تداخل الصكوك
يوسف الفراج
تعتبر القضايا المتعلقة بالعقار من أشكل القضايا التي ترد على القضاة, وهي أنواع عدة, ومن أصعبها قضايا تداخل الصكوك أو – حتى – تطابقها وذلك لعدة اعتبارات, ومنها: استناد كل طرف على وثيقة قوية وهي الصك الذي يحمله, والمكانة المعروفة للعقارات في النفوس, والقيمة العالية للعقار – في الغالب, وهذه الأسباب وغيرها تفرض تعاملا معينا ونفسا متشددا للطرفين في القضية, الأمر الذي يعني طول أمد القضية نظرا لما يحمله الطرفان من صكوك يتطلب النظر فيها الكثير من الوقت للتأكد من صاحب الحق منهما, والمالك الحقيقي للعقار.
أما القضايا العقارية المتعلقة بالمطالبات المالية, مثل أن يطالب المدعي بإلزام المدعى عليه بتسليم قيمة العقار, أو المطالبة بتسليم العقار فهذه من القضايا المفهومة وحدوثها طبيعي, إما بسبب ما قد يحصل من البعض من ظلم للغير أو أن يكون السبب اختلاف وجهات النظر أو الفهوم في تفسير ألألفاظ والعقود, وعلى كل حال فهي من القضايا المعقولة, وأما قضايا تداخل الصكوك فإن السبب فيها في الغالب هو المحكمة نفسها, وقلت “في الغالب “ لأن هناك من التداخل ما يكون سببه تزوير أحد الصكوك فهنا لا يد للمحكمة في الإشكال, وفي غير هذه الصورة فان كلا الصكين صادر من المحكمة ذاتها نظرا للولاية المكانية للعقار, وعندما أقول إن المحكمة هي السبب فهو من حيث إن الصكوك صادرة منها, إلا أن ذلك لا يعني أنها تتحمل المسؤولية, إذاً من يتحمل المسؤولية؟ للجواب عن هذا السؤال لا بد من معرفة أن الطريقة التي يتم تسجيل العقار بها في المملكة هي الطريق الشخصية وهذه لا تكفل للقضاء الضمانات الكافية للجزم بخلو سجل العقار من أي تملكات أو حقوق أخرى, بخلاف نظام التسجيل العيني للعقار الذي يستحيل معه تداخل الملكيات فضلا عن تطابقها لما يتضمنه من أحكام وإجراءات تمنع مثل هذا التداخل, والنظام صدر أخيرا في المملكة والجهات المعنية تعمل على تطبيقه, ومن الأسباب – كذلك – أن الجهة المختصة بالمساحة والأراضي ليس لديها ما يفيد المحكمة عند مخاطبتها بالوضع الحقيقي للعقار لأنها لا تملك سجلا إلكترونيا يبين حال العقار وما جد عليه من تغيرات, وبالتالي فقد يصدر أكثر من صك تملك على عقار واحد, أما تداخل الصكوك فهو الأكثر. ولا بد من الإشارة إلى أن القضاء عند نظره في القضية فإنه يتطرق إلى جانبين,
الأول: مدى حصول التطابق أو التداخل أصلا,
وثانيا: تحديد المالك الأول للعقار, ومن الأخطاء الشائعة عند البعض الظن أن المعتبر في تحديد المالك الأول للعقار هو من يحمل الصك الأقدم تاريخا, وهذا فهم خاطئ, لأنه لا أثر لتاريخ الصك ووقت صدوره, فهو وصف غير مؤثر في إثبات وكشف المالك الحقيقي للعقار, والعبرة هو بتاريخ التملك لا بتاريخ الصك, وبينهما فرق بين, إذ قد يكون صاحب الملك منشغلا أو بعيدا عن عقاره بحيث قاده إلى التأخر في استخراج وثيقة التملك وسبقه من استولى على ملكه واستخرج وثيقة على العقار, فلا شك هنا أن من يثبت تملكه الأقدم بالإحياء هو صاحب الحق, وبهذا فسوف تثبت المحكمة صكه وتلغي الصك الثاني.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً