** الحراسة القضائية **
توطئة :
قبل البدء في شرح الحراسة القضائية مفهوماً وأسباباً واختصاص القضاء الناظر بها ونتائجها ، لا بد من إبداء هذه الملاحظة التي قد تستغربونها لأول وهلة ، وهي أنني أثناء دراستي لبحقوق وخلال السنوات الأربع المخصصة لهذه الدراسة لم تعط لنا الحراسة القضائية كمادة هامة ضمن مواد القانون المدني على أنواعه ، بل وردت بإيجاز كلي من قبل الأساتذة المولجين بإعطاء محاضرات القانون المدني ، عنيت قانون الموجبات والعقود وقانون أصول المحاكمات المدنية .
حتى بتنا نحن الظلاب آنذاك ، نعتقد أن هذا الموضوع ” الحراسة القضائية ” ليس له تطبيقاً علمياً في حلبة الصراع الذي يدور في ساحات القضاء ، وسرعان ما تبدد هذا الإعتقاد الخاطئ عند دخولنا معترك الحياة العملية وميدان القضاء على إختلاف إختصاصه ، فظهرت لنا أهمية الحراسة القضائية كنظام مثالي لحفظ الحقوق والأحوال المتنازع عليها من قبل حارس أمين يجرى إختياره إتفاقاً أو تعينه من قبل القضاء المختص ، وأراكم تتسائلون وأنتم على حق بهذا التسائل ؟؟
ما بال المحاضر إختار إذن موضوعاً ، لم يكن عنده الإلمام الكافي ولم يعره العناية التي يستحق أثناء دراسته لنيل شهادة الحقوق .
أنتقل إلى موضوع البحث ” الحراسة القضائية ” وأقسم بحثي هذا إلى أبواب وفصول على الوجه التالي :
1- الباب الأول : تعريف الحراسة القضائية وطبيعتها ومميزاتها .
2- الباب الثاني : الأساس القانوني للحراسة القضائية وشروط قبول دعوى
الحراسة والقضاء الصالح للنظر بدعوى الحراسة .
3- الباب الثالث : الآثار والنتائج القانونية التي تترتب على الحراسة القضائية .
4- الباب الرابع : إنتهاء الحراسة القضائية .
الباب الأول : مفهوم الحراسة القضائية ومفهومها :
عُرفّت المادة 719 من قانون الموجبات والعقود الحراسة بأنها :
” إيداع شيء متنازع بين يدي شخص ثالث . ويجوز أن يكون موضوع الحراسة أموالاً منقولة أو ثابتة وهي تخضع للأحكام المختصة بالوديعة وللأحكام الآتية : ( أي التي سترد بعد هذه المادة ) وتضيف المادة 720 يعهد في الحراسة إلى شخص يتفق جميع ذوي الشأن على تعيينه . ويمكن أيضاً تعيينه من قبل القاضي >>.
وللقاضي أن يقدر تعيين حارس :
1- للشيء الذي يكون موضوع نزاع أو موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها إلى أن يزول النزاع أو الشك أو للشيء الذي يعرضه المديون لإبراء ذمته .
2- للأموال المنقولة وغير المنقولة التي يخشى صاحب الشأن لأسباب مشروعة أن يختلسها واضع اليد عليها أو يتلفها أو يعيبها .
3- للأموال المنقولة المؤمنة لحق الدائن إذا أثبت الدائن عجز مديونه أو كان لديه من الأسباب المشروعة ما يحمله على الخوف من هربه أو إختلاسه لتلك الأشياء أو تعييبها .
وبقايا هذان النصان المادتان 729 و 730 من القانون المدني الصري . ويفهم من نص المادة 720 إذن أن الحراسة أما أن تكون إتفاقية أو أن تكون قضائية .
وإن كان موضوع بحثنا معنون بالحراسة القضائية فلا نرى ضرراً من قول كلمة عن الحراسة الإتفاقية ، وهي عقد وديعة يتفق بمقتضاه الفريقان المتنازعان على المال – عقاراً كان أو منقولاً أو مجموعاً من المال ( كالتركة والشركة والمؤسسة التجارية ) على وضعه بعهدة شخص ثالث يحفظه ويديره ويؤدي حساباًعن إدارته ويرده عند حلول الأجل المتفق عليه أو عند إنتهائهإلى من يثبت له الحق فيه أو إلى من توافق الفرقاء المتنازعون على تسليمه له .
فالفرق إذن بين الحراسة القضائية والحراسة الإتفاقية أن الأولى تقوم بتدخل من القضاء ويقتضي لها بعض الشروط كالعجلة مثلاً خاصة إذا أقيمت أمام القضاء الناظر بالأمور المستعجلة ، أما الثانية فتحصل بإتفاق الفريقين ولا ضرورة لتوفر العجلة فيها . لأن مجرد الإتفاق بشأنها يعد قيام عجلة تبرر وضع المال بين يدي شخص ثالث يسمى حارساً .
كما أنه يمكن الإتفاق على الحراسة أما قبل نشؤ إنتزاع أو بعده ، ومثال ذلك إتفاق البائع والشاري في بيع السيارات والالآت بالتقسيط على وضع السيارة أو الآلة تحت الحراسة إذا تخلف الشاري عن دفع الأقساط في مواعيدها وريثما تستوفى سائر الأقساط المتوجبة من التعريف السالف الذكر أن الحراسة القضائية هي تدبير إحتياطي يعهد بموجبه إلى الحارس في حفظ المال المتنازع عليه أو الشيء المعهود له به .
والحراسة القضائية فإن كانت تشبه الوديعة من حيث أن كل من الحارس والوديع ملزم بالعناية والسهر على حفظ الأشياء التي يعهد إليه بها وصيانتها ، إلا أنه يوجد إختلاف جوهري بينهما من أوجه عديدة ، فالوديعة عقد يتم بإتفاق الفريقين – وهي تشبه هنا الحراسة الاتفاقية – أما الحراسة القضائية فتتم بفعل القضاء والقاضي هو الذي يحدد صلاحيات الحارس ، ويكون موضوع الوديعة وفقاً لأحكام المادة 690 موجبات وعقود مالاً منقولاً غير منازع فيه ، أما الحراسةفيكون موضوعها أما مالاً منقولاً وأما عقاراً أو مجموعة من المال هو موضوع خلاف ، والأصل في الوديعة أن تكون بدون أجر إلا إذا حصل إتفاق مخالف بين المودع والوديع أما الأصل في الحراسة أن تكون بأجر ما لم يشترط العكس
، وأخيراً فإن مهمة الوديع تنحصر عملاً بأحكام المادة 696 موجبات وعقود بحفظ الشيء الذي في عهدته وصيانته ولا تمتد إلى إدارته ، أما مهمة الحارس فتمتد إلى أعمال الادارة وفي حالات خاصة إلى أعمال التصرف متىإقتضت مصلحة الشيء الموضوع تحت حراسته بذلك كما لو كانت الحراسة واقعة على أشياء قابلة للتلف جاز أن تباع بترخيص من القاضي فيكون عندئذ موضوع الحراسة بدل البيع ، هذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 723 موجبات وعقود .
وإذا كانت الحراسة القضائية ليست وديعة بالمعنى المنصوص عنه في القانون فهل يمكن اعتبارها وكالة ؟؟ ذهب البعض إلى اعتبار الحراسة وكالة لما بين الوكيل والحارس من تشابه في أن كلا منهما ينوب عن غيره في إدارة المال وحفظه ( بلاتيول و بسيو الجزء 11 الرقم 1192 ) .
إلا أن مصدر الوكالة هو الاتفاق بين الموكل والوكيل ، ومصدر الحراسة هو القانون مقرون بحكم القضاء والاتفاق هو الذي يحدد صلاحيات الوكيل أما الحارس فتحدد صلاحياته بمقتضى القرار القضائي الذي يعينه وتبعاً لذلك فإن الوكيل يؤدي الحساب أمام الموكل ، أما الحارس هو وكيل قضائي Mandataire de justice لأن القضاء هو الذي يوليه الوكالة بمقتضى حكم يحدد فيه نطاق سلطته ، بناء على طلب ذي الصفة والمصلحة إذا وجد أن الحراسة هي الوسيلة الوحيدة والضرورية للمحافظة على الشيئ أو المال المطلوب وضع الحراسة عليه ، وسوف نفصل الفرق بين مسؤلية × والوكيل والحارس عند البحث في التزامات الحارس القضائي وسلطته ، ويتضح من ذلك أن الحراسة القضائية هي :
تدبير إحتياطي تحفظي Mesure. conservatoire وتدبير مؤقت Mesure privisoire وإذا كانت إجراء إحتياطياً تحفظياً مؤقتاً فمعنى ذلك أنها تدبير لا يمس الأساس ، فالحكم القاضي بتعيين حارس قضائي ليس من شأنه أن يؤثر في موضوع الدعوى الأصلية ولا ينم عن رأي المحكمة بخصوص فصل موضوع المنازعة حتى أنه إذا وضع المال المتنازع عليه بين شخصين تحت الحراسة القضائية وعين أحدهما حارساً فلا يعني ذاك اعترافاً بحقه بملكية المال ، كما أنه لا يجوز منح الحارس صلاحية تسليم ريع المال إلى أحد فرقاء النزاع ، بل جرت العادة أن يحفظ الريع في أحد المصارف التي يحددها الحارس بالاتفاق مع القاضي وذلك ريثما ينتهي فصل النزاع أساساً .
الباب الثاني : الأساس القانوني للحراسة القضائية وشروط قبول دعوى الحراسة وأركانها .
النبذة الأولى: الأساس القانوني للحراسة القضائية :
حددت المادة 720 من قانون الموجبات والعقود الحالات التي يتم فيها تعيين حارس قضائي ، وسوف نستعرض تباعاً هذه الحالات وفقاً لتسلسلها في المادة المذكورة وتحدد ما إذا كانت قد وردت على سبيل المثال أم على سبيل الحصر ؟
ونبادر إلى القول فوراً أن هذه الحالات هي ثلاث :
الحالة الأولى الواردة في الفقرةالأولى من المادة 720 المشار إليها وهي تتضمن بدورها ثلاث فئات :
وجود نزاع بشأن المال المطلوبة الحراسة عليه ، أو أن يكون هذا المال موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها ، أو أن يكون الشيء من المال الذي يعرضه المديون لإبراء ذمته .
وكلمة شيء الواردة في النص بصورة مطلقة تشمل الأموال على إختلاف أنواعها سواء أكانت عقاراً أم عقارات منقولاً أم منقولات مالاً أو مجموعة من الأموال حتى أنه يمكن تقرير الحراسة القضائية على الحقوق المعنوية ، شرط أن تكون إدارتها ممكنة بواسطة الحارس القضائي .
أما النزاع الذي حدد كشرط أساسي لتقرير الحراسة القضائية يجب أن يكون جدياً ومبنياً على أساس من الصحة يؤكده ظاهر المستندات وظروف دعوى الحراسة نفسها ، وإن مجرد إقامة دعوى أمام القضاء لا يضفي طابع الجدية على النزاع بل تستخلص الجدية من وقائع الدعوى واعتماداً على ظاهر الحال وظاهر المستندات المبرزة فيها .
ويمكن أن يتناول النزاع حق الملكية أو وضع اليد أو مجرد الحيازة أو إدارة الشيء واستغلاله ،
كما يمكن أن تقوم منازعة بين البائع والشاري على صحة عقد البيع وموجب دفع الثمن أو موجب التسليم ،
أو أن يقوم نزاع بين المؤجر وبين المستأجر أو بين الشركاء في الملك المشترك ، أو نزاع بخصوص التركة على إدارتها وإستغلالها وقسمتها .
إنه في التطبيق العملي للشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة 720 التي نحن بصدد بحثها فإن النزاع السائد أمام المحاكم والذي يستند إليه المدعون لإقامة دعوى الحراسة القضائية فهو النزاع الذي يقوم بين الشركاء والأعضاء ومجلس الإدارة في الجمعيات والنقابات وما شابهها .
ومثال ذلك أن يستأثر أحد الشركاء بالآدارة والأرباح بحيث يخشى على حقوق الشركاء الآخرين أو أن يدير الشركة خلافاً لنصوص العقود بشكل يعرض مصالحها للخطر والضياع ، أو كأن ترفع دعوى بتصفية الشركة بسبب الخلاف بين الشركاء على تصفية الشركة وينظمون عقداًبذلك يختلفون على تفسيره أو على الاجراءات الخاصة بالتصفية بحيث يخشى على حقوق الشركاء إذا بقي الشريك المدير واضعاً يده على الشركة ومستأثراً بأموالها هذا بخصوص شركات الأشخاص ،أما فيما يتعلق بالشركات المساهمة فمن المعلوم أن وضع إدارتها يختلف عما هو عليه في شركات الأشخاص إذ أن مجلس الادارة هو الذي يتولى تسيير أعمال الشركة وليس للشريك المساهم حق التدخل في أعمال الإدارة ،
ولذلك كان الرأي السائد أن الخلاف بين المساهمين بين حول ملكية الأسهم لا يؤدي بحد ذاته لفرض الحراسة على أموال الشركة المساهمة لأنه لا يؤدي إلى تعطيل أعمال الشركة طالما أن مجلس الادارة هو الذي يتولى ادارتها ، بشكل يحفظ حقوق الشركاء ففي هذه الحالة من الممكن تعيين حارس قضائي إذا توافرت سائر شروط الحراسة ، وإذا كان الخلاف على ملكية الأسهم مؤثراً بشكل يشل أعمال مجلس الادارة أو يعطله فيمكن تعيين حارس قضائي :
ب- أن يكون الشيء موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها :
قد يحصل أن لا يكون هنا النزاع على الشيء الذي تُطلب الحراسة عليه ، لكن
الحق به غير ثابت وغير أكيد بشكل نهائي ، وقد أعطى الشراح تفسيراً لهذا الحق غير الثابت المشتري الذي يشتري منزلاً في بلد لا يسكنه وعلق الشراء على شرط موقف أو شرط تعليق هو أن يسكن البلد الذي فيه المنزل ، فإذا كان المبيع في يد البائع ولتوقعه أن الشرط سوف يتحقق أخذ يسيء إستعماله ويخربه جاز للشاري أن يطلب وضعه تحت الحراسة القضائية .
كما أنه إذا تقرر إحالة عقار محجوز على مزايد أخير وضع يده عليه فيصبح مالكاً له عملاً بالأحكام التي ترعى هذا الموضوع في قانون أصول المحاكمات المدنية إلا أنه يمكن لأي شخص وخلال عشرة أيام أن يقدم طلباً يعرض فيه زيادة على السند فيكون حق من أحيل العقار المحجوز على اسمه غير ثابت ، ويمكن لأي صاحب حق سواء كان الدائن المحجوز أو المديون نفسه أن يطلب وضع العقار تحت الحراسة حتى يفصل القضاء المختص في المزايدة الإضافية .
ج- للشيء الذي يعرضه المدين لإبراء ذمته :
إذا كان المعروض نقوداً أو أشياء يمكن إيداعها لدى صندوق الخزينة أو في مصرف مقبول للمدين أن يعرض إبراء ذمته بإيداع هذه الأشياء بواسطة الكاتب العدل وفقاً لأحكام المادة 822 محاكمات مدنية .
أما إذا كان المعروض من المدين إبراء لذمته أعياناً منقولة أو عقارات يتعذر إيداعها فمن حق المدين أن يطلب تعيين حارس قضائي مهمته تسلم الشيء المعروض وحفظه وادارته حتى يكون الدائن قد قبل العرض أو تكون المحكمة المختصة قضت بصحته .
الفقرة الثانية من المادة 720 موجبات وعقود :
الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يخشى صاحب الشأن لأسباب مشروع
أن يختلسها واضع اليد عليها أو يتلفها أو يعيبها .
وكلمة صاحب الشأن الواردة في النص تعني وفقاً للمبادئ العامة المفروضة في إقامة الدعوى صاحب المصلحة سواء كانت حالة أكيدة أو مصلحة إحتمالية .
وقد أعطوا الرئيس الأول السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي يوسف جبران في كتابه الإنسان والحق والحرية مثالاً على هذه الحالتان يطلب الدائنون وضع عقار قيد البناء تحت الحراسة إذا كان المدين مالك العقار ، يحاول الإنقاص من قيمته وإلحاق الضرر بهم بالدائنين ،أو في حالة وجود عقد متبادل ونفذ أحد الفريقين موجباته التعاقدية وتلكأ الفريق الآخر عن تنفيذ موجباته ، فيحق للأول طلب الحراسة القضائية على الأموال المتعاقد عليها إذا كانت بحيازة الفريق الناكل ، والشرط لوضع الحراسة القضائية في مثل هذه الحالة هو وجود خطر داهم على مصالح الدائن طالب الحراسة وعجلة تبرر إتخاذ التدبير المطلوب بحيث يخشى من بقاء المال بيد حائزه أن يتلفه أو يختلسه الحائز .
الفقرة الثالثة من المادة 720 المبحوث فيها :
الأموال المنقولة المؤمنة لحق الدائن إذا أثبت الدائن عجز مديونه أو كان لديه من الأسباب المشروعة ما يحمله على الخوف من هربه أو إختلاسه لتلك الأشياء أو تعييبها ، وقد ورد في النص الفرنسي لمادة 720(Des meubles qui forme la garanice du greancier) فالمشروع استعمل إذن كلمة Garantie وليس كلمة Mis en gage أي مرهونة ، باعتبار أن المنقول يشكل ضمانة لحقوق الدائن والأمثلة على ذلك عديدة نعطي بعضاً منها :
إذا تم عقد وعد بالبيع تناول مالاً منقولاً ومن المعلوم في الوعد بالبيع يعطي الموعود له مهلة لإبداء رغبته بإتمام البيع فخلال هذه المهلة يحق له طلب تعيين حارس قضائي على المال إذا أخشي من تصرف الواعد به .
وإذا بيع مال منقول واستلمه المشتري قبل إتمام دفع ثمنه ، فالمنقول يشكل ضمانة للبائع ويحق له طلب تععيين حارس قضائي إذا أخشي التصرف به من قبل المشتري أو خاف عليه من التلف أو التعيب .
وتجدر الإشارة أن الحالات الواردة في المادة 720 وردت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر خاصة عندما تقام دعوى الحراسة القضائية أمام القضاء الناظر بالأمور المستعجلة الذي يستمد صلاحيته لتعيين الحارس القضائي من أحكام المادة 579 محاكمات مدنية التي تعطيه حق النظر في طلبات إتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية دون التعرض لأصل الحق .
كما يقتضي التنويه أن الحالة الأولى الواردة في الشطر الأول من المادة 720 هي التي نجد لها مجالاً رحباًفي التطبيق العملي دون سواها من سائر الحالات التي تجيز لصاحب الشأن حق طلب تعيين حارس قضائي .
—
النبذة الثانية: شروط قبول دعوى الحراسة وأركانها والقضاء الصالح
للنظر بها :
الفقرة الأولى: شروط دعوى الحراسة القضائية :
ترتدي دعوى الحراسة القضائية طابع العجلة تقام عادة أمام القضاء الناظر بقضايا الأمور المستعجلة ولهذا لا بد من توفر الشروط اللازمة لحفظ اختصاص هذا القضاء وهي : وجود عجلة ماسة تستدعي إتخاذ التدبير المطلوب وعدم المس بأساس الحق المنازع فيه ، هذا بالإضافة طبعاً إلى وجوب توفير الأساس القانوني للحراسة أي الحالات التي سبق تعدادها تفصيلاً والواردة في المادة 720 موجبات وعقود كما أن هناك شرطاً مستمداً من طبيعة الحراسة القضائية وعمل الحارس القضائي ومهمته وهو أن يكون الشيء المطلوب وضع الحراسة عليه قابلاً لأن يهعد بإدارته إلى الغير .
وعن العنصر الأول :
العجلة فهي غير محددة بنص قانوني وهي تنجم عادة عن طبيعة الحق المراد صيانته وإن القول بتوفرها أو عدمه متروك لتقدير المحكمة المطلق حسب ظروف كل قضيةوقد أجمع العلم والإجتهاد على القبول بتوفر العجلة في كل مرة يحدث فيها ضرر للمدعي لا يمكن درؤه بسرعة إلا بتدخل قاضي الأمور المستعجلة الذي يأمر عند الإقتضاء بوضع حد للضرر والحؤول دون تفاقمه وهذه السرعة لا تتوفر عادة باللجوء إلى محكمة الأساس إذ قد يخشى زوال معالم الحالة الراهنة أو وقوع الضرر أو تفاقمه قبل البت بالنزاع من قبل المحكمة وفي دعاوى الحراسة القضائية يخشى من إختلاس الشيء أو تعييبه أو تلفه أو تبديد الأموال المشتركة ، وتجدر الملاحظة بهذا الصدد إلى أن العجلة لا تعني السرعة ، وبالتالي فإن مجرد استعجال المدعي في الحصول على حكم بدعواه لا يبرر اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة بل لا بد من قيام ضرورة ملحة تستدعي بطبيعتها السرعة في إتخاذ التدبير المطلوب للمحافظة على الحق المهدد بنزاع جدي أو دفعها لوقوع ضرر محدق .
وعلى كل حال مهما كانت المقاييس المعتمدة لتعريف العجلة فإنه يجب أن يكون في التدبير المطلوب صيانة المصالح مادية أو معنوية مشروعة وإن يكون سبب الخطر والعجلة التأخير في البت وأن يكون الضرر أو الخطر طابع مميز ، وإن تقدير قاضي الأمور المستعجلة لعنصر العجلة يخضع لسلطانه المطلق ولا رقابة لمحكمة التمييز على تقديره لهذه الجهة .
وفي قضايا الشركات نقدر العجلة ليس بالنسبة للشخص المدعي مبدئياً بل بالنسبة للشخص المعنوي الذي هو الشركة بمعنى أنها معرضة للضرر الأكيد والمحدق .
ونرى أنه خير ما قيل في العجلة ما ورد في قرار المحكمة استئناف إفريقيا الفرنسية صدر في 7 نيسان 1948 : إن العجلة تبتدئ حيث يقف حق فريق ويخرق حق فريق آخر وينشأ ضرورة ملحة لوضع حد لهذا الخرق ( يراجع بهذا الخصوص مقال الرئيس الأول يوسف جبران عن الحراسة القضائية في مجلة العدل لنقابة محامي بيروت ) .
وعن العنصر الثاني : عدم المساس بأساس الحق :
فتقرير الحراسة القضائية ككل تدبير مؤقت ينبغي أن لا يؤثر على حقوق الفريقين في الأساس وأن يؤخذ على ضوء ظاهر الحال وظاهر المستندات دون التصدي لأساس الحق المبنية عليه دعوى الحراسة ، وإذا كان النزاع المعروض على القضاء الناظر بالأمور المستعجلة يمس الأساس فيجب أن يعلن عدم اختصاصه ، كما أن الحكم الذي يقضي بتعيين الحارس القضائي يجب أن يقتصر على تكليف الحارس القضائي بأعمال صيانة الشيء موضوع النزاع وحفظه وإدارته وعدم القيام بأي عمل من أعمال التصرف إذ أن تكليفه القيام بالأعمال التصرفية يعتبر منطوياً على مساس بأصل الحق ويشذ عن هذه القاعدة في الحالة التي يخشى فيها من تلف الشيء الموضوع تحت الحراسة أو تعييبه بشكل يؤدي إلى تدني أسعاره أو حتى إذا كان الشيء غير ذي قيمة وتكون نفقات حراسته أو حفظه وصيانته تشكل عبئاً على أصحاب الحق فيه ، ففي مثل هذه الحالات يحق للحارس بعد صدور قرار من القاضي المختص الذي عينه بيع الأموال الموضوعة تحت الحراسة ، وينتقل حق أصحاب الشأن من الشيء إلى الثمن وفقاً لما ورد في أحكام المادة 713 موجبات وعقود .
وقبل ختام هذا البحث المتعلق بالشروط الواجب توافرها لتقرير الحراسة القضائية ينبغي لفت النظر إلى نقطة هامة وهامة جداً وهي أنه حتى إذا توافرت الشروط إن لجهة توفر أركان الحراسة أو الشروط اللازمة لتقريرها فإذا تبين للمحكمة أن في قرار الحراسة ضرراً على الشيء المتنازع عليه لا يمكن تعويضه أو أنها مكلفة بالنسبة للشيء فهي تقضي برد دعوى الحراسة إذ أن الحراسة تقرر في كل ظرف تبدو كأنها الوسيلة الوحيدة الصالحة للمحافظة على حقوق المتنازعين ،مثال على ذلك طلب وضع حراسة قضائية على شركة هامة لها فروعها ويقتضي لها إدارة مختصة فإذا كانت الحراسة الفضائية تشكل عبئاً على الشركة وتؤدي إلى إنهيارها أو شل نشاطها التجاري فتقرر المحكمة برد دعوى الحراسة لأن ما ينبغي الإلتفات إليه هو مصلحة الشركة ككل لا مصلحة الشركاء ، وأيضاً طلب وضع الحراسة القضائية على جريدة فمن المعلوم أن قيمة الجريدة لا تقدر بقيمة موجوداتها بل بخبرة ومعرفة المشرفين عليها من رئيس التحرير وسائر المحررين فإذا كان من شأن الحراسة أن تؤدي إلى إنقاص ملموس في قيمتها فيمكن أن لا يُقضى بها وإن توافرت سائر شروطها .
والشرط الأخير الواجب توفره لقبول دعوى الحراسة القضائية هو أن يكون المال موضوع طلب الحراسة من الأموال القابلة لإدارتها بواسطة الغير .
فإذا لم يكن المال قابلاً لذلك بحكم طبيعته أو بسبب الظروف التي تحيط به . كأن يكون مالاً عاماً فلا يجوز فرض الحراسة القضائية عليه ، وتدخل في هذا المضمار مكاتب الحامين وعيادات الأطباء ومكاتب المهندسين إذ لا يمكن تصور أن يحل الحارس القضائي محل المحامي أو الطبيب أو المهندس في إدارة المكتب أو العيادة واستثمارها ، لأن التعامل مع أصحاب هذه المهن مرتبط بأشخاصهم .
النبذة الثالثة: القضاء المختص للنظر بدعوى الحراسة :
أول ما يجب لفت النظر إليه هو أن دعوى الحراسة تعتبر من دعاوى الخصومة ويجب أن تقام بوجه المدعى عليه و لا يمكنأن يقررها القاضي بفعل سلطته الأمرية أو الرجائية أي بأمر على العريضة مهما كانت العجلة ملحة وكان الخطر محدقاً وداهماً .
وكما سبق وقلنا فإن دعوى الحراسة القضائية تقام عادة أمام القضاء الناظر بالأمور المستعجلة إلا أنه ليس ما يمنع إقامتها أمام محكمة الأساس وتبعاً لدعوى الموضوع العالقة أمامها .
وتنظر هذه المحكمة بدعوى الحراسة في مثل هذه الحالة وفقاً للشروط والمبادئ الواجب توفرها في الدعوى في حال إقامتها أمام قاضي الأمور المستعجلة أي أن شرطي العجلة وعدم التصدي لأساس الحف هما ضروريان لقرير الحراسة القضائية .
وإذا أقيمت دعوى الأساس أمام محكمة الموضوع فليس ما يمنع من إقامة دعوى الحراسة القضائية أمام قاضي الأمور المستعجلة لأنه عملاً بأحكام المادة 581 يمتنع على قاضي الأمور المستعجلة إتخاذ أي تدبير يتعلق بقضية معروضة على محكمة الإستئناف فقط ما لم يكن الحكم الإبتدائي صادراً لمصلحة من يطلب إتخاذ ذلك التدبير غير المتعارض مع هذا الحكم .
وإن وجود بند تحكيمي في العقد القائم بيت الفريقين لا يحول دون طلب تعيين حارس قضائي من قبل قاضي الأمور المستعجلة طالما أن التدبير القاضي بتعيين حارس قضائي هو كما وسبق القول تدبير تحفظي ومؤقت ولا يمس بالأساس .
وأخيراً يعود للمحكمة الشرعية والمحكمة الخاصة بالأوقاف الذرية تعيين حارس قضائي في المسائل التي يعود لها حق فصلها في الأساس ، ويعود للمحاكم المدنية فيما عدا ذلك .
كما انه إذا كان النزاع عالقاً أمام القضاء الإداري أوكان النزاع منبثقاً عن عقد يتسم بالطابع الإداري فإن المحاكم الإدارية هي المختصة بالنظر بدعوى الحراسة القضائية .
وأما بالنسبة للصلاحية المكانية فإن دعوى الحراسة تقام إما أمام محكمة محل إقامة المدعى عليه وإما أمام محكمة محل وجود الأموال المطلوب الحراسةعليها .
ونرى من المفيد في هذا البحث أن أعرض عليكم قضية عرضت أمام الغرفة الأولى لدى محكمة استئناف البقاع ، وهي تتعلق بشركة توصية بسيطة طلب بعض الشركاء فيها من قاضي الأمور المستعجلة بموجب إستدعاء على عريضة إتخاذ قرار بتعيين مراقب قضائي على الشركة فتقرر لهم ذلك فاعترض الشريك المفوض الذي بيده الإدارة على القرار الرجائي عندئذ طلب المعترض عليهم في المحاكمة الاعتراضية تعيين حارس قضائي على الشركة ( وهي شركة مرزوق منصور وأولاده ) .
وذلك بعد الرجوع عن القرار الصادر بموجب أمر علني على عريضة بتعيين مراقب قضائي .
كما أنه تدخل شريكاً توصية في المحاكمة الاعتراضيبة طالبين حارس قضائي على الشركة لإدارتها خوفاً من إنهيارهاوإفلاسها إذا ما بقي الشريك الذي يديرها مستمراً في إدارته .
وقد حكم لهم بذلك ، وصدق الحكم إستئنافاً وقد أورد الحكم الاستئنافي الحيثيات التالية :
” حيث أن الجهة المستأنفة تدلي بأن الاعتراض من قبل المتضرر من القرار الصادر بناءً لإستدعاء على عريضة يشكل محاكمة من نوع خاص لا يجوز فيها التقدم بطلبات تدخل أو إدخال أو أي طلب مقابل كما هي الحال في الدعاوى العادية .
حيث أنه يتضح من مراجعة النصوص والقواعد التي ترعى القرارات الرجائية والأوامر على العرائض وعلى الأخص ما ورد في المادتين 601 و 610 محاكمات مدنية ، أنه عندما يعترض الغير الذي يعتبر نفسه متضرراً من القرار الرجائي أو الصادر في ذيل العريضة تنظر المحكمة في الإعتراض بالطريقة القضائية أي وفقاً للأصول النزاعية المتبعة لدى قاضي الأمور المستعجلة .
وحيث أنه عندما يصبح النزاع بمواجهة الفريقين :
المتضرر من القرار والمستفيد منه وبعد دعوتهما وفق للأصول ، ويرتدي بالتالي الطابع القضائي الإختصاصي يصبح من حق كل منهما أن يتقدم بأي طلب طارئ متى توفرت شروط قبوله :
أي أن يكون متلازماً مع الطلب الأصلي وأن لا يخرج أمر النظر به عن إختصاص المحكمة الناظرة في الطلب الأصلي لأن الإعتراض يصبح بمثابة الدعوى العادية التي تخضع لتبادل اللوائح بين الفرقاء المتخاصمين وفقاً لما هو مفروض ومتبع في سائر الدعاوى ويكون التدخل من قبل شخص ثالث لحماية حقوقه أو لتأييد طلبات أحد فريقي النزاع وإدخاله في المحاكمة أمراً جائزاً وصحيحاً ، خاصة وانه لم يرد أي نص خاص يستثني المحاكمة الجارية بناءً لإعتراض الغير على القرار الرجائي أو على الأوامر على العرائض من إتباع الأصول العادية المقررة في سائر الدعاوى .
وحيث أن المحكمة لا ترى بالتالي مبرراً للتفريق بين المحاكمة الإعتراضية التي تحصل بنتيجة الإعتراض من الغير على القرار الصادر بغيابه وبين المحاكمة التي تحصل نتيجة لدعوى عادية وذلك لجهة طلبات التدخل والإدخال أو لجهة قبول الطلبات الإضافية أو الطارئة ومن بينها الطلبات المقابلة علماً أن كلتي المحاكمتين تحصلان بين معترض ومعترض عليه هما بمثابة مدعٍ ومدعى عليه ويكون الحكم الصادر بنتيجة كل منهما قابلاً للطعن وفقاً للأصول المنصوص عنها قانوناً .
وحيث أنه يضاف إلى ما تقدم أن طالبي التدخل لم يكونا ماثلين في إستدعاء الأمر على عريضة وهما يعتبران بالتالي من فئة الغير ويحق لهما الإعتراض على القرار الصادر بغيابهما أما بدعوى أصلية أو بطريق التدخل ، وذلك لإثبات حقوقهما أو حمايتها تجاه أحد الخصوم عملاً بما نصت عليه المادة 37 محاكمات مدنية .
وبصفتهما شريكي توصية فإن لطالبي التدخل حق الإعتراض على القرار بتعيين مراقب قضائي على شركة مرزوق منصور وأولاده إذا اعتبرا أن هذا القرار غير كافٍ لحماية حقوقهما والحفاظ عليها وصيانتها وأن يطلبا بالتالي تعيين حارس قضائي في حال توافرت الشروط الموضوعية لذلك .
وحيث أنه كان بإمكان المعترض عليهم بالذات الذين صدر القرار القاضي بتعيين مراقب قضائي بناءً لإستدعاء الأمر على عريضة المقدم منهم أن يتقدموا بدعوى حراسة قضائية مستقلة أمام قاضي الأمور المستعجلة إذ أنهم يكونوا قد عاودوا الطلب بتعيين حارس قضائي بالصورة الإختصاصية أي بمواجهة الشركاء الآخرين في الشركة التي يدور حولها النزاع .
أما وقد إعترض هؤلاء الشركاء على القرار الصادر بناءً لإستدعاء الأمر على عريضة ودعي المعترض عليهم إلى المحاكمة وأصبحت المحاكمة نزاعية فأصبح من حق هؤلاء الآخرين التقدم بطلب تقرير الحراسة القضائية بشكل طلب مقابل ، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إختصار أمد المحاكمة والتخفيف من وقتها .
وخلص القرار إلى قبول طلب التدخل والطلب المقابل الراميين إلى تعيين حارس قضائي بدلاً من مراقب قضائي .
الباب الثالث : الآثار والنتائج القانونية التي تترتب على الحراسة القضائية :
الفقرة الأولى : إقامة دعوى الحراسة والحكم الذي يصدر بنتيجتها .
تقام دعوى الحراسة القضائية ككل دعوى ، بموجب استحضار بوجه المدعى عليه أو المدعى عليهم في حال تعددهم ، وتجرى المحاكمة فيها وفقاً للأصول الموجزة أمام قاضي الأمور المستعجلة .
وإذا كان النزاع بين الفريقين عالقاً أمام محكمة الأساس وأراد أحدهما إقامة دعوى الحراسة أمام ذات المحكمة تبعاً لدعوى الموضوع فتعتبر عندئذ طلباً طارئاً من الممكن تقديمه بموجب لائحة تبلغ إلى الفريق الآخر ، كما أن الاجتهاد أستقر على أنه يمكن تقديم طلب الحراسة لأول مرة استئنافاً إذا كانت دعوى الموضوع قد بلغت مرحلتها الاستئنافية ، ومبرر ذلك أن الحراسة القضائية هي تدبير مؤقت تحفظي تمليه ضرورة المحافظة على الشيء من الهلاك أو التعيب أو لدفع ضرر محدق به .
ويتمتع الحكم القاضي بتعيين حارس قضائي بقوة المحكمة النسبية بمعنى أنه يجوز الرجوع عنه إذا تغيرت الظروف التي أوجبت صدوره كما أنه لا يقيد محكمة الأساس التي تنظر بموضوع النزاع وهو لا يقبل الاعتراض في مرحلته في مرحلته الابتدائية سواء صدر عن محكمة الأساس أو عن قاضي الأمور المستعجلة وإنم يمكن استئنافه ضمن مهلة ثمانية أيام تبتدئ من تاريخ التبليغ ، ويمكن الاعتراض على القرار الغيابي الاستئنافي فيما إذا كان المستأنف عليه قد تخلف عن الحضور ولم يكن التبليغ حاصلاً لشخصه أو لوكيله المحامي ولم يقدم لائحة بدفاعه ، كما أن حكم الحراسة الصادر استئنافاً يقبل التمييز .
ويعهد بالحراسة وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 720 موجبات وعقود إلى شخص يتفق جميع ذوي الشأن على تعيينه ، ويمكن أيضاً تعيينه من قبل القاضي .
وعلى هذا الأساس يمكن تعيين أحد طرفي الخصومة حارساً قضائياً في حال اتفاق الفريقين على ذلك وإذا رأى القاضي أن في تعيينه مصلحة أكيدة وظاهرة ولمس عنده الخبرة وحسن الإدارة أو كانت قيمة المال موضوع النزاع لا تحتمل نفقات الحراسة ، وإذا عين أحد الفريقين حارساً قضائياً فيمكن أن يضاف إليه شخص آخر أجنبي عنهما ويلجأ إلى هذا التدبير ، المؤسسات و الشركات التي تتطلب خبرة خاصة في إدارتها وتسيير أعمالها ، وإذا كان هذا التدبير من شأنه أن يؤمن سير الشركة بصورة طبيعية ففي هذه الحالة تبقى الإدارة للشريك القائم فيها وتكون مهمة الحارس مراقبة أعال الإدارة وتسل الأموال التي تدخل إلى صندوق الشركة والإذن بصرف المبالغ اللازمة لاستمرار العمل .
الفقرة الثانية: موجبات الحارس القضائي والتزاماته :
تنص المادة 722 موجبات وعقود في فقرتها الأولى ” يقوم الحارس بحفظ الشيء وبإدارة شؤونه ” وتنفيذاً موجب الحفظ والإدارة ، ينبغي على الحارس القضائي تسلم الأموال موضوع الحراسة ووضع محضر يجرد فيه هذه الأموال بصورة تفصيلية وتبقى ملكية المال طبعاً لصاحبه أو لمن سيحكم له به عند فصل النزاع ولا تنقل الملكية إلى الحارس ويترتب على ذلك أن تبعة هلاك الشيء تبقى بعد التسليم على عاتق المالك إذا حصل الهلاك بفعل خارج عن إرادة الحارس وتبقى على عاتق هذا الأخير إذا تم الهلاك بفعله أو بإهماله .
أ –أما موجب الحفظ الواجب على الحارس القضائي فيقتضي منه أن يبذل في المحافظة على الأشياء الموضوعة تحت حراسته عناية الرجل المعتاد ، فإذا كانت هذه الأشياء مباني أو عقارات فيلزمه إجراء الإصلاحات الضرورية اللازمة لصيانتها وحفظ كيانها ومنعها من السقوط والتداعي ، وإذا كانت أرضاً زراعية تعين عليه زرعها أو تأجيرها من الغير وفقاً لأحكام إيجار الأراضي الزراعية ، وإذا كانت آلات أو بضائع أو منقولات فيجب عليه القيام بما يلزم لحفظها والحؤول دون تلفها ، وإذا كان بها بعض العطل فيجب عليه العمل على إصلاحها ومنع ازدياده ، كما يجب عليه اتخاذ ما يلزم من إجراءات إدارية أو قضائية لحفظ الحقوق ومنعها من السقوط بمرور الزمن وطلب إلقاء الحجوزات الاحتياطية ورفع الدعاوى التي تقتضيها المحافظة على تلك الأموال والحقوق ، كما يحق له الدفاع في الدعاوى التي ترفع على الحراسة .
وإذا كان الحارس القضائي معيناً على أموال تركة فله حق إقامة دعاوى إبطال الهبات الصادرة عن المورث إضراراً بحقوق الدائنين ، وإذا كان معيناً على أموال المدين لصالح الدائنين فيرفع الدعاوى بإبطال العقود المجراة على تلك الأموال إضراراً بالدائنين أيضاً .
ويقاس التزام الحارس بالمحافظة على الأشياء موضوع الحراسة بالتزام الوديع وقد ورد النص عليه بالمادة 696 موجبات وعقود ومفادها : ” أنه يجب على الوديع أن يسهر على صيانة أشيائه الخاصة مع الاحتفاظ بتطبيق أحكام المادة 713 وهي تتضمن أن الوديع مسؤول عن سبب كل هلاك أو تعيب كان في الوسع اتقاؤه إذا كان يتلقى أجراً لحراسة الوديعة أو إذا كان يقبل الودائع بمقتضى مهنته أو وظيفته .
وهذا يعني أنه إذا كانت الوديعة بغير أجر وجب على الوديع أن يبذل في حفظ الشيء كما يبذله في حفظ ماله وهذا معيار شخصي .
أما إذا كانت بأجر فيكون المعيار مادياً أي أنه يجب عليه أن يبذل من العناية ما يبذله الشخص المعتاد أو الأب الصالح ولا يمكنه التهرب من المسؤولية بإثبات أنه في حفظ ماله كان تصرف كما تصرف كوديع .
وباعتبار أن الحراسة القضائية هي عادة بأجر فيتوجب على الحارس المأجور أن يبذل عناية الوديع المأجور وعلى من يدعي أن الحارس لم يقم بواجب حفظ الشيء عبء إثبات ذلك .
وقد نصت المادة 725 موجبات وعقود على أنه إذا كانت الحراسة غير مجانية فالحارس مسؤول عن كل خطأ في إدارته وفاقاً للقواعد المختصة بالوكالة .
ومن الرجوع إلى قواعد الوكالة يتبين أنها تقضي أيضاً بأن يُعنى الوكيل في تنفيذ الوكالة عناية الأب الصالح أي الرجل المعتاد ، وأن يكون مسؤولاً عن حفظ الأشياء التي تسلمها وفقاً لأحكام المادة 713 – المتعلقة بالوديعة – إذا كانت الوكالة لقاء أجر .
ومن البديهي القول أن المحكمة تختار الحارس بالنظر لشخصه وخبرته فلا يجوز له أن يعهد بالحراسة إلى شخص آخر محله ، إنما يسمح له بالاستعانة بغيره في بعض المسائل التي تتطلب خبرة خاصة أو إذا وافق جميع ذوي الشأن على ذلك .
ب- أما موجب الإدارة الواجب على الحارس القضائي وفقاً للفقرة الأولى من المادة 720 وللفقرة الثانية منها التي ورد فيها : ويلزمه أن ينتج كل ما يمكن إنتاجه منه فهو يخول الحارس سلطات واسعة جداً في إدارة المال موضوع الحراسة أما سلطته في التصرف فهي محدودة جداً ، فله حق التأجير وقبض البدل وإعطاء المستأجر إيصالات وقبض الديون المترتبة على الغير وإبراء ذمة المدين ،
والقيام بجميع الأعمال التحفظية واستعمال طرق التنفيذ المختلفة ويمكنه إيفاء الديون غير المختلف عليها وله أن يجري عقد تأمين ضد الحريق أو السرقة على الأموال الموضوعة تحت الحراسة واستخدام من يشاء لمساعدته في أعمال الإدارة والسلطة القضائية التي عينت الحارس هي التي تحدد حقوقه وموجباته فقد تمنحه بمقتضى قرار تعيينه سلطات واسعة أو تقيده ببعض الأعمال دون غيرها وذلك وفقاً لما تراه مفيداً للمحافظة على الشيء الموضوع تحت الحراسة ن قيمكن للقاضي منحه ملاحق التأجير لمدة سنة واحدة أو لمدة تتجاوز الثلاث سنوات كما يمكن ان يفرض عليه التأجير عن طريق المزايدة وليس بالتراضي إلا أنه يمتنع عليه وكما سبق قوله القيام بأي عمل م أعمال التصرف كالبيع والهبة وإجراء التأمين والرهن على المال أي الأعمال التي تنطوي على تفرغ أو انتقال للشيء المحبوس وفقاً لما ورد في الفقرة الأولى من المادة 723 موجبات وعقود .
إلا أنه إذا كانت الحراسة واقعة على أشياء قابلة للتلف جاز أن تباع بترخيص من القاضي وفقاً لما ورد في أحكام الفقرة الثانية من المادة المذكورة فيكون حينئذ موضوع الحراسة بدل البيع وقد اعتبر الاجتهاد أن المنقول الذي تستغرق نفقات حفظه قيمته أو قسماً كبيراً منه يعتبر بمثابة المنقول المعرض للتلف ويمكن الترخيص للحارس ببيعه أيضاً .
أما أعمال التصرف التي يجوز للحارس القيا بها بموافقة ذوي الشأن أو بترخيص من المحكمة فهي وفقاً لما استقر عليه العلم والاجتهاد إجراء صلح مع المستأجر إذا كان في ذلك مصلحة للمالك وإقراض المال بفائدة إذا كان المقترض مضموناً ومليئاً وكان في ذلك منفعة أيضاً والقيام ببعض التحسينات وصرف الأموال اللازمة والضرورية لذلك دون إفراط أو مغالاة .
وبالنتيجة يحق للحارس القضائي إجراء أعمال التصرف التي تقتضيها أعمال إدارة الشيء الموضوع تحت حراسته ، كبيع لمحصول والبضائع وشراء ما يستلزمه المال محل الحراسة من أدوات لحفظه واستغلاله واستخدام العمال والموظفين لمساعدته على القيا بالمهمة التي كلف بها وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن قاضي الأمور المستعجلة لا يملك بدوره حق إعطاء الإذن للحارس القضائي بإجراء أعمال التصرف التي من شأنها أن تمس أساس الحق لأنه يرجع في هذا المجال إلى الصلاحية المعطاة لقاضي الأمور المستعجلة لاتخاذ أي تدبير يطلب منه والمقيدة بشرطين :
أولاً : عدم المساس بأصل الحق .
ثانياً : أن يكون للعمل الذي يجوز للحارس مباشرته الصفة الاحتياطية كي يبقى منسجماً مع مهمة الحارس .
ومن البديهي القول : أن أعمال التفرغ والتنازل لا تعتبر إجراءً تحفظياً ومن شأنها بالتالي المساس بأساس موضوع المنازعة ، فهي تخرج إذا عن صلاحية قاضي الأمور المستعجلة .
وأخيراً فإنه عملاً بأحكام المادة 726 موجبات وعقود إذا أنيطت الحراسة بعدة أشخاص ، فالتضامن يوجد حتماً بينهم وفقاً للقواعد المختصة بالوكالة والتضامن يقضي بأن يتمكن أي حارس بمفرده من القيام بأي عمل من أعمال الإدارة أو أعمال التصرف التي تستلزمها الإدارة ، بل ينبغي أن يوافق الحارس الآخر أو سائر الحراس على العمل المنوي إجرائه .
وإن العقد الذي يجريه الحارس ضمن حدود وكالته القضائية أي ضمن حدود سلطته ينصرف أثره إلى صاحب المال ، فلا يسأل عن الالتزامات التي تترتب على العمل القانوني الذي أجراه بصفته حارساً ، ولا يستفيد مما ينتج عنه من حقوق .
أما إذا كان العقد مشوباً ببعض عيوب الرضى فينظر إلى إرادة الحارس وليس إلى إرادة الأصيل صاحب المال لتقدير هذه العيوب من غلط أو خداع أو إكراه أو غبن .
وإذا أجرى الحارس القضائي عملاً غير داخل ضمن حدود سلطته ، فلا يسأل عنه إذا كان الغير الذي تعاقد معه عالماً بتجاوزه الحقوق الممنوحة له ، أما إذا كان جاهلاً ذلك فتبقى المسؤولية على عاتق الحارس القضائي ، وبما أن الحراسة تقرر بموجب حكم فيفترض أن يطلع الغير على حدود السلطة الممنوحة للحارس القضائي.
الباب الرابع: انتهاء الحراسة القضائية والآثار المترتبة على انتهائها .
تنص المادة 724 موجبات وعقود على أنه يجب على الحارس أن يعيد الشيء المحبوس بلا إبطاء إلى الشخص الذي يعينه له الفريقان أو القضاء .
ويترتب عليه من الموجبات فيما يختص برده ما يترتب على الوديع المأجور ، فتعتبر الحراسة منتهية إذن إذا اتفق جميع ذوي المصلحة على إنهائها ، لأن الحارس وإن كان وكيلاً قضائياً فهو يمثل أصحاب الحقوق المتنازع عليها ويعود لهؤلاء مجتمعين أن يضعوا حداً لمهمته .
أما إذا لم يجمع أصحاب الحقوق على إنهاء الحراسة فإن للقضاء الحق بوضع حد لها إذا وجد ما يبرر ذلك ، كأن يصدر حكم عن محكمة الأساس بالنزاع الذي كان سبباً للحراسة يثبت الحق لأحد الفريقين ، إذ أن الحراسة تدبير مؤقت وهذا التدبير يزول بصدور حكم يحسم موضوع النزاع في الأساس ويتعين على الحارس أن يسلم الشيء لمن حكم له بملكيته.
أما إذا عزل الحارس أو توفي أو استقال أو أقيل أو فقد أهليته فتبقى الحراسة قائمة ويستبدل الحارس المعزول أو المتوفى أو المستقيل بسواه ، وعند انتهاء الحراسة أما اتفاقا وأما بحكم قضائي يترتب على الحارس أن يؤدي الحساب عن تنفيذ مهمته وإدارة الأموال موضوع الحراسة .
وقد درجت المحاكم عند إصدار حكم بتعيين حارس قضائي على فرض موجبين عليه :
أولا- بوضع تقرير دوري كل شهر مثلاً يبين فيه الأعمال التي باشرها والمبالغ التي دخلت عليه والنفقات والمصاريف التي تكبدها في سبيل حفظ الشيء الموضوع تحت حراسته وادارته .
ثانياً- إيداع المبالغ النقدية التي دخلت عليه أحد المصارف المقبولة من الدولة ، ويودع المبالغ باسمه كحارس قضائي .
وإن مسؤولية الحارس بالنسبة لموجب رد الأشياء موضوع الحراسة هي ذات مسؤولية الوديع المأجور ، ومن الرجوع إلى الأحكام القانونية التي ترعى الوديعة الواردة في قانون الموجبات والعقود .
نجد أن المادة 711 تنص على أنه يجب على الوديع أن يرد الوديعة عينها والملحقات التي سلمت إليه معها بالحالة التي تكون عليها مع الاحتفاظ بتطبيق أحكام المادة 714 المتعلقة بهلاك الوديعة أو تعيبها الناجم عن ما هية الشيء المودع أو عن وجود عيب فيه أو عن قوة قاهرة .
وتضيف المادة 712: يجب على الوديع أن يرد مع الوديعة ما جناه من منتجاتها الطبيعية والمدنية .
واستناداً لهذه النصوص يترتب على الحارس أن يرد الأشياء موضوع الحراسة والملحقات بها فإذا كانت أرضاً زراعية مثلاً فإنه يرد الالآت والمعدات التي استلمها تبعاً للأرض .
كما يجب عليه أن يرد الثمار التي أنتجها الشيء أو الريع الذي جناه ، فقد يكون موضوع الحراسة أسهماً أو سندات واستحقت أرباحاً أو فوائد عليها فيجب على الحارس ردها مع الأرباح والفوائد وإذا كان موضوع الحراسة حيواناً له نتاج أو أرضاً تنتج غلة وجب عليه رد النتاج أو الغلة .
ومقابل هذه الأعباء التي تقع على عاتق الحارس القضائي يترتب له حقوق تستخلص من الأحكام الختامية التي ترعى موضوع الحراسة القضائية .
فقد نصت المادة 727 موجبات وعقود على أنه ” يجب على الفريق الذي يرد إليه الشيء أن يدفع إلى الحارس النفقات الضرورية والنفقات المفيدة التي أنفقها بنية حسنة وبلا إفراط ، وأن ينقده الأجر المتفق عليه أو الذي عينه القاضي “ .
وإذا كان الإيداع اختيارياً فللحارس أن يقيم الدعوى على جميع المودعين ليحملهم على آداء النفقات وإيفاء الأجر مع مراعاة النسبة بين مصالحهم في القضية .
فالأصل أن الاتفاق الذي تم بموجبه تعيين الحارس القضائي من قبل ذوي الشأن هو الذي يحدد أجره .
أما إذا كان الحارس القضائي معيناً من قبل القضاء فتقرير الأجر وتحديده يعودان للقاضي الذي عينه ويراعى في تحديد الأجر الجهود التي يبذلها الحارس وما هية العمل الذي كلف به والوقت الذي استغرقته الحراسة .
ويمكن أن يقرر القاضي سلفة شهرية للحارس القضائي تحسم من مجموع الأتعاب التي تحدد له عند انتهاء موضوع الحراسة وإعادة الشيء إلى من يحكم له به.
وضماناً لحقوقه في الأجر والنفقات الضرورية والمفيدة يحق للحارس القضائي أن يحبس الأموال الموضوعة تحت حراسته حتى استيفاء حقوقه وفقاً لأحكام المادة 272 موجبات وعقود .
إلا أن حق الحبس هذا لا يولي الحابس امتيازاً ومن المقرر أنه لا امتياز بدون نص ، إلا أن الحارس المعين في الحجز التنفيذي أو الحجز العقاري فإن أتعابه تعتبر من نفقات التنفيذ وتتمتع بهذه الصفة بامتياز عملاً بأحكام المادة 797 محاكمات مدنية.
وختاماً لهذا البحث نعود ونؤكد على أنه وأن أورد المشترع أسباباً وحالات عديدة تقرر فيها الحراسة القضائية على الأموال منقولة كانت أو عقارات أو مجموعة من الأموال فإن الحالة الأكثر شيوعاً في الحياة العملية هي الحالة المنصوص عنها في الشطر الأول من لفقرة الأولى من المادة 720 موجبات وعقود أي أن الحراسة تقرر للشيء الذي يكون موضوع نزاع وهذا النزاع ينصب على ملكية الشيء أو على حيازته و أدارته ، ويقع غالباً بين الشركاء في الملك المشترك ، أو على قسمة التركة أو إدارتها واستغلالها ، وأكثر ما يقع بين الشركاء والمديرين في الشركات والأعضاء ومجلس الإدارة سواء في شركات الأشخاص أو الشركات المساهمة ، فكلما أهمل الشريك المدير إدارة الشركة وعرض بإهماله هذا مصالح الشركة وحقوق الشركاء للهدر والضياع ، فإن مصلحة الشركة تقضي بتعيين حارس قضائي لإدارتها وصي
اترك تعليقاً