بحث لفضيلة الشيخ يوسف بن صالح السليم
القاضي بمحكمة بريدة الجزئية
قدم فضيلة الشيخ يوسف بن صالح السليم مشكوراً بحثاً قيماً للندوة التنفيذية بالأنظمة العدلية .
ويعتبر من البحوث المهمة في ساحة القضاء والعدالة وسنبرز أهم المحاور التي تطرق لها الباحث . فذكر فضيلته أن الإسلام ينظر لهذا الإنسان بأنه مخلوق مكرم موقر الكرامة وقد جاءت أحكامه الكلية والجزئية لتحافظ على دينه وعرضه وماله وفق ميزان عدل لا يختل نظامه , ولا تختلف مقاصده في توافق دقيق مع طبيعة خلقة الإنسان و جديته التي فطره الله عليها قال تعالى : ” ولقد كرمنا بني آدم “ .
ثم ذكر أنه لما كان الضرر الذي يصيب الإنسان ويقع عليه مستلزماً في الغالب لدخول النقص عليه سواء في بدنه أو ماله فقد جاءت الشريعة بمبدأ التعويض عن الضرر وان شئت فقل مبدأ “التضمين” والتي دلت عليه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة , بين مسؤولية الإنسان عما يصدر منه تجاه الآخرين , وذلك حفاظاً على النفوس والأموال , وجبراً للضرر , ومنعاً للعدوان , وزجراً للمعتدين .
ثم تطرق فضيلته إلى التعريف بمفردات موضوع بحثه ويشير إلى بعض التعريفات المهمة منها :
التعويض : هو البدل , والجمع أعواض تقول عضت فلاناً وعوضته وأعضته : إذا أعطيته بدل ما ذهب منه .
والمصدر : العوض والاسم المعوض .
والضرر ضد النفع .
ثم قام صاحب الفضيلة بتعريف التعويض فقال (تحميل أحد الخصمين ما غرمه الآخرين من أضرار بسبب المرافعة القضائية وإلزامه ببذله له ) .
أما الأصل في التعويض فهو مستمد من الكتاب والسنة .
حيث قال تعالى ” فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ” وقال تعالى : “وجزاء سيئة سيئة مثلها ” .
أما من السنة قوله صلى الله عليه وسلم (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) .
وأيضاً حديث انس ابن مالك قال (أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم – إلى النبي طعاماً في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها , فألقت ما فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم طعام بطعام وإناء بإناء) .
وذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر ولا ضرار ” وهو الدال على القاعدة الفقهية الكبرى (الضرر يزال) وذكر ابن نجيم أن هذه القاعدة تدخل في ضمان المتلفات .
أما التوجيه الفقهي للتعويض عن أضرار التقاضي فقد ذكر فضيلته انه إن جاء صاحب الحق بالامتناع عن أداء حقه إلى التقاضي , أو رفع الدعوى على الشخص بغير حق – قد يوقع على أضرارا كثيرة من تعطيل لأعماله , وتفويت لمصالح متحققه لديه , ونفقات ومصروفات مالية تتطلبها المرافعة القضائية .
وإلحاق الضرر بالآخرين أو التسبب فيه بغير حق موجب للضمان شرعاً كما مر معنا وأثر الضمان ونتيجته إلزام الضامن بتعويض المضمون له عن الأضرار التي تلحق به .
وهذا الضرر الواقع لا يمكن إزالته حقيقة فيجب حينئذ إزالته حكماً ولا يجبره ولا يتأتى ذلك إلا بالتعويض عنه .
أما الفقهاء رحمهم الله فقد أوردوا نصوصاً تدل على مشروعية التعويض عن أضرار التقاضي وهي كما يلي :
1. سئل شيخ الإسلام عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره , وغرم أجره الرحلة , هل الغرم على المدين أم لا ؟ فأجاب الحمد لله إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء , وماطله حتى أحوجه إلى الشكاية , فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل , إذا غرمه على الوجه المعتاد .
وذكر ابن مفلح في الفروع “ومن مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك لزوم المماطل ” .
وقال المرداوي “لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل , جزم به في الفروع ” .
وقال صاحب كاشف القناع ” ولو مطل المدين رب الحق شكى عليه فما غرمه رب الحق فعلى المدين المماطل إذا غرمه على الوجه المعتاد لأنه تسبب في غرمه بغير حق , وفي الرعاية لو أحضر مدعى به ولم يثبت للمدعى لزمه أي المدعي مؤنه إحضاره ومؤنه رده إلى موضعه لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق”.
ثم ذكر الباحث التعويض عن أضرار التقاضي في النظام فقال عند الرجوع إلى نظام المرافعات السعودية نجد أن هناك مواداً قررت مبدأ المطالبة بالتعويض عن الضرر الناشيء عن التقاضي وفيها ما جاء في المادة الثامنة فيما يتعلق بالطلبات العرضة ما يأتي :
– طلب الحكم له بتعويض عن ضرر لحقه من الدعوى الأصلية أو جزء منها كذلك نصت المادة الخامسة عشر بعد المائتين على أن طالب الحجز عليه أن يقدم إلى المحكمة إقرار خطياً من كفيل غارم صادراً من كاتب العدل يضمن جميع حقوقه المحجوز عليه وما يلحقه من ضرر إذا ظهر أن الحاجز غير محق في طلبه .
وبعد ذلك أورد الباحث شروط الحكم بالتعويض عن أضرار التقاضي وهي على النحو التالي :
1. توافر الشروط المعتبرة في الدعوى .
2. تحقق الضرر .
3. حصول التعدي سواءً كان مدعياً أو مدعى عليه .
4. الحكم في الدعوى الأصلية لصالح من يطالب بالتعويض .
5. واقعية أسباب التعويض .
وبعد ذلك ذكر الباحث كيفية تقدير التعويض وفي معرض بحثه أن الجهة القضائية هي التي تتولى تقدير الأضرار الناشئة عن التقاضي , ويرجع ذلك إلى اجتهاد القاضي ناظر القضية .
ثم ذكر بعض أنواع الضرر التي يمكن النظر فيها والاجتهاد بها عند تقدير التعويض وهي على سبيل المثال لا الحصر :
1. مصروفات الدعوى وتشمل :
أ- نفقات السفر .
—
ب- نفقات الإقامة .
ت- أجرة أهل الخبرة .
ث- أجرة المحامي .
ج- النفقات التي تصرف لإعداد المذكرات والرد عليها .
2. الضرر اللاحق عن المنع من السفر .
3. الضرر اللاحق عن الحجز التحفظي .
4. الضرر اللاحق عن توقيف التعامل أو تقليله .
وهذا وقد خلص الباحث إلى نتائج وهي كما يلي :
1) عناية الشريعة الإسلامية في كلياتها وجزئياتها على حفظ الحقوق و صيانتها وتحريم الظلم والاعتداء على الآخرين وقد جاء ذلك مقرراً بالأدلة من الكتاب والسنة .
2) ان التعويض عن الاضرار أمر مشروع في الاسلام من حيث الأصل وقد قامت الأدلة عليه من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
3) جواز المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن التقاضي من حيث الأصل وذلك من خلال توجيه هذه المسألة فقهياً , وبيان أنها تندرج تحت مبدأ التضمين الذي هو متقرر في الشريعة .
4) تدعيم الحكم بجواز المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن التقاضي من خلال ذكر بعض النصوص الواردة عن فقهاء الاسلام .
5) ان نظام القضاء قد قرر مبدأ المطالبة بالتعويض عن أضرار التقاضي من خلال المواد (236,15,80) من نظام المرافعات .
6) يشترط للحكم بالتعويض عن أضرار التقاضي شروط لا بد من توافرها وهي كما يلي :
أ- توافر الشروط المعتبرة في الدعوى من حيث الأصل .
ب- تحقق الضرر .
ج- حصول التعدي .
د- الحكم في الدعوى الأصلية لصالح من يطالب بالتعويض .
ه- واقعية أسباب التعويض .
وقد جاء ذلك مقرراً بنصوص بعض فقهاء الشريعة وما ورد في نظام المرافعات بهذا الخصوص .
7) تقدير الأضرار الناشئة عن التقاضي والتعويض فيها يدخل ضمن السلطة التقديرية للمهمة القضائية التي تنظر الدعوى وعلى القاضي أن يرجع عن تقديره للتعويض إلى العرف والعادة , والاستعانة بأهل الخبرة في هذا المجال .
وقد جاء ذلك مقرراً بنصوص بعض الفقهاء وما ورد في نظام المرافعات بهذا الخصوص .
منقول من موقع المحامي السيخ/ فهد النويصر
كما يسرني ان اشير ان هناك عدة بحوث صدرت بهذا الخصوص منها ماصدر لصاحب الفضيلة الدكتور /ناصر بن محمد الجوفان الاستاذ المشارك بالمعهد العالي للقضاء بالمملكه العربيه السعوديه وهي :
1- التعويض عن تفويت منفعه انعقد سبب وجودها 0
2- التعويض عن السجن (دراسه مقارنه)
3- مصروفات الدعوى – دراسه مقارنه –
اترك تعليقاً