اليمين في التشريع المغربي و مجال إعماله في القضايا الأسرية
إعداد: ذ. عبد الرحيم بنيحيى
باحث في العلوم القانونية
خريج ماستر الأسرة في القانون المغربي و المقارن، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية- جامعة ابن زهر أكادير
:مقدمة
أحاط المشرع المغربي وسائل الإثبات بأهمية خاصة، باعتبارها تقوم بدور كبير في حماية حقوق الأشخاص، ويبرز هذا الدور عند المنازعة في هذه الحقوق أمام القضاء، فهي التي تمكنه من القيام بمهمته التي هي تحقيق العدالة وصيانة المجتمع، عن طريق إيصال الحقوق لأربابها وإيقاع العقوبات على مستحقيها، وتعد الوسيلة التي تدفع القاضي إلى أن يصدر حكمه على سبب ما تدل عليه تلك الوسائل وبمقتضى ما تثبته البينات، حيث لا يمكن تصور أن يفصَل في نزاع ما دون تقديم كل طرف ما لديه من حجج ودلائل تثبت ما يدعيه. فالبينة أو الحجة تبقى هي الوسيلة العملية التي يعتمد عليها الأطراف في حماية حقوقهم عند الاعتداء عليها، كما تشكل بالنسبة للقضاء الأداة الضرورية للتأكد من الوقائع القانونية التي أنشأت الحق موضوع النزاع .
ويعد اليمين من بين وسائل لإثبات والتحقيق الوحيدة التي لم يتم التخلي عنه في القوانين الوضعية، من بينها القانون المغربي وذلك في الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود حيث ينص على أن وسائل الإثبات التي يقرها القانون هي الإقرار والحجة الكتابية وشهادة الشهود والقرينة واليمين والنكول عنها، كما أن قانون المسطرة المدنية نظم إجراء اليمين في الفصول من 85 إلى 88 منه التي اعتبرته إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى ينقسم الى نوعين وهما اليمين الحاسمة و اليمين المتممة، حيث صبغها المشرع هنا بطابع إجرائي أكثر من موضوعي يعتمد عليها في جميع المجالات من بينها المجال الأسري الذي أشار المشرع إلى استعمالها كوسيلة إثبات وتحقيق في القضايا الأسرية، وذلك حرصا منه على إعمال مجموعة من إجراءات التحقيق من بينها “اليمين” التي تمثل الجانب الشكلي والإجرائي لوسائل الإثبات المدنية، وتكون غاية المشرع منها التحقيق والإثبات وصيانة الحقوق وتأمينها من الضياع .
وبالتالي فإننا سنقتصر في هذا المقال بحول الله وقوته على دراسة وتحليل إجراء اليمين في قانون المسطرة المدنية، وذلك ببيان ماهيته و أنواعه الاساسية بقدر من التحليل ( المبحث الأول). ثم ننتقل للحديث عن موقع و مجال إجراء اليمين في القضايا الأسرية (المبحث الثاني).
المبحث الأول : اليمين و أنواعه في قانون المسطرة المدنية
نظم المشرع المغربي اليمين في الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود حيث نص عنها كوسيلة للإثبات في القانون، كما أن قانون المسطرة المدنية اعتبره إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى. وذلك كله دون وضع تعريف دقيق لهذا الإجراء ( المطلب الأول) كما نظم المشرع اليمين القضائية بنوعيها الحاسمة والمتممة في الفصول 85 إلى 88 من قانون المسطرة المدنية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : ماهية اليمين
يعتبر اليمين إجراء و وسيلة إثبات درسها الفقه و القانون و القضاء، بكونها تصون الحقوق وتقوم بتأمينها من الضياع.
الفقرة الأولى: التعريف الفقهي لليمين
عرف الفقه اليمين بأنها تصريح يدلي به الحالف، مشهدا الله على قول الحق مع الشعور بهيبة الله والخوف من عقابه في حالة الكذب. كما تم تعريفها بأنها تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله أو صفته: كبالله، وهالله، وآيم الله، وحق الله، والعزيز، وعظمته، وجلاله، وكلامه والقرآن والمصحف.
هكذا فإن اليمين هي عبارة عن تصريح شفوي يدلي به الحالف مستشهدا الله على صدق ما يقول، مع الشعور بخطورة العقاب الإلهي في حالة الحنث، فهي تعتبر عملا إيجابيا. غير أنه للقول بقيام اليمين فإن التصريح المدلى به يتعين أن يكون بالحلف بالله على صدق القول، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا في الحالة التي يكون فيها الشخص الذي يطلب منه الحلف.
الفقرة الثانية: التعريف القانوني و القضائي لليمين
انطلاقا من الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود المغربي نجده ينص على أن وسائل الإثبات التي يقرها القانون هي: 1- إقرار الخصم 2- الحجة الكتابية، 3- شهادة الشهود، 4- القرينة5- اليمين والنكول عنها.
وقد انتقد أحد الفقه النهج الذي اتبعه المشرع المغربي في تنظيمه لليمين في هذا الفصل، حيث رتبها كآخر وسيلة إثبات، وأرجع سبب ذلك إلى أن واضعي قانون الالتزامات والعقود الصادر بداية عهد الحماية الفرنسية قد تعمدوا التقليل من شأن اليمين في الإثبات بسبب مرجعيتها الدينية، معتبرا بكونها تعتبر الدليل الديني الوحيد الذي تم الاحتفاظ به من طرف الدول في قوانينها الوضعية، بما في ذلك الدول العلمانية كفرنسا.
و لذلك فالمشرع المغربي لم يعرف اليمين، بقدر ما أخد في الترتيب المذكور في الفصل 404 من ق ل ع مدى قوة الدليل في إثبات الالتزامات و إثبات البراءة منها، وأشار أحد الباحثين كذلك إلى أن إحالة المشرع المغربي في الفصل 460 من ق ل ع المغربي على الأحكام المتعلقة باليمين في قانون المسطرة المدنية فيه نوع من الغموض، على أساس أن الأحكام الواردة في ق م م لها طابع إجرائي فقط ولا تتضمن قواعد موضوعية، كعبء الإثبات وقوة الدليل، على أساسها يعد اليمين إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، التي تعتبر مرحلة من الدعوى تثار فيها مناقشة الوسائل الواقعية والقانونية المدعمة لكل طلب أو دفع، بحيث يسعى كل خصم إلى إقناع المحكمة بصحة ادعائه أو بعدم صحة ادعاء خصمه، كما يسعى القاضي من خلالها إلى الإلمام بوقائع النزاع والتأكد من مطابقتها للحقيقة تسهيلا لمهمته في الفصل في النزاع.
أما بالنسبة لتعريف القضائي فقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بأنه “ أداء اليمين هو أمر شخصي يتعلق بالضمير الديني، وهي بهذه الصفة لا تجوز فيها النيابة.”
من خلال هذا القرار يتضح أن القضاء اعتبر اليمين عملا دينيا بكل المقاييس، بحيث لا يقتصر الحالف على تأكيد صدق قوله أو وعده ليعتبر حالفا بل لابد ان يقسم بالله على ذلك.
المطلب الثاني: أنواع اليمين
اليمين التي يؤديها الخصوم نوعان : يمين قضائية ويمين غير قضائية.
اليمين غير القضائية تؤدي خارج مجلس القضاء وهي لا تتوفر على أحكام خاصة بحيث يتفق الأطراف على كيفية أدائها وقواعدها ويخضع الاتفاق بشأنها للقواعد العامة .
أما اليمين القضائية فهي التي يتم أدائها في مجلس القضاء، وتنقسم إلى نوعين: اليمين الحاسمة واليمين المتممة، الأولى يوجهها أحد الخصوم للآخر ليحسم بها النزاع، والثانية يوجهها القاضي لأحد الخصمين ليستكمل بها ما نقص من أدلة الإثبات.
لذلك نظم المشرع المغربي اليمين القضائية بنوعيها الحاسمة ( الفقرة الأولى) والمتممة ( الفقرة الثانية) في الفصول 85 إلى 88 من قانون المسطرة المدنية، واعتبرها من بين إجراءات التحقيق في الدعوى .
الفقرة الأولى: اليمين الحاسمة
لم يعرف المشرع المغربي اليمين الحاسمة لذلك ذهب أحد الباحثين إلى اعتبارها طريق يلجأ إليها الطرف عندما يعجز عن الإدلاء بأي دليل لإثبات الحق الذي يدعيه فيوجه إلى خصمه اليمين الحاسمة ويحتكم إلى ضميره، وذلك من أجل وضع حد للنزاع حيث يحسم بشكل نهائي وبات.
لذلك فعندما لا يتوفر الطرف على وسيلة من وسائل الإثبات التي يسمح بها القانون لإثبات الحق الذي يدعيه، ولا يقر له خصمه بصحة ما يدعيه فإنه لا يبقى أمامه إلا اللجوء إلى اليمين الحاسمة باعتبارها من وسائل الإثبات أيضا، احتكاما إلى ضمير خصمه.
وعلى مستوى الاجتهاد القضائي فقد جاء في قررا لمحكمة النقض المغربية على أنه “ حيث أنه بمقتضى الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود فإن اليمين تعتبر وسيلة من وسائل الإثبات، وأنه طبقا للفصل 85 من قانون المسطرة المدنية فإن أحد الأطراف إذا وجه اليمين إلى خصمه لحسم النزاع تعين على هذا الخصم أداء اليمين في الجلسة بحضور الطرف الأخر، أو بعد استدعائه بصفة قانونية، والمفهوم من خلال كل ذلك أن حق توجيه اليمين الحاسمة هو وسيلة من وسائل الإثبات أعطاها المشرع للخصم الذي يعوزه الدليل لإثبات دعواه ولا يقر له خصمه بصحة ما يدعيه، وما على القاضي إلا الاستجابة له متى تأكد له أن هذا الطلب قدم وفق الشروط الشكلية المطلوبة، ولهذا فإن محكمة الاستئناف عندما رفضت طلب توجيه اليمين الحاسمة من الطالب إلى المطلوب لنفي الوفاء بمبلغ الدين المطلوب لمجرد كون المديونية مبنية على سند الدين ولا يجوز مناقضة ما جاء فيه إلا بمكتوب لم تبين قرارها على أساس قانوني.”
كما جاء في قرار أخر لمحكمة النقض على أنه “ حيث إنه لما كانت اليمين الحاسمة حسب نص الفصل 85 من ق م م هي مللك الخصم الذي ابتغى منها إثبات دفوعه المثارة في مواجهة المطلوب، فإن من المسوغ له توجيهها ولو هدف تقويض ما ورد في العقد المبرم بين الطرفين، والقرار الذي استبعدها لعدم إدلاء الطالب بدليل كتابي لدحض مضمون العقد بكون الطالب قد تسلم من المطعون ضده مبلغ عشرين ألف درهم، ولعدم الإدلاء بإثبات بخصوص باقي دفوعه بشأن فسخ العقد اختياريا من الأخير لحصوله على محل أخر، واعتبر بالتالي أن اليمين غير مبررة يكون قد أتى خارقا لأحكام الفصل المذكور وعرضه للنقض “.
وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن للمحكمة أن ترفض طلب توجيه اليمين الحاسمة بعلة أنه لا يمكن إثبات ما يدحض مضمون العقد إلا بدليل كتابي، وهذا معناه أن هذه اليمين يمكن توجيهها في جميع الوقائع ولو تعلق الأمر بتوجيهها لإثبات ما يخالف عقدا مكتوبا.
هكذا فإن الغاية والهدف من التنصيص على اليمين الحاسمة، هي تمكين الطرف من اللجوء إلى ضمير خصمه، عسى أن يهبه الذي فقده أو قصر في اتخاذه، ومن هذا المنطلق سنتحدث عن شروط توجيه اليمين الحاسمة( أولا) و إجراءاتها ( ثانيا) وأثارها( ثالثا).
أولا- شروط توجيه اليمين الحاسمة
إذا كان من حق أي طرف في الدعوى عازه الدليل الذي يثبت الحق الذي يدعيه، أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه لحسم النزاع نهائيا، فإن توجيه اليمين لا يكون على إطلاقه بحيث لابد من توفر مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:
1-اليمين الحاسمة توجه من الخصم إلى الخصم: حيث أن اليمين الحاسمة توجه من الخصم إلى الخصم ولا يحق للمحكمة أن توجهها من تلقاء نفسها، بل لابد من تقديم طلب بتوجيهها من طرف أحد الخصوم، فهي ملك للخصوم لا المحكمة.
2-يتعين أن تتوفر في الخصم الذي يوجه اليمين الحاسمة الأهلية الازمة : من الشروط التي يتعين توفرها في الخصم الذي يريد توجيه اليمين أن يكون متمتعا بأهلية التقاضي، أي بالغا سن الرشد القانوني وغير محجوز عليه لسفه أو جنون أو عته، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة النقض بقوله ” اليمين الحاسمة ملك أطراف النزاع لا ملك المحكمة، فللخصوم وحدهم الحق في توجيهها لحسم النزاع. إذا وجه خصم اليمين الحاسمة لخصمه وأداها هذا الأخير، خرجت تلك الواقعة أو التصرف عن دائرة الإثبات وامتنع على من وجهها الاستدلال بوسيلة إثبات أخرى لنفي مضمونها .”
لذلك يظهر من القرار أعلاه أن اليمين الحاسمة ملك للخصوم لا المحكمة، التي لا يحق لها توجهها إلى أحد الخصمين من تلقاء نفسها .
لذلك فإن الخصم الذي يوجه هذه اليمين لابد أن يكون متمتعا بأهلية التصرف حتى يمكنه أن يردها على موجهها أو ينكل عن أدائها، كما يلزم أن تظل له أهلية التصرف حتى يتم الحلف أو الرد أو النكول، فإن حجر عليه قبل ذلك سقط طلب توجيه اليمين.
كما نشير أنه في حالة توفر أحد الطرفين أو أحدهما على وكيل عهد إليه بمهمة الدفاع عنهما أمام القضاء، فإنه لا بد أن يتوفر على وكالة خاصة بتوجيه اليمين الحاسمة أو بردها، وذلك نظرا لخطورة اليمين الحاسمة وللآثار التي يمكن أن تترتب عليها.
3-يتعين توجيه اليمين الحاسمة في واقعة قانونية: حيث يجب أن يرد توجيه اليمين على واقعة قانونية، لا على مسألة من مسائل القانون، فحكمها في هذا الوجه كحكم الإقرار، فاستخلاص حكم القانون من شأن القاضي لا من شأن الخصوم.
وبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية، لا نجده يتضمن أي نص قانوني يشير إلى عدم جواز توجيه اليمين الحاسمة في مسألة قانونية، وأن توجيهها يكون فقط في وقائع قانونية لا علاقة لها بالقانون، ما دام أن تحديد حكم النص القانوني هو من اختصاص المحكمة، ولا يمكن توجه اليمين بشأن نقطة قانونية عالجها القانون، حيث يلاحظ أن هذا الشرط قد كرسه القضاء معتمدا في ذلك على القواعد العامة التي تقتضي أن توجه اليمين في وقائع مادية رتبت آثار معينة، وليس في مسائل قانونية.
4-عدم مخالفة الواقعة محل أداء اليمين الحاسمة للنظام العام أو للآداب: حيث لا يمكن توجيه اليمين الحاسمة بشأن واقعة مستحيلة استحالة طبيعية، أو واقعة ثبت عكسها بأدلة لا سبيل لدحضها، كما لا يمكن توجيه هذه اليمين في واقعة مخالفة للقانون أو للأخلاق الحميدة أو النظام العام، أو مما لا يسمح القانون بسماع الدعوى فيه أو استهداف التخلص من حكم القانون.
5-أن تكون الواقعة محل أداء اليمين حاسمة للنزاع ومنتجة في الدعوى: حيث يجب توجيه اليمين الحاسمة في أمر يؤدي إلى إنهاء النزاع وحسمه نهائيا، لكون اليمين الحاسمة فاصلة في النزاع. لذا لا يجوز في أمر فرعي لا يؤدي إلى حسم النزاع .
ثانيا- إجراءات توجيه اليمين الحاسمة
1-الصيغة المتطلبة في أداء اليمين : حيث بعد أن يقوم الخصم بتقديم طلبه بتوجيه اليمين الحاسمة، وتأذن له المحكمة بتوجيهها يتعين عليه أن يحدد صيغة هذه اليمين أي مضمون اليمين، ويجب أن تسبق صيغة اليمين بالعبارة الأتية ” أقسم بالله العظيم ” طبقا للفقرة الثانية من الفصل 85 من ق م م الذي ينص على أنه ” يؤدي الطرف اليمين بالعبارة الآتية: “أقسم بالله العظيم” وتسجل المحكمة تأديته لليمين.”
وقد كان في قانون المسطرة المدنية القديم في عهد الحماية لا ينص على القسم بالله العظيم عند أداء اليمين.
2-زمن أداء اليمين: يمكن للخصم أن يوجه اليمين الحاسمة لخصمه في سائر أطوار المسطرة من افتتاحها إلى حين إقفالها، بل من الجائز أن يتقدم بطلبه بعد إقفال باب المرافعة وقبل صدور الحكم، ويتعين على المحكمة في هذه الحالة إخراج القضية من المداولة وتوجه إلى الخصم الآخر اليمين الحاسمة لكن شريطة أن يكون من الجائز قانونا توجيه هذه اليمين.
3-مكان أداء اليمين: أجاز المشرع المغربي للقاضي بمساعدة كاتب الضبط أن ينتقل إلى مكان تواجد الخصم الذي وجهت إليه اليمين الحاسمة، وذلك إذا ما عاق هذا الخصم مانع مشروع وثابت بصفة قانونية يمنعه من الحضور بالجلسة، وذلك طبقا للفقرة الأولى من الفصل 86 التي تنص “ إذا عاق الطرف مانع مشروع وثابت بصفة قانونية أمكن تأدية اليمين أمام قاض، أو هيئة منتدبة للتوجه عنده مساعدا بكاتب الضبط الذي يحرر في هذه الحالة محضرا بالقيام بهذه العملية”
4-تأدية اليمين الحاسمة بحضور الطرف الأخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية وذلك طبقا للفصل 85 من قانون المسطرة المدنية.
5-يتعين على الخصم تأدية اليمين الحاسمة أمام قاضي مساعدا بكاتب الضبط.
6-إصدار القاضي حكما بتوجيه اليمين الحاسمة: لم ينص المشرع المغربي على هذا المعطى صراحة، فإنه باعتبار اليمين الحاسمة من إجراءات التحقيق العادية، يتعين أن يصدر بشأنها حكما قضائيا.
ثالثا- آثار أداء اليمين الحاسمة:
بالنسبة لموجه اليمين الحاسمة يسقط حقه في الاستدلال بأدلة أخرى، فهو يعتبر بمثابة المتنازل عن جميع الأدلة التي قدمها في الدعوى لإثبات الواقعة محل اليمين.
أما إذا وجه القاضي اليمين الحاسمة للخصم بناء على طلب خصمه فإن الخصم يجد نفسه أمام ثلاثة اختيارات:
1- الاختيار الأول: أن ينكل عن حلف اليمين ويترتب عنها خسارة الدعوى، ويكون النكول صريحا كما قد يكون ضمنيا.
2- الاختيار الثاني: أن يرد اليمين حيث يحق للخصم الذي وجهت إليه اليمين أن يردها لخصمه لكي يحلفه بها، فهي بمثابة طلب حلف يمين موجه إلى الخصم. غير أنه لا يجوز ذلك إذا انصبت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين، كواقعة علمه أو عدم علمه بتصرف صدر عن مورثه.
3-الاختيار الثالث: أن يؤدي اليمين وفقا لصيغة المحددة له من طرف المحكمة وبذلك يحسم النزاع لفائدته، ويخسر من يوجه إليه اليمين دعواه أو دفعه.
الفقرة الثانية: اليمين المتممة
عرف الفقه اليمين المتممة بأنها اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لأحد الخصمين، عندما يتبين له أن دليل الخصم الموجهة إليه الخصم غير كاف للفصل في النزاع لصالحه وذلك ليكمل الدليل باليمين، أو تلك اليمين التي يوجهها القاضي ليتمم اقتناعه. كما عرفها البعض الأخر بأنها يمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لأي من الخصمين ليكمل بها اقتناعه إذا كان الدليل المقدم من طرف الخصم الموجهة له غير كاف أو ناقص أو غير مستوف للشروط المطلوبة.
من خلال هذه التعاريف يتضح أن اليمين المتممة توجهها المحكمة ولا يصح توجيهها من قبل الأطراف، كما لا توجه في حالة انعدام الدليل بل لابد من وجود دليل في الدعوى لكنه غير كاف، إضافة إلى ذلك فإن الخصم الذي يوجه له القاضي هذه اليمين لا يمكنه أن يردها على خصمه، بخلاف اليمين الحاسمة.
وبالرجوع إلى الفصل 87 من ق م م، نجده ينص “ إذا اعتبرت المحكمة أن أحد الأطراف لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية أمكن لها تلقائيا أن توجه اليمين إلى هذا الطرف بحكم يبين الوقائع التي ستتلقى اليمين بشأنها.”
يتضح من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي لم يعرف اليمين المتممة، بل الأكثر من ذلك أنه استعمل مصطلح اليمين دون أن يصفها بالمتممة، حيث اكتفى بالإشارة إلى أن المحكمة في الحالة التي يتبين لها ان أحد الأطراف لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية أن توجه تلقائيا اليمين إلى هذا الطرف بحكم تبين فيه الوقائع التي ستلقى اليمين بشأنها.
لذلك فاليمين المتممة يؤمر بها من طرف المحكمة من أجل تكملة حجة أدلى بها أحد الأطراف، وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة النقض على أنه “ اليمين المتممة توجه من طرف المحكمة إذا اعتبرت أن أحد الأطراف لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية.”
هكذا وانطلاقا مما سبق، فإن للمحكمة أن توجه هذه اليمين لأحد الطرفين سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، غير أنه يتعين عليها أن تراعي قبل توجيه هذه اليمين وجوب توافر شرطين أساسيين (أولا) وعند تحققها تقوم المحكمة بمجموعة من الإجراءات (ثانيا) لكي تنتج اليمين المتممة أثارها القانونية (ثالثا).
أولا: شروط توجيه اليمين المتممة
1-أن يكون الدليل المقدم في الدعوى غير كاف، حيث في حالة توفر دليل كامل في النازلة فإن المحكمة تكون ملزمة في هذه الحالة بأن تقضي وفق الدليل المذكور. وقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 02 أبريل 2013 ” أنه بمقتضى الفصل 87 من ق م م، إذا اعتبرت المحكمة أن أحد الأطراف لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية أمكن لها تلقائيا أن توجه اليمين إلى هذا الطرف بحكم يبين الوقائع التي ستلقى اليمين بشأنها.”
2-ألا تكون الدعوى خالية من أية حجة، حيث توجيه اليمين المتممة إلى الخصم يبقى رهينا بوجود دليل غير كاف في الملف المعروض على المحكمة، أما في حالة انعدام أي دليل في الملف، فإن المحكمة تكون ملزمة في هذه الحالة بالبت في القضية على حالتها بحيث يخسر المدعي دعواه، خاصة أمام إنكار المدعى عليه لمزاعم المدعي. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون اليمين المتممة هنا وحدها أساسا للقضاء بالحق للمدعي رغم إنكاره من طرف المدعى عليه.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض أنه ” اليمين المتممة توجه من طرف قضاة الموضوع تلقائيا عندما يقدم الخصم دليلا غير كاف وتؤدي طبقا للشكليات المنصوص عليها في الفصل 87 من ق م م، ولا توجه هذه اليمين عندما تكون الدعوى مجردة من الحجة” .
ثانيا- إجراءات اليمين المتممة
طبقا للفصل 87 من ق م م المغربي، تتبع في اليمين المتممة نفس إجراءات اليمين الحاسمة ، ولكن من خلالها سنبين بعض الفروق والملاحظات في بعض الإجراءات.
1-إصدار حكم تمهيدي بتوجيه اليمين المتممة، الذي يتضمن الوقائع ستتلقى اليمين بشأنها، كما يتضح ذلك من خلال الفصل 87 من ق م م.
ولكن الملاحظ هو أنه إذا كان الفصل 87 قد نص على أن توجيه اليمين المتممة يكون بواسطة حكم، فإن الملاحظ على هذا الفصل لم يحدد طبيعة هذا الحكم هل هو حكم تمهيدي أم حكم فاصل في الموضوع. حيث أجاب قرار صادر عن محكمة النقض عن هذا الإشكال بقوله ” تعتبر اليمين المتممة إجراء من إجراءات التحقيق، ويعتبر الحكم الصادر بشأنها حكما تمهيديا لا يقبل الطعن إلا مع الحكم في الموضوع” .
2-تحديد صيغة اليمين المتممة، حيث لم يشر المشرع إلى الصيغة التي تؤدي بها اليمين المتممة، حيث اقتصرت الفقرة الثانية من الفصل 87 من ق م م على أن اليمين المتممة تؤدي وفق الشكليات والشروط المنصوص عليها بالنسبة لليمين الحاسمة، وهي القسم بالله العظيم، والملاحظ هنا أن المشرع لم يشر إلى الصيغة التي تؤدي بها اليمين المتممة، وإن ما جرى به العمل القضائي هنا هو أن الحلف يكون بالصيغة المذكورة في الفصل 85 من ق م م، على أساس أن الحلف يكون دائما بالله ولا يمكن أن يكون بشيء غيره.
ثالثا- آثار اليمين المتممة
1-إذا وجه القاضي اليمين المتممة إلى الخصم حق لهذا الأخير أن ينكل عن أدائها وأن يؤذيها، على أنه لا يحق له أن يردها. لأن القاضي هو الذي وجهها له لا الخصم فالعلاقة تربط هنا بين القاضي ومن وجهت له اليمين لا بين الخصمين.
2-إذا أنكل الخصم عن أداء اليمين المتممة فإن ذلك لا يعني أن الخصم سيتعرض لا محال لخسارة دعواه أو دفعه، على خلاف الأمر بالنسبة لليمين الحاسمة إذ من الممكن أن يعيد القاضي تقدير الأدلة من جديد ويحكم لفائدته، أو أن يقرر توجيه اليمين المتممة إلى الخصم الآخر .
ويتضح مما سبق عموما أن المشرع المغربي لم يعطي أهمية لليمين بشكل عام، خاصة أنه تطرق لها في أربعة فصول فقط (من فصل 85 إلى 88)، ولم يليها العناية التي تستحقها من أهم وسائل الإثبات.
المبحث الثاني: مجال إعمال إجراءات أداء اليمين في القضايا الأسرية.
يعتبر اليمين من بين الوسائل والإجراءات ذات الاستعمال الواسع في مدونة الأسرة لسنة 2004 من إخلال إعماله في كثير من القضايا الأسرية ومنها إثبات الزوجية و الضرر ( المطلب الأول) و كذا في حالتي الحجر والنزاع حول أمتعة بيت الزوجية ( المطلب الثاني)
المطلب الأول: إثبات الزوجية و الضرر باليمين
يعد اليمين طريقا من طرق الإثبات، يتم اللجوء إليها في حالة عدم كفاية وسائل الإثبات المحددة قانونا، حيث يمكن الاعتماد عليها لإثبات الزوجية ( الفقرة الأولى)، كما أخذ المشرع ضمنيا بها كوسيلة لإثبات الضرر الحاصل للزوجة ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إثبات الزوجية باليمين
حيث أن المشرع المغربي نص صراحة على اعتماد سائر وسائل الإثبات في إثبات الزوجية، وذلك بنص الفقرة الثانية من المادة 16 من مدونة الأسرة على أنه “ إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة.”
لذلك فمن بين وسائل الإثبات التي يمكن الاعتماد عليها هنا “اليمين” لإثبات الزوجية، وهذا ما أكد عليه قرار صادر عن محكمة النقض بقوله ” ثبوت الزوجية- اعتماد سائر وسائل الإثبات- يكون قرار المحكمة صائب فيما اعتمدت في دعوى ثبوت الزوجية على سائر وسائل الإثبات المنصوص عليها في المادة 16 من مدونة الأسرة..”
و بالرجوع إلى الفقه المالكي الذين لا يشترطون لسماع دعوى الزوجية يمين المدعي أو المدعى عليه، إذ أن غياب البينة عند التنازع لا يجيز سماعها ولو مع تحليف المدعيين. حيث جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك ” أرأيت المرأة تدعي على الرجل النكاح أو الرجل يدعي على المرأة النكاح، هل يحلف كل واحد منهما لصاحبه إذا أنكر ( قال) لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا أرى أن يحلف على هذا ” .
وأكد أحد الفقه أنه “ الدعاوى التي لا تثبت إلا بشاهدين كالنكاح، والقتل العمد، والطلاق لا تجب يمين الإنكار فيها على المدعَى عليه المنكر إذا عجز المدعي عن إثبات دعواه، لأن فائدة يمين الإنكار أنه إن نكل المدعى عليه عنها حكم عليه بما طلبه المدعي إما بمجرد نكوله، أو بعد يمين المدعي، وهذا لا يتأَتَّى في الدعاوى التي تثبت بعدلين. فلو فرضنا أن المدعي عجز عن إثبات دعواه ووجهنا يمين الإنكار على المدعَى عليه فنكل عنها، فإن نكوله هذا لا تثبت به دعوى المدعي ولو انضم إلى هذا النكول يمين المدعي، لأن تلك الدعوى لا تثبت إلا بعدلين لا بشاهد عرفي ويمين. “
لذلك فاستبعاد الحلف هنا مبني على قاعدة معروفة في الفقه المالكي وهي أن كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها ولا ترد كنكاح.
ولقد اختلف الأحناف كذلك في الأخذ باليمين في حالة النكول، فالبعض منهم فقط من قال بضرورة تحليف المنكر في ذلك، حيث جاء في بعض الفتاوى إذا تزوج رجل امرأة بشهادة شاهدين فأنكرت المرأة وتزوجت غيره ومات الشهود، فليس لزوج أن يستحلف المرأة في قولها لأن الاستحلاف شرع لحل النكول ولو أقرت المرأة بنكاح الأول لا يصح إقرارها على الزوج الثاني، فلا تستحلف لكن ستحلف الزوج الثاني، فإن حلف انقطعت الخصومة، وإن نكل الزوج الثاني صار مقرا الأول فحينئذٍ تستحلف المرأة فإن حلفت لا يثبت نكاح الأول وإن نكلت بها للأول .
وقد أخد الفقه المالكي باليمين مع الشاهد في حالة وفاة أحد الزوجين، لكن للإرث فقط ذلك أن المرأة إذا أقامت شاهدا على ميت بنكاح حلفت معه، أي مع إقامة شاهدها على النكاح لا على الإقرار به ومثله المرأتان (وورثت) عند ابن القاسم لأنها بعد الموت لا يكون لها غير المال فآلت الدعوى إلى مال /و لا صداق لها لأن الصداق من أحكام الحياة ولأن الإرث يتسبب على الزوجية بخلاف الصداق لا يتسبب إلا على الزوجية وأيضا الحياة .
كما ذهب بعض المالكية ومنهم سحنون إلى القول بلزوم توجيه اليمين للزوجين الطارئين.
و بالرجوع إلى التشريع المغربي نجده فتح المجال أمام المحكمة لاستعانة بجميع وسائل الإثبات والقواعد العامة لإثبات الزوجية، هذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالجديدة بتاريخ 18\7\2006 بأنه ” أن الأصل في قيام العلاقة الزوجية هو عقد الزواج غير أن تمة حالات يتعذر فيها عقد الزواج في حينه، لأسباب وظروف قاهرة تحول دون ذلك، وفي هذه الحالة تجري المحكمة بحثا تستقصي بموجبه الظروف المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية معتمدة في ذلك سائر وسائل الإثبات بما فيها الاستماع إلى الشهود.. ”
من خلال هذا القرار يمكن الاستخلاص أن الشهود لا يمكن الاستماع اليهم من طرف المحكمة إلا بعد أدائهم اليمين القانونية على ذلك، حيث من خلال إعمال اليمين يمكن للمدعي أن يطالب بتوجيه اليمين إلى المدعى عليه في الحالة التي يعجز فيها عن تقديم أي إثبات لقيام الزوجية حتى إذا نكل الطرف الآخر عن أداء اليمين، يمكن أن يقوم هذا النكول قرينة على صحة ادعائه .
الفقرة الثانية: إثبات الضرر باليمين
طالما أن المشرع قد فتح المجال أمام إثبات الضرر بجميع وسائل الإثبات طبقا للمادة 100 من مدونة الأسرة التي تنص في الفقرة الأولى على أنه ” تثبت وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود، الذين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة” فإنه من الطبيعي أن يندرج اليمين ضمن هذه الوسائل والتي نص عليها المشرع في الفصل 404 من ق ل ع.
لذلك فالمشرع أخذ ضمنيا باليمين كوسيلة لإثبات الضرر الحاصل للزوجة، وهو ما سارت عليه بعض التشريعات العربية المقارنة ، حيث أن القاضي بخصوص اليمين الحاسمة عندما تدعي الزوجة إضرارا زوجها بها وليست لها بينة، فالمحكمة تأمرها بأداء اليمين بأنه يضر بها وأن الضرر الذي لحق بها أصبحت معه الحياة الزوجية مستحيلة الاستمرار فعندما تؤدي اليمين توجهها المحكمة كذلك للزوج. حيث نكون هنا أمام حالتين، الحالة الأولى امتناع الزوج عن أداء اليمين التي وجهها له القاضي وهو بمثابة دليل على صحة ما تدعيه الزوجة، ويحكم القاضي من خلالها وفقا لطلب الزوجة، أما الحالة الثانية تكمن في أداء الزوجة اليمين وأداء الزوج كذلك لها، ويقوم القاضي بالبحث على بدائل أخرى ليتمم قناعاته ويؤسس عليها حكمه، أما بخصوص اليمين المتممة التي يتم توجيهها من طرف المحكمة جوازا إلى الزوجة لكي تتمم قناعاتها، ويحكم وفقا لطلبها، كما لو ادعت الزوجة إضرار زوجها بها، وعمدت لإثبات ذلك بشهادة شاهد واحد، فبعدما تسمع له المحكمة في غرفة المشورة يمكن لأجل تتميم قناعاتها أن تأمر الزوجة بأداء اليمين المتممة، حيث بمجرد أدائها يحكم وفقا لطلبها.
لذلك يعتبر اليمين ” المتممة والحاسمة” من أهم أدلة الإثبات التي نص عليها القانون، بل هي صمام الأمان الأخير الذي تلجأ إليه الزوجة حين تعجز عن إثبات دعواها والضرر ألاحق بها من طرف الزوج، وذلك بالنظر لما تحمله اليمين من معنى ديني تعبدي يعتمد على ضمير الشخص وديانته، ويكون حلا أخيرا يركن إليه الطرف عندما لا يكون لديه ما يثبت صحة ما يدعيه، وهذا ما يظهر حين جعل المشرع اليمين في الرتبة الأخيرة من وسائل الإثبات التي يقرها القانون في الفصل 404 من ق. ل. ع.
المطلب الثاني: تطبيقات اليمين في حالتي الحجر والنزاع حول أمتعة بيت الزوجية
يعتبر اليمين من الأدلة الشرعية التي نص عليها القانون، التي قد تلجأ إليها المحكمة لإقرار الحجر ورفعه (الفقرة الأولى)، كما تعد اليمين الركيزة الأساسية للإثبات القضائي التي تعتمد عليها المحكمة في حالة نزاع الزوجين حول متاع بيت الزوجية (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: تطبيقات اليمين في إقرار الحجر و رفعه
يعتبر الحجر إجراء يهدف أساسا إلى حماية عديمي الأهلية وناقصيها وصيانة حقوقهم والحفاظ عليها من التبدير والضياع، ويتوجب على من يريد توقيع الحجر أو رفعه إثبات ذلك أمام القضاء بكافة وسائل الإثبات الشرعية وفق الإجراءات التي حددتها مدونة الأسرة.
وانطلاقا من المادة 222 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه “ تعتمد المحكمة في إقرار الحجر ورفعه على خبرة طبية وسائر وسائل الإثبات الشرعية” يظهر ان المشرع فتح المجال لإقرار الحجر ورفعه بخبرة طبية وسائر وسائل الإثبات الشرعية التي نص عليها المشرع في المادة المدنية سواء الواردة في قانون الالتزامات والعقود، أو في قانون المسطرة المدنية ، والتي يندرج من خلالها اليمين كوسيلة من وسائل الإثبات الشرعية وكإجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، التي يمكن الاعتماد عليها بالنظر إلى جسامة ما يترتب عن إقرار صفة من صفات الحجر كالجنون أو العته أو السفه على شخص ما، حيث للمحكمة دراسة الحالة من جميع مكوناتها وذلك للأخذ بوسائل الإثبات منها اليمين حتى يتأكد لها الأمر فيصدر الحكم حسب ما توفر لديها من الأدلة المادية .
لذلك فاليمين هنا يعد من أدلة الإثبات الشرعية التي نص عليها القانون، التي قد تلجأ إليها المحكمة لإقرار الحجر ورفعه، والرأي في اعتقادي أن اليمين يعد الوسيلة الأخيرة التي قد تلجأ إليها المحكمة في هذا الباب وفقا لترتيب المعمول به في الفصل 404 من ق. ل. ع.
كما نص المشرع في المادة 223 من مدونة الأسرة بأنه “ يشهر الحكم الصادر بالحجر أو برفعه بالوسائل التي تراها المحكمة مناسبة” حيث قرار المشرع من خلال هذه المادة أن الحكم بالتحجير أو برفعه ينبغي أن يشهر حتى يعلم الغير بذلك ليكون على بينة من الوضعية القانونية للمعني بالأمر عند إرادة التعاقد معه، وتحديد وسائل إشهار هذا الحكم أسندها القانون إلى المحكمة التي عليها أن تحددها حسب أهمية كل قضية، فقد يكتفي بتعليق الحكم في لوحة المحكمة، وقد يعلق في أماكن متعددة وينشر في الجرائد وغير ذلك من وسائل الإشهار .
الفقرة الثانية: تطبيقات اليمين في حالة النزاع حول أمتعة بيت الزوجية
طبقا للمادة 34 من مدونة الأسرة التي تنص في فقرتها الثانية على أنه” إذا وقع نزاع في باقي الأمتعة، فالفصل فيه يخضع للقواعد العامة للإثبات.”
تعرضت هذه المادة لأثاث المنزل واعتبرت أن كل ما تحمله الزوجة من جهاز وفراش من بيت الزوجية ملك خالص لها، أما باقي أمتعة بيت الزوجية فالفصل فيه إن وقع نزاع حول ملكيتها يرد إلى القواعد العامة للإثبات، أما في الحالة التي لا يتوفر فيها الزوجان معا على بينة الإثبات لهذه الأمتعة فلا يخلوا الأمر من ثلاث حالات:
-فإن كانت هذه الأمتعة من المعتاد للرجال فيستحقها الزوج بعد أدائه اليمين .
-وإذا كانت من المعتاد للنساء فتستحقها الزوجة بيمينها.
أما إذا كانت هذه الأمتعة من المعتاد للرجال والنساء معا، فيحلفان ويقتسمانها بالتساوي.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بأنه “ إن مجال تطبيق الفصل 34 من مدونة الأحوال الشخصية ( المادة 34 من مدونة الأسرة) يجعل اليمين عند عدم قيام الحجة على الزوجة عند النزاع في متاع بيت – في المعتاد للنساء- هو إذا كان المتاع موجودا فعلا في البيت، وما دام أن الزوج ينكر وجوده واستلائه عليه، ولم تثبت المدعية ذلك فغن الواجب هو تطبيق القاعدة العامة – البينة على المدعي واليمين على من أنكر.”
كما جاء في قرار آخر صادر عن محكمة النقض بأنه ” القاعدة الفقهية تقضي بأن الزوج الذي لم يضمن شوار زوجته ويدفع بأنها قد أخدت، لا يلزم إلا بأداء اليمين في حالة إنكاره، والمحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما قضت على الزوج بتمكين مطلقتها من أمتعتها أو أداء قيمتها رغم أنه أكد بأنها أخذتها لما غادرت بيت الزوجية، تكون قد خرقت القاعدة الفقهية المذكورة”
هكذا يعد اليمين في إطار المادة 34 الركيزة الأساسية للإثبات القضائي لما تحمله من معنى تعبدي ديني، كما تعتبر من بين وسائل الإثبات التي تعتمد عليها المحكمة في حالة لا يتوفر فيها الزوجان معا على بينة الإثبات.
وخلاصة لما سبق يعتبر اليمين من بين الوسائل ذات الاستعمال الواسع في مدونة الأسرة، التي تتميز بخصوصياتها في ميدان المنازعات الأسرية عن تلك التي نظمها المشرع في قانون المسطرة المدنية، حيث أن اليمين في قضايا الأسرة وإن كانت تحسم النزاع وتقيد المحكمة من حيث آثارها وتلزم بالحكم بمقتضاها، فهي ليست بيمين حاسمة لأنها توجه تلقائيا من طرف المحكمة ولا يوجهها أحد المتخاصمين للآخر، وأيضا لا هي بيمين متممة لأنها لا توجه تكملة لدليل ناقص ،و إنما توجه تكملة للنصاب الشرعي فهي يمين شرعية تلجأ إليها المحكمة إذا كانت بيمين إنكار.
خاتمة:
حاولنا على امتداد صفحات هذه الدراسة المتواضعة معالجة إجراء اليمين في التشريع المغربي وذلك ببيان ماهيته و أنواعه الأساسية بقدر من التحليل و الدراسة قانونيا و فقهيا و قضائيا كما أبرزنا مجال إعمال اليمين في القضايا الأسرية وفق ما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة المغربية و العمل القضائي، ومنها استخلصنا مجوعة من الخلاصات و الاقتراحات .
أولا: خلاصات
-اليمين تشكل وسيلة إثبات غير مادية تعتمد على الوازع الديني للخصم الموجهة إليه، وذلك بهدف الفصل في النزاع المطروح على القضاء حين انعدام وسائل الإثبات المادية، كما أنها تحل محل الإثبات بالكتابة أو الشهادة عند انعدامها،
-تعد اليمين الحاسمة وسيلة إثبات ذات أهمية بالغة بالنسبة للطرف الذي لا دليل له، أما اليمين المتممة تعد طريقة من طرق الإثبات التي تستكمل بها المحكمة دليلا غير كاف وبناء قناعتها وترجح بين الأدلة وتزيل بها الشك و الريبة.
-كما استخلصنا أن المشرع لم يعطي لليمين الاهتمام الذي تستحقه مقارنة بباقي وسائل الإثبات الأخرى.
-يعتبر اليمين من بين الوسائل ذات الاستعمال الواسع في مدونة الأسرة، من إخلال إعماله في كثير من القضايا الأسرية، منها إثبات الزوجية و الضرر و الحجر والنزاع حول أمتعة بيت الزوجية .
ثانيا: اقتراحات
– نقترح وضع تعريف دقيق ومحدد لليمين بنوعيها الحاسمة و المتممة.
– نقترح ضرورة الرفع من شأن إجراء لليمين نظرا لمرجعيتها الدينية، حيث رتبها المشرع كآخر وسيلة إثبات في الفصل 404 من ق ل ع.
– تقييد شروط الاستعانة باليمين في المنازعات الأسرية وعدم جعلها مطلقة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً