الجنايات والعقوبات التعزيرية في الشريعة الاسلامية والقانون.
المطلب الأول:- ماهية التعازير.
المطلب الثاني:- الجنايات التعزيرية.
المطلب الثالث:- العقوبات التعزيرية.
المطلب الرابع :- أقضية في التعازير.
المطلب الأول
ماهية التعازير
أولاً:- تعريف التعزير في اللغة
العزر:- اللوم، كما هو المنع وعزره يعزره عزراً، وعزره: ردهُ().
والتعزير: هو التوقير والتعظيم().
لقوله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً().
والتعزير:- أصله التأديب ولهذا سمي الضرب دون الحد تعزيراً وهو أدب().
والتعزير:- هو ضرب دون الحد لمنعة الجاني من المعاودة وردعه عن المعصية، قيل:
وليس بتعزير الأمير خزاية
إذا مــا كنت غير مريب
وقيل هو اشد الضرب وعزره ضربه ذلك الضرب().
ثانياً:- تعريف التعزير في الاصطلاح
التعزير:- هو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها حدود().
والتعزير:- هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها().
والتعزير:- هو التأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة سواء كان حقاً لله تعالى أم لأدمي().
والتعزير:- هو ما يقدره القاضي من العقوبة على جريمة لم يرد في الشرع عقوبة مقدرة عليها().
ثالثاً:- مشروعية عقوبة التعزير
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ما يدل على مشروعية التعزير، فقد جاء في قوله تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً().
وفي السنة النبوية الشريفة ورد قول النبي ((لا تجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله))(). والجلد هنا للتعزير وقوله ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع))(). والضرب الذي جاء في هذا الحديث الشريف إنما هو ضرب للتأديب وليس عقوبة لأن الصبي ليس من أهل العقوبة إنما من أهل التأديب.
كما ورد قوله لأبي ذر الغفاري عندما عير رجلاً بأمه ((يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية))().
وهذا من باب التوبيخ للصحابي الجليل على مقالته تلك، والتوبيخ هنا باب التعزير.
كما ورد قول رسول الله محمد في حجة الوداع: ((إستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فأهجروهن في المضاجع وإضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا))() .
وضرب المرأة من قبل زوجها في حالة إتيانها فعل محرم هو من باب تعزير أو تأديب الزوج لزوجته لأن من حق الزوج تعزير وتأديب زوجته بالضرب غير المبرح.
المطلب الثاني
الجنايات التعزيرية
لم يرد تحديد للجرائم التعزيرية وعقوباتها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على سبيل الحصر كما في جرائم الحدود بل ترك أمر ذلك لتقدير الإمام أو الحاكم بحيث يكون ذلك التقدير موافق للشريعة الإسلامية ويهدف لتحقيق المصالح ودرأ المفاسد ولا يكون حسب الأهواء والمصالح الخاصة، وأن يكون الغرض من العقوبة هو الإصلاح والتأديب وليس الإنتقام أو الإهانة،ومن الجرائم التعزيرية التي ذكرها فقهائنا المسلمون هي أكل الميتة والدم ولحم الخنزير ومباشرة أجنبية بلا جماع والسرقة من غير حرز أو غير مكتمل النصاب وجناية خيانة الأمانة والغش في المعاملات والأطعمة والاشربة وشهادة الزور وكتم الشهادة والرشوة والحكم بغير ما أنزل الله والسب والإهانة والقذف بغير زنا، كذلك في جميع جنايات القصاص والحدود التي يسقط فيها القصاص أو الحد لأي سبب كان ويرى الإمام مصلحة في تعزيره وفي هذه الجنايات يكون للإمام الحق في التعزير تأديباً وإصلاحاً وزجراً بقدر ما يراه الإمام مناسباً وحسب كثرة الذنب في الناس وقلته، فكلما كان الذنب كبيراً زادت العقوبة وكلما تكرر الذنب زادت العقوبة أيضاً، وإن كان الذنب عن زلة ولم يتكرر كانت العقوبة أخف().
والجنايات التعزيرية يمكن أن تتكون من الجنايات التالية():-
1. الجنايات التي ورد ذكرها أو تحريمها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإجماع.
2. الجنايات المعاقب عليها لحد أو قصاص إذا تخلف احد أركانها كمن يجامع من دون الفرج أو من يسرق من دون النصاب.
3. ما لم يرد نص بتحريمه لكنهُ يتضمن ضرراً واضحاً وتفويت مصلحة مشروعة.
ومن الجنايات التي تم ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي:-
1. جناية الرشوة:-
والرشوة:- هي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل أو ليولي ولاية أو ليظلم له إنسان().
كما إن الرشوة:- هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو لغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد().
ومشروعية تحريمها ورد في القرآن الكريم بقوله تعالى:- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ( ).
وفي السنة النبوية الشريفة ورد عن أبي هريرة إنه قال:-(لعن رسول الله الراشي والمرتشي في الحكم)()، وفي حديث آخر(لعن الله الراشي والمرتشي والرائش)().
والراشي هو دافع الرشوة، والمرتشي هو آخذ الرشوة، والرائش هو الوسيط أو السفير بين الراشي والمرتشي().والرشوة حرام بإجماع المسلمين إلا في حالة الضرورة كمن يدفع رشوة ليدفع الظلم أو الضرر عن نفسه أو عن الغير فيصبح ذلك مباحاً().
2. شهادة الزور:-
الزور:- هو الكذب واصله الميل عن الصدق إلى الكذب، وشهادة الزور هو أن يزور شهادة حول واقعة لم يراها أو يسمعها().
ومشروعية تحريم شهادة الزور وردت في القرآن الكريم بقوله تعالى:-
اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ …)()
وشهادة الزور تعد من كبائر الذنوب والمعاصي لقول رسول الله عنها:- ((عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله ثلاثا))()
وقوله :- ((شاهد الزور لا تزول قدماه حتى توجب له النار))()
ويتم إثبات شهادة الزور أما بالإقرار من الشاهد نفسه بأن شهادته زوراً أو إستحالة إثبات ما شهد به كمن يشهد على رجل إنه إرتكب جناية ما في بلد معين ويثبت إن ذلك الرجل في هذا الزمان في بلد آخر ويستحيل فيه أن يكون في هذا البلد، أو أن تقوم بينه على إنه شهد زوراً، أما إذا أخطأ في الشهادة أو إشتبه عليه الأمر لم تكن شهادته زوراً لكنه يوبخ من الإمام أو القاضي لتسرعهِ في الشهادة قبل التحقق من صحتها، كذلك إذا تعارضت البينات فلا يحكم بتكذيبه أو تكون شهادته شهادة زور لأن ليس بتكذيب أحدهما بأولى من تكذيب الآخر، وعقوبة شاهد الزور هي الجلد وحسب ما يراه الإمام مناسباً ويشهر أمره بين الناس فإن كان من أهل المسجد وقفه فيه وإن كان من أهل قبيلة وقفة في قبيلته وإن كان من أهل السوق وقفه في السوق ويقال :- (إنا وجدنا هذا شاهد زور فإعرفوه)
كما يحكم عليه بالفسوق فلا تقبل له شهادة حتى يتوب ويستمر في توبته حتى يعرف صلاحه ().
كما يعاقب شاهد الزور بالحبس وحلق الرأس والتوبيخ والإهانة وقد كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى عماله في الشام:-
إذا أخذتم شاهد زور فإجلدوه أربعين وسخموا وجهه وطوفوا به حتى يعرفه الناس، ويطال حبسه ويحلق رأسه().
وإذا شهد شاهد الزور على رجل في جناية قصاص وإقتص من المشهود عليه فإن عقوبة شاهد الزور تكون كعقوبة من تعمد الجناية على المشهود عليه فيحكم عليه بالقصاص أو الدية وإذا كانت الجناية التي شهد فيها زوراً جناية سرقة فقطعت يد المشهود عليه عوقب شاهد الزور بقطع يده().
وكتم الشهادة أيضاً محرم ولا يجوز لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ()
3. جناية خيانة الأمانة:-
الخيانة المحرمة هو أن يأخذ من مال الرجل المؤتمن عليه بغير أمره().
ومن يعجز عن حفظ المال عليه عدم قبول الأمانة ورفضها() ومشروعية تحريم خيانة الأمانة وردت في القرآن الكريم بقوله تعالى:- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً().
وفي السنة النبوية الشريفة ورد قول الرسول محمد :– ((أد الأمانة إلى من إإتمنك ولا تخن من خانك))()، وتعد تأدية الأمانة وإرجاعها إلى أصحابها فرض أمر به الله تعالى ورسوله الكريم محمد وخيانة الأمانة محرمة وآثم فاعلها ().
والإنسان قد يحتاج إلى إيداع بعض ماله عند السفر أو غيره ويستحب للمودع لديه المال أن يقبل ذلك لما فيه من الإعانة على البر والعمل والصالح لقوله تعالى:-
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ().
وبعد إيداع المبلغ لديه يجب الإلتزام بحفظ المال المودع لديه كحفظه ماله وعدم تعريضه للهلاك أو الضياع، وإن هلكت الأمانة بيد المودع لديه فإنه غير ضامن إذا كان هلاكها بدون تعمد أو تعدي منه. كما عليه الإلتزام برد الأمانة إلى صاحبها عند طلبها ().
4. جناية الربا:-
وهذه الجناية ورد تحريمها في القرآن الكريم بقوله تعالى:- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ()
كما ورد قول رسولنا الكريم محمد بقوله (( اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟
(قال:- الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))()
ومن الجنايات الأخرى التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي جناية الإحتيال والغصب وأكل مال اليتيم والشريك، بقوله تعالى:- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ().
كذلك جناية التجسس والغيبة فقد نهى عنها سبحانه وتعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ().
كما حرم سبحانه وتعالى جناية التعدي على حرمة المساكن بقوله تعالى:-
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ()
وحرم سبحانه وتعالى جناية الغش بالمعاملات والمكاييل والميزان لقوله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (). وقول رسولنا الكريم محمد (( ليس منا من غشنا)) ().
كما حرم سبحانه وتعالى السب وإهانة الناس بقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(). وقوله : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ().
المطلب الثالث
العقوبات التعزيرية
أجمع الفقهاء المسلمون على إن عقوبة التعزير مشروعة في كل جناية ليس فيها حد مشروع أو قصاص أو ديّة أو كفّارة محددة في الشريعة الإسلامية، ويتصف نظام التعزير بالمرونة التي تمكنه من حفظ أمن المجتمع وإستقراره بالمبادرة إلى مواجهة موجة الجريمة عن طريق تجريم الأفعال التي تشكل تهديداً للمجتمع الإسلامي إذا لم تُقَّدر لها عقوبات في الشريعة، فكل الأفعال والأقوال المخالفة لأحكام الشريعة يستحق مرتكبها التعزير وكل فعل ضار بالمجتمع يلحقه التعزير أيضاً وهذه العقوبات متغيرة حسب الزمان والمكان مع مراعاة التوازن بين الجناية التعزيرية وعقوبتها().
ويكون التعزير بالضرب أو الجلد أو الحبس أو التوبيخ أو بفرك الإذن أو بمجرد نظر القاضي إليه بوجه عبوس، كما يرى فقهاء المالكية والشافعية انهُ يجوز التعزير بالأموال إذا كان فيه مصلحة مشروعة().
ويرى غالبية الفقهاء المسلمون على عدم جواز مصادرة الأموال إلى الإمام أو بيت مال المسلمين حتى لا يتسلط الظلمة على أموال المسلمين().
ففي حالة وطء إنسان بهيمة فإنهُ يغرم ثمنها إذا لم تكن له، أما إذا كانت له تُحرَّم هذه البهيمة، والتحريم يشمل لحمها ولبنها ونسلها، ويجب ذبحها وحرقها، أما إذا كانت مما يركب كالخيل والبغال والحمير أُغرِم ثمنها وأُخرجت من بلد الواقعة().
كما يمكن أن يكون التعزير بالقتل وذلك في حالات خاصة منها:-
أجمع الفقهاء المسلمون على جواز قتل الجاسوس الكافر الحربي الذي يتجسس على المسلمين(). كما أجاز الإمام مالك قتل الجاسوس الذمي والمعاهد().
أما الجاسوس المسلم فيرى الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي وبعض فقهاء المالكية إنه يعزر بالضرب والحبس ولا يجوز قتله، وقال الإمام مالك يجتهد فيه الإمام ولم يفسر هذا الاجتهاد(). إلا إن بعض المالكية ترى قتل الجاسوس المسلم إذا لم يتب وبعضهم الأخر يرى إنه يقتل وإن تاب().
ويرى الإمام أبو حنيفة والشافعي واحمد بن حنبل والاوزاعي قتل الذمي إذا تكرر منه سب النبي محمد ().
ويرى الحنفية التعزير بالقتل في حالات الجماع في غير القبل إذا تكرر منه ذلك،وكذلك اللوطي ومن تكرر منه الخنق، والساحر والزنديق إذا اخذ قبل أن يتوب().
ويرى الظاهرية قتل شارب الخمر إذا تكرر منه الفعل أربع مرات إلا إن هذا الرأي مخالف لرأي جمهور المسلمين الذي لا يرى قتله وإن تكررت الحالة().
ويرى الشيعة إن السارق بعد السرقة الرابعة يُقتل تعزيراً().
كما يرى الشيعة إن الذي تتكرر منه الكبائر يُقتل تعزيراً في المرة الرابعة().
أما عقوبة الحبس في الإسلام فيروى ((إن النبي محمد حبس رجلاً في تهمة ثم خلى سبيله))(). فكانت عقوبة الحبس في زمن الرسول محمد وخلافة أبي بكر الصديق تقضي بمنع الشخص المذنب من الإختلاط بالناس وذلك بوضعه في بيت منعزل أو في المسجد، وفي خلافة عمر بن الخطاب اشترى الخليفة عمر داراً بمكة بمبلغ أربعة آلاف درهم وإتخذهُ سجناً، وفي خلافة الإمام علي بن أبي طالب بنى الإمام علي أول سجن في الدولة العربية الإسلامية بالكوفة سماه نافعاً ولم يكن هذا السجن حصيناً فهرب المساجين منه، ثم بنى سجناً أخر في الكوفة سماه مخيساً().
والتعزير فيما شرع فيه التعزير واجب إذا رآه الإمام وهو رأي الإمام مالك وأبو حنيفة واحمد بن حنبل أما الإمام الشافعي فيرى إنه ليس بواجب()، مستدلاً بما روي إن رجلاً جاء إلى النبي محمد فقال إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها، فقال (أصليت معنا؟) قال نعم، فتلا عليه() قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ().
وإذا كان التعزير منصوصاً عليه كوطء جارية إمرأته فيجب الإمتثال لذلك وما لم يكن منصوصاً عليه فالأمر متروك للإمام أو القاضي فإن رأى مصلحة في تعزيره وإنه لا ينزجر إلا بالعقوبة وجب عليه التعزير لأنه زاجر مشروع فوجب كالحد().
وإذا كانت العقوبة من غير جنس الحد كالحبس تكون حسب إجتهاد الإمام، أما إذا كانت العقوبة من جنس الحد كالجلد فيجب أن تنقص عن الحد وفي مقدار الجلد عدة آراء هي():-
الرأي الأول:– يرى إن الجناية إذا كانت من مقدمات الزنى فيعاقب بعقوبة دون حد الزنى وإن كانت الجناية الإيذاء والسب بدون قذف بالزنا فيعاقب دون حد القذف،
والرأي الثاني:– يرى إن جميع جنايات التعازير لا يزيد التعزير فيها عن عشرة أسواط لقول رسول الله (( لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد)) .
والرأي الثالث:– يرى إن تعزير الحر لا يزيد على تسع وثلاثين جلدة، والعبد لا يزيد على تسع عشرة جلدة، وهذا الرأي يمثل رأي الإمام الشافعي().
والرأي الرابع:- يرى إعتماد أدنى الحدود على الإطلاق فلا يزيد تعزير الحر والعبد على تسع عشرة جلدة.
والرأي الخامس:– يرى إن تعزير الحر والعبد تسع وثلاثون جلدة وهو رأي الإمام أبو حنيفة().
ويرى المالكية إنه يجوز أن يزاد التعزير عن الحد إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك أو حسب ما يراه الإمام بلغ ما بلغ().
أما علماء الشيعة فمنهم من يرى إنه لا يتجاوز عشرة اسواط ومنهم من يرى إن التعزير يكون أكثر من عشرة واقل من أربعين سوطاً().
والجناية المتعلقة بحق الله تعالى يجتهد الإمام في اختيار العقوبة المناسبة لها من ضرب أو حبس أو توبيخ، وان رأى مصلحة مشروعة في العفو فله ذلك،أما إذا تعلقت الجناية بحق العبد فإن طلب منه التعزير فيجب تعزيره، وإن عفا المجني عليه عن الجاني فللإمام الحق في العفو عنه أو معاقبته وهناك رأي أخر يرى امتناع العقوبة().
ويكون مقدار العقوبة التعزيرية حسب مراتب الناس وكالآتي () :-
تعزير أشراف الأشراف وهم العلوية والعلماء يكون بالإعلام المجرد.
أما تعزير الأشراف من الدهاقون والقواد يكون بالإعلام وجرهم إلى باب القاضي. وتعزير أواسط الناس يكون بالإعلام وجرهم للقضاء والحبس.
أما تعزير أهل البذاءة والسفاهة فيكون بالإعلام والجر والضرب والحبس، وذلك لأن الغاية من التعزير هو الزجر وأحوال الناس تختلف في الإنزجار.
ويرى الفقهاء المسلمون من المالكية والحنفية والحنابلة والشيعة إن الإمام أو القاضي إذا عزر إنسان فمات من التعزير فإنه لا يضمن لأنها عقوبة مشروعة للردع والزجر فلا يضمن من تلف بها كالحد، أما الشافعية فقالوا يضمن التلف لقول الإمام علي بن أبي طالب (ليس أحد أقيم عليه الحد فيموت فأجد في نفسي شيئاً أن الحق قتله إلا حد الخمر فإن رسول الله لم يسنه لنا، كما أشار الامام علي على الخليفة عمر بن الخطاب بضمان التي أجهضت جنينها حين أرسل إليها().
أما إذا أدب الزوج زوجته أو الأب أو الجد ولده أو المعلم الصبي فتلف فإنه يضمن حسب رأي الإمام أبو حنيفة والشافعي، أما رأي المالكية والحنابلة فإنه لا يضمن إذا قام بالتأديب المشروع ولم يكن فيه إسراف وزيادة().
والمعزر إذا علم إن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح المهلك لم يكن له الضرب المبرح لأنه مهلك وليس له الإهلاك().
وضرب التعزير يكون اشد الضرب، وقيل إن الشدة تعني إن الضرب يكون على عضو واحد من الجسم ولا يفرق كما في الحدود كما قيل إن الشدة تكون في نفس الضرب لتحقق الإيلام وبالتالي يحصل الزجر الذي يعد سبباً للتعزير().
ويرى الشافعية أن يوزع الضرب على أعضاء جسمه ما عدا الوجه والرأس والمناطق الحساسة من الجسم وضرب التعزير يكون بالعصا أو بالسوط الذي كسرت ثمرته().
كما يجب أن يكون وسط لا هو لين ولا هو يابس لكي يستوفي فيه الحق.
لما روي عن الخليفة عمر بن الخطاب إنه أتي بسوط فيه شدة فقال:-
أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين، فقال:- أريد اشد من هذا، فأتي بسوط بين السوطين، فقال:- اضرب().
كذلك لا يجوز أن يستعمل في الضرب سوط فيه العقود أو له فرعان أو أكثر ويجب أن يكون الضرب بين الضربين ولا يكون مهلكاً().
واهم الفروق بين الحدود والتعازير هي():-
عقوبة الحد مقدرة في الشرع ولا يجوز تغييرها سواء كان بنوع العقوبة أم مقدارها، أما العقوبة التعزيرية فهي غير مقدرة شرعاً، وبالتالي يمكن للإمام أو القاضي تغيير نوعها ومقدارها وحسب ما يراه القاضي من مصلحة مشروعة في ذلك.
العقوبة الحدّية لا تختلف من شخص لآخر، أما العقوبة التعزيرية فهي تختلف من شخص لآخر فعقوبة الأشراف هي غير عقوبة أهل البذاءة والسفاهة.
العقوبة الحدّية ثابتة بتغيّر الزمان والمكان، أما العقوبة التعزيرية فهي متغيّرة حسب الزمان والمكان.
العقوبة الحدّية يقوم الإمام أو نائبه بتنفيذها، أما العقوبة التعزيرية فيمكن للقاضي تنفيذها، كما يمكن للأب أو الجد أو الوالي تأديب من هو تحت رعايتهم كما يحق للزوج تأديب زوجته.
العفو والصلح والشفاعة لا تجوز غالباً في جنايات الحدود وخاصة بعد بلوغها الإمام، أو القاضي، بينما يجوز ذلك في التعازير.
يراعى التدرج في مقدار العقوبة التعزيرية حسب نوع ومقدار الجناية وحسب قدر الناس ومكانتهم، بينما العقوبة الحدّية لا تتغير.
اجمع الفقهاء المسلمون على إن التلف غير مضمون في جنايات الحدود، أما في التعازير فإن التلف حسب ما يراه الشافعية مضمون.
التوبة يمكن أن تسقط العقوبة التعزيرية، بينما في جنايات الحدود لا تسقط العقوبة إلا في حالة توبة المرتد أو توبة المحارب قبل القدرة عليه ولم يكن قد ارتكب جناية أخرى مع الحرابة كالقتل والجرح والسرقة والزنا.
الحدود لا تقام على الصبي، بينما التعازير تقام على الصبي المميز.
وسائل الإثبات في الحدود محددة في الشريعة الإسلامية، بينما في التعازير فغير محددة فيمكن قبول شهادة النساء أو شهادة الرجل مع المرأة وغيرها من وسائل الإثبات.
وفي القوانين العراقية القديمة:-
نجد هناك عقوبات مختلفة في الجرائم التي عرفت في الشريعة الإسلامية بالجرائم التعزيرية ومنها ما جاء في المادة (22) من قانون اورنمو (إذا تكبرت امة رجل ما وأقسمت لسيدتها على مساواة نفسها بها فعلى السيدة أن تدعك فمها بسيلاً من الملح)().
وورد في المادة (14) من قانون لبت عشتار (إذ اشتكى عبد على سيدة بسبب سوء معاملته وثبت على سيده إنه أساء معاملته مرتين فيصبح العبد حراً)().
كما ورد في المادة (17) من القانون بفرض عقوبة لم يحددها القانون من قيد رجل من اجل قضية ما، لا يعرف عنها المقيد شيئاً وثبت براءته منها().
أما جناية خيانة الأمانة فورد عنها الأتي:-
فإذا فقدت الأمانة ولا أثر للسرقة في بيت المودع لديه تلك الأمانة فعلى صاحب البيت تعويض صاحب الأمانة ما فقد().
فقد ورد في المادة (37) من قانون ايشنونا الآتي:- (إذا أُعطي رجلا مالاً كأمانة فإذا لم يسرق البيت (المودع فيه) ولم تُكسر بابه أو تٌُحطم نوافذه (ومع ذلك) فُقد المال المودع فسوف يعوضه ماله المفقود) ،أما المادة (124) والمادة (125) من قانون حمورابي فتشددت في عقوبة خيانة الأمانة فكانت العقوبة فيها أن يدفع لصاحب الأمانة ضعف ما ودعه لديه،أما في حالة سرقة الأموال المودعة لدى رجل كأمانة وكانت السرقة بسبب إهماله فعليه تعويض صاحب المال أو صاحب الأمانة ما أعطي له على سبيل الأمانة أو للمحافظة عليه().
أما جناية الرشوة وغصب الأموال والاستغلال غير المشروع للإنسان فقد فرض لها المشرع العراقي القديم عقوبة صارمة تصل إلى الإعدام()، فقد ورد في المادة (34) من قانون حمورابي الآتي:-(إذا تقبل رئيس أو عريف حاجات من جندي أو اغتصب (أموال) جندي أو أعطى جنديا كأجير أو قدم جندياً للمحاكمة بتأثير شخص قوي فإن هذا الرئيس أو العريف يعدم)().
عقوبة الاتهام الكاذب في التشريعات العراقية القديمة له عقوبات مختلفة تتناسب مع اثر هذا الاتهام على الشخص المتهم، فاتهام شخص بقتل آخر كذباً يترتب عليه إعدام متهمه، والإدلاء بشهادة زور بقضية عقوبتها الإعدام تكون عقوبة شاهد الزور فيها الإعدام، أما الإدلاء بشهادة زور في قضايا أخرى فتكون العقوبة الغرامة المالية(). أو يتحمل عقوبة القضية التي شهد بها وكانت شهادته كاذبة(زوراً)().
أما في القانون العراقي المعاصر:-
قسمت الجرائم في قانون العقوبات العراقي النافذ إلى ثلاثة أنواع حسب جسامتها وهي الجنايات، الجنح، المخالفات، ولا يوجد في القانون جرائم لم تحدد عقوبتها كما في الجنايات التعزيرية في الشريعة الإسلامية، إذ إن هناك مبدأ قانوني بأنه لا عقاب على فعل او امتناع الابناءً على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه().
إلا إننا سنتناول عقوبات أهم الجرائم في قانون العقوبات العراقي والتي يطلق عليها في الشريعة الإسلامية الجنايات التعزيرية ومن هذه الجرائم جريمة خيانة الأمانة والاحتيال وشهادة الزور والتزوير وجرائم التهديد والضرب والإيذاء والسب والشتم.
فعقوبة خيانة الأمانة في قانون العقوبات العراقي هي الحبس أو الغرامة المالية ويعد ظرفا مشددا إذا كان الشخص الجاني محترف نقل الأشياء أو كان محامياً أو صيرفياً أو معيناً من قبل محكمة لحفظ مال أو كان وصياً أو قيماً على قاصر أو فاقد الأهلية().
كما يعاقب القانون بالحبس على جناية الاحتيال فكل شخص توصل إلى تسليم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسهِ أو لشخص آخر باستخدام طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى ما كان من شان ذلك خدع المجني عليه وحمله على التسليم().
أما جريمة شهادة الزور:- فقد حدد قانون العقوبات العراقي المعاصر عقوبة الحبس والغرامة أو احدهما على من شهد زورا في جريمة ولم يتم الحكم فيها على الشخص المشهود عليه بعد أما إذا ترتب على شهادة الزور الحكم على المتهم فتكون عقوبة شاهد الزور هي نفس العقوبة المقررة لتلك الجريمة التي أدين بها المتهم بها().
كما يعاقب القانون بالسجن كل من زور كتب رسمية سواء زور ختم أو توقيع يعود للدولة().
كما يعاقب القانون بالسجن كل من قلد أو زيف عملة متداولة ومعترف بها قانوناً().
وأما جريمة الرشوة:- فقد حدد لها القانون عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس والغرامة لكل موظف أو مكلف بخدمة عامه طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن عمل أو الإخلال بواجباته الوظيفية().
وجريمة التهديد ضد النفس أو المال فقد حدد لها القانون العراقي عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس().
كما يعاقب على جريمة السب أو الشتم بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة أو احد هاتين العقوبتين، والسب هو رمي الغير بما يخدش شرفه أو اعتباره أو يجرح شعوره().
اما جريمة الضرب والإيذاء فيعاقب عليها القانون العراقي المعاصر بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة أو احد هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة أو احداهما إذا نشأ عن الاعتداء كسر عظم أو أذى أو مرض أو عجز المجني عليه من القيام بإشغاله المعتادة مدة تزيد على عشرين يوما().
أما الاعتداء البسيط الذي لا يترك أثراً بجسم المجني عليه، وهو الاعتداء الطفيف أو الخفيف كالدفع والجذب من الشعر أو البصق في الوجه أو الصفعة البسيطة فتكون عقوبته مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر وبغرامة أو احد هاتين العقوبتين().
المطلب الرابع
أقضية في التعازير
يروى إن النبي حبس رجلاً في تهمة ثم خلى سبيله().
ويروى إن معن بن زائد زور كتاباً وعمل ختماً مثل ختم بيت المال فجاء بالكتاب المزور إلى صاحب بيت المال فاخذ منه مالاً، فبلغ ذلك الخليفة عمر بن الخطاب فضربه مائة جلدة وحبسه، فشفع له قوم لدى عمر فضربه مائة ثانية، ثم كُلم فيه مرة أخرى فضربه مائة أخرى ونفاه، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروا عليه ذلك().
كما يذكر إن عبد الرحمن بن عمر عندما كان في مصر بخلافة عمر بن الخطاب شرب الخمر فسكر فلما صحا ندم على ذلك وذهب إلى أمير مصر عمرو بن العاص (ت43هـ/ 663م) فقال له طهرني من شرب شربناه، فجلده عمرو بن العاص حد الخمر، فلما سمع بذلك الخليفة عمر بن الخطاب كتب إلى والي مصر أن يبعثه إليه، فبعثه وعاقبه الخليفة بجلده تعزيراً له لمكانته بين الناس().
ويبدوا إن ضرب الخليفة عمر بن الخطاب له مرة ثانية كان من باب التعزير وليس حدا لان الحد لا يقام مرتين.
ومن الجرائم التعزيرية الهجوا فيذكر إن المرزباني هجا رجلا في خلافة عمر بن الخطاب فضربه الخليفة تعزيراً له فلما أخذته السياط نادى يا آل قصي فوثب عليه أبو سفيان بن الحارث فأسكته().
ويروى إنه أتي بجارية ثيب قد زنت إلى الخليفة عمر بن الخطاب فقال لها:- زنيت ويحك ؟ قالت نعم رفش بدرهمين بالحبشة (وتعني إن الذي زنى بها رجل اسمه رفش وأعطاها اجر على ذلك الفعل درهمين) وكان عنده الصحابة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف ، فقال ما ترون ؟ فقال الإمام علي وعبد الرحمن رضي الله عنهما نرى أن تقيم عليها الحد، أما عثمان بن عفان فبقى ساكت فقال له:- ما تقول أنت ؟ فأستوى جالساً وكان متكئاً فقال:- أراها مستهلة بفعلها كأنها لا ترى به بأساً (أي لا ترى به خطأً أو عقوبة)، وإنما الحد على من عرفه، فقال:- صدقت والله ما الحد إلا على من عرفه فضربها تعزيراً أدنى من الحد وهو اقل من مائة جلدة وغربها().
وكان سبب درأ الحد عنها لوجود الشبهة وهي الجهالة، والحدود تدرأ بالشبهات، وعندما يسقط الحد لأي سبب من الاسباب فللإمام الحق في التعزير على قدر الجناية وقد ضربها الخليفة دون الحد لهذا السبب.
ومن الجنايات التعزيرية الافطار في رمضان فيروى إنه أُتي بالنجاشي وقد شرب الخمر في رمضان الى الامام علي بن ابي طالب فضربه ثمانين وامر بسجنه ثم أخرجه في الغد فضربه عشرين، وقال له:– اني ضربتك هذه العشرين لافطارك في رمضان وجرأتك على الله عز وجل() .
كذلك في جناية السرقة فإن لم تكتمل السرقة أو كما تسمى في القانون الوضعي الشروع بالسرقة أو سقط الحد عن السارق لأي سبب كان، كما في حالة كون السارق غير بالغ او كان المال المسروق دون النصاب فللإمام تعزيره على فعله، وكما روى عن الإمام علي بن أبي طالب إنه أتى إليه برجل نقب بيتاً ليسرقه فلم يقطعه وعزره أسواطاً().
كما يروى إنه أتي بغلام لم يبلغ الحلم قد سرق إلى الإمام علي بن أبي طالب فلم يقطعه لكن عزره بقطع لحم من أطراف أصابعه()، تأديبا له لأنه ليس من أهل العقوبة.
كما أتي إلى الإمام علي بجارية لم تحض قد سرقت فضربها اسواطاً ولم يقطعها، كما أتي إليه بلص نقب لغرض السرقة فتم القبض عليه قبل تمام السرقة فأخذه الإمام علي فقال لهم:- عجلتم قبل إن يسرق فضربه عشرين سوطاً ().
وهذه الاسواط هي باب التعزير ويكون مقدارها حسب رأي الإمام.
ويروى إنه أتي بسارق إلى ابن الزبير* (ت72هـ/691م) وكان السارق قد نقب الخزانة وجمع المتاع ولم يخرج به، فجلده ابن الزبير وأمر به أن يقطع، فمر ابن عمر رضي الله عنهما فسال ابن الزبير:- أأمرت به أن يقطع؟ قال:- نعم، قال فما شأن الجلد؟ قال غضبت، قال ابن عمر رضي الله عنهما ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت، أرأيت لو إن رجلاً رأيته بين رجلي إمرأة لم يصبها أكنت حاده قال:- لا لعله سوف يتوب قبل أن يواقعها، قال:- وهذا كذلك ما يدريك لعله قد كان نازعاً وتائباً وتاركاً المتاع().
كما عاقب الخلفاء الأمويين في جناية التزوير بتعزير الجاني فيروى إن الخليفة عبد الملك بن مروان (ت86هـ /705م ) عاقب رجلاً يضرب على غير سكة المسلمين فأراد قطع يده ثم ترك ذلك وعاقبه عقوبة تعزيرية().
ويبدوا إن الخليفة راجع نفسه أو شاور فيه ووجد أن الجناية جناية تزوير وليست سرقة حتى يقام فيها حد السرقة لذلك إنتقل إلى العقوبة التعزيرية لتعزير الجاني.
كما يروى إنه أتي إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت 101هـ / 719م) برجل يضرب على غير سكة الخلافة، فعاقبه الخليفة وسجنه().
والعقوبات التعزيرية قد تصل إلى القتل كما في حالة زواج رجل من امرأة محرمة عليه ،
فيروى إن رجلاً تزوج امرأة أبيه فأمر النبي محمد بقتله، وأجمع من بعده الصحابة الكرام على قتل من أتى ذات محرم وهو يعلم ذلك().
وكما في حالة سب النبي محمد من قبل الكفار أو أهل الكتاب، فيروى إن الفضل بن فضالة قاضي مصر في العصر العباسي قضى بقتل نصراني سب النبي محمد سنة (168هـ/ 784م) وذلك بعد استشارته الإمام مالك بن أنس(). أما في حالة سب النبي محمد من قبل مسلم فإن العقوبة لا تكون تعزيرية إنما يعاقب بعقوبة الردة وحسب الشروط التي تم إيضاحها في الفصل السابق.
د. حامد جاسم الفهداوي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً