تأثير عقد الإيجار الصوري من الباطن على فسخ العقد
الواقع يؤكد أن العلاقة بين الملاك والمستأجرين تعتبر من أكثر العلاقات تعقيدا، فهي تقع في مكان ما بين الصداقة والمهنية، ومثل أي علاقة أخرى، دائما ما تتعرض علاقة المالك والمستأجر للمشاكل التي قد تكون بسيطة في بعض الأحيان، أو قد تؤدي إلى انقطاع العلاقة إذا تفاقمت المشاكل بين الطرفين ومن أكثر هذه المشكلات هى مشكلة «عقد الإيجار».
ومن أكثر العلاقات تعقيداَ بين المالك والمستأجر من ناحية «عقود الإيجار» هى آثر العقد الصورى بالإيجار من الباطن على فسخ عقد الإيجار، ومدى كون الأمر فيه جزاء بالإخلاء من عدمه طبقا لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية.
محكمة النقض المصرية تصدت لهذه الإشكالية فى الطعن المُقيد برقم 1631 لسنة 71 جلسة 2002/06/26، الذى قالت فيه أن توقيع الجزاء بالإخلاء وفسخ عقد الإيجار فى مجال أسباب الإخلاء الواردة فى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية، ومناطه ثبوت وقوع المخالفة المبررة للإخلاء على وجه اليقين، ومؤداه أن العقد الصوري الذي يصدر من المستأجر بالتنازل للغير عن العين المؤجرة أو تأجيرها من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المؤجر لا يقوم به سبب الإخلاء المنصوص عليه بالفقرة ج من المادة 18ق 136 لسنة 1981 ما لم ينفذ هذا التصرف بتسليم العين المؤجرة فعلا للمتنازل إليه أو المستأجر من الباطن.
المحكمة فى حيثيات الحكم، أكدت أن علة ذلك أحقية المؤجر حسن النية فى التمسك بالعقد الصوري، ولا محل لإعمال النص العام فى مجال أسباب الإخلاء الواردة فى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية على سبيل الحصر، وعلة ذلك أيضاَ حق المستأجر فى إثبات صورية التصرف الظاهر ولو كان طرفا فيه بكافة طرق الإثبات ولا محل للقضاء بالإخلاء متى ثبتت صورية هذا التصرف ولو تمسك المؤجر حسن النية بالعقد الظاهر.
تمسك الطاعنين – وفقا لـ«المحكمة» – أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بصورية عقد الإيجار المحرر بين مورثهم وابنه – الطاعن الثاني – بقصد الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته من خلال دفاع جوهري هو قضاء الحكم المطعون فيه بالفسخ والإخلاء دون الرد على هذا الدفاع بما يقتضيه فيه إخلال وقصور.
المقرر- فى قضاء محكمة النقض – أن البين من استقراء المراحل التشريعية لقوانين إيجار الأماكن المتعاقبة أرقام 121 لسنة 1947، 52 لسنة 1969، 136 لسنة 1981 أن المشرع قد قيد حق المؤجر فى طلب إنهاء أو فسخ عقد الإيجار إلا لأحد الأسباب المبينة بتلك القوانين التي وردت فيها على سبيل الحصر لا على سبيل البيان وهو حصر أملته اعتبارات النظام العام وأوجب المشرع فى بعض الأسباب وهي استعمال المكان المؤجر أو السماح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة أن تكون ثابتة بحكم قضائي نهائي للتيقن من ثبوت وقوع المخالفة فإذا ما ثبت وقوع المخالفة المبررة للإخلاء وجب الحكم به.
ولا أثر لعدول المستأجر عنها فى توقيع هذا الجزاء، ومتى كان ثبوت وقوع المخالفة المبررة للإخلاء على وجه اليقين هو المناط فى توقيع الجزاء بالإخلاء وفسخ عقد الإيجار فلازم ذلك أن يكون العقد قد انعقد صحيحاً جديا لا صوريا لترتيب هذا الجزاء، ومن ثم فإن التصرف الصوري الذي يصدر من المستأجر بالتنازل للغير عن العين المؤجرة أو تأجيرها له من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المؤجر لا يقوم به سبب الإخلاء المنصوص عليه فى الفقرة (ج) من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981- وما يقابلها من نصوص القوانين السابقة – إذ العقد الصوري لا وجود له قانوناً ولا ينتج أثرا فهو والعدم سواء وبالتالي لا تثبت المخالفة المبررة للإخلاء بمقتضاها – بحسب «المحكمة».
أحقية المؤجر- باعتباره من دائني المستأجر – متى كان حسن النية فى التمسك بالعقد الصوري طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة 244 من القانون المدني إذ لا محل لإعمال هذا النص العام فى مجال أسباب الإخلاء الواردة فى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية على سبيل الحصر والتي تتعلق بالنظام العام لما هو مقرر من أن الحكم الخاص يقيد العام، هذا بالإضافة إلى القول بتوقيع الجزاء بالإخلاء أخذا بالعقد الصوري فيه استحداث لسبب جديد للإخلاء لم ينص عليه القانون، وللمستأجر أن يثبت صورية التصرف الصادر منه للغير ولو كان طرفا فيه بكافة طرق الإثبات، فإذا ما نجح فى ذلك كان لا محل للقضاء بالإخلاء ولو كان المؤجر حسن النية لا يعلم بصورية هذا التصرف ودون اعتبار لتمسكه به فى هذه الحالة.
إذ كان البين من الأوراق أن الطاعنين قد تمسكوا فى دفاعهم أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بصورية عقد الإيجار المؤرخ 1/11/1992 والمحرر بين مورثهم وابنه – الطاعن الثاني – عن تأجيره له حجرة بالشقة محل النزاع وأنه قصد من تحريره مجرد حصول الأخير على ترخيص من الجهة الإدارية لممارسة مهنته بالعين وطلبوا من المحكمة تمكينهم من إثبات ذلك بإحالة الدعوى إلى التحقيق وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع الجوهري بقالة أن الطاعنين لم يقدموا دليلا عليه أو يتمسكوا بوسيلة لإثباته وأن الثابت بالأوراق اتخاذ العين محل النزاع مقرا للشركة المكونة بين الطاعنين – الأولى والثاني – رغم الطعن بصورية عقد الإيجار المشار إليه وما يترتب عليه. وطلب الطاعنون بتمكينهم من إثبات ذلك بإحالة الدعوى إلى التحقيق فإن الحكم يكون – فضلاً عن مخالفته الثابت بالأوراق – مشوبا بالإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً