الغش .. جريمة مع سبق الإصرار
عبدالوهاب الطويل
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الغش آفة عالمية، وجريمة عابرة للقارات، الهدف الأساس منها في أي مكان وفي أي زمان هو الربح المادي، وحينما نقول «جريمة» فذلك لأن مرتكبها عندما يمارس الغش فهو لا يعبأ بنتيجة فعلته ولا يكترث للأضرار التي يمكن أن تسببها مثل هذه الممارسات الشنيعة.. والغش جريمة لأنه إما يفضي إلى الموت وإما إلى تفشي الأمراض التي تودي بحياة المستهلك في النهاية.
ولا تكاد تخلو دولة في العالم من هذه الجريمة غير الأخلاقية، ولكنها تصل إلى حد الظاهرة في بعض البلدان الفقيرة والنامية التي تقل فيها الرقابة الحكومية، وبالتالي تنشط فيها «مافيا» الغش بشكل كبير ولدرجة تهدد حياة المواطنين الأبرياء.
والغش بمعناه العام هو عدم مطابقة السلعة – أية سلعة – للمواصفات والمعايير التي حددتها الجهات المختصة والتي تؤهلها للاستخدام دون أن تتسبب في أضرار صحية أو خسائر مادية للفرد أو للمجتمع؛ ولذلك فإن الغش في الغذاء – مثلاً – يأخذ أشكالاً متعددة؛ فهناك من يستخدم مواد محسّنة للطعم والشكل في الأغذية المحفوظة ولكنها مفسدة له في نفس الوقت، بل إن البعض يستخدم مواد غذائية فاسدة من الأصل، وهناك من يتلاعب بتواريخ الصلاحية المنتهية فعلياً فيستبدلها بتواريخ حديثة. وأما الخضروات والفواكه بأنواعها فقد باتت أشد خطراً على صحة الإنسان نظراً لاستخدام المبيدات المسرطنة و«المحسّنات» الزراعية – المغشوشة أيضاً – التي ثبت أنها أحد أهم أسباب انتشار الأمراض الخطيرة. ولم تنج اللحوم من الغش، فالحيوانات تذبح في كل مكان خارج المجازر الحكومية وبعيداً عن أعين الرقابة الصحية، والمطاعم تستخدم كل أنواع اللحوم حتى وإن كانت غير صالحة للاستخدام الآدمي، المهم «النكهة» التي تعجب «الزبون»!!
وأما الغش في الأدوية، فهو كارثة أشد خطراً وأكثر شيوعاً في المجتمعات الفقيرة، فالدواء من ضرورات الحياة، يستخدمه الغني والفقير، الصغير والكبير، وجميعهم ليس لديهم القدرة على اكتشاف ما إذا كان الدواء الذي يستخدمه مغشوشاً أم لا، حيث يسخّر الغشاشون قدراتهم الشيطانية في تقليد الأدوية، ومن أبرز أنواع الغش – وإن كانت أقلها خطراً – استخدام مواد غير فعالة في الدواء، أو تحديث تاريخ الصلاحية المنتهي، فهو وإن كان لا يضر المريض ولكنه لا يفيده، وأما أخطرها فهو إدخال مواد مجهولة المصدر كتلك الأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة والتي تؤدي إلى الهلوسة وذهاب العقل وتدمير الأعصاب، بل إنها تؤهل مستخدمها إلى فعل أي شيء دون إدراك، وهذا – في الغالب – يُنتج في مصانع «سرية» وغير مرخصة أو تأتي عن طريق التهريب.
ولا يقتصر الغش على الغذاء والدواء اللذين هما قوام الحياة وسبب البقاء للإنسان، ولكنه طال كل شيء، فلا تكاد تخلو منه سلعة؛ بدءاً من الملابس ومروراً بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وإطارات السيارات، وقطع الغيار بأنواعها، وصولاً إلى الصناعات الثقيلة والخفيفة؛ فكم من كارثة كان سببها إطارات السيارات المقلدة والمغشوشة، وكم من مشكلة تسببت بها أجهزة الهواتف المحمولة والتي تحمل أسماء ماركات عالمية – على غير الحقيقة، وكم من مصنع استخدم علامات تجارية وماركات عالمية على منتجاته دون علم أصحابها بهدف خداع المستهلك …وهكذا.
إذاً .. نحن أمام مشكلة كبيرة أبطالها أشخاص ماتت ضمائرهم، وطمس الله على قلوبهم، فتخلوا عن كل المبادىء الأخلاقية والإنسانية، وأصبح الربح المادي هدفهم.. أياً كان مصدره، حتى وإن كان على حساب أناس آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم فقط – ككل البشر – يريدون حياة آمنة.. فهل من وسيلة ردع لهذه الجريمة التي يرتكبها أصحابها مع سبق الإصرار، والتي يروح ضحيتها آلاف الأبرياء كل عام؟
اترك تعليقاً