المبحث الأول: الآثار المادية و أصنافها و العوامل المؤثرة فيها
المبحث الثاني: الأدلة المادية و علاقتها بالآثار المادية.
المطلب الأول :
أ تعريف الآثار المادية لغة و اصطلاحا و أصنافها.
ب ـ تعريف مسرح الجريمة .
1- تعريف الأثر المادي :
لغة : يطلق الأثر على بقية الشيء ، وجمعه أثار ، وأثور ويقال خرجت في أثره أي بعده ، والأثر ما بقي من رسم الشيء ، وأثر في الشيء ترك فيه أثرا ، ويقال على أثر أي في الحال ما كان مقابل العين كالقول ” يطلب أثرا بعد عين ” و هو مثل يضرب لمن ترك شيئا يراه ثم تبع أثره بعد فوات عينه.
اصطلاحا: يمكن تعريف الأثر المادي بأنه عبارة عن علامة ظاهرة أو غير ظاهرة بمسرح الجريمة أو عالقة بالمتهم أو المجني عليه ، تساعد على كشف الحقيقة من حيث إثبات وقوع الجريمة وتحديد مرتكبيها وظروف ارتكابها ، على هذا الأساس قد تتخلف الآثار المادية من الجاني كالبصاق أو المني والعرق والبصمة والشعر و الدم والرائحة ، أو من الآلة التي يستخدمها في ارتكاب الجريمة كآثار الأسلحة النارية والسكين والعصا وغيرها من الآلات المستخدمة في الجريمة ، أو من ملابسه كقطعة من الملابس التي يرتديها مزقت أثناء ارتكابه الواقعة أو زر قطع وسقط في مسرح الجريمة ، وكما يترك الجاني آثار بمسرح الجريمة يأخذ منه آثارا مثل الأشياء التي تعلق به أثناء ارتكابه الجريمة (1) .
إذا الأثر المادي هو كل ما يعثر عليه المحقق في مسرح الجريمة وما يتصل به من أماكن أو في جسم المجني عليه أو ملابسه أو يحملها الجاني نتيجة احتكاكه وتلامسه مع المجني عليه و ذلك بالعثور عليه بإحدى الحواس أو باستعمال الأجهزة العلمية والتحاليل الكيميائية .
ومهما بلغت درجة ذكاء المجرم ودرايته بالعلوم الحديثة ومحاولته عدم ترك آثار بمسرح الجريمة تدل على شخصيته ، إلا أنه يترك سهوا أو يتخلف عنه أثر يمكن أن لا يرى بالعين المجردة وذلك طبقا لنظرية “إدموند لوكارد” 🙁 كل مجرم يترك في غالب الأحيان دون علمه في مكان ارتكاب جريمته آثارا ويأخذ على شخصه أو ثيابه أو أدواته آثارا أخرى) ، بمعنى أن كل إحتكاك يترك أثرا سواء في الجسم الذي أحدث الاحتكاك أو الآخر الذي وقع عليه الاحتكاك ، غالبا ما يكون الأثر هو انتقال مادة من كل من الجسمين إلى الأخر ويتوقف ذلك على عدة عوامل أهمها الحالة التي عليها الجسمان من صلابة أو ليونة أو غازية أو سائلة وكيفية تلامسهما ، وهذا ما يحدث بالضبط في حوادث السيارات حينما
تحتك سيارة بأخرى فإن جزءا ولو صغيرا من الطلاء أو المعدن لكلتا السيارتين ينتقل إلى الأخرى وبالتالي ترتبط السيارتين أحداهما بالأخرى في الحادث إذا ما حاول أحد السائقين إنكار دوره في الحادث .
وقد يحاول المشتبه فيه غسل ملابسه الملوثة بالدماء أو ارتداء قفاز في يديه حتى لا يترك بصماته أو دفن جثة القتيل في مكان لا يعرفه أحد ، إلا أنه رغم ذلك يترك آثار بمسرح الجريمة أو تعلق به آثار بجسمه أو لباسه أو أدواته التي أرتكب بها الجريمة تدل على ارتكابه للجريمة وذلك طبعا حسب قدرة المحقق أو تقني مسـرح الجريمة وخبرتـه في استخدام الآلات والوسائل الحديثة التي تمكنه من الكشف على الأثر المادي الذي تركه الجاني بمسرح الجريمة ورفعه وتحريزه وإرساله إلى المخبر .
2- تصنيف الآثار المادية :
هناك عدة تصنيفات للآثار المادية ، إلا أنه ليس لعملية التصنيف أية قيمة من الناحية العملية بل هي مسألة تنظيمية فقط وهي تصنف كما يلي:
أ- حسب حجمها: فهناك الآثار المادية التي يكون حجمها كبير والتي تلفت نظر الجاني إليها وعادة يحاول إخفائها كالمسدس أو الآلات بمختلف أنواعها، آثار مادية صغيرة الحجم وهي التي تسقط من المتهم أو تعلق من مسرح الجريمة ولا تثير انتباهه كالألياف والتربة .
ب- حسب مصدرها وطبيعتها: منها آثار حيوية مصدرها جسم الإنسان كالدم ، إفرازات جسم الإنسان ، الرائحة أو آثار ذات مصادر أخرى (غير بيولوجية) كالملابس الأدوات المستخدمة في الجريمة ، الزجاج ، التربة .
ج- حسب مكوناتها: قد تكون صلبة كالسلاح ، أو سائلة مثل البنزين أو الدم أو غازية كالغاز الطبيعي ، أو رائحة .
د- حسب ظهورها: فهناك الآثار المادية الظاهرة التي يمكن إدراكها بالعين المجردة كالزجاج ، المقذوفات وهناك الآثار المادية الخفية التي لا تدرك بالعين المجردة والتي يتطلب كشفها الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة لكشفها كالبصمات غير الظاهرة أو آثار الدم المغسول .
ب ـ تعريف مسرح الجريمة : هو المكان الذي انتهت فيه أدوار النشاط الإجرامي ويبدأ منه نشاط المحقق الجنائي وأعوانه بقصد البحث عن الجاني من واقع الآثار التي خلفها في مسرح الجريمة والتي تعد بمثابة الشاهد الصامت ، الذي إذا أحسن المحقق الجنائي استنطاقه حصل على معلومات مؤكدة لا يخونها التعبير ولا تؤثر فيها المؤثرات الاجتماعية وتصنف بالثبات والدوام .
يعرف مسرح الجريمة أيضا بأنه المكان الذي تنبثق منه كافة الأدلة ويعطي ضابط الشرطة شرارة البدء في البحث عن الجاني ويكشف النقاب عن الأدلة المؤيدة للاتهام ، ويصلح لإعادة بناء الجريمة ، ويقال بأن مسرح الجريمة ، المكان أو مجموعة الأماكن التي تشهد مراحل تنفيذ الجريمة واحتوى على الآثار المتخلفة عن ارتكابها (2) .
المطلب الثاني : العوامل المؤثرة على الآثار المادية.
يتعرض الأثر المادي أحيانا إلى تأثيرات وتغييرات يصعب معها الربط بين الأثر ومصدره ، وتؤدي في بعض الأحيان إلى إزالته نهائيا ، ومن هذه العوامل ما يلي :
1- الجاني : وهو الشخص الذي يرتكب الجريمة والذي يسعى بكل الطرق لإخفاء الآثار
التي تدل على أنه هو الفاعل .
2-المجني عليه أو أهله : يمكن للمجني عليه أو أهله أن يساهموا بغير قصد في تغيير
مسرح الجريمة وذلك في التأثير على الآثار الموجودة به كأن ينظفوا الأرضية التي تحتوي على بقع الدم أو تنظيف الزجاج المحطم أو إزالة المخلفات التي تركها الجاني .
3-التدخل الخارجي : هو تدخل أشخاص غير مختصين في مسرح الجريمة لرفع الأثر
المادي بصورة غير صحيحة مما يؤدي إلى تلفه.
(2) د – معجب مهدي الحويقل: دور الأثر المادي في الإثبات الجنائي – أكادمية نايف العربية للعلوم الأمنية 1999 ص 15
4- الجمهور: قد يندفع إلى مكان الحادث لمشاهدته ، فيؤدي ذلك إلى إتلاف الآثار المادية
لمسرح الجريمة .
5-تقديم الإسعافات للضحية : عند تقديم الإسعافات من طرف الأطباء أو الممرضين يمكن
أن يؤِدي ذلك إلى تعرض الآثار للتلف أو الضياع .
6-العوامل الطبيعية : تحدث بعض الجرائم في العراء وفي الأماكن المكشوفة مما
يؤدي إلى تعرض الآثار للتلف أو الضيـاع نتيجة تعرضها للأمطار أو الريـاح أو الرطوبة .
7- العناصر المكونة للجريمة : كالحريق الذي يؤدي إلى إتلاف الآثار .
المطلب الثالث : أهمية الآثار المادية في التحقيقات الجنائية.
يمكن حصر أهمية الآثار المادية في ما يلي :
– تساعد على تحديد شخصية صاحب الآثار ، بطريقة مباشرة كبطاقة الهوية أو رسالة أو
أشياء تحمل اسم صاحبـها أو بطريقـة غير مباشرة كآثار الأقدام أو البصمات أو الشعر أو الدم ، بعد ذلك مضاهاتها أو مقارنتها بمثيلاتها للمشتبه فيهم.
– تسمح بالتصنيف الصحيح للجريمة : مخالفة ،جنحة أو جناية .
– تحديد دور كل عنصر في الجريمة .
– تساهم في تأييد أو نفي أقوال الشهود ، المجني عليه أو المشتبه فيه .
– الآثار هي الأدلة التي تقام ضد المشتبه فيه وتثبت ارتكابه الجريمة أو تبرئته .
-تكشف بعض الآثار عن عادات تاركها أو صفاته ، فأعقاب السجائر تشير إلى عادة
التدخين وآثار العنف تدل على شراسة الطباع ، وقد تكشف آثار الأقدام عن عيوب أو عاهات خلقية لتاركها .
– تساهم الآثار في جلاء الغموض المحيط ببعض النقاط في المراحل الأولى للتحقيق والتي تظهر أهميتها في ما بعد .
-تسمح بتضييق دائرة البحث لفحص الآثار المتروكة والتي يمكن تحديد نوعها وشكل الأدوات التي استخدمت في إحداثها .
-تكشف بعض الآثار عن الطريق الذي سلكه المشتبه فيه في حضوره لمسرح الجريمة وفي انصرافه منه بعد ارتكابه الفعل الإجرامي أو الوصول إلى المكان الذي يختبئ فيه أو أخفى فيه الأشياء المسروقة .
– تسهيل الربط بين الجرائم الصادرة من شخص واحد نتيجة لأسلوبه الإجرامي واستخدامه لنفس الآلات والأدوات في ارتكاب جرائم أخرى.
-تساعد المحقق على تحديد المشتبه فيه ومن الممكن الإشارة إلى نوع عمله .
-تقوي الآثار الأدلة القائمة أمام المحقق وإمداده بأدلة جديدة ناتجة عن فحص الآثار
كإثبات أن الطلقة التي أصابت المجني عليه انطلقت من المسدس المضبوط عند المشتبه فيه .
هل يمكن للمجرم تفادي ترك الآثار المادية ؟ نجيب بما يلي :
مهما بلغت درجة ذكاء المجرم في الحرص لعدم ترك ما يدل على شخصيته أو احتياله وإخفاء أي أثر قد ينتج عنه أو عن جريمته ، كغسل ملابسه الملوثة بالدماء أو ارتداء قفاز في يديه حتى لا يترك بصماته ، أو دفن جثة القتيل في مكان لا يعرفه أحد ، إلا أنه يترك سهوا ما يدل على شخصيته ، أو يتخلف عنه أثر ضئيل الحجم لا يرى بالعين المجردة ، وهذا بسبب حالته العصبية المتوترة ، خاصة في لحظات ارتكاب الجريمة ، التي تؤدي به إلى القيام بالعديد من الحركات ذات طابع تشنجي في الغالب مما يؤدي الى وقوعه في أخطاء محددة ، تؤدي إلى تخلف الآثار ، بالإضافة إلى استعمال الوسائل العلمية الحديثة الجد متطورة والتي لها قدرة جد عالية في كشف الآثار مهما كانت خفية أو ضئيلة .
المبحث الثاني: الأدلة المادية و علاقتها بالآثار المادية.
المطلب الأول : تعريف الدليل لغة و إصطلااحا.
تعريف الدليل :
لغة : ما يستدل به ، ويقال فلان أدل فلان ، والدليل المرشد والجمع أدلة ودلالات .
اصطلاحا : الدليل هو كل ما يلزم من العلم به علم شيء آخر وهو كل ما يمكن التوصل به إلى معرفة الحقيقة . ويقال عن الدليل بأنه الوسيلة التي يستعين بها القاضي للحصول على الحقيقة التي ينشدها (3) .
الأدلة الجنائية : إن الأدلة الجنائية هي عبارة عن الوقائع المادية والمعنوية التي يتم معرفتها أو اكتشافها والتي تؤدي إلى كشف الجريمة و إجلاء الغموض الذي يكتنفها والتوصل إلى الحقيقة الكاملة .
المطلب الثاني : تصنيف الأدلة المادية و الفرق بين الدليل و القرينة.
(3) د – معجب مهدي الحويقل – مرجع سابق ص 86
1- تصنيف الأدلة الجنائية :
تصنف الأدلة الجنائية إلى أربعة أصناف هي:
أ- من حيث نوعية الدليل :
أدلة مادية : وهي عبارة عن الأثر المادي الذي يعثر عليه بمسرح الجريمة والذي تم إجراء الاختبارات أو التحاليل أو المضاهاة عليه ويثبت إيجاد صلة بينه وبين المتهم سواء سلبا أو إيجابا .
أدلة معنوية : وهي عبارة عن الأقوال مثل الشهادة أو الاعتراف حيث لم تعد سيد الأدلة كما في السابق بسبب تعرضها للعوامل النفسية وإمكانية التغيير .
ب- من حيث صلة الدليل بالجريمة :
أدلة مباشرة : هي الأدلة التي تنصب على الجريمة مباشرة وتؤدي إلى اليقين في مضمونها كالاعتراف أو البصمة.
أدلة غير مباشرة : وهي كل ما استنتج من وجود واقعة ليس هي المراد إثباتها، ومن تلك الأدلة المتحصل عليها بالوسائل العلمية حيث تزيد في درجة الاتهام ولكن من الممكن إثبات عكس ذلك كرؤية شخص يخرج من عند شخص آخر في ساعة متأخرة من الليل ،حيث يقتل هذا الأخير فهذا يزيد من الاقتناع أن الأول هو من ارتكب الفعل خاصة مع وجود أدلة ، غير أنه يمكن لهذا الشخص أن يثبت أنه فارق المتوفى وهو على قيد الحياة .
ج- من حيث الإثبات والنفي :
أدلة إثبات : وهي الأدلة التي وجودها يثبت التهمة على المتهم مثل وجود المسروقات بحوزته .
أدلة نفي : هي الأدلة التي وجودها ينفي التهمة عن الشخص كإثبات المشكوك فيه سفره وقت ارتكاب الجريمة .
د – من حيث وجود النص الشرعي :
أدلة قانونية : التي يوجد عليها نص من المشرع كالاعتراف .
أدلة إقناعية : وهي الأدلة التي تقنع القاضي بارتكاب المتهم للجريمة كوجود بصمة المتهم في مكان الحادث ومعظم الأدلة المادية هي أدلة إقناعية .
2- تعريف الدليل المادي : هو الحالة القانونية التي تنشأ عن ضبط الأثر المادي ومضاهاته وإيجاد صلة بينه وبين المتهم باقتراف الجريمة ، وهذه الصلة قد تكون إيجابية فتثبت الواقعة أو سلبية عندما تنفي علاقة المتهم بالجريمة (4) .
إذا كل أثر يتركه المشتبه فيه أو يأخذه من مسرح الجريمة أو الضحية ويدل على وقوع الجريمة، بعد فحصه ونسبته إليه هو ما يطلق عليه بالدليل المادي .
كما يمكن تعريف الدليل المادي بأنه هو عبارة عن الأثر المادي الذي يعثر عليه بمسرح الجريمة والذي تم إجراء جميع الاختبارات أو المضاهاة أو المقارنة الفنية عليه واكتسب العلامات والمميزات الدقيقة التي تجعل منه دليلا يعتمد عليه في البراءة أو الإدانة .
فمثلا البصمة قبل الفحص تعتبر أثرا ماديا عند العثور عليها بمسرح الجريمة ولكن بعد الفحص والمضاهـاة تدل سلبا أو إيجابا على ملامسـة المشتبه فيه لجسم أو أداة أو شيء معين .
3 – الدليل والقرينة :
للتفرقة بين الدليل والقرينة لا بد أن نعرف القرينة .
لغــة : القرينة جمعها قرائن ، ويقال قرن الشيء بالشيء وصل به ، واقترن الشيء
بغيره أي صاحبه والقرين الصاحب ، وتقارن الشيئان تلازما وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى ” َوَمنْ َيكُنْ الشَيْطَانُ لَهُ قَِرينًا فَسَاءَ قَِرينًا ” سورة النساء الآية 38 ، وقوله عز وجـل ” َوقَالَ قَِرينُهُ هَذَا مَا لَدَيَ عَتِيد” سورة ق الآية 23 .
شرعا: عرفها الجرجاني بأنها ” أمر يشير إلى المطلوب ” ، وقيل عن القرينة بأنها كل
“أمارة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه ” . ومن القرائن ظهور علامات الثراء على المتهم بالسرقة أو الاختلاس .
قانونا: القرينة تعرف بأنها استنتاج الواقعة المطلوب إثباتها من واقعة أخرى قام عليها
دليل بإثبات ، ويقال عن القرائن بوجه عام في الاصطلاح القانوني : استنباط مجهول من معلوم .
نحن هنا بصدد الدليل المستمد من الأثر المادي ، فإن كانت النتيجة بعد فحص الأثر يقينية فمعنى ذلك الحصول على الدليل ، أما إذا كانت النتيجة أقل قيمة لا يعتمد عليها في الإدانة لأسباب شرعية ، أو مطاعن قانونية قيل عنها قرينة ، أي أن الدليل لا يحتاج إلى أدلة أخرى أما القرينة فتحتاج إلى المساندة بقرائن أو أدلة تؤكدها سواء في حالة الإدانة أو في نفي
التهمة ، خاصة إذا كانت ضعيفة كما ورد في تقسيـم القرائن لدى فقهاء الشريعة
الإسلامية ( قرائن قوية وضعيفة ) (5) .
المطلب الثالث : الفرق بين الأثر المادي و الدليل المادي.
إن الدول الأنجلوسكسونية والولايات المتحدة الأمريكية لا يفرقون بين الأثر المادي والدليل المادي ، حيث اعتادوا على إطلاق لفظ الدليل المادي والأثر المادي عل ما يعثر عليه بمسرح الجريمة أو على الأشخاص المشكوك فيهم من مواد أو آثار تفيد في كشف الحقيقة وتحديد الجناة .
غير أن أغلبية الدول يفرقون بين الأثر المادي والدليل المادي ، حيث أن الأثر المادي هو كل ما يتركه الجاني في مسرح الجريمة أو في الأماكـن المحيطة أو المجـاورة أو المتصلة بها أو ما يأخذه منه ، أو كل ما يوجد على جسم الضحية أو المتهم أو بأي جسم له علاقة بالحادث يمكن الاستدلال منها على حقيقة الجريمة وكيفية وقوعها والوصول لمعرفة مرتكبيها .
أما الدليل المادي فهو الحالة القانونية التي تنشأ عن ضبط الأثر المادي ومضاهاته أو تحليله وإيجاد صلة بينه وبين المشكوك فيه باقتراف الجريمة سواء سلبا أو إيجابا ، فالأول يدل على أطراف الواقعة وعلاقتهم بمسرح الجريمة ، فكما يدل على وجود المشتبه فيه بمسرح الجريمة يدل كذلك على وجود الضحية وكل من ترك أثرا بمسرح الجريمة شارك فيها أو لم يشارك ، أما الثاني فهو ما يتركـه المشتبـه فيه أو يأخذه من مسرح الجريمـة أو الضحية ويدل على وقوع الجريمة .
(5 ) د – معجب مهدي الحويقل – مرجع سابق – ص 78 وما يليها
فمثلا آثار استعمال الجاني لآلة بمسرح الجريمة أو على جسم الضحية يعتبر أثرا ماديا ، وبعد فحص هذا الأثر ومقارنته بأثر الآلة المشتبه في استعمالها ووجود تشابه بين الاثنين فإن ذلك يعتبر دليلا ماديا على أن هذه الآلة هي صاحبة الأثر .
لهذا فإن الدليل المادي مرتبط بماديات ونوع الجريمة ونسبتها إلى مرتكبها ، أما الأثر المادي فهو أشمل وأعم ، فكما يستنتج منه إيجاد علاقة بين المشتبه فيه والجريمة يوجد أيضا العلاقة بين الضحية والجريمة .
(1) – د. عبد الفتاح مراد – التحقيق الفني الجنائي – الإسكندرية – مصر – ص 70 .
41) – د. عبد الفتاح مراد – مرجع سابق – ص 73.