حدود الرقابة القضائية علي الضبط الادارى
سنقسم دراستنا لهذا البحث الى عدة مباحث نتناول فى المبحث الاول منه أنواع الرقابة علي أعمال الادارة والمبحث الثانى , مدى مراقبة القاضي الإداري على غاية القرارالإداري , والمبحث الثالث , مدى مراعاة القاضي الإداري للمبادئ العامة للقانون
والمبحث الرابع الرقابة القضائية و كيفية تحديد القرارات الإدارية المنفصلة
تمهــــــــــــــــيد :
أهداف جهة الادارة
إن أهـداف الوظيـفة الإدارية في المجتمع و الـدولة هو تحقيق أهـداف المصلحة العامة ــ بالمفهوم الإداري ــ عن طريق إشباع الحاجات العامة ، بواسطة المؤسسات العامة الإدارية و المرافق الإدارية العمومية .
و حتى تتمكن الإدارة العامة من تحقيق أهدافها المختلفة ، في نطاق مبادئ المشروعية والمصلحة العامة فإنها ــ أي الإدارة العامة ــ تحوز وتمارس سلطات إدارية ــ باختلاف أدواتها و وسائلها ــ
في مواجهة حقوق و حريات الأفراد و مصالحهم الجوهرية مثل :
سلطات و وسائل الضبط الإدارية ( البوليس الإداري ) ، و سلطة اتخاذ القرارات الإدارية ، وسلطة التنفيذ المباشر ، و سلطة التنفيذ الجبري ، و سلطات و امتيازات الإدارة العامة المتعاقدة في مواجهة الطرف المتعاقد معها.
و تتمظهر السلطة الإدارية في الوظيفة العامة للدولة ، التي تشكل في مجموعها فكرة السلطة الرئاسية ، التي تمارسها
السلطات و القيادات الإدارية على المرافق و المؤسسات العامة الإدارية ، و على أشخاص و أعمال العاملين العاميين ، و كذا سلطة الاستيلاء المؤقت لأملاك الأشخاص العاديين ، إن اقتضت
المصلحة العامة ذلك ، و سلطة التعبئة العامة ، و تطبيقات نظريات الظروف الاستثنائية و أعمال السيادة و السلطة التقديرية .
إن الإدارة العامة التي تحوز على السلطات المذكورة أعلاه لكثيرا ما تحتك ــ بوسائلها المختلفة ــ
بحقوق وحريات الأفراد باستمرار و بقوة ، الأمر الذي يشكل مخاطر جسيمة و محدقة دوما ، بالنظام القانوني لحقوق وحريات الإنسان و المواطن ، و المس بمبدأ الشرعية القانونية الذى تخضع له الإدارة العامة . إن أعمال الإدارة العامة الخارجة عن الشرعية القانونية ينجم عنها قيام المنازعات الإدارية و القضائية بينها و الأفراد ، الأمر الذي يستوجب و يستدعي تحريك كافة أنواع الرقابة عن أعمال الإدارة العامة لضمان سيادة مبدأ الشرعية ، و تحقيق العدالة و حماية المصلحة العامة ، من كافة مصادر و مخاطر أساليب الفساد الإداري ، و البيروقراطية و التخريب ، و كذا حماية حقوق و حريات الأفراد و مصالحهم الجوهرية ، من كل مظاهر الانحراف و الاستبداد و التعسف الإداري
أنواع الرقابة علي أعمال الادارة
ــ الرقابة السياسية و هي التي تتم عن طريق السلطة النيابية ( البرلمانية )
ــ الرقابة الإدارية و هي الرقابة الذاتية التي تقوم بها سلطة الوصايا الإدارية
ــ الرقابة القضائية وهي الرقابة التي يقوم بها القضاء الإداري بحسب التنظيم القضائي لكل دولة عربية.
وأفضل نوع رقابي عن أعمال الإدارة هو الرقابة القضائية ، و ذلك لأسباب عدة ، منها أنه إذا كانت الرقابة السياسية تخضع لظروف و اعتبارات سياسية ، و الرقابة الإدارية لا تتصف بالتجرد و الموضوعية و ينقصها الحياد ، لأنه من الممكن أن لا تقر الإدارة بخطئها ، كما لا يجوز أن تكون الإدارة خصما و حكما في أن و احد .
فإن الرقابة القضائية أكثر مدعاة للثقة فيما يتعلق بالمواطنين ، ذلك لما قد يتحلى به رجال القضاء من الدراية و المعرفة ، و النزاهة و الاستقلال في رقابتهم القضائية . كما أن هذه الأخيرة لا تقوم إلا بناء على تظلم الأفراد أو الهيئات إن الدولة هي نقيض الفوضى . و نقيض الفوضى هو تنظيم قواعد السلوك ، الضامنة لتحقيق الأهداف و الأغراض .
إن الدولة ـ بصفتها أكبر شخص اعتباري في المجتمع ـ تقوم بوضع أسس تنظمها في مجموعة
من القواعد تسمى بالدستور. و أن للهيئات التي تنشأ نتيجة لهذا الدستور سلطة إصدار الأوامر ،
أو القرارات باسم الدولة ، حماية للنظام العام فيها ، و لتهيئة و سائل تطور هذا المجتمع ، بصورة مضطردة طبيعية ، و لسد مطالب الأفراد داخل هذا المجتمع .
و سلطة مثل هذه الهيئات هي :
ــ السلطة التشريعية المخول لها سن القوانين في إطار قواعد الدستور .
—
ــ السلطة التنفيذية الموكل لها تنفيذ هذه القوانين في إطار مشروعيتها القانونية لا غير .
و الحال كذالك ، فإن القانون الذي يحكم السلطة التنفيذية هو القانون الإداري ، الذي ينظم السلطة الإدارية و يحدد أوجه نشاطها و يحكم العلاقات التي تنشأ بينها وبين الأفراد ، عندما تقوم بممارسة هذا النشاط بوصفها سلطة عامة في الدولة . كما يتولى القانون الإداري بالفصل في المنازعات الإدارية التي قد تنشأ نتيجة تلك العلاقات.
إن الفصل في المنازعات الإدارية يكون ضمن القضاء الإداري الذي يتولى :
1) ـ تنظيم الرقابة القضائية على نحو ما سلف أن قدمنا .
2) ـ النظر في مدى خضوع القرارات الإدارية إلى مبدأ المشروعية أو سيادة القانون .
3) النظر في المنازعات الإدارية .
4) الدعاوى الإدارية و الإجراءات أمام القضاء الإداري .
و عليه ، إن ما يهمنا ـ بالقدر الأول هنا ـ هو مدلول مبدأ المشروعية أو بتعبير آخر المبادئ التي
تقوم عليها الرقابة القضائية عن أعمال الإدارة الرسمية . ذلك لأن مبدأ المشروعية هو قمة الضمانات الأساسية ـ الجدية و الحاسمة ـ لحقوق و حريات الشعوب ، في صراعاتها مع مظاهر الحكم المطلق . و يجمع الفقهاء على أن مبدأ المشروعية هو مبدأ ” سيادة حكم القانون “
الذي يحتمل معان كثيرة منها :
ــ أن سيادة حكم القانون قد تعني فرض النظام و استتباب الأمن و هذا ما قد يضيق من سيادة
القانون و يحصرها في نطاق الدولة البوليسية .
ــ إن سيادة حكم القانون قد تحقق خضوع الإدارة للقانون و بالتالي تمكين الأفراد من الطعن في
مشروعية القرارات الإدارية ، إلا أن هذا الضمان هو شكلي لا غير ، لأنه قد يخول للسلطة
التشريعية أن تشرع ما تشاء و إلزام الإدارة بالخضوع إلى القانون و التغافل عن دستورية
القوانين .
و إذ نعترف ، بأن هناك آراء فقهية كثيرة أجتهدت في تحليل مبدأ سيادة حكم القانون فإننا
نكتفي ـ لاحقا ـ بالأسس الرئيسية و المبادئ الرئيسية التي تضمن تحقيق مبدأ المشروعية على
النحو التالي :
1 ) ـ أن يسرى مبدأ المشروعية أي سيادة القانون على جميع السلطات الحاكمة في الدولة ،
” لأن سيادة القانون ليست ضمانا مطلوبا لحرية الفرد فحسب ، لكنها الأساس الوحيد
لمشروعية السلطة في نفس الوقت ” هذا ، علاوة على أن ” سيادة القانون أساس الحكم
في الدولة “.
2 ) ـ استقلال و حصانة القضاء .
3 ) ـ كفالة حق التقاضي لكافة المواطنين و سرعة الفصل في القضايا .
4 ) ـ حظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء . و حسب الدكتور سامي جمال
الدين إن هذا النص الدستوري يؤدي إلى زوال إحدى النظريات التي كانت تمثل نقطة سوداء
في جبين المشروعية ، في نظامنا القانوني و هي النظرية التي يطلق عليها ” أعمال
السيادة ” و التي بمقتضاها لا يجوز للقضاء أن يمارس رقابته على أعمال توصف من أعمال
السيادة و ما ينجم عن ذلك من فساد إداري و سياسي باسم أعمال السيادة !
5) ـ كفالة حق الدفاع ، أصالة أو بالوكالة و تأمين وسائل الالتجاء إلى القضاء و الدفاع عن
حقوق غير القادرين ماليا.
مدى مراقبة القاضي الإداري على غاية القرارالإداري
إن القضاء الإداري يهتم بغاية القرار الإداري و بمدي مشروعيته . فإن تبين أن قرارا إداريا ما ،
كان مخالفا للشرعية القانونية ، و بناء على دعوى إلغاء واضحة ، فإن القاضي الإداري ، و بعد
استيفاء الشروط الموضوعية و الشكلية لدعوى الإلغاء يصدر حكما بإلغاء القرار الإداري المخالف
للشريعة القانونية و طلب التعويض عند الضرورة القانونية .
لكن و الحال هكذا ، فإن القرارات الإدارية التي يمكن طلب إلغائها يجب إن تكون متصفة بما يلي:
1 _ أن يكون القرار المطعون إداريا بمعنى أن يتميز هذا القرار عن أعمال الدولة و بالتالي
استبعاد د عوى الإلغاء في أعمال السلطة التشريعية و السلطة القضائية و التنظيمات
السياسية و حركات المجتمع المدني …. الخ
2 – أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية بما فيها تلك القرارات التي تصدر من أشخاص
القانون العام كالنقابات المهنية النقابية .
3 – أن يكون القرار تنفيذيا أي أن يكون نهائيا لا يتطلب تصديقه من قبل سلطة إدارية أعلى .
4 – أن يكون من شأن القرار الإداري ، التأثير في المركز القانوني للطاعن ، أي أن يتوفر شرط
المصلحة لدى الطاعن وأن تتولد آثار قانونية من جراء هذا القرار و بذاته .
و في الأخير ، أن المنازعات و الدعاوى الإدارية المتعلقة بالإلغاء تتعدد مناحيها ؛ فهناك الدعاوى المتصلة بشؤون الموظفين ، بما يعني طلب إلغاء قرارات الجهات الإدارية ، ذات الاختصاص أو الدعاوى الانتخابية المتعلقة بالطعون ، وإسقاط العضوية و غيرهما و لا يسمح المجال هنا للخوض فيها .
مدى مراعاة القاضي الإداري للمبادئ العامة للقانون
إن المبادئ العامة للقانون هي مبادئ غير مشرعة ، يستلهمها القاضي من مقومات المجتمع ومن قواعد التنظيم القانوني في الدولة. وبعض هذه المبادئ و على سبيل المثال لا الحصر
هي : مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ، ومبدأ حرية التجارة و الصناعة ، و مبدأ حجية الشئ
المقضى به ، و مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية ، و مبدأ حرية العقيدة ، و مبدأ عدم الجمع بين
العقوبات ، و مبدأ كفالة حقوق الدفاع
ــ ثم إن القاضي ملزم بأن يحكم بالعدل حتى و لو لم يجد نصا في القانون يمكن تطبيقه ، ذلك لأنه
يستطيع أن يستلهم المبادئ العامة للقانون ، باعتبارها أحد مصادره ، و ذات قوة إلزامية قد تعادل
إلزامية المادة القانونية ذاتها . و أن هذه المصادر هي نفسها التي أستلهمها المشرع نفسه عند
تقنينه لهذه المادة القانونية . ليس بحق القاضي أن يتهرب من الحكم في النزاع بحجة عدم و جود
نص قانوني ، و إلا فإنه يكون قد ارتكب إنكار العدالة و يكون قد خرج على مقتضى وظيفته و هو أن يحكم بالعدل .
و خلاصة القول ، أن المبادئ العامة للقانون يأتي مصدرها من إعلان حقوق الإنسان في 1789 ،
و من الدساتير الوطنية و من المصادر العرفية و أيضا من الشريعة الإسلامية التي تغذى الدساتير والقوانين الغربية جمعاء .
الرقابة القضائية و كيفية تحديد القرارات الإدارية المنفصلة
تعتبر القرارات الإدارية المنفصلة أو القابلة للانفصال تطبيق من تطبيقات فكرة التمييز بين القرارات الإدارية البسيطة و القرارات الإدارية المركبة ، حيث الأولى قرارات إدارية مستقلة
و قائمة بذاتها كقرارات السلطة الرئاسية ، و سلطة الوصايا و قرارات البوليس الإداري .
أما القرارات الإدارية المركبة أو المختلطة ، فهي قرارات تصدر و هي مرتبطة و متصلة بعملية إدارية قانونية أخرى و غير مستقلة عنها ، بحيث هي جزء لا يتجزأ منها . وغالبا ما تصدر القرارات الإدارية المركبة في مراحل سابقة أو معاصرة أو لاحقة لعملية إدارية قانونية ، كتلك المتعلقة بالعقود الإدارية ، و القرارات المركبة المتعلقة بالعملية الانتخابية الإدارية ، و المتعلقة بالأشغال العامة ، و تلك المتعلقة بنزع الملكية الخاصة بقصد المنفعة العامة .
و الإشكالية تكمن في هل يجب قبول دعوى إلغاء القرارات الإدارية المركبة المرتبطة بعمليات
إدارية قانونية تكون منازعاتها من اختصاص جهات القضاء العادي ؟ ألا يؤدي هذا الإلغاء إلى
إهدار الحقوق الشخصية المكتسبة و المتولدة عن العملية الإدارية المركبة مثل العقود و الأشغال
العامة و العمليات الضريبية ؟ أن مجلس الدولة الفرنسي ، بعد تكييفه لقابلية الانفصال الذاتية
و الموضوعية عن العملية الإدارية أقر بدعوى الإلغاء في القرارات الإدارية غير المشروعة ، المنفصلة أو القابلة للانفصال عن العملية الإدارية ذاتيا أو موضوعيا.
ــ و حسب المعيار الذاتي ، فإنه يجوز الطعن في القرارات المنفصلة ، إذا ما طعن فيها الغير بعدم الشرعية و دعوى الإلغاء أمام الجهات القضائية المختصة بها ، لان الطرف الأجنبي أو الغير عن
العمليات الإدارية المركبة لا يملك حق استعمال دعاوى القضاء الكامل ضد العمليات الإدارية
المركبة و غير المشروعة . كما يحق لصاحب الصفة و المصلحة الذي لا يجد دعوى من دعاوى القضاء الكامل للدفاع عن حقوقه و مصالحه أن يطعن في هذه القرارات المركبة ، كتلك الدعاوى
التي يرفعها ممول الضرائب ضد القرارات الإدارية المركبة المتصلة بالعملية .
ــ و حسب المعيار الموضوعي ، فإن تطبيقات القضاء الإداري ، قد أجازت فصل القرارات الإدارية
المركبة عن العمليات الإدارية المركبة ، و الطعن فيها بعدم الشرعية ، و دعوى الإلغاء بصورة منفصلة و مستقلة عن دعاوى القضاء الكامل المقررة لحل منازعات العمليات الإدارية المركبة . و خير مثال هو الدعاوى الانتخابية و الدعاوى الضريبية و دعاوى نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة .
ــ في النهاية ، إن فصل القرارات الإدارية القابلة للانفصال ، عن العمليات المركبة تعد مسألة
موضوعية ، لان بذلك يمكن رفع دعاوى الإلغاء أمام القضاء الإداري ، على أساس أن جهات القضاء الإداري هي المتخصصة بالنظر و الفصل في دعوى الإلغاء . و لان القرارات الإدارية المركبة تعتبر مظهرا من مظاهر السلطة في العملية الإدارية ، الأمر الذي يحتم إبعاد القضاء العادي المختص بدعوى العملية الإدارية .
أخيرا ، إن موضوع الرقابة القضائية لجد متسع ، بحيث و إن حاولنا الإلمام بخطوطه الكبرى إلا أن الموضوع لا يزال شاسعا بقدر ما لا تسمح به هذه المساحة المتاحة .
انتهي
اترك تعليقاً