حكم تمييز تزوير أوراق رسمية
محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 6/ 1/ 2004
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي رئيس الجلسة
وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب وعاطف عبد السميع ونجاح نصار ومجدي أبو العلا
(1)
(الطعن رقم 237/ 2002 جزائي)
1 – حكم (تسبيب غير معيب) – جريمة (أركانها).
– عدم تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن أركان الجريمة – لا ينال منه مادام أورد في مدوناته من الوقائع ما يدل على توافرها.
2 – تزوير – إثبات (بوجه عام). محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير الدليل).
– لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى.
– العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه – مطالبته بالأخذ بدليل معين – لا يصح – إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
3 – إثبات (بوجه عام) – تزوير.
– إثبات التزوير – لم يجعل القانون لإثباته طريقًا خاصًا.
4 – إثبات (شهود) و(تساند الأدلة) – تمييز (السبب القائم على جدل موضوعي) – محكمة الموضوع (سلطتها في وزن أقوال الشهود).
– وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها – مرجعه إلى محكمة الموضوع – أخذها بأقوال شاهد – مفاده: إطراح جميع الاعتبارات لحملها على عدم الأخذ بها.
– تساند الأدلة في المواد الجزائية – مؤداه.
– الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة ومصادرة المحكمة لعقيدتها – غير جائز أمام التمييز – مثال.
5 – تزوير (أوراق رسمية) – إثبات (خبرة) و (إجراءات الإثبات) – دفاع [(الإخلال بحق الدفاع)، (ما لا يوفره)]. محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير الدليل).
– تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات – مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير – عدم التزامها بالرد على الطعون الموجهة إلى تقرير الخبير أو إعادة المهمة إليه – حد ذلك – النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع – في غير محله – مثال.
6 – حكم (بيانات الحكم) و (تسبيب الحكم الاستئنافي) – تمييز (سبب وارد على غير محل).
– إشارة حكم أول درجة إلى مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها وانتهاؤها إلى معاقبة الطاعنين طبقًا لها – اعتناق الحكم المطعون فيه أسباب الحكم المستأنف – كفايته لبيان مواد القانون التي عاقبتهما بمقتضاها – النعي في هذا الخصوص – لا محل له.
7 – إجراءات المحاكمة – معارضة (نظرها والحكم فيها) – دفاع [(الإخلال بحق الدفاع)، (ما لا يوفره)] – تمييز (سبب غير منتج).
– قبول معارضة الطاعن في الحكم الغيابي الابتدائي – أثره: عدم حرمانه من إبداء دفاعه وعدم المساس بحق له – النعي في هذا الخصوص – غير منتج.
8 – إجراءات المحاكمة – معارضة (نظرها والحكم فيها) – قضاة – قانون (تطبيقه).
– وجوب أن تنظر المعارضة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي – نظر القاضي الذي أصدر الحكم الغيابي للمعارضة فيه – جائز – النعي عليه في هذا الشأن – غير سديد.
1 – من المقرر أنه لا ينال من الحكم عدم تحدثه صراحة واستقلالاً عن أركان الجريمة ما دام قد أورد في مدوناته من الوقائع ما يدل على توافرها، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى – على النحو السالف – بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، فإن منعاهما عليه بالقصور في التسبيب يكون لا محل له.
2 – لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، ما دام أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين إذ جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات التزوير طريقًا خاصًا.
3 – القانون الجنائي لم يجعل لإثبات التزوير طريقًا خاصًا.
4 – وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع دون معقب ومتى أخذت بأقوال شاهد واطمأنت إلى صحة الواقعة على الصورة التي رواها فذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بشهادة ذلك الشاهد، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال عقيدة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات – وقد تضمنت شهادة أولهما: خالد….. خلافًا لما جاء بوجه النعي – اتهام الطاعنين بالواقعة،
وعولت على ما أثبته تقرير الأدلة الجنائية من تحرير التوقيع المنسوب إلى ذلك الشاهد على إقرار التخالص بطريقة مغايرة للمتبع في كتابة توقيعاته، كما عولت على ما بان لها من الاطلاع على الدعوى 1821/ 1998، 2298/ 98 – 189/ 98 جنايات حولي وعززت هذه الأدلة بما أثبت في الدعوى رقم 19/ 99 جنح الصالحية 221/ 99 حصر العاصمة من تقديم الطاعن الأول للمحاكمة الجزائية بتهمة حمل المجني عليه فيها عن طريق التدليس على تحرير سند مسقط لحقه، وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية أقوال أبو بكر…..، وكان ما أوردته المحكمة في مجموعه كافيًا وسائغًا في التدليل على ثبوت مقارفة الطاعن الأول لجريمتي التزوير في محرر رسمي وانتحال شخصية آخر واشتراك الطاعن الثاني معه في أولى الجريمتين فإن نعيهما على الحكم في هذا الشأن لا يعدو وأن يكون جدلاً موضوعيًا حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة التمييز.
5 – من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقرير الخبير الذي أخذت به لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد فيها ما يستحق التفاتها إليها، كما أنها غير ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم ترَ هي من جانبها ضرورة لاتخاذ هذا الإجراء وطالما أن استنادها في الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون – كما هو الشأن في الدعوى الماثلة – وكان الحكم المطعون فيه لم يُقم قضاءه بثبوت التزوير في حق الطاعن الأول استنادًا إلى أنه حرر بخطه التوقيع المزور على (إقرار التخالص والتنازل عن دعوى قضائية) موضوع التهمة الأولى المسندة إليه، ولم يؤاخذه- ابتداءً – بالتزوير في المحرر بتلك الطريقة،
وإنما باستغلاله حسن نية المكلف بكتابة المحرر وإملاء بيانات كاذبة عليه موهمًا أنها بيانات صحيحة، فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن إعادة المهمة إلى الخبير أو طلب دعوته لمناقشته لتحقيق دفاع الطاعن الأول في هذا الخصوص وما دام أن المحكمة قد اطمأنت إلى صحة وقوع التزوير استنادًا إلى ما أوردته من أدلة سائغة ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بقالة الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله.
6 – إذ كان الثابت من حكم محكمة أول درجة أنه أشار إلى مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها، وخلص إلى معاقبة الطاعنين طبقًا لها. وقد اعتنق الحكم المطعون فيه أسباب الحكم المستأنف، وفي ذلك ما يكفي لبيان مواد القانون التي عاقبهما بمقتضاها، فيضحى النعي عليه في هذا الخصوص لا محل له.
7 – إذ كان الطاعن الثاني قد عارض في الحكم الغيابي الابتدائي وقبلت معارضته، ومن ثم فلم يمس له حقًا ولم يحرم من إبداء دفاعه، فإن ما ينعاه في هذا الصدد يكون غير منتج.
8 – إذ كان القانون قد أوجب أن تنظر الدعوى بالنسبة للمعارضة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، وليس هناك ثمة ما يمنع القاضي الذي أصدر الحكم الغيابي من نظر المعارضة فيه، منعى الطاعن الثاني في هذا الشأن لا يكون سديدًا.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة: 1 – مازن….. – طاعن أول – 2 – أنور….. – طاعن ثان – بأنهما في غضون الفترة من فبراير وحتى سبتمبر عام 1998 بدائرة شرطة المباحث الجنائية محافظة العاصمة.
المتهم الأول: أولاً: ارتكب تزويرًا في محرر رسمي بقصد استعماله على نحو يوهم بمطابقته للحقيقة هو (إقرار التخالص والتنازل عن دعوى قضائية) الموثق تحت رقم 3147 جلد 10 توثيق قصر العدل بأن استغل حسن نية الموظف المكلف بكتابته وأملى عليه كذبًا وعلى خلاف الحقيقة أنه المحامي….. وأنه وكيلاً عن….. بموجب التوكيل الخاص المصدق برقم 3122 جلد ذ بتاريخ 21/ 3/ 1998م توثيق قصر العدل وأنه يقر بموجب ذلك وبصفته المذكورة بأن موكله قد استلم من المتهم الثاني مبلغًا وقدره 65000 خمسة وستون ألف دينار عبارة عن قيمة الشيك رقم 70499 المسحوب لصالح موكله على بنك بيت التمويل الكويتي وأنه يبرئ ذمته من قيمة هذا الشيك وأن ذلك يعتبر تخالصًا منه له، ولتقديمه في الجناية رقم 2298/ 98 حولي. موهمًا بصحة هذه البيانات فأثبتها الموظف سالف الذكر بهذا المحرر والذي كان بعد تزويره صالحًا لأن يستعمل على هذا النحو.
ثانيًا: انتحل شخصية آخر هو المحامي….. وأقر أمام شخص مختص قانونًا هو الموثق بإدارة التسجيل العقاري والتوثيق بمكتب توثيق قصر العدل بأنه وكيلاً عن….. بموجب التوكيل الخاص رقم 3122 جلد ز وأن موكله قد استلم من المتهم الثاني والذي كان متهمًا في الجناية رقم 2298/ 98 حولي قيمة الشيك سند تلك الجناية وأن ذمة الأخير قد صارت بريئة من قيمة هذا الشيك على خلاف الحقيقة.
المتهم الثاني: اشترك مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محرر رسمي (موضوع التهمة الأولى للمتهم الأول) بأن اتفق معه على ذلك وساعده بأن أمده بالبيانات اللازمة لإثباتها في المحرر سالف الذكر فوقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت عقابهما بالمواد 48/ ثانيًا وثالثًا، 52/ 1، (257)، 259/ 1، (282) من قانون الجزاء. حكمت محكمة الجنايات حضوريًا للأول وغيابيًا للثاني: أولاً: بحبس المتهم الأول ثلاث سنوات وكفالة خمسمائة دينار لوقف النفاذ. ثانيًا: بحبس المتهم الثاني ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ عما أسند إليه من اتهام. عارض الثاني، وحكمت المحكمة بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. استأنف المحكوم عليهما، ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 19/ 5/ 2002 بقبول استئناف كل من المتهمين شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا القضاء بطريق التمييز.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهما بجريمتي تزوير في محرر رسمي وانتحال شخصية وثانيهما بالاشتراك معه بطريقي الاتفاق والمساعدة في الجريمة الأولى، قد خالف القانون وشابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن لم يستظهر توافر الأركان القانونية لجريمة التزوير. وعول على أدلة لا تكفي ولا تقطع بوقوعه، فأقوال….. لم تتضمن اتهامًا للطاعنين، إضافة إلى أنها وأقوال….. غير صحيحة. لما ساقاه من قرائن – منها أن….. الموثق الذي حرر إقرار التخالص موضوع التزوير – شهد بتأكده أن….. هو الذي قام بالمعاملة وبسلامة إجراءاتها، وهو ما ينفي التزوير، وعول على الدعوى رقم 221/ 1999 حصر العاصمة رغم المغايرة بين موضوعها والدعوى المطروحة والحكم بعدم قبولها كما عول على تقرير الأدلة الجنائية رغم أنه لم ينسب للطاعن الأول تزويرًا،
إذ مما أثبت أن التوقيع المنسوب صدوره….. على إقرار التخالص يتعذر نسبه أو نفي كتابته إلى الطاعن الأول أو أي شخص غيره، وأغفل الحكم الرد على الدفع ببطلان عمل الخبير وتعيب إجراءات الاستكتاب، ولم تستجب محكمة الموضوع – بدرجتيها – لطلب إعادة الأوراق إلى الأدلة الجنائية لإعادة فحص المحرر محل التزوير أو استدعاء الخبير لمناقشته، ويضيف الطاعن الثاني أن الحكم لم يورد الواقعة بما تتوافر به الأركان القانونية لجريمة اشتراكه في التزوير، وعول في ثبوتها في حقه على أدلة غير كافية، كما وأنه توجد معاملات بينه….. تبادلا فيها الالتزامات وقد قدم له بمناسبتها إقرار التخالص – محل التزوير المدعى به – أثناء وجوده في محبسه بما تنتفي معه الجريمة. يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه خلا من بيان نص القانون الذي أنزل بموجبه العقاب، ولم يُعلن الطاعن بالحضور للجلسة التي صدر فيها الحكم الابتدائي الغيابي، وأن الهيئة التي أصدرت الحكم الصادر في المعارضة فيه هي بذاتها التي أصدرت الحكم المعارض فيه، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب تمييزه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى في قوله….. لخلافات بين….. والمتهم الثاني اصطحبه الأخير إلى مكتب المحامي….. لتسويتها حيث تقابلا مع المتهم الأول – والذي كان يستضيفه المحامي سالف الذكر لحين إعداد مكتب خاص له – وطلب من كل منهما تحرير توكيل له مدعيًا أنه المحامي….. وتسليمهما له في اليوم التالي. وبتاريخ 21/ 2/ 2001 حضر المتهم الأول إلى قصر العدل وتسلم من كل منهما توكيله، إلا أنه لم يقم بتسوية تلك الخلافات وأبلغ المجني عليه بفشله في ذلك،
ولم يقم الأخير عن جهل بإلغاء وكالته له، وقد استغل المتهم الأول هذا التوكيل بعد ذلك واستصدر إقرار تخالص وتنازل عن دعوى قضائية موثق تحت رقم 3147 جلد 10 توثيق قصر العدل مدعيًا أنه المحامي خالد….. وأنه وكيل عن المجني عليه، ويقر بموجب ذلك بأن موكله استلم من المتهم الثاني مبلغ 65.000.000 دينار كويتي قيمة الشيك رقم 70499 المسحوب لصالح موكله على بيت المال الكويتي وأنه يبرئ ذمته من قيمة هذا الشيك وأن ذلك يعتبر تخالصًا منه لتقديمه في الجناية رقم 2298/ 98 حولي. والتي تم استئناف الحكم الصادر فيها ضد المتهم الثاني من الأول، وقد قدم الإقرار أمام محكمة (الاستئناف) فأصدرت حكمها على ذلك بتعديل الحكم المستأنف والامتناع عن النطق بالعقاب. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال الشاهدين…..
وما تضمنه كتاب إدارة التسجيل العقاري والتوثيق بقصر العدل وتقرير الأدلة الجنائية ومحضر جلسة 6/ 9/ 1998 في القضية 1821/ 98 وما ثبت من عريضة الاستئناف الخاصة بها والقضية 190/ 99 جنح الصالحية (221/ 99 حصر العاصمة). لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا ينال من الحكم عدم تحدثه صراحة واستقلالاً عن أركان الجريمة ما دام قد أورد في مدوناته من الوقائع ما يدل على توافرها، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى – على النحو السالف – بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، فإن منعاهما عليه بالقصور في التسبيب يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، ما دام أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه،
فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين إذ جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات التزوير طريقًا خاصًا، وكان وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع دون معقب ومتى أخذت بأقوال شاهد واطمأنت إلى صحة الواقعة على الصورة التي رواها فذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بشهادة ذلك الشاهد، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال عقيدة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات – وقد تضمنت شهاد
أولهما: ….. – خلافًا لما جاء بوجه النعي – اتهام الطاعنين بالواقعة، وعولت على ما أثبته تقرير الأدلة الجنائية من تحرير التوقيع المنسوب إلى ذلك الشاهد على إقرار التخالص بطريقة مغايرة للمتبع في كتابة توقيعاته، كما عولت على ما بان لها من الاطلاع على الدعوى 1821/ 1998 (2298/ 98 – 189/ 98 جنايات حولي) وعززت هذه الأدلة بما أثبت في الدعوى رقم 19/ 99 جنح الصالحية 221/ 99 حصر العاصمة من تقديم الطاعن الأول للمحاكمة الجزائية بتهمة حمل المجني عليه فيها عن طريق التدليس على تحرير سند مسقط لحقه، وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية أقوال أبو بكر…..، وكان ما أوردته المحكمة في مجموعه كافيًا وسائغًا في التدليل على ثبوت مقارفة الطاعن الأول لجريمتي التزوير في محرر رسمي وانتحال شخصية آخر واشتراك الطاعن الثاني معه في أولى الجريمتين فإن نعيهما على الحكم في هذا الشأن لا يعدو وأن يكون جدلاً موضوعيًا حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة التمييز ويكون منعاهما في هذا الخصوص غير سديد.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقرير الخبير الذي أخذت به لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد فيها ما يستحق التفاتها إليها، كما أنها غير ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم ترَ هي من جانبها ضرورة لاتخاذ هذا الإجراء وطالما أن استنادها في الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون – كما هو الشأن في الدعوى الماثلة – وكان الحكم المطعون فيه لم يُقم قضاءه بثبوت التزوير في حق الطاعن الأول استنادًا إلى أنه حرر بخطه التوقيع المزور على (إقرار التخالص والتنازل عن دعوى قضائية) موضوع التهمة الأولى المسندة إليه، ولم يؤاخذه – ابتداءً – بالتزوير في المحرر بتلك الطريقة، وإنما باستغلاله حسن نية المكلف بكتابة المحرر وإملاء بيانات كاذبة عليه موهمًا أنها بيانات صحيحة، فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن إعادة المهمة إلى الخبير أو طلب دعوته لمناقشته لتحقيق دفاع الطاعن الأول في هذا الخصوص وما دام أن المحكمة قد اطمأنت إلى صحة وقوع التزوير استنادًا إلى ما أوردته من أدلة سائغة ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بقالة الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الثابت من حكم محكمة أول درجة أنه أشار إلى مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها، وخلص إلى معاقبة الطاعنين طبقًا لها. وقد اعتنق الحكم المطعون فيه أسباب الحكم المستأنف، وفي ذلك ما يكفي لبيان مواد القانون التي عاقبهما بمقتضاها، فيضحى النعي عليه في هذا الخصوص لا محل له.
لما كان ذلك، وكان الطاعن الثاني قد عارض في الحكم الغيابي الابتدائي وقبلت معارضته، ومن ثم فلم يمس له حقًا ولم يحرم من إبداء دفاعه، فإن ما ينعاه في هذا الصدد يكون غير منتج. لما كان ذلك، وكان القانون قد أوجب أن تنظر الدعوى بالنسبة للمعارضة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، وليست هناك ثمة ما يمنع القاضي الذي أصدر الحكم الغيابي من نظر المعارضة فيه، فإن منعى الطاعن الثاني في هذا الشأن لا يكون سديدًا. لما كان ما تقدم، فإن طعني الطاعنين يكونا على غير أساس متعينًا رفضهما موضوعًا.
رد مع اقتباس
اترك تعليقاً