عقوبــة الإعــدام
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية
مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب
فلسطين – رام الله
حسن سليم – وسام سحويل
مقدمة:
لا يحظر القانون الدولي بصورة مطلقة فرض عقوبة الموت، ومع هذا، فإنه يضعُ شروطاً صارمة بالنسبة لتطبيقه، ويشجع الدول التي يسري فيها عقاب الموت على اتخاذ الإجراءات من أجل إلغائه. وعلى ضوء ذلك، يُلزم الميثاق الدولي بخصوص الحقوق المدنية والسياسية بتحديد عدد المخالفات التي يمكن جراءها فرض عقوبة الموت، فيما يتعلق بـ “المخالفات الخطرة جداً” (البند 6 من الميثاق). بالإضافة إلى ذلك، يمكن فرض عقوبة الموت بشرط الحرص على التطبيق المتناهي لقواعد المحاكمة العادلة، كما هي معرَّفة في البند 14 من الميثاق، وبشرط منح المتهم إمكانية الاستئناف على قرار المحكمة.
الكثير من منظمات حقوق الإنسان في العالم، يتعامل مع عقوبة الموت على اعتبار أنها خرق لحق كل إنسان في الحياة، وعلى اعتبار أنها عقوبة قاسية، وغير إنسانية ومُذلة، وتُناشد جميع الدول بإلغائها تماماً. في وقت وقع فيه الكثير من الدول على بروتوكولات اختيارية، والمُلحقة بعدد من المواثيق الدولية بخصوص حقوق الإنسان، والتي تحظر تماماً فرض عقوبة الموت.
في الحالة الفلسطينية، وحسب القوانين المعمول بها، من قبل الجهاز القضائي الخاص بها، فإن قانون العقوبات الفلسطيني الساري في مناطق الضفة الغربية يتيح فرض عقوبة الموت على من تتم إدانته بارتكاب مخالفة من بين 17 نوعاً من المخالفات، بينما يحدد القانون الموازي الساري في قطاع غزة 15 نوعاً من المخالفات، والتي يعاقب مرتكبوها بالموت،ويتم تطبيق قانون العقوبات في الضفة الغربية، وقانون العقوبات في قطاع غزة من قبل المحاكم المدنية العادية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم فرض عقوبة الموت في السلطة الفلسطينية بناء على “قانون العقوبات الثوري من قبل منظمة التحرير الفلسطينية” من عام 1979.
ويتيح هذا القانون فرض العقاب على كل من تتم إدانته باقتراف مخالفة من بين 42 مخالفة متنوعة، ويتم تطبيق هذا القانون من قبل محاكم خاصة، يتم تفعيلها من قبل السلطة الفلسطينية: المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة.
عقوبة الإعدام في فلسطين
تشكل عقوبة الإعدام واحدة من أبرز القضايا التي تحظى على باهتمام نشطاء حقوق الإنسان، والمؤسسات الدولية العاملة في الحقل الحقوقي والقانوني.
فبالإضافة إلى انتهاكها أحد أهم حقوق الإنسان، والركيزة الأساسية لأية حقوق أخرى، وهو الحق في الحياة، تمثل عقوبة الإعدام أقصى درجات التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية.
وعليه، قيّدت المادة (3) من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، استخدام هذه العقوبة، وأكدت على حق كل فرد “…في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”. ويشمل هذا الحق، كما تؤكد المادة (5) من الإعلان نفسه، عدم إخضاع الفرد للتعذيب، والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية، بما في ذلك عدم تطبيق عقوبة الإعدام.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين سٌنت العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية والإقليمية، التي أكدت على ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشأن الحق في الحياة، وطالبت-بصراحة- بعدم تطبيق عقوبة الإعدام إلا في حالات استثنائية، ووفق شروط ومعايير محددة. في هذا السياق، أكدت المادة (6، فقرة “1”) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على الحق في الحياة كـ “…حق ملازم لكل إنسان…ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.” وحددت الفقرة الثانية من المادة نفسها الحالات والمعايير والشروط التي يسمح فيها بتطبيق عقوبة الإعدام، حيث أكدت على أنه “لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة، وغير المخالف لأحكام هذا العهد…ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة”. برغم سماح هذه الفقرة بتطبيق عقوبة الإعدام وفق شروط محددة جداً، إلا أن الفقرة (5) من المادة نفسها حرمت تطبيق هذه العقوبة على الأطفال والنساء الحوامل، حتى في ظل تلك الشروط المحددة. فقد أكدت تلك الفقرة على عدم جواز الحكم “… بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل”.
وطالب البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، الدول الموقعة عليه باتخاذ “…جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية”، وبعدم تطبيق عقوبة الإعدام إلا “… في وقت الحرب طبقاً لإدانة في جريمة بالغة الخطورة، تكون ذات طبيعة عسكرية، وترتكب في وقت الحرب…”
ولا تقتصر نتائج تطبيق عقوبة الإعدام على انتهاك حق الفرد في الحياة، ولكنه يمتد ليشمل أيضاً انتهاك حقه في التمتع بالمعاملة الإنسانية غير الحاطة بكرامته، وهي بذلك تشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب، وغيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية للعام 1984.
ونتيجة لانتهاكها الحق في الحياة، والاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية للعام 1984، عمد العديد من الدول- منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي- على وقف العمل بهذه العقوبة. فوفقاً لبعض المصادر، بلغ عدد الدول التي ألغت العمل بعقوبة الإعدام على المستوى القانوني والعملي في العام 2006، 88 دولة، فيما بلغ عدد الدول التي ألغت العمل بعقوبة الإعدام طبقاً لإدانة في جرائم عادية (لا تتعلق بالأمن القومي) 10 دول، و37 دولة (من بينها دولة عربية واحدة وهي تونس) ألغت العمل بتلك العقوبة على المستوى العملي، فيما أبقت 55 دولة، من بينها 12 دولة عربية (بما في ذلك السلطة الفلسطينية) على العمل بتلك العقوبة قانوناً وعملا.
عقوبة الإعدام في مناطق ولاية السلطة الوطنية الفلسطينية
في العام 1994م، الذي أنشئت فيه السلطة الوطنية الفلسطينية، وبموجب الاتفاقية الانتقالية توجب على السلطة الوطنية الفلسطينية، تحديد الأسس والمبادئ القانونية التي ستحكم علاقتها بالمجتمع الفلسطيني. وفي هذا الصدد، أكدت السلطة الوطنية الفلسطينية في دستورها المؤقت للعام 1997، ونسخته المعدلة للعام 2003، على التزامها بالعمل- دون إبطاء- على الانضمام إلى المواثيق والإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان، واحترامها لجميع المواثيق والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن هذا الالتزام كان يعني ضرورة سعيها لتعديل جميع التشريعات والقوانين المعمول بها في مناطق ولايتها بطريقة تكفل انسجام هذه التشريعات والقوانين مع روح الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، إلا أن السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنذ نشأتها في العام 1994، طبقت عقوبة الإعدام بطريقة تتعارض مع المعايير الدولية، استناداً إلى المادة (37) من قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936، المعمول به في قطاع غزة، والمادة (14) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 المعمول به في الضفة الغربية. إضافة إلى القانونين المذكورين، استندت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى قانون العقوبات الثوري الصادر عن منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1979، وغير المقر من الهيئة التشريعية الفلسطينية (المجلس التشريعي الفلسطيني).
ومنذ نشأتها في العام 1994 حتى نهاية العام 2005، أصدرت السلطة الوطنية الفلسطينية 66 حكماً بالإعدام بحق مواطنين طبقاً لإدانة في جرائم مختلفة (بما فيها إدانة بجرائم تتعلق بالأمن القومي)، الغالبية العظمى من هذه الأحكام صدرت عن محكمة أمن الدولة، التي أنشئت في فبراير 1995، وسط معارضة قوية من قبل منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، كون تلك المحكمة مخالفة للمعايير الدولية الخاصة بالمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية السليمة. فمحكمة أمن الدولة لا تعطي- في العادة- المتهم الوقت الكافي لتحضير الدفاع عن نفسه، كون إجراءاتها تتم بسرعة، دون إبلاغ محاميه بالمحاكمة في وقت معقول يسمح له بإعداد دفاعه. إلى جانب ذلك، تغيب في هذا النوع من المحاكمات التقارير الفنية من قبل جهات قضائية مستقلة، كالمعمل الجنائي ومعهد الطب الشرعي، فضلا على أن أحكام هذه المحكمة هي أحكام قاسية (كعقوبة الإعدام والسجن مدى الحياة) غير قابلة للاستئناف.
على الرغم من حجم الانتقادات التي تعرضت لها السلطة الوطنية الفلسطينية من قبل منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية نتيجة لقرارها القاضي بإنشاء محكمة أمن الدولة، فإن تلك الانتقادات لم تكن لتجد آذانا صاغية لديها، حيث عمدت – خلال السنوات اللاحقة – إلى تنفيذ جزء من الأحكام الصادرة عن تلك المحكمة، وأصدرت قراراً في نوفمبر 1999، يقضي باستحداث منصب النائب العام لمحكمة أمن الدولة، بطريقة أدت إلى تكريس عمل هذه المحكمة في مناطق ولايتها القانونية.
في العام 2001، سنت السلطة الفلسطينية ما يسمى بقانون الإجراءات الجزائية رقم (3) للعام 2001. هذا القانون يحدد إجراءات تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم الفلسطينية. وفقاً لهذا القانون، للمتهم الحق في الطعن بقرار المحكمة لدى محكمة الاستئناف خلال مدة أقصاها 15 يوماً من تاريخ صدور الحكم بحقه، وإلا اعتبر الحكم قابلاً للتنفيذ. في حالة رفض محكمة الاستئناف للطعن المقدم من قبل المتهم، يحال القرار إلى رئيس السلطة الفلسطينية، للمصادقة أو إصدار العفو، حيث يتمتع رئيس السلطة الفلسطينية، بموجب القانون الأساسي، بالحق في بإصدار العفو العام. برغم ذلك، فلم يكفل هذا القانون منع تنفيذ الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة. فخلال العام 2002، على سبيل المثال، نفذ حكمان بالإعدام صدرا عن محكمة أمن الدولة وكلاهما من رفح بعد إدانتهما باغتصاب وقتل طفلة من مدينة رفح.
في يوليو من العام 2003، اتخذ وزير العدل في حينه عبد الكريم أبو صلاح قراراً يلغي العمل بتلك المحاكم، ويحول اختصاصاتها للمحاكم النظامية التي تعمل وفقاً للقانون. مع أن هذا القرار قد شكل خطوة إيجابية نحو تعزيز استقلال القضاء وسيادة القانون، إلا أن المطلوب كان أن يرافق هذا القرار مرسوم رئاسى يبطل مفعول المرسوم الخاص بإنشاء هذه المحكمة، من أجل ضمان عدم عقد تلك المحكمة في أي وقت من الأوقات. وعليه فإن عدم صدور ذلك المرسوم أبقى محكمة أمن الدولة سيفاً مسلطاً يمكن أن يستخدم في أي وقت.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل تنفيذ السلطة الفلسطينية للعديد من أحكام الإعدام الصادرة عن محكمة أمن الدولة في أوقات سابقة. فخلال العام 2005، على سبيل المثال، نفذت السلطة الفلسطينية خمسة أحكام بالإعدام أصدرتها المحاكم الفلسطينية (بما في ذلك محكمة أمن الدولة) في أوقات سابقة.
عقوبة الإعدام بين التشريعات السارية والمعايير الدولية
أولاً: الجرائم المعاقب عليها بالإعدام:
توجب المعايير والاتفاقيات الدولية حصر عقوبة الإعدام، في البلدان التي تصر على إبقائها، في أشد الجرائم خطورة على أن يكون مفهوماً أن نطاقها ينبغي ألا يتعدى الجرائم المتعمدة التي تسفر عن نتائج مميتة، أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة، كما لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص القانون، وقت ارتكابها، على عقوبة الإعدام فيها، وإذا عدل القانون في وقت لاحق بحيث أصبحت العقوبة على هذه الجريمة أخف من الإعدام استفاد المتهم من ذلك، وهو ما يسمى بمبدأ عدم رجعية القانون، أي عدم تطبيق القانون بأثر رجعي إلا إذا كان في ذلك مصلحة للمتهم.
لا يوجد قانون عقوبات موحد في فلسطين، وإنما هناك عدة قوانين، ففي الضفة الغربية تطبق المحاكم قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960، وفي غزة تطبق قانون العقوبات الانتدابي رقم (74) لسنة 1936 المعدل بأمر الحاكم العسكري المصري رقم (555) لسنة 1957، وتطبق المحاكم العسكرية، ومحاكم أمن الدولة أحياناً، قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير لسنة 1979، إضافة إلى ذلك توجد مجموعة من القوانين الخاصة المكملة لقوانين العقوبات تطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة، كقوانين العقاقير الخطرة، وقانون المفرقعات، والقوانين المتعلقة بالأحداث.
وأدخلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعض التعديلات علي قوانين العقوبات؛ بحيث أضافت جرائم جديدة ووضعت شروطا إضافية لتجريم أفعال معينة. كذلك أصدرت بعض الأوامر العسكرية المتعلقة بعقوبة الإعدام. وفيما يلي سنناقش عقوبة الإعدام في قوانين الضفة الغربية، وقوانين قطاع غزة، وقانون العقوبات الثوري، والأوامر العسكرية الإسرائيلية.
تنفيذ عقوبة الإعدام:
تنص الضمانات الدولية الخاصة بالأشخاص الذين قد يواجهون عقوبة الإعدام أنه في حال تنفيذ العقوبة يجب أن تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى من المعاناة.
وحسب القوانين السارية في فلسطين، فإن تنفيذ عقوبة الإعدام يختلف فيما إذا كان المحكوم عليه مدنياً أو عسكرياً. فإن كان مدنياً فإن العقوبة تنفذ بشنق المحكوم عليه حتى الموت(9)، أما إن كان عسكرياً فيتم تنفيذها رمياً بالرصاص(10). غير أن محكمة أمن الدولة قررت في أحدث حكم بالإعدام صادر عنها في قضية مقتل المقدم أبو زينة إعدام المتهم رمياً بالرصاص، مع أنه مدني.
كذلك لا يجوز تنفيذ أحكام الإعدام في أيام العطل الرسمية والأعياد الوطنية. حسب قانون أصول المحاكمات الأردني يجب أن يتم دفن الجثة دون احتفال.
ينص قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطيني لسنة 1998م على وجوب حضور أحد رجال الدين الذي ينتمي إليه المحكوم عليه وقت تنفيذ العقوبة، إلا أن القانون لم ينص على وجوب مراعاة شعائر المحكوم عليه الدينية في عملية دفن الجثة.
وقد شهدت الممارسة العملية في حالات الإعدام الثلاث التي نفذتها السلطة الفلسطينية في غزة، بعض الممارسات اللاإنسانية، ففي قضية إعدام الشقيقين أبو سلطان لم يتم دفن الجثتين حسب الشعائر الدينية الإسلامية، ولم يتم تسليم الجثتين لذويهما لدفنهما حسب العادات المتبعة، وإنما تم دفن الجثتين بمعرفة السلطة، وفي وقت لاحق من الدفن تم استخراج الجثتين والسماح لعائلة المحكوم عليهما بإجراء ما يلزم، كذلك في قضية العقيد أبو مصطفى لم يتم تسليم الجثة لعائلته، وإنما قامت السلطة بدفنها، كذلك تم إعدام الشقيقين أبو سلطان بحضور أشخاص لم يكن من الضرورة حضورهم مثل الفعاليات الوطنية وبعض مسئولي الفصائل الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي. ومن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام بمقتضى هذا القانون:
حمل السلاح ضد الدولة، وحمل دولة على الاعتداء على المملكة، ومعاونة العدو، والإضرار بالمنشآت الحيوية زمن الحرب، وتغيير الدستور بطرق غير شرعية، والعصيان المسلح ضد الدولة، والاعتداء على الملك، والإرهاب الذي يؤدي إلى القتل، والقتل العمدى.
وعلى صعيد قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية جرم هذا القانون 33 فعلاً بعقوبة الإعدام، وذلك بمقتضى 26 مادة قانونية، تناول البعض منها أكثر من فعل مجرم، فقد نصت المادة 36 على فعلين، والمادة 140 على ثلاثة والمادة 165على فعلين.
ومن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام بمقتضى هذا القانون:
جريمة الخيانة، والإضرار بمنشآت الثورة وتعطيلها، ومعاونة العدو على هزيمة قوات الثورة، ومساعدة القوات المعادية، وإتلاف الأسلحة وتعطيلها، وتسليم المواقع للأعداء، وإلقاء السلاح، وإمداد العدو بالسلاح والذخيرة، وتغيير النظام الأساسي للثورة بطرق غير مشروعة، والاعتداء على حياة رئيس أو أحد أعضاء القيادة العليا، والإرهاب الذي يؤدي إلى القتل، وتشكيل عصابات إرهابية.
كما تبنى مشروع قانون العقوبات الفلسطيني، عقوبة الإعدام، حيث جرم المشروع 23 فعلاً بالإعدام، وذلك بمقتضى 16 مادة قانونية تناول البعض منها في بنوده أكثر من فعل، فقد نصت المادة 67 على ستة أفعال، والمادة 68 على ثلاثة أفعال، ومن الأفعال المعاقب عليها بمقتضى هذا المشروع بعقوبة الإعدام، جرائم القتل، والخيانة، والإضرار بالمنشآت العامة وقت الحرب، والتفاوض على وجه مخالف للمصالح الوطنية.
وأيضاً جرم مشروع قانون المحاكم العسكرية وأصول المحاكمات العسكرية 41 فعلاً بالإعدام، وذلك بمقتضى 14 مادة قانونية؛ البعض منها تناول في بنوده أكثر من فعل، فقد نصت المادة 164على 12 فعلاً مجرماً بالإعدام، كما نصت المادة 168على خمسة أفعال مجرمة بالإعدام، ونصت المادة 172على ثلاثة أفعال، والمادة 173 على فعلين، والمادة 174 على سبعة أفعال، والمادة 176 على فعلين، والمادة 183 على فعلين، والمادة 189 على فعلين أيضاً.
– ومن الأفعال المعاقب عليها بمقتضى هذا المشروع بعقوبة الإعدام، الإضرار بمنشآت الثورة وتعطيلها، ومعاونة العدو على هزيمة السلطة الوطنية، ومساعدة القوات المعادية، وإتلاف الأسلحة وتعطيلها، وتسليم المواقع للأعداء، وإلقاء السلاح، وتسهيل دخول القوات المعادية لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، وإمداد العدو بالسلاح والذخيرة، والإرهاب الذي يؤدي إلى القتل، والوجود في حالة سكر، أو نوم أثناء القيام بعمل من أعمال المراقبة أو الحراسة، أو ترك الخدمة أو نقطة الحراسة قبل تغييره قانوناً أو ترك المركز أو الوحدة بحجة إخلاء جرحى وقت خدمة الميدان…).
ولعل ما يستوقف المتابع لمسار التشريعات العقابية وتطورها في فلسطين، مغالاة المشرع الفلسطيني، كما هو ثابت من نصوص مشروع قانون العقوبات الفلسطيني ومشروع قانون المحاكم العسكرية وأصول المحاكمات العسكرية، في تبني واعتماد عقوبة الإعدام، حيث ضاعف المشرع الفلسطيني من عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، مما يدلل على مدى قوة الاتجاه المنادي بتبني هذه العقوبة، وتأثيره على الصعيد الفلسطيني.
1- عقوبة الإعدام في قوانين الضفة الغربية:
يحدد قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 عقوبة الإعدام كعقوبة ل 16 جريمة، ومن هذه الجرائم ما ينطبق عليه وصف الجرائم الأكثر خطورة، مثل جرائم القتل المتعمد، غير أن هناك عدداً من الجرائم صيغت نصوصها بشكل غير واضح وفضفاض مثل المادة (138) التي تعاقب على “الاعتداء الذي يقصد منه منع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور” بالإعدام، والمادة (136)” العمل على تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة”. وأغلب الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في هذا القانون هي من الجرائم السياسية التي من الصعب إطلاق وصف أشد الجرائم خطورة عليها: فمثلاً المادة (139) تعاقب بالإعدام كل من تآمر على ارتكاب فعل من الأفعال المعاقب عليها بالإعدام الواردة في المواد (135 -138 )، ولم يعرف القانون كلمة المؤامرة.
إضافة إلى الست عشرة جريمة المعاقب عليها بالإعدام في قانون العقوبات الأردني، يعاقب قانون المفرقعات رقم (23) لسنة 1963 بالإعدام كل من “استعمل مادة مفرقعة بقصد الإرهاب، أو بقصد إيقاع الضرر في الأرواح أو الممتلكات سواء نتج عن ذلك ضرر أم لم ينتج (مادة 12/3) وبالتالي يرتفع عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام إلى سبع عشرة جريمة(1).
2- عقوبة الإعدام في قوانين قطاع غزة:
يحدد قانون العقوبات الانتدابي رقم (74) لسنة 1936 المعدل بأمر الحاكم العام المصري رقم (555) الصادر بتاريخ 2 نيسان 1957 عقوبة الإعدام كعقوبة لخمس عشرة جريمة، يلاحظ على هذه الجرائم أن أغلبها يتعلق بقضايا سياسية تمس أمن الدولة، وبعضها صيغ بعبارات فضفاضة تحتمل التوسع في التفسير.
فعلى سبيل المثال تعاقب المادة (77) من القانون المذكور بالإعدام “كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها”، كذلك تعاقب المادة (78/أ) بالإعدام “كل من تدخل لمصلحة العدو في تدبير لزعزعة إخلاص القوات المسلحة أو إضعاف روح الشعب المعنوية أو قوة المقاومة عنده”، وتحمل هذه المواد سوء نية مبيتاً الهدف منها توسيع نطاق الأفعال المعاقب عليها بالإعدام إذا وقعت على أمن الدولة، كذلك لا تميز هذه المواد في أغلبها بين وقوع الفعل المعاقب عليه بالإعدام في وقت الحرب وبين وقوعه في وقت السلم.
3– عقوبة الإعدام في الأوامر العسكرية الإسرائيلية:
حرص الاحتلال الإسرائيلي بناءً على اعتبارات أمنية وسياسية على عدم تطبيق عقوبة الإعدام، وعمل على استبدالها بعقوبة السجن المؤبد (2). وقد أصدر ما يسمى بقائد قوات جيش الدفاع في قطاع غزة الأمر العسكري رقم (60) في 5/2/1968 والذي بموجبه حول عقوبة الإعدام الواردة في أي تشريع من عقوبة وجوبية إلى عقوبة جوازية(3) أي أن الأمر العسكري المذكور لم يلغ عقوبة الإعدام في قطاع غزة، أو يجمد العمل بها، وإنما حولها من عقوبة وجوبية في بعض الجرائم إلى عقوبة جوازية يجوز للقاضي أن يحكم بها إن شاء.
وفي الضفة الغربية صدر الأمر العسكري رقم (268) في 24/7/1968، ويقضي هذا الأمر بأنه في حال نص القانون على عقوبة الإعدام كعقوبة وجوبية فإن على المحكمة أن تحكم بالحبس المؤبد كعقوبة وجوبية(4)، أما إذا لم تكن عقوبة الإعدام عقوبة وجوبية (أي جوازية) فإن القاضي مخير بالحكم على المتهم بالحبس المؤبد أو الحبس لمدة محددة.
ولم تشهد الممارسة العملية خلال فترة الحكم العسكري الإسرائيلي تنفيذ قرارات إعدام أو حتى صدور مثل هذه القرارات عن المحاكم المدنية(5).
4- عقوبة الإعدام في قانون العقوبات الثوري:
تطبق المحاكم العسكرية الفلسطينية قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية الصادر سنة 1979، وهو قانون صادر بموجب القرار التشريعي رقم 5 عن رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 11 تموز 1979، وقد صدر هذا القانون ضمن مجموعة تشريعات أخرى هي قانون أصول المحكمات الثوري، وقانون السجون –مراكز الإصلاح- لمنظمة التحرير ونظام رسوم المحاكم الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وحسب المادة (8) من قانون العقوبات الثوري فإن هذا القانون يطبق على الضباط وضباط الصف والجنود وطلبة المدارس والكليات الثورية ومدارس التدريب المهني وأسرى الحرب، وأية قوة ثورية بأمر القائد العام.
وقد تم جلب هذا القانون مع القوات الفلسطينية العسكرية العائدة إلى الوطن، وترجع إليه المحاكم العسكرية والقضاة العسكريون وقضاة محاكم أمن الدولة، رغم عدم وجود سند قانوني أو دستوري لتطبيقه في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لم يصدر أي مرسوم أو قرار عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أو أي قانون عن المجلس التشريعي الفلسطيني يقضي بسريان هذا القانون في الضفة الغربية وقطاع غزة، كذلك لم ينشر هذا القانون في الوقائع الفلسطينية.
وقد وضع قانون العقوبات الثوري في مرحلة دقيقة كانت تمر بها الثورة الفلسطينية وخصوصاً منظمة التحرير في المنفى، وهو قانون قد يلائم قوات عسكرية تعيش الحالة التي كانت تعيشها قوات منظمة التحرير الموزعة على بلدان مختلفة، لكن من الصعب القول إن هذا القانون يلائم دولاً عصرية، كذلك لا يصلح أن يطبق على المدنيين.
يعاقب قانون العقوبات الثوري بعقوبة الإعدام على عدد كبير من الجرائم (42 جريمة)، ولا يميز القانون بين تطبيق هذه العقوبة في وقت الحرب أو في وقت السلم، كما أنه يعاقب بالإعدام على جرائم لا يمكن وصفها بأنها أكثر الجرائم خطورة، فمثلاً تعاقب المادة (165) بالإعدام كل من اقترف جناية من الجنايات المنصوص عليها في قانون العقوبات الثوري تسئ إلى سمعة الثورة الفلسطينية وهيبتها عن طريق إثارة الجماهير ضدها.
أي أنه، حسب المادة (165)، لو قام شخص بارتكاب أي جناية من الجنايات الواردة في القانون، كالسرقة الجنائية أو الحرق الجنائي أو إحداث عاهة دائمة، وكان من شأن ارتكاب هذه الجناية أن يثير الجماهير ضد السلطة، فيعاقب مرتكب هذه الجناية بالإعدام، وقد استندت محكمة أمن الدولة في قضية إعدام العقيد عطية أبو مصطفى في غزة إلى هذه المادة، كما استندت إليها المحكمة العسكرية الخاصة في قضية مقتل المواطن ناصر رضوان لدى جهاز أمن الرئاسة في غزة.
يتضمن قانون العقوبات الثوري نصاً خاصاً بالجرائم السياسية، ولا يوجد ما يقابله في قانون العقوبات الأردني أو الانتدابي، حيث تنص المادة (68) بأنه إذا تحقق للقاضي بأن للجريمة طابعاً سياسياً قضى بالاعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، بشرط ألا تكون الجريمة واقعة على أمن الثورة الخارجي، وقد عرفت المادة (66) من القانون ذاته الجرائم السياسية بأنها “الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي، وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء”.
وعلى الرغم من أن هذا النص قد يوحي بالإيجابية، فإنه غير واضح ويستثني من الجرائم السياسية الجرائم التي تقع على أمن الثورة الخارجي، كذلك الجرائم التي ترتكب “بدافع أناني دنيء”. وتحديد ما إذا كان الفعل يرتكب بدافع أناني هو أمر غاية في الصعوبة، ويتعلق بتحديد النوايا الداخلية للإنسان التي يصعب على البشر الاطلاع عليها.
ثانياً: الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام:
تنص المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والضمانات الدولية الخاصة بالأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام على وجوب استثناء أشخاص معينين من عقوبة الإعدام، وهم: النساء الحوامل والأحداث، والأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة وهم الأحداث والمرضى العقليون.
1. النساء الحوامل والأمهات حديثات الولادة:
تنص المادة (17/2) من قانون العقوبات الأردني على أنه في حال ثبوت كون المرأة المحكوم عليها بالإعدام حاملاً، يبدل حكم الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة، ولا يوجد نص مماثل ذو تطبيق عام في قانون العقوبات 1936 الساري في قطاع غزة، إنما تنص المادة (215) من قانون 1936 على أن “من ارتكب جناية القتل قصداً يعاقب بالإعدام، ويشترط في ذلك أنه إذا ثبت للمحكمة ببينة مقنعة أن امرأة أدينت بارتكاب القتل وهي حبلى فيحكم على تلك المرأة بالحبس المؤبد”. وهذا النص ينصرف فقط إلى جريمة القتل قصداً، وليس لجميع الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.
وتنص المادة (60) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطيني لسنة 1998 (الساري في الضفة الغربية وقطاع غزة) بوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق النزيلة الحامل المحكوم عليها بالإعدام إلى ما بعد الولادة، وحتى بلوغ الطفل سنتين من عمره، وقد يبدو للوهلة الأولى أن نص المادة (60) يتعارض مع المادة (17/2) من قانون العقوبات الأردني غير أن المادة 17 تطبق عند النطق بالحكم، أو قبل أن يصبح الحكم باتاً أو نهائياً، أما المادة (60) فتطبق على الحكم البات الذي اكتسب الدرجة القطعية. فلو حصل الحمل بعد صدور الحكم وهذا أمر متصور، وإن كان نادر الحدوث فإن من شأن ذلك تأخير تنفيذ العقوبة وليس استبدالها بالأشغال الشاقة المؤبدة، والهدف من نص المادة (60) هو الحفاظ على شخصية العقوبة، حيث لا يجوز معاقبة الجنين على جرم ارتكبته الأم.
ونرى أن يتم تعديل نص المادة (60) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل بحيث تتبنى موقف قانون العقوبات الأردني نفسه، كون الموقف الأخير أكثر إنسانية.
2. الأحداث:
تنص المادة (12) من قانون إصلاح الأحداث الأردني رقم (16) لسنة 1954 الساري في الضفة الغربية على أنه لا يحكم بالإعدام أو الأشغال الشاقة على حدث.
كذلك تنص المادة (13) من قانون المجرمين الأحداث الانتدابي رقم (3) لسنة 1937 الساري في قطاع غزة بأنه لا يحكم بعقوبة الإعدام ولا يسجل مثل هذا الحكم على ولد أو حدث أو فتى(6)، على أنه يترتب على المحكمة بدلاً من الحكم عليه بهذه العقوبة أن تحكم باعتقاله للمدة التي يقررها المندوب السامي…”. والعبرة في اعتبار الشخص حدثاً هي في لحظة ارتكاب الجريمة، فمن ارتكب الجريمة وهو حدث يحاكم أمام محكمة أحداث حتى لو بدأت الملاحقة أو المحاكمة بعد البلوغ.
وهذه النصوص الواردة في قانوني الأحداث الساريين في الضفة الغربية وقطاع غزة توافق المعايير الدولية التي تحظر تنفيذ عقوبة الإعدام بالأحداث أو بمن ارتكب الجريمة وهو حدث.
3. المرضى العقليون:
يعفي قانون العقوبات الأردني وقانون العقوبات الانتدابي من العقوبة كل من ارتكب فعلاً أو تركاًًً إذا كان حين ارتكابه إياه عاجزاً عن إدراك كنه أفعاله أو عاجزاً عن العلم بأنه محظور عليه ارتكاب ذلك الفعل أو الترك بسبب اختلال في عقله، غير أن كلا القانونين لا يعالجان مسألة فقدان المحكوم عليه عقله بعد ارتكاب الفعل أو بعد صدور الحكم، ونرى أنه من الضروري تعديل القوانين بحيث يتم معالجة هذه المسألة تماشياً مع المعايير الدولية بهذا الخصوص.
4. كبار السن:
لا يوجد في القانون الدولي ما ينص على عدم تنفيذ عقوبة الإعدام لكبار السن، فلا يوجد حد أعلي لسن المحكوم عليهم، وقد جاءت القوانين الفلسطينية متماشية مع هذا التوجه ولم تأت بحكم خاص بكبار السن. غير أن تشريعات بعض الدول تحظر تنفيذ عقوبة الإعدام بمن تجاوز سن ال 65 أوال 70 عاماً، وهذا توجه إنساني نأمل أن تأخذ به التشريعات الفلسطينية.
ثالثاً: الضمانات الإجرائية الممنوحة للأشخاص الذين قد يواجهون عقوبة الإعدام:
تنص المادة الخامسة من الضمانات الخاصة بحقوق الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام على عدم جواز تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة. ويجب أن تكون هذه الضمانات مماثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام، أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة.
كذلك تنص المادة (6) من الضمانات على أنه “لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في الاستئناف لدى محكمة أعلى، وينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجباريا”.
“ولكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو أو تخفيف الحكم، ويجوز منح العفو أو تخفيف الحكم في جميع حالات عقوبة الإعدام”.
أوردت المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مجموعة من الضمانات التي يجب توافرها في أي محاكمة جنائية، بغض النظر عن العقوبة التي يواجهها المتهم. ومن هذه الضمانات:
1. من حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون.
2. من حق كل متهم في جريمة أن يعتبر بريئاً إلى أن يثبت عليه الجرم قانوناً.
3. لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة بالضمانات الدنيا التالية:
1. أن يتم إعلامه سريعاً، وبالتفصيل، وفي لغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها.
2. أن يعطي من الوقت والتسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه، والاتصال بمحام يختاره بنفسه.
3. أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له.
4. أن يحاكم حضورياً، وأن يدافع عن نفسه بشخصه، أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكماً كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه دون تحميله أجراً على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر.
5. أن يناقش شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بالشروط المطبقة ذاتها في حالة شهود الاتهام.
6. أن يزود مجاناً بترجمان، إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة.
7. ألا يكره على الشهادة ضد نفسه، أو على الاعتراف بذنب.
4. لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء وفقاً للقانون، إلى محكمة أعلى كي تعيد النظر في قرار إدانته، وفي العقاب الذي حكم به عليه.
5. حين يكون قد صدر على شخص ما حكم نهائي يدينه بجريمة من الإجراءات الواجب احترامها قبل اللجوء إلى فرض عقوبة الإعدام على أي شخص.
6. لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب سبق أن أدين أو برئ منها بحكم نهائي وفقاً للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد.
والحقيقة أن الوضع بالنسبة للإجراءات والضمانات الممنوحة للأشخاص الذين قد يواجهون عقوبة الإعدام في فلسطين مختلط ومعقد. فهناك ثلاثة قوانين مختلفة تتعلق بأصول الإجراءات أمام المحاكم. فالمحاكم الجزائية المدنية في فلسطين تطبق قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001م.
إضافة إلى ذلك تطبق المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة قانون أصول المحاكمات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لسنة 1979م.
وفيما يلي استعراض لمدى احترام هذه القوانين للضمانات الواجب منحها للأشخاص الذين قد يواجهون عقوبة الإعدام:
1. الضمانات في قانون أصول المحاكمات الأردني:
ويلاحظ أن المبلغ الذي تدفعه المحكمة للمحامي، حسب الفقرة الثانية من المادة(208) هو مبلغ زهيد جداً، الأمر الذي من شأنه أن يحرم المتهم من فرصة توكيل محام كفؤ، خصوصاً أن العقوبة التي يواجهها قد تصل إلى الإعدام.كذلك ينص قانون أصول المحاكمات الأردني على وجوب استئناف الحكم بالإعدام أو بعقوبة جنائية لمدة لا تقل عن خمس سنوات حتى لو لم يطلب المحكوم عليه ذلك (المادة 260/3).
وعدا عن استئناف قرار المحكمة، يخضع قرار محكمة الاستئناف في أحكام الإعدام والأشغال المؤبدة والاعتقال المؤبد للتمييز لدى محكمة التمييز دون طلب من المحكوم عليه، وعلى رئيس قلم محكمة الاستئناف أن يقدم هذه الأحكام فور صدورها للنائب العام ليرسلها لمحكمة التمييز للنظر بها تمييزاً (مادة 275/2).
غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية ألغت محكمة التمييز في الضفة الغربية بموجب الأمر العسكري رقم (39) لسنة 1967، وبالتالي حرم المتهمون من ضمانة إضافية من ضمانات المحاكمة العادلة.
إضافة إلى ذلك، ينص قانون أصول المحاكمات على أن تجري المحاكمة علانية ما لم تقرر المحكمة إجراءها سراً بدواعي المحافظة على النظام العام أو الأخلاق العامة أو كانت الدعوى تتعلق بالعرض، وللمحكمة في مطلق الأحوال أن تمنع فئات معينة من الناس من حضور المحاكمة (مادة 213/2).
يتضمن قانون أصول المحاكمات أحكاماً أخرى حول حق المتهم، أو من يمثله في مناقشة الشهود، وفي إبداء دفاعه وفي تقديم بياناته الدفاعية، وغيرها من الضمانات. غير أنه يؤخذ على قانون أصول المحاكمات الأردني أنه لا يضع ضوابط أو قيوداً على مدة التوقيف أو المحاكمة التي من الممكن في كثير من الحالات أن تستمر لعدة سنوات.
هذا ولم تصدر المحاكم المدنية في الضفة الغربية أي حكم بالإعدام منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية.
2. الضمانات في قوانين أصول المحاكمات(الملغاة) في قطاع غزة:
تطبق المحاكم المدنية في غزة مجموعة من قوانين أصول المحاكمات الجزائية الانتدابية والعثمانية، إضافة إلى بعض التعديلات التي أدخلها الحاكم العام المصري، ومن هذه القوانين: قانون المحاكمات الجزائية لدى المحاكم المركزية رقم (70) لسنة 1946، وقانون أصول المحاكمات الجزائية العثماني، وأمر الحاكم العام رقم (473) لسنة 1956 بشأن اختصاصات النيابة العامة، وهذه القوانين تنص على حق المتهم في الدفاع، وحقه في مناقشة بيانات النيابة وحقه في الاستئناف. غير أنها لا تجعل من استئناف أحكام الإعدام وجوبياً كما أنها لا تنص على وجوب توكيل محام في القضايا التي قد تكون عقوبتها الإعدام.
وقد أصدرت المحاكم المدنية في قطاع غزة أربعة أحكام بالإعدام، ثلاثة منها في قضية قتل الصراف عبد الله رمضان شحادة، والحكم الرابع في قضية خطف وقتل واغتصاب جنائي غير أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية قرر تخفيف العقوبة إلى المؤبد في هذه الحالات.
3. الضمانات لدى المحاكم العسكرية:
المحاكم العسكرية الفلسطينية هي المحاكم الثورية على اختلاف أنواعها، وتشكيلاتها التي دأبت الثورة الفلسطينية على تشكيلها في الشتات؛ لمعالجة القضايا الناشئة عن مخالفة التشريعات الجزائية الصادرة عن منظمة التحرير. وتشكل المحاكم العسكرية الفلسطينية وفقاً لقانون أصول المحاكمات الثوري لسنة 1979، وتطبق من حيث الموضوع مجموعة التشريعات الجزائية الثورية التي سنتها منظمة التحرير.
وتختص هذه المحاكم بالقضايا التي يكون طرفاً فيها أفراد قوات الأمن الفلسطيني دون المدنيين، إذ أنها تعمل كمحاكم تأديبية وجنائية للعسكريين في الجرائم ذات الصلة بوظيفتهم، وتحكم المدنيين في الحالات التي يشتركون، أو يتدخلون فيها مع عسكريين في ارتكاب جرائم، أو عند ارتكاب المدنيين جرائم ضد العسكريين أثناء تأديتهم وظيفتهم(7)، وتقسم المحاكم العسكرية إلى المحاكم المركزية والمحاكم الدائمة والمحكمة الخاصة، وتخضع أحكام المحاكم العسكرية المركزية والدائمة للاستئناف، لكن ليس لدى محكمة أعلى، وإنما لدى مدير القضاء العسكري، وإذا قرر مدير القضاء العسكري فسخ الاستئناف فإنه يعيده، للمحكمة ذاتها التي أصدرته لإعادة النظر فيه، فإذا أخذت المحكمة برأيه يتم تثبيت القرار، وإلا فإن مدير القضاء العسكري يحيل قرار تلك المحكمة إلى المحكمة العسكرية الخاصة للنظر فيه، وتخضع قرارات المحاكم العسكرية للمصادقة من قبل مدير القضاء العسكري، إذا لم تتجاوز العقوبة فيها ثلاث سنوات، ومن قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بصفته القائد الأعلى للقوات الفلسطينية إذا تجاوزت العقوبة ثلاث سنوات.
أما أحكام المحاكم العسكرية الخاصة فلا تخضع للاستئناف، شأنها في ذلك شأن قرارات محاكم أمن الدولة.
وقد أصدرت المحاكم العسكرية الخاصة سبعة أحكام بالإعدام، ثلاثة منها صدرت في 3/7/1999 في قضية مقتل المواطن ناصر رضوان أثناء احتجازه لدى جهاز أمن الرئاسة (قوة 17) في 30/6/1997، وثلاثة صدرت في 29/8/1998 في قضية قتل الشقيقين مجدي و محمد الخالدي في النصيرات، والحكم الأخير صدر في قضية العقيد عطية أبو مصطفى في 26/2/1999 الذي اتهم بهتك عرض طفل عمره ست سنوات، وقد صادق الرئيس على ثلاثة أحكام إعدام من هذه الأحكام السبعة، هي: إعدام الشقيقين رائد ومحمد أبو سلطان، وإعدام العقيد عطية أبو مصطفى، في حين قرر تخفيض العقوبة إلى السجن المؤبد في باقي الأحكام الأخرى.
والمحاكم العسكرية، وخصوصاً المحاكم العسكرية الخاصة، لا توفر الحد الأدنى من الضمانات اللازمة للمتهمين، فالمحاكمة تتم بسرعة بحيث لا يتمكن المتهم أو من يمثله من إعداد دفاعه بشكل كاف. وقد تبين من خلال تجربة المحكمة العسكرية الخاصة في السنوات الماضية أن أحكامها هي أحكام سياسية بالدرجة الأولى، جاءت استجابة لضغوط شعبية فقرار المحكمة العسكرية الخاصة في قضية العقيد أبو مصطفى كان من الواضح أنه صدر بغرض تخفيف الضغوطات التي قامت بها عائلة المجني عليه، والتي كانت من الممكن أن تمتد وتتوسع في قطاع غزة. ورغم أن الجريمة التي اتهم بها العقيد أبو مصطفى، وهي هتك العرض، لا تستوجب عقوبة الإعدام، إلا أن المحكمة استندت إلى المادة (165) من قانون العقوبات الثوري التي تعاقب بالإعدام على أي جناية ارتكبت ونجم عنها إثارة الجماهير ضد الثورة، مما يشير إلى وجود نية مسبقة لدى المحكمة لإصدار حكم الإعدام.
4. الضمانات لدى محاكم أمن الدولة:
تم تشكيل محاكم أمن الدولة بموجب قرار صادر عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في شباط 1995.
ويستند القرار الرئاسي على نصوص عدة، من بينها الأمر الصادر عن حاكم غزة المصري رقم (555) الصادر في العام 1964، الذي بدوره يستند إلى أسس قانونية أخرى بما فيها أنظمة الطوارئ البريطانية لعام 1945، وتختص هذه المحكمة بالفصل في الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي؛ خاصة الجرائم الواردة في أمر الحاكم العام المصري رقم (555) لسنة 1957. ومحكمة أمن الدولة هي محكمة خاصة، وليست جزءاً من المحاكم النظامية، كما أنها ليست جزءاً من النظام القائم للقضاء العسكري.
وتعتبر قرارات محكمة أمن الدولة قرارات قطعية غير خاضعة للاستئناف، لكنها خاضعة لمصادقة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وقضاة هذه المحكمة هم من العاملين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ويعتبر وجودها مساساً خطيراً بمبدأ الفصل بين السلطات، واعتداء على اختصاصات القضاء النظامي الذي يفترض أن يكون صاحب الولاية العامة على جميع الأمور التي تدخل أصلاً في اختصاصه، كما أن ممارسات هذه المحكمة والإجراءات المتبعة أمامها تعتبر جائرة، وتنتهك المعايير الدنيا في القانون الدولي، مثل الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة، والحق في مهلة كافية لإعداد الدفاع، وحق المتهم في اختيار محام يتولى الدفاع عنه، والحق في استئناف الحكم أمام محكمة أعلى درجة.
وكثير من محاكمات محكمة أمن الدولة عقدت سراً في منتصف الليل، وبعضها لم يستغرق سوى دقائق معدودة.
ورؤساء أو قضاة هذه المحكمة من ضباط الأجهزة الأمنية الذين لم يسبق لهم العمل كقضاة.
وعادة ما يمثل المتهمين أمام هذه المحكمة محامون تعينهم المحكمة يكونون عادة من ضباط الأجهزة الأمنية.
الخلاصة والتوصيات
وعلى الرغم من معارضتنا لعقوبة الإعدام، فإن المشكلة الأساسية تكمن في النظام القضائي الذي لا يوفر الحد الأدني من معايير وضمانات المحاكمة العادلة. فجميع قرارات الإعدام التي لاقت التنفيذ هي قرارات صادرة عن محاكم عسكرية أو محاكم أمن دولة، ومن خلال إجراءات سريعة، لا توفر الحد الأدني من حق المتهم في الدفاع. كما أن الظروف التي تم تنفيذ العقوبة خلالها تشير إلى الدوافع والاعتبارات السياسية التي تقف خلف اللجوء إليها.
إن عقوبة الإعدام تشكل انتهاكا صارخا وغير مبرر للحق في الحياة. وهي بذلك تنسف فرص تمتع الفرد بأية حقوق أخرى؛ الأمر الذي يبرز الحاجة الملحة للعمل على إلغائها في جميع أنحاء العالم بما في ذلك فلسطين، من أجل الرقي بالإنسان من خلال احترام وصيانة حقوقه المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية. كما أن هذه العقوبة تعتبر واحدة من أشكال التعذيب، وأقصى مراحل المعاملة القاسية واللاإنسانية، وهي بذلك تشكل مساساً بالاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية للعام 1984. وعليه، فإن تطبيق تلك العقوبة يشكل مساساً خطيراً بكرامة الفرد، ويحط من قيمته كإنسان يتمتع بحقوق طبيعية، أبرزها الحق في الحياة والمعاملة الإنسانية.
كما لا تشكل هذه العقوبة رادعاً للجريمة، حيث أثبتت تجارب البلدان المختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، والسعودية، أن العمل بهذه العقوبة لا يكفل استقرار المجتمع، وعدم تكرار وقوع الجريمة. وبالتالي، فإن تنفيذ أحكام الإعدام يندرج في إطار أعمال الانتقام الهادفة إلى القتل فقط.
إضافة إلى أن تطبيق عقوبة الإعدام يؤدي إلى نتائج كارثية تتمثل بفقدان ضحايا تلك العقوبة لحياتهم، وهو الأمر الذي يجعلها واحدة من أقسى أنواع العقوبات، نتيجة لاستحالة العودة عن نتائج تطبيقها.
مع التأكيد على أن إلغاء هذه العقوبة لا يعني التسامح مع المدانين بجرائم خطيرة، ولكن ينبغي النظر في عقوبات رادعة وتحافظ على إنسانيتنا في آن.
المصادقة على الأحكام:
لم يصادق رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على (36) حكماً، إضافة إلى مصادقته على (5) أحكام لكنها لم تنفذ، في حين تم تخفيض حكمين صدرا بحق اثنين من الأحداث واستبدل الحكم بالسجن.
اترك تعليقاً