تزوير المحررات في القانون الجزائري
تزوير المحررات(التزوير الخط)
تمهيد:
إن التزوير هو تغيير الحقيقة وعليه فإذا وقع التزوير في محرر يكون المقصود منه هو تغيير حقيقة مضمون هذا المحرر وإظهاره بمعنى جديد . وعلى ذلك يصف الفقهاء التزوير في المحرر بأنه “إظهار الكذب فيهبمظهر الحقيقة غشا لعقيدة الغير”.
وهو “تغيير للحقيقة يقصد الغش في محرر بإحدى الطرق المبينة في القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا للغير”. ونظرا لخطورة التزوير على المصلحة الإجتماعية ومصالحالأفرادفقد نص القانون على تجريم التزوير في المحررات ورصد له عقوبات شديدة.
وتتفاوت خطورة التزوير في المحررات بين محرر رسمي ومحرر عرفي حيث يعتبر التزوير في محرر رسمي جناية بينما يعتبر التزوير في المحررات العرفية جنحة بحسب الأصل.
ومعيار التفرقة بين المحرر الرسمي والمحرر العرفي يعتمد على الجهة التي صدر عنها المحرر.
أولا:تزوير المحررات الرسمية:
1)-أركان الجريمة:
أ)-الركن الشرعي:214 إلى 218 ق.ع.ج.
ب)-الركن المفترض:أن يكون محل الجريمة هو محرر رسمي ونعني به أن المحرر على العموم هو وثيقة أو مسطور
أو عبارات خطية مكتوبة وله مضمون.ومع ذلك فلا يمكن إعتبار كل مسطور كتابي محررا يصبح أن يكون محلا لهذه الجريمة إلا إذا توافرت فيهشروطتجعلهذا حجية يمكن أن يحتج في مواجهة الغير. فالمحرر يجب أن يكون معروف المصدر كأن يكون موقعا عليه من قبل شخص ما أو هيئة ما. أوما يفيد معرفة مصدره وقراءة مضمونه ولو كان بلا توقيع.
كما يشترط فيه أن يحمل مضمونايرتب حقا أو يكرس واقعةيمكن أن يترتب عليها آثار قانونية.ولا عبرة بعد ذلك بوسيلة التدوين (خطية أو مطبوعة…إلخ) أو المادة المدون عليها (أوراق- قماش –حجر…).
وتتفق المحررات الرسمية في كل ذلك مع المحررات الأخرى، وتتميز بأنها صادرة عن جهة قضائية أو إدارية.
فالمحررات القضائية هي المحررات التي تصدر عن القضاء كمحاضر التحقيق والجلسات والأحكام والأوامر.
أما المحررات الإدارية فهي التي تصدر عن السلطات الإدارية كدفاتر تعيين المواليد والوفيات وشهادات الميلاد ووثائق الزواج والطلاق وسائر محررات الشهر العقاري.
والتزوير في هذه المحررات قد يتم من قبل الجهة المصدرة (م214 و م 215 ق.ع.ج).أو من قبل أي شخص عادي بعد إصدارها (م216 ق.ع.ج).
ج)-الركن المادي:
I)-ويتمثل في طرق التزوير:
أ)-بالنسبة لطرق التزوير التي يتبعها القاضي أو الموظف أو القائم بوظيفة عمومية: فقد ميز المشرع هنا بين طرق التزوير المادية (م214) وبين طرق التزوير المعنوية (م215).
ويقصد بالطرق الأولى هو التغيير في المصدر بعد إنشائه ، وهو ما يترك أثرا ماديا للتزوير ، أما الطرق الثانية فتعني بها التزوير الذي يقع في المحرر أثناء إنشائه ولا يترك أثرا ماديا عادة وهذا ما جعله أكثر صعوبة من التزوير المادي من حيث الإثبات.
1-التزوير المادي:حصرت المادة 214 ق.ع.ج أفعال التزوير المادي في الطرق التالية:
1-وضع توقيعات مزورة:يقع التزوير بأن يعمد الموظف أو القاضي إلى تحريف التوقيع على المحضر بحيث يصبح التوقيع على المحرر توقيعا مزورا.
2-إحداث تغيير في المحررات أو الخطوط أو التوقيعات: تشمل هذه الطريقة كل تغيير مادي قد يحدث في المحرر بعد إنشائه ، سواء في التوقيعات أو في صلب المحرر.ويشترط أن يتم التغيير من قبل القاضي أو الموظف أو القائم بالوظيفة العمومية.وتتعدد طرق التغيير في المحرر فقد تتم بالمحو بأي وسيلة كانت ، أو بالقطع أو زيادة كلمات أو أحرف أو زيادة المبلغ أو بإعدام جزء من المحرر.
أما إذا إستعمل الجاني مادة أزالت الكلمات فلانكون بصدد جريمة تزوير وإنما بصدد جريمة إتلاف.
3-انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها:وهو أن يعمد الموظف أو القاضي إلى التعامل بإسممنتحلأو بإسم شخص آخر.
4-الكتابة في السجلات أو غيرها من المحررات العمومية أو بالتحشير فيها بعد إتمامها أو قفلها:لأنه يفترض في المحررات العمومية أنلايزاد عليها يعد إتمام إمضائهابزيادة كلمات أو بعض الأحرف بين الكلمات التي تغير من معناهاأو حقيقتها. فإذا عمد الموظف أو القاضي إلى ذلك فقد إرتكب الفعل المادي لجريمة التزوير في محرر رسمي.
2)-التزوير المعنوي:هي الأفعال التي تناولتها بالحصر م215 ق.ع.ج والتي بواسطتها يعمد الموظف إلى تزييف جوهر المحرر أو ظروف المحرر بطريق الغش على النحو التالي:
1-كتابة إتفاقات خلاف التي دونت أو أمليت من الأطراف: وتتحقق هذه الواقعة بتغيير كاتب المحرر وعن غش ما قد أملي عليه من الأطراف وذلك بأن ينسب إلى أحد الأطراف قولا لم يقله ويكون من شأنه تغيير موقفه القانوني.
2-تقرير وقائع كاذبة بصورة وقائع صحيحة: وهي أن يعمد كاتب المحرر إلى تقرير وقائع يعلم أنها غير صحيحة.
كأن يذكر ضابط الشرطة القضائية أن التفتيش تم بحضور شاهدين وهو يعلم عدم توافر هذا الشرط فعلا ، أو كأن يعمد إلى تغيير تاريخ المحرر أو أن يقوم موظف بالتصريح بولادة طفل من امرأة غير أمه.
3-الشهادة كذبا بوقائع غير معترف بها: في مثل هذه الحالة يلجأ الموظف إلى تغيير وتزوير الموقف الحقيقي وذلك كأن يعمد قاضي التحقيق إلى إثبات إعتراف المتهم بالتهمة الموجهة إليه في حين أنه لم يعترف حقيقة وإنما نسب إليه كذبا.
4-إسقاط أو تغيير الإقرارات عمدا:(التغيير بالترك) : ويتم هذا بأن يعمد الموظف أو القاضي إلى إغفال ذكر واقعة في المحرر كأن من الواجب ذكرها أو يتعمد إسقاط بعض الإقرارات التي تلقاها من الأطراف أو بتغيير فحواهامثلا: شرطي لم يذكر مبلغا من النقود عثر عليه أثناء التفتيش.
ملاحظة:
إن التزوير المعنوي لا يعاقب عليه القانون إلا إذا كان المحرر الذي وقع عليه التزوير يشكل في حد ذاته مصدر حق أو دليلا عليه.
فمثلا:
تزييف الدفاتر التجارية يعتد بها كمحل لجريمة التزوير لمحررات الرسمية لأنها في نظر القانون لهاحجيةإثبات في المواد التجارية وعلى العكس من ذلك فإن تزييف نسخة من وثيقة أو تغيير الحقيقة في تقرير إداري لا يعتد بها في هذه الجريمة.أو لا تكون محلا لهذا النوع من التزوير.
ب)-أما بالنسبة للتزوير في المحرر الرسمي من قبل أي شخص:
ماعدا الموظف أو القاضي ، فالتزوير هنا لا يكون إلا تزويرا ماديا إذ يقع على محرر هو صحيح بالأصل ، وقد حصرت المادة 216 ق.ع.ج الطرق التي يتم بها التزوير وهي على النحو التالي :
1- تقليد أو تزوير الكتابة أو التوقيع.
2- إصطناع إتفاقات أو نصوص أو إلتزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
3- إضافة أو إسقاط أو تزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائعالتي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو إثباتها.
4- إنتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.
وقد سبق شرح هذه العبارات فلا تعودلها ثاينة.
وأخيرا تجدر بنا الإشارة إلى أن طرق التزوير التي ذكرناها في المواد 214 حتى 216 ق.ع.ج د جاءت على سبيل الحصر وبالتالي فلا يعد تغيير الحقيقة فيها تزويرا إلا إذا حصل بإحدى تلك الطرق.
IIشرط الضرر:
لم يشترط القانون حصول الضرر صراحة ولكنه شرط يستدل عليه من حكمة التجريم لواقعة التزوير، فتغيير الحقيقة في المحررات قد يكون من شأنه أنيغير المراكز القانونية لأطراف المحرر وبالتالي يحتج به في مواجهة الغير مما قد يحدث عنه ضررا للغير.
ثم إن تغيير الحقيقة في المحررات الرسمية إعتداء على المصلحة العامة بوصفه عبثا بالوثائق الرسمية يؤدي إلى زعزعة ثقة الناس بها وبقوة حجتها وقيمتها التدليلية ويستوي أن يكون الضرر خاصا أو عاما.
وقد يكون الضرر ماديا أو معنويا.
كما قد يكون الضرر فعليا أو ضررا محتملا.
الركن المعنوي:
يقوم القصد الجنائي في جرائم التزوير المادية بتوافر القصد العام ، أما في التزوير المعنوي فإن الركن المعنوي يتطلب أن يتوافر لدى الجاني القصد الخاص وهو تزييف جوهر المحررات أو ظروفها بطريقة الغش.
وعليه إذا حدث التزييف عن غلط أو إهمال أو جهل بحقيقة الوقائع لا تقوم الجريمة وبالتالي لا يمكن إعتبار الموظف أو القاضي مزورا.
2)-العقوبة: بعاقب الموظف أو القائم بوظيفة عمومية أو القاضي بالسجن المؤبد إذا إرتكب جريمة التزوير أثناء تأدية عمله (م214، 215 ق.ع.ج).
ويعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة كل من إرتكب جريمة التزوير وليس له صفة القاضي أو الموظف أو القائم بوظيفة عمومية (م216 ق.ع.ج).
ملاحظة:
بالإضافة إلى هذا النوع من التزوير (تزوير المحررات الرسمية أو العمومية) هناك أنواع أخرى عالجها القانون لا يسعنا الوقت للتعرض إليها بالشرح ولكن نذكرها فقط وهي :
-تزوير المحررات التجارية أو المصرفية.
-تزوير المحررات العرفية أو الخاصة.
-التزوير في الشهادات ورخص الصيد وجوازات السفر….إلخ.
ثانيا:إستعمال المحررات المزورة:
1)-أركانها:
أ)-الركن الشرعي: م 218 ق.ع.ج.
ب)-الركن المادي: إستعمال الورقة المزورة.
نشير أولا إلى أن مستعمل الورقة المزورة هنا هو غير مزورها ، فإذا كان يمكن تصور شخص زور ثم إستعمل الورقة المزورة فإنه سيحاكم على جريمة التزوير فحسب أما هنا فيفترض أن الشخص فد حصل على وثيقة أو محرر مزور وإستعمله بالرغم من علمه بأن المحرر مزور.
فالركن المادي لهذه الجريمة فيتمثل في فعل الإستعمال الذي هو نشاط مادي يقوم به الجاني بإستظهار المحرر المزور عند اللزوم أو تقديمه إلى الجهات المختصة كمحر صحيح.
ج)-الركن المعنوي: ويشترط هنا أن يكون الجاني عالما بحقيقة الورقة المزورة ، فإذا كان يجهل هذه الحقيقة وإستعملها فلا جريمة لإنتقاء القصد الجنائي لديه والمتمثل في إستعماله للورقة المزورة.
2)-العقوبة:
يعاقب كل شخص إستعمل الورقة المزورة وهو يعلم حقيقتها بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات وهذا حسب م218 ق.ع
اترك تعليقاً