قانون الكسب غير المشروع لسنة 1958 نافذ المفعول حتى الآن*
هادي عزيز علي
في يوم 21 من شهر آب الجاري تمر الذكرى السنوية (59) لصدور قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب العراقي، المرقم 15 لسنة 1958 الذي يعد علامة على الوعي المبكر للمشرع العراقي الذي أصدر حينئذ حزمة من التشريعات شكلت الرؤية التشريعية للبناء المؤسسي للدولة التي تخضع لسيادة القانون ، المفارقة التي تغيب عن علم البعض ان هذا القانون مازال ساري المفعول الى يومنا هذا.
ولو اتيحت الفرصة لتطبيق القانون بالصيغة التي قصدها المشرع لما كانت لنا حاجة لهيئة النزاهة ومفتشيها وجيش موظفيها، واجراءاتها وما يفرضه عليها واقع المحاصصة ونصوص قانونها التي مكنت العديد من المتهمين من ان يتسربوا بعيدا عن اجراءات التحقيق والعقاب. القانون على قلة مواده ويسر نصوصه وصرامة العقوبة كان يمكن أن يؤسس لنا نظاما قانونيا فعالاً في مواجهة الفساد المالي الذي نخر جسم الدولة وجعلها على حافة الافلاس، يكفى ان القائمين على تشريعه من القامات العراقية الفارعة المشهود لها بصدق المواطنة والعلم كالراحل محمد حديد وزير المالية والراحل الدكتور إبراهيم كبة استاذ الاقتصاد ووزيره، ومصطفى علي وزير العدل الشخصية المعروفة والمقربة من الراحل عبد الكيم قاسم وبقية الوزراء في مجلس الوزراء ، فرغم مرور وقت يزيد على النصف قرن على تشريعه فأن تلك العقود لم تمكن التقادم منه إذ مازالت نصوصه تحتفظ ببريقها وحيوتها وامكانيتها للتطبيق الان . وبغية الوقوف على احكامه فلا بد من المرور على المواضيع التي تناولتها نصوصه وعلى الوجه اللاتي :
الفئة المستهدفة: القانون هو خطاب موجه الى فئة عريضة من العاملين في وزارات الدولة ودوائرها تبدأ من رئيس الوزراء فالوزراء وكل موظف عام ولو بأدنى درجة بما في ذلك المستخدمين الذين هم ادنى درجة من الموظفين حينئذ، وضباط القوات المسلحة نزولا الى نواب الضباط ، ورجال الشرطة بما في ذلك المفوضين وأعضاء مجلس الاعيان والنواب او أعضاء المجالس البلدية او الادارية . فقد ألزم القانون هؤلاء ولكل واحد منهم ان يقدم خلال شهرين من تاريخ تعيينه او انتخابه إقراراً عن ذمته المالية وذمة زوجته وأولاده القاصرين يتضمن ماله من أموال منقولة أوغير المنقولة وعلى الاخص الاسهم والسندات والحصص في الشركات وعقود التأمين والنقود والحلي والمعادن والاحجار الكريمة الثمينة وما له من استحقاق في الوقف وما عليه من التزامات .
متابعة الاقرارات : تقدم هذه الاقرارات الى شعبة الذاتية في الوزارات او الهيئات العامة التي يعملون بها ، وتسلم مقابل وصل او بإرسالها بكتاب مسجل . وتخضع التقارير لفحص لجنة أو أكثر تتألف من مدير عام الهيئة المختصة رئيسا ومن اثنين من كبار موظفي الهيئة أو الوزارة ونائب عن المدعي العام يعينه وزير العدل ، وتعرض الاقرارات على لجان الفحص خلال شهر من تاريخ تقديمها ، وعلى موظفي الذاتية مراقبة تقديم هذه الإقرارات وان يبلغوا قضاة التحقيق كل في موقعه الجغرافي عن كل شخص مكلف بتقديم الإقرار ولم يقدم الإقرار المطلوب منه ، وتكون الوزارات والهيئات العامة مكلفة بارسال التقارير تلك في حالة طلبها من قبل قضاة التحقيق ولأي سبب كان .
الفعل الذي يعد كسبا غير مشروع على حساب الشعب – هو كل مال حصل عليه اي شخص الوارد عنوانه الوظيفي في الفئة المستهدفة ، بسبب استغلال مركزه الوظيفي ، او اي عمل كان سببا لذلك جراء نفوذه او ظروف وظيفته ، او اي مال حصل عليه اي شخص (الطبيعي او المعنوي) بسبب تواطؤ هذا الشخص مع اي واحد من المذكورين تحت عنوان الفئة المستهدفة مبنياً على استغلال الوظيفة او المركز الوظيفي لأي منهم . او كل مال لم يذكره المكلف بالإقرار او ذكره من دون الاشارة الى شرعية مصدره ، او ان يعجز عن اثبات المصدر المشروع له المذكور في الإقرار . يضاف الى ما تقدم ، فان اي مال يعد كسباً غير مشروع لم يقدمه المكلف باقراره ، إلا إذا ثبت بانه حصل عليه بطريق مشروع .
رصد المخالفة واجراءات التعامل معها : اذا وجدت الإدارة أن الإقرار المقدم من المكلف تشوبه شبهة فللوزيرالمختص إعادة فحص الإقرارمن قبل لجنة يشكلها لهذا الغرض ، وقد تتخذ تلك اللجنة قرارا بعدم مسؤولية المقر ، أما اذا وجدت اللجنة ان المقر مشغول الذمة بكسب غير مشروع فتقرر احالة الموضوع الى قاضي التحقيق الذي يباشر فورا بتحقيقاته حول الموضوع على وفق أحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية – وعدم التقيد بالحصانات الواردة فيه او في قانون اخر – وتكون له سلطة سحب يد الموظف ، وله كذلك أن يطلب المعلومات او البيانات من اية جهة رسمية او هيئة نيابية عامة رسمية أو شبه رسمية . فضلا عن ذلك فله ايضا متابعة المتهم حتى ولو عُزل او إعتزل من الخدمة او خرج منها لاي سبب كان . والامر ذاته بالنسبة للنائب اذا زالت عنه الصفة النيابية ، ولا تعد الوفاة سببا لايقاف اجراءات التحقيق . فأذا تبين لقاضي التحقيق ان الواقعة تشكل مخالفة ادارية او مالية فأنه يحيل المخالف الى الجهة المختصة للنظر في معاقبته انضباطيا . أما إذا كان الفعل يشكل كسبا غير مشروع فيحيل المتهم الى المحكمة الكبرى ( محكمة الجنايات حاليا) . لتطبيق الاحكام العقابية الواردة في القانون فضلا عن العقوبات التبعية كالعزل من الوظيفة العامة او حرمانه من بعض الحقوق .
تلاحظ بساطة الاجراءات التحقيقية ، إلا أن هذه البساطة يرافقها الحزم والصرامة – وقلة الاشخاص الذين تمر عليهم العملية التحقيقية هي الاجراءات الادارية في دائرة المتهم ، ثم إحالته الى قاضي التحقيق وبعدها محكمة الجنايات ، ومن دون المرور بالسلسلة الطويلة والمعقدة المعتمدة حاليا المبتدئة من موظفي الادارة مرورا بالمفتش العام في كل وزارة او هيئة غير المرتبطة بوزارة والتي تجري تحقيقا إداريا ، ثم تأتي هيئة النزاهة بطبعة ( بول بيريمر ) .
فقضاة التحقيق المكلفين بالتحقيق بشكاوى النزاهة ، ولحين بلوغ الأمر محكمة الجنايات ، وما يرافق ذلك من ضجيج اعلامي مقصود ونتائج فقيرة . مذكرين بالثغرات العديدة في الجسم التحقيقي والنصوص القانونية التي تمكن العديد المتهمين من الإفلات من التحقيق وحتى من العقاب التطبيق بأثر رجعي : الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا القانون ، انه يطبق بأثر رجعي ، اي أن نطاق سريانه يمتد الى فترة سابقة لصدوره ، رغم أن التشريعات عادة لا تنحو هذا المنحى ، ولكن مادام الموضوع يتعلق بالمال العام فحسناً فعل المشرع بهذا النص وميزةً محسوبة له في ملاحقة السراق وشمولهم باحكامه حتى اليوم الاول من ايلول 1939 . ومن هذه الفقرة نطالب السلطة التشريعية التي تعد مشروعا للكسب غير المشروع الآن أن تشمله بأثر رجعي والقول بخلاف ذلك يعني اضفاء الشرعية على سرقة المال العام السابق لتشريعه .
* نشر في جريدة الوقائع العراقية العدد 17 في 21 / 8 / 1958 وسرى مفعوله من تاريخ النشر.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً