مدى سلطة هيئة التحكيم فى أتخاذ تدابير مؤقتة او تحفظية وإصدار أحكاماً وقتية أثناء سير
مدى سلطة هيئة التحكيم فى أتخاذ تدابير مؤقتة او تحفظية وإصدار أحكاماً وقتية أثناء سير خصومة التحكيم
ضرورة هذه التدابير والأحكام وبعض صورها :
قد تقتضى طبيعة موضوع النزاع أو ظروف وملابسات الدعوى المعروضة على هيئة التحكيم سرعة اتخاذ بعض التدابير المؤقتة او التحفظية او إصدار بعض الاحكام الوقتية تجنبا لأضرار بالغة قد تلحق بأحد الخصوم نتيجة الانتظار حتى صدور حكم التحكيم المنهى للخصومة او التى تجعل بعد صدوره عديم الجدوى ، لذا حرص المشرع فى قانون التحكيم المصرى على النص فى الفقرة الاولى من المادة 24 على أنه يجوز لطرفى التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم ، بناء على طلب أحدهما ان تأمر أيا منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع ، وأن تطلـب تـقـديـم ضـمـان كاف لتغطية نفقات التدبير الذى تأمر به يدفعه بطبيعة الحال طالب الأمر .
وهو ذات ما نصت عليه المادة 23/1 من نظام غرفة التجارة الدولية بباريس والمادة 26 من قواعد اليونسترال والمادة 47 من إتفاقية واشنطن والمادة 17 من القانون النموذجى للتحكيم .
وعليه ؛ فان أساس صلاحيات هيئة التحكيم فى إصدار مثل هذه التدابير هو اتفاق الطرفين على تخولها هذه السلطة ، فاذا ما تم الاتفاق على ذلك كان لها سلطة تقديرية فى اتخاذ ما تراه مناسبا من هذه التدابير بناء على طلب الخصم صاحب المصلحة .
فاذا لم يتفق الطرفان على تخولها هذه السلطة ، امتنع عليها إصدار مثل هذه التدابير . الا ان المشرع لم يوصد الباب أمام الخصوم فأجاز بالمادة 42 لهيئة التحكيم إصدار أحكاما وقتية بناء على طلب أحد الخصوم ولو لم يوجد اتفاق على ذلك .
واعتبار تدبير ما من التدابير المؤقتة او التحفظية او مسألة ما من المسائل الوقتية التى تقتضيها طبيعة النزاع ، مسألة تقديرية لهيئة التحكيم ، فقد ترى سرعة معاينة البضاعة لإثبات صلاحيتها اذا كانت قابلة للتلف ، او ضرورة تعيين حارس على مصنع لاستمرار تشغيله أو الأشراف على صيانته لاستمراره فى الإنتاج تجنبا للخسائر الفادحة التى تترتب على توقفه عن الإنتاج ،
او اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على البضائع محل النزاع وسلامة تخزينها تجنبا لتلفها بإبداعها مثلا ثلاجات او مستودعات تحفظها من حرارة الجو خاصة اذا كانت سريعة التلف كالأدوية واللحوم والفاكهة ، او سرعة سماع شاهد فى مرض الموت او التحفظ على البضائع المتنازع عليها منعا لتهريبها الى غير ذلك من الحالات التى يصعب حصرها ووضع معيار محدد لها سلفا ، وإنما يجمعها أنها مسائل تقتضى سرعة التدخل لكونها بطبيعتها لا تتحمل التأخير ،
الامر الذى يتقضى سرعة إسعاف الخصوم بإجراءات وقتية سريعة حتى لا تضار مصالحهم ضررا بالغا اذا ما انتظروا الحكم المنهى للخصومة حتى لا يتمخض الحكم فى النهاية عن مجرد ورقة بيضاء تؤكد حقا بات من العسير الحصول عليه أو إعادة الحال الى ما كان عليه .
ضبط المقصود بالاصطلاح التشريعى : –
أجاز المشرع لهيئة التحكيم كما قدمنا بالفقرة الاولى من المادة 24 من قانون التحكيم أن تأمر أيا من الخصمين بناء على طلب الخصم الأخر باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع ، كما أجاز لها فى المادة 42 من نفس القانون ان تصدر أحكاما وقتية او فى جزء من الطلبات وذلك قبل إصدار الحكم المنهى للخصومة .
—
وقد علق المشرع سلطة هيئة التحكيم فى النص الاول على وجود اتفاق بين الخصوم يخولها ذلك ، بينما خولها بالنص الثانى إصدار أحكام وقتية ولو لم يوجد مثل هذا الاتفاق .
وهذان النصان يثيران التساؤل ؛ ما هو المقصود بالتدابير المؤقتة او التحفظية ؛ والاحكام الوقتية ؛ هل هى مصطلحات متباينة المعنى ام أنها من المترادفات ؟؟؟؟؟
ولقد دفع اللبس البعض الى الحديث عن حق التحكيم فى إصدار التدابير المؤقتة او التحفظية وانصراف حديثه شارحا لنص المادة ( 24 فقرة أولى ) ضاربا أمثلة لما يعد من قبيل التدابير المؤقتة او التحفظية فى حين أنها فى الواقع أمثلة لما يعتبر من قبيل الاحكام الوقتية كتعيين حارس او إنهاء إثبات حالة .
بينما دفع اللبس ببعض الفقهاء الى الحديث عن الاحكام الوقتية باعتبارها أحكاما مبدئية ضاربا لذلك أمثلة بفصل هيئة التحكيم فى مسألة اختصاصها والفصل فى المسائل المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق والفصل فى موضوع خاص بالمسئولية منفصلا عن مسألة مقدار التعويض ، فى حين ان هذه الاحكام لا تعتبر أحكاما وقتية وإنما منهية للخصومة فى جزء منها .
والواقع ان هذا اللبس مرجعه ان نص الفقرة الاولى من المادة 24 تواجه حالة إصدار هيئة التحكيم أمرا موجها الى أحد الخصمين بناء على طلب خصمه بتدبير مؤقت او تحفظ يجب عليه ان يقوم به بنفسه كصيانته للمصنع محل النزاع الذى تحت يده او تخزين البضاعة محل النزاع على نحو يحفظها من التلف او سريعة تفريغها ؛ فهو محض أمر وقتى .
أما نص المادة 42 فيواجه حالة أخرى وهى إصدار هيئة التحكيم بناء على طلب من أحد الخصوم حكما وقتيا كتعيين حارس على البضاعة موضوع النزاع او إثبات حالة او سماع شاهد قبل سفره او فى مرض الموت او وقف العمل فى المشروع محل النزاع ، فما يصدر عن هيئة التحكيم هنا ينطوى على حكم مؤقت لا دخل فى تنفيذه لارادة الخصم الذى صدر فى مواجهته ، والقاسم المشترك فى الحالتين ؛ سرعة اتخاذ القرار تجنبا لضرر قد يستحيل تداركه.
غير أننا نعتقد أنه أيا كان صورة التوجه بالامر وصيغته او الشكل الذى يظهر به ، فان المعنى واحد دائما خاصة وان المشرع نص فى المادة 14 من قانون التحكيم على انه يجوز لرئيس المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع او رئيس الاستئناف حسب الاحوال ان يأمر بناء على طلب الخصوم باتخاذ تدابير مؤقتة او تحفظية سواء قبل البدء فى اجراءات التحكيم او أثناء سيرها . وهو يعنى بما يدع مجالا للشك ما يمكن تسميته بمجرد التدابير وما يعتبر حكما وقتيا فى الحالات التى تقضى السرعة والمباغتة .
ونأمل فى أقرب تعديل تشريعى إزالة هذا اللبس الذى أوقعنا فيه عدم ضبط مضمون الاصطلاح التشريعى فى المادتين سالفتى الذكر ، وربطها بالمادة 14 فى سياق قانونى متناغم .
مع مراعاة ، ان ما يصدر من أحكام وقتية من هيئة التحكيم مقيد دائما بعدم صدوره فى غير الحالات التى تنص عليها وهو ما ستوضحه بمناسبة الحديث عن سلطة القضاء المستعجل قبل او أثناء التحكيم باصدار مثل هذه الاحكام .
امتناع من صدر إليه الامر عن تنفيذه وضرورة الحصول على أمر بالتنفيذ من القضاء :
يحدث ان يتخلف من صدر اليه الامر عن تنفيذه ، فى هذه الحالة يجوز لهيئة التحكيم بناء على طلب الطرف الذى صدر لصالحه ان تأذن له فى اتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذه ، وذلك دون إخلال بحقه فى ان يلجأ الى رئيس المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع اذا لم يكن التحكيم دوليا الى رئيس محكمة استئناف القاهرة او رئيس اى محكمة استئناف فى مصر اذا كان التحكيم تجاريا دوليا ، وان يطلب منه الامر بالتنفيذ (م24/2 تحكيم) لان هيئة التحكيم لا تملك سلطة إجباره على تنفيذ ما أمرته به .
كذلك يتعين فى حالة صدور حكم وقتى من هيئة التحكيم الالتجاء الى القضاء على النحو السابق لاستصدار أمر بتنفيذ هذا الحكم .
اختصاص هيئة التحكيم بإصدار التدابير والاحكام الوقتية لا يحول دون اختصاص القضاء المستعجل – ضوابط ذلك :
تنص المادة 14 من قانون التحكيم على انه يجوز للمحكمة المختصة أصلا ينظر النزاع اذا لم يكن التحكيم تجاريا دوليا ولمحكمة استئناف القاهرة او اى محكمة استئناف مصرية يتفق عليها الطرفان ، ان تأمر بناء على طلب أحد طرفى التحكيم باتخاذ تدابير مؤقتة او تحفظية سواء قبل البدء فى اجراءات التحكيم او أثناء سيرها .
وعليه ؛ فان اختصاص هيئة التحكيم بمثل هذه الامر لا يحول دون اختصاص القضاء المستعجل به ، وللخصم الخيار بين الالتجاء الى القضاء المستعجل او الالتجاء لهيئة التحكيم ، بيد أنه من الناحية العملية قد يؤثر الخصم الالتجاء للقضاء المستعجل لانه يملك سلطة الجبر لا تملكها هيئة التحكيم ، ويكون حكمه نافذا معجلا لا يحتاج الى أمر بالتنفيذ كما هو الحال بالنسبة لهيئة التحكيم .
هذا فضلا عن ان الالتجاء الى القضاء المستعجل أشمل وأعم لانه يشمل إمكانية إصدار مثل هذه التدابير سواء قبل البدء فى اجراءات التحكيم او أثناء سيره ، الامر الذى يحقق فائدة كبيرة للطرف صاحب المصلحة فى اتخاذ الاجراء الوقتى فى الحالة التى لم يكن فيها التحكيم قد بدء بعد ، تجنبا لما يترتب على هذا التأخير من إضرار بمصالحه .
على انه تجدر مراعاة ان اختصاص القضاء المستعجل بإصدار مثل هذه التدابير المؤقتة او التحفظية وان كان مقطوع به قبل بدء إجراءات التحكيم ، وكذلك فى حالة عدم وجود اتفاق بين الخصوم على اختصاص هيئة التحكيم بإصدار مثل هذه التدابير ، فان الالتجاء فى حالة وجود مثل هذا الاتفاق يصطدم بالدفع بعدم الاختصاص لاقتصار الاختصاص بهذه المسائل طبقا للاتفاق على هيئة التحكيم .
وتأكيداً لذلك ؛ نصت المادة 26/3 من قواعد اليونسترال على ان الطلب الذى يقدمه أحد الطرفين الى سلطة قضائية باتخاذ تدابير مؤقتة لا يعتبر مناقضا لاتفاق التحكيم او نزول عن الحق فى التمسك به
وفى حظر خطير على سلطة القضاء فى إصدار هذه التدابير ذهبت محكمة النقض الى ان سلطته تتقيد بما يتقيدها به القانون فى مجال الأوامر على العرائض مقررة انه يتعين عدم تجاوز الحالات المحددة على سبيل الحصر التى يجوز فيها إصدار مثل هذه الأوامر .
وتطبيقا لذلك ؛ قضت بإلغاء الامر الوقتى الصادر على عريضة من رئيس محكمة استئناف القاهرة بصفته قاضيا للأمور الوقتية بوقف صرف قيمة خطابات الضمان لحين الفصل فى النزاع المعروض على هيئة التحكيم ؛ لصدور الامر فى غير الاحوال التى نص عليها قانون المرافعات فى المادة 194 بعد تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 والتى ليس من بينها وقف تسييل خطابات الضمان (نقض مدنى 14 ديسمبر 1996 الطعن رقم 975 لسنة 66 ق ) مؤكدة انه لا ينال من ذلك الاعتصام بما نصت عليه المادة 14 من قانون التحكيم من أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد طرفى التحكيم ان تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة او تحفظية قبل البدء فى اجراءات التحكيم او أثناء سيرها ـ
اذ أن سلطة المحكمة فى هذا الشأن مرهون إعمالها بوجود نص قانونى يجيز للخصم الحق فى استصدار أمر على عريضة فيما يقتضيه موضوع التحكيم من اتخاذ اى من هذه التدابير وذلك إعمالا للأصل العام فى الأوامر على العرائض الوارد فى المادة 194 من قانون المرافعات بحسبانه استثناء لا يجرى الا فى نطاقه دون ما توسع فى التفسير ، واذ لم يرد فى القانون وعلى ما سلف القول نص يبيح وقف تسييل خطاب الضمان عن طريق الامر على عريضة فانه لا يجدى فى هذا الصدد الركون الى المادة 14 من قانون التحكيم .
والواقع ان ما ذهب إليه محكمة النقض يعصف بما استهدفه المشرع من نص المادة 14 وغيره من النصوص التى تعالج إمكانية استصدار أوامر وقتية او تحفظية يقتضيها موضوع التحكيم وتفرغها من مضمونها ، هذا فضلا عن ان هذه النصوص الواردة فى قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 لاحقة للتعديل الذى أورده القانون رقم 23 لسنة 1992 وتعتبر نصوصا خاصة ، والخاص يقيد العام .
وعليه ؛ فانه يمكن استصدار أمر على عريضة بوقف خصومة التحكيم من المحكمة المختصة الى حين الفصل فى مدى قيام التحكيم او إنهائه لانتهاء مدته والمعروض أمره على القضاء .
اترك تعليقاً