تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت
بحث عن أمر الحفظ الملزم من النيابة العامة
لحضرة الأستاذ صلاح الدين عبد الوهاب وكيل نيابة الدرب الأحمر
كانت النيابة في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى تتولى سلطتي الاتهام والتحقيق في وقت واحد إذ كانت المادة الثانية منه تنص على أنه لا تقام الدعوى العمومية بطلب العقوبة إلا من النيابة العمومية عن الحضرة الخديوية وكانت المادة (29) منه تنص على أنه (إذا رأت النيابة العمومية من بلاغ مقدم لها أو محضر محرر بمعرفة أحد رجال الضبط أو من أي إخبار وصل إليها وقوع جريمة فعليها أن تشرع في إجراءات التحقيق التي ترى لزومها لظهور الحقيقة سواء بنفسها أم بواسطة مأموري الضبطية القضائية بناءً على أوامر تصدرها إليهم بذلك).
ثم بينت المواد التالية للمادة التاسعة والعشرين حقوق النيابة العامة التي يقتضيها تخويلها سلطة التحقيق من حق إصدار أوامر الحبس وحق ضبط الخطابات والرسائل والمطبوعات بمصلحة البريد والرسائل البرقية بمصلحة التلغرافات بعد أخذ إذن كتابي من القاضي الجزئي وحق تفتيش منازل المتهمين وحق ضبط وإحضار المتهم الذي توجد دلائل قوية على اتهامه وحق استجواب المتهم إلخ.
ثم صدر قانون الإجراءات الجنائية مؤسسًا على مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق – وخول النيابة سلطة الاتهام فقط (المادة الأولى من قانون الإجراءات) وناط سلطة التحقيق بقضاة يعينون خصيصًا لذلك وجاء في مذكرة القانون الإيضاحية أن (أهم ما استحدث في الكتاب الأول العمل بنظام قاضي التحقيق ولم يكن ذلك فقط لضرورة فنية وهي عدم الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق بيد النيابة العمومية بل لضرورة عملية وهي وضع أعمال التحقيق جميعها بيد قاضٍ واحد بينما هي الآن مقسمة بين النيابة والقاضي الجزئي… … ولذلك رُئي أن تناط جميع أعمال التحقيق في الجنايات والجنح بقاضي التحقيق بصفة أصلية وأن تلزم النيابة بإحالة كل جناية أو جنحة ترى السير فيها إلى قاضي التحقيق ليتولى تحقيقها – غير أنه رُئي مع ذلك أن تخول النيابة تحقيق بعض الجنح).
ثم صدر بعد ذلك المرسوم بقانون رقم (353) سنة 1952 معدلاً بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بما يترتب عليه إعادة سلطة التحقيق للنيابة العامة في الجنايات والجنح على السواء ما عدا بعض القضايا المعينة (مادة 64 فقرة 3) وما يستدعي ذلك من حقها في حفظ القضايا التي تتولى تحقيقها إذا رأت أنه لا وجه لإقامة الدعوى العمومية (المادة 199 معدلة، المادة 209 معدلة) فالنيابة إذن باعتبارها ذات صفتين إحداهما صفة قضائية بحته وهي سلطة التحقيق والثانية صفة إدارية بحتة بوصفها سلطة الاتهام لها حق مباشرة الدعوى الجنائية قد تنتهي في مهمتها الأخيرة إلى حفظ بعض القضايا لسبب من الأسباب المختلفة كالحفظ لعدم الجناية أو لعدم الأهمية أو لعدم الصحة إلخ… …
التفريق بين أمر الحفظ الصادر بعد التحقيق وبين أمر الحفظ الصادر قبل التحقيق:
قد ترى النيابة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لرفعها بناءً على الاستدلالات التي جمعت فتكلف المتهم بالحضور مباشرةً أمام المحكمة المختصة (مادة 63 معدلة بالمرسوم 353 سنة 1952) وقد ترى بعد جمع الاستدلالات أن لا محل للسير في الدعوى فتأمر بحفظ الأوراق (مادة 61 إجراءات)، فما هي حجية هذا الأمر ؟
عبر قانون الإجراءات الجنائية بعبارة (تأمر بحفظ الأوراق) عن أمر الحفظ الذي يصدر من النيابة بناءً على محضر جمع الاستدلالات الذي يحرره مأمور الضبط القضائية (المادة 21 إجراءات) وذلك للتفرقة بين هذا الأمر وبين الأمر الذي تصدره النيابة باعتبارها سلطة تحقيق بعد إجراء التحقيق وهو الذي عبر عنه القانون بالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى (مادة 209).
الوضع قبل قانون الإجراءات الجنائية:
كانت المادة (42) من قانون تحقيق الجنايات تنص على:
( أ ) إذا رُئي للنيابة العمومية بعد التحقيق أنه لا وجه لإقامة الدعوى تأمر بحفظ الأوراق ويكون صدور هذا الأمر في مواد الجنايات من رئيس النيابة العمومية أو ممن يقوم مقامه.
(ب) الأمر الذي يصدر بحفظ الأوراق يمنع من العودة إلى إقامة الدعوى العمومية إلا إذا ألغى النائب العمومي هذا الأمر في مدة الثلاثة شهور التالية لصدوره أو إذا ظهرت قبل انقضاء المواعيد المقررة لسقوط الحق في إقامة الدعوى أدلة جديدة على حسب ما هو مقرر في الفقرة الثانية في المادة (127)، هذه المادة إنما تنظم حدود أمر الحفظ الذي يصدر من النيابة العامة بوصفها سلطة تحقيق إذ أنه يعلق الأحكام التي أتى بها على حصول التحقيق – فإذا رأت النيابة بعد تمام التحقيق أن لا محل للسير في الدعوى تحفظ الأوراق – وهذا الأمر يمنعها من العودة إلى إقامة الدعوى إلا إذا أُلغي من النائب العام في خلال مدة معينة أو إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انقضاء المواعيد المقررة لسقوط الدعوى.
وقد درجت المحاكم في ظل قانون تحقيق الجنايات على التفرقة بين نوعي الحفظ – الحفظ الإداري على محاضر جمع الاستدلالات والحفظ القضائي بعد التحقيق.
وقد قضت محكمة النقض (أن قرار الحفظ الذي يمنع بمقتضى المادة (42) تحقيق جنايات من العود إلى إقامة الدعوى العمومية إلا إذا ألغى النائب العام هذا القرار في مدة الثلاثة شهور التالية لصدوره أو إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انقضاء المواعيد المقررة لسقوط الحق في إقامة الدعوى هذا القرار هو الذي يصدر من النيابة على أثر تحقيق تكون قد أجرته بنفسها أو بواسطة أحد مأموري الضبطية القضائية بناءً على انتداب تصدره خصيصًا لهذا الغرض – أما ما عدا ذلك من التحقيقات الإدارية التي يجريها البوليس في بلاغ ما – سواء من تلقاء نفسه أم على أثر إحالة الأوراق إليه من النيابة، فلا يعتبر تحقيقًا بالمعنى القانوني مما يمنع النيابة من العود لرفع الدعوى بعد حفظها إذ تلك المحاضر ليست إلا محاضر جمع استدلالات لا تقوم مقام التحقيق المقصود المادة (42) تحقيق جنايات سالفة الذكر) (نقض جنائي 15 يونيه سنة 1936 مجموعة رسمية سنة 27/ 9/ 199).
وقضى أيضًا بأن مقتضى نص المادة (42) تحقيق جنايات هو (أن أمر الحفظ المانع من العود إلى الدعوى العمومية إنما هو الذي يسبقه تحقيق تجريه النيابة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبطية القضائية بناءً على انتداب منها – وإذن فمتى كان الواقع في الدعوى هو أن وكيل النيابة أمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى الإدارية وكلف أومباشيًا من القسم لم يعينه لسؤال شاهد عن معلوماته فقام أومباشي بتنفيذ هذه الإشارة وبعد الاطلاع عليها أمر وكيل النيابة بحفظ الشكوى إداريًا فإن هذا الأمر لا يكون ملزمًا لها بل لها حق الرجوع فيه بلا قيد أو شرط – إذ أن النيابة لم تقم بأي تحقيق في الشكوى قبل حفظها كما أن انتدابها الأومباشي لاستيفاء بعض نقط التحقيق لا يعتبر انتدابًا لأحد رجال الضبطية القضائية لأن الأومباشي ليس منهم طبقًا لنص المادة (4) من قانون تحقيق الجنايات) (نقض جنائي 6 فبراير سنة 1951 القضية 404 سنة 20 ق).
وقضى كذلك (أن نص المادة 42 من قانون تحقيق الجنايات عام لا تفريق فيه بين أمر حفظ وآخر ولم يجعل فيه للأسباب التي تتخذ أساسًا للحفظ أي تقدير في تحديد أثره القانوني – وكل ما يقتضيه هو أن أمر الحفظ لكي يكون مانعًا من العود إلى الدعوى العمومية يجب أن يكون قد سبقه تحقيق، وعندئذٍ سواء أكان التحقيق قد أجرته النيابة بنفسها أم كان إجراؤه بناءً على انتداب منها – وسواء أكان متعلقًا بعمل واحد من أعمال التحقيق المختلفة أم أكثر فإن الأمر بمجرد صدوره تكون له قوة الشيء المحكوم به فيقيد النيابة في الحدود المرسومة بالمادة المذكورة ولو كانت علته أنها ارتأت أن التحقيق الذي اعتمدت عليه إنما أسفر عن ثبوت مقارفة المتهم لجريمة لا تستأهل – على حسب الظروف والملابسات التي وقعت فيها – أن تقيم عليه الدعوى العمومية بها – وهذا النظر هو الذي يستفاد من المذكرة الإيضاحية لقانون تحقيق الجنايات أن الشارع قصد إليه من وضع المادة المذكورة في عباراتها العامة التي صيغت بها – وإذن فإذا كان الحكم قد فرق بين أمر الحفظ الذي تصدره النيابة لعدم أهمية الحادثة والأمر الذي يصدر لعدم كفاية أدلة الثبوت وقال إن هذا وحده الذي تعنيه المادة المذكورة ثم لم يعتبر من أعمال التحقيق تنفيذ البوليس القضائي طلب النيابة إليه أن يضبط المتهمين باختلاس المحجوزات ويستجوبهم ويسأل الدائن في الحجز الذي وقع الاعتداء عليه فإنه يكون مخطئًا (نقض 17 أكتوبر سنة 1941 محاماة 22 صـ 440 رقم 142).
هذا هو ما استقر عليه قضاء محكمتنا العليا من تعليق سريان نص المادة (42) تحقيق جنايات على أمر الحفظ الصادر بعد التحقيق بوصفه عملاً قضائيًا acte juridictionnel – أما أمر الحفظ الصادر قبل التحقيق وبناءً على محضر جمع الاستدلالات فقط فهو لا يعد أمرًا قضائيًا مقيدًا للنيابة بل لها مطلق الحرية في العدول عنه إلى ما قبل سقوط الحق في إقامة الدعوى دون توقف على الحالات التي اقتضتها المادة (42) سالفة الذكر وهي حالة إلغاء الأمر من النائب العام في خلال المدة المحددة لذلك وحالة ظهور أدلة جديدة.
الوضع بعد صدور قانون الإجراءات:
( أ ) أمر الحفظ بعد جمع الاستدلالات:
تنص المادة (61) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه (إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير في الدعوى تأمر بحفظ الأوراق).
وتنص المادة (62) على أنه (إذا أصدرت النيابة العامة أمرًا بالحفظ، وجب عليها أن تعلنه إلى المجني عليه وإلى المدعي بالحقوق المدنية – فإذا توفي أحدهما كان الإعلان لورثته جملة في محل إقامته).
وكما كان العمل في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى على عدم اعتبار أوامر الحفظ بناءً على محاضر جمع الاستدلالات أعمالاً قضائية تُلزم النيابة العامة بوصفها سلطة تحقيق – بل إن لها مطلق الحرية في العدول عن أمر الحفظ دون حاجة إلى ظهور أدلة جديدة – فكذلك الشأن بالنسبة إلى الأمر بحفظ الأوراق الذي نصت عليه المادة (61) إجراءات – وسنفصل ذلك عند الكلام على الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية الذي يصدر من النيابة بعد التحقيق.
فما هي الحاجة إذن إلى وجوب إعلان الأمر بحفظ الأوراق إلى المجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية (طبقًا لنص للمادة 62).
جاء بالمذكرة الإيضاحية الأولى لمشروع قانون الإجراءات أنه (عولج في باب الدعوى المدنية موضوع تحريك المدعي المدني للدعوى الجنائية على أساس ما استقر عليه التشريع الجنائي الحديث من أن الدعوى الجنائية عمومية فليس للأفراد حق تحريكها وللنيابة العمومية وحدها الحق في رفع الدعوى وفي حفظ أي بلاغ يقدم لها إذا لم ترَ محلاً للتحقيق أو رفع الدعوى – على أن هذا الحفظ لا يقفل الباب في وجه المدعي المدني فقد أجيز له أن يتظلم من أمر الحفظ أمام غرفة المشورة – وفُرض على النيابة إذا ما أصدرت أمرًا بحفظ شكوى بها مدعٍ بالحقوق المدنية أن تعلنه بذلك وله أن يتظلم منه إلى غرفة المشورة في الثلاثة أيام التالية لإعلانه فإذا مضت ثلاثة أشهر على تقديم الشكوى ولم تتخذ النيابة قرارًا فيها كان ذلك بمثابة أمر حفظ منها وللمدعي المدني أن يتظلم منه أيضًا).
وقد رأى مجلس النواب عدم حرمان المدعي المدني من حق رفع الدعوى المباشرة في المخالفات والجنح وأعاد إليه حقه في ذلك – وبناءً على ذلك حذفت المواد الخاصة بحقه في استئناف قرار الحفظ الصادر من النيابة ومع ذلك اُستبقيت المادة (62) التي توجب إعلان هذا القرار إليه – وقد طلب مندوب الحكومة أمام لجنة الشؤون التشريعية لمجلس النواب وأمام المجلس نفسه حذف هذه المادة حيث لم يبقَ هناك مسوغ لهذا الإعلان ولكنه لم يجب إلى طلبه بناءً على أن إعلان أمر الحفظ ضروري ليعلم الشاكي به ويتخذ سبيله إلى التظلم منه إلى النائب العام أو إلى رفع دعواه إلى المحكمة إذا شاء أو إلى الامتناع عن رفعها إذا اقتنع بأسباب الحفظ – ولما أعيد المشروع إلى مجلس الشيوخ صادق على تعديلات مجلس النواب جملة بغير مناقشة (راجع المبادئ الأساسية للأستاذ علي زكي العرابي طبعة 1951 جزء 1 نبذة 544).
ومما سبق يتبين أن وجوب إعلان أمر الحفظ للمدعي المدني طبقًا لنص المادة (62) لا أثر له من الناحية العملية إذ أن أمر الحفظ هذا لا يمكن أن يمنع المدعي المدني من رفع دعواه المباشرة إلى المحكمة المختصة – هذا علاوة على أن الأمر الذي تصدره النيابة بناءً على محضر جمع استدلالات فقط غير مقيد لها وللنيابة العدول عنه بغير قيد أو شرط (نقض جنائي 23 يونيه سنة 1941 محاماة 42 – 10 – 260).
(ب) الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى:
يفرق القانون ويفرق القضاء بين صفة النيابة باعتبارها سلطة اتهام وبين صفتها باعتبارها سلطة تحقيق وهذا ظاهر من مقارنة نص المادتين (61)، (62) بالمواد (154)، (162)، (197)، (199) معدلة، (209) معدلة من قانون الإجراءات الجنائية.
وقد حكم (بأنه وإن كانت النيابة العمومية لا تتجزأ يمثل أعضاؤها النائب العمومي – ويعتبر العمل الذي يصدر من كل منهم كأنه صادر منه إلا أن هذا لا يصدق إلا على النيابة بصفتها سلطة اتهام أما النيابة بصفتها سلطة تحقيق فلكونها خولت هذه السلطة استثناءً وحلت فيها محل قاضي التحقيق لاعتبارات قدرها الشارع يجب أن يعمل كل عضو في حدودها مستمدًا حقه لا من رئيسه بل من القانون نفسه – هذا هو المستفاد من نصوص القانون في مجموعها وهذا هو الذي تمليه طبيعة إجراءات التحقيق باعتبارها من الأعمال القضائية البحتة التي لا يتصور أن يصدر أي قرار أو أمر فيها بناءً على توكيل أو إنابة بل يجب كما هو الحال في الأحكام أن يكون من أصدرها قد أصدرها من عنده هو باسمه ومن تلقاء نفسه) (نقض جنائي 22 يونيه 1942 مجموعة رسمية 43 صـ 161 رقم 88).
وتنص المادة (209) إجراءات على أنه (إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق أنه لا وجه لإقامة الدعوى تصدر أمرًا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية وتأمر بالإفراج عن المتهم ما لم يكن محبوسًا لسبب آخر ويكون صدور الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في مواد الجنايات من رئيس النيابة أو ممن يقوم مقامه).
ومؤدى هذا النص أنه في حالة ما إذا رأت النيابة عدم السير في الدعوى بعد أن تكون قد حققت الواقعة فإنها تصدر أمرًا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى.
وكانت المادة (209) إجراءات جنائية قبل تعديلها بالمرسوم (353) سنة 1952 تحدد حالات إصدار الأمر بأن لا وجه بحالة ما إذا كانت الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن تكون الدلائل غير كافية للاتهام فحذفت هاتان الحالتان من المادة عند تعديلها مما يدل على ميل المشرع إلى إطلاق الحالات التي تصدر فيها النيابة الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى وعدم تقييدها بحالة دون أخرى مما يجوز معه القول بأنه يسوع إصدار الأمر بأن لا وجه لأي سبب من الأسباب التي يجوز فيها إصدار أمر الحفظ بناءً على محضر جمع الاستدلالات.
وتنص المادة (213) إجراءات على أن (الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفقًا للمادة (209) لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة طبقًا للمادة 197).
وليس بلازم لكي يصدر الأمر بأن لا وجه أن تكون الواقعة قد حققت تحقيقًا كاملاً فيكفي أن يكون تم فيها عمل واحد من أعمال التحقيق كاستجواب المتهم أو انتداب الطبيب الشرعي لتشريح جثة متوفى وذلك لاعتبار الأمر الصادر فيها أمرًا بأن لا وجه لا أمر حفظ إداري – وقد قضى بأن (المادة 42 من قانون تحقيق الجنايات (التي تقابل المادة 209 إجراءات) صريحة في أن أمر الحفظ أيًا كان نوعه الصادر من النيابة العمومية بعد إجراء التحقيق يمنع من عودها إلى الدعوى العمومية إلا إذا ألغاه النائب العام أو ظهرت أدلة جديدة – فإذا كان الثابت بأوراق الدعوى أن النيابة العمومية بعد التحقيق الذي أجراه البوليس قد استجوبت المتهمين وسألتهم بمعرفتها قبل أن تصدر الأمر بالحفظ – وكان هذا الاستجواب بلا شك عملاً من أعمال التحقيق – فإن الحكم المطعون فيه حين أجاز رفع الدعوى العمومية من النيابة العمومية على المتهم يكون قد أخطأ) (نقض جنائي 18 مارس سنة 1946 مجموعة رسمية 47 رقم 106 صـ 187).
وقضى كذلك أن (أمر النيابة العمومية بحفظ التحقيق من شأنه إذا كان قد صدر بناءً على تحقيق أجرته بنفسها أو بناءً على انتداب منها أن يمنع من العودة إلى الدعوى العمومية ما لم يلغه التائب العمومي أو تظهر أدلة جديدة بحسب ما هو مقرر بالمادة (42) تحقيق جنايات – والانتداب الذي يصدر من وكيل النائب العمومي إلى الطبيب الشرعي بتشريح جثة المتوفى في حادث ثم قيام الطبيب بإجراء التشريح فعلاً وتقديم تقرير عنه إلى من ندبه بما شاهده وبرأيه في الوفاة وأسبابها هو بالبداهة عمل من أعمال التحقيق تم بناءً على طلب النيابة العمومية – ومن المتعين على المحكمة متى انتهت إلى ثبوت حصول هذا الانتداب قبل صدور أمر الحفظ وتبينت في الوقت ذاته توافر سائر ما يجب بمقتضى القانون توافره في أمر الحفظ الملزم – أن تحكم بعدم جواز نظر الدعوى) (نقض جنائي 4 مارس سنة 1947 مجموعة رسمية رقم 135 صـ 310).
مدى قوة الأمر بأن لا وجه:
أولاً: قوة الأمر بأن لا وجه بالنسبة للنيابة العامة:
بينَّا فيما سبق أنه يُفهم من تعديل نص المادة (209) إجراءات بالمرسوم (353) سنة 1952 أن الأمر بأن لا وجه أصبح غير مقيد بأن تكون الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن تكون الدلائل غير كافية للاتهام إذ أن المادة (209) بعد التعديل المذكور صار نصها مرسلاً غير مقيد وعامًا غير مخصص بحالة دون أخرى ولذا فإنه يسوغ القول – وبحق – إصدار الأمر بأن لا وجه أما لسبب قانوني أو لسبب موضوعي ومن الأسباب القانونية:
( أ ) عدم وجود جناية لأن القانون لا يرتب عقابًا للواقعة الصادر فيها الأمر أو لاقترانها بسبب من أسباب الإباحة أو موانع العقاب إلخ.
(ب) عدم جواز رفع الدعوى لأي سبب من الأسباب سواء لسبق الفصل فيها أم لعدم تقديم الشكوى أو الطلب.
(جـ) سقوط الحق في إقامة الدعوى سواء بمضي المدة أم بصدور عفو شامل أو لوفاة المتهم.
ومن الأسباب الموضوعية:
1 – عدم معرفة الفاعل.
2 – عدم كفاية الأدلة.
3 – عدم الصحة.
4 – عدم الأهمية.
5 – الاكتفاء بالمحاكمة الإدارية (راجع المادة 227 من التعليمات العامة للنيابة).
وحالات الأمر بأن لا وجه تتحد إذن وحالات الأمر بحفظ الأوراق المنصوص عليه بالمادة (61) من قانون الإجراءات وليس ثمة ما يمنع من ذلك – وإن كانت هناك نتائج تترتب على اختلاف الأمر بأن لا وجه عن الأمر بحفظ الأوراق.
شكل الأمر بأن لا وجه:
لم يشترط القانون شكلاً معينًا للأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى فليس ثمة ما يوجب أن يكون هذا الأمر مسببًا فيكفي مجرد ذكر عبارة الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى مقرونة بالسبب الذي دعا إلى إصدار الأمر – ولكن استقر قضاء محكمة النقض على وجوب أن يكون الأمر بالحفظ – بعد التحقيق – طبقًا لنص المادة (42) تحقيق جنايات وهو الذي يقابل الأمر بأن لا وجه في قانون الإجراءات – ثابتًا بالكتابة الصريحة ومؤرخًا وموقعًا عليه ممن أصدره ولا يقبل الاستدلال على وجود هذا الأمر بدليل آخر غير الكتابة إلا إذا كان العمل يلزم عنه هذا الحفظ حتمًا وبالضرورة العقلية كصورة التقرير بعد التحقيق برفع دعوى البلاغ الكاذب – إذ هذا التقرير دال بلفظه وبطريق اللزوم العقلي على أن من اتهمهم المبلغ هم بريئون لا شائبة عليهم وأن النيابة ترى محاكمة من اتهمهم ظلمًا وزورًا – ففي هذه الحالة يكون الحفظ (الأمر بأن لا وجه) ضمنيًا ومنتجًا آثاره. (راجع الموسوعة الجنائية جزء 2 نبذة 202 و203) (نقض 30/ 1/ 1930 مجموعة رسمية 31 – 8 – 109).
المنع من العود إلى إقامة الدعوى:
تنص المادة (213) إجراءات على أن (الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفقًا للمادة (209) لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة طبقًا للمادة 197).
وتنص المادة (197) إجراءات على أن (الأمر الصادر من قاضي التحقيق أو من غرفة الاتهام بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى يمنع من العودة إلى التحقيق إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية – ويعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق التي لم تعرض على قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام ويكون من شأنها تقوية الدلائل التي وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدي إلى ظهور الحقيقة…).
وظاهر من النصين المتقدمين أن قوة الأمر بأن لا وجه الصادر من النيابة تظهر في منعها من العودة إلى التحقيق (ومن باب أولى إلى إقامة الدعوى) إلا بظهور أدلة جديدة أو بإلغاء هذا الأمر من النائب العام في مدة الثلاثة الأشهر التالية لصدوره (المادة 211 إجراءات) – وليس هذا إلا تطبيقًا لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه – وهي الحجية التي تثبت للأحكام القضائية وما في حكمها من أعمال قضائية كالقرار الصادر من سلطة التحقيق.
وقد قضت محكمة النقض (أن قانون تحقيق الجنايات – بعد أن أسبغ على النيابة العامة السلطة التي كانت من قبل من اختصاص قاضي التحقيق وحده وهي تولي أعمال التحقيق instruction في القضايا الجنائية ولم يبقَ لذلك القاضي سوى ما ترى النيابة أن تطلب إليه تحقيقه من الجرائم التي عينتها المادة (57) من هذا القانون – نص على طريقة تصرف النيابة في القضايا بعد تحقيقها وبيَّن في المادة (42) حكم الأحوال التي يسفر التحقيق فيها عن أن الأمر لا يستدعي محاكمة جنائية، وقد جاء نص المادة عامًا لم يفرق بين قرار حفظ وآخر ولم يجعل فيه للأسباب التي يبنى عليها القرار أثرًا في تحديد قيمته القانونية وكل ما اقتضاه في قرار الحفظ كيما يكون له ذلك الأثر الذي نصت عليه الفقرة (ب) من المادة المذكورة هو أن يكون القرار مسبوقًا بتحقيق instruction استبانت منه النيابة أن لا وجه لإقامة الدعوى – فإذا صدر قرار الحفظ على هذا الأساس بغض النظر عن الأسباب الخاصة التي بني عليها فإنه يحوز قوة الشيء المحكوم به بحيث لا يجوز بعده العود إلى إقامة الدعوى العمومية إلا في الحالتين المذكورتين في الفقرة (ب) من المادة (42) المذكورة (نقض جنائي 18/ 2/ 1934 مجموعة رسمية 36/ 7/ 155).
ويترتب على صدور الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية مع عدم إلغائه من النائب العام في خلال المدة المحددة لذلك قانونًا وما لم تظهر أدلة جديدة – أن يكتسب المتهم حقًا بمقتضى هذا الأمر قبل النيابة العامة بحيث إن عادت إلى التحقيق أو إلى رفع الدعوى العمومية دفع بعدم قبولها لسبق حفظها من النيابة حفظًا قضائيًا – وعلى المحكمة إذا ما تبينت توافر الشروط القانونية بين الواقعة موضوع الأمر بأن لا وجه وبين الواقعة موضوع الدعوى المرفوعة أن تحكم بعدم قبولها – ولا شك أن الدفع بسبق الفصل متعلق بالنظام العام في المسائل الجنائية – وقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري تعليقًا على المادة (405) مدني التي تنظم حجية الشيء المحكوم فيه ما يلي (… … وقد تقدم أن هذه الحجية شرعت كفالة لحُسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وهذان الغرضان مجتمعان يتعلقان دون شك بالنظام العام – على أن التسليم بتعلق تلك الحجية بالنظام العام بالنسبة للأحكام الجنائية بسبب ما للعقوبات وقواعد الإجراءات من صلة به يدعو إلى إعادة النظر في كيفية أعمال الحكم نفسه في المسائل المدنية… …) فالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى له حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة للمتهم الصادر بشأنه وعن نفس الواقعة التي كانت موضوع التحقيق لا عن واقعة أخرى لها ذاتية وظروف مختلفة – ويتفرع على تعلق هذه الحجية بالنظام العام في المسائل الجنائية أنه يجب على المحكمة إذا رفعت إليها الدعوى عن الواقعة الصادر فيها الأمر بأن لا وجه (دون إلغائه من النائب العام ودون ظهور أدلة جديدة) أن تحكم بعدم قبولها وإلا كان حكمها باطلاً مستوجبًا نقضه ويصح إبداء هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لتعلقه بالنظام العام ويترتب على ذلك أيضًا جواز إبداء الدفع بعدم القبول ولو كان أمر الحفظ غير معلوم لمن أحال الدعوى بناءً على التحقيقات التي أجريت بمعرفة زميل له في نيابة أخرى قد حقق نفس الفعل وأصدر فيه أمره بأن لا وجه لإقامة الدعوى (مجموعة النقض جزء 5 صـ 109).
وتبديل الوصف القانوني للفعل لا يسوغ للنيابة العامة العود إلى الدعوى الجنائية بعد صدور الأمر بأن لا وجه وهذا ما ذكره جرامولان نبذة (362) جزء (1) إذ قال…
(Aprés un ordre de classement sans suite, le Parquet, ne peut donc poursuivre l’inculpé pour le même fait, même sous une qualification differente.(
وقد جاء بالموسوعة الجنائية للأستاذ جندي عبد الملك جزء 2 صـ 311 أن (حجية أمر الحفظ ليست قاصرة على ما أعطى من وصف للأفعال التي شملها التحقيق بل تشمل كل وصف قانوني يمكن أن توصف هي به – فلا يجوز للنيابة أن تقيم الدعوى بشأن الأفعال المادية التي دعت لصدور أمر الحفظ سواء بالوصف نفسه أم بوصف آخر وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المحكوم فيه التي جعلها القانون لأوامر الحفظ) (انظر المراجع التي أشير إليها في الموسوعة في هذا الصدد).
متى يجوز العود إلى الدعوى الجنائية أو إلى التحقيق:
على أن حجية الشيء المحكوم فيه التي تثبت للأمر بأن لا وجه على الوجه المتقدم هي حجية مؤقتة مقرونة بشرط فاسخ soumis a une condition resolutoire هو صدور أمر من النائب العام بإلغاء الأمر بأن لا وجه وحينئذٍ يزول الأمر الأخير وتسقط معه حجيته أو ظهور أدلة جديدة nouvels preuves من شأنها تقوية الاتهام.
إلغاء الأمر بمعرفة النائب العام:
خول القانون للنائب العام حق إلغاء الأمر بأن لا وجه الصادر من أي من أعضاء النيابة حتى يمكن بذلك تلافي ما قد تنطوي عليه هذه الأوامر من خطأ أو سوء تقدير وحتى تتحقق بذلك الرقابة التي يملكها النائب العام على باقي الأعضاء – وحدد القانون لاستعمال هذا الحق ثلاثة شهور من تاريخ صدور الأمر.
وظاهر أنه إذا كان الأمر بأن لا وجه صادر من النائب العام شخصيًا فإنه لا يملك إلغاءه وإنما له حق العدول عنه بشرط ظهور أدلة جديدة (الموسوعة الجنائية جزء 2 نبذة 211).
حالة ظهور أدلة جديدة:
إذا ظهرت أدلة جديدة قبل سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية فإنه يجوز العود إلى التحقيق أو إلى رفع الدعوى بناءً على هذه الدلائل – بشرط أن يكون من شأنها تقوية الاتهام في الواقعة التي صدر فيها الأمر بأن لا وجه.
وعددت المادة (197) إجراءات الدلائل الجديدة التي يصح بناءً عليها العود إلى إقامة الدعوى الجنائية وصيغة المادة تشعر بأن ما عددته إنما أتى على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر إذ أن عبارة (يعد من الدلائل الجديدة) يستنتج منها بطريق اللزوم العقلي أنه قد تكون هناك أنواع أخرى من الأدلة (راجع المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية للأستاذ علي زكي العرابي جزء 1 نبذة 661).
ويشترط في الدليل لكي يعتبر جديدًا أن يكون وقت إجراء التحقيق مجهولاً ولم يكتشف أي لم يعرض على المحقق – فالأدلة التي كانت موجودة أمام المحقق ولكنه لم يحققها ولو سهوًا منه لا يصح الرجوع إليها واعتبارها أدلة جديدة (المبادئ الأساسية نبذة 662) ويجوز الرجوع إلى التحقيق أو إلى إقامة الدعوى العمومية استنادًا إلى الأدلة الجديدة أيًا كان السبب الذي أسس عليه الأمر بأن لا وجه ما دام من شأن هذه الأدلة الجديدة تكميل عناصر الاتهام وجعل الواقعة صالحة لرفع الدعوى العمومية عنها. (راجع موسوعة التعليقات – المادة 197 صـ 818) – كل ذلك ما دام أن الحق في إقامة الدعوى العمومية لم يسقط بعد استنادًا إلى مضي المدة أو وفاة المتهم أو صدور عفو شامل إذ في أحوال سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية لن تفيد الأدلة الجديدة شيئًا.
والعدول عن أمر الحفظ بناءً على ظهور أدلة جديدة يكون من أي عضو من أعضاء النيابة دون حاجة إلى إلغاء الأمر بأن لا وجه من النائب العام (الموسوعة الجنائية نبذة 215 جزء 2) وأخيرًا يشترط لكي يحوز الأمر بأن لا وجه حجية الشيء المحكوم فيه التي تمنع من العود إلى إقامة الدعوى الجنائية أو إلى التحقيق عند عدم إلغاء الأمر من النائب العام أو عند عدم ظهور أدلة جديدة – يشترط لذلك أن يكون الأمر صادرًا في شأن متهم معين – فإن كان الأمر صادرًا لعدم معرفة الفاعل ثم أعيد تحقيق الواقعة مرة ثانية وقدمت الدعوى ضد متهم معين فليس لهذا الأخير أن يدفع بعدم قبول الدعوى لسابقة حفظها وأن يتمسك بحجية أمر الحفظ طالما أنه لم يصدر في شأنه حتى ولو لم تكن أدلة جديدة قد ظهرت، (نقض جنائي محاماة 31 صـ 71) وكذلك لو تعدد المتهمون في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء فالأمر الصادر لمصلحة أحدهم أو بعضهم لا يستفيد منه غير من ورد ذكره فيه لأن من شروط الحجية أن يكون هناك اتحاد في الأشخاص الذين صدر لصالحهم ثم يراد بعد ذلك العودة إلى التحقيق معهم (موسوعة التعليقات للأستاذ أحمد عثمان حمزاوي – تعليقًا على المادة 197) وذلك ما لم يكن تجريم أحد المتهمين متوقف على تجريم الآخر كما في حالة دعوى الزنا إذ يتوقف تجريم الشريك على تجريم الزوجة (الفاعلة الأصلية).
وقد اختلف فيما يتعلق بورود صحيفة سوابق المتهم بعد الأمر بأن لا وجه وهل تعتبر من الأدلة الجديدة التي تجيز العودة إلى التحقيق أم لا – فرأي ذهب إلى أنها لا تعتبر دليلاً جديدًا بل من الظروف المشددة فقط للعقوبة بعد ثبوت التهمة بالأدلة – ورأي آخر يرى أن صحيفة السوابق يصح اعتبارها من القرائن على التهمة وخاصةً إذا كانت من نوع الجريمة التي صدر فيها الأمر بأن لا وجه – ومن أنصار هذا الرأي الأستاذ علي زكي العرابي الذي يستدل على ذلك بنص المادة (142) إجراءات التي تنص على أنه (في مواد الجنح يجب الإفراج حتمًا عن المتهم المقبوض عليه بعد مرور ثمانية أيام من تاريخ استجوابه إذا كان له محل إقامة معروف في مصر وكان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونًا لا يتجاوز سنة واحدة – ولم يكن عائدًا وسبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة)، ونرى أن الرأي الأول أقرب إلى الصواب نظرًا لأن الرأي الثاني انتهى إلى اعتبار صحيفة سوابق المتهم من القرائن – ولا شك أن القرائن خلاف الأدلة – علاوة على أنه حتى إذا كانت القضية التي صدر فيها الأمر بأن لا وجه جنحة وظهرت سوابق المتهم بما يترتب عليها قلب الواقعة جناية للعود مثلاً فلا يصح العود إلى التحقيق لمجرد ورود سوابق المتهم لأن في ذلك ما يفيد أن تغيير وصف الجريمة يبيح العود إلى التحقيق في واقعة سبق صدور أمر بأن لا وجه فيها وهو ما لا يجوز باتفاق.
ثانيًا: قوة الأمر بأن لا وجه بالنسبة للمدعي بالحق المدني:
بعد نص المادة (209) إجراءات والخاص بحق النيابة في إصدار أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بعد التحقيق – أوردت المادة (210) إجراءات أن (للمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر المذكور في المادة السابقة أمام غرفة الاتهام ويتبع في ذلك أحكام المواد (162) وما بعدها).
وبالرجوع إلى ما تنص عليه المواد التالية للمادة (162) نجد أن المادة (165) إجراءات تنص على أنه (يحصل الاستئناف بتقرير في قلم الكتاب في ميعاد ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر أو التبليغ أو الإعلان حسب الأحوال).
ومفهوم هذه النصوص أن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة العامة كالأمر الصادر من قاضي التحقيق للخصوم حق الطعن فيه بطريق الاستئناف، ولا شك أن الأمر بأن لا وجه في هذا الصدد يعتبر أمرًا قضائيًا ordre judiciaire فاصلاً في نزاع بين طرفين هما المجني عليه أو المدعي المدني والمتهم ومن ثم فهو كالأحكام يحوز حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة للمجني عليه والمدعي المدني – فالمحقق عند إصداره الأمر بأن لا وجه إنما يصدره باعتباره قاضيًا فالأمر على حد تعبير دونديه دي فابر صـ 769 (rend de veritable jugement) وما دام أن القانون رسم طريقًا للطعن بالاستئناف في الأمر بأن لا وجه فيكون من اللازم على من ينعى على هذا الأمر عدم توفيقه ومجانبته الصواب أن يطعن فيه في خلال المدة القانونية بحيث إنه إن نفدت المدة الواجب الطعن خلالها في هذا الأمر وهي الثلاثة أيام التالية لإعلان الأم
اترك تعليقاً