تلجأ الإدارة لمزاولة نشاطها على الوجه الأكمل إلى عدة أساليب تتضمن قواعد غير مألوفة في مجال القانون الخاص، ومن هذه الأساليب القرارات الإدارية.
والقرار الإداري عمل قانوني يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة عامة ويحدث مركزا قانونيا جديدا أو يؤثر في مركز قانوني سابق.
وتتمتع الإدارة بسلطة استثنائية في تنفيذ قراراتها تنفيذا مباشرا، وفي استعمال القوة العمومية لإتمام هذا التنفيذ دون اللجوء مقدما إلى القضاء ويستتبع ذلك التزام الأفراد باحترام هذه القرارات والعمل على تنفيذها، وإلا تعرضوا للجزاء الذي يقرره القانون لمخالفي هذه القرارات استنادا إلى القوة التنفيذية للقرار الإداري.
وفي مقابل هذا الامتياز المخول للإدارة، أعطى المشرع في أغلب الدول الحق للأفراد في اللجوء إلى القضاء من أجل إلغاء تلك القرارات متى شابها عيب من العيوب تجعلها غير مشروعة، ولكن الطعن بالإلغاء لا يؤدي بقوة القانون إلى وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه، لذا اتجهت معظم التشريعات المعاصرة إلى تقرير دعوى وقف التنفيذ.
ودعوى وقف التنفيذ دعوى متفرغة من دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة الهدف منها إيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه بالإلغاء إلى حين البث في جوهر النزاع، وهي دعوى استثنائية في مقابل، ما تتمتع به الإدارة من امتيازات في تنفيذ قراراتها استنادا إلى قاعدة الامتياز السابق Le privilège du préalable .
ونظرا لأهمية هذه الدعوى وما تمثله من ضمانة لحقوق وحريات الأفراد في مواجهة الإدارة، فإننا نعرض لها من خلال النقط التالية:
أولا: السند القانوني لدعوى وقف تنفيذ القرار الإداري.
ثانيا: شروط وقف تنفيذ القرار الإداري.
ثالثا: آثار الحكم الصادر بوقف تنفيذ القرار الإداري.
أولا: السند القانوني لدعوى وقف تنفيذ القرار الإداري.
نص المشرع المغربي في القانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم 90/41 في الفصل 24 على ما يلي:
“للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة”[1].
كما نص في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية في الفقرة الأخيرة منه على ما يلي:
“يمكن علاوة على ذلك للمجلس بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن يأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء”.
يستنتج من هذين الفصلين أن المشرع المغربي أسند الاختصاص بشأن وقف تنفيذ القرارات الإدارية لكل من المحاكم الإدارية والمجلس الأعلى، وهو أمر طبيعي نتيجة لتوزيع الاختصاص بينهما للبث في طلبات الإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية للشطط في استعمال السلطة والمنصوص عليه في الفصل الثامن من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
إذ ينص الفصل الأخير على اختصاص هذه المحاكم بالبث ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة مع مراعاة ما يقرره الفصل التاسع من نفس القانون والذي يعطي الاختصاص للمجلس الأعلى بالبث ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة والمتعلقة بالمقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول وقرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية.
ثانيا: شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية.
لم ينص المشرع المغربي في قانون المحاكم الإدارية أو في قانون المسطرة المدنية إلا على شرطين لقبول طلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية وهما: أن يقترن الطلب بدعوى إلغاء القرار المطلوب وقف تنفيذه وأن يطلب رافع دعوى الإلغاء ذلك صراحة، إ أن الفقه والقضاء الإداريان أوردا شروطا شكلية وأخرى موضوعية لرفع دعوى وقف تنفيذ القرارات مع ما يترتب على الإخلال بأحدها من عدم قبول اطلب شكلا أو رفضه موضوعا حسب نوع الإخلال، ونعرض للشرط الشكلية والموضوعية وفق ما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي [2] في الفقرتين التاليين:
الفقرة الأولى: الشروط الشكلية.
بالإضافة إلى الشروط الشكلية الواجب توافرها في رافع أي دعوى، وهي الصفة والأهلية والمصلحة تطبيقا للفصل الأول من قانون المسطرة المدنية يتعين على رافع دعوى وقف تنفيذ القرار الإداري احترام شكليات معينة يترتب على عدم مراعاتها عدم قبول دعواه شكلا وهي: أن تسبق الطلب دعوى إلغاء في القرار المطلوب وقف تنفيذه من جهة وان يكتسي القرار المطلوب وقف تنفيذه طابعا تنفيذيا ألا يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه قد تم تنفيذه فعلا، ونعرض لهذه الشروط على التوالي:
الشرط الأول: تقديم دعوى الإلغاء قبل طلب الإيقاف.
ويتمثل هذا الشرط المنصوص عليه بالفصلين 24 من قانون المحاكم الإدارية و361 من قانون المسطرة المدنية في وجوب اقتران طلب وقف التنفيذ بطلب إلغاء لتجاوز السلطة في القرار المطلوب وقف تنفيذه، وباستقراء الفصلين المذكورين نرى أن المشرع المغربي لم يشترط تقديم الطلب بصفة مستقلة على الطلب الأصلي بالإلغاء أو مقترنا به خلافا لما ذهب إليه المشرع المصري الذي اشترط إبداء الطلب في صحيفة الطعن بالإلغاء بنصه في الفصل 49 من قانون مجلس الدولة الصادر سنة 1972على:” لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها”.
أما المشرع الفرنسي فد أوجب تقديم وقف تنفيذ القرارات الإدارية بمقال مستقل عن طلب الإلغاء بمقتضى الفصل 97 من مرسوم 28 نونبر 1969 المعدل لمرسوم 28 نونبر 1954 المتعلق بالمحاكم الإدارية.
الشرط الثاني: أن يكتسي القرار المطلوب وقف تنفيذه طابعا تنفيذيا.
والمقصود بهذا الشرط أن تكون للعمل المطلوب وقف تنفيذه صبغة القرار الإدارية أولا وأن تكون له الصبغة التنفيذية ثانيا:
أ ـ أن يتعلق الطلب بقرار إداري:
ويقصد بهذا الشرط تميز القرار الإداري عن غيره من الأعمال الإدارية الأخرى وقد جرى الاجتهاد الفقهي والقضائي على تعريف القرار الإداري بأنه “إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة[3].
ويترتب على عدم توفر الشرط عدم قبول طلب وقف التنفيذ المنصب على الأعمال التحضيرية أو إجراءات تنفيذ قرار إداري لم يتم الطعن فيه بالإلغاء، لأن دعوى وقف التنفيذ مشتقة من دعوى الإلغاء وفرع منها، فالقضاء الإداري لا يلغي قرارا إداريا إلا إذا استبان أن القرار به عيب من العيوب التي قد تشوبه وتجعله غير مشروع وهي عيب الشكل أو الإجراءات والاختصاص ومخالفة القانون والانحراف في استعمال السلطة[4] ولا يأمر بوقف تنفيذه إلا إذا تبين له من ظاهر الأوراق أن به عيبا من العيوب المذكورة فبالأحرى طلب وقف التنفيذ المنصب على غير قرار إداري.
وتطبيقا للمبدأ السابق استقر الاجتهاد القضائي على عدم قبول طلبات الإلغاء الموجهة ضد مقترحات القرارات أو الإجراءات التمهيدية السابقة على إصدار القرار، ومن ذلك ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 18-5-1961 والذي جاء فيه:
“القرارات التي لها في ذاتها قوة تنفيذية يمكن وحدها أن تكون محلا لدعوى الإلغاء أمام المجلس دون الاقتراحات التي لا تعدو أن تكون سوى عناصر في مسطرة تحضيرية لا يمكن فصلها عنها[5].
وذهبت المحاكم الإدارية بعد إحداثها إلى عدم قبول طلبات وقف التنفيذ ضد الأعمال التنفيذية لقرارات لم يتم الطعن فيها بالإلغاء استنادا إلى أن مثل هذه الأعمال لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري، ومن ذلك ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الصادر بتاريخ 17-4-1996 في قضية زيدان محمد ضد باشا مدينة العيون والذي جاء فيه:
“وحيث أن عمل السلطة المحلية جاء تنفيذا لقرار إداري، ويعتبر تبعا لذلك عملا تنفيذيا لا يرقى إلى درجة القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء مادام أنه ليس هو الذي أحدث بذاته الأثر في المركز القانوني للطاعن وإنما القرار الصادر عن المجلس بإغلاق الباب.
وحيث أن الطعن لم ينصب على قرا الإغلاق وإنما انصب على العمل التنفيذي مما يكون معه غير مقبول”.
وما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها الصادر بتاريخ 31-10-1996 تحت عدد 35/96 والذي جاء فيه:
“وحيث أن المدعي كان على علم بمحتوى القرار ورغم ذلك لم يبادر إلى الطعن فيه داخل الأجل القانوني مما جعله يتحصن بفوات الأجل ويكتسب مناعة ضد كل طعن، وبالتالي فإن بيان التصفية الصادر بناء عليه لا يعدو أن يكون عملا تنفيذيا ماديا للقرار المحصن … وبالتالي يتعين عدم قبول الطلب”.
وفي نفس الاتجاه سارت المحكمة الإدارية بمراكش في حكم حديث لها بتاريخ 16-3-1998 في الملف عدد 19/98 والذي جاء فيه:
“وحيث أن السيد العامل حينما قام بإغلاق المحل إنما اتخذ هذا الإجراء تنفيذا لقرار إداري أصدره الناب الإقليمي لم يكن موضوع طعن ولا أية مطالبة قضائية بإيقاف تنفيذه.
وحيث أن طلب الإيقاف يكون بذلك قد انصب على إجراء تنفيذي وليس على قرار إداري مما يستوجب معه التصريح بعدم قبوله لافتقاده أهم شروطه الشكلية[6].
وموقف القضاء الإداري المغربي يساير ما استقر عليه القضاء الإداري المصري من عدم قبول الطعن بالإلغاء ضد الأعمال التحضيرية والأعمال المادية، لأن القرارات التي يجوز الطعن فيها هي القرارات النهائية وهي التي تصدر متخذة صفة تنفيذية دون حاجة إلى تصديق سلطة عليا، أما الأعمال التحضيرية فلا يترتب عليها أي أثر قانوني ولا تقوى على إنشاء أو تعديل أو إلغاء أي مركز قانوني[7]، كما أن الأعمال المادية واقعة مادية أو إجراء مثبت لها دون أن يقصد به تحقيق آثار قانونية معينة[8].
ب ـ أن تكون للقرار صبغة تنفيذية:
وهذا الشرط مستمد من مبدأ دستوري هو فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وبالتالي لا يملك القاضي الإداري توجيه أوامر إلى الإدارة، وتطبيقا لذلك فإن القاضي الإداري لا يمكنه إيقاف تنفيذ قرار إداري برفض منح رخصة للبناء أو ممارسة نشاط معين لأن إيقاف التنفيذ يعني حتما منح الترخيص، وهو ما أشارت إليه المحكمة الإدارية بمراكش في حكمها السابق الصادر بتاريخ16-3-1998، وهو مبدأ تقرر في الاجتهاد القضائي الإداري الفرنسي والمستقر على أن القرارات السلبية في حد ذاتها لا تقبل الطعن بالإلغاء إلا إذا تضمنت تعديلا في مركز قانوني أو واقعي[9]، وهذا الاتجاه يكرس ما استقرت عليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ومن ذلك قرارها الصادر بتاريخ 12 مارس 1959 والذي جاء فيه:
“إن دعوى الشطط لا تقبل إلا ضد المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية ضد الأعمال المضرة والتي لها طابع تنفيذي[10].
وعلى العكس من ذلك فإن القرار السلبي المعدل لمركز قانوني يقبل الطعن بالإلغاء وبالتبعية وقف التنفيذ
ومن ذلك قرارات رفض التسجيل في جدول إحدى النقابات المهنية رغم سبقية تسجيل الطاعن بصفة مؤقتة بجدول النقابة المطعون في قرارها[11].
الشرط الثالث: ألا يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه قد تم تنفيذه.
فإذا كان الهدف من التنصيص على مسطرة ودعوى وقف التنفيذ هو منع تنفيذ القرار الإداري إلى حين البث في موضوع الإلغاء، فإن هذه الدعوى تكون عديمة الجدوى إذا تم تنفيذ القرار قبل تقديم طلب وقف تنفيذه، إذ لا مبرر للمطالبة بوقف تنفيذ القرار لعدم وجود جدوى من ذلك، كما لو فات ميعاد اجتياز الامتحان ودعوى الطعن بالإلغاء لازالت رائجة أمام قضاء الموضوع [12].
الفقرة الثانية: الشروط الموضوعية.
إلى جانب الشروط الشكلية المذكورة سابقا يتطلب لقبول طلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية ـ وفقا لما استقر عليه الاجتهاد القضائي الإداري، توافر شرطين أساسيين هما عنصرا الاستعجال والجدية، ونعرض لهذين الشرطين على التوالي:
الشرط الأول: عنصر الاستعجال.
ويعتبره القضاء الإداري شرطا جوهريا يترتب على عدم توافره رفض طلب وقف التنفيذ، ويتحقق القاضي الإداري من هذا الشرط حسب الحالات المعروضة عليه ويستظهره من ظاهر الأوراق دون الغوص في أصل الحق المتنازع عليه أي دون المساس بأصل طلب الإلغاء.
وقد جرى الاجتهاد القضائي المصري على توافر عنصر الاستعجال عندما يترتب على تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه نتائج لا يمكن تداركها، كأن يكون من شأن تنفيذ القرار حرمان طالب من اجتياز امتحان مما يتعذر معه تدارك النتيجة التي قد تترتب على ذلك، فإذا نفذ القرار المعطون فيه استنفذ أغراضه[13].
ويتشدد المجلس الأعلى في التأكد من وجود عنصر الاستعجال ومن ذلك ما ذهب إليه في قراره الصادربتاريخ 8-12-1975 إذا اشترط وجوب احتجاج الطاعن بظروف استثنائية تبرر وقف التنفيذ[14] وعلى العكس من ذلك إذا توفر عنصر الاستعجال، فغن المجلس لا يتردد في الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ومن ذلك ما ذهب إليه في قراره الصادر بتاريخ 5-7-1972 والذي جاء فيه:
“إن استمرار هذه الحالة ـ أمر جميع مؤسسات البترول بعدم تزويد الشركة الطاعنة بالمواد المحترفة مما أدى إلى شل حركتها التجارية سترتب عنه نتائج خطيرة يصعب تداركها، وأن هذه الوضعية تكتسي حالة استعجال تبرر الأمر بإيقاف تنفيذ المقرر المذكور[15].
ومنه أيضا ما ذهب إليه المجلس في حكمه الصادر بتاريخ 14-4-1978 والذي جاء في إحدى حيثياته.
“يمكن وقف تنفيذ القرار بعد الاطلاع على الوثائق الواردة في الملف وعلى ظروف النازلة وملابساتها، ونظرا لما يقضيه حسن سير العدالة خاصة أن الشركة الطاعنة قد ذكرت أن الاستمرار في تنفيذ مقتضيات القرار من شأنه أن يتسبب لها في أضرار تتجسد في الكف عن العمل وتوقيف العمال والمستخدمين التابعين لها[16].
وقد سارت المحاكم الإدارية بعد إحداثها في نفس الاتجاه ومن ذلك ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بأكادير في مجموعة من الأحكام الصادرة بتاريخ 19-3-1998 بقولها:” حيث لا يجادل أحد في أن فوات موسم دراسي بالنسبة للطالب هو ضرر جسيم لا يمكن تداركه لارتباطه بعنصر الزمان الذي لا سيطرة لأحد عليه ولا يكفي القول بأن المجال مفتوح له بعد تأكد حقه للعودة إلى مدرج الكلية في الموسم المقبل، إذ تكون سنة من عمره الدراسي قد ضاعت إلى غير رجعة وهو أيضا ضرر لا يمكن تقديره ماديا بمال يدفع كتعويض عن هذا الضرر مهما بلغ مقداره[17].
الشرط الثاني: عنصر الجدية.
ويتمثل هذا الشرط في أن يكون طلب وقف التنفيذ مبينا على أسباب جدية وواقعية، ويقوم القاضي الإداري ببحث عرضي عاجل لجدية الطلب بحيث يكون من المرجح إلغاء القرار الإداري المطلوب وقفه عند البث في دعوى الإلغاء فيأتي حكم وقف التنفيذ مبنيا على هذا الترجيح.
وقد جرى الاجتهاد القضائي الإداري على ترديد هذا الشرط في أحكامه المتعددة بل يتشدد في التأكد من وجود الجدية في الطلب، ومن ذلك ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 29-6-1950 والذي جاء فيه:
“ولما كانت المحكمة تقف من كل ذلك عند عوى المدعين بأن القرار الوزاري المطعون فيه مخالف للقانون إذا اشتمل على نص يجعل له أثرا رجعيا … فترى المحكمة دون أن يكون في ذلك أي مساس بما لمحكمة الموضوع من كامل حقها في أن تبث في هذه المسألة ـ أن هذا السبب يمكن اعتباره من الأسباب الجدية التي تسوغ وقف التنفيذ[18].
ويميل المجلس الأعلى في أحكامه إلى دمج شرطي الاستعجال والجدية ضمن حيثية واحدة بقوله في أغلب الأحكام “نظرا للطابع الاستثنائي لطلب وقف التنفيذ، وحيث أنه نظرا لحالة الاستعجال” أمام المحاكم الإدارية فتبحث في مدى توافر عنصر الجدية إلى جانب عنصر الاستعجال للتأكد من توافرهما معا مسايرة ما جرى عليه الاجتهاد القضائي الإداري المصري والفرنسي من أن تخلف أحد الشرطين يؤدي إلى رفض الطلب[19] ومنذ لك ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بأكادير في أحكامها السابقة الذكر والصادرة بتاريخ 19-3-1998بقولها:” حيث انه بفض النظر عن الاحتمالات القانونية التي تنفتح عليها القضية بالنسبة للطرفين فإن تمسك الطاعن بحقه في مواصلة دراسته العليا هو أمر بالغ الجدية في حد ذاته ليس فقط لارتباطه بحق دستوري بل وطبيعي في الاستزادة من العلم والمعرفة لا يسوغ دفعه عنه إلا بمسوغ معقول، ولكن أيضا بما ينطوي عليه هذا الحق من نفع عام بالنسبة للمجتمع الذي يحرص أبناؤه على التفرغ للعلم والمعرفة ويكون من غير المعقول صده عنه لدواعي إجرائية وشكلية هي في حد ذاتها مثار النزاع أمام قاضي الموضوع.
وحيث أنه بإعمال معيار الموازنة والتناسب يكون من الأجدى إيقاف تنفيذ قرار يحول دون ممارسة الطاعن لح دستوري وطبيعي حتى يتم التأكد من عدم أحقيته في المواصلة بمقتضى القوانين التنظيمات الجارية إذ لن تخسر الإدارة بعد ذلك شيئا إذا صرفته بعد ذلك عن مدرجات الجامعة فيما لو قضي برفض طعنه قياسا على كون الخطأ في العفو أولى من الخطأ في العقوبة المعمول به في مجال الحدود والتعزيرات فلأن تخطئ الجامعة بتسجيل أشخاص غير محقين في الانتساب إليها خير من أن تخطئ في فصل من له الحق.
وحيث أنه إذا كانت هذه الاعتبارات وحدها كافية للتدليل على جدية الطلب فإن مطالعة ظاهرية لوسائل الطعن في دعوى الموضوع كفيلة بأن تعزز وقف طالب الإيقاف الذي يثير من بين وسائله دفوعا قد تكفي كل منها سببا لإلغاء القرار موضوع الطعن.
وحيث يناسب إذن التصريح بإيقاف تنفيذ قرار القيدوم برفض إعادة تسجيل الطاعن إلى حين الفصل في موضوع الطعن”.
وتجرد الإشارة في الأخير على أنه لا يشترط الاستعجال أو تدارك النتائج المترتبة على التنفيذ إذا كان القرار المطلوب وقف تنفيذه منعدما، إذ لا يعد والقرار المنعدم يشكل اعتداءا ماديا تجب إزالته فورا لأنه يمثل غصبا أو عدوانا ويخرج من دائرة القرارات الإدارية الصحيحة، يبرر طلب وقف تنفيذه وهو ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في مصر بتاريخ 14-1-1956 والذي جاء فيه:
“إذا نزل القرار إلى حد غصب السلطة، وانحدر بذلك إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الأثر قانونا … فلا تلحقه حصانة ولا يزيل عيبه فوات ميعاد الطعن فيه ولا يكون قابلا للتنفيذ المباشر، بل لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر طلب إزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة حتى لا يستهدف لما يستهدف له من نتائج يتعذر تداركها[20].
ثالثا: آثار الحكم الصادر بوقف التنفيذ.
تلتزم الإدارة بناءا على الحكم الصاد ضدها بوقف تنفيذ القرار الإداري بالكف عن القيام بإجراءات التنفيذ فورا إذا تعلق الأمر بوقف تنفيذ قرار إيجابي، أما القرارات السلبية الصادرة عنها بالامتناع عن عمل معين ـ والمغيرة في مركز قانوني ـ فإنها ملزمة بالقيام بهذا العمل، ومن ذلك قرار منع طالب من التسجيل أو اجتياز الامتحان، فإن صدور حكم بوقف تنفيذه يلزم الإدارة بتسجيل الطالب أو إتاحة الفرصة لاجتياز الامتحان إلى حين البث في الموضوع.
أما إذا قامت الإدارة بتنفيذ القرار أو تمادت في رفض القيام بالعمل عد عملها غصبا أو عدوانا وفق ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا في مصر في حكمها الصادر بتاريخ 14-1-1956، فضلا عن أن بعض التشريعات تعتبر امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها جريمة جنائية ومنه ما ذهب إليه المشرع المصري في قانون العقوبات في المادة 123 والتي نصت على ما يلي:”يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم، أو وقف تنفي حكم أو أمر صادر من أية جهة مختصة، كذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر، إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاص الموظف”.
كما نص الدستور المصري الصادر سنة 1971 في المادة 72 على:” تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة أمام المحكمة”.
ولا يوجد نص بشيه بالمادتين المذكورتين أعلاه في القانون المغربي وإن كان الفصل 226 من مجموعة القانون الجنائي يعاقب كل من قام بتحقير مقررات القضاء وبالتالي فإن الموظف المسؤول عن تنفيذ حكم قضائي يمكن متابعته بناء على الفصل المذكور.
وبالإضافة إلى العقوبة الجنائية يمكن اعتبار الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية تجاوزا للسلطة يعطي الحق للمتضرر في المطالبة بالتعويض عن التأخير أو الامتناع عن التنفيذ وكذا الطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي المغربي، ومنه قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 9-7-1959 وقراره الصادر بتاريخ 24-11-1967 وكذا قراره الصادر بتاريخ 13-11-1981[21].
أما المشرع الفرنسي فقد نص في القانون الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1980 في الفصل الثاني منه على حق مجلس الدولة في أن يحكم بغرامة تهديدية في مواجهة الإدارة من أجل ضمان تنفيذ الأحكام[22] وتميل بعض المحاكم الدنيا بالمغرب نحو احكم بغرامة تهديدية في مواجهة الإدارة ومن ذلك حكم المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 17-10-1985[23].
كما يمكن للمتضرر المطالبة بتعويض عن الضرر اللاحق به من جراء امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر ضدها وفق قواعد المسؤولية الإدارية المنصوص عليها بالفصلين 79 و80 من ظهير الالتزامات والعقود.
[1] الظهير الشريف رقم 225-91-1 بتاريخ ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 90/41 الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3 نونبر 1993) الصفحة: 2168.
—
[2] للمزيد من التفاصيل أنظر: د.خميس إسماعيل: دعوى الإلغاء ووقف تنفيذ القرار الإداري، الطبعة الأولى 1992-1993 درا الطباعة الحديثة، ص: 1978 وما بعدها. -إبراهيم زعيم: مسطرة وقف التنفيذ ومسطرة الاستعجال في المادة الإدارية أي ترابط بينهما ـ المجلة المغربية للإدارة المحلية، العدد 12. -ذ.عزيز بودالي، إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية المجلة المغربية للإدارة المحلية، العدد 14-15.
اترك تعليقاً