مفاهيم جديدة للشركات في الدولة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
في المادّة التالية يوضح لنا كميل شمعون، الشريك في ’بيت المحاماة‘، كيف سيؤثر قانون الشركات التجارية الجديد في الدولة على الشركات العاملة في الإمارات.
دخل قانون الشركات التجارية الجديد – الذي انتظره الكثيرون بفارغ الصبر – حيّز التنفيذ اعتباراً من ١ يوليو ٢٠١٥ تحت اسم القانون الاتحادي رقم ٢ لعام ٢٠١٥ (نشير إليه هنا بـ”القانون”)، لكنّه لم يرقَ إلى مستوى توقعات السوق من نواحٍ عديدة؛ أبرزها عدم إدخال أي مرونة على شرط أن تكون الشركات محدودة المسؤولية مملوكة بنسبة ٥١ بالمئة من قبل مواطنين إماراتيين، وهو ما قد يتم التعامل معه بدلاً من ذلك بموجب قانون جديد للاستثمار الأجنبي.
ولكن بالمقابل، فإن القانون يطرح عدّة مفاهيم جديدة ينطوي اثنان منها – “الشركات القابضة” و”شركات المساهمة الفردية” – على ديناميكيات غير مسبوقة ويتيحان مستوى أعلى من المرونة في السوق، مما قد يساعد الدولة على اجتذاب مزيد من الاستثمار الأجنبي.
الشركات القابضة
يطرح القانون مفهوم الشركات القابضة بموجب المادتين ٢٦٦ و٢٦٧، واللتين تسمحان بتأسيس شركة محدودة المسؤولية وشركات مساهمة مشتركة في الدولة بصفتها شركات قابضة، كي تزاول أعمالها عبر شركاتها التابعة بشكل حصري.
وبإمكان الشركات القابضة في الإمارات امتلاك حصص في شركاتها التابعة، ومراقبة أداء إدارة هذه الأخيرة داخل وخارج الدولة على حد سواء. ويجب أن يكون اسم الشركة متبوعاً بكلمة “شركة قابضة” في كافة الإعلانات والمستندات الصادرة عن عنها.
وبموجب المادة ٢٦٧، فإن أنشطة الشركات القابضة ستكون محدودة بما يلي: امتلاك حصص في شركات ذات مسؤولية محدودة وشركات مساهمة مشتركة؛ ومنح القروض والضمانات والتمويل لشركاتها التابعة؛ والاستحواذ على سلع منقولة وعقارات؛ وإدارة شركاتها التابعة وامتلاك حقوق الملكية الفكرية.
وتنصّ المادة ٢٧٠ من القانون على أن الشركة القابضة ملزمة بإعداد ما يلي مع نهاية كل سنة مالية (وبما يتوافق مع معايير المحاسبة والتدقيق المقبولة عالمياً): ميزانية عمومية موحّدة، وتقرير بالأرباح والخسائر، وتقرير بالتدفق النقدي للشركة القابضة وشركاتها التابعة؛ حيث يتم تقديم جميع هذه المعلومات للجمعية العمومية.
وتشكّل الشركات القابضة ضمن العديد من البيئات القانونية ممارسة متعارفاً عليها من أجل هيكلة مجموعات الشركات، إلى جانب كونها تتيح العديد من المزايا الضريبية؛ إذ تستطيع الشركات القابضة الإقدام على المخاطر الاستثمارية من خلال شركاتها التابعة التي تعتبر كيانات مستقلّة قانونياً، مما يجعل المخاطرة مقتصرة على الشركات التابعة فقط دون تعريض الشركة القابضة لأية أعباء. كما تمثل الشركات القابضة وسيلة للتحكّم بشركات أخرى مقابل مبالغ استثمارية أقل من تلك المطلوبة في حال الاندماج أو التوحيد.
وعلى الصعيد الإداري، تسمح طبيعة العلاقة بين الشركة القابضة وشركاتها التابعة بممارسة اللامركزية في الإدارة؛ إذ تدار كل شركة تابعة من قبل فريق إداري خاص بها، مع إمكانية بيع الشركات التابعة التي لا تحقق ربحية بسهولة أكبر. كما تحافظ الشركات التابعة على هويتها المؤسسية، في حين تستفيد الشركات القابضة من أي سمعة إيجابية واعتراف أو تقدير تحظى به شركاتها التابعة.
وعلى العموم، يتيح هذا الفصل بين الشركة القابضة وشركاتها التابعة إمكانية تسجيل أرباح وخسائر عملياتها بشكل مستقل عن الشركات التابعة، الأمر الذي يحمي الشركة القابضة من أي خسائر قد تتعرض لها الشركة التابعة، مع تسجيل الأرباح فقط لصالحها. ولن تكون الشركة القابضة مسؤولة عن أي خسائر تشغيلية أو ديون في ذمّة الشركة التابعة، إلا في حال كانت قد أعطت ضمانات مؤسسية بالنيابة عن شركتها التابعة، أو حصلت على تمويل أو قروض من شركات أخرى لصالح هذه الأخيرة.
ومن ناحية أخرى، يمكن استخدام الشركة القابضة كدرع لحماية الشركات التابعة من الدائنين. على سبيل المثال، يمكن نقل دفعات الأرباح الموزّعة من الشركة التابعة إلى الشركة القابضة، وبهذا تكون المكاسب الإضافية التي تحققها الشركة التابعة محميّة من أي دائنين مضمونين أو أية دعاوى محتملة قد يتم رفعها ضد الشركة فيما يخص المساءلة القانونية. وإذا احتاجت الشركات التابعة في أي وقت إلى مزيد من التمويل لعملياتها، فإن الشركة القابضة تستطيع اقتراض المال بالنيابة عنها على أساس مضمون، وبالتالي يصبح هذا القرض محمياً من الدائنين المضمونين الآخرين.
وسيسهم طرح مفهوم الشركة القابضة في تعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كبيئة قضائية أكثر جاذبية للشركات الكبيرة الراغبة بدخول المنطقة والاستفادة من نظام الشركات الإماراتي الخالي من الضرائب.
شركات المساهمة الفردية
قبل دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ، كان من المطلوب وجود مساهمين اثنين على الأقل لتأسيس الشركات ذات المسؤولية المحدودة، ولم يكن من المسموح تأسيس شركات ذات مساهمة فردية في الدولة، وبدلاً من ذلك كانت هناك إمكانية تأسيس الشركات ذات الملكية الفردية (مؤسسة فردية) التي يواجه مالكوها خطر خسارة أصولهم الشخصية نظراً للمسؤولية غير المحدودة التي ينطوي عليها مفهوم الملكية الفردية بطبيعته.
ومن هنا، طرح القانون مفهومه الجديد “شركات المساهمة الفردية” لأول مرة في الإمارات؛ إذ تسمح المادة ٧١ من القانون بأن يتم امتلاك الشركات ذات المسؤولية المحدودة في الدولة من قبل مساهم وحيد يمكن أن يكون فرداً أو كياناً مؤسسياً (كما هو مطبّق في المناطق الحرّة). وبحكم منع الملكية الأجنبية للشركات في الإمارات (ما عدا تلك المدرجة في مختلف المناطق الحرة بالدولة)، فإن المادّة ٧١ تنطبق على المواطنين الإماراتيين أو الشركات المملوكة من قبلهم. ولم يوضح هذا القانون ما إذا كان بإمكان مواطني دول مجلس التعاون أن يكونوا مساهمين وحيدين، لذا لا بد من ترقب أي قوانين مرافقة قد تصدر بهذا الخصوص.
ومن المنطقي أن نتساءل هل أن الحماية التي تتيحها المسؤولية المحدودة للشركات ذات المساهمة الفردية هي ذاتها تلك التي تتمتع بها الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي تقوم على مساهمين اثنين كحد أدنى؟ أم أن شركات المساهمة الفردية ستُعامل بطريقة مختلفة من قبل المحاكم فيما يخص مسؤولية المساهم الفرد؟
في كافة الأحوال، ينطوي هذا الأمر على جانب إيجابي يتمثّل في أن مواطني الدولة سيستفيدون من محدودية المسؤولية، بعد أن كانوا في السابق مضطرين للمخاطرة بأصولهم الشخصية عند تأسيس شركات ملكية فردية ذات مسؤولية غير محدودة. ولكن هل تعني محدودية مسؤولية شركات المساهمة الفردية بأن المساهم قادر على الاختباء وراء هذه المسؤولية المحدودة؟ أم أنّ المحاكم قادرة على رؤية ما وراء الكواليس المؤسسية؟
ومن وجهة النظر الإدارية، فإنه من الأسهل تأسيس شركة مساهمة فردية بما أن إدارتها تتم من قبل الشخص الوحيد الذي يملك الحصص في الشركة، مقارنة بما يكون الحال عليه عند التعامل مع الإدارة المشتركة والنصابات التي يمكن رؤيتها أحياناً في الشركات ذات المسؤولية المحدودة.
ويشار إلى أن قانون الشركات التجارية السابق لم يكن يسمح لشركات الملكية الفردية بامتلاك حصص في شركات محدودة المسؤولية، ولم يحدّد القانون الجديد هو الآخر إذا ما كان مسموحاً لشركات المساهمة الفردية امتلاك حصص في شركات محدودة المسؤولية، مع العلم بأن السماح بذلك سيتيح إمكانية تأسيس الشركة القابضة كشركة مساهمة فردية تعود ملكيتها إلى شخص واحد.
علاوة على ذلك، يشجّع مفهوم شركات المساهمة الفردية ذات المسؤولية المحدودة المواطنين الإماراتيين أيضاً على تأسيس شركاتهم وتنميتها وهيكلتها ضمن إطار الشركات القابضة.
وفي حين يعتبر هذان المفهومان خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، غير أننا لا نزال بحاجة إلى اختبارهما عملياً في المحاكم وضمن مجتمع الأعمال، لذا نحن نترقب تطورات ومستجدات الموضوع على المدى الطويل لمعرفة المنافع والحلول التي قد يثمر عنها على أرض الواقع.
اترك تعليقاً