تحديد المقصود بالموافقة على الصفقة العمومية
تحديد المقصود بالموافقة في مجال الصفقات العمومية، يعتبر من المواضيع الدقيقة جدا، والتي شهدت خلافات كبيرة بين رجال القانون الإداري الفرنسيين، نظرا لموقف القانون الفرنسي، وقضاء مجلس الدولة هناك.
والمسألة أكثر تعقيدا بالنسبة لموضوع هذه المذكرة، لتعلق الأمر بصفقات المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، والتي تتمتع بصفة التاجر تجاه الغير المتعامل معها، وعلاقاتها خاضعة للقانون الخاص، إضافة إلى أن المشرع لم يخصص لهذه المرحلة سوى مادة وحيدة، و إلى أننا لم نحصل في إطار بحثنا هذا ما يفيد أن المسألة قد نوقشت أو حتى أثيرت من طرف الفقه والقضاء الجزائريين.
غير أنه يمكن الإعتماد على مختلف النقاشات التي دارت في فرنسا، لارتباطها بالصفقة العمومية باعتبارها عقد تم تنظيم الإجراءات القانونية المتعلقة بها بنص قانوني استمد أصوله ومبادئه من القانون الفرنسي.
الفرع الأول: المدلول القانوني للموافقة.
يرى كل مـن ديلوبادير، مودارن وديلفولفي عنـد دراسـة المدلـول الـقانـوني للموافقة “Approbation” ” والآثار المترتبة عنها، أنها جزء من عملية معقدة متعلقة بتكوين الصفقة[1].
ففي حين يرى اتجاه واسع من الفقهاء الفرنسيين أنه قبل الموافقة، أوفي حالة غيابها فإنه لا وجود للصفقة، متخذين بذلك ” موفقا متطرفا ” [2]، مرتكزين لتأسيسه على ما جاء في القضاء الفرنسي الذي قضى أنه في هذه الحالة ” لا يوجد سوى مشروع اتفاق” [3].
وكان في قضايا قد قضى بـ ” أننا في فترة انتظار، لا يكون فيها العقد كاملا بسبب عدم الموافقة، ويمكن أن لا يصبح كاملا أبدا لهذا السبب “[4] .
كما قضى بأن الأمر يتعلق بمجرد ” مشروع اتفاق لم تتولد عنه أية رابطة قانونية بعد” [5].
هذا وقد صرح أن ” أي عقد غير موافق عليه لا يعتبر نهائيا ” [6]، وقد جاء في نص المادة 7 من المرسوم الرئاسي 02-250 مستعملة نفس المصطلح إذ تنص ” لا تصح الصفقات ولا تكون نهائية إلا إذا وافقت عليها السلطة المختصة” [7].
هذا القضاء هو الذي اعتمد عليه غاستون جيز ” G.JEZE ” للتأكيد أنه في حالة غياب الموافقة فلا وجود للعقد، أي وجود للرابطة التعاقدية، لذا فأية رابطة قد توجد فليس لها طبيعة تعاقدية [8]، وهو الرأي الذي يوافقه عليه ديلوبادير، مودارن وديلفولفي عندما يتعلق الأمر بموافقة يكون اختصاص إصدارها الشخص المعنوي المتعاقد ذاته، ويخالفونه الرأي إذا كانت السلطة الوصية هي المختصة بإصدارها، ذلك أن الموقف الذي اتخذه غاستون جيز يجعل الموافقة في هذه الحالة عنصرا داخلا في تكوين الصفقة ذاتها.
وفي نفس الموضوع يرى جورج فودال George Vedel أنه ” عندما ينبغي أن تصدر الموافقة عن سلطة تعمل باسم الشخص العام الذي جرى إبرام العقد لحسابها يكون للموافقة مدى مختلف، إنها شرط الإلتزام التعاقدي للشخص العام المعني ” [9]، فهي شرط انعقاد إذن وليست شرطا لنفاذ العقد.
إن اسقاط هذا النقاش الفقهي على ما جاء في المادة 7 من المرسوم الرئاسي 02-250 يدفع اتخاذ نفس الموقف على اعتبار أن الموافقـة ـ مثلما هي منظمة بهذا النص ـ هي التي تجعل الصفقة صحيحة ونهائية، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية لأنها صادرة عن الممثل القانوني للشخص المعنوي المتعاقد، على اعتبار أن المدير العام أو مدير المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري هو السلطة المختصة بالموافقة على الصفقة، أي أن عملية التعبير عن إرادة المؤسسة في التعاقد من اختصاص هذه الهيئة [10].
فالموافقة إذن هي شرط انعقاد إذ تجعل الصفقة تنعقد صحيحة ونهائية مرتبة لكل آثارها، ذلك أن “التزامات المتعاقدين لا تبدأ إلا من هذه اللحظة، أما قبل ذلك نكون في دور التكوين ” [11]، ولذا لا يمكن اعتماد رأي كل من ديلوبادير، مودارن وديلفولفي اللذين يعتبرون أن الموافقة تعتبر شرطا موقفا لنفاذ العقد فقط، مستندين في ذلك إلى ما قضى به مجلس الدولة الفرنسي [12]، لتعلق الأمر هنا بإجراء صادر عن الهيئة المكلفة بالرقابة الوصائية، وهو ما لا يتوفر في حالتنا هاته كما سبق بيانه.
الفرع الثاني: النتائج المترتبة على الموافقة على الصفقة العمومية.
النظام المقصود في هذا الجزء من المذكرة هو تلك القواعد المتعلقة بالصفقة ذاتها، وتلك المتعلقة بالصلاحيات المقررة للمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، وتلك المقررة للمرشح للتعاقد معها، وبناء على ما سبق بيانه يمكن استنتاج ما يلي:
– الموافقة حسب المادة 7 من المرسوم الرئاسي 02-250 تجعل الصفقة نهائية، فبدونها لا تكون كذلك، وعليه لا يكون الأطراف ملزمين بتنفيذ ما جاء فيه، فإذا شرع المرشح الذي صدر قرار المنح المؤقت لصالحه في تنفيذ الصفقة من تلقاء نفسه، فإنه يتحمل تبعة ذلك، ولو علمت المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري بذلك ولم تعترض عليه، إذ في هذه الوضعية لا يمكنه التمسك بأحكام الصفقة ولا بالنظام المقرر بالمرسوم الرئاسي 02-250 للمطالبة بالحقوق المقررة فيهما، وإنما بأحكام القانون المدني المتعلقة بالإثراء بلا سبب [13].
أما إذا شرع المرشح في تنفيذ الصفقة بناء على طلب المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، أو صدرت عنها موافقة لاحقة، فإن الأمر يختلف، إذ يمكنه التمسك بأحكام الصفقة والنظام القانوني المقرر في المرسـوم الرئاسي 02-250.
– القول بأن الصفقة لا تكون نهائية إلا بعد الموافقة عليها يترتب عليه أن الحقوق الناتجة عن الصفقة لا تكون مكتسبة إلا بناء على الموافقة، وأنه يحق للمترشح الذي صدر قرار المنح المؤقت أن يتراجع عن المناقصة بعد الآجال المقررة لبقائه ملتزما [14]، متى تمت الموافقة عليها.
– المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري حرة في الموافقة أو عدم الموافقة، ولذا إذا رفضت التعاقد لا يمكن للطرف الآخر إلزامها بذلك، شريطة أن تصدر عدم الموافقة من الجهة المختصة قانونا بالتعبير عن إرادتها، وهي مديرها العام أو مديرها، ذلك أن الموافقة هي تعبير عن القبول بالنسبة للمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري.
اترك تعليقاً