بحث ودراسة قانونية حول مفهوم المزايدة كطريقة لإبرام الصفقات العمومية .
معنى اخر
بحث حول تطور مفهوم المزايدة كطريقة لابرام الصفقات العمومية في التشريع الجزائري :
اولا: تطور مفهوم المزايدة كطريقة لإبرام الصفقات العمومية في الجزائر:
ا/- تعريف المزايدة من خلال تشريع الصفقات العمومية من الاستقلال الى يومنا هذا:
يعتبر المرسوم 91-434, اول نص استحدث طريقة المزايدة كطريقة لإبرام الصفقات العمومية قد عرف المشرع الجزائري عدم استقرار كبير في تحديد مفهوم المزايدة: فأحيانا تمنح الصفقة بموجبها للمتعهد الذي يقدم اعلى ثمن, و احيانا اخرى للذي يقدم احسن عرض, و حتى للذي يقدم اقل ثمن.
1/- العرض الاعلى سعرا ( ثمنا ), كمعيار محدد لمفهوم المزايدة:
حيث تنص المادة 29 من المرسوم 91-434 على انه :” المزايدة هي اجراء يسمح بتخصيص الصفقة للعارض الذي يقترح احسن الاثمان “.
وعليه فان المزايدة حسب هذا النص هي تلك تسمح بمنح الصفقة لصاحب العرض الاحسن سعرا, فالسعر الاعلى هو جوهر المزايدة, طبقا لهذا النص, هذا الاخير الذي قصر تطبيق المزايدة على الصفقات البسيطة ذات النمط العادي التي تخص المرشحين العاملين في الجزائر سواء كانوا مواطنين ام اجانب.
2/- العرض الاحسن كمعيار محدد لمفهوم المزايدة:
وقد جاءت بهذا المعيار المادة 27 من المرسوم الرئاسي 02-250, حيث تنص على انه:” المزايدة هي اجراء يسمح بتخصيص الصفقة للمتعهد الذي يقترح احسن عرض…”.
لقد اكتنف الغموض هذا المعيار من حيث المقصود به, خاصة وانه لم يشر صراحة الى عنصر الثمن, و مصطلح العرض الاحسن يوحي بان المقصود ضرورة توفر شقين لتحديد مفهوم المزايدة – كما راينا بالنسبة للمناقصة و هما العرض الاعلى ماليا و الاحسن تقنيا, و لكن اذا كان هذا المعنى يصلح بالشق المتعلق بالجانب المالي باعتبار ان المتعارف عليه ان المزايدة ترسو على من يقدم اعلى ثمن, فانه لا يصلح على الشق الثاني المتعلق بالجانب التقني, باعتبار ان نفس المادة قد قصرت تطبيق المزايدة هي الاخرى على العمليات البسيطة ذات النمط العادي, اي الجانب التقني لا محل له في هذه الحالة, فماذا يقصد المشرع الجزائري اذن؟
3/- العرض اقل ثمنا كمعيار محدد لمفهوم المزايدة:
حاول المشرع الجزائري ازالة التناقض الذي وقع فيه عند صياغة المادة 27 السابقة من المرسوم الرئاسي 02-250, بموجب المرسوم الرئاسي 10-236, فنص في المادة 33 منه على انه:” المزايدة هي الاجراء التي تمنح الصفقة بموجبه للمتعهد الذي يقدم العرض الاقل ثمنا …”, لكن هل وفق المشرع الجزائري في مسعاه هذا, ام انه فتح الباب لإشكالية اكبر ؟
ب/- تعريف المزايدة في قانون الولاية 12/07 و قانون البلدية 11/10 :
عندما نرجع الى قانون الولاية وقانون البلدية نجدهما لم يعرفا المزايدة وانما اشارا اليها من ناحية تطبيقها و العمل بها فهي نفس التطبيقات السارية في قانون الصفقات العمومية و هذا امر طبيعي لأنه بلغة القانون لو عرف قانون البلدية او الولاية المزايدة تعريف بانها تكون بأحسن عرض و افضل عرض في حين ان قانون الصفقات العمومية عرفها بانها اقل عرض فهنا نصبح امام تعارض نصين من نفس الدرجة و باعتبار المشرع هو الذي يشرع القوانين في مختلف المجالات فلا يمكن له اعطاء تعريفين لنفس المفهوم في قوانين مختلفة وهذا لكي لا يصبح هناك خلط في المفاهيم .
ثانيا: مضمون الاشكالية في المادة 33 من المرسوم الرئاسي 10-236: مزايدة ام مناقصة ؟
ان المادة 33 من قانون الصفقات العمومية الجزائري و الذي نص بموجبها المشرع الجزائري على ان المزايدة تمنح الصفقة للعارض الذي يقدم العرض الاقل ثمنا, تجعلنا نقع في اشكالية كبرى من ناحيتين هما كما يلي :
1/- المزايدة باقل ثمن :
تتمثل الاشكالية الاولى في المعيار المعتمد عليه لتحديد مفهوم المزايدة, فكيف تتم المزايدة باقل ثمن في حين الاصوب انها ترسو على من يقدم العرض الاعلى ثمنا, كما نص عليه المرسوم الرئاسي 91-434 , فهذا هو المعنى الصحيح للمزايدة, على الاقل من الناحية اللغوية, مما يجعل هذه المادة اقرب الى تعريف المناقصة منها الى تعريف المزايدة.
2/- مجال تطبيق المزايدة :
تنص المادة 33 السابقة على ان المزايدة تشمل العمليات البسيطة من النمط العادي و لا تخص الا المؤسسات الخاضعة القانون الجزائري , في حين المفروض ان المزايدة تتعلق بعقود البيع و الايجار فقط , اي بيع و تأجير ما تملكه الادارة من عقارات ومنقولات , و بالعودة الى نص المادة 04 من نفس المرسوم نجد ان مجال تطبيق الصفقات العمومية مهما كانت طريقة ابرامها, يتمثل في عقود محددة على سبيل الحصر هي : انجاز الاشغال و اقتناء اللوازم و الخدمات و الدراسات , بما يعني ان عقود البيع و الايجار لا محل لها في قانون الصفقات العمومية , و لو حاولنا معرفة العمليات البسيطة التي نصت المادة 33 السابقة , فأكيد انها لن تخرج عن العقود المذكورة , و لكن ماهي على وجه التحديد ؟
طبقا للمادة 44 من المرسوم فانه من بين الحالات التي تلجا فيها المصلحة المتعاقدة الى التراضي بعد الاستشارة نجد , صفقات الدراسات و اللوازم و الخدمات التي لا تستلزم بطبيعتها اللجوء الى مناقصة اي تلك البسيطة ذات النمط العادي , فما هو حال صفقات الاشغال التي لا تستلزم بطبيعتها اللجوء الى مناقصة , لماذا لم ينص عليها المشرع الجزائري في هذا المقام ؟
اعتقد من وجهة نظري المتواضعة , ان صفقات الاشغال التي لا تستلزم اللجوء الى مناقصة هي المعنية بالعمليات البسيطة ذات النمط العادي , باعتبار ان الصفقات البسيطة الاخرى المتعلقة بالتوريد و الخدمات و الدراسات يطبق بشأنها اجراء التراضي بعد الاستشارة.
و الجدير بالذكر ان مجال تطبيق المزايدة التي نصت عليه المادة 33 السابقة الذكر , ينطبق تماما مع ما نصت عليه المادة 37 من الامر67-90 و المادة 33 من المرسوم 82-145 و المتعلقتان بمجال تطبيق المناقصة.
3/- المزايدة كشكل من أشكال المناقصة :
لقد جعل المرسوم 10-236 المزايدة شكل من اشكال المناقصة , رغم ان كلا منهما له معنى مناقض للثاني , ولم يكن هذا المرسوم الوحيد الذي جمع هذا التناقض ، فنفس الخلط وقع فيه المشرع الجزائري في المرسوم 02-250 وقبله المرسوم التنفيذي 91-434 كمت سبق ذكره .
فهل يقصد المشرع الجزائري المزايدة في المادة 33 من المرسوم الرئاسي 10-236 و ما قبله من مراسيم ، وهل أنه عندما يتكلم عن المناقصة ، فهو يقصد المناقصة فعلا ، خاصة إذا علمنا أن النص الفرنسي يطلق عليها اسم طلب العروض , وهو نفس المصطلح السليم الذي جاء به الامر 67-90 كما راينا , و ذلك في النصين العربي و الفرنسي .
ثالثا : ضرورة تعديل المادة 33 من قانون الصفقات العمومية الجزائري، وأثره على طرق إبرام الصفقة العمومية في الجزائر:
نظرًا للخلط الذي وقع فيه المشرع الجزائري على الجميع المستويات التي سبق ذكرها ، نجد أنه من الضروري تعديل المادة 33 من المرسوم الرئاسي 10-236 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية الجزائري و ذلك فيما يخص النقاط التالية :
1/- تعديل النص العربي للمادة 33 من المرسوم 10-236 باستبدال المزايدة بالمناقصة :
يجب على المشرع تعديل النص العربي للمادة 33 من قانون الصفقات العمومية الجزائري ، وذلك باستبدال مصطلح المزايدة بمصطلح المناقصة ، أما فيما يتعلق بالنص الفرنسي للمادة فهو سليم من وجهة نظرنا ، وما جعلنا نأخذ هذا المسلك المبررات التالية :
ا- عنصر السعر :
إن المادة 33 السابقة طبقا للنص الفرنسي – وهو النص الأصلي – يتكلم عن المناقصة وليس المزايدة ، وهذا رغم أن كلا من المصطلحين يعبر عنه باللغة الفرنسية وهذا لاعتمادها على عنصر السعر .
ب- مجال التطبيق :
قلنا أن المزايدة تلجأ الإدارة إليها عندما تريد بيع ممتلكاتها أو تأجيرها ولهذا ترسو على أعلى ثمن ، أي أنها تتعلق بعقود البيع والإيجار ، هذه الأخيرة ليست من العقود التي تبرم في إطار الصفقة العمومية , كما رأينا ،أي أن المزايدة لا يمكن أن تكون طريقة لإبرام الصفقات العمومية في الجزائر ، إلا إذا تم تعديل المادة 04 من نفس المرسوم وتم إضافة عقود البيع والإيجار، وهذا لم يحث بعد ، وهذا ما يعزز موقفنا في أن المقصود في المادة 33 هو المناقصة وليس المزايدة .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه وطبقا للنص العربي ، نجد أن المشرع يقصر تطبيق المزايدة – على حد قوله – على العمليات البسيطة من النمط العادي و تخص فقط المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري ، في حين انه من المفروض أن المزايدة تكون في العمليات التي تحصل فيها الإدارة على مبالغ لفائدة الخزينة العمومية ، وليس أي عمليات ؛ و في المقابل نجد أن العمليات البسيطة التي نص عليه لفائدة الخزينة العمومية ، وليس أي عمليات ؛ و في المقابل نجد أن العمليات البسيطة التي نص عليها المشرع – وهي الأشغال البسيطة – المفروض أنها هي المعنية بإجراء المناقصة ، باعتبار أنه لا حاجة للمعيار التقني في هذه العمليات وبالتالي يتم الاعتماد على معيار السعر وحده وهو السعر الأقل طبعا وهذا للمعيار التقني في هذه العمليات وبالتالي يتم الاعتماد على معيار السعر وحده وهو السعر الأقل طبعا وهذا تحقيقا للمصلحة العامة .
وعليه يجب تعديل المادة 33 السابقة لتصبح على الشكل التالي : ” المناقصة هي الإجراء الذي تمنح بموجبه للمتعهد الذي يقدم العرض الأقل ثمنا وتشمل العمليات البسيطة من النمط العادي ولا تخص إلا المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري”
والغريب أن هذه الصياغة المقترحة هي نفسها تقريبا التي جاءت بها المادة 33 من المرسوم 82- 145، مما يؤكد رأينا بأن المقصود في المادة 33 من المرسوم الرئاسي 10-236 هو المناقصة و ليس المزايدة وإنما هو خطأ في الترجمة لا غير .
رابعا : أثر تعديل المادة 33 من المرسوم الرئاسي 10-236 :
يترتب على تعديل المادة 33 السابقة باستبدال مصطلح واحد وهو المناقصة محل المزايدة ، عدة آثار على النظام القانوني لإبرام الصفقات العمومية في الجزائر ، مما يتعين معه تعديل بعض النقاط الأخرى بهدف التنسيق بين النصوص القانونية ، وإزالة ما بها من تعارض ، ومن أهم هذه الآثار :
1/- تعديل النص العربي للمادة 26 من المرسوم الرئاسي10-236 باستبدال المناقصة بطلب العروض و تطبيق ذلك على كل المواد الوارد فيها مصطلح المناقصة :
إن استبدال مصطلح المزايدة بمصطلح المناقصة في المادة 33 السابقة ، يؤدي إلى وجود تعريفين للمناقصة كل منهما بمعنى يختلف عن الآخر ، ففي حين تعرفها المادة 33 بأنها ترسو على من يقدم أقل ثمن، أي ان السعر وحده هو المعيار المعتمد ، نجد أن المادة 26 تعرفها على أنها ترسو على من يقدم أفضل عرض ، أي أن معيار السعر وحده لا يكفي وإنما يجب كذلك الاعتماد على المعيار التقني و لكننا بالرجوع إلى النص الفرنسي للمادة 26 من نفس المرسوم السابق ، نجدها تنص على مصطلح( ( L’appel d’offresأي وجود خطأ في ترجمة هذا المصطلح ، باعتبار أن الترجمة العربية السليمة لهذا المصطلح هي طلب العروض وليس المناقصة ، أي أن النص الفرنسي للمادة 26 لا يشوبه أي عيب في تقديرنا ، ولكن الإشكال في مصطلح المناقصة طبقا للنص العربي .
وعليه ، يعدل النص العربي للمادة 26 من المرسوم الرئاسي 10-236 ليصبح كالتالي :” طلب العروض هو إجراء يستهدف الحصول على عروض من عدة متعهدين متنافسين مع تخصيص الصفقة للعارض الذي يقدم أفضل عرض “.
2/- تعديل طرق إبرام الصفقات العمومية في الجزائر :
– إن تعديل المادة 33 من المرسوم 10-236 على النحو السابق والذي يستلزم كذلك تعديل النص العربي للمادة 26 من نفس المرسوم وما يرتبط بها من مواد بما فيها المادة 25 من نفس المرسوم( 25 )، يؤدي بنا هو الآخر إلى تعديل طرق إبرام الصفقات العمومية في الجزائر ، على أساس حذف طريقة المزايدة الواردة بطريق الخطأ في النص العربي ، وإضافة طريقة طلب العروض التي غابت عن هذا الأخير.
وعليه تصبح طرق إبرام الصفقة العمومية في الجزائر تشبه تقريبا تلك التي نص عليها المرسوم 82-145 السابق الذكر وهي كما يلي :
ا- القاعدة العامة : طلب العروض و تشمل :
– طلب العروض المفتوح .
– طلب العروض المحدود .
– الاستشارة الانتقائية .
– المناقصة .
– المسابقة .
ب- الاستثناء : إجراء التراضي و يشمل :
– التراضي البسيط .
– التراضي بعد الاستشارة
خامسا : مقارنة بين النص الفرنسي و العربي و النص المصري في تعريف المزايدة و ايهم التعريف الصحيح :
بالرجوع الى النص الفرنسي للمادة 27 منه , نجد ان المعنى مختلف تماما عن نص المادة 27 من المرسوم الرئاسي 02-250 المتضمن تنظيم قانون الصفقات العمومية الجزائري , حيث ان المزايدة تسمح بمنح الصفقة للمتعهد الذي يقدم العرض الاقل سعرا مما يجعل الموقف اكثر صعوبة , أي وجود تعارض بين نصين احدهما رسمي ( النص العربي ), و الثاني اصلي (النص الفرنسي ) , و كلا النصين يجعلنا نقع في تناقض .
ويجب على المشرع الجزائري تعديل النص العربي للمادة 33 من قانون الصفقات العمومية الجزائري , و ذلك باستبدال مصطلح المزايدة بمصطلح المناقصة , اما فيما يتعلق بالنص الفرنسي للمادة فهو سليم من وجهة نظرنا .
و كذلك بخصوص النص المصري نجد ان المشرع المصري عرف المزايدة وفقا لما جاء به النص الفرنسي وهذا ان دل على شيء وانما يدل على الخطأ الموجود في المادة 33 من المرسوم الرئاسي 10-236 و النص الفرنسي و النص المصري هما صحيحين من الناحية اللغوية و عمليا ايضا باعتبار ان الصفقة العمومية هي عقد من العقود الادارية .
الــخــــــاتــــمة :
ونخلص في الاخير بالقول بان المشرع الجزائري اخلط في المفاهيم ما بين مصطلح المزايدة و مصطلح المناقصة و هذا ربما خطا في ترجمة النص في حد ذاته و عليه يجب استبدال مصطلح المزايدة بالمناقصة في حين في المقابل التشريعات الاخرى ( التشريع الفرنسي و التشريع المصري ) قد وفقا الى حد ما في تعريفهم للمزايدة على انها تقوم على تقديم افضل و احسن عرض .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً