بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي العام ومحاكمة مرتكبي جرائم دولية شديدة الخطورة عبر شبكة الانترنت أمام محكمة جنائية دولية
أعده
المستشار مالك رضوان أمين
سوريا – محافظة الرقة
Malekamien @ maktoob.com
بحث مقدم الى المؤتمر الدولي الأول حول حمايـة أمن المعلومات والخصوصية في قانـون الانترنت
القاهرة
2 ــ 4 يونيو لعام 2008
الفصل الأول ( فصــل تمهيـــدي )
المبحث الأول مدخل
قد يكون من المبكر أن ندعو الآن إلى أن تشمل المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي بعض الجرائم المعلوماتية الدولية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت وأن تجري محاكمة مرتكبيها أمام محاكم دولية . إلا أن ذلك ليس من الأمور البعيدة التي لا يمكن أن تشق طريقها إلى التطبيق العملي في المستقبل القريب . حيث أن معظم القواعد القانونية قد واجهت مجموعة من الانتقادات إذ كانت غير مقبولة في زمن ثم أصبحت بعد أن تحققت ضروراتها و مؤيداتها أمراً لا غنى عنه .
في الماضي القريب لم يكن القانون الدولي يتعامل مع الفرد كشخص من أشخاصه . لذا كانت الفكرة أن يرتب القانون الدولي المسؤولية الجنائية بحقه أمراً غير مقبول أيضاً.
ولكن بعد أن عانت البشرية من ويلات الحروب على مر العصور خاصة الحربين العالميتين الأولى و الثانية حيث اقترفت بحق الإنسانية أبشع الجرائم . أصبح من الضرورة بمكان أن يعمل المجتمع الدولي لتحقيق الأمن و السلم الدوليين وتجنيب الإنسان مآسي الحروب . وقد تجلى ذلك في طرح حلول عديدة منها :
ـ إتباع سياسة التعايش السلمي بين القوى المتنافسة في العالم .
ـ سياسة نزع السلاح .
ـ الحفاظ على توازن القوى في العالم .
ـ تقوية الأجهزة الدولية وزيادة فعاليتها بحيث تنصهر فيها الخلافات الدولية في بوتقة واحدة.
ـ تحقيق سيادة القانون الدولي وسموه على بقية القوانين كشرط لتحقيق السلام .
إن أيا من هذه الحلول لايمكن أن يتحقق إلا من خلال وضع قواعد قانونية دولية ملزمة لجميع الدول والأفراد على حد سواء بصرف النظر عن مراكزهم من حيث القوة أو الضعف , أو الجنس أو اللون أو العرق أو الدين .
ومع تطور قواعد القانون الدولي أصبح الفرد يشكل محور اهتمام المجتمع الدولي الذي وجه جل نشاطه لحماية حياته وحماية حقوقه الخاصة حيث أصبح من مقاصد الأمم المتحدة الرئيسة وغدا موضوعاً لا يمكن أن تتجاوزه المؤتمرات والمعاهدات الإقليمية و الدولية على حد سواء .
إن الفقه يرى انه كما الإنسان موضع لإهتمام المجتمع الدولي فإنه لابد أن يقابل ذلك أن يكون محلا للمساءلة الجزائية الدولية حين تقترف يداه جرائم بحق المجتمع الدولي .
إن التطور التكنولوجي مكّن الفرد أو مجموعة من الأفراد الذين لا يتمتعون بالصفة الدولية ارتكاب جرائم معلوماتية عبر شبكة الأنترنت قد تهدد الأمن والسلم الدوليين
إن سكوت المجتمع الدولي عن معاقبة هذا النمط من المجرمين سيشجع الغير على ارتكاب المزيد منها , ويضعف من الفاعلية الدولية في مكافحتها لذا كان السعي جاداً من أجل تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي لجهة تحديد الجرائم والعقوبات المناسبة لها و من ثم إجراء المحاكمات أمام محاكم دولية . في البداية تحقق لدى المجتمع الدولي بعض الإجماع حول اعتبار بعض الأفعال جرائم دولية, مع ترك محاكمة مرتكبيها أمام محاكم الدول صاحبة العلاقة . ثم حصل أن تتم محاكمة بعضها أمام محكمة دولية خاصة مثل محكمة لايبزغ ومحاكم نورمبرغ وراوندا ويوغسلافيا السابقة ,الى أن انتهى الأمر بالمجتمع الدولي الى احداث النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة
إن تحقق المسؤولية الجنائية الشخصية للفرد لم يكن وليد ساعة بل جاء نتيجة للجهود الذي بذلها رجال الفقه والقانون حيث لم تجمع المدارس الفقهية على رأي واحد
فالمدرسة التقليدية ترى أن الدولة هي الشخص الوحيد في القانون الدولي , وحجة أصحابها أن القانون الدولي هو الذي ينظم علاقات الدول فيما بينها فقط لذا لا تحقق لديها المسؤولية الجنائية الشخصية للفرد في ظل القانون الدولي . وإنما تتحقق في ظل القوانين الوطنية الخاصة .
أما مدرسة وحدة القانون فيرى أنصارها أن الفرد هو الشخص الوحيد في القانون الدولي ولأي قانون آخر . وأن الدولة ليس لها أهلية لاكتساب الحقوق أو الالتزامات فهي مجرد وهم وافتراض كاذب . حتى إذ أن فرض المسؤولية الجماعية على الدولة هو في حقيقة الأمر يقع على أفرادها .
ويرى أصحاب المدرسة الثالثة أن أشخاص القانون الدولي هم الدول و المنظمات والأفراد على حد سواء . وعلى هذا فان المدرستين الأخيرتين تقبلا فكرة تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في ظل القانون الدولي تبعاً لقبولهما له كشخص من أشخاصه .
والحقيقة أن هذه المدارس وتقسيماتها بين مؤيد ومعارض يمكن أن تصح في المجال الدراسي أو الجامعي . أما على ارض الواقع فالأمر مختلف إذ أن ضرورات حفظ الأمن والسلم الدوليين يحتم تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي كما هو الحال فيما يتعلق بالجرائم المنصوص عنها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
وإننا نرى أن هنالك جرائم أخرى قد تلحق ضررا بالمجتمع الدولي أشد ضررا من تلك التي تحدثه تلك التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية . كجرائم المعلوماتية التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت . لهذا كان الدافع الى بحثنا هذا هو أن ندعو من خلاله رجال الفقه والقانون والسياسة والحاضرين والمحاضرين في المؤتمر ـ الدولي المنعقد في القاهرة بتاريخ 2 ـ 4 يونيو 2008 ـ لبذل الجهود من أجل تطوير القانون الجنائي الدولي .
لذا فان فكرة هذا البحث هي نظرة الباحث لما يجب أن يكون عليه القانون الجنائي في الغد ليواكب التطور السريع للجريمة المعلوماتية .
المبحث الثاني ( المسؤولية الجنائية الدولية )
تعريف المسؤولية الجنائية وأنواعها :
من المعروف أن القانون هو نظام اجتماعي له وظيفة وله وسائل لتحقيق هذه الوظيفة , فهو يهدف إلى تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع حيث يحدد حقوق وواجبات الفرد . ولكي يستجيب الفرد إلى متطلبات القانون لا بد من إيقاع الجزاء القانوني بحقه إن خالف هذه القواعد .
وكقاعـــدة عامة يترتب على كل مـن يخرق قاعـدة قانونيــة مسؤولية ( مـدنية أو جزائـية ) والمسؤولية هي الجزاء على خرق شخص ما للقانون .
أما بالنسبة للدول فعليها الامتناع عن خرق قواعد القانون الدولي كي لا تطالها أحكام المسؤولية الدولية .
المسؤولية الفردية والمسؤولية الجماعية :
بالنسبة للفرد كشخص مـن أشخاص القانون الدولـي فإن مسؤوليتة تكون فردية أو جماعية . والأصل أنها فردية حيث تقع فقط على الشخص مرتكب الفعل الجرمي وحده . ولكن في بعض الحالات يتحمل الجزاء شخص آخر غير الذي ارتكب الفعل لوجود علاقة قانونية تربط بينه وبين من تحمل العقاب عنه أو معه وهنا تسمى بالمسؤولية الجماعية . وهي نظرية تجد لها تطبيقاً واسعا في القانون الدولي و مثال ذلك :
إذا أمر رئيس دولة لقطعاته العسكرية باحتلال أراضي دولة أخرى . وهو أمر يخالف قواعد القانون الدولي . فان هذا يدفع الدولة المعتدى عليها إلى الدفاع عن نفسها فتقتل جنوداً تابعين للدولة المعتدية أو تدمر بعضاً من ممتلكاتها في هذه الحالة أصبح العقاب موجهاً ضد مواطني الدولة التي يرأسها من أعلن الحرب . والسبب في ذلك هو العلاقة القانونية بينهم . وهي التي تنظمها القوانين الدستورية المتعلقة بشكل الحكم وسلطات رئيس الدولة ومسؤوليها .
وكذلك الأمر في مجال جرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت يمكن أن تتحقق المسؤولية الجماعية . ذلك انه عندما يقوم احد المستخدمين بنشر أفكار عنصرية تبعث الكراهية والحقد أو أن يقوم بنشر الصور الإباحية الممنوعة أو نشر الأفكار الارهابية فهو مسؤول بشكل شخصي عن أعماله . و يسال معه مقدم الخدمة إذا علم بهذه الخروقات ولم يعمل على منعها طالما انه يستطيع ذلك وهنا تتحقق بشأنه المسؤولية الجماعية اضافة الى مسؤولية المستخدم .
لقد تنامى مفهوم المسؤولية الجماعية في جرائم الإنترنت بعد تعديل قانون الاتصالات الأمريكي عام 1996 عندما تم منح مزودي الدخول والخدمة صلاحيات ترتقي إلى مستوى صلاحيات مؤسسة الاتصالات الأمريكية .الأمر الذي يدعو الى ضرورة إدخال مزودي الدخول وتقديم خدمات الأنترنت في دائرة المسؤولية الجنائية عن الغير ( المسؤولية الجماعية ) عملا بالمبدأ القانوني ان امتلاك الصلاحيات يقابله ترتب المسؤوليات .
فالمسؤولية بشكل عام تعني مسؤولية الشخص عن تصرفاته الشخصية أو مسؤوليته عن تصرفات الآخرين عندما تكون هناك علاقة قانونية تربط بينهم . والأخيره هي المسؤولية الجماعية .
وفي المجال الدولي تعني أن الشخص الذي يرتكب جريمة بحق المجتمع الدولي وحده يتحمل مسؤولية أعماله وهو وحده والذي يعاقب عليها 000وأرى أن يكون العقاب من قبل المجتمع الدولي نفسه عبر آلياته الخاصة وألا يترك ذلك إلى المحاكم الوطنية . وذلك للأسباب التي سترد لا حقا في هذا البحث .
ـ ماهية الفعل المسبب للمسؤولية الدولية :
ليس كل فعل يرتكب بحق دولة ما يعتبر فعلاً مسبباً للمسؤولية الدولية إذ لابد من أن يتوافر في هذا الفعل شرائط محددة تتعلق بمحل الجريمة ومرتكبها وهذه الشرائط تختلف باختلاف المدارس الفقهية لجهة قبولها أو عدم قبولهاللفرد كشخص من أشخاص القانون الدولي
وبما أننا في هذا البحث تبنينا المدرسة الفقهية الحديثة التي تعتبر الفرد شخصاً أساسياً من أشخاص القانون الدولي لذا فان رأينا في تحديد الفعل المسبب للمسؤولية الدولية يأخذ ذلك بعين الاعتبار ، بحيث يجب أن يجتمع في الفعل الشرطين التاليين :
أولاً ـ الشرط الأول : أن يشكل الفعل خرقاً لقواعد القانون الدولي :
الأصل أن المسؤولية الدولية تنجم عن ارتكاب فعل غير مشروع ، وكذلك كاستثناء يمكن أن تنجم عن فعل مشروع أيضاً في حالات معينة
إنهبمقتضى هذا الشرط أن يكون الفعل مخالفاً لقواعد القانون الدولي أو للالتزامات التي ترتبها اتجاه الدولة والفرد على حد سواء . ولا يكون كذلك إذا كان الفعل مخالفاً للقوانين الوطنية للدول
أما المسؤولية الناجمة عن فعل مشروع فان الشرط يتحققدون وجوب تحقق وقوع مرتكب الفعل بالخطأ ، وهو استثناء من الأصل ويكون في حالات محددة ، مثالها عندما تستثمر الدول مواردها الطبيعية من الطاقة حيث يلحق ضررا بالبيئة . حيث يرتب القانون الدولي المسؤولية على الدول التي تلحق الضرر بالنظام البيئي العالمي .والعلة في ذلك هي الحفاظ على سلامة النظام البيئي العالمي .
ثانياً – الشرط الثاني : أن يكون الفعل صادراً عن شخص دولي :
فوفقاللمدرسة التقليدية تكون الدولة الشخص الوحيد الذي يمكن أن يقوم بالفعل المسبب للمسؤولية الدولية . أما بموجب المدرسة الحديثة للقانون الدولي فانه يمكن أن يتحقق الشرط أيضاً إذا صدر الفعل عن الفرد لأنها تعتبره شخصاً من أشخاصها . وهنا تثور مشكلة تحقق المسؤولية الفردية أو الجماعية أو كلاهما معاً لدى ارتكاب الفعل من قبل رئيس أومسؤول في الدولة أو من موظف يتلقى أوامره من السلطة العليا أو من رب العمل الذي يعمل لديه .
ثالثاً – الشرط الثالث : هو الذي يتعلق بالمسؤولية الجزائية الشخصية عن ارتكاب الجرائم المعلوماتية عبر شبكة الأنترنت الذي يشترط أن يكون الفعل من الشدة بحيث ينال من الأمن والسلم الدوليين ومن النظام العالمي :
ان توفر الشرطين الأوليين فقط يحققان المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي بشكل عام . وأرى أن يضاف لهما شرط ثالث لتحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي بحق مرتكبي جرائم معلوماتيةعبر شبكة الانترنت واجراء محاكمتهم أمام محكمة جنائية دولية . الى الشرطين السابقين وهو أن ( يكون الفعل الجرمي من الشدة بحيث يمكن أن يهدد الأمن والسلم الدوليين أو من شأنه أن يقوض النظام العالمي الجديد الذي يسعى المجتمع الدولي لتحقيقه )وذلك ليس لأسباب قانونية وإنما لعدم إمكانية إجراء المحاكمات لكافة الجرائم المعلوماتية الدولية أمام محاكم دولية لكثرة عددها ولعدم امكانية تأمين محاكم كافية .
وحجتنا في ذلك أنه طالما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية روما 1998 بموجب الفقره /1/ من المادة الخامسة منه حددت اختصاصها بالجرائم الأشد خطورة على المجتمع الدولي على سبيل الحصر وهي : ( جرائم الابادة الجماعية ـ الجرائم المرتكبة ضد الانسانية ـ الجرائم المرتكبة ضد السلام ـ جرائم الحرب ـ جرائم العدوان المسلح .)
لذلك يجب أن تتم محاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية الدولية عبر شبكة الأنترنت الأشد خطورة والتي قد تهدد السلم والأمن الدوليين , ويمكن أن تقوض النظام العالمي الجديد أمام محكمة دولية أسوة بالجرائم التي هي من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة .التي لم تعد الجرائم الوحيدة في نظر المجتمع الدولي التي تشكل خطورة على أمنه واستقراره وزعزعتهما. إذ يمكن للفرد أن يرتكب عبر شبكة الأنترنت جرائم تهدد الأمن والسلم الدوليين كجرائم التمييز والتفرقة العنصرية المولدة للحقد وكراهية الأجانب , وجرائم المخدرات , والارهاب , والاباحية , والاقتصادية المقوضة لاقتصاد الدول .
الفصل الثاني ( نشوء وتطور المسؤولية الجنائية الشخصية ) ( في القانون الدولي )
مرت نظرية المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي بمراحل عديدة بعد أن كانت مجرد فكرة تلمع في أحلام الفلاسفة ورجال الفقه والقانون. ساهم في نشوئها المعاهدات الدولية .حيث تقرر اعتبار بعض الجرائم التي تقع من الأشخاص جرائم دولية . وجرى محاكمة مرتكبيها في بداية الأمر أمام المحاكم الوطنية للدول ذات العلاقة . ثم تم تشكيل محاكم دولية خاصة لمحاكمة مرتكبي جرائم دولية معينة . وصولا الى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة روما 1998 لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم ضد السلام والإنسانية .
يمكن أن نميز مرحلتين في هذا المجال هي دور المعاهدات والمؤتمرات الدولية . ومرحلة الأمم المتحدة .وسنتناولهما في مبحثين .
المبحث الأول ( دور المعاهدات والمؤتمرات الدولية )
إن أهم المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي ساهمت بتطوير هذه الفكرة وترسيخها هي :
– مؤتمر فيينا عام 1815 :
عقد مؤتمر فيينا إبان انتهاء الحروب التي خاضها نابليون بونابرت في القارة الأوروبية التي انتهت بهزيمته . حيث ظهرلأول مرة مفهوم الحرب غير المشروعة ومبدأ قيام المسؤولية الجنائية الشخصية بأبسط صورها آنذاك , وقد تقرر نفيه إلى جزيرة سانت هيلانة عقاباً له .
– معاهدة حماية أسلاك التلغراف لعام 1884 :
بموجب هذه الاتفاقية يعتبر كل اعتداء على أسلاك التلغراف الممدودة عبر البحار من الجرائم الدولية التي توجب المسؤولية الجنائية الشخصية بحق مرتكبها . ويعود أمر محاكمة المخالفين للمحاكم الوطنية للدول المتضررة.
– منع تجارة الرقيق :
بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما سبقه من معاهدات ذات صلة يعتبر جريمة دولية وتتحقق بحق مرتكبيها المسؤولية الجنائية الشخصية .
– تجارة المخدرات :
عقد بشأن مكافحتها عدة مؤتمرات 1936-1961 حيث تعتبر تجارة و…وصناعة المخدرات جريمة دولية بموجب القانون الدولي حيث تبرز فيها مسؤولية الفرد الجنائية الشخصية .
– جريمة تزوير العملات الأجنبية :
عقد بشأنها مؤتمر جنيف لعام 1929 حيث تعتبر جريمة دولية نظرا لأنها تضر بمصالح الدول الأخرى وهي تقوم على أساس المسؤولية الجنائية الشخصية لمرتكبيها .
– المعاهدات الخاصة بجرائم الحرب :
معاهدات لاهاي لعام 1899-1907 ويقصد بها الأعمال العدوانية التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة أو غيرهم ممن يخالفون قواعد القانون الدولي المتعلقة بعادات وقوانين الحرب فهي تتضمن خضوعهم إلى المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي .
اتفاقيات جينيف الأربعة لعام 1949 :
والبروتوكولان الملحقان بها المتعلقان بنقل وحماية الجرحى والمرضى من الميدان وحماية المدنيين حيث تقرر فيها مساءلة الأشخاص الذين يخالفونها بشكل شخصي
معاهدة فرساي وإنشاء محكمة لايبنرغ :
بانتهاء الحرب العالمية الأولى ارتفعت الأصوات تنادي بمعاقبة كل من ارتكب عملاً مخالفاً لقواعد وعادات الحرب حتى وصل الأمر إلى المطالبة بمحاكمة رؤساء الدول الذين كانوا سبباً لها 0 وقد اتفق بشأنها على توفر المسؤولية الأخلاقية لرؤساء الدول عن الحرب وثار الخلاف حول – تحديد مسؤوليتهم القانونية عن جرائم
الحرب التي ارتكبوها النقاط التالية :
ـ كيفية تشكيل المحكمة التي تملك محاكمتهم
ـ تحديد القانون الذي بموجبه يمكن محاكمتهم
انتهى الجدل إلى توقيع معاهدة فرساي حيث جاء في المادة /227/ منها على ضرورة تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب سميت بمحكمة لايبزغ التي تعتبر سابقة دولية في هذا المجال .ومع أن محكمة لايبنرغ فشلت في محاكمة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني فإنها تعتبر منعطفاً هاماً في مجال تطوير القانون الدولي وفي مجال تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية 0 وقد تلاها على نفس المبدأ معاهدة واشنطن لعام 1922
معاهدة لندن وإنشاء محاكم نورمبرغ عام 1945 :
كذلك الأمر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تعالت الأصوات مجدداً إلى ضرورة محاكمة الأشخاص الذين كانوا سببها لارتكابهم جرائم بحق الإنسانية ، فصدر أولا تصريح موسكو عام 1943 بوجوب مسؤولية هؤلاء عن الحرب ، و بعد إنتهاء الحرب أبرمت الدول المنتصرة مع الدول الخاسرة معاهدة لندن 1945 التي جاء في المادة الأولى منها :
(( تؤلف محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين لا يمكن تحديد مكان ارتكاب جرائهم من الناحية الجغرافية وسواء كان الاتهام يقع عليهم بصفتهم الشخصية أو كونهم موظفين أو أعضاء منظمات جماعية أو في كلا الصفين ))
لقد جاءت معاهدة لندن بشيء جديد لم تأت به معاهدة فرساي وهو ماجاء في نص المادة السادسة منها حيث تقرر تأليف محكمة نورمبرغ لتحديد المسؤولية عن جرائم أخرى إضافة لجرائم الحرب التي عالجتها محكمة لايبنرغ، وهي الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والجرائم المرتكبة ضد السلام ، كما نص الميثاق على قيام المسؤولية الشخصية ضد موظفي الدولة ورؤسائها الذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم
ثم جرت محاكمات لاحقة لها بين عامي 1946 – 1949 سميت بالإجراءات اللاحقة وقد صدر عن محاكم نورمبرغ أحكاماً قانونية اعتبرت فيما بعد أساساً تبنتها الأمم المتحدة وضمنها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة
المبحث الثاني ( دور الأمم المتحدة ) (في تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي العام )
بذلت هيئة الأمم المتحدة جهوداً جبارة في هذا المجال . حيث كان الدور الأهم هو الذي قامت به الجمعية العامة للأمم المتحة اذ تبنت الجمعية العامة بالقرار 177/ 11 لعام 1947 مبادئ محكمة نورمبرغ فحصرتها في سبعة مؤادها انعقاد المسؤولية الجنائية لكل شخص ارتكب جريمة دولية 0التي أنتهت إلى إنجاز النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة . أما مجلس الأمن فانتهى الى تشكيل بعض المحاكم الدولية الخاصة.
1 ـ مساهمة مجلس الأمن :
ساهم مجلس الأمن الدولي بشكل فعال وواضح في هذا المجال حيث شكل محاكم دولية خاصه مؤقتة لمحاكمة بعض الجرائم تنتهي بانتهاء محاكمة مرتكبيها وهي :
آ ـ المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة : قام مجلس الأمن تبعاً للسلطات المخولة له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حالات تهديد السلم والأمن الدولي أو الإخلال بهما أو حالات وقوع العدوان . بإصدار القرار رقم ( 827) لعام 1993 القاضيبإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم جسيمة بحق الإنسانية لمخالفتهم قواعد القانون الدولي الإنساني في دولة يوغسلافيا السابقة ، باعتبار أن اتخاذ مثل هذا الإجراء بعد احد التدابير غير العسكرية التي يمكن خلالها تأكيد حفظ السلم والأمن الدولي
ب ـ المحكمة الجنائية الدولية لراو ندا : لقد جرت مذابح كبيرة في راو ندا عام 1994 راح ضحيتها العديد من السكان المدنيين فأصدر مجلس الأمن القرار رقم 955 لعام 1994 الذي تضمن إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية في راو ندا ، حيث كان الصراع أهلياً وليس دولياً كما هو في حال محكمة يوغسلافيا
جـ ـ المحكمة الدولية الجنائية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري :
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1757 الخاص بتشكيل محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال وزراء لبنان السابق رفيق الحريري
وتعتبر هذه الخطوة سابقة جديدة في المجال الدولي إذ أن هذه المحكمة شكلت من اجل محاكمة مرتكبي جريمة لا تشكل أياً من جرائم الحرب أو العدوان أو أياً من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو ضد السلم الدولي ،وإننا نرى أن دوافع إنشائها ليست في الحقيقة إيقاع العقاب , بل الضغط على بعض الدول من أجل تحقيق معادلات سياسية في منطقة الشرق الأوسط .
وقد قام البعض بالمناداة لتشكيل محكمة مماثلة لمحاكمة قتلة رئيسة وزراء باكستان السابقة السيدة بنظير بوتو 0 وبالرغم من التشابه بين الجريمتين إلا أن المواقف السياسية لبعض الدول العظمى في العالم إنحازت إلى محاكمة قتلة رفيق الحريري فقط .
2 ـ جهودالجمعية العامة للأمم المتحدة :
انتهى سعي المجتمع الدولي إلى إقرار المحكمة الجنائية الدولية من أجل الحفاظ على مقومات الأمن والسلام الدولي .وبذلك يكون نظامها الأساسي أول مدونة جنائية دولية موضوعية إجرائية عقابية ، وأول محكمة جنائية دائمة في التاريخ الإنساني
ورغم ذلك فهي بحاجة إلى المزيد من السعي من أجل تجاوز بعض العيوب والنواقص التي تعتريها وهي:
1 ـ النظام الأساسي لها مجرد معاهدة دولية . وبذلك فهي ليست ملزمة للدول من أجل الارتباط بها رغماً عنها ، كما أن شأنها شأن كل القواعد التي تطبق على المعاهدات الدولية من حيث التفسير والتطبيق الزماني
2 ـ إن سلطة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لاتتعدى أطرفها إلى غيرهم من الدول
3 ـ ان اختصاص المحكمة لا يشمل جميع الجرائم الدولية التي تشكل تهديدا للأمن والسلم الدولي .خاصة الجرائم المعلوماتية التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت . والتي اعتبرها مجلس أوروبا من الجرائم الأشد خطورة . بموجب اتفاقية بودابست لعام 2001 للجرائم الالكترونية والبرتوكول الإضافي الملحق بها المتعلق بتجريم الأفعال ذات الطبيعة العنصرية وكراهية الأجانب التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وتهديدا لسيادة القانون والاستقرار الديموقراطي ، التي ترتكب عبر أنظمة الكومبيوتر.حيث اعتبر مجلس أوروبا أن التغييرات التي أحدثتها عمليات الترقيم والتقارب واستمرار عولمة شبكات الكومبيوتر وما ينتج عن ذلك من جرائم الكترونية خطيرة تفرض على دولهإتباع سياسة جنائية مشتركة تهدف إلى حماية المجتمع من الجريمة الالكترونية
ويمكن أن تعد هذه الاتفاقية مساهمة حقيقية في تطوير القانون الدولي وفي تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي خاصة في مجال جرائم الانترنت كونها تختص بشكل كامل فيها ، وقد تضمنت نصوصها حث الدول الأوروبية وغيرها إلى الارتباط بها من اجل تبني سياسة جنائية موضوعية وإجرائية وقضائية وتسهيل التعاون الدولي فهي :
1 ـ تدفع الدول إلى إصدار النصوص القانونية الموضوعية على الصعيد الوطني لتأثيم الأعمال الموجهة ضد سرية منظومات الكومبيوتر وشبكاته 0وجرائم إباحية وجرائم اقتصادية وجرائم ضد حقوق النشر والتأليف وجرائم تنال من بيانات ومستندات الكومبيوتر الخاصة بالأفراد والدولة 0وجرائم التهديد والقتل والإرهاب , وتأثيم أعمال المساعدة أو التحريض أو الشروع في ارتكابها( الفصل الثاني – القسم الأول منها)
2 ـ تدفع الدول إلى إصدار النصوص القانونية الإجرائية على الصعيد الوطني من إجل تحديد السلطات المختصة في الادعاء والتحقيق والمحاكمة ( الفصل الثاني – القسم الثاني)
والعمل على وضع قواعد عامة للتعاون الدولي لتأمين مقتضيات أعمال التحقيق والتفتيش والمحاكمة مثل :
( تسهيل تسليم المجرمين – تبادل المعلومات والخبرات الفنية والتشريعية )
على الرغم من أن نصوصها غير إلزامية لأطراف المجتمع الدولي للانخراط فيها . إلا أنها خطوة مهمة جدافي توجيه الدول إلى تحديد النصوص التشريعية اللازمة وتقرير التعاون الدولي ومحاكمة المجرمين أمام المحاكم الوطنية للدول ذات العلاقة أو أمام قضاء دولي تبعاً لرغبة الدول وإرادتها عبر اتفاقيات ومعاهدات تستطيع ابرامها لأجل ذلك
إن تطور المعلومات وتزايد الاعتماد على شبكة الانترنت في كافة المجالات من قبل الأفراد والدول سيرافقه بالتوازي زيادة في خطورة فاعلية الجريمة الالكترونية وتطوراً في تقنيات ارتكابها الأمر الذي يوجب على المجتمع الدولي ـ لاعتبارات تقنية فنية ,ولطبيعتها الخاصة , ولمقتضيات تحقيق العدالة والمساواة وعملا بمبادئ القانون الجنائي الدولي ـ أن تجري محاكمة مرتكبي أشد أنواعها خطورة أمام محكمة دولية جنائية دائمة
الفصل الثالث ( مؤيدات تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي )
( في الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الانترنت )
( ولزوم محاكمة مرتكبيها أمام ) ( محكمة جنائية دوليه )
تمهيد
لا يكون أي نظام قانوني فعالاً إلا أذا كان يسمح بالتطبيق العملي للقواعد التي تبناها ، عندها يحقق وظيفته الاجتماعية وهي تنظيم العلاقات بين مختلف أشخاصه
في الأنظمة الداخلية للدول يمكن ضمان هذه الفعالية بنسب متفاوتة من دولة إلى أخرى تبعاً لدرجة التكامل الاجتماعي بين رعاياها وللمستوى التنموي والحضاري لمجتمعها ، كما يسمح التنظيم الهيكلي للمجتمع الوطني الذي تمثله الدولة عن طريق سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية بفرض احترام القانون على الأفراد ، لان الدولة تملك حق فرض العقاب وجبر الضرر
أما في المجتمع الدولي فالأمر مختلف تماماً فهو يتكون من دول متساوية ، فليس هناك كقاعدة عامة سلطة فوق سلطة الدول بإمكانها فرض احترام قواعد القانون الدولي والتقيد بأحكامه على أشخاص هذا القانون من الدول أو الأفراد مما يعيق تطوير القانون الدولي
كما أن اعتبار الفرد شخصاً من أشخاص القانون الدولي في العصر الحديث ، وارتباطه بدولة يخضع لها وتحميه كونه من رعاياها ، قد يمنع المجتمع الدولي من إمكانية تطبيق قواعده عليه
حيث أن بعض الدول خاصة القوية منها تمتنع عن تسليم مواطنيها حتى لو كانوا قد ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم معلوماتية دولية على عكس الدول الضعيفة . وإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة تختص بمحاكمة مرتكبي جرائم العدوان والحرب وجرائم ضد السلام وضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية ، إلا أنها غير مخولة بالنظر في جرائم المعلوماتية التي قد تشكل من الخطورة على المجتمع الدولي أكثرمما تشكله تلك الجرائم .
هنالك عوامل ومؤيدات كثيرة تؤيد تطبيق القانون الدولي ضد مرتكبي جرائم المعلوماتية الشديدة الخطورة المسببة للمسؤولية الدولية الجنائية أمام محاكم جنائية دولية
قبل البحث في ذلك يجب أن نبين النظريات التي تبحث في الأساس الذي يدفع الدول الى الإلتزام بقواعد القانون الدولي بشكل عام ومنها ما نتجه اليه في هذا البحث. وما هو موقف الشريعة الاسلامية . وهل تنسجم مع قواعد القانون الدولي في هذا المجال أم لا .
المبحث الأول ( أساس الإلتزام بقواعد القانون الدولي )
على الصعيد الداخلي للدول تقوم السلطة بمهمة سن القوانين الوطنية وتحديد آليات فرضها وتنفيذها على مواطنيها . أما على الصعيد الدولي فتثور التساؤلات التالية :
من يفرض قواعد القانون الدولي على الدول ؟
ومن يسبغ عليها الصفة الإلزامية ؟
وما هو الأساس والمسوغ في ذلك ؟
لقد جهد رجال الفقه والقانون للإجابة على هذه التساؤلات . فظهرت نظريات توائمت مع تطور القانون الدولي والعلاقات الدولية . كانت أول نظرية ظهرت في القرن السابع عشر هي نظرية القانون الطبيعي, التي ترافقت مع بداية نشوء العلاقات الدولية على أساس مبدأ المساواة بين الدول . ثم أعقب ذلك نظريات تناسبت مع تطور ظاهرة الدولة المركزية القوية في القرن الثامن عشر . حيث لم يكن من المقبول آنذاك أن تلتزم الدول بقواعد قانونية بغير رضاها ويعود ذلك الى أن طبيعة العلاقات الدولية لم تكن تستدعي ذلك . ولكن بعد ظهور الحاجة الى التبادل التجاري والصناعي والزراعي بين الدول أصبح من الضروري وضع قواعد قانونية تنظم العلاقات الدولية الجديدة لتتكيف مع حاجة الحياة الدولية الجديدة . ولا يتأتى ذلك إلا بخضوع الدول لقواعد القانون الدولي .
وهذه النظريات انقسمت الى مدرستين هما :
أولا ـ المذهب الوضعي أو الإرادي :
يطلق على مجموعة النظريات التي تبني القانون الدولي وتؤسسه على إرادة الدول اسم (المذهب الارادي ) وتقوم في خطوطها العامة على نظرية العقد الإجتماعي التي انتشرت منذ القرن السابع عشر والتي تعتبر أن القانون هو رغبة عامة تعبر عنها الجماعة التي تعيش في مجتمع سياسي معين . أي أن إرادة الدولة لاتعلوها إرادة تخضع لها . فالدولة في نظر أصحابها لا تتبع القانون وإنما القانون يتبعها وعلى هذا فالدولة تلتزم بقواعد القانون الدولي بمحض إرادتها .
وقد اتجهت في العصر الحديث الى مذاهب ثلاثة هي :
1 ـ نظرية الارادة المنفردة أو التقييد الذاتي للإرادة فالدولة هي التي تقيد ذاتها لصالح القانون الدولي العام ومن أنصارها الفقيه الألماني جورج بلينك 1815 ـ 1911 .
2 ـ نظرية الإرادات المشتركة تقوم على أن قواعد القانون الدولي العام نشأت من توافق إرادات الدول واشتراكها في وضع هذه القواعد عبر الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها مجتمعة . من أنصارها الفقيه الألماني تريبل 1868 ـ 1946 .
3 ـ نظرية العقد شريعة المتعاقدين تقوم على أن ما يفرض على الدول احترام الإتفاقيات هو نظرية العقد شريعة المتعاقدين .
إن لكل نظرية مؤيدات وانتقادات لكننها تدخل في خانة وجوب احترام قواعد القانون الدولي تبعا لارادة الدول .
ثانيا ـ المذهب الموضوعي :
ان أنصار هذا المذهب يبحثون عن أساس للقواعد الدولية في نطاق بعيدا عن نطاق الإرادة .إذ يرون أن هناك عوامل مستقلة عن الإرادة تشكل الأساس في دفع الدول الى احترام قواعد القانون الدولي . وعلى ضوء ذلك ظهرت نظريات عديدة تبعا لتطور العلاقات الدولية وتفرعاتها . ومن هذه النظريات :
1 ـ نظرية التوازن السياسي التي تستند الى ذات الفكرة التي دفعت الدول الأوروبية الى ابرام معاهدة وستفاليا عام 1648 التي تقوم على أن تعادل الدول في قوتها يحقق توازنها , مما يفرض عليها احترام قواعد القانون الدولي .
2 ـ النظرية القومية من أنصارها الفقيه الايطالي مانشيني في القرت التاسع عشر تقوم على أنه في تكوين الدول على أساس قومي ضمان لحسن سير العلاقات الدولية . وقد جاءت هذه النظرية كرد على الحروب الأوروبية بعد الثورة الفرنسية .
3 ـ نظرية المصلحة يرى دعاتها ( هيجل ـ بندر ) أن المصلحة تعتبر غالبا الأساس الأول لقيام العلاقات الدولية ومصدرا لإلزام الدول بالقانون الدولي .
4 ـ نظرية القانون المجرد من أنصارها الفقيه النمساوي كلسن ظهرت في القرن العشرين تقوم على أن القانون لكونه مجرد قانون يكون ملزما .أي أنه يحمل أسباب الالتزام بنفسه .
5 ـ نظرية الحدث الإجتماعي وتعرف بالمدرسة الاجتماعية ( زعيمها الفرنسي ليون دولي 1859 ـ 1928 ) الذي يصف الدولة بأنها حادث اجتماعي نشأ نتيجة للتضامن الاجتماعي . والقانون يستند الى واقع هذا التضامن المبني على العلاقات بين البشر . وهذا الواقع ينشىء قواعد اجتماعية تتحول الى قواعد عامة لا يمكن استمرار الحياة الاجتماعية بدونها .
ان أغلب الفقهاء يرون أن نظرية التضامن الاجتماعي القائم على العدالة الاجتماعية والاحترام أقرب النظريات الى الواقع المتصل بحياة الأفراد والجماعات في الوقت الراهن .وعلى ضوء ذلك فان دخول المجتمع الدولي في الوقت الحالي مرحلة جديدة بانتشار العلوم والتكنولوجيا وتطور المواصلات والإتصالات التفاعلية عبر شبكة الأنترنت وتقدم خدمات الهواتف النقالة ساهم في تمازج الثقافات بين الشعوب . حيث خلق لديهم الشعور بالحاجة الى التعاون لمواجهة المشاكل البيئية والصحية ومكافحة الجرائم المستحدثة المرتكبة عبر الأنترنت . وبذلك تكون الأكثر قبولا كأساس في الالتزام بقواعد القانون .
وفي مجال الجرائم المعلوماتية نجد أن دول مجلس أوروبا عكفت تحت ضغط الحاجة المتزايد لتلبية مطالب شعوبها بتأمين استقرارها , الى وضع قواعد لتنسيق علاقاتها المتبادلة ووضع قواعد قانونية دولية تحترمها وتعمل وفق مضمونها .
ان كلا النظريتين وتفرعاتهما يشكلان أساسا حقيقيا يدفع دول العالم الى الالتزام بقواعد القانون الدولي فيما يتعلق بتحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية الدولية ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية المعلوماتية عبر شبكة الأنترنت الأشد خطورة أمام محاكم دولية دائمة .
المبحث الثاني ( موقف الشريعة الاسلامية )
شاع في الآونة الآخيرة على مستوى العالم الغربي مفهوم إعلامي واسع بان أحكام الشريعة الإسلامية لاتتواءم مع ما يهدف اليه المجتمع الدولي . في حين أن الحقيقة هي غير ذلك تماما .
فهل الشريعة الاسلامية تتجاوب مع متطلبات المجتمع الدولي ؟
وهل تقبل فكرة التعاون الدولي ؟
يتضح ذلك من أول لقاء بمسلم حقيقي ستجده يبادرك بالتحية وهي عبارة يرددها المسلمون منذ ألف واربعمئة عام تقريبا وهي ( السلام عليكم ) . فكأنما يقول أطرح عليكم السلام والأمن في لقائنا هذا . يقول سبحانه وتعالى :
( دعواهم فيها سبحانك اللهم . وتحيتهم فيها سلام آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) سورة يونس /10/ .
إن السلام يشكل غاية شرعية أساسية في التشريع الاسلامي . وهي قمة ما يهدف اليه التعاون الدولي . يقول الله عز وجل في قرآنه الكريم :
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) سورةالمائدة/2/.
وفي مجال موقف الشريعة الاسلامية من قبول فكرة الالتزام بقواعد القانون الدولي نجد أنها تنفرد عن المذهب الإرادي والموضوعي بما يلي :
إن الناظم لعلاقات الدولة الإسلامية بغيرها من الشعوب تشكل جزءا من الشريعة . فلا إرادة للدولة الإسلامية لأن تعمل على خلاف أحكام القرآن الكريم والسنة المحمدية الكريمة التي تقضي بوجوب التعاون بين الدول والمساواة بين البشر واحترام العهود والمواثيق و. لذا فعليها الإنصياع لأوامر الله عز وجل التي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الحكام والظروف والمصالح . في حين أن نظرية الإرادة تمكّن الدولة التي تعمل بها أن أن تغير ارادتها متى شاءت . وكذلك الأمر فان النظرية الموضوعية تمكّن الدولة التي تعمل بها أن تغير من مواقفها اتجاه الشعوب الأخرى تبعا لتبدل المصالح والمواقف . الأمر الذي يجعل العلاقات الدولية في ظلهما غير مستقرة وغير محكومة بمبدأ إنساني ثابت. في حين أن الأمر في الشريعة الإسلامية التي تنطلق من حقيقة كونها دعوة لكل البشر على وجه الأرض فالاسلام دين شامل للإنسانية جمعاء , فهو بالضرورة دولي في نطاقه ودولي في مضمونه .
وتأسيسا على ذلك يمكن القول بأن أساس التزام الدين الاسلامي بالقانون الدولي يقوم على مبادىء ثلاثة ثابتة لا تتغير بتغير الحكام والظروف وهذه المبادىء هي :
أولا ـ مبدأ المساواة بين البشر :
يعتبر الاسلام مبدأ المساواة بين البشر من البديهيات التي يقوم عليها . فهو يرى أن الناس جميعا متساوون في الحقوق والواجبات من غير تمييز بينهم بسبب اللون أو العرق أو الجنس . ومقياس التمييز بينهم هو التقوى . يقول سبحانه وتعالى :
( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) سورة الحجرات /13/ . ويقول أيضا :
( وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ان الله سميع بصير ) سورة لقمان /28/ .
ومبدأ المساواة ناتج من أن الإسلام دين لكل البشر لذا أرسل الله محمدا رسولا للبشر كافة :
( وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) سورة سبأ /28/ .
ويظهر في الاسلام عدم تفريقه بين بني البشر, وتمسكه في انسانيتهم بقوله تعالى :
( ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) سورة المائدة /32/ .
ثانيا ـ مبدأ السلام بين الدول :
باعتبار أن النظرية الإسلامية تقوم على المساواة فإنها بحكم ذلك تؤمن بأن يعم السلام بين كافة الأمم لقوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة …..) سورة البقرة /208/ . ويقول أيضا :
( وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) سورة الأنفال /61/ .
فالسلام هو الحالة الطبيعية للعلاقات الدولية في الاسلام أماالحرب فهي استثناء .من الأصل يقول سبحانه وتعالى :
( فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) سورة النساء/90/.
فالحرب حسب النظرية الاسلامية عمل بغيض تبررها حالات أربع هي :
ـ من أجل حماية الحرية الدينية للمسلمين وغيرهم .
ـ لدفع العدوان عن الديار الاسلامية .
ـ لمنع الظلم والجور .
ـ لحماية النظام الاجتماعي .
إن الاسلام لم ينتشربحد السيف كما اعتقد البعض, وانما بالدعوة والحوار .يقول سبحانه وتعالى :
( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) سورة البقرة /256/ .
( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) سورة النحل /125/ .
ثالثا ــ مبدأ احترام المعاهدات الدولية :
لما كان الإسلام يساوي بين البشر ويؤمن بسيادة السلام بين الأمم . لذلك فالدولة المسلمة تبني علاقاتها مع الدول الأخرى على هذا الأساس . فهي تحترم المعاهدات التي تبرمها معهم . وتلتزم بها وجوبا مما يعزز الإستقرار الدولي عملا بقوله عزوجل :
( وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ..) سورة النحل /92/ .
( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) سورة الاسراء/34/ .
وقد أمر الاسلام أتباعه المسلمين باحترام المعاهدات لدرجة تقديمه الوفاء بالمعاهدات المعقودة مع غير المسلمين على نصرة أخوتهم المسلمين فيما بينهم لقوله عز وجل :
( وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) سورة الأنفال /72/ .
كما يحث الاسلام على التعاون بالبر والتقوى لقوله عز وجل :
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) سورة المائدة/2/ .
ان ما تحمله الشريعة الاسلامية من مبادىء انسانية سامية في التعاون ونشر السلام ونبذ العنف وتحقيق المساواة بين البشر واحترام العهود والمواثيق أكثر مما تحمله أية شريعة أو آيديولوجية أخرى عرفها الانسان في تاريخه الطويل .
لذا نستطيع القول بان الشريعة الاسلامية تطبق الزامية القواعد الدولية . وتقبل التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الدولية خاصة تلك التي هي موضوع بحثنا هذا .
المبحث الثالث
( مؤيدات تفرضها الطبيعة التقنية والتكنولوجية ) ( للجرائم المعلوماتية ) ( المرتكبة عبر شبكة الأنترنت )
إن كل تقدم تكنولوجي جديد يفرض على المجتمع الدولي وضع قواعد قانونية تنظم استخدامها بين الدول ، والعالم في هذا المجال يشهد تغيراً مستمراً ومتواصلاً .
وفيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات يقول فرانك كيلش في مقدمة مؤلفه ثورة الانفوميديا ـ الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك ـ :
(( كلما اشتدت وطأة التكنولوجيا في اقتصادنا ومجتمعنا أكثر من ذي قبل نجد أن السمة الوحيدة والثابتة في حياتنا هي التغير ))
ويرى أن التغيير الجديد يأتي متسارعاً أكثر من الذي كان قبله , فالعصر الحجري دام ملايين السنين وعصر المعادن دام خمسة آلاف سنة وعصر الصناعة حوالي مئتي سنة أما عصر الكهرباء فدام 40 عاماً حين أن العصر الالكتروني لم يدم سوى 25 عاماً ، لذا فهو يدعو إلى التفكير في عالمنا هذا بدلالة تكنولوجيا اليوم
وفي هذا الصدد يرى أن التكنولوجيا المعلوماتية سوف تحدث تغييراً في عالمنا وحياتنا تغييراً جذريا .ً
ويبين شكل التغيير القادم الذي سينال جميع وجوه حياتنا ، ففي عصر الانفوميديا ستتلاشى النقود الورقية وليحل محلها النقود الالكترونية وستجد مصارف بلا صرافين , وسيتلاشى حبر الطباعة والورق فلا نحتاج إلى قطع الأشجار, وسيتلقى طلبة المدارس والمعاهد دروسهم وهم في غرف نومهم . وسيعمل كل شيء في المنزل بشكل الكتروني مبرمج حسب رغبة قاطنه. ، وسيكون الاعتماد على المعلوماتية كبيرا .
لقد أدرك الرئيسي الأمريكي بيل كلينتون ذلك حيث أعلن في عام 1992 أن يجعل طريق المعلومات السريع حجر زاوية للبنية الاساسية للقومية تماماً كنظام الطرق السريعة بين أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية ، فبناء طريق المعلومات فائق السرعة ضرورة قومية لكل القوى الاقتصادية في العالم
و سيكون بطل هذا العصر وأداته الرئيسية هو الكومبيوتر بلا منازع وسيصبح مخزناً لمعلومات الفرد الاقتصادية والمالية ومستودعاً لأسراره الشخصية .ومخزناً لمعلومات الدولة ونظمها الإدارية وخططها الإستراتيجية الأمنية والاقتصادية والعسكرية وسيكون التواصل بين البشر عبره من خلال شبكة تفاعلية عملاقة . وبطبيعة الحال سيرافق هذا التطور المستمر . تطور مستمرللجرائم المعلوماتيةالتي تتطور طردا مع تطور التكنولوجيا . لذلك ان التطور الجديد للعالم بعد الاعتماد على الحاسوب وشبكة الأنترنت سيفرض واقعا جديدا هو جمع الأهداف الجرمية في مكان واحد , وسيمكن الفرد من ارتكاب جرائم خطيرة .
أولا ـ إن التطور التكنولوجي يجمع كل الأهداف الجرمية في جهاز الكومبيوتر المربوط بشبكة الأنترنت :
إن التكنولوجيا الجديدة في عصر الانفوميديا ستجمع كل ما يمكن أن يكون هدفاً للجريمة في إناء واحد أمام المجرم على سطح شاشة حاسوبه دفعة واحدة وفي شتى المجالات بلا استثناء وما عليه إلا أن يمتلك المهارة العلمية العالية ليتخطى الحواجز الأمنية ليقترف ما يشاء من الجرائم فينتهك خصوصية الفرد ، وأسرار الدولة ويلعب باقتصادها وأمنها .مما يزيد من خطورة هذه الجريمة ومن فاعليتها ,الأمرالذي يوجب زيادة فاعلية المكافحة الفنية والقانونية والقضائية ، عن طريق تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية الدولية ومحاكمة مرتكبيها أمام محكمة دولية جنائية تعمل في ظل تعاون دولي واسع0
ثانيا ـ إن التقدم التكنولوجي يمكن الفرد من ارتكاب جرائم شديدة الخطورة بحق المجتمع الدولي :
إن التقدم التكنولوجي المتزايد في كافة المجالات , خاصة في المجال المعلوماتي , حيث يستطيع الفرد أن يتواصل مع أفراد العالم أينما كانوا ,وكما أن تطورالتقنيات الهندسية والعسكرية والكيميائية والفكرية وسهولة استخدامها والوصول إليها 000 مكنتهبأن يقوم خلال استغلاله لها بأعمال إرهابية وأعمال تحريض ونشر تؤجج التفرقة العنصرية بين الشعوب وتزيد من كراهية الأجانب . مما قد يحدث توتراً بين الدول قد يؤدي الى نشوب حروب بينها، ولعل خير دليل على ذلك ما حدث في 11 سبتمبر في الولايات المتحدة حيث استطاعت مجموعة من أفراد لا يشكلون منظمة دوليةأن تدفع بالولايات المتحدة الأمريكية الىشن حرب في أفغانستان والعراق ، وربما حروب أخرى .
حيث زعزع الأمن الدولي . و كاد يسبب في نشوب حرب عالمية ثالثة .
من ذلك نتوصل إلى الحقيقة التالية :
(( إن تخزين ما يخص الفرد والدولة على جهاز الكومبيوتر المربوط بشبكة الانترنت , وان استغلال الفرد للتكنولوجيا المعلوماتية والفنية الحديثة يمكنه القيام بجرائم تهدد الأمن والسلم والإستقرار في المجتمع الدولي
إن متطلبات مكافحة هذا الوضع الجديديوجب تحقيق إجماع دولي لوضع تشريعات موضوعية وإجرائية مناسبة وتشكيل محكمة دولية مختصة وآلية تنفيذ دولية تكفل تنفيذ الأحكام الصادرة بهذا الشأن))
لقد أصبح من الثابت أن بعض الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الانترنت قد تكون أكثر خطورة على المجتمع الدولي من بعض جرائم الحرب .
إن المجتمع الدولي إذا لم يفعل ذلك في القريب العاجل فهو يكون كمن يضع كل البيض خاصته أمام عربة يقودها ثور هائج .
المبحث الرابع ( مؤيدات تفرضها قواعد العدل والمساواة ) ( في المجتمع الدولي )
هنالك علاقة جدلية بين قواعد العدل والمساواة وتحقيق الأمن والسلم الدوليين فكلما حقق المجتمع الدولي مزيداً من العدالة والمساواة بين شعوبه ,كلما عزز أمنه واستقراره وسلمه.
في المجال الجنائي تقتضي قواعد العدل والمساواة أن يوقع نفس العقاب على كل من يرتكب جرائم متشابهة بغض النظر عن اللون أو العرق أو الجنسية . ومن الثابت أن ازدواجية تطبيق قواعد القانون الدولي في الحالات المتماثلة يقوض الأمن والسلم الدوليين ، هذا يقودنا إلى القول بأن إسناد محاكمة مرتكبي الجرائم التي تتصف بالدولية إلى القوانين والمحاكم الوطنية للدول سيساهم في إصدار أحكام مختلفة في جرائم متماثلة ، لذلك نرى أن ضرورات تحقيق الأمن والسلم الدولي تفرض على المجتمع الدولي سن تشريعات دولية موحدة ,تحديد الجرائم والعقوبات الدولية , وتشكيل محاكم دولية خاصة بالجرائم الدولية المرتكبة عبر شبكة الانترنت. أي تحقيق عولمة القانون الجنائي ونستند في ذلك الى الحجج التالية :
أولاً – إن ترك الحق للنظر في بعض الجرائم الدولية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت الى المحاكم الوطنية للدول يقوض قواعد العدل والمساواة في المجتمع الدولي :
شهد التاريخ الإنساني حالات حصل فيها أن أصدرت بعض الدول أحكاماً مختلفة بجرائم متماثلة , وكذلك أصدرت أحكاما غير متماثلة عن محاكم وطنية لدول مختلفة في جرائم متماثلة , خاصة في مجال معاقبة مرتكبي جرائم الحرب إبان الحرب العالمية الثانية ومثال ذلك ما ورد في مؤلف الدكتور محمد عزيز شكري المدخل الىالقانون الدولي العام :
(( من الأحكام الوطنية المشرفة حكمان صدرا عن مجالس الحرب البلجيكية ، الأول صدر عن مجلس حرب بروكسل على عسكري بلجيكي قتل امرأة في زائير عام 1965 واعتبر فعله غير معقول ولا مبررله لا إنسانياً ولا عسكرياً ولا قانونياً وانه يشكل انتهاكاً صارخاً لقوانين الحرب وعاداتها
والثاني صدر عن مجلس حرب مدينة ليج ضد ستة جنود بلجيكيين عذبوا الأسرى وجاء فيه بأن ما فعلوه يخالف نص الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمحافظة على حقوق الإنسان ومعاملة أسرى الحرب ويعتبر اعتداء خطيراً على الكرامة الإنسانية ))
في حين نجد أن دولة أخرى هي إسرائيل التي فعلت غير ذلك حيث أصدرت محاكمهاأحكاماً وطنية غير مشرفة بحق الجنود والضباط الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم حرب منها ما أصدرته بالحكم على ضابط إسرائيلي اتهم بتعذيب وقتل أربعة من أسرى الحرب خلال اجتياح لبنان في آذار 1978 ولكن الجنرال إيتان رئيس الأركان العامة ألغى الحكم وعفى عنه بكل بساطة, بل اعتبره بطلا وطنيا لارتكابه جرائم الانسانية.
وكذلك الأمر فقد صدرت أحكاماً متناقضة إبان الحرب العالمية الثانية عام 1946
حيث وجهت تهمة لثلاث جنود ألمان قاموا بتزويد العدو بالغاز السام الذي كان يستعمل لقتل أسرى الحرب في المعسكرات الألمانية حيث أصدرت المحاكم البريطانية المختصة الحكم بالإعدام بحق اثنين منهم ونفذ الحكم ، في حين أن محكمة ألمانية نظرت في تهمة مشابهة تماما موجهة إلى مدير شركة كيميائية ألماني الجنسية كان يزود الجيش الألماني بالغاز السام لقتل أسرى الحرب في المعسكرات الألمانية ، فأصدرت هذه المحكمة حكمها بالسجن عليه لمدة خمس سنوات
كما أن التاريخ يشهد أن الضباط والجنود الأمريكان الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق فيتنام وبحق الشعب العراقي , لم ولن يقدموا للمحاكمة , لأنهم من رعايا دولة قوية عظمى لا يستطيع أحد محاكمتهم , وينأى عن تطبيق القانون .ومن ذلك نستخلص الحقائق التالية :
1 ـ إن تطبيق القانون الدولي الجنائي على أفــراد الدول الضعيفة وتجاهل تطبيقه على أفــراد الدول القوية لا يتلاءم مع الاعتبارات العامة للعدل ، لذلك دعى اللورد دينيس كيلش إلى الخضوع الىقواعد القانون الدولي : (( في المجال الدولي أن الجنس البشري يجابه مشكلة خاصة مما يتطلب من بلد كالولايات المتحدة أن تتخلى عن الاستقلال المطلق وتخضع كافة منازعاتها لمحكمة مستقلة ))
2 ـ إن منح الدول ذات العلاقة الحق بمحاكمة أعدائها لارتكابهم جرائم دولية سواء كانت جرائم حرب أو جرائم معلوماتية دولية مرتكبة عبر شبكة الانترنت أمام محاكمها الوطنية ستكون هذه الدول قد جمعت بآن واحد حق الادعاء وحق الاتهام والمحاكمة وإصدار الحكم معاً وهذا ينافي القواعد العامة للقانون الجنائي
3 ـ إن منح الدولة الحق بمحاكمة رعاياها الذين ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم معلوماتية دولية عبر شبكة الأنترنت قد تصدر أحكاماً مخفضة بحقهم لا تتناسب مع جسامة الجرم ، مما يجعل المجرم في منأى عن العقاب وبذلك لا تحقق المحاكمة غرضها المنشود في ردع الجريمة
4 ـ عدم وجود محكمة جنائية دولية مستقلة للنظر في الجرائم المعلومات الدولية يعتبر نقصاً وعيباً في الجهاز القضائي الدولي وينبغي تلافي مثل هذا العيب في هذا المضمار
ثانياً – إن من مقتضيات تحقيق العدل والمساواة على الصعيد الدولي تحقيق عولمة القانون الجنائي الدولي :
حلم الإنسان منذ القديم بوحدة العالم وتعاون شعوبه من أجل تحقيق أمن الإنسان ورفاهيته. لذا سعى الفقهاء ورجال القانون وأصحاب الاختصاص كل في مجاله إلى تحقيق نظام عالمي واحد ، لتنظيم العلاقات بين الدول في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية 000 وهذا ما يسمى حديثاً بمصطلح العولمة , فالعولمة هي السعي لتحقيق أمر أو نشر أمر ما على مستوى العالم , وهي أيضاً إكساب الشيء طابع العالمية وجعل نطاق تطبيقيه عالمياً .
ان التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات آلياً عبر شبكة الانترنت أبرز للوجود جرائم تتصف بالدولية لان أضرارها تلحق بالمجتمع الدولي ككل في أمنه واستقراره ، الأمر الذي فرض واقعاً حياتياً جديداً , يحتم عليه من اجل حماية أمنه وسلمه , أن يحقق عولمة القانون الجنائي الدولي خاصة فيما يتعلق بالجرائم الدولية التي تتجاوز أثارها النطاق المحلي إلى الإقليمي أوالدولي , والتي لا يقف أمامها حد سياسي أو جغرافي ، والتي لا يمكن تحقيق فاعلية في مكافحتها أوالحد منها وكفالة سوق مرتكبها إلى بهو العدالة إلا بتحقيق تعاون قانوني وشرطي وقضائي وفني فعال. وبعبارة واحدة تحقيق عولمة القانون الجنائي .
ومن التطبيقات العملية في هذا الشأن والتي تؤكد ضرورة عولمة التشريع الجنائي الدولي بالنسبة للجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت ,هو أن موقعاً على شبكة الانترنت (YAHoo ) في الولايات المتحدة الأمريكية أعلن البيع بالمزاد العلني لأشياء تعود إلى العهد النازي في ألمانيا ، وهو بطبيعة الحال يظهر أمام الشعب الفرنسي
بموجب التعديل الرابع للدستور الأمريكي لا تعد مثل هذه الأعمال جرما .في حين أن التشريعات الفرنسية تمنع أعمال التفرقة العنصرية لذا يعتبر في نظرها أن هذا الإعلان يشكلتمجيداً للعنصرية النازية فهو ممنوع و معاقب عليه .
هذا الاختلاف في التشريع أحدث إشكالاً في معالجته , لجهة أي من التشريعين الأمريكي أو الفرنسي يطبق عليه، ومن ثم أي من محاكم الدولتين تختص بالنظر فيه المحاكم الوطنية الأمريكية أم الفرنسية.
وإذا نظرت كلتا الدولتين في هذا الفعل فانه سيصدر حكمان متناقضان في جرم واحد .إن الكثير من المشاكل يمكن أن تثور في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الانترنت والتي لن تجدلها حلاً ، ولن يضمن المجتمع الدولي معالجتها إلا بتحقيق عولمة القانون الجنائي الدولي ، وهذا ما نراه مبرراً لتحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي ومحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية أمام محاكم دولية دائمة
لقد أصبح من الثابت أن من مقتضيات استمرار استقرارالحياة على الصعيد الدولي هو تحقيق عولمة القانون الجنائي ، لأن العالم وكما يراه التراث السوري القديم منذ ألاف السنين بلدا واحداحيث قال :
(( أيها الغريب إننا نقطن بلدا واحداً هو العالم وشيء واحد أنبت كل البشر ))
المبحث الخامس ( مؤيدات تفرضها ) ( مبادئ وقواعد القانون الجنائي الدولي )
إن المبادىء العامة التي يقوم عليها القانون الجنائي تقتضي تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي وإجراء محاكمة مرتكبي جرائم معلوماتية دولية أمام محاكم دولية . على غرار محكمة روما 1998 :
أولاً ـ إن تعدد المحاكم الناظرة بالجرائم الدولية يخالف المبادىء العامة القانون الجنائي:
جرى أن القانون الجنائي الدولي خلال بعض المعاهدات والاتفاقيات الدولية قضي أن تتم محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية أمام جهات قضائية ثلاث هي :
1ـ أمام المحاكم الوطنية للدول : حيث تختص المحاكم الوطنية للدول . بالنظر في جرائم تعتبر دولية . مثال ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشر من مؤتمر البحار لعام 1958الذي بموجبه . يجوز لكل دولة حق إلقاء القبض على سفن أو بواخر القرصنة في المياه الحرة ومحاكمة مرتكبي جرائم القرصنة ، والقانون الدولي خول الدول هذا الحق تاركاً أمر محاكمة و تحديد العقوبة ونوعها إلى محاكمها الوطنية ، فالمحكمة الوطنية في هذه الحال تقوم بدور المحكمة الدولية لان القانون الدولي هو الأساس التي ترتكز عليه هذه المحاكمة ومثال ذلك ما جرى في قضية لوتس حيث أيدت محكمة العدل الدولية حق تركيا في تطبيق لقانون الجنائي التركي ضد فرنسيين . وكانت فرنسا قد اعترضت على قرار المحكمة مدعية بأن القانون الدولي لا يسمح لتركيا اتخاذ إجراءات ضد أشخاص أجانب إذا ارتكبوا جرائم خارج الحدود التركية حتى لو كان ضد سفينة تركية
وكذلك ترك القانون الدولي أمر محاكمة مرتكبي جرائم تزوير عملة أجنبية – وجرائم الإضرار بالا سلاك التلغرافية في البحار الى المحاكم الوطنية للدول صاحبة العلاقة .
2 ـ أمام محاكم دولية جنائية خاصة بجريمة محددة : جرى تشكيل محاكم دولية مؤقتة بموجب معاهدات دولية أو بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي .حيث تنتهي صلاحية المحكمة بانتهاء مهمتها ومثال ذلك محكمة لايبرغ و محكمة نورمبرغ التي أنشأت بمعاهدة دولية.و محاكم يوغسلافيا وراو ندا – ومحكمة اغتيال رفيق الحريري التي أنشأت بموجب الصلاحيات الممنوحة لمجس الأمن الدولي
3ـأمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة روما 1998:التي تختص وبشكل دائم بالنظر في محاكمة مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم ضد السلام وجرائم الإبادة الجماعية …
إن استمرار تعدد المحاكم الناظرة في الجرائم الدولية على النحو السالف ذكره
و عدم النص على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الانترنت يخالف قواعد ومبادىءالقانون الجنائي الدولي . إذ أن هذه الحال لا تحققالفاعلية فيمكافحة هذا النوع من الجرائم0 إضافة الى أنهاتخالف مبادئ العدل والمساواة للأسباب التالية :
1 ـإن تقرير اختصاص المحاكم الوطنية للدول وتطبيق قانونها الداخلي على بعض الجرائم الدولية يجعل الجرائم المتماثلة تخضع لتشريعات موضوعية وإجرائية مختلفة حيث نجد بعض الدول تقضي بعقوبة الإعدام في حين أن دولاً أخرى لاتحكم به إطلاقاً
كما أن بعض الدول تعتبر ارتكاب فعل ما يشكل جريمة على حين أن دولاً أخرى لا تعتبره كذلك . الأمر الذي يؤدي إلى تناقض في الأحكام وفق رغبة ومشيئة كل دولة بما يحقق مآربها
2 ـإن رؤية القاضي اذي يطبق أحكام القانون الجنائي الدولي ويعمل ضمنها . تختلف كلياً عن رؤية القاضي الوطني إزاء الجريمة الدولية إذ أن تفسير القاضي الوطني للقانون الدولي ولطبيعة الجريمة الدولية يختلف عن تفسير وتكييف القاضي الدولي لها إذ أن لكل منهم منظوره الخاص
3 ـ إن العديد من التشريعات الوطنية للدول تخلو من النصوص القانونية الجنائية التي تعتبر ما اعتبره المجتمع الدولي جرائم دولية كجرائم التمييز العنصري – الإباحية .
لذا فإن بقاء قواعد الاختصاص على هذا النحو يخالف مبدأ المساواة في العقوبة الذي يقضي بــــأن :
(( تكون العقوبة المقررة في القانون للجريمة واحدة بالنسبة لجميع الناس لا فرق بينهم من حيث مركزهم الاجتماعي أو وصفهم الطبقي )) .
ثانياً – إن الحقوق التي يرتبها المجتمع الدولي للفرد يقابلها إيقاع الجزاء من قبل المجتمع الدولي ذاته إن قام بخرق هذه القواعد :
يقول اللورد دينيس لويد في مؤلفه فكرة القانون ص 373 :
(( لقد ذهب الفقهاء إلى أن الحقوق والواجبات ليست فقط مظهراً من مظاهر النظام القانوني بل إن هذين المفهومين نفسيهما مترابطان ترابطاً منطقياً وبطريقة رئيسية ويقال إن الحقوق والواجبات متصلة ومترابطة أي أنهما وببساطة الطرفان المتقابلان لعلاقة قانونية وان هذه العلاقة الثنائية يجب أن توجد )) .
وعلى ذلك فإن الحقوق التي يرتبها المجتمع الدولي للفرد , والذي يعمل على خلق قواعد قانونية دولية لحماية حياته وحماية أمنه وخصوصيته , يجب أن يقابلها واجب مترتب عليه وهو ألا يشكل مصدراً لخرق هذه القواعد القانونية وان فعل ذلك فإن الحق للمجتمع الدولي ذاته بترتيب الجزاء , ومحاكمته , وإيقاع العقوبة وتنفيذها بحقه, لقاء هذا الخرق والوسيلة الوحيدة الكفيلة لتحقيق ذلك هي محاكمته أمام محكمة جنائية دولية دائمة
الفصل الرابع ( عوائق تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي )
( ومحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية أمام ) ( محاكم جنائية دولية )
إن فكرة تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي تشكل فرعا من فروع القانون الدولي لذلك فان العوائق التي تقف أمام تطور القانون الدولي هي ذاتها التي تقف أمام هذه الفكرة . يضاف لها العوائق المتعلقة بالسمة التكنولوجية لهذه الجرائم من جهة مستلزمات ارتكابها. ومن جهة أخرى مستلزمات الكشف عن مرتكبيها . وبذلك تكون العوائق هي مبدأ السيادة , وعدم وجود الجزاء على صعيد القانون الدولي, والعوائق الناشئة عن الطبيعة التقنية للجرائم المعلوماتية .
المبحث الأول ( العائق الأول ) ( مبــدأ الســــــيادة )
إن أول عائق يقف أمام تطور القانون الجنائي الدولي هو تمسك الدول بسيادتها . وتغليب مصالحها الوطنية على مصالح المجتمع الدولي .
للسيادة التي تتمتع بها الدولة مظهران داخلي وخارجي .
فالمظهر الداخلي فيتجلى في بسط سلطان الدولة على اقليمها ومن فيه بحيث تمارس سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بحرية تامة .
أما المظهر الخارجي يتجلى في سلطة الدولة على تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس من الاستقلال وعدم التدخل بشؤونها .
ولهذه السيادة خصائص هي :
1 ـ السيادة تخص أعلى عنصر في التسلسل الهرمي لنظام الدولة . فهي تمثل السلطة العليا على كافة المجالات السياسية والقانونية .
2 ـ السيادة تمثل السلطة النهائية في اتخاذ القرارات وتحديد اتجاه الدولة وسياستها القانونية . بحيث لا يوجد مرجع للطعن بها .
3 ـ السيادة تمثل سلطة التأثير بحيث يكون لقراراتها التأثير في مجرى الأحداث .
4 ـ السيادة تمثل الاستقلال وعدم التبعية .
فالسيادة هي حرية الدولة في ادارة شؤونها الداخلية والخارجية حيث لا تعلو سلطتها سلطة أخرى . كما ان حرية الدولة على إقليمها وعلى أفرادها قد تتعارض مع متطلبات استقرار الحياة في المجتمع الدولي .
في ظل القانون الدولي التقليدي كان مبدأ السيادة يعتبر عائقا كبيرا أمام تطور القانون الدولي . أما الآن وبعد التطور التكنولوجي والتقني الجديد خاصة في مجال المواصلات والاتصالات .حيث بدأ العالم ينتقل من مرحلة حكم القوة الى حكم القانون . وأمام زيادة متطلبات حسن سير الحياة الدولية في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والفنية والأمنية أصبح من السائغ جدا بل ومن الضروري أن تقبل الدول الخضوع الى قواعد القانون الدولي . وفي هذا الصدد يقول الدكتور بطرس غالي بصفته أمينا عاما للأمم المتحدة بتاريخ 31/1/1992 :
(( ان احترام سيادة الدولة وسلامتها أمر حاسم لتحقيق أي تقدم دولي مشترك . بيد أن زمن السيادة المطلقة الخالصة قد مضى فالنظرية لم تعد تنطبق على الواقع , ومهمة قادة العالم اليوم هي تقديم هذا الأمر وايجاد توازن بين حاجات الحكم الداخلي ومتطلبات عالم يزداد ترابطا يوما بعد يوم , فالاتصالات والأمور البيئية تتعدى الحدود الا دارية .)) .
ومما له علاقة بهذا البحث نستطيع القول ان تفشي الجريمة في العالم ساهم سابقا الى انشاء منظمة الأنتربول .
أما الآن وبعد انتشار جرائم المعلوماتية خاصة تلك التي تتصف بشدة الخطورة بحق المجتمع الدولي . جعل من الضروري أن ينظم المجتمع الدولي نفسه لمكافحتها .وفي هذا المجال قام مجلس أوروبا بابرام المعاهدة المتعلقة بالجرائم السيبيرية بتاريخ 31/11/2001 بغرض توجية الدول الى توحيد النصوص التشريعية الموضوعية والاجرائية وتحقيق التعاون الدولي من أجل تسليم المجرمين وتأمين قنوات اتصال دولية لتبادل المعلومات المتعلقة بالجريمة .
كما أن التطور المعلوماتي القادم الذي لا مناص عنه ,واتجاه الدول الى تكوين الحكومات الالكترونية واعتمادها على شبكة الأنترنت لتبادل المعلومات , يتطلب تعاونا دوليا أكثر تنظيما وتضامنا بحيث لا بد من تنازل الدول عن جزء من سيادتها وحريتها من أجل حياة دولية آمنة ومستقرة .
يقول بيل جيتس في مؤلفه المعلوماتية بعد الأنترنت ( طريق المستقبل ) :
(( الواقع إن كل إنسان على استعداد لتقبل بعض التقييدات في مقابل توافر الاحساس بالأمن )) .
كما سبق وأن قال سيغموند فرويد :
(( الإنسان بادل جزءا من إمكانيات سعادته بنصيب من الأمن )) .
ومثلما كان على الفرد أن يتنازل عن جزء من حريته من أجل أن ينعم بالأمن والسلامة على الصعيد الداخلي للدولة . فانه يجب على الدول أن تتنازل عن جزء من سيادتها مقابل تمتعها بالأمن والسلم الدوليين .
المبحث الثاني ( العائق الثاني ) ( عدم وجود آلية جزاء دولية )
إن عدم وجود آلية جزاء دولية تشكل عائقا حقيقيا وهاما أمام تطور القانون الجنائي الدولي .
إن أي نظام قانوني لا يمكن أن يحقق غايته ما لم يملك آلية جزائية تكفل نفاذه .
فعلى الصعيد الدولي نجد أن الدول الضعيفة تلتزم صاغرة أمام الدول القوية بمقتضيات القانون الدولي . حيث أن هذه الأخيرة لا تفعل ذلك مما يقوض استمرار الحياة الدولية .لذا يجب إيجاد آلية دولية جزائية فعالة تكفل نفاذ القواعد القانونية الدولية بحق الدول القوية والضعيفة على حد سواء .
ان المفهوم التقليدي للقانون الدولي كان عبارة عن قانون يسعى الى تحقيق التعايش السلمي بين الدول فهو يكاد يكون مجرد مجموعة من الأوامر والنواهي والقواعد من طبيعتها ألا تحميها الجزاءات الجبرية .
قبل انشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ( روما عام 1998 ) كان المجتمع الدولي يفتقد الى مثل هذه الآلية . وبالرغم من هذا . وبالرغم من أن الجزاء قد لا يقتصر على انشائها فقط .حيث يلعب الرأي العام الدولي الناتج عن التطور المعاصر للفكر الانساني الذي ساهم في تطوره تقدم وسائل المواصلات والاتصالات , والناتج أيضا عن رسوخ فكرة المصير المشترك للشعوب , دورا هاما كآلية جزاء هامّة في دفع الدول إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي . وبالرغم من خطورة الجرائم المعلوماتية على المجتمع الدولي نجد أنها ما زالت غير محمية بآليات جزاء دولية مما يفوت فرص مكافحتها . ولن تتحقق الفاعلية الكافية في أعمال المكافحة إلا بايجاد آلية دولية تكفل تطبيق العدالة على الصعيد الدولي .
المبحث الثالث ( العائق الثالث ) ( الطبيعة التقنية للجرائم المعلوماتية )
إن الطبيعة التقنية الخاصة للجرائم المعلوماتية .تشكل عائقا أمام تطور القانون الجنائي الدولي . لأنها تحتاج الى خبرات فنية وتعاون دولي لمكافحة الجرائم المعلوماتية وهو ما لا يتوفر في معظم دول العالم .
حيث أن الوسيلة الرئيسية في ارتكاب الجرائم المعلوماتية هي جهاز الكومبيوتر بدعامته المادية التكنولوجية , والمعنوية المكونة من البرامج وقواعد البيانات .
وباعتبار أن عمل المجرم على الكومبيوتريتطلب منه امتلاك المهارات التقنية العالية في المجال المعلوماتي .
وباعتبار أن الجريمة المعلوماتية تتخطى الحدود السياسية والجغرافية حيث تقترف الأفعال الجرمية في دولة وتقع آثارها في دولة أخرى من قبل أفراد قد ينتمون الى جنسيات مختلفة ضد ضحايا أيضا قد ينتمون الى جنسيات أخرى . الأمر الذي يجعل أمر مكافحتها يستلزم تعاونا دوليا بين الدول ذات العلاقة , في المجال الفني والشرطي والأمني والقضائي , كما يستلزم اتفاقا بشأن تسليم المجرمين . ووجود شبكة اتصال لتأمين المعلومات .
إن مثل هذا التعاون يواجه معوقات وصعوبات فنية لا نجدها في الجرائم التقليدية .
يمكن القول إن المعوقات التي تحول دون تحقيق الفعالية المطلوبة هي :
1 ـ اختلاف التشريعات الموضوعية والاجرائية المحلية للدول المتعلقة بالجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت :
إن النصوص القانونية الجزائية التقليدية لا تشمل الجرائم المستحدثة التي يتطلب ارتكابها والكشف عنها تقنيات فنية . لذا يجب سن تشريعات عقابية موضوعية واجرائية تراعي هذه الجوانب . وما يدعو الى ذلك أن معظم دول العالم لا تجرم مثل هذا النوع من الجرائم . اضافة إلى وجود اختلاف بين تشريعات الدول التي جرمت هذه الأفعال . حيث نجد أن تشريعات بعض الدول تعتير بعض الأفعال جرما يستحق العقاب حين لا تعتبرة كذلك تشريعات دول أخرى .وكذلك هي الحال بالنسبة لقواعد الاثبات المتعلقة بالأدلة والمستخرجات الالكترونية وبالنسبة للقواعد الاجرائية والأمنية حيث تسمح بعض الدول بالمراقبة الالكترونية وحفظ المعلومات المتعلقة بالاتصال وتعمل بمبدأ تسليم المجرمين …….. في حين لا تفعل ذلك دول أخرى.
إن هذا التباين يعود الى اختلاف النظم والأيديولوجيات والمعتقدات الدينية والسياسية للدول مما ينعكس على أنظمتها القانونية.
2 ـ مشكلة تنازع الاختصاص :
إن الطبيعة الخاصة للجرائم المعلوماتية التي تتسم بالعالمية الناتجة عن عدم اعترافها بالحدود السياسية والجغرافية للدول , تثير مشكلة تنازع الاختصاص المكاني حيث ينعقد الاختصاص المكاني للفعل الجرمي الواحد إلى محاكم وطنية لدول متعددة ,إذ ينعقد لمحكمة موقع اقتراف الأفعال الجرمية أو لمحاكم وقوع آثارها أو للمحاكم الوطنية التي ينتمي لها الجاني أو المجني عليه . إن حل مشكلة تنازع الاختصاص المكاني والموضوعي لا يمكن حلّه إلا عبر انشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية الدولية الأشد خطورة .
3 ـ معوقات فنية تقنية برمجية :
باعتبار أن من طبيعة الجرائم المعلوماتية اتسامها بسرعة ارتكابها وسرعة اخفاء آثارها الجرمية . وأن الكشف عن مرتكبيها واستخراج الأدلة القانونية الصالحة للإدانة يحتاج الى خبرات فنية تقنية برمجية تكنولوجية عالية .
وباعتبار أن أعمال التحقيق والضبط والتفتيش قد تحتاج الى القيام بذلك في أكثر من دولة لأنه قد يرتكب الفعل في دولة وآثاره الجرمية قد تقع في دولة أخرى مما يستوجب التعاون بين دولتين أو أكثر.
وحيث أن الدول ليست على سوية واحدة من حيث امتلاك الخبرات والمؤهلات اللازمة حيث يكون من العسير على الدول التي لم تدرب كوادرها الوطنية بشكل كاف من القيام باعمال الضبط والتفتيش ,الأمر الذي يفوت الفرصة على المجتمع الدولي لإكتشاف المجرم .
إن هذه الحال تشكل عائقا فنيا أمام المجتمع الدولي لمكافحة هذا النوع من الجرائم .
4 ـ معوقات فنية تتعلق بعدم تأمين شبكة اتصال دولية :
إن من أهم العوامل التي تساعد على كشف الجريمة المعلوماتية وضبط أدلتها في الوقت المناسب , هو توفر الاتصال بين الدول على مدار الساعة والأسبوع من أجل تأمين المعلومات اللازمة قبل اختفاء الأدلة .
وباعتبار أن المجتمع الدولي يعاني من خلافات أيديولوجية ودينية وعقائدية وسياسية وعنصرية واقتصادية الأمر الذي خلق قطيعة وانعدام تعاون فيما بين البعض منها مما أفقده امكانية إنشاء شبكة اتصال خاصة لتأمين المعلومات والبيانات والأدلة في الشكل والوقت المناسبين . مما يشكل عائقا كبيرا يحول دون تحقيق فاعلية في مكافحة هذا النوع من الجرائم .
الفصل الخامس : النتائــج والتوصيــات :
أولا ـ النـتـائـج :
نتيجة للحروب والويلات التي عانت منها البشرية خاصة الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن الماضي . حيث ارتكبت أبشع الجرائم بحق الانسانية . سعى رجال الفقه والقانون الى الحد منها , ومعاقبة مرتكبيها أمام محاكم تحقق المسؤولية الجنائية الشخصية الدولية . وقد تكلل ذلك بإنشاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية روما 1998 .التي يقتصر اختصاصها على الجرائم التالية : جرائم : الحرب ـ الإبادة الجماعية ـ العدوان المسلح ـ ضد الانسانية ـ ضد السلم الدوليين و ذلك على سبيل الحصر .
إن هذا النظام لا يلبي حاجة المجتمع الدولي لمكافحة كافة الجرائم الدولية التي يمكن أن تهديد الأمن والسلم الدولي أوالتي يمكن أن تنتهك الحياة الإنسانية أوالنظام الدولي بشكل عام .
إن بعض الجرائم المعلوماتية التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت , مثل جرائم التمييز العنصري وبعض جرائم الإرهاب الدولي يمكن أن تخلق توترا بين أطراف المجتمع الدولي , مما قد يؤدي الى نشوء حروب اقليمية أو دولية جديدة . كما يمكن أن يؤدي أيضا ارتكاب جرائم اقتصادية إلى تقويض الاقتصاد الوطني لبعض الدول . إضافة الى أن الحرب الالكترونية الجديدة , قد تشل سبل الحياة في الدول لإمكانيتها بتعطيل شبكات المواصلات والمياه والكهرباء والمشافي وأغلب نبض الحياة فيها. خاصة أن الاعتماد على شبكات الكومبيوتر يزداد يوما بعد يوم تطورا وتقنية .
لقد أصبح من الثابت لدى المجتمع الدولي أن بعض الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت قد تشكل ضررا أشد من الضرر الذي قد تلحقه به بعض الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .
ثبت أن التزام الدول بمحاكمة مواطنيها حيال ارتكابهم جرائم معلوماتية ضد دول أخرى قد لا يحقق نفس المصداقية والعدالة حال محاكمتهم لجرائم ارتكبوها داخل اقليمها . كما ثبت أن بعض الدول العظمى قد تمتنع عن تسليم رعاياها . أو تمتنع عن تقديم المساعدة المعلوماتية لكشف الجريمة .
وتأسيسا على هذه الثوابت فانه لا يمكن تحقيق العدالة والمساواة بين الدول الا بمحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية الأشد خطورة أمام محاكمة دولية دائمة . ولن تجري محاكمات دولية عادلة إلا بتحقيق عولمة القانون الجنائي .
ثانيا ـ التوصيات :
أولا ـ على الصعيد السياسي والآيديولوجي والعقائدي :
باعتبار أن تباين النظم القانونية الجزائية للدول يشكل عائقا أمام تطور القانون الدولي خاصة الفرع الجنائي منه المتعلق بالجرائم المعلوماتية . وباعتبار أن سبب هذا التباين يعود الى الاختلاف بينهم من النواحي السياسية والعقائدية والدينية والعرقية والآيديولوجية . لذلك فإن أمر توحيد وتقارب النظم القانونية للدول مرهون بحل الخلافات العالقة بينها لذا نوصي بما يلي :
1 ـ حل المشاكل الدولية العالقة خاصة احتلال أراضي الغير .مع تقرير وجوب مساهمة المجتمع الدولي في حلها بأسرع وقت ممكن وبكافة الوسائل .
2 ـ ايجاد تعريفات دولية لأعمال العدوان والارهاب .
3 ـ تمييز أعمال المقاومة المشروعة والكفاح المسلح للدفاع عن الحقوق المسلوبة ,عن الأعمال الإرهابية العدوانية غير المبررة .
4 ـ عدم اتباع سياسة ازدواجية المعايير والتمييز بين أفراد المجتمع الدولي . الذي يدفع بالدول والجماعات المظلومة الى التطرف لرفع الحيف عنها.
5 ـ عدم تعليق اتخاذ القرارات في مجلس الأمن الدولي أو المنظمات الدولية رهنا بارادة دولة واحدة .
6 ـ اقرار قانون دولي يلزم الدول بترجيح أحكام القانون الدولي على أحكام القانون الوطني وفق نظم وأسس يتفق عليها .
ثانيا ـ على الصعيد الإعلامي والثقافي الدولي :
1 ـ نشر مفهوم التآخي والمساواة بين أفراد المجتمع الدولي على الصعيد الشخصي للأفراد وعلى صعيد الدول .
2 ـ نشر مفهوم المصير المشترك للشعوب . خاصة فيما يتعلق بمكافحة الجرائم والمعلوماتية . كما الأمر في قضايا البيئة والصحة .
3 ـ نشر مفهوم أن تحقيق مصلحة المجتمع الدولي وتقديمها على المصالح الوطنية هو في حقيقته تحقيق للمصالح الوطنية للدول .
4 ـ تعزيز مفهوم تنافس الحضارات في خدمة الإنسان وأمنه ورفاهيته . بدلا من صراع الحضارات .
5 ـ نبذ ومحاربة الأفكار العنصرية والعرقية التي تتبنى أفكار الحقد والكراهية ومعاداة الأجانب. لدى بعض القوميات والأديان والأيديولوجيات .
6 ـ نشر أخلاقيات التعامل مع شبكة الأنترنت .
ثالثا ـ على الصعيد القانوني والإجرائي :
1 ـ اعتماد معاهدة بودابست تاريخ 23/11/2001 الصادرة عن مجلس أوروبا المتعلقة بالجرائم السيبيرية أساسا ومنهجا لتنظيم التشريعات المحلية والعالمية . والعمل على تطويرها بشكل مستمر لتتلائم مع تطور التكنولوجيا ونظم الاتصالات .
2 ـ تحديث التشريعات المحلية الموضوعية والاجرائية بما يتناسب ومصلحة المجتمع الدولي لمكافحة الجرائم المعلوماتية .
3 ـ انشاء شبكة اتصال دولية تعمل بتواضب واستمرار على مدار الساعة والأسبوع لتأمين احتياجات الدول للمعلومات والبيانات والأدلة اللازمة لمكافحة هذه الجرائم .
4 ـ اصدار قانون دولي موحد ومشترك خاص بتنظيم عمل شبكة الأنترنت ومحتواها وتحديد مفاهيمها على مستوى عالمي .
5 ـ تطوير مؤسسة تسليم المجرمين بين الدول .
6 ـ تخصيص قضاء محلي مدرب بشكل جيد . للنظر في جرائم المعلوماتية المحلية.و الدولية الأقل خطورة .
أما بالنسبة للجرائم المعلوماتية الأشد خطورة التي يمكن أن تهدد الأمن والسلم الدوليين .فانه يجب تحقيق عولمة القانون الجنائي بشأنها .
واننا نذهب الى ما ذهب اليه الكثير من رجال الفقه والقانون باتجاه وضع الملامح الأساسية لعولمة القانون الجنائي الدولي وذلك على الشكل التالي :
أولا ـ وضع آلية تشريعية دولية :
تعنى هذه الآلية بسن القوانين الدولية الموضوعية والإجرائية الخاصة بالجرائم المعلوماتية الدولية الأشد خطورة والتي يمكن أن تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي .بحيث يمكن خلال هذه الآلية للمجتمع الدولي تحديد الأفعال الجرمية وتحديد العقوبات المناسبة لها بشكل دائم يتلائم مع تطور الجريمة .
ثانيا ـ وضع آلية قضائية دولية :
تعنى بانشاء محاكم جنائية دولية اقليمية أو قارية خاصة بمحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية عبر شبكة الانترنت الأشد خطورة . بغض النظر عن جنسياتهم أو أعراقهم أو معتقادتهم الدينية أو الآيديولوجية . وفقا للنصوص القانونية التي يتفق عليها المجتمع الدولي بموجب الالية التشريعية . مهمتها تحديد الهيكل القضائي بما يتضمن تحديد عدد القضاة ومؤهلاتهم وتعيينهم وكل ما يتعلق بهذه المحاكم ماليا واداريا وفنيا .
ثالثا ـ وضع آلية تنفيذ دولية :
تعنى بتشكيل آلية تكفل تنفيذ مستلزمات أعمال التحقيق وتبادل المعلومات وتسليم المجرمين وإجراء المحاكمة ومن ثم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة .
إن تحقيق هذه الآليات الثلاث . والتزام أفراد المجتمع الدولي في تنفيذها باخلاص بعيدا عن تأثير قوى الدول العظمى السلبي سيساهم في تحقيق الأمن والسلم الدولي في العالم , وسيحافظ على سلامة النظام الدولي الجديد وسيحد من ارتكاب هذه الجرائم .
إن هذه الآليات يجب أن تحمل في ذاتها امكانيات التجديد والتطوير حتى تواكب الحاجات المستمرة من أجل مكافحة الجرائم المعلوماتية عبر شبكة الأنترنت .
يقول القاضي كردوزو :
(( ان القانون كالمسافر يجب أن يكون مستعدا للغد ))
(( يجب أن يحمل بذرة التطور في ذاته ))
إن قيام المجتمع الدولي بذلك يكون قد وضع لبنة أساسية في بناء الدولة العالمية الواحدة التي تعنى بأمن وسلامة ورفاهية الانسان وسموه .
المصادر
1 ـ د. محمود مرشحة ـ القانون الدولي العام . جامعة حلب .عام 1994.
6 ـ د . محمد المجذوب ـ الوسيط في القانون الدولي العام الدار الجامعية 1999.
7 ـ د.ابراهيم أحمد شلبي ـ التنظيم الدولي الدار الجامعية 1987.
8 ـ د. محمد عزيز شكري ـ المدخل الى القانون الدولي العام جامعة دمشق1982.
9 ـ د. فؤاد ديبب ـ تنازع القوانين جامعة دمشق 1992 .
10 ـ د. علي عبد القادر قهوجي ـ قانون العقوبات القسم العام .
11 ـ د. يونس العزاوي ـ المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي جامعة بغداد1970 .
12 ـ المحامي اللورد لويس دينيس ـ فكرة القانون ـ سلسلة عالم المعرفة الكويت ـ العدد 47 .
13 ـ د. فرانك كيلش ـ ثورة الإنفوميديا ( المعلوماتية وكيف تغير حياتك ) سلسلة عالم المعرفة الكويت العدد .
14 ـ أ . عبد الحميد جودة السحّار ـ الدستور من القرآن الكريم دار مصر للطباعة .
15 ـ وزارة التربية سوريا الثالث الثانوني التاريخ الحديث والمعاصر بحث العولمة .
16 ـ د. سليمان أحمد فضل ـ المواجهة الأمنية والتشريعية لجرائم الأنترنت ـ دار النهضة العربية عام 2007 .
17 ـ مستشار محمد عيد الكعبي ـ الجرائم الناشئة عن الاستخدام غير المشروع لشبكة الأنترنت ـ دار النهضة العربية .
18 ـ د. أيمن عبد الحفيظ ـ الاتجاهات الفنية والأمنية لمواجهة جرائم المعلوماتيةـ 2005 .
19 ـ د. عبد الله حسين علي محمود ــ سرقة المعلومات المخزنة في الحاسب الآلي ـ دار النهضة العربية 2004 .
20 ـ د. أ عبد الله عبدالكريم ـ جرائم المعلوماتية والأنترنت . منشورات الحلبي 2007 .
21 ـ د. عمر محمد بن يونس ـ الاجراءات الجنائية عبر الأنترنت في القانون الأمريكي . دار النهضة العربية 2006.
22 ـ هنري باتيفول ـ ترجمة د. سموحي فوق العادة ـ فلسفة القانون منشورات عويدات 1984 .
23 ـ د. عمر محمد بن يونس ـ الجرائم الناشئة عن استخدام الأنترنت الأحكام الموضوعية والإجرائية ـ دار النهضة العربية 2004.
24 ـ محاضرات القيت في الندوة التي أقامتها وزارة العدل والخارجية الفرنسية في عمان تاريخ 2 ــ 4 نيسان 2007 .
25 ـ المستشار محمد محمد الألفي رئيس المحكمة و نائب رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الأنترنت ـ جرائم الارهاب عبر الأنترنت .
26 ـ مجموعة من المؤلفين ( من موسوعة بلاكويل للفكر السياسي ) ترجمة د. أنطون حمصي ـ قاموس الفكر السياسي الجزء الأول ـ منشورات وزارة الثقافة السورية 1994
27 ـ د. عاطف النقيب ـ النظرية العامة للمسؤولية الناتجة عن الفعل الشخصي ـ منشورات عويدات 1983 .
ومجموعة من الأبحاث المنشورة على مواقع الانترنت .
اترك تعليقاً