مفهوم الاستقالة الوظيفية :
الاستقالة عملية ارادية يثيرها الموظف بطلب يقدم منه وتنتهي الخدمة فيها بالقرار الصادر عن جهة الادارة بقبول هذا الطلب ، فالموظف الذي يقدم استقالته يعبر عن اراته ورغبته في ترك الخدمة في المرفق العام ولا ينتهي علاقته بالادارة ، الا بالقرار الصادر عن جهة الادارة ، لكن هذا لا يعني ان الاستقالة عملية تعاقدية تتم بايجاب من قِبل الموظف وقبول من جهة الادارة ، بل هي عملية ادارية تتم بقرار تنفرد به جهة الادارة.(1) وفي السابق كانت الاستقالة تتم تبعاً لطبيعة العلاقة التي تربط الموظف بالادارة ، وبما انه كانت العلاقة تُكيف على اساس تعاقدي فان للموظف الحق بفسخ هذا العقد متى شاء مع مراعاة احكام النصوص المدنية في حالة الاستقالة في الوقت غير المناسب ، بمعنى آخر ان الاستقالة تنتج كافة آثارها القانونية بمجرد تقديمها ، وليس للادارة الا مطالبة الموظف بالتعويض في حالة الاستقالة في وقت غير مناسب وذلك طبقاً للنصوص المدنية المتعلقة بعقد اجارة الاشخاص .(2) اما في الوقت الحاضر فانه اصبح من المسلم به ان الموظف العام في مركز تنظيمي او لائحي ، وليس في مركز فردي او شخصي مستمد من العقد ، مما يعني ان عملية الاستقالة اصبحت تخضع للقواعد التي تستمد من المركز التنظيمي وللادارة الحق في تنظيم الاستقالة ووضع الشروط اللازمة لاجرائها ، ويتمثل هذا التنظيم للصالح العام حيث ان الاستقالة أمر مباح لانه لا يجوز في الظروف العادية على الاقل ارغام فرد على القيام بعمل لا يريده وعلى هذا الاساس يحق للموظف ترك العمل في أي وقت يشاء ، الا ان هذا الحق يجب ان يُقيد رعاية للمصالح العامة ، بمعنى آخر يقوم النظام القانوني للاستقالة على اساس التوفيق بين حرية الموظف في ترك العمل من ناحية وبين مقتضيات المصلحة العامة وحسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد من ناحية اخرى ، وعليه فان الاستقالة لا تعد نهائية ولا ترتب آثارها القانونية الا بقبولها من قِبل الادارة .(3)
وقد تباينت الاتجاهات الفقهية في تحديد مفهوم الاستقالة الوظيفية فعرفها بعضهم – ومن بينهم الفقيه بلانتي – بقوله :(( انها ترك الموظف لوظيفته بحريته بصفة نهائية ، فهي عبارة عن عمل ارادي من جانب الموظف يفصح فيه عن رغبته في ترك الخدمة نهائياً قبل بلوغ السن القانونية المقررة لتركها )) (4) وعرفها بعضهم الآخر على انها (( عملية ارادية ادارية يتقدم بها الموظف الى الجهة المختصة بطلب انهاء الخدمة التي لا تنتهي الا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة ، فالموظف الذي يقدم استقالته يعلن عن رغبته في ترك العمل فأن وافقت الادارة على ذلك انتهت الخدمة ))(5) او هي (( عمل يظهر به الموظف ارادته في ترك الوظيفة نهائياً ، فهي تعني عدم القيام بواجبات الوظيفة مع عدم التمسك بمزاياها )) (6) او هي (( رغبة الموظف في ترك الخدمة قبل بلوغ السن القانونية ومن شأن قبول الاستقالة ان تنقطع رابطة التوظف اختياريا ،فالاستقالة مظهر من مظاهر ارادة الموظف في اعتزال الخدمة ،والقرار الصادر بقبولها هو مظهر من مظاهر ارادة الرئيس الاداري بقبول هذا الطلب واحداث الاثر القانوني المترتب على الاستقالة )) (7) او هي (( اظهار الموظف لرغبته في ترك العمل لدى الادارة نهائياً ، فهي عمل ارادي قد يتخذ طابعا فرديا عندما تكون مقدمة من قبل شخص وقد تتخذ صفة العمل الجماعي عندما تكون مقدمة من قبل اكثر من فرد وهنا مكمن الخطورة على استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ))(8) او هي (( ابداء الموظف رغبته بترك العمل الوظيفي نهائياً ، ولا تتم الا بموافقة الادارة ))(9) او هي (( رغبة الموظف في ترك عمل وظيفته بارادته واختياره وبصفة نهائية ))(10) وكان للقضاء الاداري العراقي دور في تعريف الاستقالة الوظيفية فعرفها :-(( ان الاستقالة بطلب الموظف هي تعبير عن ارادته بترك الخدمة وتبدأ بتقديم الطلب وتنتهي بصدور الامر بقبول الاستقالة ويمكن ان يكون ذلك صراحة او ضمناً……)) (11)
ومن ذلك كله يمكن ان نعرف الاستقالة بانها تصرف فردي ناتج عن الارادة الحرة للموظف بترك العمل نهائياً ، ولا ينتج هذا التصرف أثره الا بقبول الادارة له . وتختلف الاستقالة عن الاضراب في كونها تتم عن رغبة الموظف في ترك العمل بصورة نهائية ، اما في الاضراب فان المضربين يقصدون بانقطاعهم عن العمل التأثير على الادارة لاجبارها على تحقيق مطالبهم ، كذلك فان الاختلاف بين الاستقالة والاضراب يتجلى في ان الاستقالة تعد حق من حقوق الموظف ، حيث لا يكره الموظف على العمل في وظيفة لايرغب بها ، بينما الاضراب نجد بعض القوانين قد اجازته للموظف وجعلته حقاً من حقوقه ، بينما نجد قوانين اخرى عدت الاضراب جريمة يعاقب عليها القانون كل من يقوم به فضلاً عن كونه يشكل خطأ تأديبياً ، كذلك تختلف الاستقالة عن الاضراب في وجوب استمرار الموظف المستقيل في اداء واجباته الى حين البت من قبل الادارة في طلب الاستقالة .(12) اضافة الى ذلك كله فان خطر الاستقالة على سير المرافق العامة يكون أقل تأثيراً منه الى الاضراب ، ويعود السبب في ذلك الى ان عنصر المفاجأة في الاستقالة أقل خطورة من عنصر المفاجأة في الاضراب ، كذلك فان الموظف في تقديم طلب الاستقالة يرغب بترك الوظيفة والعمل معاً ، اما في الاضراب فانه يترك العمل لكن يتمسك في الوقت ذاته باهداب الوظيفة العامة ومزاياها .(13)
____________
1 – ينظر في ذلك حسين حمودة المهدوي : شرح أحكام الوظيفة العامة ، المنشاة العامة للنشر والتوزيع والإعلان ، طرابلس ، من دون سنة طبع ، ص 501.
2 – ينظر في ذلك الدكتور احمد عبد القادر الجمال :القانون الإداري المصري والمقارن ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1955، 194- 195.
3 – ينظر في ذلك الدكتور طعيمة الجرف : القانون الإداري ( نشاط الإدارة العامة ، اسالبيه ووسائله ) ، مطبعة جامعة القاهرة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1985 ، ص 323.
4 – ينظر في ذلك الدكتور محمد عبد الحميد ابو زيد : دوام سير المرافق العامة ( دراسة مقارنة ) ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998 ، ص89 .
5 – ينظر في ذلك الدكتور محمد انس جعفر : مبادى الوظيفة العامة وتطبيقها في التشريع الجزائري ، مطبعة مورافتلي ، عابدين ، 1982 ، ص 140 .
6 – ينظر في ذلك الدكتور مصطفى ابو زيد فهمي : الوسيط في القانون الاداري ، الجزء الاول ، تنظيم الادارة العامة ، الطبعة الاولى ، دار المطبوعات الجامعية ، 1995 ، ص 262 .
7 – ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم عبد العزيز شيحا : مبادى وأحكام القانون الإداري اللبناني ( دراسة مقارنة ) ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، بيروت ، من دون سنة طبع ص 190 .
8 – ينظر في ذلك الدكتور ابراهيم طه الفياض : القانون الاداري (نشاط وأعمال السلطة الادارية بين القانون الكويتي والقانون المقارن ) ، الطبعة الاولى ، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع ، الكويت ، 1988، ص139 .
9 – ينظر في ذلك الدكتور ماهر صالح علاوي : مبادى القانون الإداري ( دراسة مقارنة ) ، دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، 1996، ص134.
10 – ينظر في ذلك الدكتور علي محمد بدير ود . عصام عبد الوهاب البرزنجي ود . مهدي ياسين ألسلامي : مبادى وأحكام القانون الإداري ، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر ، بغداد ، 1993، ص 372 .
11 – ينظر في ذلك حكم مجلس الانضباط العام المرقم ( 4 / 2005 ) الصادر في ( 30 / 3 / 2005 ) ، صباح صادق جعفر الانباري : مجلس شورى الدولة ، الطبعة الاولى ، بغداد ، 2008 ، ص 101 .
12 – ينظر في ذلك الدكتور ابراهيم طه الفياض : القانون الاداري (نشاط واعمال السلطة الادارية بين القانون الكويتي والقانون المقارن ) ، الطبعة الاولى ، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع ، الكويت ، 1988، ص 140 .
13 – ينظر في ذلك الدكتور محمد عبد الحميد ابو زيد : منافع المرافق العامة وحتمية استدامتها ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2005، ص 390 .
انواع الاستقالة الوظيفية :
الاستقالة هي احدى اسباب انقضاء الرابطة الوظيفية بين الموظف والادارة قبل حلول اجلها ، ويختلف نوع الاستقالة تبعاً لعدد الموظفين الذين يرغبون بتقديمها ، فاذا قدمت من موظف واحد فانها استقالة فردية ، اما اذا قدمت من مجموعة موظفين فانها استقالة جماعية وفيما يلي شرح لكل منها :-
اولاً :- الاستقالة الفردية
ويراد بهذا النوع من الاستقالة التي تقدم من قبل موظف واحد الى الادارة رغبة منه في انهاء علاقته بالادارة . وهذه الاستقالة بدورها تنقسم الى قسمين ، القسم الاول ويسمى بالاستقالة الصريحة ويقصد بهذه الاخيرة الطلب الذي يتقدم به الموظف معبراً عن رغبته في انهاء الخدمة الوظيفية بصفة نهائية ويشترط فيها ان تكون مكتوبة .(1 ) وقد نظم المشرع العراقي هذا النوع من الاستقالة ، حيث نص على :- (( 1 – للموظف ان يستقيل من وظيفته بطلب تحريري يقدمه الى مرجعه المختص ))(2)
نستنتج من هذه المادة ان الاستقالة الصريحة يجب ان تقدم على شكل طلب مكتوب ، اما اذا كان هذا الطلب بصورة شفوية فانه لايعتد به لانه يكون عديم الاثر . وهذا ما نص عليه المشرع الفرنسي (( اذ ان الاستقالة لا يمكن ان تستنتج الا من طلب مكتوب من صاحب الشأن يظهر فيه ارادته التي لاتحتمل اللبس بترك الخدمة ))(3) وكان موقف المشرع المصري مشابهاً الى موقف كل من المشرع العراقي والفرنسي في اشتراطه الكتابة بالنسبة لطلب الاستقالة المقدم من قبل الموظف (( للعامل أن يقدم استقالته من وظيفته وتكون الاستقالة مكتوبة ))(4) وفي الاردن ايضاً اشترطت ان تكون الاستقالة مكتوبة ( خطياً) وبنفس الاسلوب الخطي يكون قبولها او رفضها .(( أ- تكون الاستقالة التي يقدمها الموظف خطية ، كما تكون الموافقة عليها أو رفضها خطية ، وتقدم إلى المرجع المختص بتعيين المماثل للموظف في الدرجة والراتب فإذا لم يصدر القرار بقبولها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمها فتعتبر مرفوضة ))(5) اما القسم الثاني من الاستقالة الفردية فلا يكون عن طريق تقديم طلب مكتوب من قبل الموظف ، وانما يستدل عليها من مواقف معينة يتخذها الموظف وهذا ما يسمى بالاستقالة الضمنية . ويراد بها افتراض نية الاستقالة لدى الموظف الذي يقوم بتصرفات معينة تنم عن قصده في انهاء علاقته بالادارة ، أي اننا نكون امام قرينة قانونية تستمد من تصرفات الموظف اذا ما تحققت هذه القرينة فان الموظف يعد مستقيلاً ضمناً .(6) فالاصل ان تكون الاستقالة بناء على طلب صريح صادر عن ارادة الموظف الحرة وموافقة الجهة الادارية ، الا ان المشرع وحرصا على مصلحة المرافق العامة وضمان سيرها بانتظام واطراد قام بتحديد بعض التصرفات التي اذا ما اتاها الموظف تعتبر هذه التصرفات افصاح عن نيته بالاستقالة عن وظيفته بصورة ضمنية . وقد اخذ المشرع العراقي بهذه الاستقالة واطلق عليها عنوان الاستقالة الحكمية في حالات معينة هي :-
(( 1 – على الموظف المبلغ بالنقل ان يلتحق بوظيفته خلال مدة لا تتجاوز خمسة ايام ( عدا ايام السفر المعتادة ) الا اذا نص في امر النقل على مدة تزيد على ذلك ، واذا تاخر عن الالتحاق ولم يبد معذرة مشروعة يعد مستقيلاً .
2 – على الموظف ان يلتحق بوظيفته حالما تنتهي اجازته ، فان لم يلتحق دون عذر مشروع خلال مدة اقصاها عشرة ايام من تاريخ انتهاء اجازته يعد مستقيلا ً.
3 – يعد الموظف المنقطع عن وظيفته مستقيلا ً اذا زادت مدة انقطاعه على عشرة ايام ولم يبد معذرة مشروعة تبرر هذا الانقطاع ))(7)
نلاحظ من استعراض هذه المادة ان الموظف يجد الطريق سهلاً للخروج من الوظيفة بالاستقالة الحكمية خصوصاً اذا رفضت الادارة طلبه الصريح بالاستقالة ، فما عليه سوى التغيب لمدة تزيد على عشرة ايام بدون عذر وعندئذ فانه يصبح مستقيلاً حكمياً ، لذا فانه يجب على المشرع العراقي ان يلتفت الى هذه النقطة باعادة النظر فيها من جديد بما يتناسب مع ضمان سير المرافق العامة وحق الموظف في الاستقالة . الا ان هذا الوضع تغير بعد سقوط الحكم في العراق في 9 /4 /2003 وصدور قرارات عديدة تخص شؤون الموظفين وتنظم سير المرافق العامة ، حيث جعلت من غياب الموظف خمسة ايام متتالية او عشرة ايام خلال شهر واحد سبباً لفصل الموظف العام .(8)الا انه من الضروري تعديل هذا النص ، لان الفصل الوظيفي يعد عقوبة تأديبية وفقاً لما رسمه قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل ولذلك فان أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة ينصرف الى الاستقالة الحكمية ، وحسناً فعل مجلس الانضباط العام العراقي عندما اوضح ذلك بقوله ((……ان قصد المشرع من حكم الفقرة ( 8 ) من القسم ( 6 ) من امر سلطة الائتلاف المؤقتة ( المنحلة ) هو اعتبار الموظف مستقيلاً وليس استحداث حالة جديدة الى حالات الفصل المنصوص عليها في المادة ( 8 ) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي المذكور بدلالة المادة ( 37 ) من قانون الخدمة المدنية رقم (14 ) لسنة 1960 ………. وان القول بتعليق المادة ( 37) بالقدر الذي يتعارض مع امر سلطة الائتلاف لا يستقيم والنص وانما ينصرف ذلك الى المدة المحددة بنص المادة (37) اذ جعلها ( 5 ) ايام بدلاً من ( 10 ) ايام …….)) (9) وبذلك كان هذا الامر اكثر جدية في معالجة غياب الموظف وحفاظاً على المصلحة العامة من خلال تقليل المدة من عشرة ايام الى خمسة ايام لعد الموظف المتغيب عن العمل مستقيل .كذلك فانه يمثل رادعا لكل موظف مهمل في اداء واجباته ولا يلتزم بواجب احترام مواعيد العمل الوظيفي الا انه في المقابل لم يراعِ ظروف البلد بسبب ما يمر به من ظروف صعبة تعرقل من مواصلة الموظف لاداء واجباته الوظيفية .وفي مصر فان المشرع حدد الحالات التي يعد فيها الموظف مستقيلا بصورة ضمنية :-
((يعتبر العامل مقدما استقالته فى الحالات الآتية:
(1 ) إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوما متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوما التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول …….
( 2 ) اذا انقطع عن عمله بغير إذن تقبله جهة الإدارة أكثر من ثلاثين يوما غير متصلة فى السنة وتعتبر خدمته منتهية فى هذه الحالة من اليوم التالى لإكتمال هذه المده….
( 3 ) إذا التحق بخدمة أية جهة أجنبية بغير ترخيص ان حكومة جمهورية مصر العربية وفى هذه الحالة تعتبر خدمة العامل منتهية من تاريخ التحاقه بالخدمة فى هذه الجهة الأجنبية))(10)
اذن فالاستقالة الضمنية يستدل عليها من خلال قرينتين احدهما ايجابية متمثلة بانقطاع الموظف عن الدوام بغير اذن واخرى سلبية متمثلة بنكول الموظف عن تقديم عذر مقبول لانقطاعه ، وان قرينة الاستقالة المستفادة من انقطاع الموظف بدون عذر ، شرعت اساساً لمصلحة الادارة لانها القوامة على حسن سير المرافق العامة وانتظامها ، لذلك نجد ان المشرع المصري اعطى في كلا الحالتين سلطة تقديرية للادارة ، حيث انه يمكن للادارة ابطال أثر هذه القرينة بان تتخذ الاجراءات التأديبية ضد الموظف المنقطع ومساءلته تأديبياً وهذا ما أشارت له المحكمة الادارية العليا المصرية في حكم لها بقولها :-
(( القرينة التي جاء بها المشرع لاعتبار الموظف مستقيلا مقررة لمصلحة جهة الادارة – للجهة الادارية أعمالها واعتباره مستقيلا او اهمالها وتمضى في مساءلته تأديبياً – …..))(11)
فاذا اتخذت الادارة هذه الاجراءات التأديبية ضد الموظف سقطت القرينة المستفادة من الانقطاع وعد انقطاعه غير مشروع بشرط ان تُتخذ الاجراءات خلال شهر (12) ، فاذا تراخت عن ذلك خلال الشهر المذكور فان ذلك يعد تنازلا منها عن سلطتها في مسآءلة الموظف وبالتالي تنهض القرينة القانونية المستفادة من الانقطاع فيصبح الموظف مستقيلا حكما ،اما اذا قامت الادارة بانهاء خدمة الموظف بسبب الانقطاع رغم احالته للمحاكمة التأديبية فان قرارها الصادر بانهاء الخدمة يكون منعدماً .(13) وهذا ما أيدته المحكمة الادارية العليا المصرية في حكم لها جاء فيه :- ((انقطاع العامل عن عمله بغير اذن وبدون عذر – يعتبر قرينة قانونية على الاستقالة – هذه القرينة مقررة لصالح جهة الادارة فلها ان تعتبر العامل مستقيلا ولها ان تتخذ ضده اجراءات تأديبية وفي هذه الحالة لا يجوز اعتباره مستقيلا – قرار جهة الادارة باعتباره مستقيلا بعد اتخاذ الاجراءات التأديبية وقبل البت فيها نهائياً – قرار معدوم …….ان سبب انعدام القرار يعود الى ان انقطاع الموظف بدون اذن او بغير عذر مقبول يشكل مخالفة ادارية تستوجب المؤاخذة ، وفي هذه الحالة لا يجوز – بحكم القانون – اعتبار الموظف مستقيلا الى ان تبت السلطة المختصة قانونا وبصفة نهائية في امر تأديبه ، فاذا ما تصرفت الجهة الادارية على خلاف حكم القانون واعتبرت الموظف مستقيلا من تاريخ انقطاعه على الرغم من اتخاذ الاجراءات التأديبية ضده وقبل البت فيها نهائيا فان قرارها يكون قد انطوى على خروج صارخ على القانون ينحدر به الى درجة الانعدام ))(14 ) وفي فرنسا فان العرف الاداري في بادى الامر كان هو السائد ، فقد استقر العرف الاداري على جواز ان يكون طلب الاستقالة ضمنيا وكان يترك للادارة سلطة جعل الموظف مستقيلا طبقا للتصرفات الصادرة منه وكل ذلك يعود الى ان علاقة الموظف بالدولة كانت قد كيفت في ذلك الوقت على انها علاقة تعاقدية وبموجبها للموظف فسخ العقد بارادته المنفردة. اما بعد تكييف هذه العلاقة على انها علاقة تنظيمية وذلك بعد ما صدر قانون الموظفين لسنة 1946 ثم قانون 1959 فان نصوص هذه القوانين ، وكذلك احكام مجلس الدولة الفرنسي كانت قاطعة الدلالة بان الاستقالة يجب ان تتم نتيجة موقف حاسم من الموظف وقبول من السلطة المختصة وهذا ما اكده مجلس الدولة الفرنسي في احكامه ومنها :-
(( ان الاجتهاد المستمر يعتبر ان الاستقالة لا تعطي مفعولاً بحد ذاتها ، بل يجب ان تقبل من السلطة المختصة ))(15) وان مجرد ترك المركز الوظيفي لا يقطع الصلة بين الموظف ووظيفته وانما يستدعي توقيع جزاء تأديبي على الموظف فقط وهذا ما ذهب اليه مجلس الدولة الفرنسي في حكم له :-
(( ان مجرد ترك الوظيفة البسيط لا يقطع علاقة الموظف بالمجموعة العامة بل يبرر اتخاذ عقوبة مسلكية ))(16) ، وهذا الموقف جاء لحماية المرافق العامة والتقليل من حالات الاستقالة الضمنية لان لها تأثيرا سلبيا على سير المرافق العامة بانتظام واطراد .(17)
ثانياً :- الاستقالة الجماعية
ان الاصل في الاستقالة ان تقدم على شكل طلب مكتوب من قبل موظف واحد الا انه قد يتفق عدة اشخاص على تقديم استقالتهم في آن واحد بقصد ارغام الادارة على تلبية مطالبهم ، وهذه الاستقالة تسمى بالاستقالة الجماعية التي تكون نوعاً من انواع الاستقالة الوظيفية ، والتي تعد في الوقت نفسه اخطر انواع الاستقالة والسبب في ذلك يعود الى خطورة ما تسببه هذه الاستقالة من عرقلة لسير المرافق العامة . وتعرف الاستقالة الجماعية بانها اتفاق يتم بين عدد من موظفي المرافق العامة يدور حول تقديم استقالتهم والتحلل من وظائفهم دفعة واحدة بقصد التأثير على الادارة من اجل تحقيق مطالبهم او للاحتجاج على امر معين .(18) ومن المسلم به ان الاستقالة هي طريق للخروج من الوظيفة ، لكن في الوقت ذاته لا تستعمل هذه الوسيلة لمقاومة الخدمة العامة واضعافها لذلك تكون الاستقالة الجماعية ممنوعة قانونا وتشكل جرما يعاقب عليه القانون .(19) لذلك نجد المشرع العراقي عاقب على انقطاع الموظف عن اداء وظيفته بدون عذر مشروع اذا كان ذلك من شأنه تعطيل سير المرافق العامة بانتظام واطراد وجعل التعدد فيها ظرفاً مشدداً للعقوبة .(20) وعاقب المشرع المصري على الاستقالة الجماعية ايضاً (21) ، وفي فرنسا فان المشرع الفرنسي كان قد عاقب على هذا النوع من الاستقالة وذلك في المادة ( 126 ) من قانون العقوبات الفرنسي فهذه المادة عاقبت الموظفين الذين يتفقون على ترك وظائفهم بالاستقالة دفعة واحدة واعتبرتها جريمة جنائية وبررت ذلك في ان الاستقالة امر فردي وحق من حقوق الموظف الا ان هذا الحق اذا انقلب من كونه تصرف فردي الى تصرف جماعي ينطوي على خطر جسيم على سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، فان من يمارس هذا العمل بالصورة المتقدمة يعد مرتكباً لجريمة ويعاقب طبقاً لاحكام المادة ( 126) من قانون العقوبات الفرنسي ، وقد طبقت محكمة النقض الفرنسية هذه المادة على عُمد بعض المقاطعات الفرنسية بعد ان اتفقوا على الامتناع عن القيام بوظائفهم وتقديم استقالتهم دفعة واحدة .(22) من خلال ذلك نستنتج ان موقف القضاء جاء مؤيدا لما جاء به المشرع من فرض العقوبات على الذين يقدمون استقالة جماعية . وعلى الرغم من الخطورة التي تشكلها الاستقالة الجماعية على سير المرافق العامة بانتظام واطراد الا اننا نجد ان المشرع الاردني لم يعاقب على الاستقالة الجماعية وهو موقف منتقد . (23) ومن ثم فان للموظف حرية التوقف عن العمل بشرط ان يستوفي الاجراءات التي يتطلبها القانون ، اما في غير ذلك فأنها – الاستقالة الجماعية – لا تبرر له ولا تسوغ له حرية التوقف عن العمل الوظيفي ، وكما نعلم ان الاستقالة حق للموظف الا ان هذا الحق له حدود وقيود تنظمه وبالتالي لا يمكن ان يستخدم هذا الحق ضد الادارة من خلال تقديمها جماعية بقصد الاضرار بالمرافق العامة وعرقلة سيرها .
____________
1 – ينظر في ذلك الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط : القضاء الاداري ( مبدأ المشروعية وتنظيم اختصاصات مجلس الدولة ) ، دار الجامعية الجديدة للنشر ، 2005 ، ص140 .
2 – ينظر في ذلك الفقرة ( اولاً) من المادة ( 35 ) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل .
3 – ينظر في ذلك المادة ( 131 ) من القانون الفرنسي المنظم لشؤون الموظفين الصادر في 19 تشرين الاول 1946 ، أشار له الدكتور مصطفى ابو زيد فهمي : الوسيط في القانون الاداري ، الجزء الاول ، تنظيم الادارة العامة ، الطبعة الاولى ، دار المطبوعات الجامعية ، 1995، ص 263 .
4 – ينظر في ذلك المادة ( 97 ) من قانون العاملين المدنيين في الدولة رقم (47 ) لسنة 1978.
5 – ينظر في ذلك المادة ( 159 ) من نظام الخدمة المدنية الاردني رقم (55) لسنة 2002 .
6 – ينظر في ذلك الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط : القضاء الاداري ( مبدأ المشروعية وتنظيم اختصاصات مجلس الدولة ) ، دار الجامعية الجديدة للنشر ، 2005، ص 141 .
7 – ينظر في ذلك المادة ( 37 ) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل .
8 – ينظر في ذلك الفقرة (ثامناً) من القسم ( 6 ) من امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (30) الصادر في 8 /9 /2003.
9 – ينظر في ذلك حكمه المرقم ( 238/ مدنية /2006 ) ، منشور في قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة لعام 2006 ، مصدر سابق ، ص 340 – 341 .
10 – ينظر في ذلك المادة ( 98 ) من قانون العاملين المدنيين في الدولة رقم (47 ) لسنة 1978.
11 – ينظر في ذلك حكمها المرقم ( 430 – 914 / 13) في 21 / 3 /1970 ، منشور في مجموعة المبادى القانونية التي قررتها المحكمة الادارية العليا في خمسة عشر عاماً ، ص 4150 .
12 – ينظر في ذلك المادة ( 98 ) من قانون العاملين المدنيين في الدولة رقم (47 ) لسنة 1978.
13 – ينظر في ذلك الدكتور السيد عبد الحميد محمد العربي : ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون الإداري والقانون الدولي ( دراسة مقارنة ) ،من دون مطبعة ، من دون دار نشر ، 2003، ص 428 .
14 – ينظر في ذلك حكمها المرقم ( 812 /12) في 25 / 3 /1972 ، منشور في مجموعة المبادى القانونية التي قررتها المحكمة الادارية العليا في خمسة عشر عاماً ، ص 4151- 4152 .
15 – ينظر في ذلك احكام مجلس الدولة الفرنسي في 5 /4 / 1946 ، وفي 16 / 6 /1932 ، موريس نخلة : الوسيط في شرح قانون الموظفين ، الجزء الثاني ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2004 ، ص 1006 .
16 – ينظر في ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي في 26 /2 / 1954 ، موريس نخلة : الوسيط في شرح قانون الموظفين ، الجزء الثاني ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2004، ص 1006 .
17 – ينظر في ذلك الدكتور محمد عبد الحميد ابو زيد : دوام سير المرافق العامة ( دراسة مقارنة ) ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998،ص113.
18 – ينظر في ذلك الدكتور ا احمد عبد القادر الجمال :القانون الإداري المصري والمقارن ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1955،ص 196 .
19 – ينظر في ذلك الدكتور احسان الشريف : موجز الحقوق الادارية ، الجزء الاول ، مطبعة الجامعة السورية ، 1939 ، ص 231.
20 – ينظر في ذلك المادة ( 364 ) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل .
21 – نصت المادة ( 124 ) من قانون العقوبات المصري على :- (( إذا ترك ثلاثة على الاقل من الموظفين او المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة الاستقالة او امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك او مبتغيين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه )) ، حيث عدها المشرع من جرائم التوقف عن العمل وللمزيد من المعلومات ينظر في ذلك الدكتور عبد الفتاح مراد :موسوعة شرح جرائم قانون العقوبات والتشريعات الجنائية الخاصة ، الجزء الاول ، من دون سنة طبع ، ص 692 وما بعدها .
22 – ينظر في ذلك الدكتور طعيمة الجرف : القانون الإداري ( نشاط الإدارة العامة ، اسالبيه ووسائله ) ، مطبعة جامعة القاهرة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1985، ص 325 .
23 – ينظر في ذلك الدكتور حمدي سليمان القبيلات : انقضاء الرابطة الوظيفية في غير حالة التأديب ( دراسة مقارنة ) ، الطبعة الاولى، دار وائل للنشر والتوزيع ، عمان ، 2003 ، ص 185 .
اجراءات تقديم الاستقالة :
يحق للموظف ان يقدم استقالته من الوظيفة في أي وقت يشاء ، اذ لا يمكن الزامه بالبقاء في الخدمة اذا فقد رغبته فيها ، ولكن للاستقالة شروطاً يجب توافرها ، واجراءات معينة يجب اتباعها ، بعضها يهدف الى تأمين مصلحة الموظف حتى لاتكون استقالته ناتجة عن انفعال او غضب او طيش ، وبعضها الآخر لمصلحة العمل حتى لا يترك الخدمة العامة والادارة بحاجة الى خدماته .(1 ) وهذا ما اوضحته المحكمة الادارية العليا المصرية في حكمها قائلة :-
(( ان الاستقالة عملية ادارية تبدأ بتقديم الطلب وتنتهي الخدمة بالقرار الاداري الصادر بقبولها وهي مظهر من مظاهر ارادة الموظف في اعتزال الخدمة ))(2)
وتتمثل هذه الاجراءات بـ :-
اولاً :- ان يكون طلب الاستقالة مكتوباً
اجازت قوانين الوظيفة العامة للموظف ان يطلب تقديم استقالته من الخدمة الوظيفية ، بشرط ان يكون هذا الطلب مكتوباً ، أي بصورة تحريرية ، لكن هذا لا يعني ايضاً اشتراط تقييد الاستقالة بصيغة او الفاظ معينة ، وانما تتم باي لفظ وصيغة يفهم منه بصورة واضحة رغبة الموظف في الاستقالة ، ويعود السبب في ذلك هو ان تتم الاستقالة عن رغبة حقيقية للموظف بتركه العمل ، ونابعة عن ارادة ووعي وتروي وتفكير طويل لدى الموظف باعتزاله الخدمة بالمرفق العام نهائياً لانه كما نعلم ان الاستقالة هي طريق من طرق الخروج من الوظيفة نهائيا بصورة طبيعية ، وبالتالي فلا عبرة بما يبديه الموظف شفاهة في هذا الخصوص ، لانه قد يكون في حالة غضب ويستعجل باتخاذ موقف الاستقالة .(3)
ثانياً :- ان طلب الاستقالة يمثل مظهراً من مظاهر ارادة الموظف في اعتزال الخدمة في المرفق العام نهائياً
فانه لابد ان يصدر هذا الطلب برضا صحيح عن الموظف يفسده ما يفسد الرضا من عيوب ، ومنها الاكراه اذا توافرت عناصره ، بأن يقدم الموظف طلب الاستقالة تحت سلطان رهبة بعثتها الادارة في نفسه دون حق ، بحيث تصور له ظروف الحال خطرا جسيما محدقا يهدده هو او غيره في النفس او الجسم او الشرف او المال مما دفعه الى تقديم استقالته ، وهذا ما أيدته المحكمة الادارية العليا المصرية في حكمها :-
(( ….. ان طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر ارادة الموظف في اعتزال الخدمة ، يجب ان يصدر برضاء صحيح فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب ومنها الاكراه ان توافرت عناصره ….. ))(4) وفي المقابل يجب ان يكون طلب الاستقالة خالياً من أي قيد او شرط واذا كان كذلك فان للادارة ان لاتعتد به ، او انها تجيب على طلبه ، غير ان الموظف اذا قدم استقالته وعين فيه موعدا للقبول فيجوز قبولها من تاريخ ذلك الموعد او قبله .(5)
ثالثاً :- صدور قرار من الجهة المختصة بقبول الاستقالة
لا تنتهي خدمة الموظف بمجرد تقديمه طلب الاستقالة وانما لابد – في هذا الصدد – من صدور قرار اداري من الجهة الادارية المختصة – غالبا تكون الجهة المختصة بالتعيين – بقبول طلب الاستقالة .(6) وهذا ما ذهب اليه مجلس الانضباط العام في حكم له :-
(( ان مجرد تقديم الموظف طلب الاستقالة لا ينتج الاثر القانوني ما لم يقبل ))(7)
ويجب على الموظف الذي قدم طلب استقالته ان يستمر في عمله ، على النحو المعتاد الى ان يبلغ اليه قرار الاستقالة ، او الى ان ينقضي الميعاد المحدد لقبولها (8) ، والسبب في ذلك يعود الى ان تقديم طلب الاستقالة الى الجهة المختصة لا ينفي ان الموظف ما زالت صلته بالادارة قائمة ويترتب على ذلك ان الموظف لا يستطيع انهاء صلته بالادارة بمجرد تقديم طلب الاستقالة بل على الرغم من تقديمها يجب عليه الاستمرار في اداء واجبه الوظيفي في خدمة المرفق العام كالمعتاد الى ان تقرر الادارة قبولها فاذا ترك الخدمة قبل ذلك او ارتكب في هذه المدة خطأ ما تعرض لتوقيع الجزاءات التأديبية ، لان ترك الخدمة بمجرد تقديم الاستقالة من شأنه ان يخل بمبدأ دوام المرافق العامة بانتظام واطراد ، ويؤدي في النهاية الى تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة .(9) وكان موقف القضاء الاداري العراقي مؤيدا لهذا الاتجاه في الحكم الصادر من مجلس الانضباط العام بقوله :-
(( ان علاقة الموظف بدائرته لا تنقطع بمجرد تقديم طلب باستقالته بل بقبول تلك الاستقالة ))(10)
رابعاً :- تقييد الادارة بمدة معينة للنظر في طلب الاستقالة
الزمت قوانين الوظيفة العامة جهة الادارة بالبت في طلب استقالة الموظف خلال مدة زمنية معينة ، ففي العراق حددت بثلاثين يوماً (( على المرجع ان يبت في الاستقالة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما ، ويعتبر الموظف منفكا بانتهائها الا اذا صدر امر القبول قبل ذلك))(11) وفي مصر حددت ايضاً بالمقدار نفسه (12) وفي فرنسا حددت باربعة اشهر وفي لبنان شهرين(13) ، بحيث ان انقضى هذا الميعاد دون ان تجيب الادارة على الطلب ، عدت استقالة الموظف مقبولة بحكم القانون ، وهذا بعكس ما نجده في الاردن حيث انه بانتهاء مدة الثلاثين يوما التي حددها المشرع للادارة لكي تجيب على طلب الاستقالة ، فاذا لم تجب خلال المدة المذكورة ، فان الاستقالة تعد مرفوضة ضمنا بانتهاء هذه المدة .(14)
خامساً :- يجب ان يكون طلب الاستقالة قائماً لحين صدور قرار من جهة الادارة بقبولها
وهذا ما ذهبت اليه المحكمة الادارية العليا المصرية بقولها :-
(( أن طلب الاستقالة هو ركن في القرار الاداري الصادر بقبولها فليزم لصحة هذا القرار ان يكون الطلب قائماً ، لحين صدور القرار ، مستوفيا شروط صحته شكلاً وموضوعاً))(15)
وفي المقابل يترتب على حق الموظف في الاستقالة ، حقه في العدول عنها والاستمرار في الخدمة ، بشرط ان يصل عدوله الى علم الادارة قبل قبول الاستقالة ، اما اذاعدل الموظف عن الاستقالة وسحب طلبه بعد صدور قرار الادارة بقبول استقالته ، فان هذا العدول لا يغير من الامر شيئاً ، ومن ثم فان خدمة الموظف تعد قد انتهت بصفة نهائية .(16)
وهذا ما ذهب اليه مجلس الدولة الفرنسي في حكم له :-
(( يمكن للموظف حتى تاريخ قبول استقالته ان يعود عن طلبه ))(17) اما اذا عدل الموظف عن طلب استقالته ووصل عدوله الى علم الادارة قبل قبول استقالته ، فمعنى ذلك ان هذا الموظف يعد متنازلا عن طلب استقالته وغير مصر عليه ، مما يجعل طلب الاستقالة غير قائم من الوجهة القانونية ، اما اذا تجاهلت الادارة عدول الموظف وقبلت استقالته ، فيحق له الطعن في قرارها .(18)
سادساً :- يجوز لجهة الادارة – اذا اقتضت مصلحة العمل ذلك – ارجاء قبول استقالة الموظف
بشرط اخطاره بذلك لمدة معينة اضافة الى مدة قبول الاستقالة ، وفي المقابل لا يجوز لجهة الادارة قبول استقالة الموظف اثناء احالته الى المحاكم التأديبية ، وحتى صدور الحكم في الدعوى ، بغير جزاء الفصل او الاحالة الى المعاش .(19) وهذا ما اكدته المحكمة الادارية العليا المصرية في حكم لها جاء فيه :-
(( ارجاء قبول الاستقالة – احالة الموظف الى المحاكمة التأديبية اثناء الارجاء – امتناع قبول الاستقالة – قبولها بعد انتهاء المحاكمة التأديبية مطابق للقانون ))( 20) من خلال ذلك نستنتج ان هذه الشروط وضعت اولاً لمصلحة الموظف العام بالاضافة الى مصلحة الادارة ومصلحة الافراد الذين ينتفعون من خدمات المرفق العام ، لان هذه الشروط تحميه من غضبه وطيشه من خلال ان الادارة لا تعتد بالاقوال الشفهية للموظف بترك العمل ، وانما تطلب القانون ان تكون نية الموظف بترك العمل – عن طريق الاستقالة – بصورة تحريرية وبارادة الموظف الحرة والخالية من الاكراه . وان يكون هذا الطلب قائم لحين صدور قرار من الجهة الادارية المختصة ، وعلى هذا الاساس اُلزمت الادارة بمدة زمنية معينة للاجابة عن هذا الطلب وبانتهائها يصبح طلب الاستقالة مقبولاً ضمناً ، وهذه المدة ليست بالمدة الطويلة وانما هي مدة معقولة لا تؤثر على حرية الموظف في التوقف عن العمل . مما سبق نجد ان هذه الشروط غير معرقلة لحرية الموظف في التوقف عن العمل عن طريق تقديم استقالته بل بالعكس هي حماية لحقوقه الوظيفية .
_________________
1 – ينظر في ذلك حسن محمد عواضة : المبادى الاساسية للقانون الاداري ( دراسة مقارنة ) ، الطبعة الاولى ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت ، 1997 ، ص 125 – 126 .
2 – ينظر في ذلك حكمها المرقم ( 76 ) في 23 / آيار / 1957 ، ذكره علي محمد إبراهيم الكرباسي : الوظيفة العامة ( الخدمة المدنية ) ، شرح وتعليق ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 1989، ص 148 .
3 – ينظر في ذلك حسين حمودة المهدوي : شرح أحكام الوظيفة العامة ، المنشاة العامة للنشر والتوزيع والإعلان ، طرابلس ، من دون سنة طبع ، ص 502.
4 – ينظر في ذلك حكمها المرقم ( 580 – 10) في 12 / 11 /1966 ، منشور في مجموعة المبادى القانونية التي قررتها المحكمة الادارية العليا في خمسة عشر عاماً ، ص 4142 .
5 – نصت الفقرة ( ثالثاً ) المادة ( 35 ) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل على :- (( اذا قدم الموظف استقالته وعين فيها موعدا للقبول فيجوز قبولها من تاريخ ذلك الموعد او قبله )) .
6 – ينظر في ذلك الدكتور ماجد راغب الحلو : القضاء الاداري ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 2004 ، ص 544 .
7 – ينظر في ذلك حكمه المرقم ( 88 ) في 13 / 5 / 1973 ، علي محمد ابراهيم الكرباسي : الوظيفة العامة ، مصدر سابق ، ص 150 .
8- – ينظر في ذلك الدكتور ممدوح طنطاوي : الجرائم التأديبية ( الولاية والاختصاص – النيابة الادارية – الجهات الرئاسية والرقابية – المحاكم التأديبية – الواجبات والمحظورات ) ، الطبعة الثالثة ، المكتب الجامعي الحديث ، الاسنكدرية ، 2001 ، ص 421 .
9 – ينظر في ذلك الدكتور محمد عبد الحميد أبو زيد : المرجع في القانون الإداري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1999، ص 569 .
10 – ينظر في ذلك حكمه المرقم ( 62 / 1972 ) في 10 / 5 / 1972 ، منشور في نشرة ديوان التدوين القانوني ، 1973 ، 91 .
11- – ينظر في ذلك الفقرة ( ثانياً) من المادة ( 35 ) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل .
12 – ينظر في ذلك المادة ( 97 ) من قانون العاملين المدنيين في الدولة رقم (47 ) لسنة 1978.
13 – ينظر في ذلك موريس نخلة : الوسيط في شرح قانون الموظفين ، الجزء الثاني ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2004ق ، ص 1023 .
14 – ينظر في ذلك المادة ( 159 ) من نظام الخدمة المدنية الاردني رقم ( 55) لسنة 2002 .وللمزيد من المعلومات ينظر الدكتور خالد خليل الظاهر : القانون الاداري ( دراسة مقارنة ) ، الكتاب الاول ، الطبعة الاولى ، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ، عمان ، 1998 ، ص 257 .
15 – ينظر في ذلك الطعن( 158 ) لسنة 1 ق الصادر في 5 /11/ 1955 ، عبد العزيز سليم : الصيغ في الدعاوي الادارية امام القضاء الاداري – قضاء مجلس الدولة ، الطبعة الثانية ، 1997 ، ص 310 .
16 – ينظر في ذلك الدكتور محمد ماهر ابو العينيين : احكام وفتاوى مجلس الدولة بخصوص العاملين المدنيين بالدولة والهيئات العامة والقطاع العام والخاضعين لكادرات خاصة حتى عام 1998 ، الكتاب الثاني ، دار ابو المجد للطباعة بالهرم ، 2004 ، ص 871 .
17 – ينظر في ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي في 14 /كانون الثاني / 1961 ، موريس نخلة : الوسيط في شرح قانون الموظفين ، الجزء الثاني ، مصدر سابق ، ص 1008 .
18 – ينظر في ذلك الدكتور محمد انس جعفر : مبادى الوظيفة العامة وتطبيقها في التشريع الجزائري ، مطبعة مورافتلي ، عابدين ، 1982، ص 142 .
19 – ينظر في ذلك هاني علي الطهرواي : القانون الاداري ، مصدر سابق ، ص 303.
20 – ينظر في ذلك حكمها المرقم ( 54 – 16) في 2 / 2 /1974 ، منشور في مجموعة المبادى القانونية التي قررتها المحكمة الادارية العليا في خمسة عشر عاماً ، ص 4142 .
المؤلف : اسماء عبد الكاظم مهدي العجيلي
الكتاب أو المصدر : حرية الموظف العام في التوقف عن العمل
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً