اتفاق بين المذاهب، وتعيين الموصى له قد يكون بالإشارة إليه، وفي هذه الحالة لا يتصور إلا أن يكون موجودًا عند الوصية، وقد يكون بذكر اسمه، سواء أكان واحدًا أم متعددًا، وقد يكون بذكر صفة مختصة به تدل عليه شخصيًا، لدلالة اسمه عليه، وذلك كأن يوصي شخص لحمل فلانة، أو لحمل هذه المرأة: أو لأكبر أولاد فلان سنًا، أو لأول ولد يولد لفلان، أو نحو ذلك من الأوصاف، ففي هذه الأحوال كلها يشترط القانون إن يكون الموصى له موجودًا عند الوصية، مع ملاحظة استثناء جهات البر، إذا أوصى إلى جهة معينة منها.
وصحة الوصية للمنشآت الخيرية المعينة غير الموجودة هو مذهبا الحنابلة، والمالكية.
وعند المالكية، لا يشترط في الحمل الموصى له أن يكون موجودًا عند الوصية، وتصح الوصية بالمرتبات لغير الموجودين، وذلك استثناءً مما اشترطته المادة (218).
المواد (222 – 225 ):
ذكر القانون شروط الموصى به، وما يتصل بها في هذه المواد فذكر في المادة (222) أنه يشترط في الموصى به ثلاثة شروط:
والذي يجري فيه الإرث، هو المال المملوك سواء أكان عقارًا أم منقولاً، أو أن يكون حقًا من الحقوق التي تنتقل بالإرث، كالديون الثابتة في ذمة المدينين، فأنها تنتقل، بوفاة الدائن إلى وارثه سواء أعدت أموالاً، أم حقًا من الحقوق المالية، ويتناول كذلك حقوق الارتفاق، وهي حقوق المرور والشرب، والتعلي، وحق المسيل، لأنها كلها حقوق مالية تنتقل بالإرث، فكل ما ذكر محل للإيصاء، فتصح الوصية بالعقار، وبالمنقول، سواء أكان تحت يد الموصي، أم تحت يد نائبه، كيد المستأجر، والوديع، والمستعير، كذلك تصح الوصية، ولو كان الموصى به في يد الغاضب، وتصح الوصية بالدين، سواء أكانت الوصية للمدين أم لغيره، وتصح بالبناء والغراس، ولو في أرض الغير، وهناك حقوق لازمة لمحالها، لا تنفك عنها، فتنتقل إلى الورثة، مع محالها وتبعًا لها، فلا تنفك عن محالها إلا بالتنازل عنها، وذلك، كحق الشفعة، وحق الخيار، لسبب العيب، أو لسبب فوات وصف مشترط، فمثل هذه الحقوق لا يتصور الإيصاء بها إلى غير من تنتقل إليه بالوراثة.
ومما يكون محلاً للتعاقد حال حياة الموصي هو ما ليس مالاً، وذلك كالمنفعة فإنها لا تورث، ولكنها تصلح لأن تكون محلاً لتعاقد الموصي حال حياته، فيملكها بعقد الإجارة، وبعقد الإعارة، وبالوقف، وكذلك حق تأجيل الدين، فإنه وإن انتقل إلى الوارث بأجله، لكنه يصلح لأن يكون محلاً لالتزام الدائن، وعقده، فيؤجل للمدين الدين ويلزمه الأجل، وعلى ذلك تصح الوصية بتأجيل الدين، والبراءة منه، والوصية بالبراءة من الكفالة.
وقد اشترطت المادة في الموصى به أن يكون متقومًا عند الموصي إن كان مالاً، أي أن يكون متقومًا في شريعة الموصي والموصى له إذا كان مالاً، لأن وصف التقوم إنما يكون في الأموال لا في غيرها.
والمتقوم هو ما كان له قيمة عند الاعتداء عليه، وذلك لا يكون إلا في الأموال المملوكة، لأن الأموال المملوكة منها ما هو متقوم، ومنها ما هو غير متقوم، فالخمر مال، ولكنه غير متقوم في شريعة الإسلام.
وبناءً على ذلك فلا يصح لمسلم، أن يوصي بخمر ولو لذمي.
والمنافع في عرف القانون من الأموال، فيجب لصحة الوصية بها أن تكون متقومة في شريعة الموصي، بناءً على الشرط المذكور، فتصح الوصية بسكنى دار، لأنها منفعة متقومة يستعاض عنها بالمال في عقد الإجارة، ولا تصح الوصية بمثل الاستظلال بظلال جدار لأنها منفعة غير متقومة.
والشرط الثالث: أن يكون الموصى به موجودًا عند الوصية في ملك الموصى إن كان معينًا بالذات أو بالشخص.
كالوصية بهذه الدار لفلان، أو بهذه الغنم، أو بالغنم التي أملكها الآن، مثلاً، وهذا الشرط محل اتفاق بين الفقهاء.
أما إذا كان الموصى به غير معين بالشخصية ولا بالذات، فلا يشترط وجوده عند الوصية، وإنما يشترط وجوده عند الوفاة، فإذا قال شخص: أوصيت لفلان بكتبي وليس له كتب عند الوصية، صحت وصيته إذا توفي عن كتب، فإذا توفي وليس عنده كتب كانت وصيته باطلة، واشتراط أن يكون الموصى به وقت الإيصاء ملكًا للموصي إذا كان معينًا هو مذهب الأئمة جميعًا.
وإذا كان الموصى به جزءًا شائعًا في مال معين، فإن وجوده في ملك الموصي شرط عند وجود الوصية – ولكن هناك مسألة قرروا فيها صحة الوصية مع عدم وجود الموصى به وقت الوصية، ولا وقت الوفاة، وذلك إذا ما أوصى بغلة بستانه، فإذا مات وليس في بستانه غلة صحت الوصية، وتكون له الغلات المستقبلة، ما دام حيًا، وإذا كانت في البستان غلة وقت الوفاة، كانت الوصية في الغلة القائمة، وفي الغلات المستقبلة، ما دام حيًا، لأن الوصية بالغلة من قبيل الوصية بالمنافع، وهي تجوز الوصية بها، وإن كانت تتجدد بعد وفاة الموصي، ولأن الغلة اسم للموجود وقت الوفاة، وما يوجد مستقبلاً، وكذلك الحكم فيما لو أوصى بثمرة بستانه، وذلك طبقًا لمذهب الشافعية الذين لا يفرقون بين الوصية بالغلة والثمرة، على خلاف مذهب الحنفية الذين يفرقون بينهما.
وما جاء في المادة (223) هو تفصيل لما ذكر في المادة (222) إذ الخلو من الحقوق التي تنتقل بالإرث، وهو طبقًا للمذهب المالكي مصدر المادة اسم لما يملكه من أنفق ماله في عمارة الوقف، أو في الصرف على مصارف الوقف عند حاجتها، وعدم وجود ريع للوقف من المنفعة التي دفع النقود في مقابلها، وحق الأولوية في البقاء فيه، وقد ذكر له المالكية ثلاث صور:
الأولى: أن تكون عين الوقف مخربة، فيؤجرها ناظر الوقف لمن يعمرها من ماله، على أن يكون شريكًا للوقف بما زادته فيه عمارته، فإذا كانت تؤجر مثل العمارة بمائة دينار مثلاً، ثم صارت تؤجر بعدها بمائتين، كان صاحب العمارة شريكًا للوقف بحق النصف وسمي ما يملكه من ذلك خلوًا.
الثانية: أن يكون لمسجد حوانيت مثلاً موقوفة عليه فاحتاج إلى العمارة الضرورية، وليس هناك ريع يعمر به، فيعمد الناظر إلى مستأجر الحوانيت، ويأخذ منه مقدارًا يعمر به المسجد، ويخفض له في مقابل ذلك أجر الحوانيت إلى النصف مثلاً، وعند ذلك تكون منفعة الحوانيت شركة بين المستأجر والوقف مناصفة، ويسمى ما يملكه المستأجر من ذلك خلوًا.
الثالثة: أن يكون للوقف أرض فضاء، ويريد الناظر أن يبنيها، فيدفعها لشخص على أن يقيم عليها بناءً من ماله، يكون له حق البقاء نظير أجرة يدفعها كل شهر مع ذلك في نظير انتفاعه بأرض الوقف، وعند ذلك يعد المستأجر شريكًا للوقف في منفعة العين مقابل ما دفعه في بنائها، ويسمى ما له من حق فيها خلوًا.
وعندهم – المالكية – أن الخلو يجوز التصرف فيه بالبيع، والهبة، والوصية، وينتقل بالوراثة عند الوفاة، وما عدا الخلو من الحقوق التي تنتقل بالإرث سبق بيانه عند الكلام عن المادة (222) والخلو يشمل الحكر، وهو كالخلو في أحكامه.
والمادة (223) تفصيل لإجمال الفقرة الأولى من المادة (222) أو تطبيق لها.
وصحة الوصية بالإقراض مذهب الحنفية، وقد لوحظ فيه أمران: أحدهما أنه يترتب عليه منع بعض التركة عمن ورثها مدة من الزمن لا يستطيعون فيها الانتفاع به، فوجب لذلك ألا يتجاوز الوصية به ثلث التركة، إذ أن حقهم في الثلثين يجب أن يتوافر لهم ملكا وانتفاعًا من وقت وفاة مورثهم، فإذا زاد ما أوصى بإقراضه على ثلث التركة، توقفت الوصية في الزائد على إجازة الورثة.
ثانيهما: أن للإقراض شبهًا بالمعارضات من ناحية أن الموصى له سيرد مثل ما أخذه قرضًا، وإذا أجاز الحنفية الوصية بالبيع وبالهبة، فمن المتسق مع ذلك الوصية بالإقراض.
وإذا كانت الوصية بالإقراض من قبيل الوصية بالمنافع، فهي تقيد بأجل معلوم، كما تقيد الوصية بالمنافع، وذلك على خلاف القرض في مجال الحياة، فإن الأجل فيه غير لازم عند جمهور الفقهاء خلافًا للمالكية الذين قرروا أن الأجل يلزم إذا ذكر له وقت معلوم، أو جرت العادة العامة بأجل معروف، إذا لم يذكر أجل انصرف التوقيت إليه، أو يكون المال المقرض جرت العادة في مثله أن يؤدى في أجل معلوم كثمر زرع مثلاً، فانه يؤجل أداؤه إلى وقت الحصاد.
وأجازت المادة (225) للموصي أن يقسم تركته على حسب الميراث الشرعي بين ورثته، بحيث يعين نصيب كل واحد من الورثة في أعيان ماله، ليتمكن من تنظيم تركته، وقسمتها بين الورثة على الوجه الذي يرى المصلحة فيه، ويقضي على ما عساه يكون من خلاف بينهم على التقسيم بعد وفاته، وليمكن للضعفاء من ورثته من أن يكون تحت أيديهم من التركة مالاً يشق عليهم استغلاله والوصية تكون لازمة على الورثة من غير حاجة إلى إجازتهم لها إلا إذا كان قد حابى في قسمته بعض الورثة محاباة تزيده عن نصيبه. فإنها تتوقف على إجازة الورثة في الزائد على نصيبه، ومصدر هذه المادة ما قاله بعض فقهاء الشافعية والحنابلة ونص عليه المالكية. 1- أن يكون مما يجرى فيه الإرث، أو يصح أن يكون محلاً للتعاقد حال حياة الموصي. 2- أن يكون متقومًا عند الموصى إن كان مالاً. 3- أن يكون موجودًا عند الوصية في ملك الموصي إن كان معينًا بالذات.
الباب الثاني – أحكام الوصية
الفصل الأول: الموصى له:
المواد (236 – 245):
الوصية للمعدوم جائزة حسبما جاء في المادة (236)، والمراد بالمعدوم من لم يكن موجودًا وقت إنشاء الوصية، ولكن يحتمل أن يوجد في المستقبل، سواء أوجد عند الوفاة أم لم يوجد إلا بعدها، وقد يحصل اليأس من وجوده بعدها، كأن يوصي لمن يولد لفلان، ولم يكن له ولد عند إنشاء الوصية، ولم يولد له ولد عند وفاة الموصي، أو ولد له ومات، أو حصل اليأس من أن يكون له ولد بعد الوفاة، إذ يموت عقيمًا، فقد أجازت المادة إنشاء الوصية مع كل هذه الفروض، وإن كانت في الحالة الأخيرة تنشأ صحيحة، ولكنها تؤول إلى البطلان، لتعذر وجود من يستحقها، والوصية كما تصح للمعدوم منفردًا بها، تصح مع موجود، كأن يقول أوصيت لأولاد فلان الذين ينتسبون إليه في الحال والاستقبال، فإنه يدخل في الاستحقاق أولاده الموجودون وقت إنشاء الوصية، ومن يوجدون بعد ذلك، والوصية بالأعيان أو المنافع جائزة، وهي بالأعيان تمليك تام، والمنافع تمليك ناقص، والملكية التامة لا تنتقل للموصى لهم إلا عند وجودهم بالوصف الذي ذكره الموصي، وعدم إمكان دخول غيرهم، وقبل ذلك تكون للموصى لهم المنفعة، وتكون ملكية الرقبة للورثة، وإذا آلت ملكية الرقبة والمنافع للموصى لهم، فإن من يموت منهم يكون نصيبه لورثته، ومن مات قبل ذلك يكون نصيبه لورثته أيضًا، وإذا كانت الوصية بالمنافع للمعدوم الذي سيوجد، فإن ملكية الرقبة تكون لورثة الموصي دائمًا، وليس للموصى لهم إلا المنفعة، كما هو الشأن في الوصية بالمنافع، ويراعى في تنفيذ الوصية لفظ الموصي، والقرائن اللفظية والعرفية التي قارنت إنشاء الوصية، من حيث الدلالة، والوصية للمعدوم جائزة في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه.
والمراد بمن يحصون في المادة المعينون بأسمائهم وأشخاصهم، أو المعروفون بأوصافهم، كالموصي من بني فلان، أو جنسهم كبني فلان.
وأوضحت المادة (237) أن الوصية بالمنافع قد تكون دائمة كما إذا كان الموصى لهم غير محصورين لا ينقطعون غالبًا، كالفقراء والمساكين، والمحاويج، وفي مثل هذه الحالة لا تكون المنافع قابلة لأن تعود إلى الورثة، فإن كانت لمن يحصون، ولم يوجد أحد منهم عند وفاة الموصي كانت المنفعة لورثة الموصي.
وإن وجد مستحق حين وفاة الموصي أو بعده كانت المنفعة له، ولكل من يوجد بعده من المستحقين إلى حين انقراضهم بانقراض طبقتهم، أو بموتهم قبل ذلك، فتكون المنفعة عندئذ لورثة الموصي، وعند اليأس من وجود غيرهم إذا انقرضوا، ترد العين لورثة الموصي، لأن من يستحق المنفعة لا وجود له.
وبينت المادة (238) أنه إذا قال الموصي أوصيت لمن يولد لفلان بكذا، ولم يكون لفلان إلا ولد، أو لم يولد لفلان إلا ولد واحد، استحق العين الموصى بها، أو الغلة كلها وحده، إلا إذا دلت عبارة الموصي، أو قامت قرينة على أنه أراد غير ذلك، كأن يقول أوصيت لمن يولد لفلان بكذا، يأخذ الثلاثة كله، ومن دونهم يأخذون بمقدار هذه النسبة، فإنه في مثل هذه الحالة يأخذ الواحد الثلث، والاثنان الثلثين، والباقي يكون للورثة غلة فقط، أو غلة ورقبة على حسب ما أوصى الموصي، وذلك عند اليأس من وجود مستحق آخر.
والمراد بالطبقة في المادة (239) البطن من الذرية، فإذا كان بين الموصى لهم توالد، اعتبر كل بطن طبقة، فإذا قال أوصيت لأولاد فلان، ثم لأولادهم بمنفعة كذا، كان أولاد فلان طبقة، وأولاد أولادهم طبقة، فإذا كان أفراد الطبقة الأولى (أولاده) موجودين، استحقوا وحدهم المنفعة الموصى بها، ولا تستحق الطبقة التالية (أولاد الأولاد) إلا بعد انقراض الطبقة الأولى، أو اليأس من وجودهم، وهكذا في كل طبقة، وبانقراض جميع الطبقات تعود المنفعة إلى ورثة الموصي إلا إذا كان قد أوصى بها، أو ببعضها لغيرهم، وتعود المنفعة إلى ورثة الموصي، إذا لم يكن أوصى بها أو ببيعها، فإذا لم يكن بين الموصى لهم توالد، كأن يوصي شخص لأولاد زيد، وأولاد عمرو، وأولاد خالد، فإن الوصية حينئذ تكون لثلاثة بطون من ذريات مختلفة، ولا يمكن في هذه الحالة أن يوصف أحدها بأنه أول أو ثان للبطون الأخرى، وتصح الوصية لكل البطون على اعتبار أنها طبقة واحدة، فإذا قال بعد ذلك، ثم من بعدهم لأولادهم، ثم من بعدهم لأولادهم، كان أولاد زيد وعمرو وخالد طبقة، وأولادهم طبقة ثانية، فلا تستحق إلا عند انقراض أفراد الطبقة الأولى، أو اليأس من وجودهم على نحو ما سبق بيانه، وكل ذلك مع مراعاة ما نصت عليه المادتان السابقتان:237، 238.
وذكرت المادة (240) أن الوصية لمن لا يحصون أي غير المحصورين جائزة، سواء أكان لفظ الوصية يدل على معنى الحاجة أم لا، وإذا صحت لا تصرف للمحتاجين وغير المحتاجين، بل تصرف إلى المحتاجين فقط، لأن الوصية عمل معروف، ويعتبر أو يتعذر فيها الصرف إلى الجميع، فلا بد أن يصرف إلى بعضهم، وهم المحتاجون، ولا يلزم أن يصرف إلى جميع المحتاجين أيضًا، أو يسوى بينهم في مقدار ما يصرف، بل ذلك راجع إلى اجتهاد من له تنفيذ الوصية، وهو الوصي المختار الذي يعينه الموصي، فإن لم يعين أحدًا، فالصرف يكون من اختصاص الدائرة المختصة بالمحكمة الكلية، ومن تعينه لذلك، على أن يقدم الأحوج على المحتاج، وقال بعض فقهاء الحنفية أن من يقل عددهم عن المائة يحصون، ومن زاد على المائة فلا يحصون، وترك بعضهم التقدير لرأي القاضي.
والمراد بالمحصورين في المادة (241) المعروفون بأوصافهم أو جنسهم، كبني فلان، أو المرضى من بني فلان، أو حفظة القرآن الكريم بقرية كذا، ولم يعرفوا بأسمائهم، ولم يعينوا بأشخاصهم، ففي هذه الحالة يكون الموصى به لجميع الموصى لهم، فإن لم تتم الوصية لبعضهم، كموته في حياة الموصي، أو عدم قبوله، فإن الموصى به يكون كله للباقين، ما دام الوصف يكون ثابتًا لهم، ويكون لكل منهم قدر ثابت من الموصى به، وكأن له وصية مستقلة، وإذا مات واحد من الموصى لهم بعد استحقاقه لنصيبه في الوصية، ودخوله في ملكيته، تطبق الأحكام العامة للقانون في هذا، فإن كانت الوصية بملكية تامة استحقها، انتقل نصيبه إلى ورثته، لتعين نصيبه باستحقاقه من الأعيان الموصى بها فتنتقل إلى ملكيته، كما ينتقل كل ملك تام، وإن كان الموصى به منفعة، أو لم يكن قد استحق منه إلا المنفعة، فإن نصيب من يموت يكون لباقي من ينطبق عليه الوصف، لأنه لم تثبت في المنافع حصص معينة ثابتة، والمنافع لا تنتقل بالوراثة، إذ الملكية فيها ناقصة.
وأحكام هذه المادة مصدرها في الجملة الفقه الحنفي والمالكي.
والصور التي أوردتها المادة (242).
1- أن يوصى لمعين شخصًا أو جهة، ولغير معين محصور، كأن يوصى لزيد وولده، أو أن يوصي بغلة هذه العين للصرف على مستشفى كذا، ولولد فلان.
2- أن يوصى لمعين شخصًا أو جهة، ولغير معين غير محصور، كأن يوصى للفقراء ولأولاد فلان.
3- أن يوصى لغير معين محصور، ولغير معين غير محصور، كأن يوصى لأولاد فلان والفقراء.
4- أن يوصي للأنواع الثلاثة، كأن يوصي لفلان، ولأولاد فلان، وللفقراء.
والحكم في الأمور كلها، كما هو نص المادة، اعتبار كل من الجهة والجماعة غير المحصورة، وكل واحد من المعينين بأسمائهم أو بالإشارة إليهم، أو بما يدل على تعيينهم تعيينًا شخصيًا، وكل واحد من الجماعة المحصورة المعرفة بالوصف في الحكم، كالشخص المعين بالذات، فيجعل لكل شخص منهم حقيقة أو اعتبارًا سهم من الموصى به، ويقسم الموصى به بينهم على الأساس، ذلك لأن المعينين من الموصى لهم أوصى لكل منهم بشخصه، فلا بد من مراعاة أشخاصهم، وذلك يستوجب أن يكون لكل فرد منهم حصة، ومثلهم في ذلك الجهة باعتبارها جهة معينة موصى لها على هذا الوضع، وفي حكم ذلك الجماعة التي عرفت بالوصف، وهي مما يحصى ويحدد عدده، ويعرف، فأمكن اعتبارهم كالمعينين، واعتبارهم برؤوسهم، أما من لا يحصى فلا يمكن معرفة عددهم ولا حصرهم، وعلى ذلك فلا يمكن اعتبارهم برؤوسهم، فلم يكن من سبيل إلا أن تعتبر الوصية لهم، كالوصية للجهة، باعتبارهم وحدة يجمعهم الوصف.
وهذا كله إذا لم ينص الموصي في وصيته على طريقة خاصة لقسمة الموصى به بينهم، وإلا وجب اتباع ما نص عليه.
ومصدر المادة – رأي الشيخين: أبي حنيفة وأبي يوسف، وقد خالفهما محمد إذا كان من بين الموصى لهم جمع لا يحصى، كالفقراء فإنه في هذا الحال يجعل له في الموصى به سهمان لا سهم واحد، لأن أقل الجمع اثنان، إذ أن الشارع قد اعتبر الاثنين من الإخوة جمعًا في قوله تعالى: فإن كان له أخوة فلأمه السدس فأعطى الأم السدس مع الأخوين أو الأختين، وعلى ذلك فإذا أوصى لجمع كانت الوصية لاثنين على الأقل، فوجب أن يكون له سهمان.
وحجة الشيخين أن الوصية لمن لا يحصى لا يراد بها الشمول لجميع الأفراد، ولا يراد بها التمليك، لأن الشمول متعذر، والتمليك لا يكون إلا لمعلوم معين، وعلى ذلك يكون المراد مجرد الإنفاق في هذا السبيل، وذكر الجمع لا يراد منه إلا الجنس، وتعيين المصرف، وذلك يتحقق بالصرف لواحد.
ومؤدي المادة (243 ) إنه إذا أوصى الموصي لمعينين، ولمن هو غير أهل للوصية، كأن يوصي لشخصين أحدهما ميت، فإن الحي يستحق نصف الموصى به، ويرجع النصف الآخر إلى ورثة الموصي، ومصدر المادة مذهبا المالكية، والشافعية.
ومعنى المادة (244) إنه إذا بطلت الوصية لمعين، أو جماعة لسبب من الأسباب المبطلة، فإن حصة من بطلت الوصية له تعود إلى ورثة الميت، ولا يأخذ الباقون من الموصى لهم إلا حصتهم، ويعود للورثة ما كان للموصى له أن يستحقه لو أنه كان أهلاً للوصية، وذلك هو ما أوصى له به صراحةً ولفظًا، أو ما يكون له نتيجة المزاحمة، والقسمة عند ضيق محل الوصية. وهذا هو مذهب الشافعية.
والمادتان (245، 246 ) خاصتان بالحمل، والوصية للحمل جائزة في جميع المذاهب، لأنها تمليك له، وهو أهل لأن يملك، بدليل ميراثه، ولا تتوقف على قبوله عند الحنفية، وعند غيرهم يكفي قبول الولي أو الوصي.
والوصية للحمل وصية لمعين، ولذا وجب لصحتها اتفاقًا وجوده عند الإيصاء، كما يجب كذلك ثبوت نسبة من الموصى إليه، إن كان قد عرفه بنسبته إليه، كأن أوصى لحمل فلانه من فلان.
ولا يستحق الحمل ما أوصى به له إلا إذا ولد حيًا، وذلك بأن ينفصل جميعه وهو حي، وذلك مذهب الأئمة عدا الحنفية الذين يرون أنه يكفي لاستحقاق الوصية أن يولد أكثره حيًا – ويعرف وجود الحمل بأحد أمرين:
الأول: أن يقر الموصي بوجود الحمل عند الإيصاء، وفي هذه الحالة إذا ولد الحمل حيًا لخمسة وستين وثلاثمائة يوم من وقت الإيصاء، أو لأقل من ذلك صحت الوصية، وذلك للحكم بوجود الحمل حكمًا، بناءً على أن أقصى مدة يمكثها الجنين في بطن أمه هو سنة، وهو ما ذهب إليه محمد بن عبد الحكم المالكي، إذ يرى أن أكثر مدة الحمل هي سنة قمرية، ولكن رُئي أن تكون السنة شمسية، بناءً على رأي الأطباء، وإذا أقر الموصي بوجود الحمل وقت الوصية، فيعامل بإقراره، إلا إذا أثبت أنه كاذب بيقين، بأن ولد الحمل لأكثر من خمسة وستين وثلاثمائة يوم.
الأمر الثاني: ألا يصدر من الموصي إقرار بوجود الحمل وفي هذه الحالة تصبح الوصية للحمل إذا ولد حيًا لسبعين ومائتي يوم فأقل من وقت الإيصاء، لدلالة ذلك عادةً، أو غالبًا على وجود الحمل في وقت الإيصاء، لأن هذه هي المدة التي يمكثها الحمل في بطن أمه عادةً، وهذا لحكم عام سواءً أكانت الحامل زوجة، أم معتدة لفرقة بائنة، أم لموت، أو لطلاق رجعي، أم كانت غير متزوجة، ولا معتدة، وهذا التقدير يتفق وما ذهب إليه ابن تيمية، فإذا أتت الحامل بالحمل لأكثر من ذلك كان المظنون بناءً على الغالب أنها حملت به بعد وقت الوصية، فلا تصح سواءً أكانت زوجة أم خالية من الأزواج.
وإذا كانت معتدة لوفاة، أو لفرقة بائنة، فإن الوصية تصح في هذه الحالة، إذ أتت به لخمس وستين وثلاثمائة يوم فأقل من وقت الموت، والفرقة البائنة، لأن الشارع أثبت نسبه من صاحب العدة في هذه الحال، وإثبات النسب في هذه الحال نتيجة اعتبار المعتدة حاملاً عند الوفاة أو الفقه، وإذا كانت الوصية بعد ذلك كان الحمل موجودًا عندها ضرورة، فصحت الوصية.
أما إذا جاءت به لأكثر من هذه المدة، فلا تصح الوصية، لاحتمال وجود بعد الفرقة أو الموت.
وإذا كان الموصى به عينًا توقف الغلة إلى أن ينفصل الحمل حيًا، فتكون له، وذلك مذهب الأئمة الثلاثة، وقول عند مالك.
وإذا كانت منفعة توقف حتى ينفصل الحمل حيًا، فتكون له، وإذا استحق الحمل الموصى به بولادته كله حيًا، ثم مات، وكانت الوصية عينًا استحقها بعده ورثته، وأما إذا كانت منفعة فتعود بموته إلى ورثة الموصي، لأن الموصى به هو المنفعة، وهو يستحقها ما دام حيًا.
هذا هو حكم الحمل إذا كان واحدًا، وهو ما تضمنته المادة (245).
فأما إذا كان الحمل اثنين أو أكثر في وقت واحد، أو في وقتين مختلفين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن ولد اثنان أو أكثر أحياءً، كان الموصى به بينهم بالتساوي، وإن ولد واحد حيًا، والآخر ميتًا، كان الموصى به كله للحي، وذلك ما لم يكن للموصي نص في مثل هذه الحالة، فإنه يتبع نصه، وإن استحق الحمل الوصية، ثم مات، فالحكم هو ما سبق بيانه في شرح المادة (245).
الفصل الثاني الموصى به
المادة (247):
تضمنت المادة أن مقدار الوصية التي تنفذ من غير حاجة إلى إجازة الورثة هو ثلث التركة عند الوفاة لغير وارث، فإن كانت الوصية بأكثر من الثلث صحت الزيادة موقوفة على إجازة الورثة، فإن أجازوها نفذت وإن لم يجيزوها بطلت فيما زاد على الثلث، وإن أجازها بعضهم، وامتنع بعضهم عن الإجازة نفذت الوصية في الزيادة في حق المجيز، وبطلت في الزيادة في حق غير المجيز، والإجازة المعتبرة تكون بعد الوفاة، ولا عبرة بالإجازة قبلها، لأن تنفيذ الوصية هو وقت الوفاة، لأنه قبل وفاة الموصي لا يعرف الورثة على التعيين، فقد يموت أحدهم قبل الموصي، وقد يوجد من يحجب بعضهم، وقد يحصل من بعضهم ما يقتضي حرمانه، فالصفة التي كانت سببًا للحق لم تثبت، لإن الإجازة تبرع بحق، فلا يكون قبل ثبوته بوفاة الموصي، والوارث الذي تعتبر إجازته هو الذي يكون أهلاً للتبرع، وهو كامل الأهلية، البالغ، العاقل، الرشيد الذي لم يحجر عليه لسفه أو غفلة، وذلك لأن الإجازة تبرع، وهو تصرف ضار، فلا يجوز من غير الرشيد، ولا يجوز من ولي الوارث، لأن ولايته منوطة بالمصلحة، ولا مصلحة في التبرع، والثلث هو ما يكون من تركة خالصة من كل دين، لأن سداد الدين يكون أولاً، وبعد السداد تقدر الوصية بثلث الباقي، فإذا كانت التركة خالصة من الدين، ولا وارث للوصي، بل سيذهب المال إلى الخزانة العامة، نفذت الوصية كلها، لأن الخزانة العامة آخر المستحقين للتركة، فالموصى له بأكثر من الثلث مقدم عليها.
وبينت المادة (248) أن الموصي إذا كان مدينًا، فأما أن يكون دينه مستغرقًا للتركة كلها أو لبعضها، فإن كان الدين للتركة كلها، صحت وصيته، ولكن لا تنفذ إلا ببراءة ذمته من الدين، كأن يجيز الدائنون الوصية، أو يتبرع متبرع بسداد الدين فإن برئت ذمته من بعض الدين مستغرق للتركة، كأن يجيز الغرماء بعض الوصية، أو كان الدين غير مستغرق للتركة نفذت الوصية في باقي التركة بعد سداد الدين، فإن وسعها الثلث نفذت، وإن لم يسعها توقف نفاذ الزائد على الثلث على إجازة الورثة، فإن أجازوها نفذت في الزيادة، وإن لم يجيزوها بطلت فيها، ولا يكفي في نفاذ الوصية عند استغراق الدين للتركة حال وفاة الوصي أجازتها من الغرماء، مع اعتبار الدين باقيًا في ذمته مشغولة به، لأنه ما دام هناك دين فهو مقدم على الوصية، فلا بد من إبراء الغرماء لذمة الموصي حتى تنفذ الوصية، ومثل الإبراء أن يتبرع أجنبي بسداد الدين للدائنين، ويقبلوا ذلك منه، وإذا كان المتبرع بالوفاء وأثار استخلاصًا للتركة، فإن كان هو الوارث الوحيد، أو على إرادة الرجوع في التركة بدينه إذا لم يكن وحيدًا، فلا يترتب على ذلك نفاذ الوصية في ثلث ما يخلص من التركة بسبب هذا الأداء، وإنما حل الوارث في هذه الحالة محل الدائن، فصارت التركة مدينة له.
ومؤدى المادة (249 ) أنه إذا كانت الوصية بعين معينة والدين كان متعلقًا بها قبل الوفاة، بأن كان للدائن حق اختصاص على العين، أو رهن، فإن مقتضى الاستيفاء منها يكون مقدمًا على حق الموصى له في الوصية بها، ولو كانت تخرج من ثلث
الباقي بعد سداد الدين، لأن الدين مقدم على الوصية بإجماع الفقهاء، ولأن حق الموصى له لم يتعلق بالوصية إلا بعد الوفاة، أما حق الدائن فمتعلق بها قبل الوفاة، فيستوفي في الدين أولاً، ولكن إن استوفى الدين منها كلها، أو من بعضها لا يضيع حق الموصى له في الوصية، لأن الوصية قد صحت ولزمت بقبول الموصى له بعد الوفاة، فلا تقبل السقوط بعد ثبوتها ولزومها، مادام للمستوفي تركة تخرج العين من ثلثها، فإن لم تستوفَ بذاتها نفذت بقدرها، ولذلك نصت المادة على أنه يرجع بقيمة الموصى به في باقي التركة إن سدد الدين من الموصي المعين له، ويعتبر ثلث الباقي بعد الدين، لأن التركة التي توزع بين الورثة والموصى له هي التي تبقى بعد سداد الدين بالسداد أو الإبراء.
ومؤدى المادة (250) أنه إذا أوصى الموصي بمثل نصيب وارث معين من ورثته أو بنصيبه، فإن الموصى له يستحق مثل نصيب ذلك الوارث، بمعنى أن تقسم المسألة بالسهام من غير نظر إلى الوصية، ثم يزاد على مجموع عدد السهام عدد يساوي مقدار نصيب الوارث الموصي بمثل نصيبه، ويكون هذا هو ما يعادل نصيب الموصى له، وتقسم التركة على عدد السهام ويأخذ كل ما يخصه.
فإذا أوصى الموصي بمثل نصيب ابنه لأخيه الشقيق، ثم مات عن ابنه، وبنتين له، فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين، ويكون للابن النصف، ولكل بنت الربع، فتكون السهام أربعة، للابن سهمان، ولكل بنت سهم، ثم يعطي الموصى له مثل نصيب الابن، وهو سهمان، وبذلك تصير السهام ستة، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
وأوضحت المادة (251) أنه إذا أوصى الموصي بمثل نصيب وارث غير معين من ورثته فأما أن يكون الورثة متساويين في الأنصبة، أو غير متساويين، فإن كانوا متساويين أعطي الموصى له مثل نصيب أحدهم زائدًا على السهام، فإذا أوصى لابن أخيه مثلاً بمثل نصيب أحد ورثته، وتوفي الموصي عن ثلاث زوجات ـ وثماني أخوات شقيقات، وأخ لأب، فالأنصبة في هذا المثال متساوية، لأن للزوجات ثلاثة سهام مقدار الربع، وللأخوات الشقيقات ثمانية أسهم، وللأخ لأب الباقي وهو سهم وتكون السهام 12 يزاد عليها مثل نصيب أحد الورثة، وهي سهم واحد، ويكون عدد الأسهم للورثة وللموصى له 13 سهمًا.
وإن كان الورثة غير متساويين في الأنصبة، وأوصى الموصي بمثل نصيب أحدهم، وتوفي الموصي مثلاً عن ثلاث زوجات، وبنتين، وابن ابن، ففي هذه الحالة، للزوجات الثلاث سهام ثلاثة، لكل زوجة سهم من أربعة وعشرين سهمًا، وللبنتين الثلثان 16 سهمًا، ولابن الابن الباقي خمسة أسهم، وعلى ذلك يكون للموصي قدر أقلهم ميراثًا، وهو إحدى الزوجات، فيكون له سهم واحد يضاف إلى سهام الورثة، فتصير السهام خمسة وعشرين سهمًا، وحكم هذه المادة كسابق مصدره مذاهب جمهور الفقهاء.
وذكرت المادة (252) أن الموصي إذا أوصى لأحد بمثل نصيب أحد الورثة، ولآخر بسهم معلوم شائع، كالربع في التركة سواء أعين الوارث الذي أوصى بمثل نصيبه أم لم يعين، ففي مثل هذه الحالة توزع التركة بالسهام بين الورثة، ليعرف مقدار سهم كل وارث، ثم يضاف إلى أصل سهام التركة عدد سهام الوارث، ويعلم مقدار سهام الموصى له، مع ملاحظة أن أصل الفريضة هو مقدار الباقي بعد المقدار الذي أوصى به للموصى له الآخر، فإن كانت الوصية بالسهم المعلوم الشائع في التركة، وبمثل نصيب أحد الورثة لا تتجاوز الثلث، أو تجاوزته، وأجازها الورثة نفذت الوصيتان، وإن لم يجيزوها، ولم يسعهما الثلث، قسم بينهما بالمحاصة، أي بنسبة سهامها، ومصدر هذه المادة فقه الإمام أحمد بن حنبل.
واتفقت آراء الفقهاء على ألا يعطي الموصى له فعلاً عند التنفيذ إلا ما يخرج من ثلث أعيان التركة الحاضرة، وأن ينتظر فيما بقي له مما أوصى له به حضور بقية أعيان التركة، فكلما حضر شيء أعطى من الموصى له به بقدر ثلث ما حضر، حتى يستوفي وصيته فإن خرج الموصى به من ثلث الموجود أخذه، غير أن الحنابلة إنما يعتبرون حضور الوصية وقت الوفاة، ولا تأثير لغيبته بعد ذلك في حق الموصى له، فإذا ما أوصى له بعين حاضرة، أو بوصية مرسلة مثلاً، بخلاف الحنفية والمالكية، إذ هم يعتبرون حضور الوصية عند التنفيذ، ووجه ما ذهب إليه الفقهاء أن للمال الحاضر فضلاً عن المال الغائب، فربما هلك المال الغائب أو ضاع، أو لم يستطع الحصول عليه، فيكون هالكًا أو كالهالك، فمن العدل ألا يحتسب على الورثة وحدهم، وبهذا جاءت المادة (253).
والمقصود من المادة (254) واضح، وهو أنه إذا كانت الوصية بسهم شائع في التركة، كالوصية بربع المال مثلاً، وكان للتركة دين على الغير، استحق الموصى له من المال الحاضر جميعه سهمه فيه، أي ربعه فيعطى له، وكلما حضر شيء منها، أخذ ربعه، وهكذا حتى تحضر جميع أعيان التركة، فيتم الموصى به جميعه، ومصدر هذا مذهب الحنفية.
وذكرت المادة (255) أنه إذا أوصى الموصي بسهم شائع في نوع من ماله، كأن يوصى بثلثي عمارة تساوي تسعين ألف دينار مثلاً، وكان له ديون مقدارها مثل ثمن العمارة، فإن ما أوصى به يكون مقداره ما يساوي ستين ألف دينار، وذلك لا يخرج من ثلث المال الحاضر، وهو العمارة، بل يكون له ثلثها، أي ما يساوي ثلاثين ألف دينار، ويبقى له ثلاثون ألف دينار يستوفيها من العمارة، بقدر ما يحصل من الديون، على معنى أنه كلما حصل قدر من الدين استوفى من العمارة ما يقابل ثلث الدين الذي حصل، حتى يستوفي حقه كله، وبعد أن يأخذ الموصى له ثلث العمارة قبل تحصيل شيء من الدين، يكون ثلثاها للورثة يتصرفون فيه تصرف الملاك، فلهم أن يبنوا عليها، وقد يحصل لهم ضرر أن استوفى الموصى له حقه من العمارة، فإن حصل لهم ضرر فلا يأخذ الموصى له باقي حقه من العمارة، ولكن يأخذ قيمة ما بقي من حصته في النوع الموصى به من ثلث ما يحضر حتى يستوفي حقه، ومصدر ذلك فقه الإمام أحمد بن حنبل، ومذهب الحنفية، بقاعدة نفي الضرر.
وبينت المواد (253، 254، 255) تنفيذ الوصية إذا كان في التركة مال غائب، أو دين على أجنبي، وفي المادة (256) بيان كيفية تنفيذ الوصية إذا كان الدين على وارث من ورثة الموصي، فأفادت أن الدين إذا لم يكن حالاً وقت القسمة بل كان مؤجلاً عد مالاً غائبًا في جميع الأحوال إذ لا يمكن حينئذ مطالبة المدين به، ولا إجباره على الوفاء قبل موعده، ولا بطريق المقاصة، أخذًا من المواد السابقة أما إذا كان مستحق الأداء في ذلك الوقت، فإن كان مساويًا لنصيب الوارث المدين أو أقل اعتبر مقدار هذا الدين مالاً حاضرًا لا دينًا، فيعتبر مضمونًا إلى ما حضر من أموال التركة، وعلى ذلك يأخذ الموصى له وصيته كاملة، ما دامت تخرج من ثلث ذلك المال بما فيه الدين، إذ لا ضرر على الورثة في هذه الحال، لأن الدين سيكون من نصيب الوارث المدين، ولا يأخذ شيئًا من المال الحاضر خلافه إن كان نصيبه مساويًا للدين، فإن كان دينه أقل، أخذ الفرق بين نصيبه ومقدار الدين، أما إذا كان دينه أكثر من نصيبه وقد حل أداؤه، فيكون الزائد على نصيبه كالدين على أجنبي، أي مالاً غائبًا، وما عداه مالاً حاضرًا يأخذ الموصى له ثلثه، وإن بقي له شيء يستوفيه من الدين الذي يحصل حتى تتم له الوصية، وذلك إن كان الدين، والتركة من *** واحد، فتقع المقاصة، وإن كان الدين من جنس، والتركة من *** آخر، فلا يأخذ الوارث نصيبه من التركة، حتى يؤدي ما عليه من الدين، فإن لم يؤده باح القاضي نصيبه، ووفيّ الدين من ثمنه، وقد بينت المادة أن أنواع النقود، وأوراقها *** واحد، ومصدر المادة مذهب الحنفية.
وذكرت المادة (257) حكم ما إذا كانت الوصية بعين من التركة، أو بنوع من أنواعها فهلك الموصى به كله، أو استحق، أو هلك بعضه، أو استحق – ولذلك أربع صور:
1- أن يكون الموصى به معينًا، ويهلك قبل القبول، فتبطل الوصية، لانعدام محلها، ويبطلها الاستحقاق، ولو بعد القبول والقبض، لأنه ظهر أن الموصي لا يملكها.
2- أن يكون الموصى به عينًا فيهلك بعضها أو يستحق، فيأخذ الموصى له ما يبقى، إن كان يخرج من الثلث، وتبطل الوصية في الجزء الهالك، أو المستحق، مع ملاحظة ما سبق من أن الهلاك لا يبطل الوصية في الجزء الهالك إذا كان بعد القبول والقبض، بخلاف الاستحقاق.
3- أن يكون الموصى به جزءًا شائعًا من عين خاصة فهلكت كلها أو بعضها، فإن الوصية تبطل لانعدام الموصى به، مع ملاحظة ما سبق في الفرق بين الهلاك والاستحقاق.
4- أن يكون الموصى به جزءًا شائعًا من عين معينة، فهلك بعضها، أو استحق، ففي هذه الحال يأخذ الموصى له وصيته كاملة من الباقي إن وسعها، فإن لم يسعها أخذ الباقي كله، وبطل من وصيته بمقدار ما نقصه الباقي عن الوصية.
وذكرت المادة (258) حكم الوصية بحصة شائعة في معين، كأن يوصي شخص بنصف العمارة، ففي مثل هذه الحالة إذا ما هلكت العمارة أو استحقت فلا شيء للموصى له، وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء.
فإذا ما هلك بعض العمارة أو استحق، وكان الباقي بعد الهلاك أو الاستحقاق أكثر من الموصى به أو المستحق، أو مساويًا له، فإن الموصى له يأخذ جميع ما أوصى به من الباقي، إن كان أكثر، والباقي كله إن كان مساويًا أو أقل من الموصى به، وذلك هو مذهب الحنفية، والإمام أحمد، وأحد قولي الشافعية، وما ذهب إليه الإمام زفر عند الاستحقاق – وذهب الإمام مالك، وزفر عند الهلاك إلى أن الموصى له يأخذ حصته منسوبة إلى الباقي.
وجاء في المادة (259) أن الوصية بحصة شائعة في نوع من أموال الموصي، كالوصية بعشرة أفراس، فإن كان عددها وقت الوصية مائة، اعتبرت الوصية بالعشرة، فإذا مات الموصي، وليس له ذلك النوع بطلت الوصية، وإذا هلك بعضه أو استحق ثبت العشر في الباقي إن خرجت الوصية من ثلث المال، فإن لم تخرج من ثلث المال، أخذ منه بقدر الثلث فقط، والفقرة الثانية من المادة مأخوذة من رأي بعض علماء المالكية (ابن الماجشون). أما الفقرة الأولى فمحل إجماع من الفقهاء.
الفصل الثالث: الوصية بالمنافع:
المادة (260):
المراد بالمنافع الثمرات والغلات، وحقوق الارتفاق، والوصية بالإقراض، وبالتأجير، والوصية بقدر من المال يدفع شهريًا، كما جعلت منه الوصية ببيع عين لشخص بحق معلوم، والوصية بتقسيم التركة.
ولا يشترط في الوصية بالمنفعة أن يكون الموصي مالكًا للعين والمنفعة، فيجوز للمستأجر أن يوصي بمنفعة العين التي يملك منفعتها مدة الإجارة.
والوصية بالمنافع جائزة باتفاق الأئمة الأربعة، ومعهم جمهور فقهاء المسلمين، ولم يخالف فيها إلا ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وفقهاء أهل الظاهر.
والوصية بالمنفعة لها أحوال مختلفة:
1- فقد تكون وصية بالمنفعة مدة معلومة بعد الوفاة.
2- وقد تكون وصية غير مؤقتة لموصى له معين.
3- وقد تكون وصية غير مؤقتة أو مؤبدة لقوم غير محصورين، يظن انقطاعهم أو لا يظن، أو لجهة بر لا تنقطع.
4- وقد تكون الوصية غير مؤقتة، وهي لمحصورين.
5- وقد تكون الوصية لمحصورين، وغير محصورين.
وقد بينت هذه المادة حكم الوصية لمعين مدة معلومة المبدأ والنهاية، وحكم الوصية لمعين قدرًا معينًا، لكن غير معلوم المبدأ، وفي الحالتين المذكورتين تنفذ المدة إذا جاءت بعد وفاة الموصي، وقبول الموصى له، فإذا انتهت المدة الموصى بها قبل وفاة الموصي بطلت الوصية.
وإن مات الموصي وفي المدة المعلومة بقية نفذت الوصية في القدر الباقي، إذ قد تعذر التنفيذ في الجزء الذي مضى، فبطلت فيه، وصحت في الباقي.
وإذا كانت الوصية غير معينة البدء، ولكن معلومة القدر، كأن يقول: أوصيت لفلان بسكنى داري ثلاث سنين، ولم يذكر بدءها ولا نهايتها، فتبدأ المدة في هذه الحال من وقت الوفاة، لأنه وقت تنفيذ الوصية.
المادة (261):
بينت هذه المادة حكم ما إذا منع الموصى له من الانتفاع بالعين كل المدة أو بعضها، سواء أكان المنع من بعض الورثة، أم من كلهم، أم من جهة الموصي، والمدة الموصى بها معلومة.
فإن كان المنع من الانتفاع من بعض الورثة، كأن يكون موصي بسكنى دار ثلاث سنين ذكر ابتداؤها، فجاء أحد الورثة وسكنها في تلك المدة، ومنع الموصى له من سكناه فيها، فإن هذا الوارث يكون قد اعتدى على حق الموصى له، فيثبت له ابتداء الحق في التعويض، وذلك بأحد أمرين، إما بأن يسكن الدار مدة تساوي المدة التي منع من الانتفاع فيها إذا رضي الورثة، وإما بأن يضمن له الوارث الذي منعه بدل المنفعة التي منعها، لأنه تعدى على حق الموصى له، فإن كان المنع من الانتفاع من كل الورثة في المدة المعلومة، فإنهم يكونون متعدين على حق الموصى له، ويضمنون له بدل المنفعة، أما بتعويضه بأداء بدل المنفعة، أو بتمكينه من الانتفاع مرة أخرى، والموصى له مخير في أحد الأمرين، فإن كان المنع من الانتفاع من جهة الموصي، أو بعذر، يحول بين الموصى له والانتفاع، كأن يكون الموصي قد أجر العين الموصى بها لغيره، واستمرت الإجارة نافذة من بعد موته إلى نهايتها، أو أن تكون العين الموصى بمنفعتها تحتاج إلى إصلاح ليتم الانتفاع بها، فأجرى الإصلاح، وأخذ مدة من زمن الوصية فلا ضمان على أحد، إذ لا تعدي من أحد الورثة، ولكن الموصى له قد قبل الوصية، فصار له حق تنفيذها، وقد حالت الأمور دون التنفيذ، فيحق له التنفيذ في مدة أخرى تحل محل الأولى.
وما سبق كله هو فيما إذا كان المنع من الانتفاع بالاستعمال الشخصي، فإن كان المنع للاستغلال، فإن الموصى له يستحق غلة العين الموصي بانتفاعها، وهذه الأحكام مصدرها مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.
المادة (262):
ذكرت هذه المادة أحكام الوصية بالمنفعة (1) لقوم غير محصورين لا يظن انقطاعهم، أو لجهة من جهات البر، وكانت الوصية مؤبدة أو مطلقة. (2) لقوم غير محصورين يظن انقطاعهم وكانت الوصية مؤبدة أو مطلقة.
فذكرت أنه بالنسبة للحالة الأولى تكون الوصية على التأبيد لا تنتهي، فإذا أوصى بغلات عين للفقراء، أو على مسجد، أو مدرسة، أو مستشفى، كانت الغلات لهذه الجهات على التأبيد، وصار التصرف من بعد الوفاة وقفًا جاء في شكل وصية، وتكون العين وقفًا من كل الوجوه بعد الوفاة.
وبالنسبة للحالة الثانية، وهي أن تكون الوصية لقوم غير محصورين يظن انقطاعهم مطلقة أو مؤبدة، كالوصية لبني فلان، فإن الموصي لهم يستحقون المنفعة إلى انقراضهم، فإذا انقرضوا عادت العين إلى ورثة الموصي.
ومصدر حكم الحالة الأولى مذهب الحنفية، والثانية مذهب المالكية.
وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة على وجوب مراعاة أحكام المادتين السابقتين (259)، (260) فيما إذا كانت الوصية لمعين مدة معلومة المبدأ والنهاية، وانتهت المدة قبل وفاة الموصي، وفيما إذا منع الموصى لهم من الانتفاع.
المادة (263):
أوضحت هذه المادة حال الموصى لهم إذا كانت الوصية بالمنفعة لمدة معينة لقوم محصورين، ثم من بعدهم لمن لا يظن انقطاعهم، كالمساكين، أو لجهة من جهات البر، كمسجد، أو مستشفى، ففي هذه الحالة إن كان الموصى لهم موجودين وقت وفاة الموصي، استحقوا المنفعة المدة المعلومة، كالعين، فإنه يأخذ المنفعة في المدة المعينة، ثم بعد انتهاء المدة تؤول المنفعة إلى جهة البر، وإن كانوا غير موجودين وقت الوفاة، ويظن وجودهم بعدها، فإن الغلة تكون لجهة بر عامة، كمكاتب تحفيظ القرآن الكريم، والمساجد، ونحو ذلك، حتى يوجد الموصى لهم، وقد يحدث أن تستمر الوصية مدة طويلة لا تنفذ فيها، لعدم وجود الموصى لهم، ففي هذه الحال قد ذكرت المادة مدة معلومة هي ثلاث وثلاثون سنة، وبعدها تكون الغلات لجهات البر، فإذا لم يوجد بنو فلان الموصى لهم في مدة الثلاث والثلاثين سنة ووجدوا بعدها فلا يستحقون شيئًا من الوصية، بل تكون لجهات البر، وإن لم يوجد المستحق أصلاً، وحصل اليأس من وجودهم بأن مات فلان الموصي لبنيه، ولم يعقب، فالغلة بعد اليأس وقبله، تكون لأعم جهات البر نفعًا إلى أن تنتهي المدة المعلومة، فتكون لجهة البر المنصوص عليها، وإن وجد المستحقون، ثم انقرضوا مع اليأس من وجودهم، ولم تنتهِ المدة المعلومة، ففي هذه الحالة تكون الغلات إلى نهاية المدة لجهات البر الأعم نفعًا، وبعد انتهاء المدة تكون المنفعة لجهة البر.
المادة (264):
الموصى له بالانتفاع بعين تحتمل الانتفاع أو الاستغلال، فيخير في الانتفاع بها، أو باستغلالها، ولو خالف ذلك ما أوصى به الموصي، ولم يقيد ذلك إلا بشرط واحد هو ألا ينتفع انتفاعًا يضر بالعين، فمن أوصى له بسكنى دار معينة يجوز له أن يؤجرها، ومن أوصى له بأجرتها يجوز له أن يسكنها، متى كانت العين تصلح لأحد الأمرين، ومصدر المادة مذهبًا الشافعية والحنابلة.
المادة (265):
يفرق الحنفية بين الوصية بالغلة، والوصية بالثمرة، فقالوا أن الموصي إذا أوصى بثمرة أرضه أو بستانه، وأطلق في وصيته فلم يحدد مدة، كان للموصي له الثمرة القائمة وقت وفاة الموصي دون غيرها مما يحدث من الثمار مستقبلاً، وإذا نص على الأبد، فقال بثمرة أرضه أو بستانه أبدًا كان للموصى له الثمرة القائمة عند الموت وما يحدث بعدها من ثمرات مدة حياة الموصي، أما إذا أوصى بغلة أرضه أو بستانه، وأطلق أو أبد، فإن للموصى له ما يكون موجودًا من الغلة عند وفاة الموصي. وما سيحدث فيها بعد ذلك.
وذهب الحنابلة والمالكية، والشافعية إلى أنه لا فرق في الدلالة والمعنى بين الغلة والثمرة، فللموصى له ما يكون موجودًا عند وفاة الموصي، وما سيحدث، أطلق أم أبد، وعلى مذهب الأئمة الثلاثة المذكورين جرت المادة.
المادة (266):
مؤدى المادة أن الوصية ببيع عين من التركة لشخص بثمن معين قدره الموصي، والوصية له بتأجيرها مدة معينة كسنة أو سنتين، وبأجرة معينة سماها، هذه الوصية نافذة، إذا كان الثمن في البيع ثمن المثل، والأجرة أجرة المثل في الإجارة، وكذلك الحكم إذا كان الثمن أو الأجرة أقل من ثمن أو أجرة المثل بغبن يسير، فإن كان كل من الثمن أو الأجرة أقل من ثمن أو أجرة المثل بغبن فاحش، فإن كان هذا الغبن يخرج من ثلث التركة نفذت الوصية، وإن زاد على الثلث، وأجاز الورثة الوصية نفذت، وإن لم يجيزوها فلا تنفذ إلا إذا زاد الموصى له الثمن في البيع، والأجرة في الإجارة إلى ثمن المثل، أو أجرة المثل، ومصدر المادة مذهب الحنفية.
المادة (267):
بينت المادة أنه إن كانت المنفعة مشتركة بين الموصى له والورثة، أو بين عدد من الموصى لهم، فإن طريق التوزيع الذي يختارونه ينفذ من غير تقييد لهم إلا اتفاقهم عليه، أو قضاء القاضي إن اختلفوا، فإما أن يوزعوا الغلة بينهم، بنسبة ما يخص كل واحد منهم، أو بقسمة العين بينهم، إذا لم يكن في القسمة ضرر على أحد، وكانت تحتمل القسمة، أو يضمنها قسمة مهايأة مكانية، بأن ينتفع كل واحد العين زمانًا، ثم يتناوبوا الحصص عامًا بعد عام، فيحل كل محل الآخر فيما كان ينتفع به، أو مهايأة زمانية، بأن يأخذها كل واحد العين كلها زمنًا ينتفع به، ويأخذها غيره زمنًا آخر، وتكون مقادير الأزمنة بنسبة حصص كل واحد من الانتفاع به. ومصدر المادة هو مذهب الحنابلة، والشافعية في إطلاق حق الانتفاع، ومنع القسمة في حالة التضرر هو مذهبا الحنفية والمالكية.
المادة (268):
قد يوصي الموصي بالمنفعة لشخص أو أشخاص، ويوصي بالرقبة لشخص آخر أو أشخاص، وفي هذه الحالة تكون نفقات العين الموصى بمنفعتها في مدة انتفاع الموصى له بالمنفعة عليه، سواء في ذلك نفقات الحفظ والصيانة، أم نفقات البناء، وذلك لأنه هو المنتفع، وهذه النفقات ضرورية لبقاء العين صالحة للانتفاع، وكذلك ضرائبها إن وجدت على المنتفع، لأنها مفروضة على الانتفاع، ولذلك تقدر نسبة ما تغله العين، وإذا لم تثمر العين الموصي بمنفعتها، أو لم تغل سنة من السنين لسبب خارج عن إرادة الموصى له، أو كان يزرع الأرض سنة، ويتركها سنة لمصلحة في الاستغلال فإنه يلزم بما يكون عليها من ضرائب في السنة التي لم تغل فيها، ومصدر المادة مذهب الحنفية.
المادة (269):
تضمنت المادة أن الوصية بالمنفعة تسقط قبل تقررها أو بعده بما يأتي:
أولاً: إذا مات الموصى له المعين قبل بدء المدة، وكذلك إذا مات في أثنائها، ففي الحالة الأولى تبطل الوصية كلها، لعدم إمكانية تحقق إرادة الموصي، وفي الثانية تبطل في بعضها لنفس السبب.
ثانيًا: بشراء الموصى له بالمنفعة العين الموصى له بمنفعتها، فإن كان شراؤه قبل ابتداء استحقاقه للمنفعة، بطلت الوصية في المدة كلها، وإن كان أثناء استحقاقه بطلت فيما بقي له.
ثالثًا: بإسقاط الموصى له حقه في المنفعة لورثة الموصي، وذلك بتنازله عنه، سواء أكان ذلك بالمجان، أم بعوض، كأن يدفعوا له مالاً مقدرًا، على أن يترك لهم حقه في المنفعة، ذلك لأن من ملك حقًا ملك إسقاطه، ما لم يكن حقًا شخصيًا ذاتيًا، ولأن الإسقاط بعوض من قبيل المصالحة.
رابعًا: باستحقاق العين الموصي بمنفعتها، إذ يتبين أن الموصي قد أوصى بملك غيره.
المادة (270):
بينت المادة أن لورثة الموصي حق بيع العين الموصى بمنفعتها من غير توقف على موافقة الموصى له، لأن ملكيتهم لها انتقلت إليهم بالميراث، وعلى ذلك فلهم حق التصرف فيها بكل التصرفات السائغة شرعًا، وإذا بيعت العين لغير الموصى له بالمنفعة، انتقلت إليه العين بجميع حقوقها، ما عدا حق الموصى له، فإن البيع لا يؤثر فيه، بل يستمر له حقه حتى تنتهي مدته، أو إلى آخر حياته إن كانت الوصية بالمنفعة مدة حياته.
المادة (271):
إذا كانت الوصية بالمنفعة لعين مؤبدة، أو لمدة حياته، أو مطلقة عن الزمن، فإن الموصى له يستحق المنفعة مدة حياته، لأن الإطلاق عن المدة ينصرف إلى انتفاعه الكامل، وذلك يكون لمدة حياته، والتأييد إذا ذكر يراد منه ما يناسب تقييد الوصية بانتفاع شخص الموصى له، وذلك لا يكون إلا بتقييد الانتفاع مدة حياته.
والوصية بالمنفعة ربما لا تبتدئ بالنسبة للموصى له من وقت الوفاة، بل قد تبتدئ بعد مدة، وذلك كما إذا كانت الوصية لمن يولد لفلان من أبناء، ففي هذه الحال يشترط لاستحقاق المنفعة ألا يمضي ثلاث وثلاثون سنة شمسية من وقت وفاة الموصى له إلى وقت وجوده واستحقاقه.
والحكم الوارد في هذه المادة لا يناقض ما جاء في الفقرة الثانية من المادة (218) التي نصت على أنه يشترط في الموصى له أن يكون موجودًا عند الوصية إن كان معينًا، لأن المراد فيها وجود من كل معينًا بالذات لا بالوصف، والذي هنا معين بالوصف.
على أنه قد يتصور تراخي الاستحقاق إذا كان مقيدًا بشرط، ولم يوجد في الموصى له، كأن يوصي الموصي بمنفعة دار يسكنها فلان إن أحيل على التقاعد، ومضت المدة الواردة في المادة قبل أن يحال فلان إلى التقاعد.
المادة (272):
تضمنت هذه المادة بيان تقدير قيمة المنفعة الموصى بها، والحقوق العينية بالنسبة لقيمة العين ذاتها، فذكرت أنه إذا كانت الوصية بالمنافع كلها مؤبدة، أو مطلقة عن التقيد بزمن معين، أو لمدة حياة الموصى له، أو كانت لمدة تزيد على عشر سنين، فإن الحكم واحد في هذه الأحوال كلها، وهو أن تعتبر المنافع مساوية لقيمة العين نفسها، على معنى أن العين الموصى بمنفعتها على الوجه المذكور تحسب من الثلث، فإن كانت مساوية، أو أقل خرجت من التركة، وبقي للورثة ثلثاها.
فإن كانت الوصية لمدة عشر سنين فأقل، أو بمنافع العين، أو بعضها، فتقدر الوصية بالمنفعة في تلك المدة، أي بأجرة المثل.
وإذا كانت الوصية بحق من الحقوق، كحق الشرب، وحق التعلي، وحق الخلو، فإنه يقدر بمقدار أثره في العين التي حملته، فتقدر قيمة الحق، فإذا كان مقدار العقار غير محمل بالحق عشرة آلاف دينار مثلاً، أو قيمته محملاً تسعة آلاف دينار، كان مقدار الحق ألف دينار، وهو ما يستحقه الموصى له بالمنفعة.
الفصل الرابع الوصية بالمرتبات
المواد (273 – 279):
المرتب والراتب بمعنى واحد، ويراد بالمرتب قدر من المال يعطى في أوقات دورية متساوية في الزمن، كشهر أو سنة، كالوصية بمائة دينار شهريًا لفقراء مؤسسة مخصوصة، وقد تكون الوصية بالمرتبات لمدة معلومة، أو مدى الحياة، أو على التأبيد لجهة لا يظن انقطاعها كألفي دينار سنويًا للحرمين الشريفين.
وقد يكون المرتب لمعينين، أو معرفين بالوصف محصورين، أو لغير محصورين يظن انقطاعهم، أو لا يظن، والوصية بالمرتبات في أكثر أحوالها تكون من الغلة، فتدخل في الوصية بالمنافع.
وقد تكون الوصية بالمرتبات من قبيل الوصية بالأعيان، وذلك إذا كانت من رأس مال التركة، وهو ما بينت المادة حكمه.
فذكرت أنه إذا كانت الوصية بالمرتب من رأس مال التركة، فإنها تقيد بالثلث، فلا تنفذ في أكثر منه إلا إذا أجازها الورثة، ولضمان تنفيذها تحبس عين من أعيان التركة تكفي غلاتها لسداد المرتب في أقساطه المختلفة، إذا كانت المدة المقررة للمرتب طويلة، وإذا كانت المدة قصيرة، حبست عين تضمن بقيمتها المرتب في المدة بحيث يستوفي من قيمتها، إن لم يكن استيفاؤه من غلاتها.
والمدة الطويلة هي ما زادت على عشر سنوات، والقصيرة هي عشر سنوات فأقل على ما مر في المادة السابقة.
وقد فرق بين المدة الطويلة والقصيرة في الحكم بالنسبة لحبس العين، فذكر أن العين في المدة القصيرة ينبغي أن تكون قيمتها مساوية للمرتب في المدة الموصى بها، لتكون ضمانًا لاستيفاء المرتب منها، إذا كان الإيراد لا يكفي المرتب.
أما في المدة الطويلة، فيكفي أن يكون إيراد العين كافيًا لتنفيذ الوصية منه حسب تقدير الخبراء، ولو كانت قيمتها أقل من المرتب في المدة، لأن وقف عين من التركة قيمتها مساوية للمرتب زمنًا طويلاً يضر بالورثة في بعض الأحوال، كما إذا كانت غلة العين الموازنة أضعاف المرتب الموصى به، أو كان للورثة مصلحة خاصة في هذه العين مع وجود عين أخرى ذات إيراد يسع المرتب.
فإذا زادت الوصية على الثلث، وأجازها الورثة، خصصت العين الكافية، ولو كانت قيمتها أكثر من الثلث، وإن لم يجز الورثة الزيادة، خصصت عين تساوي الثلث فقط، ومصدر الوصية بالمنافع وبالأعيان مذاهب الأئمة الأربعة.
وبينت المادة (274) أن الوصية إذا كانت بمرتب من غلة التركة، أو من غلة عين منها لمدة معينة، تقوم التركة أو العين، محملة بالمرتب الموصى به، فإن خرج من ثلث المال، نفذت الوصية، وإن زاد عليه، ولم يجز الورثة الزيادة، نفذ منها بقدر الثلث، وكان الزائد من المرتب وما يقابله من التركة أو العين لورثة الموصي.
كما وضحت حكم الوصية بمرتب من غلة التركة، كما إذا أوصى بعشرة دنانير شهريًا من إيراد عمارته الكائنة بمنطقة كذا (وعينها) لأولاد فلان، وسماهم، أو لم يسمهم، أو لمسجد كذا لمدة عشر سنوات مثلاً، أو أكثر من ذلك، فذكرت أن الوصية تقدر بقيمة التركة كلها، أو العين الموصى بمرتب من غلاتها محملتين بالمرتب، وخاليتين منه.
والفرق هو مقدار الوصية، فإن خرج من الثلث نفذت الوصية، وإن زاد عليه، وأجاز الورثة الزيادة فالحكم كذلك، وإن لم يجزها الورثة نفذ من الفرق بين القيمتين ما يسعه الثلث.
فإذا كان الفرق بين القيمتين مثلاً ستة آلاف دينار، والثلث يساوي أربعة آلاف دينار، فإن الوصية تنقص إلى أربعة آلاف دينار، وعلى ذلك ينقص من المرتب ثلثه، فلا تتحمل التركة أو العين أكثر من أربعة آلاف دينار، تصرف إلى الموصى له في المواقيت المحددة، ويكون الزائد من المرتب وما يقابله من العين ملكًا للورثة.
ومصدر هذه المادة مذهب الشافعية.
وبينت المادة (275) حكم ما إذا كانت الوصية بمرتب لمعين مدة حياته، أو مطلقة، أو مؤبدة من رأس المال، أو الغلة.
فذكرت أن الوصية عند الإطلاق، أو التأبيد، أو لمدة حياة الموصى له، تكون مدة حياة الموصى له، وتعتبر حياته سبعين سنة، ويستوي في ذلك أن تكون الوصية في رأس المال، أو الغلة، وذلك لحساب خروج الموصى به من ثلث التركة، فإن كانت في رأس المال، فقد بينت المادة (273) كيفية حساب الوصية منسوبة إلى رأس المال، وإن كانت في الغلة، فقد بينت المادة (274) كيفية حسابها، فيخصص من مال الموصي ما يضمن تنفيذ الوصية على وجه لا يضر بالورثة إذا كانت من رأس المال، وإذا كانت الوصية في الغلة تحسب حياة الموصى له سبعين سنة، لأن ذلك هو العمر الغالب في الناس.
وقد ذهبت بعض القوانين إلى أن الموصى له يعرض على الأطباء لتقدير كم يعيش، وحسب تقديرهم تحسب القضية.
ولم يؤخذ بهذا الرأي، لأن الأعمار بيد الله وحده، فلا يعرفها إلا هو سبحانه، ورأي الأطباء هو حدس وتخمين، فلا يصح تعليق حكم عليه في مثل هذه الحالة، وإن كان يؤخذ أو يستأنس بآرائهم فيما عداه.
والسند في العدول عن تقدير الأطباء في تحديد السبعين، هو قوله صلى الله عليه وسلم: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك، والمعتمد أيضًا في فقه مالك في سن التعمير، وما استحسنه الكمال من أئمة الحنفية.
ومصدر الفقرة (ج) مذهب المالكية.
وإذا مات الموصى له، أو انتهى وجوده قبل انتهاء المدة، انتهت الوصية تبعًا لذلك، لأن استحقاقه مربوط بحياته أو بقائه، وكان ما بقي بين الموصى به عينًا وغلة، أو عينًا فقط على حسب الأحوال لورثة الموصي ميراثًا عنه، لأنه جزء من التركة قد خلا من الوصية.
وإذا بقي الموصي له بعد السبعين سنة، فإن الوصية بالمرتب تجري عليه إلى نهاية حياته، وله أن يرجع بها على الورثة في حدود الثلث، خضوعًا لحكم الواقع. كما سار المشروع على حكم الواقع في حالة وفاة الموصى له قبل السبعين.
وكذلك ينتهي حق الموصى له بنفاذ المال الموقوف لتنفيذ الوصية، لأن الحق متعلق به دون غيره، فإذا نفذ انتهت الوصية، وفي جميع الأحوال أي سواء كانت الوصية مطلقة أو مؤبدة، أو مدة حياة الموصى له، في رأس المال، أو في الغلة، فإنه لا يجوز أن تقل مدة استحقاق الموصى له المرتب عن مدة عشر سنوات من تاريخ استحقاقه، لأن هذه هي المدة القصيرة التي قررها القانون.
وجاء في المادة (276) أن الوصية إذا كانت بمرتب من رأس المال، يستوفي الموصى له مرتبه من غلة العين المخصصة لذلك، فإذا لم تفِ الغلة بالمرتب، جاز للورثة إكماله من مالهم، لأن مصلحتهم في بقاء العين سليمة، فإذا لم يوفوا باع القاضي من العين بما يكمل قيمة المرتب.
وإذا زادت الغلة على المرتب في سنة ردت الزيادة إلى ورثة الموصي، وإذا كانت الوصية بمرتب من الغلة، فالموصى له يستوفي مرتبه من غلة العين المخصصة لذلك.
وإذا لم تغل العين في سنة ما يكفي المرتب، فإنه يستوفي ما نقصه من زيادة الغلة في سنة أخرى، لأن الموصي لم يجعل له حقًا إلا في الغلة، ولهذا يحبس الزائد في جميع السنين على حقه، ولا يسلم للورثة.
وهذا إذا لم ينص الموصي على أن الاستحقاق قاصر على الغلة سنة فسنة، أو وجدت قرينة على أنه أراد ذلك، كما إذا أوصى بعشرة دنانير كل سنة من غلتها، فإنه في هذه الحالة لا يستوفي ما نقص من المرتب في سنة من غلة سنة أخرى، بل يعطي الزائد للورثة، أخذًا من مذهب الحنفية في الحالتين.
وقررت المادة (277) أنه إذا كانت الوصية بمرتب لجهة لها صفة الدوام، كالحرمين الشريفين، وكانت مطلقة عن المدة، أو على سبيل التأبيد، فإنه يوقف من مال الموصي ما تضمن غلته تنفيذ الوصية، بشرط ألا تزيد قيمته على ثلث التركة، إلا إذا أجازت الورثة الزيادة.
وفي هذه الحال تعتبر وقفًا على الجهة الموصى لها، فتكون غلة هذا القدر الموقوف للجهة المستحقة، زادت على المرتب أم نقصت عنه، ولا رجوع على ورثة الموصي عند نقص الغلة، ولا حق لهم في الزيادة، واعتبار العين وقفًا في هذه الحالة نتيجة ضرورية لدوام صرف المرتب، إذ لا يدوم صرفه إلا بوقف العين أبدًا، وهذا معنى الوقف. وهذا أساس ما ذهب إليه الحنفية من اعتبار العين الموصي بغلتها للفقراء وقفًا ضرورة.
أما إذا كانت الوصية للجهة الدائمة لمدة معينة، فإنها حينئذ، أما أن تكون وصية لمعين، كالحرمين الشريفين، أو لموصوف محصور، كالعجزة الفقراء بدار المعوقين، وكطلاب مثلاً في تلك المدة وعلى ذلك تطبق عليها أحكام المادتين (274)، (275).
وقررت المادة (278) أنه في الأحوال المبينة في المواد من (273 –276) وهي الخاصة بالوصية بالمرتبات من رأس المال لمدة معينة، والوصية بمرتب من غلة التركة، أو من غلة عين منها لمدة معينة، والوصية للمعين بمرتب من رأس المال، أو الغلة، مطلقة أو مؤبدة، أو مدة حياة الموصى له، وحالة عدم وفاء غلة العين الموقوفة من التركة لتنفيذ الوصية.
وقررت المادة أنه في هذه الأحوال جميعها يجوز لورثة الموصي أن يطلبوا الاستيلاء على العين التي خصصت لاستيفاء المرتب من غلتها، وأن يودعوا نقدًا جملة ما أوصى به من المرتبات في مصرف، أو أية جهة يختارها الموصى له، أو يعينها القاضي عند النزاع، ويخصص هذا المبلغ لتنفيذ الوصية، كما يجوز لهم عند قيامهم بذلك أن يتصرفوا في تلك العين، وبذلك ينتقل حق الموصى له إلى ذلك المبلغ المودع، يأخذ منه مرتبه كل شهر، أو كل سنة، حسب وصية الموصي، ولا يكون له بعد ذلك حق على التركة، فإذا هلك المال المودع لسبب من الأسباب، لم يكن للموصى له الرجوع على الورثة.
وحق الموصى له في هذا المال متعلق بذاته، يستوفي منه مرتبه عند استحقاقه، فليس له حق في نمائه، إذا نما في حالة من الحالات، وإنما يكون نماؤه للورثة، كما يكون لهم باقي المال إذا ما انتهت مدة الوصية قبل نفاذه بسبب وفاة الموصى له قبل نهاية المدة المحددة للاستحقاق.
وبينت المادة (279) حكم الوصية بالمرتبات أو من الغلة لقوم محصورين.
فقررت أنه إذا كانت الوصية لمحصورين، فيشترط أن يكونوا جميعًا موجودين وقت وفاة الموصي. هذا بخلاف الوصية بالأعيان والمنافع، إذ الوصية بهما لا يشترط فيها وجود الموصى لهم المعروفون بأوصافهم، لا وقت الوصية، ولا وقت وفاة الموصي.
لكن هنا اشترط وجودهم وقت وفاة الموصي لصحة الوصية، كما اشترط في الموصى له المعين وجوده وقت وفاة الموصي، وتقرر حياة كل من الموصى لهم بسبعين سنة، حسبما نص عليه في المادة (275).
وما دام حكم المحصورين هو حكم الوصية لمعين، فإن الذي يطبق عليهم هو حكم المعين المبين في مواد القانون.
الفصل الخامس: الزيادة في الموصى به:
المواد (280 – 284) :
بينت هذه المواد الخمس حكم الزيادة في الموصي به.
وقد سبق أن قررت المادة (229) من القانون أن إزالة بناء العين الموصى بها، لا يعتبر رجوعًا عن الوصية، كما لا يعتبر رجوعًا أيضًا كل فعل يزيل اسم الموصى به، أو يغير معظم صفاته.
ومثل ذلك الحكم، كل فعل يوجب زيادة في الموصى به لا يمكن تسليمه إلا بها.
وهذا كله إذا لم تدل قرينة، أو عرف على أن الموصي قد أراد بذلك الرجوع عن وصيته، وإلا عد ذلك رجوعًا منه.
والأحكام الواردة في المواد مصدرها بعض الآراء في مذهب الإمام مالك، التي رُئي أنها تحقق مصلحة، وتتسق وما تعارفه الناس في دولة الكويت.
وقد اشتملت هذه المواد على الأحكام الآتية:
( أ ) إذا غير الموصي معالم العين الموصى بها، كأن زاد في حجراتها بقسمة حجرة إلى حجرتين مثلاً، أو فتح فيها أبوابًا أو نوافذ، أو قسمها إلى مساكن مستقلة، بإقامة جدر جديدة، وكذلك إذا جصصها أو دهن أبوابها، وأخشابها، فكل ذلك لا يغير من الإيصاء بها، وتصير العين بحالتها التي آلت إليها موصى بها، لأن هذه الزيادة، والتغييرات تعد تحسينًا، وصيانة بقصد الزيادة في الانتفاع، فتكون تابعة لها، كأن العين لم يحصل فيها تغيير ولا زيادة، ومثل ذلك: في الحكم كل زيادة لا يمكن فصلها، أو يتعذر، أو إذا فصلت لا يكون لها أية قيمة بعد فصلها، وإن ترتب على ذلك زيادة في قيمة العين.
(ب) إذا كانت الزيادة في الموصي به مما يستقل بنفسه، ويمكن تسليمه بدون الزيادة، وكان لها قيمة بعد فصلها فإن الزيادة تسلم للورثة، ويسلم الموصي به للوصي له.
(ج) إذا لم يمكن تسليم الموصي به بدون الزيادة، كالغراس والبناء، فإن العين تصير مشتركة بين الموصى له والورثة، فيكون للورثة قيمة الزيادة.
(د) إذا كانت الزيادة مستقلة بنفسها، ولكنها مما يتسامح فيه عادة، كبناء مكان للسيارة في العين الموصى بها، أو غرفة صغيرة على سطحها، أو غرس أشجار في حديقتها، أو تركيب أسلاك للكهرباء، أو أنابيب للمياه، ألحقت الزيادة بالوصية.
(هـ) إذا زاد الموصي في الوصية زيادة صحبها قرينة تدل على أنه أراد إلحاقها بالوصية، كما إذا هدم بناء العمارة التي أوصى بها ثم جدده على وضعه، ولو مع تغيير معالمه، كأن كانت العمارة مكونة من طابقين، فأعادها كذلك، ولم يزد في مساحة البناء، ولو اختلفت مواد البناء، كأن كانت بالآجر، فبناها بالحجر أو العكس، أو كانت بالحجر فبناها بالحديد، ففي هذه الحال وأمثالها، يكون البناء الجديد موصى به بالوصية السابقة، وكأن الموصي قد أوصى به، ولم يحدث في العين الموصى بها أي تغيير.
(و) إذا هدم الدار الموصى بها، وأعاد بناؤها على وضع لا يعد في العرف تجديدًا، كأن كان الموصى به منزلاً، فجعله عمارة مثلاً، أو مصنعًا، فإن المبنى في هذه الحالة يكون مشتركًا بين الموصى له، وورثة الموصي، للورثة فيه بقدر قيمة البناء المستحدث، لأنه هو الذي زاد على الموصى به، ويكون الباقي للموصى له.
(ز) إذا هدم الموصي بناء العين الموصى بها، وأضاف الأرض إلى أرض أخرى مملوكة له، وبنى عليهما بناء جديدًا واحدًا، فإن المبنى يكون شركة بين ورثة الموصي، والموصى له، للموصي في ذلك قيمة أرضه.
(ح) إذا جعل الموصي من بناء العين الموصي بها، ومن بناء عين مملوكة له، مبنى واحدًا متحد المرافق، بحيث لا يمكن تسليم الموصى به منفردًا عما أضيف إليه، فإن الموصى له يشترك مع الورثة فيما استحدثه بقدر قيمة وصيته.
الفصل السادس: تزاحم الوصايا:
المواد (285 – 287 ):
معنى تزاحم الوصايا تعددها، وعدم اتساع الثلث لها كلها إن لم يجز الورثة، أو أجازوا، ولم تتسع لها التركة، فلا يمكن تنفيذها كلها.
فإن وسعها الثلث أو وسعتها التركة، وقد أجازها الورثة.
أو لم يكن ورثة قط، فلا يوجد تزاحم في هذه الأحوال، والحكم أنه عند التزاحم، يقدم حق أصحاب الوصية الواجبة، سواء أكان المتوفى قد أوصى لهم بحقهم أو لم يوصِ، إذ يستحقونها بحكم القانون، فإذا كانت تساوي الثلث، أخذوه، وإن كان نصيبهم أقل من الثلث استوفوه، والباقي من الثلث يكون لأصحاب الوصايا الاختيارية.
وإذا كانت الوصايا كلها اختيارية، فلذلك ثلاث أحوال:
الأولى: أن تكون كلها للعباد، وليس فيها شيء للقربات.
الثانية: أن تكون كلها للقربات.
الثالثة: أن يكون بعضها للعباد، وبعضها للقربات.
وحكم الحالة الأولى إنه إذا لم يسع الثلث الوصايا، ولم يجز الورثة الزيادة، قسم الثلث بين أصحاب الوصايا بالمحاصة، وإن أجاز الورثة الوصايا كلها، وضاقت التركة عن تنفيذها، قسمت بالمحاصة أيضًا.
وفي الحالة الثانية أنه إن كانت القربات متعددة النوع، كأن كانت فرائض، كالوصية بما على الموصي من حج وزكاة، أو كانت واجبات كصدقة الفطر، والكفارات، والنذور، أو كانت كلها تطوعًا، كالصدقة على الفقراء، فإن الوصية في هذه الأحوال تكون للوصايا جميعها بالتساوي.
وفي الحالة الثالثة، فإن بين الموصي سهام كل جهة، ولم يسع الثلث الجميع، ولم يجز الورثة، وزع الثلث بنسبة السهام التي ذكرها، وإن لم يبين كان لكل جهة بالتساوي، لأن الشركة عند الإطلاق تنصرف إلى المساواة، ومصدر هذه الأحكام مذهب الحنفية.
اترك تعليقاً