أصول الاستجواب بالنسبة لفئات المتهمين المختلفة
المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يمكن ان نقسم الاشخاص الذين قد يكونوا موضع استجواب الى مجموعتين رئيسيتين :
1-أشخاص ذنبهم أكيد او مفترض عقليا.
2-اشخاص ذنبهم مشكوك فيه وغير أكيد.
إن أشخاص المجموعة الاولى يمكن ان يقسموا بدورهم الى فئتين :
أ – المجرمون بالعاطفة.
ب – المجرمون المحترفون.
والآن نأتي على شرح استجواب كل فئة مع كل شيء من التفصيل.
أولا – استجواب الاشخاص الذين ذنبهم أكيد او مفترض عقليا :
أ – المجرمون بالعاطفة :
ان خبر من يمثل هذه الفئة من المجرمين هم من يطلق عليها (المجرمون بالصدفة)(1). أي اولئك الاشخاص الذين ارتكبوا جرائمهم في لحظة من الهياج والغضب لنقص في السيطرة على أنفسهم، ان هذا النوع من المجرمين يختلف كليا عن المجرمين الذين يكون الإجرام حرفة لهم، يشعر المجرمون بالعاطفة عادة بالذنب نتيجة للجريمة التي كانوا سببا في وجودها، ضميرهم يؤنبهم وأعصابهم متوترة دائما ولا يستطيعون حتى النوم الحيان ويسيطر عليهم شعور نفسي بأنه لا يمكن مقاومة المحقق بمجرد ان يعلموا بقيام أدلة ضدهم فيسرعوا بالاعتراف لقلة ثقتهم بانفسهم (2).
وعليه فأن اسلوب الاستجواب يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الفعل المرتكب والصعوبات والظروف التي يمر بها الشخص نفسه. على أنه يلاحظ بأن خوف هؤلاء الاشخاص من النتائج القانونية التي قد تترتب على اعترافاتهم يؤثر فيهم كعامل سلبي، بمعنى آخر أن الخوف من العقوبة قد يدفعهم الى عدم الاعتراف، ومن ناحية اخرى فإن مضي الوقت الطويل على الجريمة يدفع في احيان كثيرة هؤلاء الاشخاص الى ان يكونوا اكثر حذرا وانتباها أملا في عدم التمكن من تسليط الضوء على الوقائع التي تثبت ادانتهم. ان اسلوب الاستجواب الذي يجب ان يتبعه المحقق مع هذه الفئة من المتهمين هي ان يعدد المحقق في بداية الاستجواب جميع الوقائع والظروف بصورة كاملة.
وبعد ان يضع المحقق امام المتهم كل الوقائع بصورة واضحة وجلية، ويبين له بأنه مقتنع كل الاقتناع بذنبه ومسؤوليته، عليه ان ينتبه في الوقت نفسه على تصرفات المتهم إذ انها تساعد على كشف صدق المتهم او كذبه : كجفاف الفم، وتفادي نظرات المحقق وارتعاش اليد ومحاولة تثبيتها، واللعثمة، والعرق بشكل واضح، والحركة المتواصلة على الكرسي للبحث عن أفضل وضع للجلوس، والضرب على الارض بالأرجل بصورة متواصلة، والضغط على اليدين واحتجاجه المتواصل بأنه بريء، واستشهاده بماضيه الشريف غير الملوث، واستعماله لجمل مثل (لا اتذكر جيدا) والقسم بالله تأكيدا لصحة أقواله، ان جميع هذه المظاهر ولو انها لا تشير الى الإدانة، الا أنه يمكن للمحقق ان يذكر المتهم بها على أنها من العلامات التي تظهر عادة على الشخص الذي ينكر ويخفي قول الحقيقة.
هذا وفي جميع الأحوال على المحقق ان يتودد مع المتهم كأن يقول له مثلا بأن اي شخص لو كان في موقفه لكان قد تصرف وسلك نفسه سلوكه، إن شعور المتهم بأن هناك من يشاركه واقعه المؤلم ويبرر له عمله الذي ارتكبه، يمكن ان يدفعه لأن يتضامن مع المحقق ولو على حساب اعترافه بالحقيقة، ان هذه الطريقة مجدية جداً خاصة بالنسبة لمرتكبي حوادث المرور، الذين يهربون من دون ان يقدموا المعونة الواجبة للضحية كنقلها الى المستشفى مثلا،
فالقول للمتهم : (بأن الهروب في هذه الأحوال شيء طبيعي لأن التأثر الذي ينتج عنه اضطراب في التفكير من شأنه ان يدفع الشخص لأن يسلك سلوكا لا يقره المنطق) ان هذا القول قد يجعل المتهم يرى ان لعمله ما يبرره، وهذه هي الخطوة الأولى نحو الاعتراف. اما بالنسبة لمرتكبي الجرائم الجنسية، فمن المناسب اثناء استجوابهم العمل احيانا عن التخفيف من شعور المتهم بالذنب ويكون ذلك عن طريق التقليل من أهمية النتائج الاخلاقية التي ترتبت على سلوكهم، فيمكن للمحقق ان يبين بأن هناك حالات اكثر خطورة من هذه الجريمة المرتكبة، وأن هذه الأعمال ليست بفريدة الوقوع، حتى ن المحقق كثيرا ما راودته نفسه لأن يسلك سلوكا مماثلاً.
وهي المفيد أحيانا التعاطف مع المتهم وذلك عن طريق اتهام الضحية او الشريك او اي شخص آخر يمكن اعتباره، ولو من طرف بعيد، مسؤولا عن الواقعة، لماذا؟ ان علم النفس الجنائي يعلمنا بان كل مذنب يحاول، الى حد كبير ان يبرر ذنبه أمام نفسه قبل اي شيء آخر، وأن مساعدته في هذا تعني ببساطة، جعله أقل تصلبا بالنسبة للاعتراف، فاتهام الضحية واعتبارها مسؤولة الى حد ما عن سلوك المتهم يمكن ان يكون ذو أهمية بالغة خاصة بالنسبة لحالات الجرائم الجنسية.
اذ كثير ما تلاحظ الوقائع بأن المتهم بجريمة جنسية يدين الضحية قائلا بأنها وضعته في حالة نفسية معينة بحيث أرغمته على ارتكاب الفعل الجنسي، وبالتالي فإن ارتكابه لهذا الفعل جاء لأسباب خارجة عن إرادته. ففي حالات الاغتصاب، نجد المتهمين كثيرا ما يرددون نفس الأقوال : الفتاة كانت ترتدي ثوبها بصورة مثيرة، وكانت تتصرف بطريقة بحيث تجعل اي رجل يفقد السيطرة على اتزانه، وكان سلوكها يتجسد فيه دلال المرأة الذي هو جزء من طبيعتها .. إلخ هذا ويلاحظ بأن من المفيد ان يساير المحقق المتهم في خط دفاعه هذا وذلك لغرض الاعتراف. اما في حالة استجواب مرتكبي جرائم السرقة وخاصة أولئك الذين في بداية مزاولتهم لمهنة الاجرام، فمن المفيد جداً بالنسبة إظهار الصداقة مع المتهم خلال الاستجواب محاولا دائما ان يحصل على الاعتراف بأسلوب ودي وغير قهري.
فمثلا لو كان المتهم عاملا فقد يكون من المفيد إيقاع اللوم على صاحب العمل الذي لا يدفع اجراً كافيا حتى يستطيع العامل ان يضمن مستوى محترماً من الحياة ولذلك فإن الشخص يدفع دفعا لان يرتكب السرقة ليكون له دخلا معيناً. ومن الممكن احياناً إيقاع اللوم على المتجمع، الذي يسمح بوجود ظروف اقتصادية معينة ومستويات معايشة واطئة وفروق طبقية حادة من شأنها ان تؤدي الى ارتكاب الجريمة، وفي أحيان اخرى يمكن توجيه اللوم الى العائلة التي أساءت توجيهه، او لأي شخص آخر استطاع في حدود معينة ان يدفعه لارتكاب الجريمة. ان الغرض من كل ذلك هو إيجاد حد أدنى من الثقة التي قد تدفع على الاعتراف. من المفيد جدا ترك المتهم في أثناء الاستجواب من أن يتكلم عن مشاكله الخاصة ويجب على المحقق ان يستمع اليه ويشاركه في ذلك مشاركة وجدانية بحيث يعيش مأساته كما لو كان صديقا. وهذا ما يجب ان يكون. لأن المتهم قبل كل شيء هو إنسان وبالتالي يجب معاملته على هذا الأساس.
ب – المجرمون المحترفون :
ان أحسن ما يمثل هذه الفئة من المجرمين هو أولئك الاشخاص الذين يرتكبون جرائمهم للحصول على ربح أو كسب مادي اي ان الجريمة اصبحت بالنسبة اليهم الوسيلة الوحيدة لكسب العيش (3) .ومن الصفات النفسية الرئيسية لهؤلاء الأشخاص هي أنهم يرتكبون جرائمهم بدون انفعال وببرود تام ولا يشعرون عادة بأي ذنب او تأنيب ضمير ولا يتأثرون بمظاهر الود والعطف ان التفكير المجرم الذي ينتمي الى هذه الفئة وشغله الشاغل ينصب على ناحية واحدة وهي (هل سيكتشفونني؟ هل سيعاقبونني؟).
واستنادا الى هذه الصفات والمميزات فإن اسلوب الاستجواب الذي يتبع مع المجرمين المحترفين يجب ان يتلاءم مع شخصياتهم وبالتالي فإنه سيختلف عن الأسلوب الذي يتبع مع المجرمين بالعاطفة. وعليه فان الاسلوب المفضل الذي يجب ان يتبعه المحقق مع المتهم هو أن يشير قبل كل شيء الى جميع العناصر التي تشهد ضد براءته ويبين له قناعته بإدانته وان مسؤوليته قد أصبحت أكيدة. وانه ليس هناك فائدة من مقاومته بل ان من مصلحته ان يعترف بإرتكابه للجريمة، ويبين له بأنه حتى في حالة عدم اعترافه فإن ذلك سوف لا يغير من الامر شيئا؛ لأن الادلة متوفرة ضده تكفي وحدها لإدانته، هذا وعلى المحقق ان يعتمد في استجوابه لهذا النوع من المتهمين على الناحية العقلية لا العاطفية؛ لأنه أمام أشخاص قد تمرسوا في الاجرام ويعرفوا بالتالي كيف يتخلصوا من المآزق الحرجة التي قد تصادفهم.
وللحصول على الاعتراف قد يكون من المفيد احيانا ان يلتجئ المحقق الى كبرياء المتهم مع بعض المديح الذي يتناسب مع كل حالة على حدة وذلك لاستفزاز غروره كأن يقول له مثلا ( من الغريب حقا ان يكون شخص مثلك، مثقف ونبيه يضع نفسه في عمل كهذا) أو (في الحقيقة انك موهوبة، فلماذا تجعلين الاخرين يعتقدون بأنك معتادة على هذا النشاط) إن عبارات المديح هذه تؤثر في أحيان كثيرة بحيث تجعل المتهم يتجاوب مع المحقق على حساب تسليمه بإدانته ولو بصورة ضمنية.
ومما تجدر ملاحظته ان الأساليب الاستجوابية التي ذكرناها بالنسبة لفئات المتهمين المختلفة ليست لها صفة القواعد العامة التي يجب ان تطبق على كل حالة اذ انها قد لا تصلح لبعض الحالات الخاصة حيث ان الفرد عالم خاص له شخصيته الذاتية التي لا يمكن ان تكون نسخة طبق الاصل لشخصية اخرى. وبالتالي تخضع معها لاحكام وأساليب واحدة، فقد يوجد هناك من المتهمين من ذوي السوابق الاجرامية يعترفون بجريمتهم بعد عرض موجز للأدلة القائمة ضدهم؛ لأن قدرتهم على المقاومة ضعيفة او ان هناك من الاسباب تدفعهم لهذا النوع من السلوك، وفي نفس الوقت قد نجد اشخاص اخرين ارتكبوا الجريمة لأول مرة ولكن مع ذلك نجدهم يعاندون ومن الصعوبة بمكان انتزاع الاعتراف منهم (4).
ثانيا استجواب الاشخاص الذين ذنبهم مشكوك فيه وغير أكيد :
تكلمنا لحد الان عن كيفية استجواب الاشخاص الذين ذنبهم اكيد او مفترض عقليا، وذلك بعد ان قسمناهم الى مجرمين بالعاطفة ومجرمين معتادين، اما الان فسوف نتكلم عن الاشخاص الذين يشك بإدانتهم.هناك ثلاثة اساليب يمكن اتباعها في استجواب هذه الفئة من المتهمين، وهذه الاساليب هي :
1-معاملتهم على أساس أنهم مذنبون :
الناحية الإيجابية في هذا الاسلوب هي ان الوضع النفسي العام الذي ينتج عن هذا الموقف يضيع على المتهم فرصة السيطرة على نفسه، على ان لهذا الاسلوب :
ناحية سلبية يمكن ان نجسدها في المثال التالي : اذا كان المتهم مذنبا فسوف لا ينهار مباشرة، بل سوف يبقى متخذا موقفا دفاعيا خلال الاستجواب، واذا فطن الى الحيلة، فسوف يصبح في موقف أقوى، اما اذا كان بريئا، فسوف يخاف ويرتبك لدرجة لا يستطيع ان يبرهن معها على براءته، ولا يمكن بالتالي من أن يزود التحقيق بمعلومات مفيدة.
2-معاملتهم على اساس انهم أبرياء :
إذا عومل المتهم على اساس انه بريء، وكان في الحقيقة كذلك فسوف يكون عندئذ بإمكانه وبسهولة من أن يبرهن على براءته، وسوف يكون سعيدا بإعطائه معلومات مفيدة. أما إذا كان مذنبا، فان معاملته على أساس انه بريء ستدفعه الى ان يقلل من دفاعه، وسوف يكون مدفوعا بالتالي الى ان يقلل من قيمة المحقق، وبدون ان يشعر سوف يكون اقل حذرا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية ان لهذا الاسلوب ناحية سلبية اذ سوف لا يكون بإمكان المحقق ان يغير اتجاهه بسهولة في اثناء الاستجواب، إذا أظهر بأن لديه بعض الشكوك حول براءته فإنه سوف يكتشف حيلته. معاملتهم كما لو لم يعرف شيئا مطلقا من شأنه ان يفيد لتقرير الادانة او البراءة ان معاملة المتهم بطريقة عدم الاهتمام، هو الاسلوب الناجح في الاستجواب. إذ يصادف احيانا ان إشارة بسيطة في أقوال المتهم قد تضع المحقق في الطريق الصحيح الذي يبين له الاسلوب الواجب الاتباع في الاستجواب.
___________________________
1-انظر أول من اطلق هذا اللفظ على هذا النوع من المجرمين هو العلامة الجنائي الايطالي أنريكوفري.
E.Ferri ، rincipi di dirtto Criminale، Torino 1982،PP.270-271.
2-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص514.
153
3-انظر F.Ferracuti، op. cit. pp. 268-269
156
4-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص517-518.
157
اترك تعليقاً