حكم الأبنية بين الشريعة والقانون (بحث قانوني شرعي)
د.ياسين الغادي
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
ABSTRACT
This study seeks to investigate the reality of construction and the position of Islam, compared to that of law, with respect to this process. Life witnesses a vast process of construction and an overwhelming technological development. These processes are associated with the erection of very high building and the creation and digging of huge holes in the ground. It is of paramount importance to investigate the position of Islam and law with respect to the process of construction and its negative consequences, such as keeping the sun-rays off the neighboring building, the creation of vintalation problems and the contiguity of building.
ملخص
تهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على حقيقة البناء وشرعية العمران في الإسلام مقارناً بالقانون. وخصوصاً ونحن نشهد مثل هذا التقدم العمراني الهائل، والتطور التكنولوجي العظيم في وقتنا الحاضر. فأردت من هذه المحاولة بيان وجهة نظر الشريعة الإسلامية في التطاول في البناء إلى عنان السماء وشقه إلى أعماق الأرض، وموقف القانون من ذلك. وبعبارة أخرى، هل التسابق في بناء المساكن والدور مع ما يصاحبه من اعتداءات كثيرة على الإنسان من حيث حجب الضوء والشمس وإغلاق منافذ الهواء، وتلاصق البناء وغيره جائز في الشريعة والقانون؟ هذا ما سنرى وبالله التوفيق .
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن الله عز وجل الذي خلق الأرض ونَظّمها أوجب عمارتها وبناءها بشتى أنواع البناء والعمران، قال تعالى : (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)(1) وذلك لما للبناء من أهمية في حياة الناس واستقامة معاشهم.فعمران الأرض على العموم، والبناء وإشادة المساكن على الخصوص من جملة الواجبات والضرورات التي لا تدوم الحياة إلا بهما، ولا تكمل مصالح العباد إلا بوجودهما، حيث إنّ مصالح العباد التي تنبني عليها الأحكام الشرعية تحتاج لاستمرارها إلى طعام صالح يقيم للإنسان أوده، وملبس صالح يستر عورته، ومسكن صالح يقيه حرّ الصيف وبرد الشتاء .
وقد عبّر عن ذلك الإمام العز بن عبد السلام فقال : (فأما مصالح الدنيا فتنقسم إلى الضروريات والحاجيات والتحسينيات والتتمات والتكملات، فالضروريات كالمآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب والجوالب للأقوات وغيرها مما تمسّ إليه الضروريات. وأقل المجزي من ذلك الضروري، وما كان في ذلك في أعلى المراتب كأكل الطيبات والملابس الناعمات والغرف العاليات والقصور الواسعات والمراكب النفيسات، ونكاح الحسناوات والسراري الفائقات فهو من التتمات والتكملات وما توسط بينهما فهو من الحاجيات)(2).
ويرى الإمام الغزالي رحمه الله (إن نظام الدين بالمعرفة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجة من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن)(3) أضف إلى هذا فإن بناء المساكن وعمارة الأرض لأجل التمكين فيها هو من جلة الغرائز الفطرية لحفظ النوع الإنساني بموجب العهدة الربانية والاستخلاف الإلهي الممنوح للإنسان على هذه الأرض، وبطبيعة الحال فإنّ هذه العهدة وذلك الاستخلاف تجعل الإنسان مكلّفاً وملزماً بعمارة الأرض وتشييد المساكن عليها، قال تعالى : (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض)(4)، وقال عز من قائل : (وإذ قال ربك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة)(5).
يضاف إلى ذلك أنّ البناء وتشييد المساكن من العوامل الرئيسة في التقدم البشري التي جاءت بها رسالات الأنبياء والرسل، وحضّت عليها دعوات المصلحين والحكماء، حتى إنّ آدم عليه السلام عندما أخرجه الله من الجنة لم يجد بداً من أن يهبط إلى الأرض ليقيم صرح مملكته وذلك بتدبير إلهي حكيم، قال تعالى :
(قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو)(6) وقال سبحانه : (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)(7).
وكذلك فإن تشييد المساكن والبناء له دلالات كثيرة، أهمها التقدم في العلوم المختلفة، وظاهرة عظيمة من ظواهر المدنية والحضارة وتقدّم الصناعة وغيرها، وكما قال ابن خلدون: (فإن نسبة العمران وكثرة الأمصار يتناسب مع جودة الصنائع وكثرتها)(8)، وتراه قد ركز أيضاً على أن بناء البنايات والمساكن المختلفة أهم الصنائع على الإطلاق فقال :
(هذه الصناعة أول صنائع العمران الحضري وأقدمها وهي معرفة العمل في اتخاذ البيوت والمنازل للسكن والمأوى للأبدان في المدن، وذلك أنّ الإنسان لما جبل عليه من الفكر في عواقب أحواله لا بد أن يفكر فيما يدفع عنه الأذى من الحرّ والبرد، كاتخاذ البيوت المكتنفة بالسقف والحيطان من سائر جهاتها، والبشر مختلفون في هذه الجبلة فمنهم المعتدلون فيها فيتخذون ذلك باعتدال أهالي الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس، وأمّا أهل البدو فيبعدون عن اتخاذ ذلك لقصور أفكارهم عن إدراك الصنائع البشريّة فيبادرون للغيران والكهوف المعدّة من غير علاج)(9).
لأجل المعاني السابقة المتعلقة بالبناء والمساكن تبارى المهندسون والمبدعون قديماً وحديثاً في إبراز مواهبهم واستغلال طاقاتهم في البناء فشيدوا المدن وتطاولوا في البنيان شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً حتى أصبحنا نرى مدناً تطاول عنان السماء فيما يسمى اليوم بناطحات السحاب. فقلما نجد منشأة أو مدينة أوروبية تخلو من هذا الوصف، فمثلاً في طوكيو عاصمة اليابان وحدها ما لا يقل عن 300.000 منشأة أو بناية، كل بناية تتألف من 100 طابق وبمختلف أنواع الحجوم والأشكال، ومثل ذلك نجد المدن الأوروبية الأخرى في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها.
ومع هذا التسارع العجيب في البناء والتقدم العمراني نتيجة للتقدم البشري والتطور الحضاري الهائل للإنسان، فإننا نجد أخطاء بشرية فادحة تتعلق بهذا البناء مما يهدّد حياة الإنسان نفسه، ويؤثر على وجوده وذلك لما يصاحب هذا التقدم وذلك التطور من تجاوزات واعتداءات خطيرة على حقوق الناس العامة والخاصة، ومن مخالفة للتعاليم الشرعية والنظام الإسلامي العام، والنظام القانوني بسبب إطالة البناء أحياناً، والإسراف فيه أحياناً أخرى.
إزاء ما تقدم أجد نفسي أمام موضوع هام وخطير يحتاج إلى سبر أغوار لبيان رأي الإسلام فيه بصورة قاطعة، وخصوصاً في هذا الزمن الذي أخذت تتكرر فيه الاعتداءات والتجاوزات المتعلقة بهندسة البناء النظري والتطبيق على الواقع من حيث الزيادة في طول البناء على حساب الشوارع والطرقات والمتنزهات العامة والخاصة، ومن حيث عدم ترك الفراغات والارتدادات والتهاوي المطلوبة.
فرأيت من الواجب بيان حكم الشريعة الغراء وحكم القانون في مثل هذه المسائل التي أخذت تشغل معظم أوقات الناس وتقلق راحتهم، لأنّ الاختلاف فيها يؤدي أخيراً إلى اللجوء إلى المحاكم لفض المنازعات مما نحن في غنى عنه لو اتّبعنا تعاليم الشريعة الإسلامية في ذلك.
والذي أتمناه من خلال هذا الموضوع وعبر صفحاته اللاحقة الخروج بنتائج واضحة وقرارات حكيمة لمثل هذه المسائل الهامة حتى يتنبّه لها الضالّ، ويهتدي إليها التائه، ويرعوي لها المتغطرس لوقف مثل هذه التجاوزات الجائرة والاعتداءات المتكررة المتعلقة بالبناء على الفرد والأسرة والمجتمع.
هذا ومع أني أتوق للكتابة في هذا الموضوع لكني لا أزعم أنني السباق إليه، فقد طرقه علماؤنا رحمهم الله من زوايا مختلفة حسب الزمان والمكان والظروف التي عاشوها، والبيئات التي ألفوها ووجدوا فيها، وصال وجال فيه حديثاً رجال القانون وشراحه، وأصحاب التخصصات من مهندسين ومعماريين وأصحاب ورش وغيرهم، إذ قلما تجد دولة أو مدينة أو قرية يخلو نظامها من تشريع مقنن، وكلام مكتوب في هذا المجال.
وحيث إنني لم أجد كتاباً فقهياً متخصصاً سبر أغوار مسائل البناء التي نحن بأشد الحاجة وأمسها إليه، رأيت أنّ المحاولة لبيان وتأصيل حكم الشريعة والقانون بهذا الشأن نافعة، للخروج بنتائج نستفيد منها جميعاً باحثين ومهندسين وبنّائين، وعمالاً وأصحاب عمل، وأصحاب قرار، خصوصاً في هذا الوقت الذي أخذنا نشرع فيه بتخطيط مدننا، وتشييد مساكننا بأسلوب ونظام عصري متقدم، لعل قارءنا الكريم ومهندسنا البارع وعاملنا النشيط، وكل واحد يهمه مصلحة الناس وحياتهم وأمنهم واستقرارهم يضع يده على صواب الفكرة ونجاح المحاولة، فلا يعدّ التجاوز عنده مقبولاً، ولا الاعتداء مستساغاً، ولا الظلم حاصلاً، ظلم الأرض، ظلم المجتمع…………الخ.
لهذا كله رأيت أن أقسم مادة البحث وموضوعاته وفق الخطّة التالية :
أولاً: بيان مفهوم البناء لغة واصطلاحاً، وتحرير المسألة محل البحث .
ثانياً: بيان أهمية البناء وضرورته من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وأقوال العلماء في ذلك.
ثالثاً: بيان أنواع البناء، وحكمه، وأدابه، والمواد المستخدمة فيه بين الشريعة والقانون.
رابعاً: بيان شكل البناء وزركشته وصبغه ودهانه بين الشريعة والقانون.
خامساً: بيان أحكام البناء من حيث الارتدادات، العلو، التهاوي بين الشريعة والقانون.
سادساً: خلاصة الرأي في البحث .
أرجو الله جلت قدرته أن ينفعني بما علّمني، وأن يهبني ويهب غيري الأجر والثواب، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
أولاً: مفهوم البناء لغةً واصطلاحاً وتحرير المسألة محل البحث
المتمعّن في معالج اللغة العربية يجد أن للبناء معنىً لغوياً طريفاً، فكلمة البناء: واحد من الأبنية الصرفية مأخوذٌ من بني أي أشاد وأقام. فالبني : نقيض الهدم، نقول : بنى البنّاءُ البناء بنياً وبناءً، وبني، مقصور، وبنياناً وبنيةً وبنايةً وابتناه وبناه، قال الشاعر :
وأصغر من قعب الوليد ترى به بيوتاً مبناة وأودية خُضرا
والبناء: هي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء، فمنها الطرّاف والخباء والبناء والقبة المضروبة، وفي حديث سليمان عليه السلام: (من هدم بناء ربه تبارك وتعالى فهو ملعون)، يعني من قتل نفساً بغير حق لأن الجسم بنيان خلقه الله وركبه.
وتفيد كلمة البناء العمران، والعمران : كلمة أوسع من البناء، ويصح أن يعبر بها عن البناء لأنه يشملها، فيشمل العمران إضافة إلى البناء الفلاحة والصناعة والتجارة، ويخيل للمرء أنّ كلاً من العمران والبناء لفظان مترادفان ومتقاربان، وهذا لا شك فيه لأن العمارة تعنى بالبنيان وهي نقيض الخراب، وفن تشييد المنازل وبنائها يعبر عنه بفن العمارة(10).
والبناء اصطلاحاً : فن تشييد البنايات والمنازل المختلفة وتنظيمها لتحصيل منافعها وفوائدها الكثيرة التي منها مثلاً الاطمئنان والراحة والسكن النفسي، والوقاية بواسطتها من حرب الصيف اللاذع وبرد الشتاء القارس. قال تعالى : (ومساكن ترضونها)(11).
وتحرير المسألة : إنّ البناء نوع من أنواع العمران الذي لا غنى للإنسان والحيوان عنه، وجانب هام من جوانبه المختلفة، والعمران شامل لكل نشاطات الإنسان المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة والبناء وغيرها.
ثانياً: أهمية البناء وضرورته من خلال القرآن الكريم والسنّة النبوية وأقوال العلماء في ذلك
1. القرآن الكريم :
أهابت الشريعة الإسلامية الغراء بضرورة عمران الأرض وإقامة المباني والمنشآت العمرانية عليها، واعتبرت ذلك من النعم الكبيرة التي أنعمها الله على الإنسان التي توجب شكره عزّ وجل، قال تعالى :
(ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش)(12).
وقال سبحانه :
(وأوحى ربّك إلى النحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً)(13). وفي الوقت نفسه جعلت هذه النعمة بمثابة الواجب الديني الذي يجب على الإنسان ممارسته امتثالاً لأمر الله عز وجل واستجابة لرسالة الوجود البشري الخيرة على الأرض .
قال تعالى :(ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)
وقال سبحانه :
(فليعبدوا رب هذا البيت)(15).
فالأرض وما عليها مخلوقات خلقها الله عزّ وجل لمصلحة الإنسان وتحقيق غاياته الأساسية الكثيرة التي منها سعادته واطمئنانه لحكمة يعلمها هو، فيلزم والحالة هذه أن يشمر الإنسان عن ساعد الجد والعمل ليبني صرحه ويشيد بناءه ويعمر دولته، وهو في ذلك مأجور غير مأزور إن شاء الله.
قال تعالى :(الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة)(16).
والمستعرض لآيات القرآن يكاد يحصي أكثر من مئة وخمسين آية في معنى البناء العمراني من منشآت ومساكن وغيرها وعمارة الأرض عموماً مثل قوله تعالى:(والسماء وما بناها والأرض وما طحاها)(17)
وقوله سبحانه وتعالى :(وبنينا فوقكم سبعاً شداداً)(18)
وقوله عز من قائل : (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً)(19)
وقوله سبحانه :(الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً)(20).
وقوله سبحانه :(كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها)(21).
وقوله سبحانه :(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً)(22)
وقوله عز وجل:(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة)(23).
وقوله سبحانه :(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)(25).
وقوله سبحانه : (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)(26).
وقوله سبحانه : (والبيت المعمور والسقف المرفوع)(27).
وقوله عز وجل :(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام)(28).
بل إن الله سبحانه وتعالى رغّب الإنسان أشد الترغيب وحذره أشد التحذير في ألا يتغافل عن هذا الواجب إعمار الأرض والبناء عليها، أو يقصر في مهمة الاستخلاف.
يقول ابن كثير عند تفسير قوله سبحانه وتعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)(29)، واعتراض الملائكة على ذلك بقولهم : يا ربنا ما الحكمة؟ لأنهم كانوا أكثر أهليّة من الإنسان في عمارة الأرض مع أنّ فيهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي لك، ولا يصدر عنا شيء، فهلاّ وقع الاقتصار علينا.
قال الله تعالى عن هذا السؤال : إنّي أعلم ما لا تعلمون، أي إني اعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل وأوجد منهم الصديقين والشهداء والصالحين والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربين والعلماء العاملين والخاشعين والمحبين له تبارك وتعالى المتبعين رسله صلوات الله وسلامه عليهم(30).
ويقول الألوسي في تفسير قوله تعالى :
“هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)(31)، أي أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء ومساكن وحفر أنهار وغرس أشجار)(32). أو هو كما قال القرطبي: جعلكم عمارها وسكانها(33)، وعند علماء العربية أن السين والتاء إذا اجتمعا فالصيغة تفيد طلباً، فالآية تخاطب الإنسان أن يعمر الأرض لأن الله عز وجل أنشأه منها(34)، ويفهم من هذه الآية أن حق الله على الإنسان كبير وواجب شكره عظيم، فهو الذي أوجده على هذه الأرض ليعمروها، وخلقه منها ليزيد التصاقه بها.
ويقول أبو حيان عند تفسير قوله تعالى : (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً)(35). أي ذكر الله تعالى ما أمتن به من جعل الأرض مستقراً والسماء بناء أي فيه ومنه أبنية العرب لمضاربهم لأن السماء في منظر العين كقبة مضروبة على وجه الأرض(36).
ويستدل سيد قطب رحمه الله على أنّ الأرض بها حياة صالحة للإنسان بالآية نفسها فيقول : (والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة) إلى أن يقول : (ومن ثم تضمّن الاستقرار والثبات لحياة هذا الإنسان المحسوب حسابها بتصميم هذا الوجود المقدرة في بنائه تقديراً(37). ويقول الصابوني مشيراً إلى أهمية البناء عند تفسير قوله تعالى : (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة)(38) أي أول مسجد لعبادة الله في الأرض المسجد الحرام بمكة، وهو كثير الخير والنفع لمن حجه أو اعتمره(39).
2. السنة النبوية :
حرصت السنة النبوية كما حرص القرآن الكريم على إظهار قيمة البناء وتشييد المساكن للتمكين في الأرض وتقديراً للنعمة واجبة الشكر، وذلك بمختلف الطرق والأساليب المشروعة من زراعة وصناعة وتجارة(40) من غير إسراف أو مبالغة. جاء عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : (مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي فقال : ما هذا يا عبد الله؟ قلت يا رسول الله شيء أصلحه، قال : الأمر أسرع من ذلك)؛ وقوله عليه السلام : (أما إن كلّ بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا، يعني ما لا بد منه(41). فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الاشتغال بالبناء والمساكن عن الواجبات الشرعية الأخرى التي هي أهم من البناء لأنه عليه الصلاة والسلام يعلم ما تجره البنايات ولا سيما التي فيها غلو من ويلات على أصحابها، لذلك تراه عليه الصلاة والسلام قد حذر منها، وعدّها من علامات الساعة كما روي عنه عليه الصلاة والسلام في حديث الإيمان الذي جاء فيه: (وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)(42).
لكنه عليه السلام لم يغفل عن هذا الجانب أو أهمله بالقطعية، لما يعلمه من أنه بالبناء والمساكن وبأشباههما تقوم الدنيا وتعمر حتى توصلنا بالآخرة، وبالامتناع عن هذه الأعمال والانصراف عنها ينحط أمر الدنيا ويهمل شأنها، وفي إهمال الدنيا إهمال للآخرة قال تعالى : (ولا تنس نصيبك من الدنيا)(43)، وقال عليه السلام : (ثلاث ليس على ابن آدم فيها حساب ثوب يواري به عورته، وطعام يقيم صلبه، وبيت يسكنه، فما كان فوق ذلك فعليه فيه حساب (44)، وقد روى عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يفيد مثل هذا المعنى من حيث ضرورة البناء الذي لا بد منه، حيث قال عليه الصلاة والسلام : (ليس لابن أدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء(45)).
هذا وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى ضرورة البناء لأجل السكن كما فعل هو صلى الله عليه وسلم في بناء بيوته التي كانت من الطين، فإنّه في الوقت نفسه حذر أشد التحذير، ونهى أشد النهي أن يعتدي أحد الناس على غيره في بنائه سواء كان هذا البناء مسكناً أو مصنعاً أو متجراً أو مزرعة، وخصوصاً الجيران لما بينهم من الأمور الكثيرة المشتركة، ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال توجيهاته عليه الصلاة والسلام مثل : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)(46)، وقوله عليه الصلاة والسلام (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه)(47)، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة قلت : يا رسول الله ما حق الجار؟ قال : أربعون داراً)(48)، وقال آخرون : أربعون داراً من كل جانب من جوانب الدار، وقال آخرون كل من صلى الصبح في المسجد، وقال آخرون أهل المدينة كلهم جيران)(49).
يبدو من هذا التوجيه النبوي الشريف الحرص على ضرورة عدم إيذاء الجار جاره وخصوصاً في الجزء المتعلق بالبناء وهو الدار إشارة إلى المعنى النبيل المتعلق بالمحافظة على المساكن فضلاً عن الجانب الأخلاقي المتعلق باحترام الساكنين فيها.
إضافة إلى أنه عليه الصلاة والسلام أقسم على الله ثلاث مرات على التوالي بنفي صفة الإيمان عن جار السوء أو جار الشر الذي لا يؤمن شره عندما قال : (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال : جار لا يأمن جاره بوائقه، قالوا : فما بوائقه؟ قال شره)(50).وعلى المعنى ذاته نجد عليه الصلاة والسلام يؤكد على حرمة الجار والبناء الذي يسكنه عندما صرح في الحديث المتعلق بسمرة بن جندب من أن الحرمة لا تقتصر على الدار والبناء، بل على الأرض التي يقوم عليها ذلك البناء أيضاً ويسكنها الجار عندما قال : (جار الدار أحق بالدار)(51)، وقوله عليه الصلاة والسلام لسمرة : (أنت مُضار، وللأنصاري اذهب فاخلع نخله)، حيث أن سمرة هذا كان له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال : ومع الرجل أهله، وكان سمرة يدخل إلى بستانه فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يناقله فأبى قال : فهبه لك كذا وكذا رغبة فيه فأبى فقال : (أنت مضار)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري اذهب فاخلع نخله(52).
صفوة القول : إنّه عليه الصلاة والسلام أكدّ على البناء وأهميته، وأصّل القاعدة العظيمة في شأن حرمة الأرض والبناء والمساكن، والأشخاص الذين يسكنون فيها ويقيمون عليها، تلك القاعدة التي تضمّنها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الشامل للبناء والمساكن والأنفس وغيرها الذي أخرجه الحاكم والدار قطني والبيهقي عن أبي سعد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا ضرر ولا ضرار من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه)(53).
والذي تناقله الفقهاء والعلماء وعدوّه أصلاً من الأصول التي يدور عليها الإسلام وتناقلته جماهير الأمة واحتجوا به، وأدرجوه في قائمة الأحاديث التي يدور عليها الفقه الإسلامي، والأساس لمنع الفعل الضارّ، والمقياس الذي يقيس عليه القاضي وجه العدالة في فضّ الخصومات بين المتنازعين، وقد أوردته هنا بشيء من التفصيل لبيان حقيقة الضرر وأنه بما يعقبه من ظلم يؤدي إلى خراب العمران بأجمعه والذي يشكل البناء والمساكن الجزء البارز والضروري فيه، مما يتعطل مع فواته نظام الكون ودورة الحياة على الأرض .
3. الإجماع :
أجمع فقهاء الإسلام على ضرورة بناء المساكن والدور لحفظ حياة الإنسان على الأرض ووقايته من حرّ الصيف وبرد الشتاء، وحفظه من عيون الرقباء والمارة، وعدّواً ذلك واجباً بأمر ولي الأمر(54). جاء في محلّى ابن حزم ما نصه :
(وفرض على الأغنياء من أهل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة)(55).
ويسجل الإمام علي رضي الله عنه في كتابة للأشتر النخعي أروع ما يدل على الاهتمام ببناء الدور والمساكن وعمارة الأرض عندما قال له:
(هذا ما أمر به عبدالله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاّه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها، إلى أن يقول : وليكن نظرك إلى عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاًً)(56)، ولا شك أنّ بناء المساكن والدور جزء أساسي من عمران الأرض بل يأتي في المقدمة من حيث ضرورته .
لكنّ الفقهاء في الوقت ذاته حذروا أشد التحذير وأجمعوا على ضرورة تحريم بناء المساكن والدور العالية التي يقصد بها إلحاق الضرر بالناس أياً كان نوع الضرر وعلى الخصوص بين الجيران، وذلك لما بين الجيران من المصالح المشتركة الكثيرة فتراهم قد صرّحوا بالمنع إذا كان البناء والتطاول يؤدي إلى كشف عورات الجيران، أو حجب النور والهواء والشمس عنهم، أو تسبب بعض الأمراض لهم، كما لو أنشأ الجار مصبغة أو كنيفاً أو مدبغة تتسرب منه الروائح الكريهة، أو فرناً يتسرب منه الدخان.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله :(ولا تستعل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح بإذنه(57)، ويقول الإمام ابن فرحون المالكي :(إن أحدث غرفة يطلع منها على اسطوانة جاره منع، وسواء كان الزقاق نافذاً أو غير نافذ)(58). ويجمع الإمامان ابن القيم والسرخسي على عدم جواز فتح الجار شباكاً يشرف منه على جاره، ولا أن يحفر بئراً قريباً من بئر جاره فيذهب ماؤه لما في ذلك من ضرر متعمد) (59)، وصرحاً كذلك بعدم جواز إنشاء كنيف أو فرن أومدبغة أو طاحونة لما في ذلك من ضرر متحقق على الجيران)(60).
ولقد جاء عن صاحب نهاية المحتاج أن من أنشأ في داره بين الناس معمل نشادر وشمه أطفال فماتوا بسبب ذلك يضمن لمخالفته العادة)(61).
وقال صاحب المغني بشأن المساكن والأبنية المتعلقة بالجيران ما نصه :
(وإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر فليس لصاحب الأعلى الصعود على سطحه على وجه يشرف على سطح جاره إلا أن يبني سترة تستره(62)، وأضاف : (ليس للرجل التصرف في ملكه تصرفاً يضر بجاره نحو أن يبني فيه حماماً بين الدور، أو يفتح خبازاً بين العطارين، أو يجعله دكان قصارة يهز الحيطان ويخربها، أو يحفر بئراً إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها)(63). وقال صاحب المبسوط : (أرأيت لو أراد أن يجعل فيها أي داره رحى أو حداداً أو قصاراً كان للآخر أي للجار الآخر منعه)(64).
وجاء في تبصرة الحكام ما يمنع إحداث أي شيء من بناء وملحقاته يضر بالجار ولو كان الضرر قليلاً ما نصه : (وإما إحداث باب قبالة باب الجار فقال في المدونة: وليس لك أن تفتح في سكة غير نافذة باباً يقابل باب جارك أو يقاربه ولا تحول باباً هناك إذا منعك، لأنه يقول الموضع الذي تريد أن تفتح لي فيه مرافق افتح بابي وأنا في سترة، فلا أدعك أن تفتح قبالة بابي أو قربه فتتخذ علي فيه المجالس وشبه ذلك من الضرر، فلا يجوز أن يحدث على جاره ما يضره، وأما في السكة النافذة فلك أن تفتح ما شئت أو تحول بابك حيث شئت)، ويضيف : (إن أحدث على جاره كّوة للضياء فقام جاره عليه في ذلك فإنه ينظر أهل البصر إليها فإن كان فيها ضرر بجاره منع وأغلق)(65).
نستنتج من هذا أنّ كثيراً من الفقهاء والعلماء والمفسّرين قدامى ومحدثين أشادوا بقيمة البناء المتعلقة بمساكن الناس ودورهم، لأنها تشكل مع غيرها من الحاجات الأخرى كاللباس والشراب ما به قوام الحياة واستدامة المعايش، وصرّحوا بأنها مندوبة شرعاً وعقلاً لما فيها من حفظ النفوس وحراسة الحواس، ونرى الفريق الآخر من العلماء والفقهاء قد قسم المساكن والدور إلى وواجبة كما في حالات عمارة القناطر اللازمة والمسجد الجامع، ومندوبة كما في حالات عمارة المساجد، ومباحة كما في حالات عمارة المنازل، وحرام كما في حالات الحانات أو ما بنى للمباهاة إذا كان من مال حرام (66)، بل إن بعضهم قد عقد فصولاً كاملة مُنوّهاً بقيمة البناء والمساكن كالماورديّ والغّزاليّ والشاطبّي وابن خلدون والنوويّ والزمخشريّ والقرطبيّ وغيرهم(67).
أما علماء القانون والمهندسون المعماريون والبناءون اليوم فإننا نجد أن المهم آراء قيمة في الحض على العمران وإقامة المباني وتشييدها وتصميمها وهندستها، ومنع الاعتداءات والتجاوزات على حقوق الإنسان العامة وحقوق الجيران الخاصة .
فالقانونيون يرون ضرورة إقامة المباني وإيجاد المسكن الملائم للفرد لأن ذلك من الحقوق العامة والمدنية لكل شخص على اعتبار أن الحقوق عندهم نوعان عامة وخاصة، ويعتبرون البناء وإنشاء العمارات من الحقوق العامة الملازمة للشخصية، والتي يعد إنكارها إهداراً لآدمية الإنسان.
لكنهم في الوقت نفسه يضعون تشريعات كثيرة بخصوص البناء من حيث الإشراف على حركة المباني وترخيصها، لأن المباني تمثل قيمة اقتصادية كبيرة بالنسبة للأفراد وثروة كبيرة للبلاد، لأنه يستعمل فيها كثير من المواد المحلية والمستوردة فيقضي الصالح العام مراقبة هذه المواد والإشراف عليها. كذلك فإنهم يضعون التشريعات لمسايرة التطوّر العمراني حسب قواعد مرسومة حتى لا يظل الأمر تبعاً لأهواء الأفراد، ويقصدون من تلك التشريعات بالإضافة إلى ما ذكر الحفاظ على صلاحية المباني من النواحي الفنية والهندسية حفاظاً على حياة الناس وكرامتهم.
كذلك فإن رجال القانون يهتمون دائماً بوضع تشريعات تتعلق بالمسؤوليات في البناء(مسؤولية المهندس، مسؤولية المقاول، مسؤولية حارس البناء……ألخ).
وفي هذا الخصوص تراهم يصرحون بأنّ إقامة بناء دون ترخيص جريمة يعاقب عليها القانون ويلحق بذلك تعلية البناء وتدعيمه وترميمه وهدمه وتغطية واجهاته كلها أو بعضها(68).
ففي الأردن مثلاً نص قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية رقم 79 لسنة 1966 على أحكام وشروط تنظيم البناء وعلى مخططات تقسيم الأراضي وعلى كبقية منح رخص التنظيم والأبنية، وعلى إجراءات ومراقبة الأعمال والأبنية في مواده 26، 27، 28، 29، 30، 32، 33، 34، 35،(69)، ونشر هذا القانون في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 25/9/1966(70)، وقد عدّل هذا القانون عام 68، ولكنّ الفقرات والمواد المتعلقة بتنظيم البناء وترخيصه بقيت كما هي، فمثلاً المادة (34) تنص على كيفية منح الرخص كما يلي :
1. لا يجوز الشروع ضمن مناطق التنظيم المعلنة في عمل يطلب القيام به والحصول على رخصة، ولا يجوز تنظيم أو إعمار أية أرض أو استعمالها استعمالاً لا يتطلب الحصول على رخصة إلا أن تصدر رخصة بذلك العمل أو التنظيم أو الإعمار أو الاستعمال، ولا تمنح مثل هذه الرخصة إلا إذا كانت مطابقة لهذا القانون والأنظمة الصادرة بموجبه ولمخطط التنظيم الهيكلي والتفصيلي أو لمخطط التقسيم والأحكام والتعليمات التي تشكل جزءاً لا يتجزأ منها .
2. يترتب على ذلك أن يخضع أي إعمار لأرض أو إنشاء لبناء يقام في منطقة أعلنت أنها منطقة تنظيم ولكن قبل تصديق مخطط إعماري إلى رقابة مؤقتة على التنظيم والبناء، ويشترط في هذه الرقابة المؤقتة أن تؤمن حسب رأي لجنة التنظيم اللوائية، وإنّ الإعمار أو التشييد المقترح كيفما تكون الحال لا يتعارض وأحكام وأهداف مخطط التنظيم الجاري وضعه الذي سيوضح في المستقبل .
3. يترتب أن يخضع أي تنظيم لأرض أو إنشاء لبناء يقام في منطقة أعلنت أنها منطقة تنظيم، ولكن لم يحضر لها مخطط إعماري إلى رقابة مؤقتة على التنظيم والبناء، ويحق للجنة المحلية بموافقة لجنة اللواء أن تقرر عدم منح أية رخصة لمدة لا تزيد على السنة لأي إعمار في المنطقة المذكورة تقوم خلاله سلطات التنظيم المسؤولة بتحضير مخطط التنظيم لها.
4. تشمل كلمة (إعمار) في هذا القانون ما يلي :
أ- إنشاء أي بناء أو إحداث تغيير فيه أو توسيعه أو تعديله أو هدمه .
ب- استعمال الأبنية والأرض لغاية غير الغايات المسموح باستعمالها سواء أكان ذلك بالتخصيص أو لأن البناية أو الأرض واقعة في منطقة خاصة .
ج- إنشاء المجاري والمصارف وحفر الترسيب وحفر الترشيح .
د- الحفريات والروم والتعبئة .
هـ- إنشاء الطرق والأسوار والأسيجة وأي عمل هندسي وأعمال التعدين وأية أعمال أخرى سواء أكانت في باطن الأرض أو على سطحها.
و- جميع الإنشاءات والأعمال التي تتناول مظهر الأبنية الخارجية ويشمل ذلك الطراشة والدهان.
ز- تركيب حمام أو مرحاض أو مجلى أو مغسلة أو بالوعة في بناية موجودة.
ط- التهوية الميكانيكية والتدفئة الصناعية.
ل- استعمال أي أرض أو طريق أو أي جزء خارجي من البناء بقصد غرض الدعاية.
هذا وفي طلب الرخصة للبناء أشارت المادة 35 من قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية لعام 66 والمعدل للعام 68 وعام 85 في الأردن على ما يلي :
(على كل شخص يرغب في تنظيم أو إعمار أية أرض أو إجراء أية عملية بناء يتطلب إجراؤها الحصول على رخصة أن يتقدم للحصول على رخصة إلى لجنة التنظيم المحلية أو إلى لجنة التنظيم المختصة حسب ما تكون الحال وفقاً للأنظمة والأحكام والشروط الموضوعة بموجب القانون.
وبالمقارنة نجد أن القانون يلتقي مع الشريعة في كثير من الأحكام والأهداف المتعلقة بالبناء، ونجد أن القانون قد أفاض هو الآخر بالحديث عن البناء وأهميته وضرورة وضع التشريعات الخاصة بذلك.
وأستطيع القول إن أهم توافق بينهما هو ضرورة المحافظة على حياة الإنسان عند البناء وإلا وجب تعديل البناء أو هدمة، وألاّ يكون البناء تحت أي قيد أو ظرف مخلاّ بحقوق الناس العامة، لأن في ذلك تعدياً على حرياتهم وأملاكهم الخاصة، ولو أن القانون لا يرى ضرورة الحد من البناء ابتداءً كما فعلت الشريعة .
ثالثاً: أنواع البناء وحكمه وشروطه، وآدابه، والمواد المستخدمة فيه بين الشريعة والقانون.
الشريعة :
لا شك أن الشريعة الإسلامية التي جاءت برسالة عامة شاملة أهابت بالأنواع الضرورية من البناء التي في جملتها تدور في دائرة الاعتدال وعدم الإسراف(72). ووضعت من الشروط العامة والخاصة ما تكفل سلامة الإنسان في بدنه وعقله(73) انطلاقاً من مبدأ الإسلام الثابت في قوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً”(74).
وقوله تعالى:(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)(75). (كل واشرب وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة)(76). ولذا نجده عليه الصلاة والسلام وأصحابه زاهدين في البناء وأنواعه، حريصين على عدم تكثيره مكتفين بذات الطين واللبن.
جاء في طبقات ابن سعد (رأيت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز كانت بيوتاً من اللبن ولها حجر من جريد مطرود بالطين عددها تسعة أبيات بحجرها، ولما دخل عليه السلام على بيت أم سلمة بعد غزوة نظر إلى اللبن فقال: (ما هذا البناء؟ فقالت : أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس، فقال : يا أم سلمة إنّ شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان)(77).
فسياسة الرسول صلى الله عليه وسلم العمرانية كانت واضحة كل الوضوح تتمثل في التقليل من أنواع البناء والتطاول فيه ما أمكن وذلك تبعاً لأحوال المسلمين الذين كانوا منشغلين بظروف الدعوة وتبليغها والتي كانت تحول دون التركيز على الجانب العمراني إلى حد كبير .
ودرج على سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في التقليل من شأن البناء والاهتمام به سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمع أنه يعد بحق المؤسس الأول للنظم العمرانية والاهتمام بمرافق الدولة، ومع أنه عرف عنه استحضار كبار المهندسين المعماريين أصحاب الاختصاص وتخطيط المدن، لكنه رضي الله عنه ما كان نوع البناء الذي اهتم به أوة سمح به يخرج عن دائرة المشروع، فقد كان على درجة كبيرة من الاعتدال وعدم الإسراف، فكان المسلمون في عهده يبنون مساكنهم بالقصب، ثمّ إذا غزوا نزعوا القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو فإذا رجعوا أعادوا بناءه(78).
وقد حدد رضي الله عنه نوع البناء المطلوب وطريقته والمادة التي تخلط لأجل البناء بتوجيهه الرائع حين قال :(كنت أكره لكم البنيان بالمذر، فأما وقد فعلتم فعرضوا الحيطان وأطيلوا السمك، وقاربوا بين الخشب).
وهاله رضي الله عنه وهو في طريقه إلى الشام من صرح بني بجص وآجر فكبر وقال : (ما كنت أظن أن يكون في هذه الأمة من يبني بنيان هامان لفرعون)(79).
أجل! بمثل ذلك وأقل منه كانت تنطلق سياسة المسلمين العمرانية لا رغبة عن البناء، إنما عزوفاً عنه إلى ما هو أهم منه .
صفوة القول : إنّ نوع البناء المطلوب كان على عصر الرسول صلى الله عليه وسلم هو من النوع الذي لا بد منه لإيقائهم من حر الصيف وبرد الشتاء، فلم يكن بذي الطول أو العرض، ولم يكن ترصد له المبالغ الكبيرة من الأموال كما هو مشاهد اليوم، بل كان متواضعاً جداً.
كما أننا نستنتج أن شروط البناء في ذلك العصر هي الشروط نفسها في العصور التالية م حيث أن يكون البناء على تواضعه دقيقاً ومنظما، وأن يكون بالجص والآجر وليس من المذر إن أمكن لتقويته وصلابته خوفاً من الانقضاض أو السقوط، وكذلك تعريض الحيطان وتطويل السمك والمقابة بين الخشب لضمان تماسكها مع بعضها البعض كما أشار إلى ذلك سيدنا عمر رضي الله عنه، وأكد عليه كثير من الأئمة والفقهاء.
فالإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله بين أن الإسلام حرص اشد الحرص على إبراز المعاني السابقة في البناء وعدم الضرورة في تنويعه إذ عبر عن ذلك بقوله :
(إنّ الأفضل أن يكتفي عن الدنيا بما لا بد منه، ويقدم لآخرته ما هو زيادة على ذلك مما اكتسبه، ولكنه لو استمتع بشيء من ذلك في الدنيا بعدما اكتسبه من حله لم يكن به بأس، والقول بتأثيم من ينفق على نفسه وعياله مما اكتسبه من حله وأدى حق الله تعالى فيه غير سديد(80).
هذا ولما كان البناء وتشييده يختلف باختلاف الأحوال والأزمان، وباختلاف المدن والقرى والبوادي والأرياف، وباختلاف الطبقات الفقيرة والغنية، ومن حيث سعة البناء وضيقه، فإننا اليوم أمام صور كثيرة من البناء القديم الحديث، فمثلاً العلامّة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع والعمران يرى أن الناس على اختلاف في هذا الشأن كالتالي(81):
فمنهم الذي يتخذ القصور الفخمة العظيمة الساحة المشتملة على عدة من الدور والبيوت والغرف الكبيرة لكثرة ولده وحشمه وعياله وتابعه. ومنهم من يبني الدويرة الصغيرة لسكنه وولده لا يبتغي ما وراء ذلك لقصورحاله واقتصاره على السكن الطبيعي للبشر، ومنهم من يبني البيوت كحظائر من القصب والطين.
أما من حيث طبيعة البناء وتأسيس الجدران والتزويق والتنميق :
فكان منهم من يؤسس المدن العظيمة ذات الهياكل المرتفعة المتقنة الأوضاع والعلو في الإجرام مع الأحكام لتبلغ الصناعة مبالغها وأكثر ما تكون هذه الصناعة في الأقاليم المعتدلة.
هذه هي وجهة نظر الشريعة في نوع البناء المطلوب من حيث الطول والعرض والاتساع والعمق تبعاً للعصور الإسلامية المختلفة وخصوصاً في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه. على أنه يجب ألا يفهم أنّ رضى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وقناعتهم بالقليل من البناء وعدم التطاول فيه ناتج عن قصورهم أو قصور الشريعة الإسلامية عن الإيفاء بمتطلبات تلك العصور والعصور اللاحقة، لكن العكس تماماً هو الصحيح إذ أن الشريعة الإسلامية تهيب بأتباعها مواكبة كل جديد، والاستفادة من التقدم العمراني والعلمي والصناعي، بما يتناسب وحفظ قواعدها العامة وأصولها الكلية مع عدم التغافل أو النسيان أن لكل زمان وعصر رجاله وقدراته وأولوياته.
ب- في القانون :
يهتم علماء القانون الوضعي وشراحه بأنواع العمران، ويقيمون وزناً كبيراً للبناء وشروطه، وذلك لما لهما من دلالات كبيرة على رقي المجتمع واستقراره وتقدمه اقتصادياً واجتماعياً ومالياً، ويحاولون مع أهل الاختصاص والخبرة من المهندسين والبنائين وأصحاب الورش وغيرهم ضبط عمليات البناء وإشادة العمران، مع تقديرهم أن حاجات الناس قد تغرت وأذواقهم قد تبدلت عند الكثير منهم، فما كان يكفي مجموعة كبيرة من الأسر في السكن وغيره من السابق أصبحخ لا يكفي للشخص الواحد اليوم، وهذا كله وكما قلنا ناتج عن التطور والتسابق السياسي والاجتماعي والصناعي والعمراني الهائل الذي يشهده العالم اليوم، والذي نتج عنه تغير الأفكار واختلاف المستويات والأحوال. وعلى أي حال فإننا اليوم أمام وضع يتجاذبه طرفان أو فريقان بهذا الخصوص :
فريق أو طرف يدعو إلى عدم التسابق في العمران وتشييد البناء أو على الأقل التريث، غذ أن تشييد القصور الفخمة والبنايات العظيمة عندهم نوع من أنواع اللهو غير المبرر والاشتغال بغير الأولى.
أما الفريق أو الطرف الثاني فيدعو إلى التحفز والتسابق في البناء والعمران وذلك للنزعة الحضارية الغالبة عند هؤلاء، إذ أن هذا الفريق يعكس الفريق الأول تماماً فعنده تشييد القصور الفخمة وإقامة البنايات ذات الطوابق والأجنحة المتعددة هو المطلوب له وللناس جميعاً، وهو اشتغال بالأصح وتقديم الأولى، وباعتقادي أن القانون يميل إلى تغليب فكرة الفريق الثاني وإشهارها وتعميمها بين الناس .
ومهما تكن الأسباب والحجج التي يعتمدها كل فريق فإنّ شراح القانون ومنفذيه وبمعاونة السلطات المختلفة يحضرون على كل جديد، بل يشجعون الإبداع والابتكار في تنفيذ العمليات الإنشائية الضخمة لتوفير المساكن الجيدة لمختلف طبقات الشعب العليا والمتوسطة وذات الدخل المحدود، بل إنهم يقدمون كل الحوافز والدعم المادي عن طريق تقديم القروض طويلة الأجل لتنفيذ المشاريع الإسكانية التي تعود بالنفع العام على المواطن نفسه والمجتمع والدولة.
لكنهم في الوقت نفسه يحذرون أشد التحذير أن يصل الأمر بالمواطنين إلى درجة التبذير والإسراف، وفي هذا يتفق القانون والشريعة في فهم أضرار التبذير والإسراف وتبديد الطاقات.
والذي أراه بعد مناقشة أدلة كل من الفريقين أنه ربما يكون كل منهم مصيباً في رأيه تبعاً للهدف والاتجاه الذي يميل اليه فإذا كان هدف الفريق الأول الدعوة إلى الجمود أو التخويف من الانجراف مع الحضارة، والاكتفاء بتشبيك الأيدي فباعتقادي أنه غير مصيب، أما إذا كان الهدف حتى يصلح الحال ويسعد الناس فشيء مقبول ومحمود. والوصف ذاته ينطبق على رأي الفريق الثاني، فإذا كان هدفهم من التحفز والتسابق في العمران وتشييد البناء لمجرد اللهو وتبديد الأموال وإرضاء النزوات فهو غير مصيب قطعاً. ومن أن الشريعة وكما أسلفت تحبذ الأخذ بفكرة العمارات البسيطة والشقق المتواضعة، وذلك تبعاً لظروف الدعوة الإسلامية ومستلزماتها حيث لم يصل إلينا الكثير من أنواع البناء كما نراها اليوم، لكنها على أي حال لا تمانع من الأخذ بفكرة التطور الذي يشهده العالم المتمدن والمتحضر في هذا المجال:
1. البناء المؤلف من الشقق ذو الطبقات العالية والمرتفعة .
2. البناء المفرد (الفيلات) .
3. البناء المزدوج.
وفي شأن هذه الأنواع وخصوصاً النوع الأول فإننا نجد أن لها أحكاماً وتفريعات كثيرة خاصة بها من حيث بناءها وتملكها وتأجيرها وبيعها على المخططات قبل إنجازها وما ينتج عن ذلك من محاذير ومشاكل وخلافات بخصوص إصلاح المرافق المشتركة كالجدران والمناور وغيرها .
هذا ومع أن بناء الشقق وأنواعها قديمة إلاّ أنها حديثة العهد في الأردن نسبياً(82) إذ يرجع إلى عام 1968م عندما أصبحت البلاد تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية عقب حرب 1967م بين العرب وإسرائيل، حيث وضعت الاقتراحات آنذاك لحل مشكلات السكن، وأنشئت على أثرها مؤسسة الإسكان التي كان هدفها إنشاء المسكن الصحي المناسب للمواطنين، وخاصة أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، وصدر قانون ملكية الطوابق والشقق رقم 25 لسنة 68 الذي ينظم هذا النوع من الملكية وبقي إلى أن صدر القانون المدني الأردني عام 76 ليعمل به اعتباراً من 1/11/1977 بجيث اشتمل في مواده (1066 – 1075) على أحكام تجمع بين نظام ملكية الشقق ونظام ملكية السفل والعلو(83).
رابعاً: شكل البناء وزركشته وصبغه ودهانه بين الشريعة والقانون
أ- في الشريعة :
ذكرنا عند الكلام عن أدلة البناء الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، وكذلك عند ذكر أنواع البناء كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يزهدون في البناء إلا ما ليس منه بد، وينهون عن الإسراف والتطاول فيه لغير حاجة، وكيف أنهم كانوا يعدونه من علامات الساعة، ونوهنا كذلك بآراء القانونيين المؤيد للشريعة في هذا المجال وإن كان التسابق الميداني في العمران قد بلغ أشده وأوجه اليوم، بحيث لا تجد رقعة من الأرض أو بقعة تحت ظل الشمس ما خلا الصحاري والأنهار والبحار والأقطاب المتجمدة إلا وعليها نوع من أنواع البناء(84).
ولكن ما يعنينا هنا بيان وجهة نظر الشريعة ووجهة نظر القانون في شكل البناء المسموح وزركشته وتزويقه ودهانه وصبغه بأنواع الأصبغة المكلفة والبراقة بعد أن عرفنا رأي الشريعة والقانون في ضرورة الاعتدال في أنواع البناء والالتزام بشروط البناء، وعدم التطاول فيه وخصوصاً عند عدم وجود الحاجة الماسة لذلك.
هذا وإذا كان البناء منهياً عنه عند عدم الحاجة إليه فأولى النهي عن الزركشة والتزويق والتنميق، واستخدام الأصبغة والدهانات المتنوعة، إلا بالقدر الذي سمحت به الشريعة دون مجاوزة أو خروج على الحد المألوف، وذلك خوف الابتذال والترهل الذي يترافق غالباً من هذه الاستخدامات.
وحول هذه النقطة يمكن طرح الملاحظات والاهتمامات التالية :
1. إذا كان هدف الزركشة والتزويق والزخرفة المباهاة والمفاخرة فذلك حرام لمصادمته للنصوص الشرعية الكثيرة مثل قوله تعالى :(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك)(85). وقوله عليه السلام :(كل واشرب وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة)(86).
2. أما إذا كان هدف الزركشة والتزويق والزخرفة إظهار نعمة الله عز وجل، وإنه نوع من الإبداع والابتكار في الصنعة، فذلك مباح ولا يخرج البناء عن دائرة المشروعية نزولاً عند تعلق الناس وإشباع غرائزهم بما لا بد منه من التحسينيات فوق الضروريات والحاجيات، يقول الإمام الغزالي رحمه الله : (لو اقتصر الناس على سد الرمق لتعطلت الحياة واختل النظام وفي ذلك خراب أمر الدين).
ب- في القانون :
لا يمانع القانون بعد مشورة ذوي الاختصاص والخبرة من مهندسين وبنائين وأصحاب ورش من استخدام معظم أنواع الأصبغة والدهانات لطلاء الأبنية وزركشتها وخصوصاً الحيطان والسقوف والأبواب والشبابيك كعامل من عوامل الإبداع الفني المبتكر.
والجدير بالذكر أن اختيار الأصبغة والدهانات المختلفة اليوم وتنميق الجدران والحيطان بها تسير في تسابق عجيب وخصوصاً تلك الألوان الزيتية والبلاستيكية وورق الحيطان اللاصقة، وهناك الأنواع الأخرى ذات التكلفة الأكبر المتضمنة الكرانيش والبانوهات أو بعض التجاليد أو الكسوات الداخلية(88). وفي خصوص تبييض البنايات اليوم ترى الحجر الصناعي أو الحجر الطبيعي أو الجرانيت، أما الأرضيات فهناك الموكيت الفاخر أو الفرو المسمار أو أرضيات الرخام أو الجرانيت أو السراميك.
هذا ويمكن القول إن لكل نوع من أنواع البناء أو الأخشاب وغيرها أنواعاً من الدهانات تناسبها، فمثلاً الذي يناسب السطوح الداخلية لا يناسب السطوح الخارجية أو الحديدية أو الفولاذية أو الإسمنتية أو غيرها.
كما أن هناك أنواعاً أخرى من الدهانات خاصة بطبقات البناء التأسيسية Primer، وطبقة البطانة Under Coat، وطبقة الظهارة Finishing Coat(89). وباختصار فإن علماء الشريعة والقانون متفقون على مبدأ زخرفة وتنميق وتزويق وصبغ ودهان البنايات من غير غلو أو إسراف، وذلك إظهاراً لنعم الله عز وجل على الإنسان، وكون ذلك مظهراً من مظاهر الإبداع والابتكار.
خامساً: الأحكام المتعلقة بالبناء في الفقه والقانون من حيث :
1. المساحة المسموح البناء عليها (مساحة الأرض ومساحة البناء نفسه)
2. طول البناء وعلوه وعمقه.
3. التهاوي، الارتدادات الأمامية والخلفية والجانبية.
1. مساحة الأرض ومساحة البناء :
أ- في الشريعة:
المتأمل في مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها العامة يجد أن مساحة الأرض التي يجوز قيام وبناء المساكن عليها قليلة جداً، وذلك لاعتبارات كثيرة تتعلق بالاعتدال وعدم الإسراف كما قلنا، وكذلك لأن الأمة الإسلامية أمة محاربة ودائمة الحركة والتنقل، وأن بناء المساكن والمدن تثقل الجيش الإسلامي وتجعله يميل إلى الراحة والدعة عن الوفاء والقيام بدوره في الجهاد. لهذه الأسباب حُظر على المسلمين زيادة الرقعة المسموح البناء عليها من الأرض كما حُظرت البنايات والطوابق ذات الأدوار والشقق العالية، بل إن سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته العمرانية، وخصوصاً سيدنا عمر رضي الله عنه كانت تميل إلى الاقتصاد والاختصار الشديد في ذلك، حتى أن مساحة حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم التسع كانت لا تزيد عن 10 × 10 أمتار تقريباً.
جاء في طبقات ابن سعد :-
(كانت أربعة بيوت من أبيات النبي صلى الله عليه وسلم بلبن حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها على أبوابها مسوح الشعر ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع والعظم أو أدنى من العظم)(90). ولقد كانت سياسة عمر رضي الله عنه العمرانية ألا تزيد رقعة الأرض المسموح البناء عليها أكثر من اتساع خيمة، وكذلك كان لا يسمح بأن تزيد مساحة أي بناء عن ثلاثة غرف.
وقد أوضح رضي الله عنه فلسفة البناء وطريقته من حيث الطول والعرض والارتفاع فيما يسمى اليوم بتخطيط المدن وهندستها بواسطة المهندسين والمستشارين حين قال : (كنت أكره لكم البنيان بالمذر، فأما وقد فعلتم فعرضوا الحيطان وأطيلوا السمك وقاربوا بين الخشب)(91).
ولسائل أن يسأل فيقول : هل كانت سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه العمرانية وافية بالغرض ؟
والجواب ربما يكون بالنفي في مفهوم العصر الحاضر، لأن ذلك لا يوافق المستجدات الحديثة في العمارة والتعمير، ولا يتلائم مع رسالة البناء والسكن اليوم. ولكن عند التدقيق يبدو أن النهج الذي كان يقصده عمر رضي الله عنه أبعد من ذلك، وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بارتفاع البناء والتطاول فيه لأجل المفاخرة والزينة، لأنه رضي الله عنه توخى في سياسته العمرانية أن يحمي الدولة أول نشأتها من الترف والبذخ، وأن يحول بين الجند وبين الاستكانة إلى متاع القصور المشيدة والصروح الممدودة، وما فيها من بواعث الوهن والفتور(92).
أقول : إنّ رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه العامة كانت أبعد من بناء القصور وتشييد المساكن، وإن سياسته العمرانية كانت واضحة كل الوضوح إذ لا مجال في دولة ناشئة كدولته أن يركز على الجانب المتعلق بالبناء والمساكن ويترك الجانب المتعلق بسيادة الدولة وامتدادها شرقاً وغرباً لكثرة فتوحاتها وتأمين ثغورها، فسيادة عمر العمرانية التي أدركها رضي الله عنه بعقله وبصيرته النافذة لم تكن وليدة سوء أو قصور في الإدراك عن معنى البناء وأهميته، ولكنها الحرص على عدم الانغماس في الترف وما يدعو إليه، فلا ضرورة للتركيز على البناء قبل التركيز على ما يحمي البناء من تنظيمات وأولويات كثيرة كانت تواجهه، ولهذا نجده رضي الله عنه يميل إلى التركيز على الجانب العقدي والأنظمة المالية والاقتصادية أكثر من الجوانب المتعلقة بالبناء والمساكن، وهي واحدة من السياسات الحازمة الكثيرة التي طبقها في بناء دولته على غرار سياسته في المال والأرض وغيرها، مع أنه رضي الله عنه كانت له آراء قيمة تجاه البناء والعمران تمثلت في قوله : (فأما إذا فعلتم (أي البناء) فعرضوا الحيطان واطيلوا السمك وقاربوا بين الخشب(93) ولذا نجده رضي الله عنه يحظُر على ولادته اتخاذهم بناءً مميزاً على بناء المسلمين فأمر سعد بن أبي وقاص مغادرة القصر الذي أطلق عليه (قصر سعد)، كما أمر بإحراق أبواب الولاة الذي يحتجبون عن الناس(94). وكان هديه في كل ذلك سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم العمرانية نفسها التي كانت أقرب إلى الزهد والتقشف منها إلى البذخ والترف(95).
وزيادة في الإيضاح حول موقف الشريعة الإسلامية من البناء والمساكن بعد أن تبين لنا بشكل قاطع رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في البناء وموقف سيدنا عمر بن الخطاب إزاء ذلك الموقف الجديد الذي تبناه وقاده سيدنا أبو ذر الغفاري رحمه الله، ذلك الموقف الذي لا يقل في أثره ومعناه عن موقفه تجاه المال(96) إذ روي عنه أنه كان يرفض صداقة من يخالف رأيه العمراني بنفس الأسلوب من القوة والشدة والصرامة فيمن يخالف ويرفض رأيه المالي، حيث أنه لقي أبا هريرة الصحابي المعروف فاحتضه أبو هريرة قائلاً: مرحباً بأخي، فسأله أبو ذر هل تطاولت في البنيان؟ فأجابه أبو هريرة لا، ففرح أبو ذر وقال له : أنت أخي! أنت أخي!(97).
وفي موقف آخر له يتعلق بالبناء تراه قد هدد أبا الدرداء كيف يكف عن تحميل اللبن على أعناق الرجال لأن ذلك يتنافى كلياً مع مقصد الإسلام وسياسته في بناء دولته كما كان يرى، فما روي عنه في هذا المجال أنه مر على أبي الدرداء وهو يبني بيتاً له فقال له غاضباً : (حملت الآجر على أعناق الرجال؟! فقال أبو الدرداء: إنما هو بيت أبنية، فكرر أبو ذر قوله لو مررت بك في عذرة (غائط) أهلك كان أحب إلي مما رأيتك فيه)(98).
هذا والناظر في موقف الشريعة الإسلامية تجاه استحداث نظام جديد في البناء وتخطيط المدن في العصور التي تلت عصور الصحابة والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وخصوصاً في العصرين الأموي والعباسي يجد أنها لا تمانع من التطور إذا كان ذلك لا يعارض مبادئها وقواعدها العامة، فمثلاً ترى أنه في تلك العصور وبالأخص العصرين الأموي والعباسي تخصيص مساحة كبيرة للبناء إضافة إلى أنّ البناء نفسه كان يحتل مساحات شاسعة من الأرض(99)، وتمثل ذلك في القصور الفخمة ذات القبب العالية والساحات الواسعة، وذلك في مدن البصرة والكوفة وسمرقند وبخارى وقرطبة والرباط ومراكش والقاهرة بحيث إن المدن كما يقول المؤرخون كانت آيات في الجمال وروعة في الفن الذي ينم عن ذوق رفيع من حيث الجمال والأناقة والهندسة والتخطيط(100).
ب- في القانون :
وفي القانون يمكن التأكد من مساحة الأرض ومساحة البناء المسموح بهما بالرجوع إلى المكتوب والمشاهد في بنايات اليوم، وبالتأكيد سيجد الإنسان مساحات أرضية ومساحات عمرانية خيالية .
فمثلاً عندنا في الأردن أشارت المادة (5) من نظام الأبنية والتنظيم الصادر بمقتضى المادة 67 من قانون تنظيم المدن والقرى رقم 79 لسنة 1966م إلى ما يلي(101):
(عند الترخيص لإقامة بناء تطبق الأحكام التنظيمية التالية وذلك وفقاً للمنطقة التي سيقام عليها البناء). وبالمقارنة مع مساحة الأرض في الشريعة وما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته نجد الفارق الكبير فمثلاً عمر رضي الله عنه كان يرى أن لا تزيد المساحة المقام عليها البناء أكثر من ثلاث غرف(102). وبما أن مساحة الغرفة الواحدة في ذلك الوقت لم تكن تزيد عن 4م2 تقريباً، فإن مساحة الثلاث غرف المسموح ببنائها لم تكن تزيد عن 12م2 (4 × 3 = 12م2) بما يعادل ما هو أقل مساحة من غرفة واحدة في وقتنا الحاضر، بينما حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت أبعادها 3 أذرع × 3 أذرع (الذراع = 68سم)، بما يعادل (2.04 × 1) × 9 = 18.36م2 مجموع التسع حجرات، وهي بناية الرسول صلى الله عليه وسلم كاملة، والتي بمجموعها لم تكن تزيد كثيراً عن مساحة متوسط غرفة واحدة في أيامنا الحاضرة .
بينما المساحة المسموح البناء عليها للبناية الواحدة في القانون اليوم كما أشارت المادة 10 تعادل 10%، وذلك في المناطق الريفية، فالبناية الواحدة من حيث المساحة في القانون اليوم تعادل 9 بنايات في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم .
أما بالنسبة للمساحات في العصور الإسلامية المتأخرة قليلاً عن عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته (العصر الأموي والعباسي) فنجد أن الفارق شاسع جداً، فمثلاً مساحة الأرض التي كان يشغلها قصر الخليفة في القاهرة بلغ 340 فداناً، فلو اعتبرنا أن هذه المساحة خاصة وقارناها بالمساحة المسموح البناء عليها اليوم والتي تبلغ 25% حسب القانون الأردني لوجدنا أنها تفوق كثيراً جداً المساحات المقررة والتي نص عليها القانون.
2. طول البناء وعلوه وعمقه في الشريعة والقانون :
أ. في الشريعة :
أهابت الشريعة الاسلامية وحذرت أشد التحذير من إطالة البناء وتعليته لغير مُسوغ أو هدف كما هو شأنها في التحذير من توسيع الرقعة المراد البناء عليها لغير ضرورة، وذلك احتياطاً من الإسراف المفرط والتجاوز غير المُسوّغ، دل على ذلك فعله عليه الصلاة والسلام، فأطول حجراته عليه السلام كانت قصيرة جداً، جاء في طبقات ابن سعد:
(سمعت الحسن رضي الله عنه يقول : كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان رضي الله عنه فأتناول سقفها بيدي)(103).
وقد ذكرنا من قبل أن سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه العمرانية كانت تميل إلى عدم التطاول في البناء خشية فوات فرص بناء الدولة الإسلامية وتضييع طاقات المسلمين في غير الأهم والأولى إذ هو القائل :
(فأما إذا فعلتم (أي البناء) فعرضوا الحيطان وأطيلوا السمك وقاربوا بين الخشب)(104).
بل إنه رضي الله عنه كان كثير الاهتمام بتحديد مقاييس الشوارع وتحديد الأطوال المطلوبة فيها أكثر من البناء، فمثلاً استشار أصحابه في جعل عرض شوارع الكوفة الرئيسة أربعين ذراعاً وما يليها ثلاثين والصغيرة عشرين، وأن يجعل فيها أزقة كل زقاق سبعة أذرع ليس دون ذلك(105).
هذا وللفقهاء الآراء الفقهية القيمة التالية بخصوص التطاول في البناء وحق المالك في ذلك :
أ- الحنفية:
يرى الحنفية أن صاحب الأرض (المالك) حر في أن يعلي ما شاء من البناء، وله أن يحفر ما شاء، وليس له أن يحفر ما شاء، وليس لغيره أن يتعدى على هواء أرضه أو يحفر فيها إن لم يضر به لأنه تصرف في ملك غيره وبدون إذنه)(106). جاء في حاشية إبن عابدين : (لا يمنع الشخص من تصرفه في ملكه إلا إذا كان الضرر بجاره بيناً، ولهذا فإنّ الجار يمنع جاره من فتح طاقة في بيته)(107).
إلى أن يقول :
(والحاصل أن القياس في موضع يتعدى ضرره إلى غيره ضرراً فاحشاً وهو المراد بالبين، وهو ما يكون سبباً للهدم، أو يخرج عن الانتفاع بالكلية، وهو ما يمنع الحوائج الأصلية كسد الضوء بالكلية واختاروا الفتوى عليه، فأما التوسع إلى منع كل ضرر فيسد باب انتفاع الإنسان بملكه)(108). واستدل الحنفية على جواز التطاول بالبناء عندما ذكروا بعض الأحكام المتعلقة بالمساجد والأحكام المتعلقة بالبناء كما يلي :
(كره تحريماً الوطء فوقه، والبول والتغوط فيه، واتخاذه طريقاً بغير عذر لأنه مسجد إلى عنان السماء)(109)، وقالوا : ( لكل من صاحب السفل والعلو حق في ملك الاخر لذي العلو حق قراره ولذي السفل حق دفع المطر والشمس عن السفل ) (110)
وقالوا :(لو هدم ذو السفل سفله وذو العلو علوه اخذ ذو السفل ببناء سفله إذ فوت عليه حقاً الحق بالملك فيضمن كما لو فوت عليه ملكاً) (111).
وقالوا :(لو هدم صاحب السفل سفله يجبر على بنائه لأنه تعدى على حق صاحب العلو، أما إذا بنى ذو السفل سفله وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنه يجبر لأن فرض المسألة أنه هدم علوه فيجبر على بنائه بعد ما بنى ذو السفل سفله لا قبله، وإنما أجبر لأنه لذي السفل حقاً في العلو كما علمت، أما لو انهدم العلو بلا صنعه فلا يجبر لعدم تعديه)(112).
ب- المالكية :
لا يمنع المالكية من التطاول في البناء بالغاً ما بلغ ولا إحداث عمقٍ في الأرض مهما بلغ أيضاً.
جاء في تبصرة الحكام في الرجل الذي يريد أن يبني بناء وبقربه أندر قوم والبناء يحبس عن الأندر لا يمنع من ذلك، وإن كان في بنائه بطلان الأندر، قاله ابن الماجشون ومطرف وأصبغ(113). وقالوا أيضاً : (إن بنى رجل في موضع مشرف يطل منه على دور جيرانه لم يمنع لأنه كان يطلع منه قبل ذلك إلا أن يفتح فيه كوى يطل منها فلهم منعه)(114).
هذا وقد أورد القرافي في فروقه في الفرق الثامن والمائتين بين قاعدة الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية ما يفيد جواز الارتفاع بالبناء دون تحديد، وجواز إحداث عمق في الأرض دون تحديد أيضاً، إنما الذي يختلف أن أحكام البناء فوق الأرض غيرها تحت الأرض مما سأوضحه – إن شاء الله – عند الحديث عن حكم الأهوية(115). وفي إحداث عمق في الأرض قالوا في رواية سحنون : (ليس للرجل منع جاره من حفر بئر في داره، وإن أضر بجاره في بئره وليس عليه العمل) .
وفي رواية أخرى عند المالكية أنه لا يمنع إذا كانت الأرض صلبة ولا يضر ببئر جاره، فإن كانت رخوة ويضر ببئر جاره بحيث ينشف ماؤه يمنع(116).
ج- الشافعية :
لا يمانع الشافعية التطاول في البناء ولا إشراع روشن على طريق عام، فقالو : لو أن رجلاً أشرع ظلة أو جناحاً على طريق نافذة، فخاصمه رجل ليمنعه، فصالحه على شيء على أن يدعه، كان الصلح باطلاً لأنه أخذ منه على مالا يملك ونظر فإن كان إشراعه غير مضر خلى بينه وبينه، وإن كان مضراً منعه، وكذلك لو أراد إشراعه على طريق خاصة ليس بنافذ أو لقوم فصالحه أو صالحوه على شيء أخذوه منه على أن يدعوه يشرعه كان الصلح في هذا باطلاً من قبل أنه إنما أشرع في جدار نفسه(117).
وقالوا : (من ملك أرضاً اختص بهوائها حتى يمنع على غيره الإشراع إليه أو التصرف فيه إلا بما لا ضرر فيه كرمي إلى صيد. فعلى هذا لا ينبغي أن يثبت الاختصاص من جهة العلو إلا ما تمس الحاجة إليه، إذ لا فائدة في إثبات الملك فيما وراء ذلك، وكذلك ينبغي أن لا يملك من قراره إلا ما تدعوه الحاجة إليه دن ما سفل إلى سبع أرضين إذ لا حاجة إليه(118).
وقالوا (إن أخرج جناحاً إلى طريق لم يخل إما أن يكون الطريق نافذاً أو غير نافذ، فإن كان نافذاً نظرت، فإن كان الجناح لا يضر بالمارة جاز ولم يعترض عليه، واختلفوا في علته فمن أصحابها من قال : يجوز لأنه ارتفاق بما لم يتعين عليه ملك أحد من غير إضرار فجاء كالمشي في الطريق، ومنهم من قال يجوز لأن الهواء تابع للقرار، فلما ملك الارتفاق بالطريق من غير إضرار ملك الارتفاق بالهواء من غير إضرار(119). يفهم من هذا أنه يجوز أن تملك الأرض والعلو الموجود عليها ما دامت الحاجة ماسة للعلو والبناء، كذلك يجوز أن تملك الأرض وما تحتها من سفل ما دامت هناك حاجة :
د- والحنابلة :
لا يمانع الحنابلة أن يرفع الإنسان بناءه في ملكه بشرط عدم الإضرار بغيره جاء في المغني : (لا يجوز بناء دكان أو إخراج جناح أو ساباط أو ميزاب في ملك إنسان ولا هوائه، ولا في درب غير نافذ إلا بإذن أهله(120) وقالوا : (ليس للجار منع جاره من تعلية داره ولو أفضى بناؤه إلى سد الفضاء عنه(121). ويجوز استعمال أرضه في إنشاء حفر ولو كان الحفر عميقاً ما لم يضر بغيره جاء في كشف القناع: (وإن حفر إنسان بئراً في ملكه فانقطع ماء بئر جاره أمر حافر البئر بسده ليعود ماء البئر الأول(122).
والظاهرية ينصون على أن لكل واحد أن يعلي بنيانه ما شاء وإن منع عن جاره الريح والشمس لأنه لم يباشر منعه بغير ما أبيح له، ولكل أحد أن يبني في حقه ما شاء من حمام أو فرن أو رحى أو كمد أو غير ذلك إذ لم يأت نص بالمنع من شيء من ذلك(123)، وقالوا :(لكل أحد أن يفتح ما شاء في حائطه من كوة أو باب)(124).
صفوة القول : إن آراء الفقهاء صريحة في عدم منع إطالة البناء أو تعميقه ما لم يكن هناك ضرر على الجيران وغيرهم، بل إنّ غالبية الفقهاء يميلون إلى تشجيع البناء العلوي بالغاً ما بلغ دون التدخل في أملاكهم ودورهم الخاصة. وعندي أن إطالة البناء لغير ضرورة لا تجوز وخاصة إذا كان ذلك يسبب إزعاجات مختلفة للجيران وغيرهم كحجب الضوء أو كشف العورات، كما صرح بذلك الحنفية والحنابلة. أما إذا كانت تعلية البناء لسد حاجات الناس من سكن وغيره لأجل الاقتصاد في البناء من حيث المساحة في الأرض والمال والشقق، فلا أظن أن ذلك يخالف نصوص الشريعة وروحها العامة، والله تعالى أعلم.
هذه هي آراء الفقهاء في تعلية البناء وإطالته فإذا ما انتقلنا إلى العصر الذي تلا العصر الراشدي -الذي لم يشجع ولاة الأمر فيه على تعلية البناء وتوسعته خشية الإسراف كما أشرنا وتمشياً مع مرحلة الدعوة وأهدافها – إلى العصور اللاحقة كالعصر الأموي والعباسي مثلاً فإننا نجد أنّ البناء والتطاول فيه قد فاق حد التصور في عصور الخلفاء الأمويين والعباسيين كالمنصور والمهدي والمتوكل وعبد الرحمن الداخل والناصر، فقد كانوا مغرمين جداً بالبناء، فالمتوكل مثلاً أمر بنقض قصري المختار والبديع في سامرا وحمل ما بينهما من خشب الساج لاستعماله في بناء قصره الجديد إضافة إلى بناء قصر آخر سماه (لؤلؤة) والذي تميز بعلو بنائه(125).
ويكفي أن نذكر في هذا المجال أن مدينة المهدية في المغرب والأندلس والتي تقع جنوب القيروان قد شيدت بالصخر واتخذ لها المهدي بابين من الحديد لا خشب بينهما زنة كل باب منهما ألف قنطار وطوله ثلاثون شبراً ووزن كل مسمار من المسامير التي استعملت في تركيبه ستة أرطال وأقيم فيها ثلاثة وستون صهريجاً للماء(126)، وهناك مسجد الزهراء في الأندلس في عهد الخليفة الناصر حيث جعل طوله من القبلة إلى الجوف سوى المحراب سبعاً وثلاثين ذراعاً وعرضه من الشرق إلى الغرب تسع وخمسون ذراعاً(127).
أما أبو جعفر المنصور فقد شيد قصراً بلغت مساحته 160.000 ذراعاً مربعاً، وبنى مسجداً إلى جانبه بلغت مساحته 40.000 ذراعاً(128). والقنطرة التي بناها عبد الرحمن الداخل في قرطبة كان طولها 800 ذراع وعرضها عشرون باعاً وارتفاعها ستون ذراعاً وعدد حناياها ثمانية عشر ذراعاً وعدد أبراجها تسعة عشر برجاً(129). يفهم من هذا غرامهم بالبناء وتعليته في حق أنفسهم مع تثبيطهم لغيرهم.
ب. في القانون :
مع أن شراح القانون ومنفذيه لا يعترضون على صاحب الأرض أو المالك في أن يعلى بناءه فوق الأرض طبقات فوق طبقات كيفما شاء، ولا يعترضون أيضاً في أن يحفر تحت الأرض ليصل إلى العمق كيفما شاء، إلا أنهم يشترطون لذلك شروطاً أهمها :
1. أن تكون هناك مصلحة حقيقية للمالك نفسه وللناس عامة ويقصد بذلك انتفاعهم من حيث توفر فرص العمل والتشغيل وغير ذلك .
2. ألاّ يلحق جراء تعليته للبناء أو تعميقه له أي نوع من أنواع الأذى بالآخرين سواء أكانوا جيراناً أم غيرهم .
وعلى هذا نصت المادة 803 من قانون البناء المصري بند (2) إذ ورد فيها مثلاً:
(ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها علواً وعمقاً) ونصت المادة 352 من القانون نفسه على ما يلي:(مالك سطح الأرض يعتبر مالكاً للعلو والعمق) وأكدت على المعنى نفسه المادة 1922/1 مدني إذ جاء فيها :(كل ما على الأرض أو تحتها من بناء أو غراس أو منشآت أخرى يعتبر من عمل صاحب الأرض إقامته على نفقته ويكون مملوكاً له)(130).
وفي القانون الأردني الذي لا يمنع هو الآخر تعلية البناء، إلا أنّه وضع قيوداً لعدد الطوابق المسموح بها والعلو المسموح به، وذلك من بلد إلى بلد ومنطقة إلى أخرى، ومن بناء لآخر.
فمثلاً نصت المادة (5) من نظام الأبنية والتنظيم الصادر بمقتضى المادة 67 من قانون تنظيم المدن والقرى رقم 79 لسنة 66 على أن عدد الطوابق وارتفاع البناء المسموح به يختلف حسب المناطق السكنية عن غيرها.
وبمقارنة القانون مع الشريعة في تعلية البناء وعدد الأدوار والطوابق المسموح بها فوق الأرض، وعددها تحت الأرض نجد أن هناك فوارق ملموسة بينهما على الرغم من أن هناك تلاق في بعض النواحي، فمثلاً كانت حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لا تشتمل على طوابق وأدوار، ولربما أقصى ارتفاع لها كان لا يتجاوز المتر ونصف المتر لأن الحسن رضي الله عنه كان يقول : (كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان فأتناول سقفها)(131)، فهذا يدل على أن الرجل العادي يستطيع أن يلامس مثل هذا السقف إضافة إلى أنه كان عليه الصلاة والسلام يأمر عائشة لتكف رجلها ليتمكن من السجود على الأرض دلالة على صغر المساحة(132).
وعليه فإنّ القوانين الحالية وإن كانت لا تنص صراحة على أقصر طول مسموح في البناء، لكنها تنص على أطوال علوية محددة لا يجوز التغافل عنها أو تجاوزها كما هو الشأن في القانون الأردني، فمثلاً طول البناء المسموح به في الأردن في المناطق السكنية الخاصة كما هو موضح في القانون يجوز أن يصل إلى ثمانية أمتار، وفي المناطق العالية إلى ثمانية طوابق، ولا يخفى ما في هذا التباين بين عهده عليه الصلاة والسلام والوقت الحاضر من معنى الإسراف إن لم نقل الإسراف كله، ولا سيما إذا كان لا يوجد ثمة حاجة إليه .
وعندي أن ذلك يتبع وكما ذكرت تقدم المدنيات وتنوع الحضارات واتساعها، وعليه فإن الشريعة الإسلامية لا تمانع أو تحرم التطاول في البناء تبعاً للتقدم العمراني والحضاري وكثافة السكان في بعض المناطق وتدنيها في مناطق أخرى، وأيضاً توفيراً للوقت والجهد والمال لأجل اختصار الأرض أو المساحة ليستفاد منها في أعمال زراعية أو صناعية أو إنشائية أخرى.
فكون الصحابة رضوان الله عليهم كرهوا التطاول في البنيان وإطالة العمق داخل الأرض لا يعني أنه حرام، إنما كرهوه لأحوال وظروف خاصة بهم وبزمانهم سواء أكانت هذه الأحوال والأسباب اقتصادية أو مالية أو سكانية أو تكنولوجية أو غير ذلك. وأيضاً فإنّ الشريعة الإسلامية لا تمانع في الوقت الحاضر من أن تلجأ السلطة الحاكمة إلى تحديد نوع البناء وطوله وعرضه وأدواره وطوابقه وعمقه آخذاً بمبدأ السياسة الشرعية وحرصاً على حياة الأفراد والجماعات كما هو معمول به في القانون الأردني والقوانين العربية الأخرى، وكذلك حفاظاً على أرواح الناس من حيث إبقاء مجاري الهواء والشمس والرياح مفتوحة، وتسهيلاً لحركة الطائرات والمركبات التي تحلق في الأجواء المرتفعة، وكذلك حماية للأعمال الهندسية المتعلقة بالتمديدات الكهربائية وأنابيب المياه التي تمتد إلى أعالي الجو وأعماق الأرض، ولا يخفى أن زيادة العلو في الجو او التعمق في الأرض فيه ما فيه من إلحاق الضرر بالجماعة وحقها في تملك أشيائها من ماء وكهرباء ومعادن وغيرها.
ج- التهاوي والارتدادات (الأمامية والخلفية والجانبية).
أ- في الشريعة :
أما بالنسبة إلى التهاوي والارتدادات الأمامية والخلفية والجانبية، فإن النصوص الشرعية قد اهتمت اهتماماً كبيراً بهذا الأمر، وإن بدا لأول وهلة أن ذلك غريباً على تلك الفترة من بداية الدعوة الإسلامية لقلة العمران وعدم التوسع في المدنية، لانشغال المسلمين بتحصين دعائم الدولة الإسلامية وتثبيت أركانها وخاصة في العهود الإسلامية الأولى، لكن ما يفهم من روح الشريعة ونصوصها الحض على أن تأخذ التهوية أحكام الأبنية وذلك كما جاء في فروق القرافي وغيره الآتي:(وحكم الأهوية تابع لحكم الابنية فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات، وهواء المملوك مملوك، وهواء المسجد له حكم المسجد فلا يقربه الجنب ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع بيع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن غرز خشباً حولها ويبنى على رؤوس الشب سقف عليه بنيان(133).
وجاء في قواعد الزركشي: (الهواء في الأرض والبناء تابع لأصله، فهواء الطلق طلق، وهواء المسجد مسجد، وهواء الشارع المشترك مشترك، وهواء الدار المستاجرة مستأجر، حتى لو أراد الآجر أن يبني جناحاً في هواء الأرض المستأجره منع، وكذلك لأهل الدرب المشترك منع من أراد إشراع شيء في هوائه(134) حتى إنّ من أراد أن يحفر بئراً كوقف من غير مساحة حوله كتهوية يمنع. جاء في قواعد الزركشي: (إن وقف بئراً وأراد أن يبني بإزائها جدراناً وسقف عليها سقفاً يمر في هواء البئر منعناه وإن كان لا يضر بالبئر(135).
هذا ويمكن القول : إن حقوق الارتفاق وحقوق الشرب وغيرها التي تكلم عنها الفقهاء فيها ما يوجب ترك مساحات ومسافات كافية للتهاوي وذلك لفوائدها في الجملة التي منها مثلاً إبقاء مسرب الهواء جارياً للتنفس، ومنعاً من سد الطرقات ومسايل الماء، ففي فروق الجرجاني:
(إذا نشزت أغصان شجرة في داره إلى دار جاره كان له منعه، فإن صالحه عنها بعوض على أن يتركها في هواء داره لم يجز لأنه أخذ العوض عن مجرد الهواء وذلك لا يجوز)(136).
يفهم من هذا النص أنه حتى لو اتفق الجيران على إغلاق أو إحكام منافذ الهواء بينهم، أو إغلاق التهاوي بالبناء ومد أغصان الأشجار ونحوه لا يجوز، لما في ذلك من ضرر على حياتهم من حيث التنفس وغيره فيجب أن يظل طريق الهواء مفتوحاً كضرورة من الضرورات، لأن الشريعة تكفلت بحفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات التي بها مصالح الناس، وكذلك لأن الهواء كما أشار ابن حزم لا يجوز بيعه أصلاً فهو لا يستقر فيضبط بملك أبداً إنما هو متموج يمضي منه شيء ويأتي آخر ابداً(137).
وكذلك فإن فقهاءنا وعلماءنا رحمهم الله صاغوا لنا نظرية كاملة في المحافظة على الحقوق المذكورة أعلاه أسموها (نظرية التعسف في استعمال الحق) تعرضوا فيها إلى عدم جواز الاعتداءات أو إهدار الحقوق كيفما كانت(138).
وترى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد حرصوا أن تبقى حقوق المرافق كالشرب والمسيل وغيرها مفتوحة وذلك حرصاً على الحقوق المتبادلة بين الجيران ومحافظة على التهاوي والارتدادات. فيروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال للذي كان له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار وكان يدخل إلى نخلة فيتأذى به الأنصاري ويشق (أنتَ مُضار)، وقال للأنصاري : (اذهَبْ فاخلَعْ نَخَله)(139).
ويروى عنه عليه الصلاة والسلام من رواية أبي هريرة قال : (مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال : والله لأنحيّن هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة)(140) وقضى عمر رضي الله عنه على محمد بن مسلمة بإجراء الماء في أرضه لمصلحة جاره ما دام الأول لا يتضرر والذي جاء في صورة (قسم) عندما قال : (والله ليمرنّ به ولو على بطنك)، فهذا يدل على الحرص على إبقاء المسارب والتهاوي والارتفاقات مفتوحة لرفع الضرر.
فيتضح من النصوص السابقة وغيرها مدى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته على حقوق الجيران والجماعة (الحق العام والحق الخاص) في أن يظل مصوناً من أي اعتداء، ولأجل ذلك قعدت القواعد الفقهية وأحكمت أصولها فيما يتعلق بالضرر وغيره، مثل قاعدة (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ) كما أشرنا، وقاعدة (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف)، كذلك فإن مجلة الأحكام العدلية المستمدة من الفقه الإسلامي نصت هي الأخرى على حقوق التهوية والارتدادات فمثلاً جاء في المادة 1195 منها ما يلي : (من أحدث في داره بيتاً ليس له أن يبرز رفرافه على هواء دار جاره، فإن أبرزه يقطع منه ما جاء على هواء تلك الدار)(141).
والمادة 1196 من المجلة ذاتها نصت على ما يلي : (من امتدت أغصان شجر بستانه إلى دار جاره أو بستانه فلجاره أن يكلفه تفريغ هوائه بالربط أو القطع)(142).
ب- في القانون :
والقانون ينص صراحة على ضرورة ترك فراغات واسعة كتهاوي للهواء وغيرها فمثلاً نصت المادة 41 من نظام الأبنية المصري لعام 1987 على ما يلي :
(يجب أن تكون الأبنية المخصصة لتهوية وإنارة غرف ومرافق البناء عند إقامة المباني أو تعليتها أو إجراء تعديل في المباني القائمة مطابقة للاشتراطات التالية(143).
أولاً: الأبنية المخصصة لتهوية وإنارة الغرف السكنية أو المكاتب
1. الفناء الخارجي :
لا يجوز أن يقل البعد بين المستوى الرأسي المار بحائط الفنار لأية فتحة وبين المستوى الرأسي المار بالحائط المواجه له عن ثلث ارتفاع أعلى واجهة للبناء مطلة على الفناء، ويشترط ألاّ يقل هذا البعد عن 00.3 متر (ثلاثة أمتار)، وأن يتوافر هذا البعد بين المستويين المذكورين ابتداءً من كل من جانبي أي فتحة مخصصة للتهوية والإنارة حتى جانب الفناء المتصل بالفضاء الخارجي على الطريق (144).
2. الفناء الداخلي :
لا يجوز أن تقل مساحته عن مربع خمس ارتفاع أعلى واجهة للبناء مطلة عليه، كما لا يجوز أن يقل أصغر أبعاده عن ثلث ارتفاع أعلى واجهة للبناء مطلة عليه، ويجب أن يتوافر هذا البعد أمام كل من جانبي أية فتحة مخصصة للتهوية والإنارة مطلة على الفناء.
ثانياً: الأفنية المخصصة لتهوية وإنارة مرافق البناء غير المعدة للسكن والمكاتب كالمطابخ والحمامات والمراحيض وأبار السلالم ،
1. الفناء الخارجي :
لا يجوز أن يقل البعد بين المستوى الرأسي المار بحائط البناء لأية فتحة وبين المستوى الرأسي المار بالحائط المواجه له عن 2.50 متر، وأن يتوافر هذا البعد بين المستويين المذكوريين ابتداءً من كل من جانبي أية فتحة مخصصة للتهوية والإنارة حتى جانب الفناء المتصل بالفضاء الخارجي على طريق أو ميدان(145).
2. الفناء الداخلي :
لا يجوز أن يقل البعد المذكور في الفقرة السابقة عن 2.50 متر، وألا تقل مساحة الفناء عن 7.50 متر مربع إذا كان ارتفاع أعلى واجهات البناء المطلة على الفناء لا يزيد عن عشرة أمتار.
وبالمقارنة نجد أن الشريعة والقانون يلتقيان إلى حد كبير جداً في مسألة التهاوي والارتدادات مما يؤمن حياة السكان، ويحافظ على أرواحهم وممتلكاتهم، فمثلاً في الأردن أشارت المادة 51 من قانون تنظيم البناء لسنة 66 على أن تكون الارتدادات الأمامية في المناطق السكنية الخاصة ثمانية أمتار، والارتدادات الخلفية ستة أمتار والارتدادات الجانبية ستة أمتار، وفي المناطق السكنية العادية سكن (أ) خمسة أمتار أمامي، وخمسة أمتار خلفي، وخمسة أمتار جانبي، وفي سكن (ب) أربعة أمتار أمامي، وأربعة أمتار خلفي، وأربعة أمتار حانبي، وفي سكن (ج)، ثلاثة أمتار أمامي، وثلاثة أمتار خلفي، وثلاثة أمتار جانبي وهكذا(146).
وعندي أن موضوع البناء عامة والتهاوي والارتدادات خاصة يجب أن يكون داخلة في صميم تنظيم البناء، ويجب أن يسأل عنها مهندس البناء والمقاول وجميع من لهم علاقة بهذا الأمر كالمالك والبائع والمشتري… الخ، وذلك حتى تحترم إرادات الناس وتصان كراماتهم وحرياتهم من جملة المشاكل والإيذاءات التي نشهدها اليوم في الأماكن المكتظة عديمة التهاوي، إضافة إلى ما ينتج عن ذلك من إخلال بالأمن والمحافظة على الشرف والأخلاق.
سادساً : خلاصة الرأي في البحث
يتضح من كل ما تقدم تركيز الإسلام وحرصه على البناء كضرورة من ضروريات الحياة التي بها قوام الناس ومعاشهم واستمرار بقائهم، وإن هذه الأهمية لا تقل عن غيرها من الضروريات الأخرى كالمأكل والملبس، وفي الوقت نفسه يحرص الإسلام أن تظل هذه الأشياء الثلاثة (المسكن، المأكل، الملبس) مؤمنة ومكفولة من قبل الدولة باعتبارها جزءاً من واجبها الديني والوطني في توفيرها الحاجات الأساسية لأبنائها.
وقد دل البحث على أن روح الشريعة وأهدافها العامة ترى أن التسابق العمراني والتطاول في البناء على حساب الضرورات الأخرى غير لازم أو مطلوب شرعاً، أو على الأقل يجب اتباع سياسة التوسط والاعتدال والترشيد في البناء، وذلك لحث الشريعة الإسلامية على الوسطية في كل شيء، وبذلك يكون البناء تابعاً لأصل لا متبوعاً، أما أن يُفهم أنّ البناء والتطاول فيه هو الأصل أو الأهم وغيره هو الفرع أو المهم فذلك ضرب من التعسف وعدم الصحة والواقعية في النظر والحكم على الأشياء. وقد دل البحث أيضاً على مقولة الاكتفاء بالقليل، والرضا بالبسيط من البناء – لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فعلوا ذلك – مقولة غير دقيقة، فمع أن سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت واضحة بهذا الشأن – وهي بلا شك سياسة متقشفة إزاء البناء والإكثار منه، وأنه سيكون وبالاً على صاحبه في الآخرة – لكن تعاليم الشريعة لا تأبى البناء والإبداع فيه إذا كان ثمة حاجة له، وباعتقادي أن مثل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه كانت ترتبط بأزمنة وأمكنة معينة فرضتها طبيعة الحياة وبداية الدعوة الإسلامية في تلك الحقبة الأولى من عمر الدولة الإسلامية، أما وقد شهد المسلمون تقدماً حضارياً، وعاشوا عصر التقدم العمراني والتكنولوجي فأولى بهم أن لا يألو جهداً في الأخذ بركب الحضارات والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في هذا المضمار، حتى لا يتهم الإسلام بالجمود وعدم الصلاحية لكل زمان ومكان، مع ضرورة المحافظة طبعاً على القواعد الأساسية والمبادئ الرئيسة في ألاّ تخرج أبنية المسلمين عن الأهداف السامية، والقيم النبيلة التي وضعت لها وأنشئت لأجلها.
كما دل البحث على أن القانون الوضعي يتفق تمام الاتفاق مع الشريعة الإسلامية بأن لا يكون البناء والتوسع فيه على حساب ضرورات الإنسان الأخرى من مأكل ومشرب وملبس، أو على حساب إيذائهم بأنواع التعدي الكثيرة مثل الإكراه على البناء في أرض لا يملكها، أو بتطويل أجنحة البناء وأشرعته على الشوارع والأملاك العامة.
ولذلك نرى رجال القانون قد وضعوا شروطاً دقيقة بهذا الخصوص، بحيث لا يُسمح أن يكون البناء على حساب أرواح الناس أو على حساب ممتلكاتهم الخاصة والعامة، كمن يفتح شباكاً يغلق فيه منافذ الهواء، أو يعلي بنيانه ليحجب نور الشمس عن الناس كما هو مشاهد ومستغرب في وقتنا الحاضر .وأخيراً دل البحث على أن الشريعة والقانون متفقان تمام الاتفاق على وقف العمليات الإنشائية سواء كان ذلك في أعماق الأرض أو في أعالي الجو إذا أصبح ذلك يشكل خطراً على حياة الناس.
هذا وبالله التوفيق
الهوامش
1. سورة هود (آية 61) .
2. العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ط2، دار الجيل، بيروت، 1980، ص 71.
3. أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص 119، وضياء الدين الريس، النظريات السياسية، ص 131 .
4. سورة ص/ آية 26.
5. سورة البقرة / آية 30.
6. سورة طه / آية 36.
8. ابن خلدون، المقدمة، ط4، دار العلم، بيروت، 1981، ص 432 بتصرف.
9. ابن خلدون، المقدمة، مرجع سابق، ص 406 – 407 .
10. ابن منظور، لسان العرب، 14/93، وإبراهيم مصطفى وآخرون المعجم الوسيط، 2/6-7، 721، مواد (بني وعمر) .
11. سورة التوبة / آية 24 .
12. سورة الأعراف / آية 10 .
13. سورة النحل / آية 68 .
14. سورة النساء / آية 100 .
15. سورة قريش / آية 3 .
16. سورة الحج / آية 41 .
17. سورة الشمس / آية 5 .
18. سورة النبأ / آية 12.
19. سورة البقرة / آية 22 .
20. سورة غافر / آية 64 .
21. سورة الروم / آية 9.
22. سورة البقرة / آية 125.
23. سورة آل عمران / آية 96.
24. سورة البقرة / آية 127 .
25. سورة التوبة / آية 18.
26. سورة التوبة / آية 17.
27. سورة الطور / آية 4.
28. سورة التوبة / آية 19.
29. سورة البقرة / آية 30.
30. ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن الكريم، دار الفكر، 1/69 .
31. سورة هود / آية 61 .
32. شهاب الدين الألوسي، روح المعاني، المطبعة المنيرية ودار إحياء التراث العربي، 12/18.
33. أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتاب العربي، ط3، 1967م، 7/56.
34. ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت مادة (عمر)، وأحمد نوفل وآخرون، في الثقافة الإسلامية، دار عمار، عمان، ص 16.
35. سورة غافر/ آية 64 .
36. محمد بن يوسف بن علي الأندلسي (أبو حيان)، التفسير الكبير المسمى بالبحر المحيط، مطابع النصر الحديثة، السعودية، 7/473.
37. سيد قطب، في ظلال القرآن، ط7، بيروت، 1971م، مجلد 7، 23/202.
38. سورة البقرة / آية 96.
39. محمد علي الصابوني، صوة التفاسير، دار القرآن الكريم، بيروت، 1981م، 1/218.
40. في الزراعة والصناعة والتجارة التي هي من اصول المكاسب تحيا البلاد وتكثر الخيرات التي تساعد على إقامة البناء واستمراره، وبواسطتها تنتعش المدن والقرى والأرياف بما توجده من أنواع النشاطات المختلفة من استغلال الأرض وإحيائها بالمزارعة والمساقاة والتضمين، والبيوعات المختلفة، والشركات الحرة التي تتعامل بالحلال والبعد من معاملات الغش والاحتكار والربا والتزوير والخداع، ولذا راينا عالماً جليلاً كالموردي رحمه الله يذكر بهذه المعاني فيقول : (أصول المكاسب ثلاثة الزراعة والتجارة والصنعة، وأيها أطيب فيه ثلاثة مذاهب للناس أشبهها بمذهب الشافعي أن التجارة أطيب والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل) أنظر المجموع شرح المهذب، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 9/59، هذا وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله كيف يكون عمران الأرض، وكيف يتحقق بناؤها عن طريق العمل اليدوي المفيد والحرف اليدوية المنتجة حين قال : (ما أكل أحد طعاماً خير من أن يأكل من عمل يده)، أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمل يده، 3/74. ولا شك أن بناء الدور والمساكن يتعلق جزء كبير منها باليد.
ويقول عليه السلام حاثاً على الزراعة التي بها العمران عموماً، وبواسطتها تنشط العمليات الإنشائية المتعلقة بالدور والمساكن : (ما من مُسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طائرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة). أخرجه البخاري، كتاب الوكالة، باب فضل الزرع والغرس، 3/135، ومسلم، كتاب المساقاة، 10/215، وأحمد في المسند، 3/147.
يعلق النووي رحمه الله على ذلك فيقول : (فالصواب ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمل اليد، فإن كان زارعاً فهو أطيب المكاسب وأفضلها لأنه عمل يده، ولأن فيه توكلاً ونفعاً عاماً للمسلمين والدواب، ولأنه لا بد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض فيحصل له أجره، وإن لم يكن ممن يعمل بيده، بل يعمل له غلمانه وإجراؤه فاكتسابه بالزراعة أفضل). أنظر المجموع شرح المهذب، 9/59.
ويعلق العيني رحمه الله هو الآخر على ذلك فيقول : (ينبغي أن يختلف المال في ذلك باختلاف حاجة الناس، فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات كانت الزراعة أفضل للتوسعة على الناس، وحيث كانوا محتاجين إلى المتجر لانقطاع الطرق كانت التجارة أفضل، وحيث كانوا محتاجين إلى الصنائع أشد كانت الصنعة أفضل وهذا حسن). أنظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 10/156، وانظر علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980م، ص 43. ويقول عليه السلام حاثاً على الصناعة التي بها هي الأخرى عمران الأرض والذي يشكل بناء المساكن والعمارات الجزء الأهم فيها : (إن الله ليُدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب فيه الخير، والرامي به، ومُنبله واَرْموا واركبوا ومن ترك الرمي بعد ما علمه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها). أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الجهاد، باب الرمي، 30/13، والترمذي في السنن كتاب الفضائل 4/149، باب ما جاء في فضل الرومي، وقال : حديث صحيح والنسائي في السنن، كتاب الجهاد، فضل من رمى سهم في سبيل الله، 6/28، وأحمد في المسند، 4/144، 146 .
ويعلق الشعراني الذي كان من دعاة التصوف على أهمية الصناعة وتفضيل الصنائع على غيرهم من العباد فيقول : (إن نفع العبادة مقصور على صاحبها، أما الحرف فنفعها لعامة الناس، وكان ما أجمل أن يجعل الخياط ابرته سبحته، وأن يجعل النجار منشارة سبحته).
ويقول عليه السلام مبيناً قيمة التجارة التي تحيي العمران وتشجع على بناء المساكن والدور :
(التاجر الأمين الصَدُوق مع الشهداء يوم القيامة، وفي رواية: (التاجر تحت ظل العرش يوم القيامة). أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، كتاب البيوع، باب ما جاء في التجارة، 3/515، وقال حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وابن ماجه في السنن، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب، 2/427.
ويعلق إبراهيم النخعي أحد التابعين على ذلك فيقول : (التّاجر الصدوق أحب إليّ من المُتفرع للعبادة لأنّه في جهاد يأتيه الشيطان من طرق المكيال والميزان، ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهد). أنظر، يوسف القرضاوي، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، مؤسسة الرسالة، ط7، بيروت، 1987م ص44. ويعلق ابن خلدون على كل هذه الوسائط من المكاسب فيقول : (إذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانقضت الأحوال وابذعرّ الناس في الآفاق من غير تلك الإيالة في طلب الرزق، واختل باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنّها صورة للعُمران). أنظر المقدمة، مرجع سابق، ص 287.
41. رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما جاء في البناء، 4/360، والترمذي كتاب صفة القيام باب البناء كله وبال، 4/561 وقال السيوطي في الجامع الصغير 2/278 حديث حسن.
42. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعن الساعة دار الجيل، بيروت، 1/20، ومسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان، دار إحياء التراث، 1/158، وابن ماجة، كتاب المقدمة، باب الإيمان، 1، 25.
43. سورة القصص/ آية 77 .
44. أنظر أحمد بن حنبل، كتاب الزهد، ص 396 .
45. أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الزهادة في الدنيا، 4/492، وقال حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند، 1/62، وأنظر الشوكاني، الترغيب والترهيب، 4/1654 .
46. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، 8/12، ومسلم، كتاب الإيمان، الحث على إكرام الجار، 2/18، وأبو داود، كتاب الأدب، باب حق الجار، 4/338، وأحمد في المسند، 4/31، 5/412، وانظر التاجر الجامع للأصول، المكتبة الإسلامية، تركيا، 5/15 .
47 : أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إكرام الضيف، 8/39، ومسلم، كتاب الأدب، الوصية بالجار، 15/176، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في حق الجوار، 4/338، وأحمد في المسند، 3/85.
48. ابن حزم، المحلى 9/102.
49. المرجع السابق، 9/100 – 101 .
50. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، 8/12، ومسلم، كتاب الإيمان، 73، وأحمد في المسند 1/387، وانظر التاج، مرجع سابق، 5/15.
51. أخرجه الترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في الشفعة، 3/650، وقال حديث حسن صحيح، وأبو داود كتاب البيوع، باب الشفعة، 3/286، وأحمد المسند، 4/288، 290، وانظر ابن حزم، المحلى مرجع سابق، 9/101.
52. أخرجه أبو داود، كتاب الأقضية، باب القضاء، 3/315، والبيهقي، باب من قضى بين الناس ودفع الضرر عنهم، دار الفكر، بدون تاريخ نشر، 6/157، والحديث له روايات مختلفة .
53. هذا الحديث أخرجه أبو داوود والنسائي والترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في الخيانة والغش، 2/293 وقال حديث حسن غريب، وتناقلته الكتب والمؤلفات والمراجع القديمة والحديثة، واعتنى به الفقهاء والمفسون والمحدّثون القدامى منهم والمحدَثون، واعتبروه قاعدة القواعد وأصل الأصول في بيان معنى الضرر، ووجوب دفعه بكل أنواعه وأشكاله.
فالكمال بين الهمام مثلاً يقول : (وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار) لا شك أنه عام مخصوص للقطع بعدم امتناع كثير من الضرر كالتعازي والحدود ونحو مواظبة طبخ ينتشر به دخان قد ينحبس في خصوص أماكن فيتضرر به جيران لا يطبخون لفقرهم، فلا بد أن يحمل على خصوص من الضرر وهو ما يؤدي إلى هدم بيت الجار ونحوه من الضرر البين الفاحش). انظر فتح القدير، دار الفك، ط2، 51397هـ 7/326. والإمام الشافعي رحمه الله يقول معلقاً على هذه الحديث : (إنه داخل تحت أصل قطعي، حيث أن الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها)، أنظر الأم، دار المعرفة، ط2، بيروت، 1973م 3/249.
والإمام أحمد يقول هو الآخر معلقاً على هذا الحديث: (إذا بني فيما استحق غيره أخذ منه أنه أشبه بالغاصب) أنظر المغني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1983م، 5/501.
54. هذا وقد ذكر كثير من العلماء الذين أكدوا على قيمة السكنى أن ولي الأمر يستطيع إجبار أصحاب الحرف وأهل الاختصاص من مهندسين وبنائين ومعماريين أن يبنوا ما لا بد منه من سكن وغيره إذا احتاجته الأمة، ومثل البناء كافة الضروريات الأخرى.
فابن تيمية رحمه الله يشير إلى ذلك بقوله : (إن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما تحتاج إليه الناس من صناعاتهم كالفلاحة والحياكة والبناية، فإنه يقدر أجرة المثل فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن ذلك، ولا يمكن الصانع من المطالبة من ذلك حيث تعين عليه العمل وهذا من التسعير الواجب).
ويشير رحمه الله كذلك إلى أن ولي الأمر بإمكانه ومثله الذين يضطرون إلى سكنى فيستطيعون إجبار صاحب البيت ليسكنهم، ومثل البيت للسكنى سائر الضروريات كالثياب التي يحتاجونها للدفء من البر وآلات الطبخ يطبخون بها أو يبنون أو يسقون.
انظر ابن تيمية، الحسبة ومسؤولية الدولة الإسلامية، مطبوعات الشعب، مكان وتاريخ نشر (بدون)، ص 34، 44 وابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2/232، 239.
ومثل ابن تيمية نجد الشيخ جعفر الكتاني الذي ألف رسالة أسماها (إرشاد المالك لم يجب عليه من مواساة الهالك) يقول :(إنّ المضطر إلى السكنى وما في حكمها من الضروريات يجب مساعدته بما تندفع به حاجته) أنظر، عبد السلام العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، 3/90.
وبمثل قول الكتاني وابن تيمية نجد القاضي عياض الذي أوجب مواساة صاحب الحاجة بالمأوى والمال والملبس وسائر ما لا بد منه. أنظر عبد السلام العبادي، الملكية مرجع سابق، 3/11.
55. فابن حزم يقرر المبادئ القيمة التالية :
أ- ضرورة توفير مسكن مريح، وغذاء صالح، ولباس مناسب لكل فرد من أفراد الرعية.
ب- تحديد مستوى معين من المعيشة للفقراء لأن لهم حقوقاً عند الأغنياء بموجب نظام مسؤولية الأغنياء عن الفقراء.
ج- جواز أن تفرض الدولة ما تراه مناسباً من الضرائب على الأغنياء لتأمين الحاجات الأساسية للفقراء إذا لم تكفي مالية الزكاة. أنظر ابن حزم، المحلى، مرجع سابق 6/156.
56. محمد عبده، نهج البلاغة، دار الهدى الوطنية، بيروت، 3/83. 96.
57. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، 2/213.
58. الاسطوانة في عرف المغاربة دهليز الدار في عرف المشارقة، انظر، محمد بن فرحون المالكي، تبصرة الحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، 2/257.
59. لمعرفة المزيد من صور التعدي بين الجيران بسبب الأبنية انظر المراجع التالية ابن حزم : المحلى، مرجع سابق، 9/100-101، والغزالي، إحياء علوم الدين، مرجع سابق، 2/212-214، والسرخسي، المبسوط، دار المعرفة ط3، 1978م، 15/16-22، وابن القيم، أعلام الموقعين، مرجع سابق، 2/139 وما بعدها.
60. أنظر شاهد رقم 59 من البحث.
61. الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار الفكر، بيروت، 1984، 5/337 .
62. ابن قدامة المقدسي، المغني، مرجع سابق، 5/52 .
63. المرجع السابق.
64. السرخسي، المبسوط، مرجع سابق، 15/16، 21، وابن عابدين، الحاشية مع الدر، دار الفكر، ط2، 1977م، 5/443، 448 – 449، والحصني، كفاية الأخيار، دار المعرفة، بيروت، 1/168-169، 184-185، والرملي نهاية المحتاج، مرجع سابق، نهاية المحتاج 5/337، وابن حزم، المحلى 9/92 وما بعدها.
65. تبصرة الحكام، مرجع سابق 2/253 – 258.
66. أنظر أبو عبدالله القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتاب العربي، ط3، 1967، 7/191 – 192، ومحمود بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل، دار الفكر، ط1، 1983م، 2/278، وشهاب الدين الألوسي، روح المعاني، المطبعة المنيرية ودار إحياء التراث العربي، 12/18 .
67. فالماوردي رحمه الله بين أن الإمامة والخلافة لا تكون إلا بإقامة معاش الناس واستصلاح حالهم، وأكد أن الإمامة يجب أن يعم نظرها في مصالح الملة وتدبير الأمة، الإمام النووي رحمه الله ركز على أن كفاية الفقير والمسكين لا تكون إلا بتأمين المطعم والملبس والمسكن، وسائر ما لا بد منه على ما يليق بحاله من غير إسراف ولا إفقار لنفس الشخص ولمن في نفقته، والإمام الشاطبي رحمه الله وضح أن الشريعة إنما وضعت لتحقيق المصالح إذا ابتغي ما شرعت له، أما إذا ابتغي غير ما شرعت له فعمله باطل، ويكون مناقضاً للشريعة، فبالبناء والمساكن تحقق كثير من المصالح وتدر كثير من المفاسد كالمحافظة على الضروريات الخمس وما يرجع إليها من الحاجيات والتحسينات، وهو عين ما كلف به العبد، ولذا لا بد أن يكون مطلوباً بالقصد.
أنظر الأحكام السلطانية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978م، ص 18-19، والنووي، المجموع، مرجع سابق، 8/128، والشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، دار المعرفة، بيروت، 1975م، 2/331 – 333.
68. معوض عبد التواب، الوسيط في تشريع البناء، ط1، مصر، 1988م، ص 20، 64.
69. قانون تنظيم المدن والقرى الأردني رقم 79 لسنة 1966م، ص 50، وانظر الجريدة الرسمية، عدد 1952، تاريخ 25/9/66، الأردن ص1921.
70. مجموعة القوانين والأنظمة المطبقة من قبل المجالس البلدية والقروية في المملكة الأردنية الهاشمية حتى نهاية عام 68، وزارة الداخلية للشؤون البلدية والقروية، ص 45-56.
71. المرجع السابق.
72. لا يقصد بالاعتدال وعدم الإسراف التقتير إلى درجة البخل، لأن ذلك مكروه ويتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية، فلا بد من التنعم قليلاً في طيبات الحياة الكثيرة، فسد الرمق لا يكفي لحياة طيبة سعيدة قال تعالى : (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) سورة الأعراف / آية 32. وإلى هذا يشير الغزالي رحمه الله فيقول : (إن الناس لو اقتصروا على سد الرمق لتعطلت الحياة واختل النظام، وفي ذلك خراب أمر الدين وسقوط شعائر الإسلام، فلكل واحد أن يزيد على قدر الضرورة، ويترقى إلى قدر الحاجة في الأقوات والملابس والمساكن، ولكن لا ينتهي إلى حد الترف والتنعم والتشبع)، أنظر، شفاء الغليل، 245-246، والرملي، نهاية المحتاج، مرجع سابق، 5/187. وهذا ما أميل إليه، وخصوصاً في مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه المباحات فلا بأس من التوسع في دائرة المباحات بشيء من التنعم لا الاقتصار على سد الرمق ما دام في الأمر قدرة .
73. أنظر شواهد 44، 45 من البحث .
74. سورة الإسراء / آية 29 .
75. سورة الإسراء / آية 16 .
76. أخرجه ابن ماجة، كتاب اللباس، 2/1192، وأحمد في المسند، 2/181-182، وأبو داود كتاب الزكاة، باب الاستعفاف، 2/122، وقال السيوطي في الجامع الصغير 2/239 حديث صحيح.
77. ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، 1/399 .
78. سليمان الطماوي،عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة،مرجع سابق،ص 317-318.
79. المرجع السابق، ص 490.
80. الاكتساب في الرزق المستطاب، تحقيق محمد عرنوس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1986م، ص80، والعبادي، الملكية، مرجع سابق، 2/77، 248.
81. ابن خلدون، المقدمة، مرجع سابق، ص 406-409.
82. ملكية الشقق والطوابق قديم إذ يرجع تاريخه إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث ظهرت الحاجة إلى هذا النوع من الملكية آنذاك، وبانتشارها استدعت الحاجة إلى وضع تشريعات تعالج هذا النوع المستجد من الملكية، حيث وجد نص القانون المدني الفرنسي في مادة 664 تنظيم ملكية الشقق، إلا أنها لم تكن كافية، فصدر قانون لمعالجة ذلك عام 1938م متأثراً إلى حد كبير بقانون بلجيكا الذي سبقه بالصدور عام 1924م، ثم ما برح المشرع الفرنسي أن بادر إلى تحديث هذا التشريع الفرنسي الصادر عام 38 نظام ملكية الشقق والطوابق في المادة 856 وما بعدها، ثم أخذ عنه القانون المدني السوري، أما في الأردن فإن ملكية الطوابق والشقق بقيت محصورة بالنظام الذي أوردته مجلة الأحكام العدلية بمواده (1192، 1193، 1315) وهو نفس النظام الذي أخذ بملكية السفل والعلو من الفقه الإسلامي إلى أن صدر القانون الأردني المدني عام 76 الذي احتوت أحكامه على ملكية الشقق. أنظر، أحمد المومني، الشقق والطوابق، ط1، عمان، 1984م، ص 66-72، 367 .
83. نظام ملكية السفل والعلو نظرية إسلامية مستمدة من الفقه الإسلامي حيث أنها ترتب التزامات وحقوق تتعلق بالجوار وأنواعه. أنظر ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 323 وما بعدها، والسمرقندي، تحفة الفقهاء 3/319 وما بعدها .
84. أنظر شاهد، 40 من البحث، وانظر، منصور ناصف، التاج، مرجع سابق، 5/164 .
85. سورة الإسراء، آية 29.
86. أنظر شواهد 44، 45، 94 من البحث .
88. معوض عبد التواب، الوسيط في تشريعات البناء، مرجع سابق، ص 47.
89. أنظر المواصفات العامة للأبنية (الأعمال المدنية والمعمارية، إعداد الجمعية العلمية الملكية، ووزارة الأشغال العامة (مركز بحوث البناء) ط1، مواد 1305/1-1305/15، 1985م، وانظر، رائف نجم، المواصفات العامة للأبنية، مديرية الأبنية، وزارة الأشغال العامة، ط1، ص 205.
90. ابن سعد، الطبقات الكبرى، مرجع سابق 10/501 .
91. سليمان الطماوي، عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة، دار الفكر العربي، ص 414-415.
92. المرجع السابق بتصرف.
93. ابن سعد، الطبقات الكبرى، مرجع سابق، 1/399، والمرجع السابق بتصرف.
94. المرجع السابق.
95. لأنه بالتأكيد فإن الدولة التي تختار طرق البذخ والترف، وخصوصاً أول نشوئها، وتهمل جانب العقيدة فإنها سريعة الاضمحلال والتلاشي آيلة للسقوط لا محالة، بخلاف الدول التي تختار العقيدة وتؤثر الاعتدال وعدم الإسراف، فإنها بالتأكيد هي الباقية، وهكذا كانت دولة الإسلام الأولى التي اختارت العقيدة، وآثرت الاعتدال فإنها هي التي بقيت ودامت.
واليوم نجد أن دولاً كثيرة أفل نجمها وسقطت عندما أغراها التقدم المادي على حساب الأخلاق والدين ضاربة بذلك عرض الحائط بكل القيم والمبادئ، ولقد عبر عن هذه المعاني جميعها أحد فلاسفة العصر (شبنجلر) الذي قال : (إنّ الأمم في نهوضها تعبر طريقين مختلفين، طريق العقيدة وقوة النفس وتلازمه بساطة الظواهر وعظمة الضمائر، وطريق الفخامة المادية والوفرة العددية، وفيه تنحل الضمائر، وتخلفها العظمة التي تقاس بالباع والذراع، وتقدر بالقنطار والدينار، وكانت قبل ذلك تقاس بما لا يحصى من العزائم والأخلاق.
96. فموقف أبي ذر رحمه الله تجاه المال يتلخص في أنه كان رضي الله عنه يرى أن لا تحجز الثروة في أيدي الأغنياء وتمنع عن الفقراء، لأن الفقراء بحاجة إلى المال الذي قرره الله لهم، وذلك لتأمين حاجاتهم الأساسية من المسكن والغذاء واللباس، وقد جعل من نفسه داعية لمذهبه، فكان يخطب الناس بالشام حول مبالغة الأغنياء، في اقتناء الثروة، وأخذهم بمظاهر الترف ويقول لهم يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء.
وتجاه إصرار هذا الصحابي على رأيه في المال، وموقفه من الاقتصاد على وجه العموم شكاه الأغنياء إلى والي الشام معاوية، ولما أن عجز معاوية عن إقناعه بالعدول عن مذهبه، كتب يشكوه إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه، وفي انتظار رد الخليفة أمر معاوية الناس بالكف عنه وعدم الجلوس معه، فلما أمر عثمان بإرسال أبي ذر إلى المدينة، وهناك عجز الخليفة عن منعه من إبداء رأيه، بل إن أبا ذر ذهب إلى أبعد من ذلك فطالب الخليفة باستعمال سلطة الدولة في تحقيق مذهبه الاقتصادي، وقد أدى مذهبه الاقتصادي به إلى النفي من قبل الخليفة إلى الربذة حتى يأمن انتشار أفكاره، ولكن أبا ذر أصر على أفكاره ولم يغير مألوف حياته حتى توفي وحيداً كما جاء في نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم .
أنظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/226 – 228، وعبد المنعم الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري، 1980م، ص 43-44، وانظر، ياسين غادي، الأموال والأملاك العامة في الإسلام وحكم الاعتداء عليها، مؤسسة رام مؤتة، الكرك، الأردن، ص 35-37 .
97. سليمان الطماوي، عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة، مرجع سابق، ص 490 .
98. المرجع السابق.
99. يمكن الاستفادة من الموقف الإسلامي تجاه البناء في عهد الخلفاء والأمراء المسلمين والذي أشار إليه كثير من المؤرخين والكتاب حيث أنهم قطعوا شوطاً بعيداً في هذا المضمار، فيشير الطبري مثلاً إلى الدقة في تخطيط المدينة على الطبيعة في العصر العباسي فيقول : (إنّ المنصور أمر بأن تخطط الأرض بالرماد وفقاً للرسم المعتمد، ثم وضعت على تلك الخطوط كرات من القطن مبللة بالنفط، ثم أشعلن فيها النيران بينما هو يقف من بعيد على مكان مرتفع مشاهداً تخطيط المدينة بكاملها)، ويضيف : (وقد كان التخطيط فريداً في نوعه فهي دائرة اخترقتها الطرق وتركزت التجارة والأسواق في ضاحية الكرخ لكل تجارة شوارع حوانيت معلومة، ولا يختلط قوم بقوم ولا تجارة بتجارة.
أمّا البصرة فكذلك هي الأخرى خططت تخطيطاً دقيقاً، ووضعت لها الأطوال حيث بلغت مساحتها عشرات الأميال طولاً وعرضاً، ومئات النهيرات تشق طريقها وعلى جنباتها جناتٍ من نخيل وخضر حسان.
والقاهرة أيضاً خططت تخطيطاً رائعاً عندما أسسها جوهر الصقلي حيث ذكر أن كل جانب من جوانبها كان يبلغ ألفاً ومائتي متر، ومساحة هذا المكان 340 فداناً، وكان قصر الخليفة يشغل مساحة مقدارها سبعون فداناً، كانت حديقة كافور وحدها تشغل خمسة وثلاثين فداناً، وخمسة وثلاثين فداناً أخرى لاستعراض الجند والباقي وقدره مائتا فدان لسكن الجند .
ومن الأبنية العظيمة ذات العراقة التاريخية والفن الإسلامي الرائع جامع الأزهر بأعتمدته الرائعة وبنائه الفاخر، وجامع الأمويين بدمشق، وجامع القرويين بفاس الذي قدرت مساحته بنحو ميل ونصف، وطول الجزء المسقوف منه بمائة وخمسين ذراعاً، ولا يقل عرضه عن ثمانين ذراعاً، ومسجد الكتبية بمراكش حيث كان أية في النقش والمساحة والزخرفة الدقيقة المصحوبة بالألوان الهندسية. يستنتج من هذا أن الخلفاء اهتموا بالبناء والمساكن سواء كانت قصوراً أو مدناً أو غيرها مما يدل على روعة التصميم وحسن الأداء. أنظر، محمود الصياد وآخرون، المجتمع العربي والقضية الفلسطينية، دار النهضة، بيروت، 1973م، ص 111، وحسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام 3/122-413، 5/592. وأرى أن ذلك لا يعد ممنوعاً ما دام أنّ هذا الفن مسخرٌ لخدمة أهداف المسلمين العامة والخاصة تبعاً لظروف وأحوال المسلمين المستجدة .
100. حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام، مرجع سابق، 3/411-413، 4/618-622 .
101. نظام الأبنية والتنظيم الأردني رقم 9، صادر بمقتضى المادة 67 من قانون تنظيم المدن والقرى رقم 79 لسنة 1966م.
102. ابن سعد، الطبقات الكبرى، مرجع سابق، 1/501 .
103. المرجع السابق، ويدل أيضاً على أن أطوال حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت قصيرة، ويؤيد ذلك رواية ابن سعد من أنه عليه السلام كان يطلب من عائشة ويغمز رجلها لتكفها حتى يتمكن من السجود.
104. أنظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، مرجع سابق، 1/501، وسليمان الطماوي، عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة، مرجع سابق، ص 317-118 .
105. سليمان الطماوي، عمر بن الخطاب وأصول السياسة /مرجع سابق، ص 317-318
106. فلو أراد أحد الناس أن يبني في داره تنوراً للخبز الدائم كما يكون في الدكاكين أو رحى للطحين، أو مدقات للقصارين لم يعجز لأنه يضر بجيرانه ضرراً فاحشاً لا يمكن التحرز عنه، فإن يأتي من الدخان الكثير والرحى والدق يوهن البناء، أنظر حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، 5/448 .
107. ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، 5/447 .
108. المرجع السابق، 5/448 .
109. المرجع السابق، 1/656 .
110. المرجع السابق، 5/444 .
111. المرجع السابق، 5/444 .
113. ابن فرحون المالكي، مرجع سابق، 2/256 .
114. المرجع السابق، 2/256.
115. القرافي، الفروق، عالم الكتب، 4/15-16.
116. ابن فرحون المالكي، تبصرة الحكام، مرجع سابق، 2/256.
117. محمد بن إدريس الشافعي، الأم، مرجع سابق، 3/221-222 .
118. قواعد الزركشي: و 334ب- 345 أ، نقلاً عن عبد السلام العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق 1/214، ولم أرى القواعد.
119. أبو اسحق الشيرازي، المهذب، دار المعرفة ط2، 1959م، 1/341 .
120. المغني، ابن قدامة، مرجع سابق، 5/34.
121. منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع، عالم الكتب، بيروت 1983م، 3/409.
122. المرجع السابق، 3/409.
123. ابن حزم، المحلى، مرجع سابق، 8/242.
124. المرجع السابق، 8/241 .
125. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 11/56، وحسن إبراهيم حسن تاريخ الإسلام مرجع سابق، 3/406.
126. حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام، مرجع سابق، 3/415.
127. المرجع السابق، 3/420.
128. المرجع السابق، 3/420.
129. المرجع السابق، 2/283.
130. أنظر عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968م.
131. أنظر شاهد، 103.
132. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتها. قالت : والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح، أخرج الحديث البخاري، كتاب الصلاة، 1/112، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، 4/229، ,أبو دامود، كتاب الصلاة، باب من قال إن المرأة لا تقطع الصلاة، 1/189 .
133. أحمد الصنهاجي القرافي، الفروق، مرجع سابق، 4/15-16.
134. قواعد الزركشة نقلاً عن العبادي، الملكية، مرجع سابق، 1/214.
135. المرجع السابق، 1/215.
136. المرجع السابق، 1/215.
137. ابن حزم، المحلى، مرجع سابق، 4/354 – 355، ويرى بعض الفقهاء جواز بيع الهواء لمن ينتفع به، أنظر، الفروق، مرجع سابق، 4/16، هذا ويبدو أن هناك تناقضاً بين قاعدتين أوردهما القرافي بقوله أولاً: لا يجوز بيع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء، وقوله ثانياً: نص أصحابنا على بيع الهواء لمن ينتفع به، وسببه على ما يبدو اختلافهم في الأهوية التي فوق البناء عن الأهوية التي تحت البناء، فمع اتفاقهم جميعاً على جواز بيع الأهوية التي فوق البناء، وذلك لأن الناس تتوفر دواعيهم فيما علا من الأبنية لأنها مواضع الفرح والتنزه وغير ذلك من المقاصد، ولا تتوفر دواعيهم في باطن الأرض، والقاعدة الشرعية أن الذي يملك لأجل الحاجة ولا ما حاجة فيه لا يشرع فيه الملك، ولذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء فوق الأرض. أما المساجد والكعبة لما كانت بيوتاً كانت المقاصد فيها لمن يدخلها متعلقة بهوائها دون ما تحت بنائها كالمملوكات، فإن قلت ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من غصب شبراً من أرض طوقه من سبع أرضين)، وهذا يدل على ملك ما تحت ذلك إلى الأرض السابعة، قلت تطويق ذلك إن كان عقوبة لا لأجل ملك صاحب الشبر إلى الأرض السابعة، ولا يلزم من العقوبة بالشيء أن يكون مملوكاً لغير الله عز وجل، وأصل هذا الخلاف أن هواء المسجد له حكم المسجد فلا بقربه الجنب وطبعاً هذا فوق الأرض، أما الجنب فيستطيع أن يقرب مطمورة المسجد إذا حفر تحته، أنظر القرافي، الفروق مرجع سابق، 4/15-17.
138. لزيادة الإيضاح، أنظر فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ط4، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1988 ص6 وما بعدها، ومحمد فوزي فيض الله، نظرية الضمان في الفقه الإسلامي، ص 89 وما بعدها ووهبة الزحيلي، نظرية الضرورة الشرعية، ص 248 وما بعدها.
139. أنظر تخريج الحديث شاهد 52 من هذا البحث.
140. أخرجه مسلم، كتاب البر والأدب، فضل إزالة الأذى عن الطريق، 16/170-171، والمناوي، فيض القدير، دار المعرفة، ط2، بيروت 1972م، 5/520.
141. رستم باز اللبناني، شرح المجلة، دار إحياء التراث، ط3، بيروت، 1986،ص654-656 ومحمد خالد الأتاسي، شرح المجلة، مطبعة حمص، 1931م، 4/138-140 .
142. رستم باز اللبناني، شرح المجلة، مرجع سابق، ص 126-127 .
143. معوض عبد التواب، الوسيط في تشريعات البناء، ط1، مصر، 1988م، ص 126-127
144. المرجع السابق.
145. المرجع السابق.
146. أنظر نظام الأبنية والتنظيم الأردني رقم 9، صادر بمقتضى المادة 67 من قانون تنظيم المدن والقرى رقم 79 لسنة 1966م.
اترك تعليقاً