الترحال السياسي وأثره على الانتداب الانتخابي في التشريع والقضاء
مصطفى بن شريف دكتور في الحقوق، محامي بهيئة وجدة
تم إعادة النشر بواسطة محتمتة نت
الترحال السياسي –La transhumance ou le nomadisme politique ليس هو الانشقاق الحزبي أو الاستقالة أو الإقالة، بل هو تعبير صريح عن مغادرة طوعية و إرادية لحزب سياسي، من طرف شخص عضوا فيه، سبق أن ترشح باسمه في استحقاقات انتخابية، و أعلن لاحقا الانتقال إلى حزب آخر، أو من فريق إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى، مما تتحقق معه واقعة التخلي الإرادي عن الانتماء السياسي للحزب الذي ترشح باسمه.
الترحال السياسي، ممارسة سياسية، وتعبير عن سلوك ينم على تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، و إخلال بالمبادئ و بالأطروحة السياسية للحزب و بضوابطه التنظيمية، الذي كان ينتمي إليه الشخص الرحالة transhumant ou le nomade le، قبل أن يقرر الانتقال إلى حزب سياسي آخر. فالترحال السياسي، هو سلوك سياسي، ينتج إما بسبب غياب الديمقراطية الداخلية في الأحزاب، و إما بسبب انحراف قياداتها أو عدم استقلاليتها، و إما بسبب طبيعة الشخص أو الأشخاص الذين مارسوا الترحال، أو أن السلطة أو الأغلبية ترتضي وتحبذ هذا السلوك، مما تترتب عنه مشاكل أخلاقية، و معنوية و قانونية، و سياسية، تتعارض مع المبادئ و القواعد التي يجب أن تستند إليها الديمقراطية التمثيلي التي يجب أن تحكم الحياة السياسية للاحزاب، و التي من ركائزها الدفاع عن مصالح الكتلة الناخبة، و عن المصلحة العامة.
إن ظاهرة الترحال السياسي، و إن كانت خاصية و سمت العديد من النظم السياسية و بصيغ و أشكال مختلفة، إلا انه بالنسبة للحياة السياسية في المغرب، فالظاهرة عرفها منذ أول انتخابات تشريعية التي كانت في سنة 1963. و استمرت الظاهرة وبشكل ممنهج، لتمتد إلى سائر الاستحقاقات الانتخابية التي نظمها المغرب، لتشمل الانتخابات التشريعية و الجماعية و الجهوية و المهنية، و هو ما دفع بعض الأحزاب السياسية إلى التنديد بالظاهرة، لما لها من انعكاسات سلبية على الحياة السياسية، و على مستقبل بناء الديمقراطية في المغرب. الأمر الذي أحرج السلطة السياسية، و دفعها إلى محاولة محاصرة الظاهرة، و ذلك عبر تدابير و إجراءات قانونية، تم تقريرها في قانون الأحزاب لأول مرة، قبل أن تتم دسترة المبدأ في دستور 2011[1] ، و التنصيص عليه في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية رقم 11.29، و كذا في النظامين الداخليين، والقانونين التنظيميين لمجلسي البرلمان، و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية .
لقد أقر المشرع المغربي (الدستور و القانون) بأن الترحال السياسي خلال فترة الانتداب الانتخابي لا يترتب عنه عقوبات مالية فقط كما كان الحال مع قانون الأحزاب السياسية[2] لسنة 2006، بل أصبح حاليا ينتج عنه التجريد من العضوية في مجلسي البرلمان، و في مجالس الجماعات الترابية، و في الغرف المهنية.
و هو الوضع الذي عاينه القضاء الدستوري و أدلى بموقفه منه، و كذلك القضاء الإداري، الذي مارس رقابته عليه بشكل متواتر، و كلاهما اعتبرا أن الترحال السياسي هو عمل لا يتوافق و المبادئ الدستورية و القانونية المؤطرة للانتخابات و الحياة الحزبية و السياسية. علما أن اختصاص القضاء الدستوري في المادة الانتخابية، ينحصر في رقابة انتخابات أعضاء مجلسي البرلمان، في حين أن القضاء الإداري يبسط سلطة رقابته على المنازعات الانتخابية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية[3]. وبصفة استثنائية تبقى المحاكم الابتدائية مختصة بالنظر في المنازعات المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية والترشيحات بصفة عامة[4] .
و بناء عليه سنتناول الموضوع من خلال المحاور التالية:
الترحال السياسي في الدساتير المغربية ( المطلب الأول).
الترحال السياسي في القوانين التنظيمية ( المطلب الثاني).
الترحال السياسي في العمل القضائي ( المطلب الثالث).
المطلب الأول: الترحال السياسي في الدساتير المغربية:
لقد أقر المشرع الدستوري مبدأ التعددية السياسية منذ دستور 1962، و هو ما يعني بأنه لم يسمح العمل بنظام الحزب الوحيد، مما فتح الباب للنخب السياسية، تأسيس العديد من الأحزاب السياسية، ابتداء من سنة 1959، منها من اعتمد المرجعية الاشتراكية، و منها من تبني المذهب الليبرالي، دون تقييد لحرية الانتماء، و دون ترتيب جزاءات على الانتقال من حزب سياسي إلى آخر، أو من فريق إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى. و هو الاختيار الذي وسم الدساتير المغربية منذ دستور 1962 إلى غاية دستور 1996، ( الفقرة الأولى)، خلافا للاتجاه الذي سيطبع دستور 2011، الذي دستر و لأول مرة عدم جواز الترحال السياسي في حدود معينة، وبشكل لا يبعث على أن الدولة ماضية إلى القطع مع سياسة التحكم في الحياة الحزبية والسياسية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الترحال السياسي في دساتير 1962 و 1970و 1972 و 1992 و 1996:
إن الدساتير المذكورة أقرت جميعها مبدأي حرية الانخراط في الأحزاب السياسية و حرية الاختيار السياسي و الإيديولوجي، دون تقييد لحرية الانتقال من حزب سياسي إلى آخر، و دون ترتيب لآثار أو جزاءات على ذلك، سواء كانت زجرية أو سياسية (انتدابية).
و يؤخذ من مقتضيات الدساتير أعلاه، أنها لم تتضمن ضمن فصولها أية مقتضيات سواء كانت ضمنية أو صريحة، تقضي بعدم جواز الترحال السياسي و منعه، مما ترك الباب مفتوحا أمام منخرطي الأحزاب السياسية الانتقال من حزب إلى آخر، لأن الفصل 9 من دستور 1996 نص صراحة على ضمان الحرية لجميع المواطنات و المواطنين، و على حرية تأسيس الجمعيات، و على حرية الانخراط في أية منظمة سياسية أو نقابية، و شدد الفصل المذكور، على أنه لا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون.
و سعيا لترشيد الحياة السياسية وتأهيلها، عمد مجلس المستشارين في سنة 1998، إلى إقرار نظامه الداخلي، الذي تضمن مبدأ ينص صراحة على منع ترحال المستشارين خلال مدة الانتداب الانتخابي. لكن و بالنظر إلى كون النظام الداخلي لمجلس المستشارين يعرض وجوبا على المجلس الدستوري لممارسة الرقابة الدستورية عليه، أي معاينة مدى مطابقة أحكام النظام الداخلي لمجلس المستشارين مع مقتضيات الدستور من عدمه، و بناء عليه، صرح المجلس الدستوري بعدم دستورية المقتضى المذكور، لكونه يقيد حرية الانتماء السياسي الذي يتعارض و أحكام الفصل 9 من الدستور، وجاء في القرار بأنه ”
حيث إن ما تضمنته المادة 42 في فقرتها الأولى ، من أن لأعضاء مجلس المستشارين أن يكونوا فرقا حسب انتماءاتهم السياسية أو النقابية هو في جوهره عَينُ ما كانت نصت عليه المادة 44 من النظام الداخلي لمجلس النواب الموافق عليه في 18 جمادى الثانية 1415 (22 نوفمبر 1994) من أن للنواب أن يكونوا فرقا انطلاقا من الأحزاب الممثلة فيه وسبق للمجلس الدستوري أن صرح بمقتضى قراره رقم 95/52 الصادر في فاتح شعبان 1415 (3 يناير 1995) بأنه غير مطابق للدستور بعلة أن النواب ـ بصفة كونهم يستمدون نيابتهم من الأمة كما ينص على ذلك الفصل 36 من الدستور ـ يتمتعون بكامل الاستقلال وحرية الاختيار ، ويشمل ذلك حق تكوين فرق فيما بينهم ، سواء كانوا منتمين إلى أحزاب أو غير منتمين إليها ؛
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 42 تنطوي ، والحالة ما ذكر ، على إهدار للحجية التي تكتسيها قرارات المجلس الدستوري بمقتضى الفصل 81 من الدستور وتعتبر لذلك غير مطابق لأحكامه.[5]”
و يستخلص من دساتير 1962 و 1970 1972 و 1992 و 1996، أنها لم تتضمن أي مقتضى قد يفهم منه، أنه يحظر الترحال السياسي، بل أنها (أي الدساتير) أجازت ذلك، و اعتبرته بأنه يندرج ضمن حرية الانخراط في الأحزاب السياسية وفي النقابات والانتماء إليها، و التي هي من مقومات حرية الرأي، لا يمكن تقييدها إلا بمقتضى قانون، و شريطة عدم تعارضه مع مقتضيات الدستور.
الفقرة الثانية: الترحال السياسي في دستور 2011.
تبعا للجدل القانوني و السياسي الذي ميز مناقشة النظام الداخلي لمجلس المستشارين في سنة 1998، و كذا قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، ذات الصلة بالترحال السياسي، و مدى جوازه من عدمه، خلال فترة الانتداب الانتخابي.
و بناء على ما عرفه المغرب من نضالات سياسية واجتماعية تتوخى إصلاحات سياسية و دستورية، وتبعا للربيع المغربي في سنة 2011، ستعمد الملكية في المغرب، إلى المبادرة و الإعلان عن حزمة من الإصلاحات السياسية، تم تتويجها بإصدار دستور 2011، الذي يعتبر و عن حق، بمثابة برنامج سياسي للملك و دستورا للدولة.
و في هذا الإطار نص الدستور الجديد، في فصله 61، على أنه يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها.
و يستخلص من الفصل 61 المذكور، أنه يجرد من صفة عضو في أحد مجلسي البرلمان بسبب التخلي عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها.
إن المقتضى الدستوري حصر التجريد من العضوية على أعضاء مجلسي البرلمان الذين تثبت في حقهم واقعة التخلي عن انتماءهم السياسي للحزب الذي ترشحوا باسمه، دون أن يشمل أو يتطرق إلى المنتخبين في الجماعات الترابية و الغرف المهنية، ما يعني بأن هذه الأخيرة غير مشمولة بترتيب نفس الجزاء المتعلق بأعضاء مجلسي البرلمان الرحل، و هو ما يمكننا وصفه بأنه إغفال دستوري، ما كان على المشرع الدستوري أن يهمل دسترته ليشمل سائر الحالات و المؤسسات السياسية و الدستورية، دون أفضلية مؤسسة على أخرى.
المطلب الثاني: الترحال السياسي في القوانين التنظيمية و النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان:
تعتبر القوانين التنظيمية أو العضوية ( Lois organiques) والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان Règlement intérieur من طائفة القوانين التي تخضع للرقابة الإجبارية أو الإلزامية للمجلس الدستوري (المحكمة الدستورية)، خلافا للقوانين العادية التي تمارس بشأنها الرقابة الاختيارية من طرف أصحاب الصفة.
إضافة إلى مبدأ الرقابة الدستورية الوجوبية التي تخضع لها القوانين التنظيمية من طرف المجلس الدستوري بإحالة من رئيس الحكومة، فإن القوانين التنظيمية تعتبر جزء من الكتلة الدستورية أو امتدادا للدستور، فهي أدنى مرتبة من الدستور، و أعلى مرتبة من القوانين العادية. في حين أن الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان تمتاز بخاصية الخضوع للرقابة الدستورية الإلزامية أيضا و بإحالة من رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين على المجلس الدستوري، والتي من وظائفها الأساسية تنظيم السير الداخلي لمجالس البرلمان، والمساطر أو الطرق المتبعة في مداولاتها وانضباط أعضائها[6].
قبل إقرار مبدأ عدم جواز الترحال السياسي بمقتضى القانون التنظيمي للأحزاب السياسية (الفقرة الأولى) و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية (الفقرة الثانية) سبق و أن تضمن قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، منع الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، إبان فترة الانتداب التشريعي، دون أن يشمل المنتخبين في الجماعات الترابية و الغرف المهنية، و رتب جزاءات تتمثل في غرامة مالية فقط، تتراوح ما بين 20.000,00 درهم و 100.00,00 درهم، دون التجريد من صفة العضوية في أحد مجلسي البرلمان .
الفقرة الأولى: الترحال السياسي في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية:
إن قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، رتب جزاء ماليا عند ثبوت واقعة الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، دون منتخبي الجماعات الترابية و الغرف المهنية الذين أجاز لهم حق ممارسة الترحال السياسي، وفقا لما يستخلص من فصول القانون المذكور[7] .
انه و لما كان قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006، نص على مبدأ منع الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، خلال فترة الانتداب التشريعي، فإنه رتب على ذلك جزاءات مالية فقط، دون التجريد من العضوية، الأمر الذي جعل من القانون المذكور محدودا في آثاره، و لا يبعث على أفق ترشيد الحياة السياسية، خاصة و أن المادة 27 من قانون الأحزاب لسنة 2006، كانت تقضي صراحة بأنه يحق لكل فرد أن ينسحب من أي حزب سياسي في أي وقت شريطة احترام المسطرة المنصوص عليها في النظام الداخلي لهذا الحزب [8] .
انه بالنظر إلى محدودية قانون الأحزاب لسنة 2006 [9]، عمد المشرع المغربي إلى إصدار القانون التنظيمي 11/29 الصادر في سنة 2011، و الذي تم تغييره و تتميمه بالقانون التنظيمي رقم 15/33، و ذلك من أجل التوسع في ضبط الممارسة السياسية الحزبية و جعلها تتوافق و مقاصد الدستور.
و خلافا لما ورد في قانون الأحزاب لسنة 2006، فإن القانون التنظيمي رقم 11/29 الصادر في 22 أكتوبر 2011 المتعلق بالأحزاب السياسية [10]، تضمن مقتضيات صريحة في المواد 20 و 21 و 22، تقضي جميعها بعدم جواز الترحال السياسي، و في هذا الإطار نصت المادة 20 من القانون المذكور بأنه ” لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية، التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة”.
و أضافت المادة 22 منه ” لا يجوز لأي شخص أن ينخرط في أكثر من حزب سياسي في آن واحد”
و مقابل منع الترحال السياسي على أعضاء مجلسي البرلمان و أعضاء مجالس الجماعات الترابية و الغرف المهنية خلال الانتداب الانتخابي، فإن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية أجاز في فصله 22 لكل عضو في حزب سياسي، أن ينسحب منه، في أي وقت شاء، شريطة الالتزام والتقيد بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي للحزب في هذا الشأن لترتيب الآثار القانونية مع مراعاة أحكام المادة 20 أعلاه.
و تبعا للتعديل الذي طال القانون التنظيمي للأحزاب السياسية بمقتضى القانون التنظيمي رقم 15/33، فإنه تم تنظيم مسطرة التجريد من العضوية بسبب الترحال السياسي بالنسبة لمجالس الجماعات الترابية و الغرف المهنية، بحيث أسند الاختصاص للبت في طلب التجريد إلى القضاء الإداري، الذي يتعين أن يقدم من طرف الحزب السياسي المعني أو المتضرر من الترحال السياسي، و تبت المحكمة الإدارية المختصة في هذا الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيله لدى كتابة الضبط بها.
إن القانون التنظيمي للأحزاب السياسة رقم 11. 29 ، في الوقت الذي أقر فيه مبدأ حرية الانتماء إلى الأحزاب السياسية والانسحاب منها، فانه بالمقابل شدد على وجوب مراعاة الضوابط والقواعد التي تحكم سير الأحزاب السياسية وكيفية إنهاء الانخراط فيها، حتى لا يتم تبخيس دور الأحزاب السياسية من طرف الدولة أو الأفراد أو الجماعات. ومن أهم المظاهر السلبية التي وسمت الحياة الحزبية والسياسية في المغرب هي ظاهرة الترحال السياسي قبل التقرير بمنعها وعدم جوازها بمقتضى الدستور والقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان. ورغم تقرير منع ظاهرة الترحال السياسي، إلا أن الممارسة السياسية لا زالت حبلى بالعديد من المظاهر السلبية التي لا تبعث على تأهيل ونضج بعض الأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي تأسست في ظروف غير عادية، وبمشاركة ومساهمة شخصيات سياسية مقربة من القصر، كما هو حال المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وعالي الهمة بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة. إن ظروف النشأة والتأسيس المشابهة التي حكمت حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، هي التي تكمن وراء دواعي الصراع المحتدم بينهما، واقل ما يقال عنه، أنه لا يخرج عن دائرة تبادل الأدوار وتكاملها خدمة للمصالح الإستراتيجية لدولة المخزن وتأبيدها.
الفقرة الثانية: الترحال السياسي في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية:
في إطار العمل على مناهضة الترحال السياسي و مظاهره السلبية، و تعزيز مكانة الالتزام الحزبي، لضمان أداء المؤسسات المنتخبة لأدوارها بشكل يبعث على الرشد السياسي، عمل المشرع المغربي إلى إصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بناء على تفويض من الدستور، هذه القوانين التنظيمية تتعلق بالجماعات [11] والعمالات و الأقاليم [12] ، و الجهات [13] .
و يستفاد من المادة 51 من القانون التنظيمي للجماعات و المادة 52 من القانون التنظيمي للعمالات و الأقاليم و المادة 54 من القانون التنظيمي للجهات، نصت جميعها بأنه ” طبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11/29 المتعلق بالأحزاب السياسية يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس.
يقدم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية من قبل رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالأمر باسمه، و تبت المحكمة الإدارية في الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيل طلب التجريد لدى كتابة الضبط”.
يستخلص من المقتضيات القانونية المذكورة أعلاه جميعها، تأكيدها على عدم جواز تغيير الانتماء الحزبي خلال فترة الانتداب الانتخابي، وكل إخلال بتلك المبادئ يترتب عنه تجريد الشخص الذي تخلى عن انتمائه الحزبي من عضويته في احد مجالس الجماعات الترابية.
وتمارس مسطرة التجريد من العضوية، في مجلس من مجالس الجماعات الترابية، بواسطة طلب يقدم إلى المحكمة الإدارية المختصة من طرف رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح باسمه الشخص المطلوب تجريده من العضوية ، مشفوعا بالوثائق التي تثبت إسناد واقعة الترحال السياسي إليه.
الفقرة الثالثة: الترحال السياسي في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان
في سنة 1998 بادر مجلس المستشارين بمناسبة وضع نظامه الداخلي، الذي ورد فيه بند ينص على منع انتقال المستشارين خلال مدة الانتداب الانتخابي للمجلس. لكن و بالنظر إلى كون النظام الداخلي لمجلس المستشارين يخضع للرقابة الإجبارية للمجلس الدستوري، باشر هذا الأخير الرقابة الدستورية عليه، و قضى بعدم مطابقة البند المذكور مع مقتضيات الفصل 9 من دستور 1996، لخلو هذا الأخير من أي مقتضى يستفاد منه حظره للترحال السياسي. وعلى عكس موقف مجلس المستشارين الذي حاول منع الترحال السياسي، إلا أن قرار المجلس الدستوري أجاز حرية الانتقال من حزب سياسي إلى آخر، أو من فريق إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى. إن تبرير أو تعليل المجلس الدستوري للقول بعد دستورية البند المتعلق بمنع ترحال أعضاء مجلس المستشارين خلال فترة الانتداب الانتخابي يبدو بأنه لم يكن موفقا فيما دهب اليه.
لكن و خلافا للدساتير السابقة على دستور 2011، التي خلت جميعها من أي مقتضى قانوني يمنع التخلي عن الانتماء الحزبي خلال فترة الانتداب الانتخابي، فإن دستور 2011، نص في فصله 61 على عدم مشروعية الترحال السياسي بالنسبة لأعضاء مجلسي البرلمان، في حين أغفل منتخبي الجماعات الترابية و الغرف المهنية.
و في إطار عملية عقلنة العمل البرلماني و البناء الديمقراطي في المغرب، تم اعتماد آلية لاشتغال البرلمان على المستوى الداخلي، عرفت بالنظام الداخلي للبرلمان، أي استقلال كل من مجلس النواب و مجلس المستشارين بنظامه الداخلي، لكن دون إخلال بقواعد التكامل والتناسق بين النظامين الداخليين للمجلسين عملا بمقتضيات الفصل 69 الفقرة 2 من الدستور.
و تأسيسا على أحكام الدستورانية، و منذ دستور 1962، تم ابتكار تقنية النظام الداخلي للبرلمان، الذي بموجبه يتم تنظيم السير الداخلي للمؤسسة البرلمانية و تحديد طرق التداول داخلها [14] . و في ظل العمل بأحكام دستور 2011، اعتمد مجلس المستشارين نظامه الداخلي بعد التصويت عليه و تصريح المجلس الدستوري بمطابقته لأحكام الدستور على إثر إحالة وجوبية من رئيس المجلس[15] . و جاء في المادة 46/ الفقرة 2 منه أنه ” لا يحق لأي عضو أن ينتمي لأكثر من فريق أو مجموعة برلمانية واحدة، أو أن يجمع بين العضوية في فريق و مجموعة برلمانية”.
و جاء في المادة 98 منه بأنه ” يجرد من صفة عضو بمجلس المستشارين، كل عضو تخلى عن انتمائه السياسي أو النقابي، الذي اكتسب باسمه عضوية الهيئة الناخبة، التي ترشح باسمها لانتخابات أعضاء مجلس المستشارين، أو عن الفريق أو المجموعة التي ينتمي إليها بالمجلس”.
كما أكد النظام الداخلي لمجلس النواب بدوره في فصله 10 بأنه يجرد من عضوية مجلس النواب، كل عضو تخلى عن انتمائه السياسي.
و من المعلوم أن التجريد من صفة نائب أو مستشار في أحد مجلسي البرلمان لسبب من الأسباب التي قررها القانون، و الذي تعلنه المحكمة الدستورية، يكون بناء على طلب من مكتب أحد مجلسي البرلمان و ليس بمجرد إشعار[16].
يستخلص من النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان تنصيصهما صراحة على عدم جواز الترحال السياسي أو النيابي و رتب عنه التجريد من العضوية، تقرره المحكمة الدستورية بإحالة من مكتب المجلس المعني بذلك، لان حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته وهو المبدأ الذي طبقه المجلس الدستوري في ظل العمل بدستور 2011 [17] .
المطلب الثالث: الترحال السياسي من خلال العمل القضائي:
لما كان الترحال السياسي هو نتاج ممارسة سياسية لأشخاص في ظل نظام قانوني معين، قد يكون متسامحا مع الظاهرة و لا يرتب عنه أي جزاء، و قد يكون حازما معه مرتبا على ذلك جزاءات قانونية تصل حد التجريد من العضوية، إما في البرلمان و إما في مجالس الجماعات الترابية أو الغرف المهنية.
و لترتيب الآثار القانونية على واقعة الترحال السياسي بالمغرب، تم إقرار مبادئ و أحكام و ردت صراحة في الدستور، و في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، و في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، و النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.
و أمام وجود نصوص قانونية تقضي جميعها بعدم جواز الترحال السياسي خلال فترة الانتداب الانتخابي، فإنه للإعلان عن الآثار القانونية التي يرتبها القانون، يتعين على أصحاب الصفة تقديم طلبات في الموضوع إلى الجهة القضائية المختصة، و هي بالمناسبة إما القضاء الدستوري (الفقرة الأولى) أو القضاء الإداري ( الفقرة الثانية) و ذلك وفق مساطر تختلف من قانون لآخر، و تبعا للحالات موضوع الطعن والجهة المختصة بالفصل فيه.
الفقرة الأولى: الترحال السياسي من خلال اجتهاد القضاء الدستوري:
استنادا إلى الفصل 61 من الدستور، يمارس المجلس الدستوري الاختصاصات المسندة إليه فيما يتصل بإعمال رقابته الدستورية لمعاينة مدى قيام شروط تجريد عضو من صفته كبرلماني في أحد المجلسين من عدمها. و يرفع الطلب إلى المحكمة الدستورية من طرف رئيس المجلس المعني وحده دون سواه، من أجل ترتيب الآثار القانونية، و التي قد تكون إما التصريح بإثبات التجريد و بشغور مقعد البرلماني المعني[18]، أو رفض الطلب، أو عدم قبوله، حسب الحالات.
إن طلب التجريد من العضوية في أحد مجلسي البرلمان اختصاص مسند إلى رئيس المجلس بناء على قرار من مكتب المجلس الذي يعينه الأمر عملا بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 61 من الدستور.
و بناء عليه لا يحق لأي كان أن يتقدم بطلب التجريد من العضوية بسبب الترحال السياسي بل انه من الصلاحيات الحصرية لرئيسي مجلسي البرلمان، و ما دونهما يعتبر لا صفة له لإحالة الطلب إلى المجلس الدستوري و يترتب عنه عدم قبول الطلب [19] .
و حيث إن الثابت من الفصل 61 من الدستور أن المحكمة الدستورية تصرح بشغور مقعد برلماني، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، إما رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين.
و في إطار ممارسة المجلس الدستوري لاختصاصاته، أصدر العديد من القرارات بشأن موضوع التجريد، و هكذا جاء في القرار رقم: 978/15 و بتاريخ 19 دجنبر 2015، ” حيث إنه، يبين من الإطلاع على الوثائق المدرجة في الملف أن السيد حسن الدرهم، ترشح لانتخابات أعضاء مجلس النواب التي أجريت في 25 نونبر 2011 باسم حزب سياسي معين، ثم ترشح لانتخابات أعضاء الغرفة الفلاحية بجهة الداخلة، واد الذهب، المنظم بتاريخ: 7 أغسطس 2015، باسم حزب سياسي آخر.
و حيث إنه بغض النظر عن عدول النائب السيد حسن الدرهم عن تغيير انتمائه الحزبي- فإن ترشيحه، خلال مدة انتدابه النيابي في انتخابات لاحقة باسم حزب سياسي غير الحزب الذي ترشح باسمه لانتخابات مجلس النواب، يعد تخليا بحكم الواقع عن انتمائه السياسي، مما يجعله يقع تحت طائلة تطبيق أحكام الفصل 61 من الدستور.
و حيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، تكون واقعة تخلي النائب المعني بالأمر عن انتمائه السياسي ثابتة، الأمر الذي يستدعي تجريده من صفة عضو بمجلس النواب، و التصريح تبعا لذلك، بشغور المقعد الذي يشغله فيه [20] .
كما ورد في القرار رقم 976/15 بتاريخ: 19 دسمبر 2015، في قضية السيد نبيل بلخياط بنعمر، أن هذا الأخير ترشح في انتخابات أعضاء مجلس النواب المجراة بتاريخ: 25/11/2011 باسم حزب سياسي معين، ثم ترشح خلال مدة انتدابه النيابي، في الانتخابات الجماعية المنظمة بتاريخ 04 سبتمبر 2015، باسم حزب سياسي آخر. و أمام ثبوت واقعة تخلي النائب المعني بالأمر عن انتمائه السياسي، الأمر الذي قرر معه المجلس الدستوري تجريده من صفة عضو بمجلس النواب، و التصريح تبعا لذلك، بشغور المقعد الذي كان يشغله فيه[21] .
و في قرار آخر تحت عـدد: 990/16 بتاريخ: 09 فبراير 2016، جاء فيه، أنه بناء على عريضة الطعن المرفوعة من طرف السيد عزيز اللبار و السيدة صفية اللبار بصفتهما مرشحين، طالبين إلغاء انتخابات السيد محمد القندوسي عضوا بمجلس المستشارين على إثر اقتراع 02 أكتوبر 2015، برسم الهيئة الناخبة لممثلي غرف التجارة و الصناعة و الخدمات بجهات طنجة- تطوان- الحسيمة – الشرق – فاس – مكناس.
و استندت الجهة الطاعنة في طعنها كون لائحة المطعون في انتخابه مخالفة للقانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين الذي تنص مادته 26 في فقرتها السادسة على انه ” لا تقبل لوائح الترشيح التي تتضمن أسماء أشخاص ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد أو تتضمن، في نفس الآن ترشيحات مقدمة بتزكية من حزب سياسي و ترشيحات لأشخاص بدون انتماء سياسي”.
و أوضح الطاعن بأن لائحة المطعون في انتخابه تضمنت المرشحة المرتبة ثانيا في الوقت لم تكن تنتمي للحزب السياسي الذي ترشحت باسمه اللائحة المذكورة لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، أي أنها انتخبت، من دون انتماء سياسي، عضوا في غرفة التجارة و الصناعة و الخدمات بجهة فاس – مكناس.
و بناء عليه صرح المجلس برفض الطلب، مبرزا في تعليله أن مقتضيات المادة 26 من القانون التنظيمي لمجلس المستشارين إنما تتعلق بحالة تغيير المرشحين للانتماء الحزبي الذي تم على أساسه انتخابهم، و المرشحة المرتبة ثانيا في اللائحة المطعون فيها، لم تكن إبان الاقتراع المتعلق بانتخاب أعضاء غرفة التجارة و الصناعة و الخدمات، منتمية إلى أي حزب سياسي، أي أنها ترشحت لهذه الانتخابات بصفتها لا منتمية، مما تكون معه لائحة ترشيح المطعون في انتخابه ليس فيها ما يخالف القانون[22] .
و جاء في قرارين آخرين بتاريخ: 19 دجنبر 2015، تحت عـدد: 981 و 982/15، يتعلقان بملفي النائبين محمد حماني و عبد العالي دومو، بناء على مقررين لمكتب مجلس النواب، و بطلب من رئيسه، موضوعهما بأن النائبين المذكورين برزت بشأنهما حالة الشك في كون واقعة التجريد تنطبق عليهما، بعد أن ثبت ترشيحهما للانتخابات الجماعية لاقتراع 04 شتنبر 2015 بدون انتماء سياسي في حين أنهما عضوان في مجلس النواب باسم حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
علما أنه صدر في حقهما قرارا من المكتب السياسي للحزب المذكور، بتاريخ 2 مارس 2015، يقضي بالتشطيب عليهما من العضوية بالحزب، و هو ما يعتبر طردا من صفوف الحزب.
و بناء عليه، أصدر المجلس الدستوري القرارين المشار إلى مرجعهما أعلاه، يقضيان بعدم تجريد النائبين من صفة العضوية في مجلس النواب، استنادا إلى أن التجريد من صفة عضو بأحد مجلسي البرلمان مشروط و رهين بالتخلي الإرادي للعضو المعني عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، و هو ما لا ينطبق على العضو البرلماني الذي تم فصله بقرار من الحزب الذي كان ينتمي إليه. كما أن ترشح النائبين المذكورين، للانتخابات الجماعية، كان لاحقا على قرار فصلهما من الحزب السياسي الذي ترشحا باسمه لانتخابات مجلس النواب، مما يجعل أحكام الفصل 61 من الدستور، فيما يخص تغيير الانتماء السياسي، لا تنطبق عليهما[23] .
إن توجه المجلس الدستوري و من خلال قراراته الصادرة في ظل العمل بدستور 2011، في قضايا الترحال السياسي، رتبت جميعها جزاء التجريد من العضوية في أحد مجلسي البرلمان عند ثبوت تخلي العضو المطعون فيه عن انتمائه السياسي الذي ترشح به.
وشرط التخلي عن الانتماء السياسي هو العنصر الحاسم في ترتيب جزاء التجريد من العضوية ، على خلاف الطرد من العضوية في الحزب السياسي الذي سبق أن ترشح باسمه الشخص و صدر في حقه قرار الطرد، فانه في هده الحالة لا يجرد الشخص المطرود من العضوية في احد مجلسي البرلمان، كما أن الشخص الذي ترشح باسم حزب سياسي ثم اختار الترشيح في انتخابات لاحقة بدون انتماء سياسي، يعتبر هدا التصرف تخليا عن الانتماء السياسي المرتب لتجريده من العضوية. في حين انه في حالة الترشح بدون انتماء سياسي ثم يقرر الشخص المذكور الترشح لانتخابات لاحقة باسم حزب سياسي ، لا يعتبر هدا السلوك مخالفا للقانون ولا يترتب عنه التجريد من العضوية بسبب عدم تحقق واقعة التخلي عن الانتماء السياسي.
الفقرة الثانية: الترحال السياسي في اجتهاد القضاء الإداري:
يستفاد من المادة 51 من القانون التنظيمي للجماعات، و المادة 52 من القانون التنظيمي للعمالات و الأقاليم، و المادة 54 من القانون التنظيمي للجهات، أنها نصت جميعها ” على تجريد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس”.
و أهم ما يميز المواد 51 و 52 و 54 المذكورة أنها اعتمدت صيغة موحدة، مع التأكيد على أن التجريد يجب أن يتم استنادا إلى مقتضيات المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11/29 المتعلق بالأحزاب السياسية.
و بناء على مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، يقدم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية من قبل رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالأمر باسمه، و تبت المحكمة الإدارية في الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيل طلب التجريد لدى كتابة الضبط.
أنه و بمناسبة ممارسة الطعون الانتخابية من طرف أصحاب الصفة على ضوء الانتخابات الجماعية و الجهوية ليوم 04 شنتبر 2015، و انتخابات أعضاء مجالس العمالات و الأقاليم، أصدرت المحاكم الإدارية أحكاما عديدة في موضوع الترحال السياسي والتي قدمت طلبات بشأنها إما من طرف رؤساء المجالس، أو أحد أعضاء المجالس، أو الحزب السياسي المعني بالأمر.
علما أنه بالإضافة إلى القوانين التنظيمية المذكورة أعلاه، و التي رتبت جزاء التجريد من العضوية بالنسبة للأشخاص الذين ثبت في حقهم التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشحوا باسمه، فإن المادة 8 من القانون التنظيمي رقم 11/59 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، نصت بأنه ” لا تقبل لوائح الترشيح التي تتضمن أسماء أشخاص ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد، أو تتضمن في نفس الآن ترشيحات مقدمة بتزكية من حزب سياسي و ترشيحات بدون انتماء سياسي”.
ويستخلص من مقتضيات المادة أعلاه، أن الترشيح في اللائحة يبقى محكوما وصحيحا بمبدأ الانتماء إلى حزب سياسي واحد وليس إلى حزبين أو أكثر، لان ترشح شخص باسم حزب سياسي معين في الوقت الذي ثبت فيه عدم تقديم استقالته من الحزب الذي كان ينتمي إليه قبل الانتخابات، يترتب عنه إلغاء انتخابه و تجريده من العضوية، لان الطعن في أهلية الترشيح تكون بمناسبة الطعن في نتيجة الانتخابات وهي محكومة بآجال الطعون الانتخابية، يمارسها من ترشح وتنافس فيها ، لكونه صاحب الصفة والمصلحة للطعن في النتيجة الانتخابية. في حين أن طلب تجريد المنتخب من العضوية غير محكوم بأجل محدد، فكلما ثبت لمن يعنيه الأمر، أن أحد المنتخبين أو أكثر، يوجد في وضعية مخالفة للضوابط المنصوص عليها في المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والمواد 51 و 53 و 54 من القوانين التنظيمية المتعلقة على التوالي بالجماعات والعمالات والأقاليم والجهات يحق لهم تقديم طلب في الموضوع إلى المحكمة الإدارية المختصة.
الحالات التي ترتب تجريد المنتخب من العضوية في مجلس من مجالس الجماعات الترابية :
إن الحالات المؤدية إلى ترتيب جزاء تجريد منتخب من العضوية في مجلس من مجالس الجماعات الترابية، تتمثل أساسا في التخلي الإرادي عن الانتماء إلى الحزب السياسي الذي ترشح باسمه، والإعلان صراحة الانتقال إلى حزب سياسي آخر. أي تغيير الحزب ضدا على الضوابط المنصوص عليها في القانون التنظيمي للأحزاب و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية واللوائح الداخلية للحزب. كما قد يتخذ التخلي عن الانتماء السياسي، الخروج عن البرنامج السياسي الذي ترشح باسمه، أو عدم الانضباط لقرارات ومواقف الحزب، وتبني مواقف مناهضة له، عن طريق مناصرة خصوم الحزب بالتصويت عليهم وفي غياب أي تحالفات سياسية أو انتخابية مسبقة وبناء على قرار حزبي، مما تعتبر معه هاته الممارسة السياسية خروجا عن توجهات الحزب، تنزل منزلة التخلي الفعلي بحكم الواقع عن الانتماء السياسي، وهو ما يترتب عنه التجريد من العضوية.
والتخلي عن الانتماء السياسي قد يكون صريحا، كتقديم الاستقالة من الحزب، أو ضمنيا كالانتقال إلى حزب سياسي آخر، ولو دون تقديم الاستقالة، وتحقق دلك خلال فترة أو ولاية الانتداب الانتخابي، مما يترتب عن الحالتين معا تجريد المنتخب من العضوية في مجلس من مجالس الجماعات الترابية.
والاستقالة من الحزب سواء كانت صريحة أو ضمنية ترتب جزاء التجريد من العضوية، خلافا للإقالة من الحزب التي تعتبر بمثابة طرد مقنع لا يترتب عنها التجريد من العضوية لغياب عنصر الإرادة في التخلي عن الانتماء السياسي، أي أن الخروج من الحزب لم يكن طوعيا و إراديا، بل كان بمبادرة وبقرار تنظيمي من الحزب الذي ترشح باسمه، الأمر الذي تنعدم معه حالة التخلي عن الانتماء السياسي الغير المرتبة للتجريد من العضوية.
ومن بين الحالات الأخرى والتي كانت موضوع طعون أمام القضاء الإداري، هي تلك المتمثلة في ترشيح أعضاء لانتخابات مجالس العمالات والأقاليم بدون انتماء سياسي، والحال أنهم ترشحوا للانتخابات الجماعية برسم اقتراع 04 شتنبر 2015 بلون سياسي معين، علما أن انتخابات مجالس العمالات والأقاليم هي انتخابات غير مباشرة تتكون كتلتها الناخبة من أعضاء الجماعات التابعة للعمالة أو الإقليم. وبناء عيه، اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة ومحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، أن الترشح للعضوية في المجلس الإقليمي دون انتماء، وثبت أنهم فازوا بالعضوية في المجلس الجماعي باسم حزب سياسي معين، الأمر الذي اعتبر تخليا فعليا عن الانتماء السياسي، يترتب عنه التجريد من العضوية.
أصدرت المحاكم الإدارية أحكاما عديدة في موضوع الترحال السياسي، و من بينها الأحكام عـدد: 1020/2015 و 1021/2015 و 1022/2015 الصادرة عن المحكمة الإدارية بوجدة، بتاريخ: 13/10/2015، و التي قضت جميعها بإلغاء نتيجة العملية الانتخابية لاقتراع 04/09/2015 بالدائرة الانتخابية المعنية بالطعن.
و استندت المحكمة في أحكامها لترتيب جزاء إلغاء الانتخابات إلى كون المطلوب في الطعن كان ينتمي لحزب معين و منخرط فيه، إلا أنه قدم ترشيحه باسم حزب آخر، و فاز بالعضوية و برئاسة المجلس، دون أن يدلي بما يفيد تقديم استقالته من الحزب الأول مطابقة للضوابط القانونية، و مقدمة للجهة المختصة بنظرها [24] “.
إلا أن الأحكام المذكورة ألغيت جميعها من طرف محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط [25]، بعلة أن طلبات التجريد أو إلغاء الانتخاب لم تقدم كطلبات أصلية و داخل الأجل القانوني، و أن تقديمها في شكل طلبات التدخل الإرادي يترتب عنها إلغاء الحكم الابتدائي و تصديا الحكم بعدم قبول الطلب.
و في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ: 18/09/2015 في الملف رقم: 217/7107/2015 مضموم إليه الملف رقم: 283/7107/2015، صرحت بإلغاء انتخابات المطعون ضده بعد أن ثبت أن له انتماءات حزبية مختلفة.
و في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجـدة، بناء على طلب رئيس الجماعة الحضرية للدريوش، قضت بتجريد أعضاء من المجلس المذكور، بعد أن ثبت تخليهم عن انتمائهم الحزبي، لكونهم ترشحوا للانتخابات الجماعية باسم حزب العهد الديمقراطي، في حين ترشحوا لانتخابات المجلس الإقليمي بصفتهم لا منتمين، و هو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط.
و يستخلص من الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجـدة، القاضي بتجريد أعضاء المجلس الجماعي لبلدية الدريوش من العضوية، أنه استند إلى مخالفتهم مقتضيات المادة 20 من القانون التنظيمي رقم: 11/29 المتعلق بالأحزاب السياسية، و ذلك بسبب تخليهم عن انتمائهم السياسي الذي ترشحوا به للانتخابات الجماعية، لأن ترشحهم لانتخابات المجلس الإقليمي بصفة لا منتمين لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم ليسوا في وضع غير مخالف للقانون، لأن ثبوت الترشيح للانتخابات الجماعية باسم حزب سياسي معين، ثم الترشيح للانتخابات المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس العمالات و الأقاليم لا منتمي يعتبر إعلانا صريحا بالتخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه بداية، و هذا على خلاف الترشيح لا منتميا ثم لاحقا الترشيح باسم حزب سياسي معين لا يترتب عنه التجريد من العضوية لأنه بكل بساطة، لم تتحقق واقعة التخلي عن الانتماء السياسي، لكونه معدوما ، ما دام قد ثبت أن ترشيحه الأولي كان بدون انتماء حزبي.
الهوامش
1 -راجع مقتضيات الفصل 61 من الدستور التي تنصب انه” يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. وتصرح المحكمة الدستورية بشعور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضا آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية.
2- راجع أحكام القانون رقم 04.36 المؤرخ في 14 فبراير 2006 والتي تم نسخها بالقانون التنظيمي رقم 11 . 29 المتعلق بالأحزاب السياسية.
3- راجع المادة 8 من القانون رقم 90 .41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية.
. 4- المنازعات الانتخابية في المغرب تتولى ثلاث جهات النظر فيها، وهي المجلس الدستوري و المحاكم الإدارية والمحاكم العادية.
. -راجع فرار المجلس الدستوري رقم 213 /98، ملف رقم 433/ 98، بتاريخ 28 مايو 1998 5
[6] – Jeans GICQUEL, Pierre AVRIL, Droit parlementaire, Montchrestien, Paris, 1990, p.7 et 8.
– راجع المواد 5 و 26 و 27 و 55 من قانون الأحزاب لسنة 2006. – [7]
[8]— المادة 27 من قانون الأحزاب لسنة 2006 تتعارض مع المادة 5 من نفس القانون [8]
– راجع أ حكام القانون رقم 36.04 المؤرخ في 14 فبراير 2006 [9]
[10] – راجع القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 166/11/1 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 الموافق 22 أكتوبر 2011.
[11] راجع القانون التنظيمي رقم14 . 113 المتعلق بالجماعات –
[12] -راجع القانون التنظيمي رقم 14 . 112 المتعلق بالعمالات والأقاليم –
[13] – راجع القانون التنظيمي رقم 14 . 111 المتعلق بالجهات-
[14] – راجع قرار المجلس الدستوري رقم 2000.405 صادر في 25 من ربيع الأول 1421 ( 28 يونيو 2000)، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 4813 بتاريخ: 17 يوليو 2000، ص: 2038.
[15]- طبقا للفصل 132 من الدستور الفقرة الثانية، تحال الأنظمة الداخلية للبرلمان إلى المحكمة الدستورية قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور، و الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور نصت بأنه ” يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي و يقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور”.
[16]- راجع قرار المجلس الدستوري رقم 829-2012 صادر في 11 ربيع الأول 1433 (4 فبراير 2012)، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 6021 بتاريخ: 13 فبراير 2012، ص: 655.
[17] قرار المجلس الدستوري رقم 818 بتاريخ 20 أكتوبر 2011 –
[18] – راجع قرار المجلس الدستوري رقم: 1220-839 صادر في 29 من ربيع الأول 1433 ( 22 فبراير 2012)، الجريدة- الرسمية عدد: 6028 بتاريخ: 08 مارس 2012، ص:883.
[19] – راجع نفس المرجع.
[20] — راجع قرار رقم 978/15، ملف رقم: 1467/15، صادر بتاريخ 19 دسمبر 2015
[21] -راجع القرار رقم 976 / 15 ،ملف رقم 1465 / 15 ، بتاريخ 09 دجنبر 2015
[22] – راجع قرار المجلس الدستوري عـدد: 990/2016 بتاريخ 09 فبراير 2016، ملف عـدد: 1448/15.
[23] – راجع القرارين رقم: 981/15 و 982/15 الصادرين بتاريخ: 19 دجنبر 2015.
[24]- راجع الحكم عـدد: 1020 الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ: 13/10/2015 في الملف عـدد: 273/7107/2015، و الحكم عدد: 1021 بتاريخ: 13/10/2015، ملف عدد: 274/7107/2015، و الحكم عدد: 1022، بتاريخ: 13/10/2015، ملف عدد: 275/7107/2015، غير منشورة.
[25] – راجع القرار عـدد: 5423، بتاريخ 11/12/2015، ملف عـدد: 317/7209/2015، و القرار عـدد: 5427 بتاريخ: 11/12/2015، ملف عـدد: 328/7209/2015، و القرار عـدد: 5426 بتاريخ: 11/12/2015، ملف عـدد: 316/7209/2015، ( قرارات غير منشورة).
اترك تعليقاً