بحث ودراسة معمقة حول عقد البيع فى الفقه الاسلامي
أ* سيد احمد سليم
-تعريف البيع :
البيع لغة : مقابلة شيء بشيء، وهو من أسماء الأضداد أي التي تطلق على الشيء وعلى ضده، مثل الشراء كما في قوله تعالى : {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أي باعوه، ويقال لكل من المتعاقدين : بعائع وبيّع، ومشتر وشار.
واصطلاحاً : مبادلة مال بمال على وجه مخصوص أو هو مبادلة شيء مرغوب فيه بمثله على وجه مفيد مخصوص أي بإيجاب أو تعاطٍ.
والمراد بالمال عند الحنفية : ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم. أو هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس. وعليه لا تعتبر المنافع والحقوق المحضة مالاً عند الحنفية. أما جمهور الفقهاء فقد اعتبروها مالاً متقوماً، لأن المقصود من الأعيان منافعها.
والمقصود من البيع هنا : هو العقد المركب من الإيجاب والقبول.
مشروعية البيع :
البيع جائز بأدلة من القرآن والسنة والإجماع.
أما القرآن : فقوله تعالى : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وقوله سبحانه : {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وقوله عز وجل : {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء : 29].
وأما السنة فأحاديث، منها : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الكسب أطيب ؟ فقال : “عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور” رواه البزار وصححه الحاكم. أي لا غشي فيه ولا خيانة، ومنها حديث : “إنما البيع عن تراض” وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم عليه، وقال : “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء” قال الترمذي : “هذا حديث حسن”.
وأجمع المسلمون على جواز البيع، والحكمة تقتضيه، لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي تشريع البيع طريق إلى تحقيق كل واحد غرضه ودفع حاجته، والإنسان مدني بالطبع، لا يستطيع العيش بدون التعاون مع الآخرين.
ركن البيع عند الحنفية : هو الإيجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي. فركنه بعبارة أخرى : الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل، وهذا قولهم في العقود.
وللبيع عند الجمهور أركان أربعة : هي البائع والمشتري والصيغة والمعقود عليه وهذا رأيهم في كل العقود.
والإيجاب عند الحنفية : إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولاً من كلام أحد المتعاقدين، سواء وقع من البائع كبعت، أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري فيقول : اشتريت بكذا.
والقبول : ما ذكر ثانياً من كلام أحد المتعاقدين. فالمعتبر إذاً أولية الصدور وثانويته فقط سواء أكان من جهة البائع أم من جهة المشتري.
وعند الجمهور : الإيجاب : هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء متأخراً. والقبول: هو ما صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولاً.
فقالوا : ينعقد البيع بصيغة الماضي مثل : بعت، واشتريت. وبصيغة الحال مع النية مثل : أبيع وأشتري.
لا يكون كل من الإيجاب والقبول لازماً قبل وجود الآخر فإذا وجد أحدهما لا يلزم قبل وجود الشطر الآخر، ويكون لكل من المتعاقدين حينئذ خيار القبول والرجوع، فإذا تم الإيجاب والقبول، فهل يكون لأحد العاقدين في مجلس العقد خيار الرجوع ؟ اختلف العلماء فيه.
فقال الحنفية والمالكية : يلزم العقد بالإيجاب والقبول، لأن البيع عقد معاوضة، يلزم بمجرد تمام لفظ البيع والشراء، ولا يحتاج إلى خيار مجلس، ولقول عمر رضي الله عنه : “البيع صفقة أو خيار”.
وقالوا عن حديث “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا” : المراد بالمتبايعين : هما المتساومان والمتشاغلان بأمر البيع، والمراد بالتفرق التفرق بالأقوال : وهو أن يقول الآخر بعد الإيجاب : لا أشتري، أو يرجع الموجب قبل القبول، فالخيار قبل القبول ثابت. ورد بعضهم هذا الحديث لمعارضته لآية {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وآية {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1} وقال بعضهم : إنه منسوخ.
بهذا يظهر أن خيار المجلس مقصور عند هؤلاء على ما قبل تمام العقد، فإذا أوجب أحد المتعاقدين، فالآخر بالخيار : إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء رد، وهذا هو خيار القبول وخيار الرجوع.
وقال الشافعية والحنابلة : إذا انعقد البيع بتلاقي الإيجاب والقبول، يقع العقد جائزاً أي غير لازم، ما دام المتعاقدان في المجلس، ويكون لكل من المتبايعين الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ما داما مجتمعين لم يتفرقا أو يتخايرا، ويعتبر في التفرق : العرف : وهو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه.
والمراد به التفرق بالأبدان، وهو التفرق حقيقة. وهو الذي يكون لذكره في الحديث فائدة، لأنه معلوم لكل واحد أن المتعاقدين بالخيار إذا لم يقع بينهما عقد بالقول.
وهذا هو خيار المجلس الثابت في أنواع البيع، لما روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال: “البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر : اختر” أي اختر اللزوم.
شروط البيع :
شرائط الانعقاد : وهي ما يشترط تحققه لاعتبار العقد منعقداً شرعاً، وإلا كان باطلاً. وقد اشترط الحنفية لانعقاد البيع أربعة أنواع من الشروط : في العاقد، وفي نفس العقد، وفي مكانه، وفي المعقود عليه.
أما ما يشترط في العاقد فهو شرطان :
1-أن يكون العاقد عاقلاً أي مميزاً، فلا ينعقد بيع المجنون والصبي غير العاقل. ولا يشترط البلوغ عند الحنفية، فيصح تصرف الصبي المميز.
2- أن يكون العاقد متعدداً : فلا ينعقد البيع بواسطة وكيل من الجانبين إلا في الأب ووصيه والقاضي والرسول من الجانبين، بخلاف الوكيل في عقد النكاح، فإنه يصح أن يعقد النكاح وكيل من الجانبين.
والفرق بين البيع والنكاح : هو أن للبيع حقوقاً متضادة مثل التسليم والتسلم والمطالبة بتسليم المبيع وقبض الثمن والرد بالعيب والخيارات. ويستحيل أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلماً ومتسلماً، طالباً ومطالباً، وهذا محال. وبما أن حقوق العقد مقتصرة على العاقد فلا يصير كلام العاقد كلام الشخصين. وأما الوكيل في النكاح فإن حقوق العقد لا ترجع إليه، وإنما ترجع إلى الموكل فكان سفيراً محضاً بمنزلة الرسول.
وقد استثني الأب فيما يبيع مال نفسه من ابنه الصغير، بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس فيه عادة، أو يشتري مال الصغير لنفسه، لأنه حينئذ اقترب من مال اليتيم بالتي هي أحسن، لكمال شفقته ووفرة رعايته بحكم طبيعة الحال. والوصي مثل الأب عند أبي حنيفة إذا تصرف بما فيه نفع ظاهر لليتيم أو بمثل القيمة، لأنه مرضي الأب، والظاهر ما رضي به إلا لوفور شفقته على الصغير.
والقاضي لا ترجع إليه حقوق العقد، فكان بمنزلة الرسول، والرسول لا تلزمه حقوق العقد، لأنه معبر وسفير، فجاز لكل من القاضي والرسول تولي العقد عن الجانبين.
وأما ما يشترط في نفس العقد فهو شرط واحد : وهو أن يكون القبول موافقاً للإيجاب.
وأما ما يشترط في مكان العقد : فهو شرط واحد أيضاً وهو اتحاد مجلس الإيجاب والقبول. ومجلس البيع : هو الاجتماع الواقع لعقد البيع.
وأما ما يشترط في المعقود عليه أي المبيع فهو أربعة شروط :
1- أن يكون المبيع موجوداً : فلا ينعقد بيع المعدوم قبل وجوده وماله خطر العدم. من أمثلة الأول : بيع نتاج النتاج أي ولد ولد هذه الناقة مثلاً، وبيع الثمر قبل انعقاد شيء منه على الشجرة. ومن أمثلة الثاني : بيع الحمل، وبيع اللبن في الضرع، فكل من الحمل واللبن متردد بين الوجود وعدم الوجود فهما على خطر العدم.
ودليله في الجملة : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها. ويلحق به بيع ياقوتة فإذا هي زجاج، ففي هذا غلط في الجنس فلا ينعقد البيع، لأن المبيع معدوم.
ويستثنى بيع السلم والاستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد ظهور بعضه في رأي بعض الحنفية.
2- أن يكون المبيع مالاً متقوماً :
والمال عند الحنفية : ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. وبعبارة أخرى : هو كل ما يمكن الإنسان وينتفع به على وجه معتاد. والأصح أنه هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس. والمتقوم : ما يمكن ادخاره مع إباحته شرعاً. وبعبارة أخرى : هو ما كان محرزاً فعلاً ويجوز الانتفاعبه في حال الاختيار، فلا ينعقد بيع ما ليس بمال كالإنسان الحر والميتة والدم، ولا بيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير في حق مسلم، ويجوز بيع آلات الملاهي عند أبي حنيفة لإمكان الانتفاع بالأدوات المركبة منها، وعند بقية الأئمة : لا ينعقد بيع هذه الأشيءا، لأنها معدة للفساد.
3- أن يكون مملوكاً في نفسه : أي محرزاً وهو ما دخل تحت حيازة مالك خاص. فلا ينعقد بيع ما ليس بمملوك لأحد من الناس مثل بيع الكلأ ولو في أرض مملوكة، والماء غير المحرز، والحطب، والحشيش، والصيود التي في البراراي، وتراب الصحراء ومعادنها، وأشعة الشمس والهواء، ولقطات البحر وحيواناتالبر في البراري.
4- أن يكون مقدور التسليم عند العقد :
فلا ينعقد بيع معجوز التسليم، وإن كان مملوكاً للبائع، مثل الحيوان الشارد والطير في الهواء، والسمك في البحر بعد أن كان في يده.
شروط الإيجاب والقبول :
يفهم مما ذكرناه من شرائط الانعقاد أنه يشترط في الإيجاب والقبول ثلاثة شروط :
1- الأهلية : هي عند الحنفية أن يكون كل من الموجب والقابل عاقلاً مميزاً يدرك ما يقول ويعنيه حقاً، فهو في الحقيقة شرط في العاقد لا في الصيغة، إلا بالنظر لصدورها من العاقدين. والتمييز مقدر بتمام السنوات السبع، فلا ينعقد بيع المجنون والصبي غير المميز، لأن العقد ارتباط بين إرادتي طرفيه.
والكلام ونحوه كالكتابة والإشارة دليل على هاتين الإرادتين، فكان لابد من أن يكون هذا الدليل صادراً من مميز عاقل.
والبلوغ والاختيار ليس من شروط الانعقاد عند الحنفية.
2- الشرط الثاني – من شروط صيغة البيع : أن يكون القبول موافقاً للإيجاب : بأن يرد على كل ما أوجبه البائع وبما أوجبه فإذا قال إنسان لآخر : بعتك هذين الثوبين بألف ليرة، فقال المشتري : قبلت في هذا الثوب، وأشار إلى واحد منهما، لا ينعقد البيع. وإذا قال لآخر : بعتك هذه الدار بما فيها من مفروشات بألفي ليرة، فقال المشتري : قبلت شراءها دون ما فيها بألف ليرة مثلاً، لم ينعقد العقد أيضاً، لتفريق الصفقة على البائع، والمشتري لا يملك تفريقها، لأن من عادة التجار ضم الرديء إلى الجيد، ترويجاً للرديء بواسطة الجيد. فلو قبل المشتري بأكثر مما طلب، انعقد البيع : لأن القابل بالأكثر قابل بالأقل طبعاً، غير أنه لا يكون ملزماً إلا بالثمن الذي طلبه البائع.
ولو قبل بأقل مما ذكر البائع، لا ينعقد العقد.
وكذا لو خالف في وصف الثمن لا في قدره، كأن أوجب البائع البيع بثمن حالّ، فقبل المشتري بثمن مؤجل، أو أوجب بأجل إلى شهر معين فقبل المشتري بأجل أبعد منه، فلا ينعقد البيع في الحالتين، لعدم تطابق القبول مع الإيجاب.
3- أن يتحد مجلس العقد : بأن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، بأن كان الطرفان حاضرين معاً، أو في مجلس علم الطرف الغائب بالإيجاب. ونتائج هذه الشرط ما يلي :
لو أوجب أحد الطرفين البيع فقام الآخر عن المجلس قبل القبول، أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلاف المجلس، ثم قبل، لا ينعقد البيع. ولكن يشترط الفور في القبول، لأن القابل يحتاج إلى التأمل، ولو اقتصر على الفور لا يمكنه التأمل، واعتبر المجلس الواحد جمعاً للمتفرقات للضرورة.
وكذلك قال المالكية : لا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول إلا أن يخرج عن البيع لغيره عرفاً.
وقال الشافعية والحنابلة : يشترط أن يكون القبول بعد الإيجاب بألا يفصل بينهما فاصل كثير : وهو ما أشعر بالإعراض عن القبول. ولا يضر الفصل اليسير لعدم إشعاره بالإعراض عن القبول. ويضر تخلل كلام أجنبي عن العقد ولو يسيراً بين الإيجاب والقبول.
شروط صحة البيع :
شروط الصحة قسمان : عامة وخاصة.
فالشروط العامة : هي التي يجب أن تتحقق في كل أنواع البيع لتعتبر صحيحة شرعاً. وهي إجمالاً أن يخلو عقد البيع من العيوب الستة، وهي : الجهالة، والإكراه، والتوقيت، والغرر، والضرر، والشروط المفسدة.
الأول – الجهالة : يراد بها الجهالة الفاحشة أو التي تفضي إلى نزاع يتعذر حله وهو النزاع الذي تتساوى فيه حجة الطرفين بالاستناد إلى الجهالة، كما لو باع إنسان شاة من قطيع. وهذه الجهالة أربعة أنواع :
1- جهالة المبيع جنساً أو نوعاً أو قدراً بالنسبة إلى المشتري.
2- جهالة الثمن كذلك : فلا يصح بيع الشيء بثمن مثله، أو بما سيستقر عليه السعر.
3- جهالة الآجال، كما في الثمن المؤجل، أو في خيار الشرط، فيجب أن تكون المدة معلومة وإلا فسد العقد. ويلاحظ أن الذي يجوز تأجيله لأجل معلوم في عقد البيع هو الثمن أو المبيع إذا كان كل منهما ديناً ثابتاً في الذمة، فإن كان الثمن أو المبيع عيناً، فلا يجوز تأجيله باتفاق العلماء، فلو باع شخص سلعة معينة على أن يسلمها بعد شهر، أو اشترى شخص آخر بثمن عين على أن يدفع الثمن بعد شهر، فالبيع فاسد، ولو كان الأجل معلوماً، لأن الأجل شرع ترفيها ليتمكن العاقد من الحصول على العوض أثناءه، وهذا أمر يليق بالديون لأنها ليست معينة في البيع، ولا يليق بالأعيان المعينة لأن المبيع العين معين حاضر، فيكون تأخير تسليمه ملحقاً ضرراً من غير فائدة أو تحصيلاً لحاصل.
4- الجهالة في وسائل التوثيق، كما لو اشترط البائع تقديم كفيل أو رهن بالثمن المؤجل، فيجب أن يكونا معينين وإلا فسد العقد.
الثاني – الإكراه : هو حمل المستكره على أمر يفعله وهو نوعان :
1- إكراه ملجئ أو تام : وهو الذي يجد المستكره نفسه مضطراً به لفعل الأمر المكره عليه، وذلك كالتهديد بالقتل أو الضرب الذي يخشى منه ضياع عضو.
2- إكراه غير ملجئ أو ناقص : كالتهديد بالحبس أو الضرب أو إيقاع الظلم به كمنع ترقيته في وظيفته أو إنزاله درجة.
والإكراه بنوعيه يؤثر في البيع، فيجعله فاسداً عند جمهور الحنفية وموقوفاً عند البعض. فيملك المشتري المبيع بالقبض إذا اعتبر فاسداً، ولا يملكه مطلقاً بالقبض إذا اعتبر موقوفاً، والأرجح اعتبار عقد المكره موقوفاً، لأنه باتفاق الحنفية إذا أجازه المستكره بعد زوال الإِكراه يجوز ويلزم في حقه، وهذا هو حكم العقد الموقوف لا الفاسد.
الثالث- التوقيت : هو أن يوقت البيع بمدة كما لو قال : بعتك هذا الثوب شهراً أو سنة، فيكون البيع فاسداً، لأن ملكية العين لا تقبل التأقيت.
الرابع- الغرر : المراد به غرر الوصف، كما لو باع بقرة على أنها تحلب كذا رطلاً، لأنه موهوم التحقق فقد ينقص.
أما لو باعها على أنها حلوب دون تحديد مقدار، فإنه شرط صحيح. وأما غرر الوجود فهو مبطل للبيع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر : وهو ما كان المبيع فيه محتملاً للوجود والعدم، كبيع نتاج النتاج، وبيع الحمل الموجود.
الخامس – الضرر : يراد به ما إذا كان تسليم المبيع لا يمكن إلا بإدخال ضرر على البائع، فيما سوى المبيع من ماله، كما لو باع جذعاً معيناً في سقف مبني، أو ذراعاً من ثوب يضره التبعيض، فإن التنفيذ يقضي بهدم ما حول الجذع وتعطيل الثوب.
وبما أن الفساد هنا لصيانة حق شخصي، لا لحق الشرع، قرر الفقهاء أن البائع لو نفذ الضرر على نفسه، لأن قلع الجذع أو قطع الثوب وسلمه إلى المشتري، انقلب البيع صحيحاً.
السادس- الشرط المفسد : هو كل شرط فيه نفع لأحد المتبايعين، إذا لم يكن قد ورد به الشرع، أو جرى به العرف، أو يقتضيه العقد، أو يلائم مقتضاه، مثل أن يبيع سيارة على أن يستخدمها شهراً بعد البيع، أو داراً على أن يظل مقيماً بها مدة معينة، أو أن يشترط المشتري على البائع في صلب العقد أن يقرضه مبلغاً من المال.
والشرط الفاسد إذا وجد في عقد من عقود المعاوضات المالية كالبيع والإجارة والقسمة مثلاً أفسده، ولكنه يكون لغواً في العقود الأخرى، مثل التبرعات والتوثيقات والزواج، وتكون هذه العقود حينئذ صحيحة.
وقد علق الأستاذ مصطفى الزرقاء على ذلك، فقال : وبما أن عرف الناس مصحح للشروط في نظر الفقهاء، فكل شرط فاسد في الأصل ينقلب صحيحاً ملزماً إذا تعارفه الناس، وشاع بينهم اشتراطه. وعندئذ نستطيع القول : بأن الشرط الفاسد قد زال فقهياً من معاملات الناس بمفعول الزمن، وأصبحت الشروط في هذا العصر كلها صحيحة بمقتضى قواعد الاجتهاد الحنفي نفسه.
وأما الشروط الخاصة : فهي التي تخص بعض أنواع البيع دون بعض وهي كما يأتي :
1- القبض في بيع المنقولات : أي أنه إذا باع شخص شيئاً من المنقولات التي كان قد اشتراها، فيشترط لصحة بيعه : أن يكون قد قبضها من بائعها الأول، لأن المنقول يكثر هلاكه، فيكون في بيعه ثانية قبل قبضه غرر، أما إذا كان عقاراً فيجوز بيعه قبل القبض عند أبي حنيفة.
2- معرفة الثمن الأول إذا كان البيع مرابحة أو تولية أو وضيعة أو إشراكاً. وسنذكر تفسيرها.
3- التقابض في البدلين قبل الافتراق إذا كان البيع صرفاً.
4- توافر شروط السلم التي سيأتي ذكرها إذا كان البيع سلماً.
5- المماثلة في البدلين إذا كان المال ربوياً والخلو عن شبهة الربا.
6- القبض في الديون الثابتة في الذمة، كالمسلم فيه، ورأس مال السلم، وبيع شيء بدين على غير البائع، فلا يصح بيعها من غير من عليه الدين إلا بعد قبضها. مثاله : لا يصح لرب السلم أي (المشتري) أن يبيع المال المسلم فيه قبل قبضه من المسلم إليه (البائع)، ولا يصح للدائن أن يشتري بدينه شيئاً من غير المدين قبل قبضه.
حقوق البيع التابعة للحكم : هي كل تابع للمبيع من الحقوق التي لا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله كالطريق والشرب للأرض، وهي التي تسمى بالمرافق والقاعدة فيها أو الأصل : أن كل ما كان من الدار متصلاً بها يدخل في بيعها تبعاً بلا ذكر، ومالا فلا يدخل بلا ذكر إلا ما جرى العرف أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فيدخل المفتاح استحساناً للعرف بعدم منعه بخلاف القفل ومفتاحه والسلَّم غير المتصل بالبناء، وأما الدرج (السلم) في بنايات الطبقات فتدخل عرفاً، وتفصيل ذلك ما يأتي :
أ- من اشترى بيتاً فوقه آخر لا يدخل فيه العلو، لأن الشيء لا يستتبع مثله.
ب- يدخل في المبيع ما هو من حقوقه أو مرافقه الخاصة التابعة له كطريق ومطبخ ومتوضأ ونحوها، لأنها توابع له. فيدخل في بيع الدار الطريق الداخلي فيها أو النافذ إلى سكة أو طريق عام، والكنيف (وهو المستراح أو بيت الماء) وبئر الماء، والأشجار التي في صحنها، والحديقة التابعة لها والبستان الذي هو أصغر منها، وإن لم يصرح بذلك. أما الحديقة أو البستان الخارج عن الدار وكان مثل الدار أو أكبر، فلا يدخل في البيع. ويدخل الباب الأصلي للدار، والباب الخارجي المجاور للشارع وهو المسمى بالباب الأعظم، لأنه من مرافقها.
ولا تدخل الظلة في بيع الدار لبنائها على الطريق، فتأخذ حكمه ولا يدخل الطريق والمسيل والشرب غير الخاص بالدار إلا بالتصريح بها، لأنها خارج الحدود، كأن يشتريها بكل حق هو لها أو بمرافقها أو بكل قليل وكثير. وذلك بخلاف الإجارة والرهن والوقف، تدخل فيها كل هذه المرافق بلا حاجة لذكرها لأنها تعقد للانتفاع بها لا غير. هذا رأي الحنفية القديم، والمعول عليه في ذلك هو العرف السائد في كل إقليم وعصر.
والإقرار بالدار والصلح عليها والوصية بها والهبة والنكاح والخلع على مال كالبيع في دخول الطريق ونحوه.
الثمن والمبيع :
تعريف المبيع والثمن :
المبيع والثمن عند جمهور الحنفية من الأسماء المتباينة الواقعة على معانٍ مختلفة. فالمبيع في الغالب : ما يتعين بالتعيين، والثمن في الغالب : ما لا يتعين بالتعيين.
وهذا الأصل العام الغالب يحتمل تغيره في الحالتين بعارض من العوارض، فيصير ما لا يحتمل التعيين مبيعاً كالمسلم فيه، وما يحتمل التعيين ثمناً كرأس مال السلم، إذا كان عيناً من الأعيان. وعلى هذا فاعتبار الثمن ديناً في الذمة هو الأغلب، وذلك عندما يكون الثمن نقوداً أو أموالاً أخرى مثلية ملتزمة بلا تعيين بالذات كالقمح والزيت ونحوهما من كل مكيل أو موزون أو ذَرْعي أو عددي متقارب.
ويمكن أيضاً أن يكون الثمن أعياناً قيمية كالحيوان والثياب ونحوهما، كما لو بيعت كمية من السكر إلى أجل بشيء من القيميات، فالسكر مبيع والعين القيمية ثمن، ويكون البيع سلماً، لأنه بيع مؤجل بمعجل.
وقال الشافعي : المبيع والثمن من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد، وإنما يتميز أحدهما عن الأخر في الأحكام بحرم الباء.
تعيين المبيع :
التعيين : هو التمييز عما سوى الشيء في الوجود الخارجي، ويتعين المبيع إذا كان معيناً في العقد، سواء أكان حاضراً في مجلس البيع، أم غائباً عنه. فإذا كان المبيع غير معين في العقد، فإنه لا يتعين إلا بالتسليم.
الفرق بين الثمن والقيمة والدين :
الثمن : لا يتحقق إلا في عقد، فهو ما يتراضى عليه المتبايعان، سواء أكان أكثر من القيمة أم أقل أم مساوياً.
وقيمة الشيء : هي ما يساويه بين الناس.
والثمن : هو ما تراضى عليه المتبايعان مقابلاً للمبيع.
أما الدين : فهو كل ما ثبت في الذمة من الأموال القابلة للثبوت فيها بأي سبب من أسباب الالتزام، كالإتلاف والغصب والكفالة والقرض والبيع، ونحوها.
التمييز بين الثمن والمبيع :
القاعدة المقررة في الأصل : أن كل ما أمكن أن يكون مبيعاً أمكن أن يكون ثمناً ولا عكس، وأن الثمن كما بينا في تعريفه ربما لا يكون متعلقاً بالذمة، بل قد يتعين أحياناً، فيكون من الأعيان القيمية كالحيوان والثياب ونحوها، كما يتعين المبيع.
لهذا كان واجباً أن نميز بين الثمن والمبيع لما يترتب على التفرقة من أحكام، والتمييز يكون من أموال المعاوضات : وهي النقود والأعيان القيمية والمثليات.
1- فالنقود عامة من ذهب أو فضة أو فلوس رائجة إذا كانت عوضاً في المبيع، تعتبر هي الثمن. ومقابلها أي السلعة هو المبيع مطلقاً سواء دخل عليها حرف الباء، أو دخل على مقابلها، مثل : بعتك هذا بدينار، أو بعتك ديناراً بهذا.
وقد قرر جمهور الحنفية أن النقود المسكوكة من ذهب أو فضة أو فلوس معدنية لا تتعين في عقود المعاوضات بالتعيين في حق الاستحقاق لذات العملة النقدية، فلو قال : بعتك هذا الثوب بهذه الدراهم أوبهذه الدنانير، فللمشتري أن يمسك المشار إليه ويبدله بمثله، ولا يحق للبائع أن يطلب ذات المشار إليه، لأن الثمن النقدي محله في الذمة، وما يثبت في الذمة لا ينحصر ببعض أفراده الخارجية، فلا فائدة في استحقاق عينها في المعاوضات، لأن المثل يقوم مقامها في كل عوض، وإنما يتعين فقط بالنسبة لضمان الجنس والنوع والصفة والقدر، حتى إنه يجب على المشتري رد مثل المشار إليه في الأوصاف المذكورة، فلو كان الواجب عليه ألف درهم جيدة، فيجب عليه رد ألف درهم بتلك الصفة، لأن في تعيين الجنس والقدر والصفة فائدة، وعلى هذا فلو هلك المشار إليه لا يبطل العقد.
وقال الشافعي : تتعين النقود بالتعيين، ويستحق البائع على المشتري ذات الدراهم المشار إليها، كما في سائر الأعيان، لأنه قد يكون للشخص غرض فيها، والثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين.
فلو هلك المشار إليه قبل القبض يبطل العقد، كما لو هلك سائر الأعيان.
فإن لم يكن الثمن من المسكوكات، فإنه بالاتفاق كسائر السلع يقبل التعيين.
2- إن الأعيان القيمية أي “التي ليست من ذوات الأمثال” إذا قوبلت بالمثليات المعينة تعتبر هي المبيع، والمثلي هو الثمن مطلقاً، دون نظر إلى اقتران حرف الباء، لأن المثلي أليق بالثمنية من حيث قابليته للثبوت في الذمم كالنقود.
من أمثلة القيميات : الثياب والدور والعقارات والعدديات المتفاوتة “أي التي تفاوتت آحادها” كالغنم وسائر الدواب والبطيخ إذا بيع بالعدد لا بالوزن.
وأما إذا قوبلت الأعيان القيمية بالأموال غير المعينة أي “الملتزمة في الذمم” فالعبرة في الثمنية لمقارنة حرف الباء، فما دخل عليه حرف الباء كان ثمناً، والآخر مبيعاً. فلو قال : بعتك هذا المتاع بقنطار من السكر، فالسكر : هو الثمن. ولو قال بعتك قنطاراً من السكر بهذا المتاع، كان السكر مبيعاً، والمتاع ثمناً، ويكون العقد بيع سلم.
3- المثليات إذا كان في مقابلتها النقود فهي مبيعة، كما ذكرنا أولاً، وإن كان في مقابلتها أمثالها مثل بيع قمح بزيت، فما كان منها معيناً يكون مبيعاً، وكل ما كان منها موصوفاً في الذمة يكون ثمناً.
وإن كان كل واحد منهما موصوفاً في الذمة فما صحبه حرف الباء يكون ثمناً، والآخر يكون مبيعاً.
– والمثليات : إما مكيلات وهي التي تباع بالكيل كالقمح والشعير، وكبعض السوائل التي تباع اليوم باللتر كالبترول والبنزين.
– أو موزونات : وهي التي تباع بالوزن كالسمن والزيت والسكر.
– أو ذَرْعيات : وهي التي تباع بالذراع كالقطع الكبرى من المنسوجات الصوفية أو القطنية أو الحريرية، وكالأراضي.
– أو عدديات متقاربة : وهي التي لا تتفاوت آحادها إلا تفاوتاً بسيطاً كالبيض والجوز، وكالمصنوعات المتماثلة من صنع المعامل كالكؤوس وصحون الخزف والبلّور ونحوها.
4- إذا بيعت القيميات ببعضها يعتبر كل من العوضين مبيعاً من وجه، وثمناً من وجه آخر.
أحكام المبيع والثمن أو نتائج التمييز بينهما :
يترتب على التمييز بين المبيع والثمن نتائج نوجز ذكر ست منها، ونفصل الكلام في ثلاثة أخرى.
1- يشترط لانعقاد البيع أن يكون المبيع مالاً متقوماً ولا يشترط ذلك في الثمن.
2- يشترط لنفاذ البيع أن يكون المبيع موجوداً في ملك البائع ولا يشترط ذلك في الثمن.
3- لا يجوز تأجيل الثمن في بيع السلم، ويجب تأجيل المبيع.
4- مؤونة تسليم الثمن أي “كلفته” على المشتري، ومؤونة تسليم المبيع على البائع.
5- البيع مع عدم تسمية الثمن فاسد، أما مع عدم تسمية المبيع نحو : بعتك بعشرة دنانير، فباطل غير منعقد.
6- هلاك المبيع بعد التقايض يمنع إقالة البيع، ولا يمنع ذلك هلاك الثمن.
7- هلاك المبيع قبل التسليم مبطل للبيع، ولا يبطله هلاك الثمن.
8- لا يجوز تصرف المشتري في المبيع المنقول قبل قبضه، ويصح تصرف البائع في الثمن قبل قبضه.
9- على المشتري تسليم الثمن أولاً ليحق له استلام المبيع، ما لم يرض البائع ونفصل الكلام في الثلاثة الأخيرة.
هلاك المبيع :
المبيع إما أن يهلك كله أو بعضه قبل القبض أو بعده.
آ- إذا هلك المبيع كله قبل القبض :
1- فإذا هلك بآفة سماوية أو بفعل المبيع نفسه، أو بفعل البائع، فينفسخ عقد البيع.
2- إذا هلك بفعل المشتري، فلا ينفسخ البيع وعليه الثمن.
3- إذا هلك بفعل أجنبي، لا ينفسخ البيع، ويكون المشتري بالخيار : إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أمضاه ودفع الثمن، وطالب الأجنبي بالضمان.
ب- إذا هلك المبيع كله بعد القبض :
1- إن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو بفعل المبيع أو بفعل أجنبي فلا ينفسخ البيع، ويكون هلاكه على ضمان المشتري، لأن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشتري، فتقرر الثمن عليه، ويرجع بالضمان على الأجنبي حال كون الأعتداء منه.
2- إذا هلك بفعل البائع فينظر في حالتين :
أولاً- إذا كان المشتري قد قبضه بإذن البائع أو بدون إذنه، لكنه قد نقد الثمن، أو كان الثمن مؤجلاً، فيكون هلاكه من قبل البائع، كهلاكه من قبل الأجنبي، فعليه ضمانه.
ثانياً- أما إذا كان المشتري قد قبض المبيع بدون إذن البائع، والثمن حالّ غير منقود “أي غير معطى إلى البائع” فيتوجب فسخ البيع، ويكون البائع باعتدائه مسترداً للمبيع، وعليه ضمانه.
وقال المالكية : الضمان ينتقل إلى المشتري بنفس العقد في كل بيع إلا في خمسة مواضع :
الأول- بيع الغائب على الصفة.
الثاني- ما بيع على الخيار.
الثالث- ما بيع من الثمار قبل كمال طيبها.
الرابع- ما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدّ.
الخامس- البيع الفاسد، فالضمان في هذه الخمسة من البائع حتى يقبضه المشتري.
وقال الشافعية : كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري.
وقال الحنابلة : إذا كان المبيع مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً فتلف قبل قبضه، فهو من مال البائع، وما عداه فلا يحتاج فيه إلى قبض، وإن تلف فهو من مال المشتري.
ج- إذا هلك بعض المبيع قبل القبض ينظر عند الحنفية :
1- فإن كان بآفة سماوية ففيه تفصيل : إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً، فهلك بعضه : ينفسخ العقد بقدر الهالك، وتسقط حصته من الثمن، ثم يكون المشتري بالخيار في الباقي لتفرق الصفقة عليه : إن شاء أخذه بحصته، وإن شاء فسخ البيع.
وإن كان النقصان نقصان وصف “وهو كل ما يدخل في البيع من غير تسمية كالشجر والبناء في الأرض والجودة في المكيل والموزون” فلا ينفسخ البيع أصلاً، ولا يسقط عن المشتري شيء من الثمن، لأن الأوصاف لا حصة لها من الثمن، ويكون المشتري بالخيار : إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء تركه لتعيب المبيع.
2- وإن كان الهلاك بفعل المبيع نفسه كحيوان جرح نفسه، فلا ينفسخ البيع، ولا يسقط شيء من الثمن، والمشتري بالخيار : إن شاء أخذ الباقي بجميع الثمن، وإن شاء فسخ العقد.
3- وإن كان الهلاك بفعل البائع فيبطل البيع بقدره، ويسقط عن المشتري حصة الهالك من الثمن، سواء أكان النقصان نقصان قدر، أم نقصان وصف، لأن الأوصاف لها حصة من الثمن عند ورود الجناية عليها، والمشتري بالخيار في الباقي بحصته من الثمن.
4- وإن كان الهلاك بفعل المشتري فلا يبطل البيع، ولا يسقط عنه شيء من الثمن، لأنه صار قابضاً لكل المبيع بإتلاف بعضه.
د- إذا هلك بعض المبيع بعد القبض :
1- فإن كان الهلاك بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو المبيع نفسه أو بفعل أجنبي، فالهلاك على المشتري.
2- وإن كان بفعل البائع ينظر :
إذا كان القبض بإذنه، أو كان الثمن منقوداً أو مؤجلاً، فحكمه كالأجنبي. وإن كان القبض بغير إذنه، والثمن حال غير منقود، ينفسخ البيع في قدر الشيء التالف، ويسقط عن المشتري حصته.
هلاك الثمن عند الحنفية :
إذا هلك الثمن في مجلس العقد قبل القبض :
فإن كان عيناً مثلياً : لا ينفسخ العقد، لأنه يمكن تسليم مثله بخلاف المبيع لأنه عين، وللناس أغراض في الأعيان.
كساد الثمن عند الحنفية : إذا اشترى شخص بفلوس رائجة، ثم كسدت قبل القبض بضرب فلوس جديدة، انفسخ العقد عند أبي حنيفة، وعلى المشتري رد المبيع إن كان قائماً، وقيمته أو مثله إن كان هالكاً؛ لأن الفلوس بالكساد خرجت عن كونها ثمناً، ولا بيع بلا ثمن، فينفسخ البيع ضرورة، فهو قد اعتبر الكساد كالهلاك.
وقال بعض الحنفية : لا ينفسخ البيع، ولكن يخير البائع : إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أخذ قيمة الفلوس؛ لأن الفلوس ثابتة في الذمة، وما يثبت في الذمة لا يحتمل الهلاك، فلا يكون الكساد هلاكاً، بل يكون عيباً فيها، فيوجب الخيار للبائع، كما إذا كان الثمن رطباً، فانقطع قبل القبض، فهما اعتبرا الكساد كالعيب.
واتفقوا على أنه لو لم تكسد الفلوس، ولكنها رخصت قيمتها، أو غلت، لا ينفسخ البيع؛ لأن الرخص أو الغلاء لا يوجب بطلان الثمنية.
التصرف في المبيع وفي الثمن قبل القبض التصرف في المبيع :
قال الحنفية : لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل القبض بلا خلاف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض والنهي يوجب فساد المنهي عنه، ولأنه بيع فيه غرر لتعرضه إلى الانفساخ بهلاك المعقود عليه، فيبطل البيع الأول، وينفسخ الثاني، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر.
وأما العقار : فيجوز التصرف فيه عند أبي حنيفة ولا غرر في العقار، إذ لا يتوهم هلاك العقار، ويندر هلاكه في الغالب، فلا يكون في بيعه غرر.
وقال الشافعي : لا يجوز بيع العقار قبل القبض لعموم النهي عن البيع قبل القبض، ولعدم وجود القدرة على التسليم، ولتحقق الغرر.
التصرف في الثمن قبل القبض :
يجوز التصرف في الأثمان قبل القبض، لأنها ديون، وكذلك يجوز التصرف في سائر الديون كالمهر والأجرة وضمان المتلفات وغيرها قبل القبض، بدليل ما روي عن سيدنا عمر أنه قال : “يا رسول الله : إنا نبيع الإبل بالبقيع، ونأخذ مكان الدراهم الدنانير، ومكان الدنانير الدراهم، فقال عليه السلام : لا بأس إذا كان بسعر يومهما، وافترقتما وليس بينكما شيء” رواه أبو داود والترمذي. فهذا يدل على جواز استبدال ثمن المبيع. وأما المراد من حيث “النهي عما لا يقبض” فهو بالنسبة للعين، لا بالنسبة للدين؛ لأن المبيع شيء يحتمل القبض، والدين لا يحتمل القبض حقيقة، لأنه مال حكمي في الذمة، فيكون قبضة بقبض بدله.
وقد استثنوا من جواز التصرف في الثمن قبل القبض عقدي الصرف والسلم
13 مايو، 2020 at 1:57 م
شكرا لكم
موضوع البحت عقد البيع في قانون مغربي والفقه المالكي.
اانا ابحت عن مراجيع ومستجدات في هدا الموضوع
وشكرا لكم