ترقيع غشاء البكارة بين القانون والمجتمع وسوق الطب السوري
إن ضبابية بعض المواضيع و عدم وضوحها في مجتمعنا تجعلنا عاجزين عن اتخاذ مواقف محددة منها، فمثلا عمليات ترقيع غشاء البكارة لا تحمل معالم واضحة من حيث مشروعيتها و قانونيتها، و ما تحمله من خداع و غش بحسب آراء البعض، في مجتمع يجعل من البكارة شرط لتحقيق الزواج بغض النظر عن طريقة فقدان هذه البكارة أو حتى طريقة استرجاعها. و في مجتمع أصبح الطب فيه سوقا احتكاريا للمتاجرة بهذا الغشاء و بأسعار يحكمها ضعف المرأة و حاجتها لمثل هذه العمليات
عمليات ترقيع غشاء البكارة هي ختم عدم استعمال مسبق للمرأة….
العذرية هي رمز الاخلاص و دليل على قدرة الفتاة على حماية نفسها و سمعتها حتى ليلة الزفاف، هذا الجزء يمثل حالة خاصة من الوعي و الادراك تصل إلى حد العبء الذي تحمله الفتاة على كاهلها منذ بلوغها، إنه العامل الوحيد طبقا للأعراف الاجتماعية الذي يحدد فيما إذا كانت الفتاة نقية أو منحلة أخلاقيا، حيث إن لجوء الفتاة لاجراء عملية رتق جراحية، بعد تشخيص الطبيب لعذريتها-إذ لايمكن لفتاة أن تتأكد من بكارتها بنفسها- قد أثار الكثير من الآراء حول شرعية وقانونية إجراء مثل هذه العمليات، إذ اعتبرت أنها تدليس و خداع للرجل
تتحدث الطبيبة (م، د) أخصائية توليد و نسائيةعن التلاعب بهذه المسألة الحساسة و استغلالها من قبل الأطباء ” يوجد تزايد باجراء هذه العمليات و هي بسيطة حيث يقوم مبدؤها على تضييق فتحة المهبل بقطبة صغيرة قبل يوم الزفاف، أو يمكن أجراؤها بشكل كامل لتدوم مدة أطول، و تكون بعض الفتيات صيد سهل لبعض الأطباء نتيجة وهم الفتاة و جهلها، حيث يقوم الطبيب باجراء عملية مدتها ربع ساعة بخيط تكلفته مائة و خمسون ليرة سورية واضعا في جيبه مبلغا محترما، لقد قمت بإجراء مجموعة من العمليات بهدف اصلاح ما قامت به أيادي بعض الأطباء ضعيفي النفوس، حيث جاءت لزياتي مريضة قامت بعملية ترقيع غشاء البكارة عند أحد الأطباء، و بعد العملية واجهت مشاكل في الجماع مع زوجها، ولدى الفحص تبين ان الطبيب قد أجرى العملية فوق غشاء البكارة السليم مطمئنا الفتاة أن العملية ناجحة و أنها عادت إلى طبيعتها”
الدكتور يوسف أسعد نقيب أطباء دمشق: أنا مع هذه العمليات إذا أدت إلى إنقاذ حياة الفتاة
إن ثقافة المجتمع هي التي تمنع أي ضحية من التقدم بشكوى ضد طبيب استغل حالتها، لأن افتضاح أمرها هو أكبر بكثير من معاقبة الطبيب، فالخوف من أن نشهر هذه الحالة قد يفوت حقها في الادعاء و بالتالي يبقى الرادع للأطباء “للأسف “هو فقط رادع أخلاقي في مجتمع معاييره الأخلاقية غير واضحة
يقول الدكتور يوسف أسعد نقيب أطباء دمشق” للثرى: لا يمكن اعتبار عمليات ترقيع غشاء البكارة ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا، حيث لا توجد نسب و بيانات تؤكد ذلك، و إن وجدت تكون النسب ضئيلة و المرأة فيها ضحية، كما لا يوجد نص في قانون نقابة الأطباء يمنع هذه العمليات، إذ لا تشكل إشكالية مثل عمليات الاجهاضات الجنائية مثلا، ولكن في حال وجود شكوى من قبل أحد ما عن هذه العمليات، و طبعا بعد التأكد من صحتها تعاقب النقابة الطبيب تحت بند مخالفة أخلاقيات المهنة، و لكن هذا نادر الحدوث، وإن كان مستحيلا،هذه العمليات تضيع لأنها تقوم في العيادات و بطريقة سرية و مخفية، و الغرض منها هو عدم التشهير بالفتاة”
و يتابع نقيب أطباء دمشق: ” أنا مع هذه العمليات كرأي شخصي، إذا كانت في سبيل إنقاذ حياة الفتاة، فالمرأة في مجتمعنا مذلولة و ضعيفة، و غشاء البكارة ليس مقياسا للشرف، أي يجب أن تتطور ثقافة المجتمع و الثقافة الجنسية لكي تنمى أخلاقياتنا تجاه هذا الموضوع و توجّه، و بالتالي لا تصبح مثل هذه العمليات موضوع نقاش في المجتمع ”
قانون العقوبات السوري لا يعرض هذا الموضوع بنص واضح….
لم يصل مجتمعنا إلى درجة يكون فيها الشخص حر بجسده، ليس القصد هو الانحلال و لكن هذا التشدد يجعل لدى الناس الرغبة للخروج من هذه الدائرة الضيقة التي تضع المرأة في المرتبة الأدنى من الرجل، و يمجد دورها كزوجة على حساب إنسانيتها، فمحاصرة الفضاءات الإنسانية للمراة يدفعها إلى أن تصبح ثقافتها ثقافة مجتمع ذكوري يقيس الشرف بفرج المرأة، متناسيا المقاييس الأخرى، و متسلحاً بما يسمى جرائم الشرف و الوصاية و الولاية.
يقول المحامي بسام العيسمي”لم يفرد نص فيمايخص عمليات ترقيع غشاء البكارة في قانون العقوبات السوري، حيث يوجد في القانون مايخص نزع غشاء البكارة و ذلك بمعرض استعراض جرائم الاغتصاب الواردة في الباب السابع من الفصل الأول في قانون العقوبات، وفي حال قدمت شكوى بهذه العمليات يتهم الطبيب بالتستر على جريمة قامت بها المراة مع الرجل ”
و يتابع” يجب أن ينظم القانون الجرائم التي تقوم بها المرأة في حال كانت جرائم فعلا، ويجب أن يكون القانون موضوعي، يعطي المرأة الحرية الواسعة باختيار تصرفاتها و العلاقة التي تريد باطار قيم المجتمع ليس الذكوري، وفي حال كانت عمليات ترقيع غشاء البكارة عمل مخالف للقانون ن فهو أخف وطأة بكثير فيما إذا انفضحت هذه المسألة و التي قد تصل إلى قتل الفتاة تحت إطار جرائم الشرف، إن محاصرة المرأة في قوقعة صغيرة على أساس أنها أنثى و أدنى من الرجل، نجد له ترجمة ملموسة في قانون الأحوال الشخصية السوري، الذي يميز الرجل عن المرأة في كثير من النصوص”
الآثار النفسية لفقدان العذرية عند الفتاة….
إن النزعة الذكورية في المجتمع هي التي جعلت بعض الفتيات ممن فقدن غشاء بكارتهن، بأي شكل كان يحاولن التخفي وراء عمليات الترقيع، وذلك لحماية أنفسهن من نظرة المجتمع، التي تجسد المرأة بجسدها وغشاء لا أهمية حقيقية له.
“س” طالبة جامعية متفوقة، ربطتها علاقة مع شاب زميلها، فقدت عذريتها معه بالخداع نتيجة جهلها، إذ لم تكن تعلم أن ما تفوم به معه هو علاقة جنسية كاملة ” لدى معرفتي بذلك دخلت حالة من الاكتئاب و تراجعت دراسيا، و شعرت انه لايوجد ما يمكن أن أخسره أكثرو أصبحت انتهازية وأن من حقي أن أعيش حالة جنسية باختياري، و لكن رغبتي أن أكون أسرة دفعتني إلى التفكير باجراء العملية كي أصبح مثل أي فتاة أخرى، إن إتاحة هذا الخيار جعلني أفكر بنفسي بطريقة مختلفة، و أحقق توازن في داخلي، هذه العملية ليست خداع في مجتمع معاييره الأخلاقية غير واضحة، و إذا لم أتكيف مع ظروفه فإنها سوف تطحنني”
الضغط النفسي الذي تعيشه الفتاة بعد فقدان عذريتها كبير جداً، فحالتها النفسية تصبح مشابهة لحالة امرأة تتعرض للعنف لفترة طويلة من الزمن، فبغض النظر عن تقييم المجتمع لها، تصيبها حالة من الاكتئاب و العزلة، و تشغلها الحالة لدرجة تشلها عن القيام بأي شيء وبالتالي، بدلا من أن تكون المعايير من خلال جسد المرأة، يجب أن تكون معايير إنسانية صادقة، لا تكرس الأخلاق كصورة و تهمش ما بداخلها، إن قصة البكارة هي قصة ملكية الرجل لجسد المرأة، هذه الملكية يجب أن تكسر في عقول الرجال قبل أن تكسر في أجساد الفتيات النساء.
اترك تعليقاً