شفافية القضاء
د. أسامة بن سعيد القحطاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الشفافية أحد أهم معايير الحوكمة، وهي من أهم دلائل توفّر العدالة والنزاهة من عدمها في أي جهاز، وتعد العدو الأول للفساد والفاسدين؛ إذ من خلال الشفافية يمكن رقابة ومتابعة العمل بدقة، ما يعزز الرقابة والمحاسبة داخل الأجهزة ويضمن حقوق المستفيدين.
سبق أن كتبت كثيرا عن الشفافية، وكذلك ضرورة حوكمة القضاء، ولكن أود تسليط الضوء أكثر على الشفافية كونها الأساس في رفع الجودة والكفاءة ومحاربة الفساد.
لأشرح أهمية الشفافية سأضرب مثالا بسيطا يفهمه أي شخص مهما كانت رتبته العلمية يتضح من خلاله أهمية الشفافية في تعزيز الرقابة والكفاءة. عندما تكون في مكان عام وتترك جهازك الجوال أو أي شيء ثمين آخر، ويوجد في المكان مجموعة من الناس يشاهدون ما تركته، فإنه يمكنك غالبا أن تذهب مطمئنا بأنه لا أحد يستطيع أن يسرق الجوال بسبب أن الناس ينظرون إليه ويشاهدونه في حال قرر أحد الاستيلاء عليه، وبهذا فإنه لا حاجة لوضع شرطي واقف مثلا على رأس كل مجموعة من الأشخاص لرعاية الأمن! بل يكفي الوضوح والشفافية التي يسهم فيها المجتمع برقابته، الأمر الذي يكرهه الفاسدون أو على الأقل أصحاب الكفاءة الضعيفة لأجل أن تبقى أعمالهم خلف الكواليس لا يعرف عنها أحد، وهكذا نشأت أغلب معايير الحوكمة كونها تعزز الرقابة الذاتية.
سأذكر مثالا آخر، ولكنه أكثر تخصصية، حيث إن هيئة السوق المالية مشكورة تقوم بين حين وآخر بإضافة وتعزيز معايير الحوكمة على الشركات المساهمة، فمثلا بدلا من أن تصدر قرارا بمنع أعضاء مجالس الإدارات والمديرين التنفيذيين من الحصول على مكافآت كبيرة غير معقولة؛ فإنها قررت أن تلزم الشركات بأن تفصح بقدر المكافآت الخاصة بالإدارة التنفيذية ومجالس الإدارات، وفي آخر 2019 ستلزم الشركات أن تفصح عن مكافأة كل شخص من الإدارة التنفيذية بشكل تفصيلي لتعزيز الرقابة، وبالتالي فإن مثل هذا العمل سيكون مكشوفا للمساهمين، ما يسهم في قدرتهم على نقد وتقييم الإدارة التنفيذية بشكل غير مباشر، وهكذا هي معايير الحوكمة تعمل لأجل تعزيز الرقابة والكفاءة في آن واحد.
كثيرا ما يحصل ملاحظة لمحاولة أحد الخصوم التدخل في مسار القضية، فقد يحصل على بعض البيانات دون علم الآخر، أو ربما يسهم في حجبها أو تجاهلها من خلال بعض العاملين داخل المكتب القضائي مثلا، أو أن يتدخل في اختيار المواعيد دون علم الآخر وهكذا، ولكن عندما تعزز الشفافية بتسجيل كل مراجعة لأحد الخصوم، وما الذي طلب أو اطلع عليه دون الآخر وكشفها للخصم الآخر ليكون مطلعا على كل ما قد يؤثر في مسار الدعوى، وهذا بالتأكيد يعزز دور الرقابة والعدالة، وقد يهيئ ذلك إلكترونيا لكل الأطراف.
الشفافية تمنع الفساد وتحارب المفسدين، فعندما يتم كشف كل إجراء داخل إجراءات المكتب القضائي؛ فإن الشخص الذي أسهم في عملية الفساد يعلم أنه قد ينكشف بسبب وجود رصد دقيق ومكشوف لكل الأطراف بأنه هو من قام بإدخال أو إخفاء أو تغيير أي شيء في القضية.
كذلك ما يتعلق بالعمل القضائي البحت، حيث يجب كشف جميع إجراءات المحكمة أمام الخصوم بدءا من المخاطبات وانتهاء بمخاطبات الاستئناف وضرورة اطلاع وتمكين الخصوم من الحصول على المستندات الخاصة بقضيتهم.
الخلاصة؛ أن الشفافية تضمن الحد الأدنى من الرقابة الذاتية داخل القضاء أو أي مؤسسة أخرى، وأعلم أن هذه النقطة محل اهتمام الجهات العدلية وأتمنى لهم دوام التوفيق.
اترك تعليقاً