تثبيت الزواج المدني في محكمة حلب منذ مئتي سنة

تثبيت الزواج المدني أمر مارسته محكمة حلب منذ مئتي سنة

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

بمناسبة ما يثار عن مشروع لتثبيت الزواج المدني في المحاكم السورية وجدت في سجلات المحكمة الشرعية بحلب الموجودة في مركز الوثائق بدمشق ( دار خالد العظم) وتحديدا في السجل رقم 204 لعام 1240هجري الذي يعادل 1825 ميلادي ست حالات زواج مدني تم تثبيتها أمام تلك المحكمة وخلال عشرة أيام فقط

من الجدير بالذكر أن المحاكم التي كانت تنظر في دعاوى البيع و الزواج و الطلاق و الإيجار والامور المادية المالية وغيرها من خلافات مدنية كانت تسمى حتى عام 1878م باسم المحاكم الشرعية، وهي محكمة شاملة لجميع الدعاوي و الخلافات، وبعد ذلك التاريخ تم انشاء المحاكم المدنية العدلية البدائية والاستئنافية، واقتصر عمل المحكمة الشرعية على أمور الزواج والطلاق و النسب وغيرها من أحوال شخصية .

اللافت للنظر في الحالات الست أنها حالات زواج مدني قام بها شاب وفتاة مسيحيين أمام قاضي مسلم له صفة القاضي المدني وليست له في هذه الحالة صفة دينية، وأن هذا القاضي حدد مهرا للزوجة وفق الطلب رغم عدم وجود مهر في الزواج المسيحي .

هذا الزواج المدني الذي غالبا ما يلجأ إليه الراغبين بالزواج من دينين مختلفين أو خاطبين من دين واحد لكن من مذهبين مختلفين، في حالات ترفض فيها المحاكم الشرعية الاسلامية و المسيحية تثبيت هذا الزواج. كحالة تزويج مسيحي من مسلمة مثلا.

وقد كانت الكنيسة المسيحية قديما ترفض تزويج مسيحيين من طائفتين مسيحيتين مختلفتين، كالسريان و الروم و الارمن والموارنة، مما كان يجبر أحد الزوجين على تغيير طائفته المسيحية لإتمام الزواج كنسيا. ثم تم إلغاء ذلك، علما أن إجراء الزواج لدى المسيحيين خارج الكنيسة يجعله زواجا باطلا و يصل حينها لمرتبة الزنا .

بينما لا يشترط المسلمون ابرام الزواج بحضور رجل دين انما يكتفون بتبادل ألفاظ الزواج المحددة وبحضور شاهدين وتحديد المهر دون اشتراط وجود رجل دين مسلم.

وسأورد فيما يلي حالات الزواج المدني الست التي تمت بين زوجين مسيحيين أمام قاضي مسلم له صفة قاضي محكمة مدنية كانت تسمى اصطلاحا حينها المحكمة الشرعية:
جاء في سجلات المحكمة الشرعية بحلب بالسجل رقم / 204 / وفي الصفحات رقم /21 و 24 و 26 و28 و52 و74 / ، بالأحكام التي تحمل أرقام الوثائق: /31 و38 و44 و50 و87 و 138 / وتاريخ هذه الاحكام يمتد خلال عشرة أيام فقط من 18 / شعبان / 1240 هـجري وحتى 26 / شعبان / 1240 هـجري، أي من تاريخ 7/4/1825ميلادي وحتى 17/4/1825 ميلادي.

الحالة الأولى : زوَّج بمجلس الشرع الشريف, أنطون بن نعمة النصراني, الوكيل الشرعي عن المرأة الثَّيب: عزَّه بنت جبره من طائفة النصارى السريان, بشهادة الشهود زوَّج موكلته إلى متري بن جرجي الشامي النصراني من نصارى الروم الحاضر بالمجلس على مهرٍ قدره عشرة غروش نصفها مقدم ونصفها مؤخر باقٍ في ذمَّة الزوج, تزويجاً وتزوَّجاً تامَّين مقبولين من الطرفين. وسجل ما حصل بالطلب.

الحالة الثانية: كما زوَّج بمجلس الشرع الشريف, إلياس بن يوسف, الوكيل عن المرأة البكر البالغة موسانة بنت عيسى النصرانية من نصارى السريان، بشهادة الشهود إلى ميخائيل بن جبرا النصراني من طائفة الموارنة, على مهر قدره عشر غروش، نصفه مقدم مقبوض ونصفه مؤخر غير مقبوض. وسجل ذلك في المحكمة بطلب الفريقين.

الحالة الثالثة : كما تم تزويج مخُّول بن أنطون, الوكيل الشرعي عن الفتاة البكر: حنَّة بنت إلياس من طائفة الروم، بشهادة الشهود إلى جرجي بن إلياس النصراني من طائفة نصارى السريان, على مهر قدره عشر غروش, نصفها مقدم والباقي مؤخر, تزويجاً ثابتاً نافذاً.

الحالة الرابعة: كما زوَّج القاضي الفتاة البكر البالغ: عزَّة بنت إلياس من طائف السّريان، بشهادة الشهود إلى نعمة بن ميخائيل الذي تزوجها بمهرٍ قدره عشرة غروش, نصفها مقبوض والباقي مؤجل باقٍ في ذمَّة الزوج. وثبت العقد شرعاً.

الحالة الخامسة : وزوَّج القاضي المرأة الثيّب عدُّول بنت جبرة النصرانية من طائفة السريان، بشهادة الشهود, إلى بيغوص بن سركيس النصراني من طائفة الأرمن, الحاضر بالمجلس على مهرٍ قدره عشر غروش, نصفه معجل مقبوض, ونصفه مؤجل, وتم الإيجاب والقبول. وثبت الزواج.

الحالة السادسة : زوج القاضي بمجلس الشرع الشريف البنت البكر البالغ سوسان بنت مارون النصرانية من طائفة الموارنة، بشهادة الشهود, إلى جرجي بن يوسف من طائفة الروم، الحاضر بالمجلس, على مهر قدره عشرة غروش, نصفه مقبوض والنصف الآخر بذمة الزوج حتى موتٍ أو فراق.

السؤال الذي يطرح نفسه ما هو موقف المجتمع الحلبي حينها من هذه الزيجات وما هو الموقف الديني من زواج تم خارج الكنيسة ؟و الشرط الاساسي في الزواج المسيحي الشرعي الحلال أن يكون ضمن الكنيسة!!

وهل كانت هذه الحالات هي حالات محدودة في فترة محددة ثم انتهت هذه الطريقة ؟
الامر يستحق المزيد من البحث في هذه السجلات التي تعكس تاريخ المدينة ومجتمعها.

هل كان المجتمع الحلبي اكثر انفتاحا و تسامحا وعلمانية منذ مائتي عام؟

علاء السيد

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.