بحث قانوني هام عن نظام الانتخابات مع دراسة خاصة لبعض أحكام النظام الانتخابي الجزائري
النظـــم الانتخابيـــة
يقصد بالنظم الانتخابية عادة الأساليب والطرق المستعملة لعرض المترشحين وبرامجهم على الناخبين وفرز الأصوات وتحديد النتائج، والفقهاء يتفقون على أن الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لإسناد السلطة السياسية لمستحقيها في النظام الديمقراطي، حيث يقول الأستاذ ليون بردات في كتابه (الأيديولوجيات السياسية) بأنه لا يوجد شيء أهم في النظام الديمقراطي من الانتخاب.
وعلى الرغم من الاتفاق حول أهمية الانتخاب إلا أن الفقهاء اختلفوا في تكييف طبيعتها وفي تبني أسس وأساليب وإجراءات الانتخابات.
المبحث الأول: التكييف القانوني للانتخابات: هل الانتخابات وظيفة أم حق؟
هذا التكييف مرتبط بمفهوم نظريتي سيادة الشعب والأمة حيث ساد هذا الخلاف بينهما.
المطلب الأول: الانتخاب وظيفة:
بالنسبة لنظرية سيادة الأمة كما مر بنا تنظر إلى الانتخابات على أنها وظيفة وفي هذا يقول (بارناف): (أن صفة الناخب لا تعدو أن تكون وظيفة عامة لا يجوز لأي فرد الإدعاء بحق فيها يمنحها المجتمع على النحو الذي تمليه عليه مصلحته وإذا شاءت الأمة أن تجعل ممارسة هذا العمل إجباريا فليس هناك ما يمنعها من ذلك). وقد ترتب عن قيد الانتخاب أن أصبح يمارس بواسطة الاقتراع المقيد حيث أدى إلى وجود طبقتين من المواطنين:
طبقة المواطنين السلبيين Citoyens passifs الذين يتمتعون بالحقوق المدنية دون السياسية، وطبقة المواطنين الإيجابيين النشطاء Citoyens actifs وهم الذين يتمتعون بحقوقهم السياسية إضافة إلى المدنية.
المطلب الثاني: الانتخاب حق شخصي:
ساد هذا الرأي لدى أنصار نظرية سيادة الشعب حيث ذهبت إلى القول أن الانتخاب حق شخصي لكل مواطن باعتباره حقا طبيعيا لا يجوز أن ينزع أو ينقص منه وقد عبر عن ذلك الفقيه جون جاك روسو بقوله (أن التصويت حق لا يمكن انتزاعه من المواطنين)، وما ترتب عن ذلك هو اعتبار الانتخاب حقا وليس واجبا أو وظيفة فلكل ناخب الحق في ممارسة أو عدم ممارسة هذا الحق دون أن يتعرض لأي مسؤولية لأن الانتخاب اختياري بالنسبة إليه، ويدفع هذا الاعتبار إلى تبني نظام الاقتراع العام.
المطلب الثالث: الانتخاب وظيفة وحق:
يرى هذا الرأي أن الانتخاب حق ووظيفة في آن واحد ففي تبرير قوله بأن الانتخابات حق يذهب إلى التأكيد على وجود بعض الحقوق الطبيعية للفرد والتي لا يجوز للدولة أن تمسها أو تنتقص منها لأنها تسموا على القانون الوضعي، أما في قولها بأن الانتخابات وظيفة فذلك يعني أنها إجبارية وليست اختيارية فعلى المواطن أداؤها وإلا تعرض للمسؤولية الجزائية ممثلة في غرامة مالية في أغلب الأحيان.
وهذا الرأي حاول أن يوفق بين كون الانتخاب حق وواجب من أجل التقليل من المواقف السلبية تجاه هذه الانتخابات الناتجة عن الامتناع من المشاركة فيها.
المبحث الثاني: أساليب الانتخابات وأنواعها
كيف تنظم الانتخابات وما هي صورها أو أنواعها؟
المطلب الأول: الاقتراع المقيد والاقتراع العام: هل الانتخابات مفتوحة لكل المواطنين؟
فالاقتراع المقيد هو تقييد حق الانتخاب بشروط معينة كتوافر نصاب مالي معين أو قسط من التعليم أو الاثنين معا أو أن يكون منتميا لطبقة اجتماعية معينة.
فهذا النوع من الاقتراع يعتبر في الحقيقة أقل ديمقراطية فهو يقلل من أفراد الشعب السياسي كما أنه يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين.
أما الاقتراع العام فيعرف تعريفا سلبيا حيث كلما كنا أمام نظام انتخابي لا يشترط شروطا خاصة كالتي ذكرناها في النوع السابق كنا أمام اقتراع عام.
فلا تعتبر من الشروط الخاصة تلك الشروط التنظيمية، أو تلك التي تعلق ممارسة حق الانتخاب ببلوغ سن معينة أو التمتع بجنسية الدولة، أو التمتع بكامل قواه العقلية.
المطلب الثاني: الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة
نكون أمام الانتخاب الفردي عندما تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية بقدر عدد النواب المراد انتخابهم وبالتالي يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها فإذا تقدم عدة مرشحين في دائرة واحدة فلا يجوز لأي ناخب أن ينتخب أكثر من مرشح واحد.
أما الانتخاب بالقائمة فيقلل من عدد الدوائر الانتخابية فليس شرطا أن تكون الدوائر متساوية فقد يخصص لكل دائرة عدد من النواب يتوافق وعدد سكانها يجري انتخابهم في قائمة فيقوم المنتخبون باختيار المترشحين من بين الأسماء المدرجة ضمن القائمة أو القوائم الانتخابية التي تختلف باختلاف الأنظمة ويطبق هذا النوع في عدة صور:
فهناك نظام القائمة المغلقة ففيها يخير الناخب بين إحدى القوائم المتنافسة دون شطب فيها، ونظام القوائم الممزوجة فهو غير مقيد بقائمة واحدة بل له الحرية في أن يشكل القائمة التي يراها مناسبة من بين القوائم المتنافسة أو من قائمة واحدة.
المطلب الثالث: الانتخاب العلني والانتخاب السري.
الاقتراع العلني هو أن يختار الناخبون ممثليهم ويبدون آراءهم بشكل علني ومكشوف بحيث يمكن معه معرفة تلك الاختيارات، وكان هذا الأسلوب هو المتبع والمحبذ إلا أنه يجعل من الناخبين عرضة لانتقام ذوي النفوذ والسلطة.
أما الاقتراع السري فهو أن يؤدي الناخب هذا الواجب ويدلي برأيه دون أن يكون شخص أخر على علم بما اختاره، وتتبنى حاليا أغلب النظم الانتخابية هذا النوع نظرا لما يوفره من نزاهة الانتخابات وصدقها بسبب ابتعاد الناخب عن الضغوطات التي تتوفر في الاقتراع العلني.
المطلب الرابع: الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر
يعني الانتخاب المباشر أن يقوم الناخب باختيار ممثليه ونوابه مباشرة بنفسه ودون وساطة من أحد فهو يكون في عملية واحدة.
أما الانتخاب غير المباشر هو أن يقوم فيه جمهور الناخبين باختيار وانتخاب مندوبين عنهم ليتولوا اختيار ممثليه من المترشحين فهو يقوم على درجتين.
المبحث الثالث: أساليب تحديد النتائج
تحدد نتائج الانتخابات بأسلوبين اثنين هما نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي وهذان النظامان يتعلقان إذن بنتيجة الانتخابات وليس بإجراء التصويت، وبالتالي فإن أيهما سيطبق سوف يؤثر على كيفية توزيع المقاعد على المترشحين، فما مفهوم كل نظام وكيف يتم تطبيقه؟
المطلب الأول: نظام الأغلبية Le system majoritaire
يقصد بنظام الأغلبية أن يفوز المرشحون الحاصلون على أغلبية الأصوات في الدائرة بالانتخابات أما من يليهم من المرشحين في الترتيب فلا يحصلون على شيء ويستوي في ذلك أن يكون الانتخاب فرديا أو بالقائمة.
ويقال أن نظام الأغلبية يحقق الانسجام داخل المجالس النيابية بما يوفره من إمكانيات التعاون والتوافق الشيء الذي يبعد عنها الصراعات التي تؤدي في غالب الأحيان إلى تعطيل عملها، هذا فضلا على بساطة الانتخابات في ظله إلا أنه لا يكون في صالح الأحزاب الصغيرة.
إلا أنه يبدو أقل ديمقراطية من نظام التمثيل النسبي حيث يكفل الفوز فقط لمن حصل على الأغلبية من الأصوات دون إقامة أي وزن للأصوات الأخرى سواء كانت فردية ّأو حربية مما يجعل الفائز يحصل على كل المقاعد استنادا إلى القاعدة أن الفائز يكسب الكل، وهو بهذا يؤدي إلى ظلم الأقليات التي لا تتمكن في أغلب الأحيان من الفوز بالأغلبية وإنما كل ما تستطيع تحقيقه هو الحصول على نسبة بسيطة من الأصوات دون أن تؤهلها إلى اكتساب مقعد، الأمر الذي يمهد للأحادية التي تعتبر مقدمة الاستبداد.
ويأخذ نظام الأغلبية إحدى الصورتين الرئيستين: الأغلبية المطلقة والأغلبية النسبية أو البسيطة.
الفرع الأول: الأغلبية المطلقة Majoritaire absolu.
الأغلبية المطلقة تعني الحصول على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين الصحيحة التي اشتركت في الانتخابات، أو كما هو متعارف عليه خمسين في المائة زائد صوت واحد (50 + % 1)، والتي يفترض أن يحصل عليها المرشح الفائز أو القائمة، أما إذا لم يحصل أحد المرشحين أو إحدى القوائم على الأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة المعطاة فإنه يجب إعادة الانتخابات ولذلك يسمى نظام الأغلبية المطلقة أحيانا بنظام الأغلبية على جولتين، وهنا يسمح القانون إما بإعادة الانتخاب بين الاثنين الحاصلين على أعلى الأصوات، أو يسمح بإعادتها بين الذين حصلوا على نسبة معينة، فهنا يتعدد المرشحون فلا مفر من الاكتفاء بالأغلبية النسبية.
الفرع الثاني: الأغلبية البسيطة.
يعني هذا النظام أن المرشح الفائز هو الذي حصل على أكثر الأصوات بغض النظر عن مجموع الأصوات التي حصل عليها باقي المرشحين الآخرين.
فلو كان هناك دائرة انتخابية عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم كان (7000) ناخب، حصل المرشح الأول على (2500) صوت والمرشح الثاني على (2000) صوت، والثالث على (1500) صوت والرابع على (1000) صوت فإن الفائز هو المرشح الأول ونفس الشيء إذا تعلق الأمر بقائمة.
ونظرا لبساطة طريقة تحديد الفائز فإننا لا نتخيل إعادة الانتخاب بسبب حسم النتيجة من الجولة الأولى ولذلك يسمى هذا النظام بنظام الجولة الأولى.
المطلب الثاني: نظام التمثيل النسبي
في هذا النظام تحصل كل قائمة متنافسة على عدد من المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية حسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات، ولذلك فإن هذا النظام لا يمكن تصور تطبيقه إلا في ظل الانتخاب بالقائمة أين يكون فيه توزيع المقاعد بين القوائم المتنافسة أما في الانتخاب الفردي فلا يمكن ذلك لأنه يدور حول منصب واحد يتعذر تقسيمه.
فلو فرضنا أن هناك دائرة انتخابية تنتخب 10 نواب تتنافس حولها ثلاث قوائم فجاءت نتائجها كمايلي:
القائمة (أ) لها 60 % فلها 06 مقاعد.
القائمة (ب) لها 20 % فلها 02 مقعدان.
القائمة (ج) لها 20 % فلها 02 مقعدان.
ولكن الواقع العملي لا يكون دائما بهذه السهولة والبساطة، فقد تثور صعوبات في كثير من الأحيان في توزيع البواقي أي بعد التوزيع الأولي تبقى مقاعد غير موزعة وأصوات لم يستفد منها فكيف يتم توزيع هذه البواقي.
أ- على مستوى الدائرة الانتخابية
الفرع الأول: طرق توزيع المقاعد: يتم توزيع المقاعد في نظام التمثيل النسبي بين القوائم المتنافسة بالطرق التالية:
1- المعامل الانتخابي: يتم استخراج المعامل الانتخابي بتقسيم مجموع الأصوات الصحيحة المعبر عنها على عدد المقاعد المراد شغلها في الدائرة الانتخابية والنتيجة المحصل عليها هي التي تسمى المعامل الانتخابي، ومثال ذلك:
الأصوات الصحيحة المعبر عنها = 300.000 صوت.
عدد المقاعد = 06.
اترك تعليقاً