الطعن رقم 17 لسنة 7 ق جلسة 5 / 8 / 2012 رقم 20
برئاسة السيد القاضي / يحيى جلال فضل رئيس المحكمة وعضوية القاضيين / محمد ناجي دربالة وحسن يوسف بوالروغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ 1 } دستور . قانون ” تطبيقه ” . قبض . تفتيش .
حرص الدستور على كفالة الحرية الشخصية لاتصالها بكيان الفرد وأصل وجوده .
الضمانات التى وضعها الدستور ورفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية لحماية الحرية الشخصية . ما هيتها ؟
للشخص الحق في حماية القانون له من التدخل التعسفى في حياته الخاصة .
ليس للسلطة العامة التدخل في الحياة الخاصة إلا وفقاً للقانون ، ولا يجوز أن يطلب من الشخص أداء عمل جبراً أو سخرة . أساس ذلك ؟
{ 2 } دستور ” تفسيره ” . قبض . تفتيش .
عدم النفاذ إلى الحياة الخاصة إلا في نطاق ما يحدده القانون .
تفسير القضاء لنصوص الدستور الإماراتى . لها ظلالاً تنبثق منها مناطق من الحياة الخاصة . ماهية فيوضات تلك النصوص ؟
{ 3 } قانون ” تفسيره . تطبيقه ” . مأمور الضبط القضائى ” سلطاتهم ” . تفتيش ” نطاقه ” .
المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية . وجوب فهمها في إطار المبادىء الدستورية . ماهية نطاق تطبيقها ؟
{ 4 } دفوع ” الدفع ببطلان إذن التفتيش ” . تفتيش ” التفتيش بإذن . نطاقه ” .
صدور إذن النيابة بضبط وتفتيش شخص الطاعن وسيارته ومسكنه . تجاوز مأمور الضبط نطاق الإذن وإخضاعه الطاعن لفحص فنى عن طريق مختبر . أثره بطلان الإجراء وما أسفر عنه من أدلة .
{ 5 } دفوع ” الدفع ببطلان إذن التفتيش ” . تلبس . نقض ” أسباب الطعن . ما يقبل منها ” .
تمسك الطاعن ببطلان الحصول على عينة من بوله لتجاوز نطاق الإذن وانتفاء حالة التلبس وعدم وجود دلائل أخرى على ارتكابه الجريمة . أثره ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – لما كان الدستور قد حرص ـــ في سبيل كفالة الحريات العامة ـــ على كفالة الحرية الشخصية لاتصالها بكيان الفرد وأصل وجوده فأكدت المادة 26 من الدستور على أن الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين . ” كما أتى الدستور ـــ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية وما يتفرع عنها من حريات وحرمات ورفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية ضمنها المواد من 25 إلى 44 منه ، حيث لا يجوز للمشرع العادي أن يخالف تلك القواعد وما تضمنه من كفالة لصون تلك الحريات وإلا جاء عمله مخالفاً للشريعة الدستورية ، وحيث إن المشرع الدستوري ـــ توفيقاً بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة حياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه ـــ قد أجاز تفتيش الشخص كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركاً للمشرع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 26 من الدستور على أنه ” لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون ” ويصدر هذا الأمر ـــ وفق أحكام قانون الإجراءات الجزائية ـــ من مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بالجريمة ( المادتين 42 ، 44 من قانون الإجراءات الجزائية ) أو وجود دلائل كافية على ارتكاب المتهم الحاضر لجريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية ، فإن لم تتوافر أي من الحالتين سالفتي الذكر ، انعقد للنيابة العامة ـــ دون غيرها ـــ مباشرة إجراءات التحقيق ـــ ومنها القبض والتفتيش ـــ بنفسها أو أن تندب أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق ـــ عدا استجواب المتهم ـــ وفي جميع الأحوال يجب على عضو النيابة العامة التي يندب فيها غيره لإجراء بعض التحقيقات أن يبين المسائل المطلوب تحقيقها والإجراءات المطلوب اتخاذها ، ولا يجوز لمن ندب لذلك أن يجري أي عمل آخر من أعمال التحقيق أو أن يستجوب المتهم إلا في الأحوال التي يخشى فيها من فوات الوقت ومتى كان هذا العمل لازماً لكشف الحقيقة ( المواد 65 ، 68 ، 69 من قانون الإجراءات الجزائية ) ، ذلك أن التفتيش في غير حالات التلبس وتوافر الدلائل الكافية أو الخشية من فوات الوقت هو من إجراءات التحقيق القضائي الذي لا يملك أن يتولاه رجال الضبطية القضائية ـــ وهم في الأصل ممنوعون من إجرائه إلا إذا رُخص لهم ترخيصاً خاصاً في أحوال معينة ، أو كان بيدهم إذن به من الجهة القضائية ، وكل موطن لا ترخيص فيه من القانون ولا إذن من السلطة القضائية ، فالتفتيش فيه غير جائز ، وإذا رخص القانون أو السلطة المختصة لرجال الضبطية بالتفتيش لغرض معين فليس لهم أن يتجاوزوا هذا الغرض إلى التفتيش لغرض آخر ، أو أن يوسعوا نطاقه فيبسطوه على ما لم يتضمنه هذا الترخيص أو أن يتزيدوا فيه بما يخرجه عن ذاتيته بالاستحصال على بضع من جسم الخاضع للتفتيش ، وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( المادة 12 ) والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان( المادتين 4 ، 8 ) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة ( المادتين 7 ، 17 ) قد جرت على أنه لا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل ، ولا يجوز للسلطة العامة أن تتعرض لممارسة الإنسان لحياته الخاصة إلا وفقاً للقانون وبما تمليه الضرورة ، كما أنه لا يجوز أن يطلب من أي إنسان أداء عمل جبراً أو سخرة ، كما أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية واللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة ، وعلى وجه الخصوص ، لا يجوز إجراء أي تجربه طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر .
2- من المقرر أن الحق في أن تكون للحياة الخاصة تخومها بما يضمن سريتها وصوناً لحقوقها ودفعاً لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها بما يضمن لكل فرد عدم النفاذ إليها إلا في نطاق ما يحدده القانون ، وإنه ولئن كانت بعض الوثائق الدستورية لا تقرر هذا الحق بنص صريح فيها ، إلا أن البعض يعتبره من أشمل الحقوق وأوسعها وهو كذلك أعمقها اتصالاً بالقيم التي تدعو إليها الأمم المتحدة ومن ذلك الدستور الأمريكي الذي لم يتناول الحق في الخصوصية بنص صريح ـــ ومثله في ذلك الدستور الإماراتي ـــ ولكن القضاء هناك ـــ كما هو الحال هنا ـــ فسر بعض النصوص التي ينتظمها هذا الدستور بأن لها ظلالاً لا تخطئها العين وتنبثق منها مناطق من الحياة الخاصة تعد من فيضها حرمة الحياة الخاصة للأفراد وتؤكدها كذلك بعض الحقوق التي كفلتها تلك الدساتير ومن بينها حق الأفراد في الاجتماع وحقهم في تأمين أشخاصهم وحقهم في تأمين أشخاصهم وأوراقهم ودورهم ومتعلقاتهم في مواجهة القبض والتفتيش غير المبرر وحق المتهمين في ألا يكونوا شهوداً على أنفسهم لادلائهم بما يدينهم ومن أخص تلك الحقوق ما يتصل بجسده ومن أخص خصائصها ما يتصل بمكمن أسرار جسده وما يعمل ويتفاعل داخله ويحتفظ بسره لديه ، ويخفيه عن غيره ضناً بإذاعته وصوناً لأسراره ، فيجب على القانون والسلطات القائمة على تنفيذه أن تعينه على صونه وأن تدرأ عنه أي تدخل تعسفي فيه ، فلا يجوز أن يستطيل لهذا الحق المصون أي تدخل ما خلا ما تُصرح به السلطة القضائية المختصة صوناً لما تمليه الضرورة لصالح سلامة الأفراد أو منع الجريمة أو إثباتها ، أو حماية الصحة العامة والآداب أو حماية حقوق الغير وحرياتهم .
3- لما كان يتعين فهم المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية في إطار هذه المبادئ الدستورية فلا يتعدى هذا الفهم إلى حمل ما نصت عليه تلك المادة من أنه ” لمأمور الضبط القضائي أن يفتش المتهم في الأحوال التي يجوز فيها قانوناً القبض عليه ويجري التفتيش بالبحث عما يكون بجسمه أو ملابسه أو أمتعته من آثار أو أشياء تتعلق بالجريمة أو تكون لازمة للتحقيق فيها ” أن يفهم منه أن البحث عما يكون بجسم الخاضع للتفتيش يمتد ليشمل الحصول منه على أجزاء من جسده أو متحصلات من أعضائه توسلاً لإقامة دليل على الاتهام و شتان بين التفتيش بمعنى البحث عن تلك الآثار أو الأشياء وبين الاستحصال على بضع من الخاضع للتفتيش لإجراء إختبارات معملية أو مجهرية ، على ما يقع بمكمن جسده ، ويتصل بما يتفاعل ويعتمل داخله ومن ذلك الاستحصال على عينة من دمه أو بوله ، أو منيه ، أو جزء من أنسجته أو أعضائه ، أو مسحة من لعابه أو مهبلها أو ما شابه ذلك ، فلا يتسع النص لهذا إلا إذا أذنت به السلطة القضائية تحقيقاً للضرورة الملجئة لهذا و منها إثبات الجرم .
4- لما كان الثابت بالأوراق أن محرر محضر التحريات المؤرخ 23/9/2011م قد ضمنه أن تحرياته السرية قد دلته على أن الطاعن له نشاط في حيازة وتعاطي العقاقير المخدرة وأنه يحوز كمية منها بقصد تروجيها وأنتهى إلى طلب تفتيشه ذاتياً وتفتيش سيارته ومقر سكنه وبإخضاعه للفحص الفني عن طريق المختبر الجنائي على السوائل الحيوية ( البول ) ، وكان الإذن الصادر من رئيس النيابة العامة في ذات التاريخ قد اقتصر على الإذن لمحرر المحضر الملازم …… بضبط الطاعن وتفتيشه ذاتياً وتفتيش سيارته إن وجدت ومقر سكنه ، دون أن يمتد لما طلبه مجري التحريات من الإذن له بإخضاع الطاعن للفحص الفني عن طريق المختبر الجنائي على السوائل الحيوية ( البول )، وكان الثابت بالأوراق أن الضابط مجري القبض بعد أن أتم تفتيش الطاعن ذاتياً ـــ وفق ما أورده بمحضره ـــ وكذا سيارته دون أن يضبط أي مواد أو عقاقير مخدرة بحوزته قام بإرسالة صحبة شرطيين إلى المختبر الجنائي حيث استحصل منه الفني المختص على عينة بوله ، فإن حمل الطاعن دون إرادته للتحصل منه على عينة من بوله ليسخره في إعطاء دليل ضد نفسه في أمر شخصي يخص جسده ولا يجوز المساس به إلا بحكم أو أمر قضائي ، يكون متجاوزاً لإذن النيابة العامة الذي لم يخول الصادر له الإذن بالتحصل على تلك العينة ، ومن ثم يكون هذا الإجراء قد وقع باطلاً ولا يعتد به وينهار ما قد يكون قد ترتب عليه من أدلة قِبل الطاعن بالنسبة للجريمة محل الإتهام بما فيها تقرير المختبر الجنائي الذي اعتمد عليه الحكم المطعون فيه .
5- لما كان الثابت أن الجريمة التي اُسند للطاعن ارتكابها لم تكن متلبساً بها ، كما خلت الأوراق من وجود دلائل كافية على ارتكابه لها أو توافر حالة من الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت لإتخاذ إجراء لازم لكشف الحقيقة ، وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمتي أول وثاني درجة ببطلان التحصل على عينة من بوله لتجاوز ذلك الإجراء لنطاق الإذن الصادر من النيابة العامة بالقبض عليه وتفتيشه ، وكان الطاعن قد أنكر ما نُسب إليه في كافة مراحل التحقيق ، وليس من دليل تقوم عليه التهمة سوى ما تم من إجراءات باطلة على النحو السالف بيانه و من ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بتأييد الحكم الابتدائي الصادر ببراءة الطاعن من تهمة تعاطي المؤثر العقلي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـــوقـــائــــــــع
اتهمت النيابة العامة الطاعن 1- تعاطى مؤثر عقلي ( الترامادول ) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت معاقبته طبقاً لأحكام المواد 1، 49/2، 56، 63 من القانون رقم 14 لسنة 1995م في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2005 م وقرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2011م والبند رقم ( 7 ) من الجدول الثامن المحلق بالقانون .
و محكمة جنح رأس الخيمة قضت حضورياً ببراءة المتهم .
استأنفت النيابة العامة ومحكمة استئناف جنح رأس الخيمة قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ، و في الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بحبس المستأنف ضده لمدة سنة وإبعاده عن الدولة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض …… إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكــــــــمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه القاضي / محمد ناجي دربالة ، وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تعاطي المؤثر العقلي الترامادول قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ذلك بأنه تمسك بأن الإذن الصادر من النيابة العامة بالقبض عليه وتفتيشه اقتصر على تفتيشه ذاتياً وتفتيش سيارته ومسكنه إلا أن مأمور الضبط القضائي قد جاوز حدود هذا الإذن و اقتاده للمختبر الجنائي حيث استحصل منه على عينة من بوله الأمر الذي يترتب عليه بطلان التفتيش وما ترتب عليهما ، بيد أن المحكمة لم تأبه لدفاعه وردت عليه بقالة أن ذلك الإجراء يدخل في نطاق الإذن بتفتيشه ذاتياً ، وهو ما لا يصلح رداً على دفاعه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الدستور قد حرص ـــ في سبيل كفالة الحريات العامة ـــ على كفالة الحرية الشخصية لاتصالها بكيان الفرد وأصل وجوده فأكدت المادة 26 من الدستور على أن الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين . ” كما أتى الدستور ـــ بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية وما يتفرع عنها من حريات وحرمات ورفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية ضمنها المواد من 25 إلى 44 منه ، حيث لا يجوز للمشرع العادي أن يخالف تلك القواعد وما تضمنه من كفالة لصون تلك الحريات وإلا جاء عمله مخالفاً للشريعة الدستورية ، وحيث إن المشرع الدستوري ـــ توفيقاً بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة حياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه ـــ قد أجاز تفتيش الشخص كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركاً للمشرع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 26 من الدستور على أنه ” لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون ” ويصدر هذا الأمر ـــ وفق أحكام قانون الإجراءات الجزائية ـــ من مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بالجريمة ( المادتين 42 ، 44 من قانون الإجراءات الجزائية ) أو وجود دلائل كافية على ارتكاب المتهم الحاضر لجريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية ، فإن لم تتوافر أي من الحالتين سالفتي الذكر ، انعقد للنيابة العامة ـــ دون غيرها ـــ مباشرة إجراءات التحقيق ـــ ومنها القبض والتفتيش ـــ بنفسها أو أن تندب أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق ـــ عدا استجواب المتهم ـــ وفي جميع الأحوال يجب على عضو النيابة العامة التي يندب فيها غيره لإجراء بعض التحقيقات أن يبين المسائل المطلوب تحقيقها والإجراءات المطلوب اتخاذها ، ولا يجوز لمن ندب لذلك أن يجري أي عمل آخر من أعمال التحقيق أو أن يستجوب المتهم إلا في الأحوال التي يخشى فيها من فوات الوقت ومتى كان هذا العمل لازماً لكشف الحقيقة ( المواد 65 ، 68 ، 69 من قانون الإجراءات الجزائية ) ، ذلك أن التفتيش في غير حالات التلبس وتوافر الدلائل الكافية أو الخشية من فوات الوقت هو من إجراءات التحقيق القضائي الذي لا يملك أن يتولاه رجال الضبطية القضائية ـــ وهم في الأصل ممنوعون من إجرائه إلا إذا رُخص لهم ترخيصاً خاصاً في أحوال معينة ، أو كان بيدهم إذن به من الجهة القضائية ، وكل موطن لا ترخيص فيه من القانون ولا إذن من السلطة القضائية ، فالتفتيش فيه غير جائز ، وإذا رخص القانون أو السلطة المختصة لرجال الضبطية بالتفتيش لغرض معين فليس لهم أن يتجاوزوا هذا الغرض إلى التفتيش لغرض آخر ، أو أن يوسعوا نطاقه فيبسطوه على ما لم يتضمنه هذا الترخيص أو أن يتزيدوا فيه بما يخرجه عن ذاتيته بالاستحصال على بضع من جسم الخاضع للتفتيش ، وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( المادة 12 ) والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان( المادتين 4 ، 8 ) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة ( المادتين 7 ، 17 ) قد جرت على أنه لا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل ، ولا يجوز للسلطة العامة أن تتعرض لممارسة الإنسان لحياته الخاصة إلا وفقاً للقانون وبما تمليه الضرورة ، كما أنه لا يجوز أن يطلب من أي إنسان أداء عمل جبراً أو سخرة ، كما أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية واللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة ، وعلى وجه الخصوص ، لا يجوز إجراء أي تجربه طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر ، وكان من المقرر أن الحق في أن تكون للحياة الخاصة تخومها بما يضمن سريتها وصوناً لحقوقها ودفعاً لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها بما يضمن لكل فرد عدم النفاذ إليها إلا في نطاق ما يحدده القانون ، وإنه ولئن كانت بعض الوثائق الدستورية لا تقرر هذا الحق بنص صريح فيها ، إلا أن البعض يعتبره من أشمل الحقوق وأوسعها وهو كذلك أعمقها اتصالاً بالقيم التي تدعو إليها الأمم المتحدة ومن ذلك الدستور الأمريكي الذي لم يتناول الحق في الخصوصية بنص صريح ـــ ومثله في ذلك الدستور الإماراتي ـــ ولكن القضاء هناك ـــ كما هو الحال هنا ـــ فسر بعض النصوص التي ينتظمها هذا الدستور بأن لها ظلالاً لا تخطئها العين وتنبثق منها مناطق من الحياة الخاصة تعد من فيضها حرمة الحياة الخاصة للأفراد وتؤكدها كذلك بعض الحقوق التي كفلتها تلك الدساتير ومن بينها حق الأفراد في الاجتماع وحقهم في تأمين أشخاصهم وحقهم في تأمين أشخاصهم وأوراقهم ودورهم ومتعلقاتهم في مواجهة القبض والتفتيش غير المبرر وحق المتهمين في ألا يكونوا شهوداً على أنفسهم لادلائهم بما يدينهم ومن أخص تلك الحقوق ما يتصل بجسده ومن أخص خصائصها ما يتصل بمكمن أسرار جسده وما يعمل ويتفاعل داخله ويحتفظ بسره لديه ، ويخفيه عن غيره ضناً بإذاعته وصوناً لأسراره ، فيجب على القانون والسلطات القائمة على تنفيذه أن تعينه على صونه وأن تدرأ عنه أي تدخل تعسفي فيه ، فلا يجوز أن يستطيل لهذا الحق المصون أي تدخل ما خلا ما تُصرح به السلطة القضائية المختصة صوناً لما تمليه الضرورة لصالح سلامة الأفراد أو منع الجريمة أو إثباتها ، أو حماية الصحة العامة والآداب أو حماية حقوق الغير وحرياتهم ، لما كان ذلك ، وكان يتعين فهم المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية في إطار هذه المبادئ الدستورية فلا يتعدى هذا الفهم إلى حمل ما نصت عليه تلك المادة من أنه ” لمأمور الضبط القضائي أن يفتش المتهم في الأحوال التي يجوز فيها قانوناً القبض عليه ويجري التفتيش بالبحث عما يكون بجسمه أو ملابسه أو أمتعته من آثار أو أشياء تتعلق بالجريمة أو تكون لازمة للتحقيق فيها ” أن يفهم منه أن البحث عما يكون بجسم الخاضع للتفتيش يمتد ليشمل الحصول منه على أجزاء من جسده أو متحصلات من أعضائه توسلاً لإقامة دليل على الاتهام و شتان بين التفتيش بمعنى البحث عن تلك الآثار أو الأشياء وبين الاستحصال على بضع من الخاضع للتفتيش لإجراء إختبارات معملية أو مجهرية ، على ما يقع بمكمن جسده ، ويتصل بما يتفاعل ويعتمل داخله ومن ذلك الاستحصال على عينة من دمه أو بوله ، أو منيه ، أو جزء من أنسجته أو أعضائه ، أو مسحة من لعابه أو مهبلها أو ما شابه ذلك ، فلا يتسع النص لهذا إلا إذا أذنت به السلطة القضائية تحقيقاً للضرورة الملجئة لهذا و منها إثبات الجرم . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن محرر محضر التحريات المؤرخ 23/9/2011م قد ضمنه أن تحرياته السرية قد دلته على أن الطاعن له نشاط في حيازة وتعاطي العقاقير المخدرة وأنه يحوز كمية منها بقصد تروجيها وأنتهى إلى طلب تفتيشه ذاتياً وتفتيش سيارته ومقر سكنه وبإخضاعه للفحص الفني عن طريق المختبر الجنائي على السوائل الحيوية ( البول ) ، وكان الإذن الصادر من رئيس النيابة العامة في ذات التاريخ قد اقتصر على الإذن لمحرر المحضر الملازم …… بضبط الطاعن وتفتيشه ذاتياً وتفتيش سيارته إن وجدت ومقر سكنه ، دون أن يمتد لما طلبه مجري التحريات من الإذن له بإخضاع الطاعن للفحص الفني عن طريق المختبر الجنائي على السوائل الحيوية ( البول )، وكان الثابت بالأوراق أن الضابط مجري القبض بعد أن أتم تفتيش الطاعن ذاتياً ـــ وفق ما أورده بمحضره ـــ وكذا سيارته دون أن يضبط أي مواد أو عقاقير مخدرة بحوزته قام بإرسالة صحبة شرطيين إلى المختبر الجنائي حيث استحصل منه الفني المختص على عينة بوله ، فإن حمل الطاعن دون إرادته للتحصل منه على عينة من بوله ليسخره في إعطاء دليل ضد نفسه في أمر شخصي يخص جسده ولا يجوز المساس به إلا بحكم أو أمر قضائي ، يكون متجاوزاً لإذن النيابة العامة الذي لم يخول الصادر له الإذن بالتحصل على تلك العينة ، ومن ثم يكون هذا الإجراء قد وقع باطلاً ولا يعتد به وينهار ما قد يكون قد ترتب عليه من أدلة قِبل الطاعن بالنسبة للجريمة محل الإتهام بما فيها تقرير المختبر الجنائي الذي اعتمد عليه الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك ، وكان الثابت أن الجريمة التي اُسند للطاعن ارتكابها لم تكن متلبساً بها ، كما خلت الأوراق من وجود دلائل كافية على ارتكابه لها أو توافر حالة من الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت لإتخاذ إجراء لازم لكشف الحقيقة ، وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمتي أول وثاني درجة ببطلان التحصل على عينة من بوله لتجاوز ذلك الإجراء لنطاق الإذن الصادر من النيابة العامة بالقبض عليه وتفتيشه ، وكان الطاعن قد أنكر ما نُسب إليه في كافة مراحل التحقيق ، وليس من دليل تقوم عليه التهمة سوى ما تم من إجراءات باطلة على النحو السالف بيانه و من ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بتأييد الحكم الابتدائي الصادر ببراءة الطاعن من تهمة تعاطي المؤثر العقلي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً