تأثير تطور مجالات الاتصالات في طلب تسليم و استرداد المجرمين
فتحي الجواري
استقر فقه القانون الدولي على اعتبار تسليم المجرمين شكلا من اشكال التعاون الدولي في مكافحة الجريمة والمجرمين ، وحماية المجتمعات من المخلين بامنها واستقرارها ، وحتى لايبقى هؤلاء العابثين بمنأى عن العقاب يعيثون في الارض فسادا .
ان هذا النوع من التعاون الدولي هو نتيجة طبيعية للتطورات التي حدثت في المجالات كافة ومنها مجال الاتصالات وتقنية المعلومات ، حيث لم تعد الحدود القائمة بين الدول تشكل حاجزا امام مرتكبي الجرائم ، كما ان نشاطهم الاجرامي لم يعد قاصرا على اقليم معين بل امتد الى اكثر من اقليم ، حيث اصبح المجرم يشرع في التحضير لجريمته في بلد ، وينفذها في بلد ثان ، ثم يفر الى بلد ثالث .
فالجريمة اصبح لها طابعا دوليا والمجرم نفسه اصبح مجرما دوليا . وهذا ينطبق على الجرائم المتعلقة بالانترنيت بشكل خاص وبالجرائم العابرة للحدود بشكل عام .
وحيث ان اجهزة انفاذ القانون لاتستطيع تجاوز حدودها الاقليمية لممارسة الاعمال التنفيذية على المجرمين الفارين ، كان لابد من ايجاد آلية معينة للتعاون مع الدولة التي ينبغي اتخاذ بعض تلك الاعمال فوق اقليمها ، ولكي يتم ذلك ويكون هناك تعاون دولي ناجح في مجال تحقيق العدالة كان لزاما تنظيم مجالات هذا التعاون الدولي تشريعيا ، وقضائيا ، وتنفيذيا .
فالدولة اذ هي من اعضاء المجتمع الدولي لابد لها من الوفاء بالتزاماتها المترتبة على علاقاتها الدولية من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية والثنائية التي تتعلق بتسليم واسترداد المجرمين . ولو رجعنا لتلك الاتفاقيات نجد ان الدولة التي يتواجد المتهم بارتكاب احدى الجرائم العابرة للحدود (ومن بينها الجرائم المتعلقة بالانترنيت) على اقليمها ملزمة بمحاكمته اذا كان تشريعها يتضمن تجريم تلك الافعال ، والا فعليها تسليمه الى الدولة الطالبة لكي تقوم بمحاكمته ، او تنفيذ العقوبة بحقه ان كان قد حوكم من قبلها على وفق احكام قانونها الوطني .
فهذا التسليم يحقق مصالح الدولتين ، فالدولة الطالبة تضمن معاقبة من اخل بقوانينها وتشريعاتها ، اما الدولة المطلوب منها التسليم فان ذلك يساعدها على تطهير اقليمها من شخص خارج عن القانون وابعاده عن اقليمها مما يساعدها على ضمان امنها واستقرارها .
ولذلك حرصت الدول على عقد الاتفاقيات الثنائية ، والاقليمية ، والدولية التي تنضم موضوع تسليم المجرمين . اضافة الى تضمين تشريعاتها الوطنية شروط وضوابط التسليم والاسترداد ومن هذه الدول كان العراق فقد تضمن قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 في المواد من 352 الى 368 منه شروط وضوابط الانابة القضائية وتسليم المجرمين والتعاون الدولي في هذه المجالات . كما ارتبط العراق باتفاقية الرياض للتعاون القضائي العربي لعام 1983، اضافة للعديد من الاتفاقيات الثنائية ، والدولية المتعلقة بتسليم المجرمين ، ونقل المحكومين .
ان تسليم المجرمين يعني قيام الدولة المطلوب منها التسليم ، بتسليم شخصا موجودا على اراضيها الى دولة اخرى وهي الدولة طالبة التسليم لغرض محاكمته عن جريمة نسب اليه ارتكابها ، او لتنفيذ حكم صادر ضده من محاكمها . ففكرة نظام التسليم تقوم على وجود علاقة بين دولتين الاولى تطالب بان يسلم لها مرتكب الجريمة لتتخذ بحقه الاجراءات اللازمة لايقاع العقاب اللازم بحقه ، والثانية يوجه اليها طلب التسليم لتقرر بعد ذلك اما الاستجابة للطلب اذا كان متفقا مع تشريعاتها النافذة ، او مع معاهدة ، او اتفاق يربط بينهما ، واما الرفض .
القسم الثاني
اطلقت الشرطة البريطانية حملة لمكافحة الارهاب، كان من بين اهدافها حث الجماهير على ابلاغ الشرطة عن أي شخص يتصرف بطريقة تثير الشبهات، خاصة اذا ما كان يمتلك عدة هواتف محمولة. ودعت الشرطة عن طريق الانترنيت والملصقات الى القيام بإبلاغها عن أي شخص يتصرف بطريقة مثيرة للشبهات. ويتضمن احد الملصقات عبارة (ان الارهابيين يحتاجون الى الاتصالات، ولذلك فانهم يقومون باستخدام هواتف نقالة تعمل بطريقة الدفع المباشر وتغيير الهواتف على نحو متكرر). وبيّن ملصق آخر : (ان الارهابيين يحتاجون الى الاموال ولذلك فانهم يقومون بأعمال الغش والتزوير للبطاقات الائتمانية ودفاتر الصكوك).
وقد حسم وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم الذي عقد في تونس العاصمة موضوع الحرب على الارهاب، حين قرروا تعديل المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب :(ليتم تجريم التحريض على الجرائم الإرهابية او الإشادة بها ونشر وطبع او اعداد محررات او مطبوعات او تسجيلات … بهدف تشجيع ارتكاب تلك الجرائم).
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف ستقوم الحكومات بتطبيق ذلك القرار، وأمامها آلاف الجرائم الالكترونية تنشر أدبيات الكراهية، والتحريض، بعضها صريح تحت مسمى (محاربة الاجنبي)، اضافة للمحطات الفضائية الدينية، والسياسية، تطرح أفكارها لنشر الإرهاب الأعمى الذي يريد وقف كل تحول ديمقراطي، او اتجاه نحو الحداثة، واحترام حقوق الانسان، ونبذ العنف، والتداول السلمي للسلطة، والاحتكام لصناديق الاقتراع. وتعمل على تحويل البلدان الاسلامية (خاصة) الى خزان بشري لرفد جماعات الارهاب، والتطرف، والتعصب، واعادة العالم الاسلامي الى عصر الطوائف، والملل، بما يمثل اختطافا واضحا للاسلام بكل ما يمثله من سماحة، وقيم نبيلة، ودعوة للإخاء، واعمار الأرض.
ويستخدم الإرهابيون شبكة الانترنيت من خلال الهجوم على المواقع الالكترونية، واختراقها، وهي من الجرائم الشائعة في العالم اليوم. وتشمل تلك الجرائم تدمير المواقع الاستراتيجية الحكومية، اختراق المواقع الرسمية والشخصية، اختراق الاجهزة الشخصية، اختراق البريد الالكتروني للغير، او الاستيلاء عليه، او اغراقه، الاستيلاء على اشتراكات الآخرين، وارقامهم السرية، وارسال الفيروسات. وليس ببعيد عنا الهجمة التي تعرضت لها شبكة الانترنيت وغيرها من المواقع الالكترونية قبل ايام وشملت دولا كبرى مثل (روسيا)، وستكشف الايام لنا اهدافها.
ويستخدم هؤلاء برنامجا يدمر البيانات، او قد يستخدمون ما يسمى بــ(حصان طروادة)، وهو برنامج لاقتحام امن النظام، يتنكر في شكل بريء، حتى يدخل الى النظام فيدمره.
لقد زادت التكنولوجيا المتقدمة من قدرات الايذاء، والتدمير عن طريق ما يسمى (الاقتحام او التسلل)، بهدف الوصول الى معلومات معينة، او تدميرها . ولعل بعضنا يتذكر قيام متسللين باقتحام نظام الحاسب الذي يتحكم في تدفق الكهرباء في ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث استطاع المتسلل فصل الكهرباء عن بعض أنحاء الولاية.
ان هذه الاخطار التي يتعرض لها النظام الالكتروني، وخاصة في عالم اصبح يعتمد بشكل كبير على انظمة الحاسب، تدعو للتعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين القراصنة الذين يخترقون نظم المعلومات، فهي من الخطورة بمكان بحيث لا يمكن تجاهلها.
ففي احدى العمليات تم اختراق خمسين حاسبا عسكريا في البنتاجون، وعددا من الشركات المتعاونة مع البنتاجون، ومعمل الطاقة الذرية بلوس الاموس، ومعمل ارجونا القومي، وقسم النظم الفضائية بالقوات الجوية، وعددا من القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في أرجاء العالم. وطبقا لتقرير صدر عن مكتب المحاسبة العام فان نظم البنتاجون هوجمت اكثر من 250000 مرة. وقد اتضح ان هذه الاختراقات قام بها شاب بريطاني عمره 16 عاما اطلق على نفسه (راعي بقر تيار المعلومات)، وقد اتجهت شكوك المخابرات الأميركية في البداية الى انه قد يكون له علاقة بمخابرات دولة معادية، الا ان التحقيق انتهى الى انه يبحث عن دلائل تؤيد وجود ملفات تتعلق بالمخلوقات الفضائية.
اترك تعليقاً