المحكمة الاتحادية بين معيارين / للكاتب عامر القيسي
بعض السياسيين لدينا يتعاملون مع الوضع الدستوري والقانوني العراقي، من زاوية المثل الشعبي “ تريد غزال اخذ أرنب، تريد أرنب اخذ أرنب ” . عندما تصدت المحكمة الاتحادية لإتخاذ قرارات حاسمة بشأن نتائج الانتخابات والعد والفرز والنظر في الطعون، هلل من جاءت القرارات لصالحهم وتبين لنا أنها محكمة دستورية وعادلة وملتزمة بالموقف الوطني والقومي والدولي وان قراراتها لا شائبة عليها، وإنها أثبتت بما لا يقبل الشك والتشكيك، بأن القضاء العراقي حافظ على نزاهته واستقلاليته وبالتالي على جميع الفرقاء الالتزام بقرارات المحكمة.
وحين أصدرت المحكمة قرارها بشأن الكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة بعد انعقاد جلسة البرلمان الأولى ، والذي قالت فيه بوضوح، إن ألكتله الأكثر عدداً الموجودة داخل البرلمان هي من يحق لها دستورياَ تشكيل الحكومة ، تبين لنا العكس تماماَ رغم أن الفارق لا يتعدى الأسبوعين. فالمحكمة قد تم تسييس قرارها وإنها خضعت للضغوط السياسية والجوارية والإقليمية والامبريالية العالمية وإنها أعطت نموذجاَ سيئاَ للقضاء العراقي امام العالم المتحضر وإنها خرقت الدستور خرقاَ مبيناَ، وان علينا ان نجلس ” ونلطم” على هذا العراق الذي فيه مثل هذا القضاء وهذه المحكمة .
وجرى تسييس الموضوع وإشهاره إعلامياً إلى حد التشكيك بالعملية السياسية وإطلاق تهديدات العنف وإشعال البلاد والعباد. يقول احد القياديين في إحدى القوائم الرئيسة إن رئيس قائمته، إن لم يحصل على مركز رئيس الوزراء فأنه سيغادر العراق ، وهذا يعني عملياً أن البلاد أما أن تكون من حصتي أو أن وجودها لا معنى له بدوني.
وبذلك يتشخصن العمل السياسي، وتتناقض المعايير ، وتدريجياً نفقد البوصلة التي نحكم من خلالها على اتجاهات الأحداث والقرارات والخطوات السياسية ، إذ ليس من المعقول أن تقود بلداً بأكثر من ثلاثين مليوناً من البشر وفي منطقة حافلة بالمفاجآت ومكتظة بالمشاكل الستراتيجية وتكون نظرتك الى المشهد السياسي وتفاعلاته بمثل هذه البساطة والأنانية وعدم رؤية الأخر .
النظر إلى قرارات المحكمة الاتحادية وقضية منصب رئاسة الوزراء , كشفا لنا بشكل واضح لا لبس فيه , عن العقلية التي قيض لها ان تكون ضمن الطبقة السياسية النخبوية , سواء داخل الحكومة او في البرلمان او على اطرافهما , لتتحكم في مصائر الناس , عقلية لا شيء خارج مصالحها ولا شيء أمامها إلا ما تريد ان تراه , وهي مشكلة حقيقية في العمل السياسي , وفي التعامل مع الأطراف الأخرى المعنية بالعملية السياسية , وفي التعامل مع الأطراف الأكثر قرباً منها حتى في التوجهات السياسية والفكرية والمصلحية أيضا .
النزاعات السياسية في الدول العريقة بالممارسات الديمقراطية , تحال إلى القضاء ليحسم الرأي المتوافق مع الدستور أو العرف السياسي السائد كما في بريطانيا على سبيل المثال , ويكون لرأي القضاء الحد الفاصل بين النزاعات المحالة إليه , وعندها يصمت الجميع , ويجري تقبل القرار القضائي بروح رياضية عالية , بل ويجري التعامل معه بروح تطبيقه والدفاع عنه حتى من قبل الأطراف التي تضررت من القرار , لان تثبيت التقاليد القضائية جزء من حماية الديمقراطية والدفاع عنها لكي تتطابق الأقوال مع الأفعال .
فعند الحديث عن العراق الديمقراطي لا ينبغي ان تكون لغتي السياسية دكتاتورية تنتمي إلى الماضي القريب جداً ! .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً