ضوابط تطبيق المادة (47) من قانون المرافعات في الظروف الاستثنائية
القاضي الدكتور حيدر علي نوري
إن توقف دوائر التسجيل العقاري عن العمل لأي سبب يعد ظرفا استثنائيا، وسيؤدي بالنتيجة إلى عدم تزويد محاكم البداءة بصور القيود الحديثة للعقارات موضوع الدعاوى المنظورة أمامها ، وبالتالي يتعذر على محاكم البداءة المباشرة بنظر الدعاوى دون تقديم المستمسكات مع عريضة الدعوى تطبيقا لأحكام المادة (47/ 2) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل، الأمر الذي يقتضي توضيح إمكانية إقامة الدعاوى البدائية مع عدم توافر صورة قيد حديثة للعقارات بسبب تعطل وتوقف عمل دوائر التسجيل العقاري، ولاسيما في المحافظات التي عانت من الإرهاب في ظل سيطرة عصابات داعش التكفيرية الإرهابية، نتيجة لما تعرضت له تلك الدوائر من دمار وخراب، قبل التحرير، الأمر الذي يقتضي بيان إمكانية اعتماد صورة ضوئية لصورة قيد العقار معززة بكتاب رسمي صادر من جهة حكومية، غير دائرة التسجيل العقاري المختصة، يبين فيه ملكية العقار أو عائديته لها، بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالعقارات العائدة للدولة، عند إقامة الدعاوى البدائية المتعلقة بعقاراتها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما هو الأمر بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالعقارات العائدة للمواطنين؟.
ونرى أن المادة (47) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، عالجت الموضوع، إذ نصت على انه (1- على المدعي عند تقديم عريضة دعواه أن يرفق بها نسخا بقدر عدد المدعى عليهم وقائمة المستندات ويجب عليه أن يوقع هو أو وكيله على كل ورقة مع إقراره بمطابقتها للأصل وتقوم المحكمة بتبليغها للخصم. 2- لا تقبل عريضة الدعوى إذا لم ترفق بها المستندات والصور المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة، إلا إذا كانت الدعوى من الدعاوى التي يجب إقامتها خلال مدة معينة وكانت هذه المدة على وشك الانتهاء. 3– لا يجوز تعين يوم للنظر في الدعوى المشمولة بأحكام الفقرة (2) من هذه المادة إلا بعد تقديم المستندات والصور، وفي حالة عدم تقديمها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ دفع الرسم، تعتبر عريضة الدعوى مبطلة بحكم القانون)، كما نصت المادة (216) من نفس القانون على انه (يجوز الطعن بطريق التمييز…. والقرارات الصادرة بإبطال عريضة الدعوى…. وتكون مدة الطعن في هذه القرارات سبعة أيام من اليوم التالي لتبليغ القرار أو اعتباره مبلغاً)، كما نصت الفقرة (2) من المادة ذاتها على انه (يكون الطعن تمييزا في القرارات المذكورة في الفقرة (1) من هذه المادة لدى محكمة استئناف المنطقة ….).
مما تقدم نستنتج إن المادة (47 /1) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، ألزمت المدعي بأن يرفق بعريضة الدعوى نسخا منها بقدر عدد المدعى عليهم، ويرفق كذلك صورا من المستندات التي يستند إليها في دعواه وبقدر عددهم موقعة من قبله أو من قبل وكيله كونها مطابقة للأصل ليتسنى للمحكمة تبليغها إلى المدعى عليهم مع ورقة التبليغ بالحضور، كي يلزموا بالإجابة وبتهيئة الدفوع قبل الموعد المحدد للمرافعة تطبيقا لأحكام المادة (49 / 2) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، أما أصل المستندات التي يستند المدعي إليها، فترفق مع عريضة الدعوى وتحفظ في صندوق المحكمة بعد تأشيرها في سجل المستندات المعد لهذا الغرض ولا يجوز إبقاؤها في ملف الدعوى خوفا عليها من الضياع أو التحريف، وان تطبيق أحكام المادة (47/ 1) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، من شأنه تسهيل حسم الدعوى بيسر وسرعة وضمن السقوف الزمنية المحددة لها قانونا.
إلا إن المادة (47/ 2) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، أجازت قبول عريضة استثناءا إذا لم ترفق بها المستندات المذكورة في الفقرة (1) من المادة المذكورة ، لتوافر حالة استثنائية جديرة بالاعتبار تتجسد في ما إذا كانت الدعوى المعروضة من الدعاوى التي يجب إقامتها خلال مدة معينة وكانت هذه المدة على وشك الانتهاء كالدعاوى الخاصة بالتقادم، ويعود تقدير قبول الدعوى في هذه الحالة أو عدم قبولها إلى المحكمة، وإذا ما قبلتها، فلا تعين المحكمة موعدا للنظر فيها إلا إذا قدم المدعي ما هو مطلوب منه في الفقرة (1) من المادة المذكورة.
وفي حالة عدم تقديم المستندات المنصوص عليها في المادة (47/ 1) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، وقبول المحكمة للدعوى استثناء تطبيقا للفقرة (2) من المادة أنفة الذكر فيتم دفع الرسم القانوني عنها ولا يحدد لها موعد لنظرها ، إلى أن يتم ربط تلك المستندات، فإذا مضت مدة ثلاثة أشهر على تقديم الدعوى اعتبارا من تاريخ دفع الرسم عنها، ولم يتم ربط المستندات اللازمة لإقامتها، فتعتبر عريضة الدعوى مبطلة بحكم القانون استنادا لأحكام المادة (47/ 3) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، وعلى الرغم من صراحة نص الفقرة (3 من المادة 47) من قانون المرافعات التي تقرر بموجبها اعتبار الدعوى مبطلة بحكم القانون، إلا إن الضرورات العملية والتطبيق الواقعي للنص يلزم المحكمة باتخاذ قرار بإبطال الدعوى وليس ردها، وذلك لغرض تأشير الإبطال في سجل الأساس للدعاوى ولغرض تمكين المدعي من مراجعة طرق الطعن، وإن القرار الصادر بإبطال عريضة الدعوى تطبيقا لأحكام المادة (47 / 3) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر قابل للطعن بطريق التمييز على انفراد أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية استنادا لأحكام المادة (216 /1) من قانون المرافعات المدنية المذكور أنفا.
وعند ملاحظة المادة (2) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل نجد إنها نصت على انه (تختص دائرة التسجيل العقاري بتسجيل التصرفات العقارية والأحكام القضائية الحائزة درجة البتات وما في حكمها الواردة على الحقوق العقارية الأصلية والتبعية وانتقال هذه الحقوق إلى الخلف العام)، كما نصت المادة (10/1) من القانون انف الذكر على انه (تعتمد السجلات العقارية وصورها المصدقة وسنداتها أساسا لإثبات حق الملكية والحقوق العقارية الأخرى وتعتبر حجة على الناس كافة بما).
مما يعني إن دوائر التسجيل العقاري المختصة هي الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص الأصيل لتحديد ملكية العقارات وإصدار صور قيودها، وهي الجهة المختصة حصرا بتزويد المحاكم بها، وإن تفعيل العمل بأحكام المادة (47) من قانون المرافعات انف الذكر من شأنه تسهيل حسم الدعوى، ولا يمكن تعطيل حكم المادة أنفة الذكر بناء على اجتهادات مخالفة لأحكام القانون، إذ لا يمكن الاعتماد على المستندات المصورة وغير المصدقة عند إقامة الدعاوى البدائية ولاسيما صورة قيد العقار المصورة وغير المصدقة من مديرية التسجيل العقاري المختصة، لما لتلك المستندات من اثر في إثبات الدعوى، مما يقتضي عدم قبول الدعوى، كما لا يمكن الاستناد إلى الكتب الصادرة من غير مديرية التسجيل العقاري المختصة لإثبات ملكية العقارات، بحجة إن مديرية التسجيل العقاري المختصة متوقف العمل فيها أو معطلة نتيجة لما تعرضت له من تدمير وخراب بسبب أعمال داعش الإرهابية، إذ بالإمكان مفاتحة مديرية التسجيل العقاري العامة لتزويد المحكمة بنسخة من صورة قيد حديثة للعقار مصدقة وفقا للأصول، وتكليف المدعي بمتابعة الإجابة، ذلك أن إثبات الملكية العقارية يتم استنادا لصورة قيد العقار الصادرة من مديرية التسجيل العقاري المختصة، كونها الجهة الوحيدة المختصة بتسجيل التصرفات العقارية وإثباتها، فإذا تعطل عمل تلك الدائرة لأي سبب فبالإمكان مفاتحة مديرية التسجيل العقاري العامة والاستفادة من ما متوافر لديها من معلومات بخصوص ذلك، ومع هذا يجوز للمحكمة قبول الدعوى البدائية بلا مستندات في حالات استثنائية، إذ كانت الدعوى من الدعاوى التي يجب إقامتها خلال مدة معينة، ويترك أمر تقدير ذلك للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، ويتم استيفاء الرسم القانوني عنها، على أن لا يحدد لها موعد للمرافعة، ويجب إكمال مستمسكاتها خلال مدة ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ دفع الرسم وإلا تعد مبطلة بحكم القانون، وعلى المدعي الاستفادة من الفترة المذكورة لإكمال مستمسكات الدعوى، إذ إن ربط مستمسكات الدعوى من مهام المدعي، وان القرار الصادر بالإبطال قابل للطعن بطريق التمييز أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية.
نستنتج مما تقدم ما يلي:-
1- إن معالجة موضوع إمكانية إقامة الدعاوى البدائية مع عدم توافر صورة قيد حديثة للعقارات بسبب تعطل وتوقف عمل دوائر التسجيل العقاري في بعض المحافظات بالوقت الحاضر نتيجة لما تعرضت له تلك الدوائر من دمار وخراب، قبل التحرير، بسبب الأعمال الإجرامية لعصابات داعش الإرهابية، أو لأي سبب، يتم من خلال تطبيق أحكام المادة (47) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، ذلك إن إكمال مستمسكات الدعوى يعد من صميم عمل واجبات المدعي عند إقامة الدعوى، و تفعيل العمل بالسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع من خلال إعمال الاستثناء الوارد في المادة (47 /2) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر بخصوص الدعاوى التي يجب إقامتها خلال مدة معينة من دون ربط المستمسكات الخاصة بها، إذ يتم استيفاء الرسم عنها بلا تحديد موعد للمرافعة ويجب إكمال مستمسكاتها خلال ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ دفع الرسم، وبالإمكان مفاتحة مديرية التسجيل العقاري العامة لتزويد المحكمة بصورة قيد حديثه مصدقة للعقار، فإذا مضت المدة أنفة الذكر دون ربط صورة قيد حديثة مصدقة، تعد الدعوى مبطلة بحكم القانون استنادا لأحكام المادة (47/3) من قانون المرافعات المدنية انف الذكر، ويكون القرار الصادر بالإبطال قابل للطعن بطريق التمييز أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية استنادا لأحكام المادة (216 / 1) من قانون المرافعات المدنية المذكور أنفاً.
2- لا يجوز الاستناد إلى نسخة ضوئية غير مصدقة من صورة قيد العقار مع كتاب رسمي صادر من جهة رسمية معينة، غير دائرة التسجيل العقاري المختصة، لإثبات ملكية العقار لها عند إقامة الدعاوى البدائية أمام محكمة البداءة، عوضا عن صورة القيد الحديثة، بحجة صعوبة الحصول على صورة القيد الحديثة في الوقت الحاضر بسبب توقف وتعطل عمل دوائر التسجيل العقاري في المحافظة لأي سبب، ذلك إن إثبات ملكية العقارات يتم من خلال صور قيودها الحديثة المصدقة والصادرة من مديرية التسجيل العقاري المختصة ولا علاقة لغيرها من الجهات الرسمية الأخرى، بإصدار صورة القيد أو تأييد الملكية وإثباتها استنادا لأحكام المادة (10) من قانون التسجيل العقاري انف الذكر.
3- لا يمكن تعطيل حكم نص المادة (47) من قانون المرافعات استنادا إلى اجتهادات غير مبررة ولأي سبب، ذلك إن القاعدة القانونية لا يتم تعطيلها إلا بقاعدة قانونية مساوية لها في القوة القانونية.
4- بالإمكان مفاتحة مديرية التسجيل العقاري العامة لتزويد المحكمة بنسخة مصدقة حديثة من صورة قيد العقار موضوع الدعوى ويرك الأمر للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
وعلى وزارة العدل ومديرية التسجيل العقاري العامة إعطاء الموضوع الأهمية اللازمة لإعادة العمل بدوائر التسجيل العقاري المختصة في المحافظات المتوقف عمل تلك الدوائر فيها، وتفعيلها وتوفير المستلزمات اللازمة للقيام بمهامها تحقيقا للمصلحة العامة وضمانا لحقوق الدولة والإفراد وتسهيلا لعمل المحاكم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً