دراسة وبحث قانوني هام عن الطبيعة القانونية لقواعد الدستور
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
” وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنَّ بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله”.
الموضوع :
المبحث الأول:ماهية القانون الدستوري
في هذا المبحث سنتطرق إلى مفهوم القانون الدستور ومواضيعه وذالك من خلال تقسيمه إلى مطلبين على الشكل التالي:
المطلب الأول: مفهوم القانون الدستوري.
منذ القديم جرى الفقه على تقسيم القانون إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص، ويعد معيار الدولة بصفتها صاحبة السيادة والسلطان المعيار الأمثل للتمييز بين هذين الفرعين، فالدولة في القانون العام تتمتع بامتيازات السلطة العامة، خلافا لما هو الأمر عليه فغي قواعد القانون الخاص حيث تكون وباقي الخواص أمام القانون سواء.
والقانون العام يمكن أن يكون عبارة عن قواعد تحكم علاقات الدولة الخارجية ( القانون العام الخارجي أو القانون الدولي)، وقد يكون عبارة عن قواعد تحكم علاقات الدولة بالأشخاص الخاضعين لسلطتها الداخلية ( القانون العام الداخلي). ويضم القانون الدستوري مجموعة من القواعد والفروع منها ما يهم نظام الحكم داخل الدولة وشكلها وعلاقات السلطات الثلاث فيما بينها وكذا علاقات هذه السلطات بأفراد المجتمع، وهذه القواعد تعرف بقواعد “القانون الدستوري” التي تضع تصورا عاما للتنظيم الحكومي الذي يتولى تحليل جوانبه الفرع الثاني الذي هو “القانون الإداري” الذي يلحق به كل من “القانون المالي”ي الذي يهم الإدارة المالية للدولة، و “القانون الجنائي” الذي يهم الجرائم وعقوباتها والإجراءات الجنائية.
وهكذا فان القانون الدستوري هو ذالك الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يوضح شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها ويحدد سلطاتها وكيفية ممارسة هذه السلطة ، كما يوضح القانون الدستوري الحريات الأساسية للمواطنين والحقوق المكتسبة وكذا الواجبات الملقاة على عاتقهم اتجاه الدولة
المطلب الثاني: مواضيع القانون الدستوري.
تهدف قواعد القانون الدستوري الى تنظيم الحياة السياسية للجماعة حيث أن قواعده توضح مدى صلاحية النظام السياسي لشعبي معين، حيث تتأثر هذه القواعد بعوامل تقنية قانونية الى جانب العوامل السياسية والاعتبارات السائدة لدى شعب معين في زمن معين.
ولذالك يكون لزاما على واضعي الدستور اعتبار جميع المقومات حتى تتلاءم قواعده مع حاجات وتطور المجتمع، ومن هذا المنطلق فان الوثيقة الدستورية يتأثر محتواها بفعل العوامل السابقة الذكر فيختلف من بلد لآخر. فنجدها تحتوي الى جانب القواعد التي تشكل تنظيم الدولة على أحكام التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والتصريحات وإعلانات الحقوق بالإضافة إلى أحكام مختلفة تعكس خصوصية كل دولة ومميزاتها لباقي الدول
وخلاصة القول فان قواعد القانون الدستوري تعتبر مرآة لتطلعات المجتمع من حيث النظام العام الذي يسعى إليه، وبالتالي فان قواعد القانون الدستوري تمثل الإرادة العليا للمجتمع مما يترتب عن خرقها اختلال التوازن داخله الشيء الذي يكسبها صفة القواعد الآمرة التي لا تترك للفرد أو الجماعة خيار مخالفتها. فعندما ينص الدستور المغربي مثلا على أن “الإسلام دين الدولة …” فإننا نكون بصدد قاعدة دستورية آمرة تحرم انتهاك حرمة الدين الإسلامي باعتباره الخيار المقدس للمجتمع المغربي. ومن المسلم أن القاعدة الآمرة يصاحبها جزاء مادي محسوس توقع السلطة العامة على المخالفين، وهو ما لم تتطرق إليه القاعدة الدستورية في شتى جوانبها مما أثار جدلا بشان إلزامية قاعد القانون الدستوري وطبيعتها القانونية .وهو ما يف النقطة الموالية من هذه الدراسة.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
من المسلم به أن كل قاعدة قانونية تتعلق بالنظام العام فهي قاعدة آمرة يترتب عن مخالفتها جزاء مادي توقعه السلطة العامة على المخالف، وعلى ذالك فان القواعد الدستورية ما دامت تمثل إرادة المجتمع العليا وتوجهاته في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فان تجاوز هذه القواعد يصنف في خانة المحرمات.
ولأنه لا وجود لسلطة عامة توقع الجزاء لقهر الإرادات العاصية للقواعد الدستورية حسب بعضهم فان هذه الأخيرة لا تتصف بالخاصية الإلزامية (المطلب الأول). ولكن الجزاء المعنوي حسب بعضهم يمكن الاعتداد به مما يكسب القواعد الدستورية صفة القواعد القانونية الكاملة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: نظرية انتفاء الصفة القانونية لقواعد القانون الدستوري (المدرسة الانجليزية).
تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية والزاميتها على مدى تفر عنصر الجزاء المتبدي في الاكره المادي الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل ومن هنا يقل زعيم هذه النظرية الفقيه أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد آداب تحميها جزاءات أدبية بحتة، ذالك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا للقانون بالمعنى الصحيح، مما عدم صفه بأنه غير قانوني، وهذا ما دفع أن يطلق على قواعد القانون الدستوري بأنها ” قواعد الأخلاق الوضعية”.
المطلب الثاني: نظرية اكتساب القاعد الدستورية للصفة القانونية.(المدرسة الفرنسية).
ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزاء المعنوي، لان كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي على حد قول زعيم المدرسة .
وبهذا فان كل قاعدة لها جزاءها وان كان الاختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذالك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة، وعليه فان أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح
الـــــخـــاتـــمـــة:
وخلاصة القول إن الفقه اختلف في تناول إشكالية الجزاء في القانون الدستوري، حيث ذهب جانب منه إلى القول بانتفاء الصفة القانونية لقاعد القانون الدستوري نظرا لانتفاء عنصر الجزاء عنها مما لا يجعل منها أكثر من قواعد آداب وأخلاق وضعية.
فيما يذهب الجانب الأخر إلى أن الجزاء المعني كاف لإثبات الصفة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
وبين هذا وذاك يمكن القول أن قواعد القانت الدستوري هي قواعد قانونية كاملة تحتل قمة الهرم القانوني للدولة، وتبقى القواعد القانونية الأخرى مرتبطة بها ارتباطا وثيقا بل وبعضها جاء لينظم بعض مقتضيات القانون الدستوري، وبالتالي فان مخالفة أي من القواعد القانونية الأخرى يعتبر مخالفة لقواعد القانون الدستوري وان أي تشريع مخالف للدستور يلحقه جزاء مقرر في هذه القاعدة أو تلك.
اترك تعليقاً