بحث ودراسة قانونية هامة عن الخطأ الجسيم في ضوء الإجتهاد القضائي
دراسة جديدة لعبد الحميد مبركي
لقد أتاح المشرع المغربي في إطار علاقات الشغل للمؤاجر حق توقيع الجزاءات والعقوبات على أجرائه بمناسبة ارتكابهم لأخطاء أثناء مزاولتهم للعمل داخل المقاولة وهذه الأخطاء قد تكون يسيرة يمكن للمشغل تجاوزها اختياريا أوتوقيع جزاءات بسيطة في حالة أخرى . كما قد تكون جسيمة ترثب جزاءات تصل الى الفصل إلا ان هذه السلطة الممنوحة للمشغل لاتعتبر مطلقة بل تمارس عليها رقابة من طرف المحاكم المختصة في هذا المجال. وموضوع بحثنا يتطرق الى الخطأ الجسيم عموما ولكن بالاساس سنركز على الخطأ الجسيم على ضوء الاجتهاد القضائي .
وقبل الدخول في التفاصيل الخاصة بهذا الموضوع سنقوم بتقديم تعريف بسيط للخطإ الجسيم.
فالخطأ الجسيم هو “ذلك الخطأ الذي يؤدي إلى ضرر كبير يتجاوز المألوف ومايمكن ان يرتكبه شخص عادي..”
أو بتعبير أدق هو ” الذي يجعل الإحتفاظ بالعلاقة العقدية غير ممكنة حتى أثناء مهلة الإخطار” ويكون بطبيعته سببا مشروعا لإنهاء العقد.
ورغم عدم تعريف القانون للخطأ الفادح ألا انه أورد بعض الحالات التي تعتبر اخطاء فادحة بقوة القانون وذلك على سبيل المثال لا الحصر وسنتطرق لها في الموضوع .
وينصب الاشكال الذي وضعناه كأساس لدراسة موضوعنا أولا حول طبيعة رسالة الطرد، هل هي شرط صحة أم وسيلة إثبات؟ وثانيا حول كيفية إثبات الطرد من طرف المؤاجر وهل يكفي الإعتداد بشهادة الشهود لإثبات السبب المبرر للطرد، للقول بإمكانية الاستناد إلى اسباب أخرى غير تلك التي سطرت في رسالة الطرد؟
وسنجيب عن هذه التساؤلات إنطلاقا من خطة البحث التالية:
I ــ الفصل الناتج عن الخطأ الجسيم.
1- حالات هذا الفصل
2- مسطرة الفصل التأديبي
II ــ في إثبات مبررات الطرد.
1- الرأي القضائي في طبيعة رسالة الطرد
2- الرأي القضائي في كيفية إثبات مبررات الطرد.
I ــ الفصل الناتج عن الخطأ الجسيم.
1- حالات هذا الفصل
لقد حددت المادة 39 من مدونة الشغل مجموعة من الاخطاء اعتبرتها بمثابة اخطاء جسيمة وهذه الاخطاء يمكن اجمالها في نوعين: يتعلق بعضها بسلوك العامل المنحرف كارتكاب جنحة ماسة بالشرف او الامانة او الاداب العامة او افشاء سر مهني او ارتكاب السرقة ، خيانة الامانة السكر العلني او تعاطي مادة مخدرة داخل المؤسسة او اثناء الشغل او الاعتداء بالضرب او السب الفادح او التحريض على الفساد ويتعلق بعضها الاخر بطبيعة العمل كرفض انجاز شغل من اختصاصه عمدا ودون مبرر او التغيب عن العمل او الحاق ضرر جسيـم بالا لات او خرق التعليمات المتعلقة بسلامته .
وبمقارنتها مع المادة 6 من النظام النموذجي ( 23. 10 . 1948 ) نلاحظ ان مشرع المدونة قد تدارك بعض النقائص التي كان يلاحضها الفقه حيث حددت مكان وزمان ارتكاب بعض الافعال ( السرقة – خيانة الامانة السكر العلني – تعاطي مادة مخدرة )حتى تعتبر اخطاء مبررة للطرد بحيث تجب ان ترتكب داخل المؤسسة او اثناء الشغل .
كما حددت مفهوم الحكم الصادر عن المحاكم وكذا نوع الجرائم التي يصدر بخصوصها حيث اوجبت ان يكون من اجل ارتكاب جنحة ماسة بالشرف او الامانة او الاداب العامة وان يكون حكما نهائيا وسالبا للحرية .
كما تم حذف ” المس بحرية الشغل ” من لائحة الاخطاء الجسيمة وهو تحقيق لمطلب المنضمات النقابية للعمال وان كانت المادة 12 من المدونة قد اعطت المؤاجر حق تاديب الاجير في هاته الحالة بايقافه لمدة 7 أيام ثم 15 في حالة العود مع امكانية الفصل في المرة الثالثة.
لكن ما يؤخذ على المشرع هواعتباره اي فعل نتج عنه خسارة مادية للمشغل مبررا للطرد من العمل و هي عبارة فضفاضة قد تفتح المجال الواسع في التاويل .كما ان هذه العبارة قد استوعبت كافة الاخطاء الواردة بالمادة39.
كما ان مشرع المدونة لم يضع حد ا للاختلاف الفقهي والقضائي حول مااذا كانت الاسباب المذكورة هي على سبيل الحصر ام لا وبالتالي يبقى ما استقر عليه الاجتهاد القضائي هو السائد بحيث يجوز للمحكمة ان تظيف اسبابا اخرى متى اقتنعت بها لاقرار مشروعية الطرد .
2- مسطرة الفصل التأديبي
في هذا الإطار حددت المواد 62 – 63 – 64 – 65 من مدونة الشغل مسطرة الفصل التاديبي بحيث اتاحت للاجير فرصة للدفاع عن نفسه بالاستماع اليه من طرف المشغل او من ينوب عنه بحضور مندوب الاجراء او المممثل النقابي بالمقاولة يختاره بنفسه داخل اجل لا يتعدى ثمانية ايام من التاريخ الذي يتبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب للاجير ويحرر محضر في الموضوع من قبل ادارة المقاولة يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه للاجير واذا رفض احد الطرفين اجراء المسطرة يتم اللجوء الى مفتش الشغل كما ان مقرر الفصل يسلم الى الاجير يدا بيد مقابل وصل او بواسطة رسالة مضمونة مع اشعار بالتوصل داخل اجل 48 من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور ويحب ان يتضمن مقرر الفصل الاسباب المبررة لا تخاذه وتاريخ الاستماع الى الاجير مرفقا بالمحضر المشار اليه اعلاه .وما يلاحظ هو ان المدونة لم يترتب اي اثر قانوني بنص صريح عن عدم اتباع هذه المسطرة من طرف المشغل وبالتالي فانها لم تضع حدا للاختلاف الفقهي والقضائي حول هذه النقطة والذي كانت تثار حول المادة 6 من النظام النموذجي لسنة 1948 بحيث اختلف الفقه والقضاء بين رايين اولهما يرى ان المسطرة اعلاه هي وسيلة اثبات لفصل الاجير ولا يترتب عن عدم احترامها اعتبار الفصل تعسفيا والبعض الاخر يرى انها شرط صحة يترتب عن عدم اتباعها اعتبار الفصل تعسفيا وقد تارجح الاجتهاد القضائي بين الموقفين الا ان الاتجاه الحديث والمرجح هو اعتبار مسطرة الفصل شرط صحة واعتبار الطرد تعسفيا ما لم يتم اتباع المسطرة الواجبة لايقاعه .
وعلى العموم فهذا الإشكال ليس موضوع بحثنا لذلك سنتجاوزه ونرجئ الحديث عنه في مناسبة أخرى لنترك المجال أمام التساؤلات التي وضعناها في المقدمة.
II – في إثبات مبررات الطرد.
1- الرأي القضائي في طبيعة رسالة الطرد
يمكن تبليغ الأجير المرتكب لخطإ جسيم قرار مؤاجره بطرده من العمل عن طريق رسالة مضمونة ، وتسليم نسخة منها لمفتشي الشغل ، مع تضمينها الأسباب الداعية إلى صدور ذلك القرار ،
جاء قرار المجلس الأعلى بتاريخ 1/4/1971 أن المؤاجر غير ملزم باحترام إجراءات الفصل المنصوص عليها قانونا وهو ماشكل مراوغة وابتعادا عن النصوص القانونية الحمائية التي رمى من خلالها المشرع إلى عدم مفاجأة الأجير بقرار طرده دون ان يكون قد اتخذ الاحتياطات اللازمة، وبحث عن شغل اخر.
وقد كرس القضاء نفس الأحكام في عدة قضايا مماثلة، حيث لم يرتب عن إغفال هذا الاجراء كجزاء البطلان لعلة أن مسطرة الانذار الكتابي مجرد وسيلة إثبات لاغير ، وبذلك تكون محكمة النقض الفرنسية قد قلصت من مدى هذا الالتزام القانوني كما في حكمها المؤرخ في 4 يوليوز 1978.
وقد استغل المؤاجرون بلا شك هاته الاحكام ،ليطلقوا ايديهم في ميدان الاثبات ولو عن طريق الشهود ، وفعلا نجد المجلس الأعلى أقر شهادة هؤلاء لإثبات الأخطاء التي يرتكبها الأجراء ولو صدرت عن أشخاص لازالو يعملون تحت إمرة المشغل كما في حالة إثبات حالة السكر ، والتي اعتبرها المجلس مجرد واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الوسائل ، وسمح لقضاة الموضوع إعمل سلطتهم التقديرية لترجيح أي من شهادة الطرفين ، بل والأخذ بقاعدة أن الإثبات مقدم على النفي ، دلك لأنه لاوجود لأي نص يمنع الأخذ بالشهادة المذكورة لفائدة هذا الطرف أو ذاك.
وتجدر الاشارة إلى أن قبول القضاء بخرق الاجراءات الشكلية ، لايحرم الأجير من الحق في التعويض المناسب جزاء عدم احترام مسطرة الإعلان عن الفصل كتابة ، وقد أيد جانب من الفقه أحقية الاجير في التعويض المذكور ، كالأستاذ محمد فهيم الذي رأى أنه ” يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم الاخنصاص بالفسخ وتلزم صاحب العمل بأن يدفع أجر العامل وذلك إلى تاريخ تظلمه…” غير أنه لامجال للحكم للأجير بأي تعويض يذكر متى ثبت أنه ظل يزاول عمله بعد رسالة الطرد ، أذ يعد ذلك قرينة قاطعة على تراجع المشغل عن قراره السابق ، وذلك لحين تقديم هذا الأخير لاستقالته.
2- الرأي القضائي في كيفية إثبات مبررات الطرد
القاضي المغربي وفي إطار الدور الأجابي المنوط به في نزاعات الشغل، يعمد وهوبصدد البحث عن السبب المبرر للطرد إلى التدخل للإستقصاء والوقوف عن كثب على الدوافع الحقيقية الذاتية منها والموضوعية ، مستعينا في ذلك بردود الأطراف ، وبكل إجراءات التحقيق الممكنة، خاصة عندما يعجز الأجير عن تقديم الدليل على حقيقة البواعث الكامنة وراء إجراء الطرد ، نتيجة الموقف السلبي للمؤاجر ، أو عندما يعمد إلى طرق تدليسية ، لإخفاء عناصر الواقع أوتزييفها، خاصة إذا تبين أن الأجير له انتماءات سياسية، أو نقابية.
ولعل المشرع المغربي يقتفي أثر نظيره الفرنسي الذي لم يحمل اي طرف على إثبات الطابع الحقيقي والجدي للطرد أو العكس، وترك ذلك لتقدير المحكمة التي لها كامل الصلاحية للتبين من الحقيقة ولو عن طريق اعتبار عدم جواب المِاجر على طلب أجيره بخصوص أسباب طرده ، قرينة على انتفاء السبب الحقيقي والجدي للطرد ، وهي قرينة بسيطة يمكن للمؤاجر دحضها بالدليل العكسي.
اترك تعليقاً